الصفحات

الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

القضيتان 114 ، 115 لسنة 24 ق جلسة 2 / 11 / 2003 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 9 ص 61

جلسة 2 نوفمبر سنة 2003

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور والسيد عبد المنعم حشيش والدكتور عادل عمر شريف.

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (9)

القضيتين رقمي 114 و115 لسنة 24 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "الفصل في عوار موضوعي يفيد استيفاء الشكل".
الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور في قانون ما - وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - يعتبر سابقاً بالضرورة على الخوض في أمر اتفاقها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية للدستور.
(2) دعوى دستورية "حجية الحكم فيها - عدم قبول".
مقتضى أحكام المادتين (48) و(49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً من أية جهة كانت. وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته.
(3) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.
(4) تشريع "إلغاء التشريع اللاحق للتشريع السابق بقدر التعارض بينهما".
الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، هو أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغياً للتشريع السابق بالقدر الذي يتحقق فيه التعارض بينهما.
(5) دعوى دستورية "النصوص الطعينة: تحديدها - نطاق الدعوى".
الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين، هو ربطها بالنصوص القانونية التي أضير الطاعن من جراء تطبيقها في حقه في المجال الزمني لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص الجديد - في النزاع الماثل - هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنص القديم في مضمونها وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل هذا النص الأخير بذاتيته ليحدث في حق الطاعن أضراراً شخصية غير التي يصاب بها من جراء تطبيق النص الجديد في حقه. أثر ذلك: توافر مصلحة شخصية مباشرة في تحدي دستورية ذلك النص تبرر قبول الدعوى بشأنه؛ وهو ما يقتضي مد نطاق الدعوى الدستورية المعروضة لتشمل النص التشريعي الجديد إلى جانب النص التشريعي القديم لاتحادهما في الحكم والعلة والضرر الناجم عن كل منهما.
(6) تحكيم "مفهومه - مصدره - مقتضاه".
الأصل في التحكيم - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنه وسيلة فنية لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من طرفيها، وركيزته اتفاق خاص بين متنازعين لعرض ما بينهما من خلافات على مُحكَم من الأغيار يعين باختيارهما، أو بتفويض منهما، أو على ضوء شروط يحددانها. ويستمد المحكم سلطته من هذا الاتفاق ليفصل في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة مؤدى ذلك: اعتبار التحكيم نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان.
(7) تحكيم "ضمانات التقاضي أمامه": خصومة رد المحكم "قوامها".
التحكيم ينبغي أن لا ينال من الضمانات الأساسية في التقاضي. ومنها كفالة الحق في رد المحكم، والتي أوردها المشرع بنص المادة (18) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، أساس ذلك: أن توفير الضمانات القضائية، وأهمها ضمانتا الحيدة والاستقلال، يعد أمراً واجباً في كل خصومة قضائية أو تحكمية، وهما ضامنتان متلازمتان ومتعادلتان في مجال مباشرة العدالة وتحقيق فاعليتها، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدراً.
(8) حق الدفاع من الركائز الأساسية للمحاكمة المنصفة في الخصومة القضائية والتحكيمية.
الحماية المتكاملة لحق التقاضي تتطلب كذلك كفالة حق الدفاع - أصالة أو وكالة - على نحو ما قرره نص المادة 69 من الدستور، والذي نظم هذا الحق كضمانة مبدئية لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، بحيث أصبحت تتكامل معه ليعملا سوياً في دائرة الترضية القضائية التي يعتبر اجتناؤها الغاية النهائية للخصومة القضائية، وكذلك التحكيمية.
(9) رد المحكم "تنظيمه".
المشرع، إعمالاً لما يملكه من سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق وضع تنظيماً لخصومة الرد، غلب فيه المقتضيات التي تفرضها ضمانتا الحيدة والاستقلال في المحكم، على اعتبارات نهائية حكم المحكمين وحجيته، وبما ليس فيه اعتداء على الحق في التقاضي والدفاع وضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات.
(10) اختلاف مركز المتحاكمين عن المتقاضين.
أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تباين في المراكز القانونية معاملة متكافئة. ومتى كان ذلك، وكان المتحاكمون - أخذاً بالأصل في التحكيم - يتجهون بملء إرادتهم، ومحض اختيارهم، إلى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم، ووفقاً لشروط تكون محلاً لاتفاقهم، فإن مركزهم القانوني يضحى بالتالي مختلفاً عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقاً للقواعد العامة، وخارج دائرة التحكيم.
(11) مبدأ تكافؤ الفرص: "مؤداه".
الفرص التي يعنيها نص المادة (8) من الدستور هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها، متوخية في ذلك، ومن خلال الشروط الموضوعية التي تنظمها، فض التزاحم عليها بين من يطلبونها، وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التي تحدد أجدرهم بالحصول عليها، وهو ما يفترض أن تكون هذه الفرص محدودة في عددها، وأن يربو عليها من تسابقوا لنيلها. ولا كذلك النص الطعين الذي لا يتصل إعماله بفرص قائمة تقدمها الدولة ويجري التزاحم عليها. ومن ثم، فإن النعي بمخالفة هذا النص لمبدأ تكافؤ الفرص يكون غير سديد.

----------------
1 - متى كان الثابت أن هذه المحكمة قد سبق وأن خاضت في موضوع بعض نصوص القانون الطعين (الحكم الصادر في القضية الدستورية رقم 84 لسنة 19 القضائية، بجلسة 6/ 11/ 1999، بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (19) من هذا القانون من اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في طلب رد المحكم؛ والحكم الصادر في القضية الدستورية رقم 92 لسنة 21 القضائية، بجلسة 6/ 1/ 2001، بعدم دستورية البند (3) من المادة (58) من هذا القانون فيما نصت عليه من أنه "لا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم"؛ والحكم الصادر في القضية الدستورية رقم 50 لسنة 22 القضائية والقضية الدستورية رقم 66 لسنة 22 القضائية، بجلسة 15/ 12/ 2002، برفض الدعوى في شأن دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (22) من هذا القانون)، وقد تناول كل من الأحكام القضائية السابقة مسائل دستورية تمثل عواراً موضوعياً اتصل بالنصوص التشريعية الطعينة، وآل إلى بطلان بعضها لقيام الدليل على مخالفتها للمضمون الموضوعي لأحكام الدستور، وإلى سلامة البعض الآخر منها لثبوت اتفاقه وذلك المضمون، وتبعاً لذلك، فإن الأحكام القضائية السابقة تكون قد انطوت لزوماً على استيفاء القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور لدستورية التشريع، بما يحول دون بحثها من جديد. ذلك أن الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور في قانون - ما وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة يعتبر سابقاً بالضرورة على الخوض في أمر اتفاقها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية للدستور. ومن ثم، فإن المناعي الشكلية التي نسبتها المدعيتان إلى القانون الطعين تكون غير مقبولة.
2 - حيث إنه عن طعن المدعيتين بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (13)، ونص الفقرة الأولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، فلا مجال لقبولهما بعد أن حسمت المحكمة الدستورية العليا المسألة الدستورية التي يتناولها كل من هذين النصين. فقد سبق وأن انتهت المحكمة بحكمها الصادر في القضية الدستورية رقم 155 لسنة 20 القضائية، بجلسة 13/ 1/ 2002، إلى رفض الدعوى في شأن دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه (ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية، بالعدد رقم 4 (تابع) بتاريخ 24/ 1/ 2002). كما سبق وأن انتهت المحكمة بحكمها الصادر في القضية الدستورية رقم 50 لسنة 22 القضائية والقضية الدستورية رقم 66 لسنة 22 القضائية، بجلسة 15/ 12/ 2002، إلى رفض الدعوى في شأن دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه (ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية، بالعدد رقم 52 (تابع) بتاريخ 26/ 12/ 2002). فإذا كان ذلك، وكان مقتضى أحكام المادتين (48) و(49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً من أية جهة كانت. وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإنه، وتبعاً لذلك، تكون الدعوى الدستورية في شأن النصين السابقين غير مقبولة.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى، ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. فإذا كان ذلك، وكانت المدعيتان حين تدخلتا في الدعوى الموضوعية بداية انصرفت طلباتهما إلى إبطال شرط التحكيم الوارد في العقود المبرمة فيما بين شريكهما وشركة شل، وبطلان حكمي التحكيم الصادرين استناداً إلى هذا الشرط. وقد أبديتا الدفع بعدم الدستورية إثر دفع طرحه ممثل شركة شل بعدم قبول الدعوى استناداً إلى وجود شرط تحكيم. وكان النص في الفقرة الثانية من المادة (13) على أنه "ولا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم "إنما يخاطب هيئة التحكيم لتعمل مقتضاه فيما يعرض عليها من منازعات، ولا مجال لإعماله في الدعوى الموضوعية؛ فإنه - وبالتالي - لا يوجد أدنى قدر من الانعكاس للحكم في دستورية النص التشريعي الطعين على طلبات المدعيتين في دعوى الموضوع؛ وهو ما يقتضى الحكم بعدم قبول الدعوى أيضاً في شأن نص الفقرة الثانية من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه.
4 - الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، هو أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغياً للتشريع السابق بالقدر الذي يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه المادة يفترض تشريعين تعاقباً في الزمان، واختلفا في المضمون، إذ أن القول بالتعارض بين تشريعين يفترض أن يكون ألحقهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدل القواعد القانونية القديمة أو تلغيها. فإذا كانت القاعدة القانونية الجديدة هي ذاتها القاعدة القانونية القديمة، فإن القاعدتين تتلاقيان في مضمون واحد ولا تختلفان في آثارهما، ليقتصر دور القاعدة القانونية الجديدة على مجرد ترديد الحكم المقرر بالقاعدة القانونية القديمة التي استصحبتها.
5 - الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين، هو ربطها بالنصوص القانونية التي أضير الطاعن من جراء تطبيقها في حقه في المجال الزمني لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص الجديد - في النزاع الماثل - هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنص القديم في مضمونها وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل هذا النص الأخير بذاتيته ليحدث في حق الطاعن أضراراً شخصية غير التي يصاب بها من جراء تطبيق النص الجديد في حقه. ومتى كان ذلك، وكان الضرر الناجم عن إعمال النص الجديد لا يختلف عن الضرر الذي سببه تطبيق النص القديم، وإنما هو ضرر واحد، فإن الأمر يقتضي - إزاء ذلك - إسناد المخالفة الدستورية لا إلى النص القديم فقط، بل إلى النص الجديد كذلك، بوصفه النص التشريعي الذي لا زال قائماً في مجال التطبيق القانوني بعد زوال الوجود القانوني للنص القديم.
6 - الأصل في التحكيم - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنه وسيلة فنية لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من طرفيها، وركيزته اتفاق خاص بين متنازعين لعرض ما بينهما من خلافات على مُحكم من الأغيار يعين باختيارهما، أو بتفويض منهما، أو على ضوء شروط يحددانها. ويستمد المحكم سلطته من هذا الاتفاق ليفصل في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. وبذلك، فإن التحكيم عمل اختياري حر، وبإرادة أطرافه يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان؛ إذ أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
7 - التحكيم ينبغي أن لا ينال من الضمانات الأساسية في التقاضي. ومنها كفالة الحق في رد المحكم، والتي أوردها المشرع بنص المادة (18) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه حين قضى بأنه "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته واستقلاله"، مؤكداً بذلك أن ضمانتي الحيدة والاستقلال في خصومة رد المحكم تعتبران من ضمانات التقاضي الأساسية التي لا غنى عن توافرها في هيئات التحكيم على نحو ما يلزم توافرها في جهات القضاء. وهذا بعينه هو ما تستلزمه كفالة الحق في التقاضي - طبقاً لنص المادة 68 من الدستور - من أن يكون لكل خصومة في نهاية مطافها حل منصف يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، من خلال ترضية قضائية متوافقة في مضمونها وأحكام الدستور؛ بما لازمه أن تضطلع بتقريره هذه الترضية جهة تتوافر في شأنها ضمانتا الحيدة والاستقلال. ومن هذا المنطلق، كان منطقياً أن تمتد ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلافها - طبقاً لنص المادة 67 من الدستور - إلى كل خصومة قضائية أو تحكيمية أياً كانت طبيعة موضوعها، من خلال إسناد مباشرة هذه الخصومات إلى الجهة المعتبرة قاضياً طبيعياً لها والتي يكفل المشرع حيدتها واستقلالها، ويحيط الحكم الصادر عنها بضمانات التقاضي الأساسية، وهي ضمانات تكفل للأطراف عرض دعواهم وأدلتهم ودفاعهم على ضوء فرص متكافئة، وفى إطار منظومة متكاملة لمباشرة العدالة في المجتمع، ووفقاً لنهج تقدمي يلتئم والمقاييس المعاصرة المتعارف عليها في الأمم المتحضرة. ولكل ذلك، فإن توفير الضمانات القضائية، وأهمها ضمانتا الحيدة والاستقلال، يعد أمراً واجباً في كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضامنتان متلازمتان ومتعادلتان في مجال مباشرة العدالة وتحقيق فاعليتها، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبّها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدراً.
8 - حيث إن الحماية المتكاملة لحق التقاضي تتطلب كذلك كفالة حق الدفاع - أصالة أو وكالة - على نحو ما قرره نص المادة 69 من الدستور، والذي نظم هذا الحق كضمانة مبدئية لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، بحيث أصبحت تتكامل معه ليعملاً سوياً في دائرة الترضية القضائية التي يعتبر اجتناؤها الغاية النهائية للخصومة القضائية، وكذلك التحكيمية.
9 - إن المشرع، إعمالاً لما يملكه من سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق، يكون قد وضع تنظيماً لخصومة الرد، غلب فيه المقتضيات التي تفرضها ضمانتا الحيدة والاستقلال في المحكم، على اعتبارات نهائية حكم المحكمين وحجيته، وبما ليس فيه اعتداء على الحق في التقاضي والدفاع وضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات؛ الأمر الذي يكون معه النعي بخروج هذا التنظيم على أحكام المواد 67، 68، 69 من الدستور لا أساس له.
10 - إن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تباين في المراكز القانونية معاملة متكافئة. ومتى كان ذلك، وكان المتحاكمون - أخذاً بالأصل في التحكيم - يتجهون بملء إرادتهم، ومحض اختيارهم، إلى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم، ووفقاً لشروط تكون محلاً لاتفاقهم، فإن مركزهم القانوني يضحى بالتالي مختلفاً عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقاً للقواعد العامة، وخارج دائرة التحكيم. وفى ظل وجود هذا الاختلاف في المراكز القانونية، فإن المماثلة في المعاملة بين المتحاكمين وغيرهم من المتقاضين، لا تعد ضرورة لازمة؛ ولا تشكل في حد ذاتها إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون.
11 - الفرص التي يعنيها هذا النص هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها، متوخية في ذلك، ومن خلال الشروط الموضوعية التي تنظمها، فض التزاحم عليها بين من يطلبونها، وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التي تحدد أجدرهم بالحصول عليها، وهو ما يفترض أن تكون هذه الفرص محدودة في عددها، وأن يربو عليها من تسابقوا لنيلها. ولا كذلك النص الطعين الذي لا يتصل إعماله بفرص قائمة تقدمها الدولة ويجري التزاحم عليها. ومن ثم، فإن النعي بمخالفة هذا النص لمبدأ تكافؤ الفرص يكون غير سديد.


الإجراءات

بتاريخ الثلاثين من مارس سنة 2002، أودعت المدعيتان صحيفة الدعوى الدستورية رقم 114 لسنة 24 القضائية قلم كتاب المحكمة بطلب الحكم بعدم دستورية نصوص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (19) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليهم المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة. وبذات التاريخ، أودعت المدعيتان أيضاً صحيفة الدعوى الدستورية رقم 115 لسنة 24 القضائية بذات الطلبات السابقة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة في الدعوى الأولى دفعت فيها بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص الفقرة الأولى من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، وطلبت الحكم برفض الدعوى فيما عدا ذلك، كما قدمت الهيئة مذكرة في الدعوى الثانية طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعويين، أودعت هيئة المفوضين تقريراً بالرأي في كل منهما.
ونُظرت الدعويان على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث قررت المحكمة ضمهما، وحددت جلسة اليوم ليصدر فيهما حكم واحد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفتي الدعويين وسائر الأوراق - تتحصل في أنه سبق وأن تأسست شركة توصية بسيطة ضمت المدعيتين (الأولى شريكة متضامنة، والثانية شريكة موصية)، وكذلك المدعى عليه الخامس (شريك متضامن) بموجب عقدين مؤرخين 19/ 2/ 1994، و7/ 11/ 1995 باسم "مجموعة التوفيق"، و"مجموعة التوفيق الجديدة لإدارة محطات الخدمات البترولية". وبتاريخ 8/ 3/ 1994، و23/ 1/ 1996، تعاقد المدعى عليه الخامس مع شركة شل للتسويق (التي يمثلها المدعى عليه الرابع) على استئجار واستغلال محطات لخدمة تموين السيارات، وانطوى عقدا الإيجار هذان على شرط تحكيم. وإزاء ما ثار من خلافات بين الطرفين حول تنفيذ هذين العقدين وسداد القيمة الإيجارية للمحطات، فقد تقدمت شركة شل إلى مركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي في 16/ 7/ 1999 بطلبي التحكيم رقمي 135 و136 لسنة 1999 لفض هذه الخلافات تحكيماً، إعمالاً لشرط التحكيم المتفق عليه بين الطرفين. وأثناء نظر التحكيم دفعت الشركة المحتكم ضدها ببطلان شرط التحكيم، وتقدمت بطلب لرد رئيس هيئة التحكيم ومُحكم الشركة المحتكمة. وبتاريخ 19/ 1/ 2000، قررت هيئة التحكيم عدم اختصاصها بنظر طلب الرد، واستمرت في إجراءات التحكيم إلى أن أصدرت في 1/ 3/ 2000 حكمين في طلبي التحكيم المعروضين أمامها قضيا بفسخ عقدي إيجار واستغلال المحطات المبرمين بين الطرفين منذ سنة 1994 وسنة 1996، وإلزام الشركة المحتكم ضدها بتسليم العين المؤجرة في كل عقد، مع أدائها لمبلغ خمسمائة جنيه عن كل يوم تأخير. وفي 17/ 5/ 2000، أقامت الشركة المحتكم ضدها الدعويين رقمي 25 و26 لسنة 117 القضائية أمام محكمة استئناف القاهرة بطلب الحكم: أولاً - وبصفة وقتية - بوقف تنفيذ الحكمين الصادرين في التحكيم رقم 135 لسنة 1999، والتحكيم رقم 136 لسنة 1999 المشار إليهما؛ وثانياً - بقبول دعوى بطلان كل من هذين الحكمين شكلاً، وفى الموضوع ببطلانهما. وأثناء نظر هذين الدعويين تدخلت المدعيتان بصحيفة في كل دعوى بطلب الحكم بقبول تدخلهما، وفى الموضوع ببطلان حكمي التحكيم لابتناء كل منهما على شرط تحكيم باطل وارد في عقدي تأجير واستغلال محطات خدمة تموين السيارات المشار إليهما. وأثناء نظر هاتين الدعويين دفعت المدعيتان بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (13)، والفقرة الرابعة من المادة (19)، والفقرة الأولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه. وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، صرحت بجلسة 6/ 2/ 2002 للشركة المدعية والمتدخلتين بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت المدعيتان الدعويين الماثلتين. وأثناء تحضير الدعويين أمام هيئة المفوضين تمسكت المدعيتان بعدم دستورية القانون رقم 27 لسنة 1994 في مجموعه لعدم عرضه على مجلس الشورى رغم كونه من القوانين المكملة للدستور.
وحيث إنه بالنسبة لطلب المدعيتين الحكم بعدم دستورية القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه برمته، بدعوى عدم عرضه على مجلس الشورى رغم عن كونه من القوانين المكملة للدستور؛ فإنه ومتى كان الثابت أن هذه المحكمة قد سبق وأن خاضت في موضوع بعض نصوص القانون الطعين (الحكم الصادر في القضية الدستورية رقم 84 لسنة 19 القضائية، بجلسة 6/ 11/ 1999، بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (19) من هذا القانون من اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في طلب رد المحكم؛ والحكم الصادر في القضية الدستورية رقم 92 لسنة 21 القضائية، بجلسة 6/ 1/ 2001، بعدم دستورية البند (3) من المادة (58) من هذا القانون فيما نصت عليه من أنه "لا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم"؛ والحكم الصادر في القضية الدستورية رقم 50 لسنة 22 القضائية والقضية الدستورية رقم 66 لسنة 22 القضائية، بجلسة 15/ 12/ 2002، برفض الدعوى في شأن دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (22) من هذا القانون)، وقد تناول كل من الأحكام القضائية السابقة مسائل دستورية تمثل عواراًً موضوعياً اتصل بالنصوص التشريعية الطعينة، وآل إلى بطلان بعضها لقيام الدليل على مخالفتها للمضمون الموضوعي لأحكام الدستور، وإلى سلامة البعض الآخر منها لثبوت اتفاقه وذلك المضمون، وتبعاً لذلك، فإن الأحكام القضائية السابقة تكون قد انطوت لزوماً على استيفاء القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور لدستورية التشريع، بما يحول دون بحثها من جديد. ذلك أن الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور في قانون - ما وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - يعتبر سابقاً بالضرورة على الخوض في أمر اتفاقها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية للدستور. ومن ثم، فإن المناعي الشكلية التي نسبتها المدعيتان إلى القانون الطعين تكون غير مقبولة.
وحيث إنه عن طعن المدعيتين بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (13)، ونص الفقرة الأولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، فلا مجال لقبولهما بعد أن حسمت المحكمة الدستورية العليا المسألة الدستورية التي يتناولها كل من هذين النصين. فقد سبق وأن انتهت المحكمة بحكمها الصادر في القضية الدستورية رقم 155 لسنة 20 القضائية، بجلسة 13/ 1/ 2001، إلى رفض الدعوى في شأن دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه (ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية، بالعدد رقم 4 (تابع) بتاريخ 24/ 1/ 2002). كما سبق وأن انتهت المحكمة بحكمها الصادر في القضية الدستورية رقم 50 لسنة 22 القضائية والقضية الدستورية رقم 66 لسنة 22 القضائية، بجلسة 15/ 12/ 2002، إلى رفض الدعوى في شأن دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه (ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية، بالعدد رقم 52 (تابع) بتاريخ 26/ 12/ 2002). فإذا كان ذلك، وكان مقتضى أحكام المادتين (48) و(49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً من أية جهة كانت. وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإنه، وتبعاً لذلك، تكون الدعوى الدستورية في شأن النصين السابقين غير مقبولة.
وحيث إنه فيما يتصل بطعن المدعيتين بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، فإنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى، ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. فإذا كان ذلك، وكانت المدعيتان حين تدخلتا في الدعوى الموضوعية بداية انصرفت طلباتهما إلى إبطال شرط التحكيم الوارد في العقود المبرمة فيما بين شريكهما وشركة شل، وبطلان حكمي التحكيم الصادرين استناداً إلى هذا الشرط. وقد أبديتا الدفع بعدم الدستورية إثر دفع طرحه ممثل شركة شل بعدم قبول الدعوى استناداً إلى وجود شرط تحكيم. وكان النص في الفقرة الثانية من المادة (13) على أنه "ولا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم "إنما يخاطب هيئة التحكيم لتعمل مقتضاه فيما يعرض عليها من منازعات، ولا مجال لإعماله في الدعوى الموضوع؛ فإنه- وبالتالي- لا يوجد أدنى قدر من الانعكاس للحكم في دستورية النص التشريعي الطعين على طلبات المدعيتين في دعوى الموضوع؛ وهو ما يقتضي الحكم بعدم قبول الدعوى أيضاً في شأن نص الفقرة الثانية من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه.
وحيث إنه لا يتبقى من النصوص التشريعية الطعينة بعد ذلك سوى الفقرة (4) من المادة (19) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، والتي أصبحت برقم (3) من ذات المادة بعد تعديل هذا القانون بالقانون رقم 8 لسنة 2000، والبين من تتبع هذا النص أنه كان يقضي وقت صدوره بأنه "لا يترتب على طلب الرد، أو على الطعن في حكم التحكيم الصادر برفضه، وقف إجراءات التحكيم، وإنا حكم برد المحكم، سواء من هيئة التحكيم أو من المحكمة عند نظر الطعن، ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم التحكيم، كأن لم يكن". وبعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 84 لسنة 19 القضائية بجلسة 6/ 11/ 1999 المشار إليها بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (19) من هذا القانون من اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في طلب رد المحكم، أصبح نص الفقرة الرابعة الطعين يُقرأ على أنه "لا يترتب على تقديم طلب الرد... وقف إجراءات التحكيم، وإذا حكم برد المحكم... من المحكمة... ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين، كأن لم يكن". وهذا هو ما اعتمده المشرع حين عدل نص المادة (19) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه بموجب القانون رقم 8 لسنة 2000، والمعمول به اعتباراً من الخامس من أكتوبر سنة 2000، اليوم التالي لتاريخ نشره بالجريدة الرسمية. إذ استبدل بالفقرة الطعينة فقرة أخرى برقم (3) جرت على أنه "لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم، وإذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين، كأن لم يكن".
وحيث إن الثابت مما تقدم أن النص الطعين قد شمله التعديل التشريعي الذي تضمنه القانون رقم 8 لسنة 2000 المشار إليه. ومع ذلك، فإن حكم النص اللاحق هو ذاته حكم النص السابق. إذ ارتكز النصان على قاعدة كلية مشتركة حاصلها عدم وقوف إجراءات التحكيم كأثر لتقديم طلب الرد، واعتبار ما يتم بعد ذلك من إجراءات، بما في ذلك حكم المحكمين، كأن لم يكن في حالة ما إذا حُكِم برد المحكم. وبذلك يكون المشرع عند إقراره لهذا التعديل قد أكد على القاعدة القائمة بالفعل مستصحباً حكمها على حاله دون أدنى تبديل. ومتى كان ذلك، وكان الأصل المقرر بنص المادة الثانية من القانون المدني، هو أن كل تشريع لاحق يعتبر مُلغياً للتشريع السابق بالقدر الذي يتحقق فيه التعارض بينهما، وكان نص هذه المادة يفترض تشريعين تعاقباً في الزمان، واختلفا في المضمون. إذ أن القول بالتعارض بين تشريعين يفترض أن يكون ألحقهما قد أتى بقواعد قانونية جديدة تُعدل القواعد القانونية القديمة أو تلغيها. فإذا كانت القاعدة القانونية الجديدة هي ذاتها القاعدة القانونية القديمة، فإن القاعدتين تتلاقيان في مضمون واحد ولا تختلفان في آثارهما، ليقتصر دور القاعدة القانونية الجديدة على مجرد ترديد الحكم المقرر بالقاعدة القانونية القديمة التي استصحبتها.
وحيث إن الأصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين، هو ربطها بالنصوص القانونية التي أضير الطاعن من جراء تطبيقها في حقه في المجال الزمني لسريانها، وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص الجديد - في النزاع الماثل - هي ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنص القديم في مضمونها وأثرها، فإنه يكون من غير المتصور أن يستقل هذا النص الأخير بذاتيته ليحدث في حق الطاعن أضراراً شخصية غير التي يصاب بها من جراء تطبيق النص الجديد في حقه. ومتى كان ذلك، وكان الضرر الناجم عن إعمال النص الجديد لا يختلف عن الضرر الذي سببه تطبيق النص القديم، وإنما هو ضرر واحد، فإن الأمر يقتضي - إزاء ذلك - إسناد المخالفة الدستورية لا إلى النص القديم فقط، بل إلى النص الجديد كذلك، بوصفه النص التشريعي الذي لا زال قائماً في مجال التطبيق القانوني بعد زوال الوجود القانوني للنص القديم.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون الطعن عليه بعدم الدستورية ممن طبق عليه خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لهن تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة. ذلك أن تطبيق هذا القضاء يفترض في النص التشريعي قبل إلغائه أن يكون مختلفاً في مضمونه عما أتى به النص الجديد، وهو ما لا يتوافر - على ما سلف بيانه - في الدعوى المعروضة.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت طلبات المدعيتين تنصرف في حقيقتها إلى الحكم بعدم دستورية تلك القاعدة الخاصة باستمرار هيئة التحكيم في إجراءات التحكيم بعد تقديم طلب ردها؛ وهي القاعدة التي نص عليها القانون رقم 27 لسنة 1994 بداية في الفقرة (4) من المادة (19) منه، وتضمنتها بعد ذلك الفقرة (3) من ذات المادة بعد تعديلها بالقانون رقم 8 لسنة 2000؛ وكان هدفهما من وراء ذلك هو الحكم في دعواهما الموضوعية ببطلان حكمي التحكيم المتضرر منهما؛ وكان من شأن القضاء بعدم دستورية هذا النص انهيار الأساس الذي سمح لهيئة التحكيم بالاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكمها فيه، وبالتالي كشف عدم سلامة منهجها، وما ترتب على إجراءاتها اللاحقة من صدور هذين الحكمين؛ وهو الأمر الذي تقوم معه للمدعيتين مصلحة شخصية مباشرة في تحدي دستورية ذلك النص تبرر قبول دعواهما بشأنه؛ وهو ما يقتضي مد نطاق الدعوى الدستورية المعروضة لتشمل النص التشريعي الجديد إلى جانب النص التشريعي القديم لاتحادهما في الحكم والعلة والضرر الناجم عن كل منهما.
وحيث إن المدعيتين تنعيان على النص الطعين مخالفته لأحكام المواد 8 و40 و67 و68 و69 من الدستور، وذلك لما فيه من إخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، من خلال تمييزه في المعاملة فيما بين المتقاضين أمام الهيئات التحكيم وغيرهم من المتقاضين أمام جهات القضاء فيما يتعلق باستمرارية الإجراءات أو وقفها بعد تقديم طلب الرد. وذلك فضلاً عما يؤدي إليه من إهدار لحق التقاضي والفصل إنصافاً في المنازعات؛ إذ جعل من هيئة التحكيم خصماً وحكماً في ذات الوقت حين سمح لها بالاستمرار في الإجراءات بعد طلب ردها، دون اكتراث بما يثيره هذا الطلب من تحفظات في شأن حيدتها واستقلالها.
وحيث إن الأصل في التحكيم - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنه وسيلة فنية لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من طرفيها، وركيزته اتفاق خاص بين متنازعين لعرض ما بينهما من خلافات على مُحَكم من الأغيار يعين باختيارهما، أو بتفويض منهما، أو على ضوء شروط يحددانها. ويستمد المحكم سلطته من هذا الاتفاق ليفصل في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. وبذلك، فإن التحكيم عمل اختياري حر، وبإرادة أطرافه يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان؛ إذ أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها وإن كان ذلك ينبغي أن لا ينال من الضمانات الأساسية في التقاضي. ومنها كفالة الحق في رد المحكم، والتي أوردها المشرع بنص المادة (18) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه حين قضى بأنه "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته واستقلاله"، مؤكداً بذلك أن ضمانتي الحيدة والاستقلال في خصومة رد المحكم تعتبران من ضمانات التقاضي الأساسية التي لا غنى عن توافرها في هيئات التحكيم على نحو ما يلزم توافرها في جهات القضاء. وهذا بعينه هو ما تستلزمه كفالة الحق في التقاضي - طبقاً لنص المادة 68 من الدستور - من أن يكون لكل خصومة في نهاية مطافها حل منصف يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، من خلال ترضية قضائية متوافقة في مضمونها وأحكام الدستور؛ بما لازمه أن تضطلع بتقريره هذه الترضية جهة تتوافر في شأنها ضمانتا الحيدة والاستقلال. ومن هذا المنطلق، كان منطقياً أن تمتد ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلافها - طبقاً لنص المادة 67 من الدستور- إلى كل خصومة قضائية أو تحكيمية أياً كانت طبيعة موضوعها، من خلال إسناد مباشرة هذه الخصومات إلى الجهة المعتبرة قاضياً طبيعياً لهان والتي يكفل المشرع حيدتها واستقلالها، ويحيط الحكم الصادر عنها بضمانات التقاضي الأساسية، وهي ضمانات تكفل للأطراف عرض دعواهم وأدلتهم ودفاعهم على ضوء فرص متكافئة، وفى إطار منظومة متكاملة لمباشرة العدالة في المجتمع، ووفقاً لنهج تقدمي يلتئم والمقاييس المعاصرة المتعارف عليها في الأمم المتحضرة. ولكل ذلك فإن توفير الضمانات القضائية، وأهمها ضمانتا الحيدة والاستقلال، يعد أمراً واجباً في كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلتان في مجال مباشرة العدالة وتحقيق فاعليتها، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبّها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدراً.
وحيث إنه لمما يؤكد ما تقدم، أن الخصومة في رد المحكم، وفقاً للتنظيم التشريعي القائم، لا تعدو في حقيقة الأمر أن تكون خصومة قضائية، ترتبط سلامة تنظيمها - من منظور دستوري - باستيفائها ما يلزم توافره في الخصومة القضائية بصفة عامة من ضمانات أساسية يقررها الدستور. فخصومة الرد - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - تثير إدعاءاً فرعياً عند نظر الخصومة الأصلية، مداره أن قاضيها أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها، قد زايلتهم الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي. ومن ثم، كان لخصومة الرد خطرها ودقتها، سواء بالنظر إلى موضوعها أو الآثار التي تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التي يطلبونها فيها، ولا بإثباتها أو نفيها، بل تستقل تماماً عن موضوعها، فلا يكون لها من صلة بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، بما مؤداه استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية في موضوعها، وإن ظل للحكم الصادر في أولاهما أثره وانعكاسه على ثانيتهما، ولو بعد الفصل فيها بحكم نهائي. ومتى كان ذلك، ومع استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية على هذا النحو، واكتسابها لذاتيتها الخاصة، فإن التزامها بالضمانات الأساسية في التقاضي، ومنها ضمانتي الحيدة والاستقلال، يظل أمراً لازماً.
وحيث إن الحماية المتكاملة لحق التقاضي تتطلب كذلك كفالة حق الدفاع - أصالة أو وكالة - على نحو ما قرره نص المادة 69 من الدستور، والذي نظم هذا الحق كضمانة مبدئية لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، بحيث أصبحت تتكامل معه ليعملا سوياً في دائرة الترضية القضائية التي يعتبر اجتناؤها الغاية النهائية للخصومة القضائية، وكذلك التحكيمية.
وحيث إن البيّن من استعراض حكم النص الطعين أن المشرع لم يتجه فيه إلى حرمان المتحاكمين من الضمانات الأساسية في التقاضي، أو الانتقاص منها بالنسبة إليهم. ذلك أن الثابت من مراجعة هذا النص أن الحق في رد المحكم مكفول، إلا أن المشرع - ولاعتبارات قدرها - لم يرتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات خصومة التحكيم، والتي افترض استمرارها حتى صدور الحكم فيها. ومع ذلك، فقد رسم المشرع معالجة من شأنها أنه في حالة نجاح خصومة الرد وصدور حكم فيها برد المحكم، أن يتم اعتبار ما تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين ذاته إذا كان قد صدر بالفعل، كأن لم يكن. وبهذا يكون المشرع قد وازن بين ما تمليه الاعتبارات العملية المتصلة بمنظومة التحكيم كوسيلة فنية لفض المنازعات خارج دائرة المحاكم، وبين احترام ما هو مقرر من ضمانات أساسية في مجال التقاضي. وفى إطار هذه الموازنة، يكون المشرع قد حافظ على أساس وجود نظام التحكيم، بأن كفل سرعة الفصل في المنازعات التحكيمية، وفقاً لإرادات أطرافها، ودون تقيد بالأوضاع التقليدية في التقاضي، تمشياً مع ما تمليه الطبيعة الخاصة لهذا النظام، ومنعاً لاستخدام طلب الرد كوسيلة لتعطيل الإجراءات، وإشعال اللدد في الخصومة، وإرجاء الفصل فيها. وإلى جانب ذلك، فإن المشرع لم يتغافل عما هو مقرر من ضمانات دستورية لطالب الرد في مجال مباشرته لحق التقاضي، وحق الدفاع، وحصوله على الترضية القضائية المنصفة. إذ أن مقتضى اعتبار ما تم من إجراءات في خصومة التحكيم، بما في ذلك الحكم الصادر فيها، كأن لم يكن، في حالة صدور حكم برد المحكم في خصومة الرد، أن تزول حينئذ حجية حكم التحكيم ليكون هو والعدم سواء؛ وهو ما يكفل - بالضرورة - لطالب الرد تحقيق مبتغاه، ورد المحكم، وإعمال الآثار المترتبة على صدور حكم بالرد، بعد أن ثبت بالفعل تخلف الضمانات الدستورية المقررة في شأن من صدر الحكم القضائي بردهم. وفى ذلك ما يسمح، في الوقت ذاته، باستمرارية التحكيم، وسرعة الفصل في النزاع، دون افتئات على حقوق الأطراف المتنازعة، ولا الضمانات المقررة لهم في سبيل اقتضائها. ومتى كان ذلك، فإن المشرع، إعمالاً لما يملكه من سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق، يكون قد وضع تنظيماً لخصومة الرد، غلب فيه المقتضيات التي تفرضها ضمانتا الحيدة والاستقلال في المحكم، على اعتبارات نهائية حكم المحكمين وحجيته، وبما ليس فيه اعتداء على الحق في التقاضي والدفاع وضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات؛ الأمر الذي يكون معه النعي بخروج هذا التنظيم على أحكام المواد 67، 68، 69 من الدستور لا أساس له.
وحيث إنه عن نعي المدعيتين على النص الطعين مخالفته لمبدأ المساواة أمام القانون، لما أحدثه من تفرقة في المعاملة بين المتقاضين أمام هيئات التحكيم من جهة، وغيرهم من المتقاضين أمام جهات القضاء من جهة أخرى، بخصوص وقف الخصومة الأصلية كأثر لتقديم طلب الرد، فمردود من عدة وجوه: أولها - أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تباين في المراكز القانونية معاملة متكافئة. ومتى كان ذلك، وكان المتحاكمون - أخذاً بالأصل في التحكيم - يتجهون بملء إرادتهم، ومحض اختيارهم، إلى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم، ووفقاً لشروط تكون محلاً لاتفاقهم، فإن مركزهم القانوني يضحى بالتالي مختلفاً عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقاً للقواعد العامة، وخارج دائرة التحكيم. وفى ظل وجود هذا الاختلاف في المراكز القانونية، فإن المماثلة في المعاملة بين المتحاكمين وغيرهم من المتناقضين، لا تعد ضرورة لازمة؛ ولا تشكل في حد ذاتها إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون.
ومردود ثانياً - بأنه لا مجال لمقارنة التنظيم الذي رسمه النص الطعين بما هو مقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية من وقف الخصومة الأصلية كأثر لتقديم طلب رد القاضي. ذلك أنه، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، فإن التنظيم التشريعي لحق التقاضي - وكلما كان لا يناقض وجود هذا الحق أو يخل بمحتواه - يُفترض فيه أن لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها لتفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي باشر الحق عملاً في نطاقها، ليظل هذا التنظيم رناً، لا يطلق الحقوق محله من عقالها، انحرافاً بها عن أهدافها، ولا يعتبر كذلك تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، حتى تظل الحماية القضائية للحقوق في صورتها الأكثر اعتدالاً، وتبعاً لذلك، فإنه يجوز للمشرع أن يغاير في تنظيمه لحق التقاضي، وتبني ما يراه مناسباً من تنظيمات بالنسبة لصنوف بعينها من المنازعات، وفقاً لما تتطلبه طبيعتها، دون أن يكون في ذلك إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، طالما التزم المشرع بالضوابط الدستورية لمباشرة الحق في التقاضي.
ومردود ثالثاً - بأن مبدأ المساواة أمام القانون - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - ليس مبدأً تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا يقوم على معارضة جميع صور التمييز بين المواطنين؛ إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور؛ بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ما يكون تحكمياً. ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل تحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. فإذا كان النص التشريعي - بما انطوى عليه من تمييز - متصادماً لهذه الأغراض، مجافياً لهان بما يحول دون ربطه بها، أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن هذا النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية، ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور. وإذ كان ذلك، فإن قاعدة استمرارية إجراءات التحكيم في حالة رد المحكم التي تبناها النص الطعين لم تأت من فراغ، وإنما يرتد اعتمادها - على ما سلفت الإشارة - إلى اعتبارات موضوعية تتعلق بدعم التحكيم كنظام لفض المنازعات خارج دائرة المحاكم، وما تفرضه طبيعة هذا النظام الخاص من ضرورة مراعاة السرعة في حسم المنازعات، ومجابهة وسائل تعطيل الفصل فيها أو تنفيذ ما يصدر فيها من أحكام، تحقيقاً للمصلحة العامة، والثقة الواجبة في المعاملات، بل وصالح المحتكمين أنفسهم، وذلك كله بمراعاة ضرورة التقيد بالضمانات الأساسية في التقاضي، وبما لا يخل بحق الدفاع؛ باعتبار أن الطبيعة الخاصة للتحكيم لا تنال من أصل تقيده بهذه الضمانات، بحسبانه نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا ينهض سوياً إلا إذا اكتملت في شأنه الضمانات التي يوفرها القضاء لمن يلوذون به. فإذا كان ذلك جميعه، وكان النص الطعين يرتبط في تقريره باعتبارات موضوعية تقدم مبرراً منطقياً لاختلاف بعض جوانب المعاملة التشريعية لخصومة رد المحكم عما هو متبع في خصومة رد القاضي، وهي مغايرة اقتضتها المصلحة العامة في التقاضي، وليس في تنظيمها إهدار للضمانات الدستورية المقررة للمتحكمين، ولا انتهاك لمبدأ المساواة أمام القانون. ومن ثم، فإن الادعاء بخروج النص الطعين على هذا المبدأ، والحال هذه، يكون منتحلاً.
وحيث إنه لا مجال كذلك للنعي على النص الطعين مخالفته لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة 8 من الدستور. ذلك أن الفرص التي يعنيها هذا النص هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها، متوخية في ذلك، ومن خلال الشروط الموضوعية التي تنظمها، فض التزاحم عليها بين من يطلبونها، وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التي تحدد أجدرهم بالحصول عليها، وهو ما يفترض أن تكون هذه الفرص محدودة في عددها، وأن يربو عليها من تسابقوا لنيلها. ولا كذلك النص الطعين الذي لا يتصل إعماله بفرص قائمة تقدمها الدولة ويجري التزاحم عليها. ومن ثم، فإن النعي بمخالفة هذا النص لمبدأ تكافؤ الفرص يكون غير سديد.
وحيث إنه، وعلى ما تقدم، لا يكون في الفقرة (4) من المادة 19 من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، ولا في الفقرة (3) من ذات المادة بعد تعديلها بالقانون رقم 8 لسنة 2000، تعارض وأحكام المواد 8 و40 و67 و68 و69 من الدستور، ولا مخالفة لأي نص آخر فيه، مما يتعين معه القضاء برفض الدعويين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعويين، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعيتين المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة عن كل دعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق