الصفحات

الاثنين، 22 نوفمبر 2021

عدم اختصاص محكمة النقض بالمنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الأطباء البيطريين

الدعوى رقم 133 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 6 / 11 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس مــــن نوفمبر سنة 2021م، الموافق الأول من ربيع الآخر سنة 1443 هـ.
أصدرت الحكم الآتي
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 133 لسنة 37 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية)، بحكمها الصادر بجلسة 17/ 5/ 2015، ملف الدعوى رقم 17740 لسنة 66 قضائية.

المقامة من
عبده محمد محمد أحمد الشواف
ضد
1- وزير العدل
2- وزير الصحة
3- وزير الزراعـة
4- رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين
5- رئيس اللجنة القضائية الفرعية المشرفة على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين
6- رئيس اللجنة العليا للانتخابات والمشرفة على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين
7- نقيب الأطباء البيطريين

--------------
" الإجـراءات "
بتاريخ السابع عشر من أغسطس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 17740 لسنة 66 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 17/ 5/ 2015، بوقف الدعوى تعليقًــا وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريـة المادة (35) من القانون رقــم 48 لسنة 1969 بشأن نقابة الأطباء البيطريين. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 8/ 5/ 2021، وفيها قررت المحكمة - إعمالاً لسلطتها المقررة بنص المادة (27) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لتحضيرها في شأن ما نصت عليه الفقـــرة الأولى من المادة (35) من القانون المشار إليه من أن " لخمسين عضوًا على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال 15 يومًا من تاريخ انعقادها، بشرط التصديق على التوقيعـات من الجهة المختصة"، وكذلك عبارة " في جلسة سرية "، الواردة بالفقرة الثانية من المادة ذاتها. وقد أودعت هيئة المفوضين تقريرها التكميلي في الدعوى. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 9/ 10/ 2021، وقدمت فيها هيئة قضايا الدولة مذكرة، طالبة الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى لزوال شرط المصلحة، واحتياطيًا: برفض الدعوى. وقررت المحكمة بالجلسة ذاتها إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.

---------------
" المحكمــــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 17740 لسنة 66 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري، طالبًــا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات نقابة الأطباء البيطريين الفرعية بمحافظة الدقهلية، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة الانتخابات مجددًا بإجراءات قانونية صحيحة. وذلك على سند من أنه كان قد تقدم بطلب للترشح على مقعد نقيب الأطباء البيطريين بالدقهلية، ثم عدل عن الترشح، وقد أجريت الانتخابات بتاريخ 23/ 12/ 2011. وينعى على قرار إعلان نتيجة الانتخابات، ابتناءه على إجراءات باطلة، إذ تبين له من مراجعة كشوف الناخبين - التي لم توزع إلا قبل العملية الانتخابية بساعات قليلة - عدم تنقية جداول الناخبين، وعدم اشتمالها على أسماء بعض الأطباء. وبجلسة 17/ 5/ 2015، قضت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة (35) من القانون رقم 48 لسنة 1969 بشأن نقابة الأطباء البيطريين، لما ارتأته من أن ما ورد في ذلك النص من اختصاص محكمة النقض بالفصل في المنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الأطباء البيطريين- بالرغم من طبيعتها الإدارية - إنما يقع مخالفًــا لنص المادة (190) من دستور سنة 2014، الذى خص مجلس الدولة دون غيره الاختصاص بالفصل في جميع المنازعات الإدارية.
وحيث إن المادة (35) من القانون رقم 48 لسنة 1969 بشأن نقابة الأطباء البيطريين تنص على أنه " لخمسين عضوًا على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال 15 يومًــا من تاريخ انعقادها، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة، ويجب أن يكون الطعن مسببًا وإلا كان غير مقبول شكلاً. وتفصل محكمة النقض في الطعن على وجه الاستعجال في جلسة سرية وذلك بعد سماع أقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل عن الطاعنين ".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى المعروضة لزوال مصلحة المدعى، لكون طلباته في الدعوى الموضوعية تتعلق بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات نقابة الأطباء البيطريين بالدقهلية التي أجريت عام 2011، وإذ انتهت تلك الدورة الانتخابية، ودورات انتخابية تالية، فإن الفصل في دستورية النص التشريعي المحال لن يرتب أثرًا أو انعكاسًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، فهذا الدفع مردود: ذلك أن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شـرط لقبولهـا، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس الفصل في دستورية النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًــا للفصل في ذلك النزاع. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًــا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة انتخابات نقابة الأطباء البيطريين بمحافظة الدقهلية. وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر الطعن في القرار المشار إليه، هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية تلك المحكمة في نظر النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابقًا بالضرورة على البحث في موضوعها. وإذ شرعت محكمة الموضوع في الفصل في الدعوى، فأقصاها صدر نص الفقرة الثانية من المادة (35) من قانون نقابة الأطباء البيطريين الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1969، الذى عقد الاختصاص بالفصل في تلك المنازعة لمحكمة النقض، ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الدستورية تكون قائمة، ويتحدد نطاقها بما ورد بالفقرة الثانية من المادة (35) السالفة البيان، من أن " وتفصل محكمة النقض في الطعن ..."، ذلك أن للقضاء في دستوريتها أثرًا وانعكاسًـا على مدى اختصاص محكمة الموضوع بالفصل في الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية، بما يجعلها مطروحة حكمًا على هذه المحكمة لتقول كلمتها في مدى اتفاقها مع أحكام الدستور، دون النظر إلى انتهاء الدورة الانتخابية، الأمر الذى يغدو معه الدفع بعدم قبول الدعوى لزوال شرط المصلحة في غير محله حقيقًا بالرفض.
وحيث إن الاختصاص المنوط بهذه المحكمة بنص المادة (27) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، التي تخولها الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المعروض عليها، مؤداه أن مناط تطبيقها يفترض وجود خصومة أصلية طُــرح أمرها عليها وفقًــا للأوضاع المنصوص عليها في قانون إنشائها، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة، وما قد يثار عرضًــا من تعلق الفصل في دستورية بعض النصوص القانونية بها، ومن ثم تكون الخصومة الأصلية هي المقصودة بالتداعي أصلاً، والفصل في دستورية النصوص القانونية التي تتصل بها عرضًــا، مبلورًا للخصومة الفرعية التي تدور مع الخصومة الأصلية وجودًا وعدمًــا، فلا تقبل إلا معها، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي لا تعرض لدستورية النصوص القانونية التي تقوم عليها الخصومة الفرعية إلا بقدر اتصالها بالخصومة الأصلية، وبمناسبتها. وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتها مؤثرًا في المحصلة النهائية للخصومة الأصلية أيًّــا كان موضوعها أو أطرافها، مما مؤداه: أن مباشرة هذه المحكمة لرخصتها المنصوص عليها في المادة (27) من قانونها، يستلزم توافر عدة شروط، أولها: استيفاء الخصومة الأصلية لشرائط قبولها. وثانيها: اتصال بعض النصوص القانونية عرضًا بها. وثالثها: تأثير الفصل في دستوريتها في المحصلة النهائية للخصومة الأصلية.
وحيث إن الفصل في دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (35) من قانون نقابة الأطباء البيطريين الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1969، فيما أورده في صدره من اختصاص محكمة النقض بالفصل في الطعن - في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو تشكيل مجلس النقابة - وثيق الصلة بما ورد بنص تلك الفقرة من عبارة " في جلسة سرية "، وكذلك وثيق الصلة بما تضمنته الفقرة الأولى من هذه المادة من تحديد للقواعد المنظمة لاتصال تلك المحكمة بهذا الطعن، فاشترطت أن يتم الطعن من خمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال 15 يومًــا، وبشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة.
ومن ثم، يمثل نص تلك المادة، في مجمل أحكامه، منظومة متكاملة للطعن على قرارات من طبيعة واحدة، يتعين على هذه المحكمة أن تجيل ببصرها فيها، على ضـوء نظرة شاملة تحيـط بها، وتحدد في ضوئها دستوريتها، وهو ما حدا بالمحكمة إلى استخدام رخصتها في التصدي المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها، بشأن ما ورد بالفقرة الأولى من المادة (35) من قانون إنشاء نقابة البيطريين الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1969 من أن " لخمسين عضوًا على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقـع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال 15 يومًا من تاريخ انعقادها، بشرط التصديــق على التوقيعات من الجهة المختصة "، وكذلك عبارة " في جلسة سرية " الواردة بالفقرة الثانية من المادة ذاتها.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادة (190) من دستور سنة 2014، التي قضت بأن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية .....، وأن النقابات المهنية من أشخاص القانون العام، وتقوم على إدارة مرفق عام، ومن ثمَّ، فإن ما يصدر عنهـــا من قرارات تكون من طبيعة إدارية، مما ينعقـد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة، فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس الدولة ليسند الاختصاص بنظرها إلى جهة قضائية أخرى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جـــرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971 قـد حرص على دعم مجلس الدولة، الـذى أصبح منذ تنظيمه بنص المادة (172) منه جهة قضــاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من الدستور الصادر بتاريخ 25/ 12/ 2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستور الحالي التي تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية .......". ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971 نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر بتاريخ 25/ 12/ 2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية.
وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالي على أن "ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي"، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهـم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سـواء في مجال اقتضائها أو الدفــــاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
وحيث إن الدستور الحالي قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم".
كما نص في المادة (77) منه على أن "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.....".
وحيث إنه باستعراض أحكام القانون رقم 48 لسنة 1969 المشار إليه يتبين أنه أنشأ نقابة للأطباء البيطريين في البلاد مقرها القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز إنشاء فروع لها في المحافظات، وحدد كيفية تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد وشروط العضوية، مبينًــا ما للطبيب البيطري من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات يخضع لها في أدائه لعمله. ومؤدى ذلك أن نقابة الأطباء البيطريين تعتبر من أشخاص القانون العام، وهى مرفق عام مهني، وقد منحها قانون إنشائها قدرًا من السلطة العامة في مجال مباشرتها لأعمالها، بما لازمه أن الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، والانتخابات المتعلقة بتشكيل مجلس النقابة، التي تتصل في حقيقتها ببنيان النقابة، والأجهـزة القائمـة على تسيير شئونها، تُعد جميعهـا بهذا الوصف منازعـات إدارية بطبيعتها. ومن ثم، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، إعمالاً لنص المادة (190) من الدستور، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان صدر نص الفقرة الثانية من المادة (35) من القانون رقم 48 لسنة 1969 المشار إليه، قد عهد بالاختصاص بالفصل في الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الأطباء البيطريين وتشكيل مجلس النقابة، إلى محكمة النقض - بناء على تقرير يقدم إلى قلم كتاب تلك المحكمة - على الرغم من أن هذه المنازعة تدخل في عداد المنازعات الإدارية بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام مهني يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي. ومن ثم، يمثل هذا النص اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًا من اختصاص مجلس الدولة، فوق كونه يمثل خروجًا من المشرع عن نطاق التزامه الدستوري المقرر بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (92) من الدستور، التي وضعت قيدًا عامًا على سلطة المشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، بألا يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، بما يوقع هذا النص في حومة مخالفة نصوص المواد (92، 94 و97 و184 و190) من الدستور.
وحيث إن المادة (187) من الدستور تنص على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية"، بما لازمه أن الأصل في نظر الدعوى أمام المحكمة المختصة أن يكون في جلسة علنية، واستثناءً من ذلك الأصل، أجاز المشرع الدستوري نظر الدعوى في جلسة سرية، استجابة لاعتبارات النظام العام أو الآداب، وجعل تقدير ذلك للمحكمة المختصة. إلا أنه قد استوجب، في جميع الأحوال، النطق بالحكم في جلسة علنية.
لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الثانية من المادة المحالة قد جعل فصل المحكمة في الطعن في جلسة سرية، وجاء هذا الحكم عامًا مطلقًا ليشمل نظر الدعوى والفصل فيها، دون التزام الضوابط التي قررها الدستور في هذا الشأن، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (187) من الدستور.
وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (35) من القانون المشار إليه أن شرطين يتعين توافرهما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو في تشكيل مجلس النقابة، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من خمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًــا عدديًــا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها تصديق الجهة الإدارية المختصة على توقيعاتهم على تقرير الطعن.
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهره، وعلى الأخص من زاويتين، أولاهمــا: أن الدستور كفل للناس جميعًا - بنص المـادة 97 منه - حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التي يحاط بها ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التي يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون في استنهاض الأسس الموضوعية التي نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم - سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا - الحق في الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون ونمطًـــا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هي جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التى كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًـــا لاقتضائها وفق القواعد القانونية التي تنظمها. ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التي يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون في الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التى أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم للقيود التى فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التى تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًا يستقل بالدفاع عنها في إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التى تحتضنها، وهو ما يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها - منظورًا إليها في مجموعها - لا يعتبر قيدًا على حق كل منهم في أن يستقل عنها بدعواه التى يكفل بها حقوقًــا ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانونى الخاص في مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده - ولو بنص تشريعى - قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعن على قرار معين - كلما توافر أصل الحــق فيه - لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التى يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم. وكان حق النقابة ذاتها في تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التى يدعون إليها في إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التى حددها الدستور بنص المادة (76) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابى ومتطلباته، فإن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًــا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صـورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًا أو متمحضًــا عملاً ماديًــا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
بيد أن نص الفقرة الأولى من المادة (35) من القانون المشار إليه قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو في تشكيل مجلس النقابة، نصابًا عدديًا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من خمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة، ليحول هــــذا القيــــد - بالنظر إلى مداه - بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها، يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، التى لا يقوم العمل النقابى سويًا بدونها. وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض النص التشريعى المحال كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية - الذين جعل من عددهم نصابًــا محتومًــا للطعن في قراراتها - متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًــا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بهــا، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلمًــا يتحقق عمليًّا، ولا يتوخى واقعًــا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون أفدح عبئًــا، وأقل احتمالاً.
وحيث إن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن في القرارات السالفة البيان - ولو كان مكتملاً نصابًا - يظل غير مقبول إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص. وكان ما توخاه المشرع بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون أعضاء في النقابة، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية. وكان التصديق وإن تم في هذا النطــــاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظـل منطويًــا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية. وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتهـا من الشـروط التى لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها - وتندرج صفاتهم تحتها - باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتهـا على توافرهـا أو تخلفهـا، مما يدخل في اختصاصها، ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التى اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها. وترتيبًــا على ذلك، فإن الشروط التى تضمنها نص الفقرة الأولى من المادة (35) من القانون المشار إليه، تغدو مصادمة لنصوص المواد (76، 77، 92، 94، 97، 184، 190) من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم جميعه، فإنه يتعين القضاء بعدم دستورية المادة (35) من القانون رقم 48 لسنة 1969 بشأن نقابة الأطباء البيطريين، فيما نصت عليه من أن " لخمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم، يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة "، " وتفصل محكمة النقض في الطعن في جلسة سرية ". وسقوط باقى أحكام تلك المادة، لارتباطها بما قُضى بعـدم دستوريته من نصها، ارتباطًا لا يقبـل الفصل أو التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها أو تطبيقها استقلالاً عنها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (35) من القانون رقم 48 لسنة 1969 بشــأن نقابة الأطباء البيطريين، فيما نصت عليه من أن " لخمسين عضوًا على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، الطعن في صحة انعقادها أو في تشكيل مجلس النقابة، بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة "، " وتفصل محكمة النقض في الطعن في جلسة سرية "، وسقوط باقي أحكام تلك المادة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق