الصفحات

الاثنين، 22 نوفمبر 2021

الطعن 39 لسنة 6 ق جلسة 7 / 1 / 1937 مج عمر المدنية ج 2 ق 25 ص 62

جلسة 7 يناير سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

---------------

(25)
القضية رقم 39 سنة 6 القضائية

مقايضة:
(أ) تعريفها. حكمها. خضوعها لقواعد البيع. الحالة المستثناة. حق الفسخ واسترداد القيض فيما بين غير المتعاقدين.
(ب) مدّة الخمس السنوات الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 359 مدني. ليست مدّة تقادم بل مدّة سقوط. مضيها. أثره.
(جـ) دعوى انفساخ البدل لاستحقاق العوض. جواز رفعها ولو كان عقد البدل غير مسجل.
(د) مشتري العوض. تحدّيه في دفع هذه الدعوى بعقده المسجل ووضع يده المدّة القصيرة المكسبة للملك. لا ينتج.
(هـ) الفقرة الأخيرة من المادة 359 من القانون المدني. حكمها. بقاؤه قائماً مع صدور قانون التسجيل الجديد. (المواد 356 و359 و360 مدني وقانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923(

----------------
1 - المقايضة هي - حسب ما عرفها القانون في المادة 356 مدني - عقد يلتزم به كل من المتعاقدين بأن يعطي للآخر شيئاً مقابل ما أخذه منه. وينبني على ذلك أن كل متقايض يعتبر بائعاً ومشترياً في وقت واحد. ولهذا نصت المادة 360 من القانون المدني على أن القواعد المختصة بعقد البيع تجرى كذلك في المقايضة إلا ما استثني بنص صريح في القانون. فإذا ما استحق أحد البدلين في عقد المقايضة فإنه يجب الرجوع في ذلك إلى أحكام ضمان الاستحقاق المقررة في موضوع البيع. وقد نص القانون في المادة 359 مدني على أن المقايض الذي يستحق عنده البدل يكون مخيراً بين أن يرفع على من تعاقد معه دعوى بالتضمينات أو دعوى الفسخ مع استرداد القيض الذي أعطاه. ولم يخالف الشارع في هذا الصدد أحكام الضمان التي سنها في البيع إلا بما أورده في الشق الأخير من المادة 359 المذكورة متعلقاً بغير المتعاقدين فقط. وذلك بنصه على جواز المطالبة برد ذات العين المسلمة من المقايض ولو كانت تحت يد الغير إذا كانت عقاراً ولم يكن قد مضى خمس سنوات من تاريخ المقايضة. أما فيما بين المتعاقدين فإن حق الفسخ واسترداد القيض، كما في البيع، لا يسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ الاستحقاق.
2 - إن مدّة الخمس السنوات المذكورة في الشق الأخير من المادة 359 من القانون المدني ليست من مدد التقادم يصبح المتقايض بمرورها ذا حق مكتسب، بل هي من مدد السقوط forclusion يسقط بانقضائها حق المتقايض الذي استحق عنده القيض في رفع دعوى استرداد القيض الذي أعطاه.
3 - يجوز للمتبادل أن يوجه على المتبادل معه دعوى انفساخ البدل لاستحقاق العوض الذي تسلمه، ولو كان عقد البدل غير مسجل.
4 - ولا يمكن تأسيس دفع دعوى المتقايض من جانب من اشترى العوض على أنه اشترى من غير مالك، وأنه مع ذلك وضع يده بهذا السبب الصحيح المدّة القصيرة المكسبة للملكية، فإن المقام في هذه الحالة ليس مقام تحدٍّ من المشتري بعقده المسجل لإثبات ملكيته لما اشتراه، وإنما هو مقام دفع دعوى الانفساخ والتراد التي أدخل فيها بسبب وجود العوض تحت يده. وهذه الدعوى قد نص القانون على سقوطها بالنسبة له بمضي خمس سنوات من تاريخ المقايضة.
5 - إن الفقرة الأخيرة من المادة 359 المذكورة إنما وضعت لتقرير حكم خاص بالمقايضة وهو تحديد المدة التي يجوز فيها للمتعاوض الذي استحق عنده العوض مقاضاة من يكون العوض الآخر تحت يده بسبب قانوني، فلا علاقة لها بأحكام انتقال الملكية بالعقود، تلك الأحكام التي جاء بتعديلها قانون التسجيل الجديد، ولذلك فإن حكمها باقٍ لم يمسه قانون التسجيل المذكور.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون وفي تأويله. ويقول الطاعنان في بيان هذا الطعن إن محكمة الاستئناف أخطأت في المواضع الخمسة الآتي ذكرها:
(أوّلاً) أنها لم تقم وزناً لعقد البدل الصادر من المدّعى عليه في الطعن إلى البائعين إليهما لا لشيء سوى لأنه لم يحصل تسجيله قبل أوّل يناير سنة 1924 مستندة في ذلك إلى نص المادة الأولى من قانون التسجيل الصادر في 26 يونيه سنة 1923؛ وفي هذا خطأ في تطبيق وتأويل القانون المذكور الذي لا يبيح لمن عقد العقد نفسه أن يبطل ما صدر منه التزام معلق شرطه لا على رغبته لأن العقد الغير المسجل وإن يكن غير ناقل للملكية إلا أن آثاره تظل قائمة بين المتعاقدين.
(ثانياً) أنها ذهبت في حكمها إلى أن المشتري حسن النية الذي قام بتسجيل عقد مشتراه الصادر ممن لم يسجل عقد ملكيته لا يمكنه أن يصبح مالكاً إلا بوضع يده خمس سنوات ولا يمكنه أن يضم إلى مدّة وضع يده مدّة وضع يد المملك له مرتكنة في هذا إلى ذهبت إليه إلى قانون التسجيل الجديد أيضاً. وهذا خطأ في تأويل هذا القانون ومخالفة صريحة لنص المادتين 76 و77 من القانون المدني اللتين تبيحان لواضع اليد بالسبب الصحيح أن يضم إلى مدّة وضع يده مدّة وضع يد من انتقل الملك منه.
(ثالثاً) أنها قرّرت أن الفقرة الأخيرة من المادة 359 من القانون المدني - رغم أنها لم يرد نظيرها في القانون المدني الفرنسي الذي نقل عنه الشارع المصري تشريعه - فإنها أصبحت أثراً بعد عين بصدور قانون التسجيل الجديد، لأن هذا القانون وإن لم يكن قد ألغى المادة نفسها إلا أنه مع قوله في المادة 16 منه "وإلغاء كل ما يخالف أحكام القانون الجديد" اجتاح الشق الأخير من المادة 359 المذكورة. وهذا خطأ لأنه كان للمشرع المصري وجهة نظر خاصة في مخالفة روح التشريع الفرنسي، وليس لمحكمة الاستئناف أن تناقض رغبة المشرع المصري الصريحة، فمناقشته إياها خروج غير صحيح على تأويل القانون فيما أراده من نص صريح.
(رابعاً) أنها أخطأت في تطبيق وتأويل المادة 620 من القانون المدني وما نصت عنه من جعل العقد المسجل ذا أثر رجعي إذ قالت "إن القانون لم يقصد بالمادة 620 منه حماية الحقوق العينية على عين غير مملوكة للمدين".
(خامساً) أن المتبادلين كانوا حرروا يوم عقد البدل ورقة مستقلة بشروط معينة لم تذكر في عقد البدل وأبقوها بغير تسجيل بين يديهم، فتطلب محكمة الاستئناف من رافعي النقض أن يعلما بكنه تلك الورقة، ومعاملتهما بمقتضاها، فيه مخالفة لقصد الشارع ولروح التقنين ولا سيما العدالة.
ومن أجل ذلك كله يطلب الطاعنان نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية لمحكمة استئناف مصر لتحكم فيها دائرة أخرى من جديد مع إلزام المطعون ضدّه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أن محكمة الاستئناف قد أسسته فعلاً على القواعد التي ذكرها الطاعنان في تقرير طعنهما واعتبراها معيبة للحكم وموجبة لنقضه.
وحيث إن الثابت من أوراق الدعوى ومن بيانات الحكم المطعون فيه أن الدعوى دعوى متقايض استحق القيض عنده فرجع على المتقايض معه لاسترداد ما أعطاه. ولما كان المتقايض معه قد تصرف في القيض الذي أخذه فقد وجهت الدعوى أيضاً ضدّ المتصرف إليه. فتكون الدعوى بحالتها وبطبيعتها دعوى انفساخ البدل لاستحقاق القيض في وجه المتبادل معه وضدّ المتصرف إليه.
وحيث إن المقايضة هي - حسب ما عرفها القانون المدني في المادة 356 منه - عقد يلتزم به كل من المتقايضين المتعاقدين بأن يعطي للآخر شيئاً بدل ما أخذه منه. ويترتب على هذا التعريف أن كل طرف من طرفي العقد يعتبر بائعاً ومشترياً. لذا قضت المادة 360 من نفس القانون بأن القواعد المختصة بمشارطة البيع تجرى في المقايضة كذلك إلا ما استثني بنص صريح. فإذا ما استحق أحد البدلين وجب تطبيق أحكام ضمان الاستحقاق المقررّة في البيع. وقد نص القانون على ذلك في المادة 359 منه إلا أنه جاء في الشق الأخير من هذه المادة وخالف مخالفة تامة القواعد المعمول بها في البيع. وبيان ذلك أن المادة المذكورة نصت على أنه:
"إذا كان أحد المتعاوضين استلم عوض ما أعطاه ثم ظهر أنه ليس ملك العاقد وانتزعه منه مالكه الحقيقي فيكون المستلم المذكور مخيراً بين طلب تضمينات وبين طلب ردّ عين على ما أخذه منه ولو كانت تحت يد غير المتعاقدين إذا كان عقاراً إلا إذا مضت في هذه الحالة الأخيرة مدّة خمس سنين من يوم مشارطة المعاوضة".
ويلزم من هذا النص أن المقايض الذي يستحق عنده البدل مخير - كما في البيع - بين أن يرفع دعوى بالتضمينات وبين أن يرفع دعوى الفسخ ويستردّ القيض الذي أعطاه. ولكن النص الخاص بالمقايضة والذي تنفرد به عن البيع هو الشق الأخير من المادة المذكورة أي الجزء الخاص بغير المتعاقدين . ومؤدى هذا النص أن الشارع الأهلي يجيز للمقايض الذي يستحق عنده العوض أن يطلب ردّ العين التي سلمها بذاتها، ولو كانت تحت يد الغير، إذا كانت عقاراً؛ ولم يحرمه من هذا الحق إلا إذا مضت خمس سنين من يوم عقد مشارطة المعاوضة. وبيان ذلك أن في البيع دعوى رجوع المشتري بالثمن لانفساخ البيع بالاستحقاق لا تسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ حكم الاستحقاق. أما في المعاوضة فإن القانون قد أبقى هذه المدّة على حالها فيما يتعلق بالمتعاقدين، ولكنه فيما يتعلق بغير المتعاقدين أنقصها إلى خمس سنوات كما هو ظاهر من النص المتقدّم.
وحيث إن هذه الفقرة الأخيرة من المادة 359 من القانون المدني الأهلي لا مقابل لها في القانون الفرنسي الذي نقل عنه المشرع المصري أحكام المقايضة. وقد كان من نتيجة عدم وجودها به أن حق استرداد العين المتبادل عليها الموجودة تحت يد غير المتبادل معه بسبب البيع موضع خلاف كبير في القضاء الفرنسي وبين الفقهاء الفرنسيين بشأن مدة التقادم وبشأن مبدأ سريان هذه المدة. ولذا فإن المشرع المصري قد أحسن صنعاً بالنص على نوع هذا التقادم وعلى مبدأ سريان مدّته، لأن المدّة التي نصت عليها ليست - كما ذهب إليه القضاء وبعض الفقهاء الفرنسيين - مدّة تقادم يصبح بمرورها المتقايض الآخر ذا حق مكتسب، بل هي مدّة تقادم يسقط بمرورها حق المتقايض الذي استحق عنده القيض في رفع دعوى لاسترداد القيض الذي أعطاه (forclusion). ومما يؤيد هذا النظر أن الفقرة الأخيرة من المادة 359 قد جعلت مبدأ مدة خمس السنوات المذكورة من يوم مشارطة البدل لا من تاريخ وضع اليد الذي يبتدئ منه سريان مدّة التقادم المكسب للملك، كما أنها لم تنص - كما هو الحال في التقادم الخمسي- لا على السبب الصحيح ولا على حسن النية. ولا محل للاجتهاد في مقام النص.
يقول الحكم المطعون فيه إن وجه عدم تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 359 يرجع إلى أن المادة الأولى من قانون التسجيل الجديد توجب تسجيل العقود التي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني، ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المذكورة لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة لغيرهم، ولا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين، وإلى أن المادة 16 منه قد ألغت ضمناً هذه الفقرة. ويعلق الحكم على ذلك بأن عقد البدل لم يحصل تسجيله ولم يثبت تاريخه قبل العمل بقانون التسجيل فهو غير ناقل للملكية ويعتبر البيع الصادر للطاعنين صادراً من غير مالك؛ ولا يصبح هذان المشتريان مالكين لما اشتراه إلا بوضع اليد مدة خمس سنوات مع توفر حسن النية، ولما كانت هذه الشروط لم تتوفر فلا يمكن اعتبارهما مالكين.
وحيث إن الدعوى من جانب رافعها لم تكن في واقع الأمر دعوى استحقاق للعوض الذي أعطاه، وإنما هي - كما تقدّم البيان - دعوى انفساخ البدل لاستحقاق العوض الذي أخذه أي بنزع ملكيته من يده. ومثل هذه الدعوى لا شك كان يجوز لرافعها توجيهها على المتبادل الآخر حتى ولو كان عقد البدل غير مسجل.
وحيث إن الدفع في هذه الدعوى من جانب المدعى عليهما (الطاعنين) اللذين اشتريا العوض الذي أخذه بائعهما بطريق البدل لا يمكن تأسيسه قانوناً على أنهما اشتريا من غير مالك بسبب صحيح، وأنهما وضعا اليد المدة القصيرة المكسبة للملكية لأن المقام ليس مقام تحدٍّ منهما بعقدهما المسجل لإثبات ملكيتهما لما اشترياه، وإنما المقام مقام دفع دعوى الانفساخ والتراد التي أدخلا فيها بسبب وجود العوض تحت أيديهما، وهذه الدعوى قد نص القانون على سقوطها بالنسبة لهما بمضي خمس سنوات من تاريخ المشارطة.
وغير صحيح ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف من أن الفقرة الأخيرة من المادة 359 قد ألغاها ضمناً قانون التسجيل الجديد (المادة 16 منه) لأنها إنما وضعت في القانون المدني لتقرير حكم خاص في المقايضة هو تحديد المدة التي يجوز فيها للمتعاوض الذي استحق عنده العوض مقاضاة من يكون العوض الآخر تحت يده بسبب قانوني، فهي لذلك ليست من أحكام انتقال الملكية بالعقود التي جاء بتعديلها قانون التسجيل الجديد. لذلك لا يمكن أن يمسها هذا القانون بإلغاء أو تعديل.
وحيث إن مماشاة محكمة الموضوع للخصوم جميعاً في البحث في كون عقد البدل لم يسجل وأنه لم يتولد عنه إلا التزامات شخصية وأن الفقرة الأخيرة من المادة 359 قد دخلت فيما ألغي من نصوص القانون - كل ذلك غير صحيح لما سبق ذكره. ولذا يكون الحكم المطعون فيه معيباً متعيناً نقضه بدون حاجة إلى بحث باقي وجوه الطعن والخوض في مباحث هذا الحكم القانونية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق