الصفحات

الأربعاء، 18 أغسطس 2021

الطعن 4 لسنة 45 ق جلسة 24 / 11 / 1976 مكتب فني 27 ج 2 أحوال شخصية ق 303 ص 1636

جلسة 24 من نوفمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي؛ والدكتور عبد الرحمن عياد؛ ومحمد الباجوري؛ وإبراهيم هاشم.

---------------

(303)
الطعن رقم 4 لسنة 45 ق "أحوال شخصية"

1)،  (2 حكم "بيانات الحكم". نيابة عامة. أحوال شخصية. بطلان.
 (1)إغفال الحكم اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية. لا بطلان. كفاية إبداء النيابة الرأي بالفعل والإشارة إلى ذلك في الحكم.
 (2)عدم وجوب إبداء النيابة رأيها في كل خطوة من خطوات الدعوى. بطلان الحكم لعدم إبداء رأي النيابة. شرطه. أن تطلب النيابة الكلمة الأخيرة ولا تجيبها المحكمة إلى طلبها.
3)  (6 -أحوال شخصية "قواعد الإثبات الشرعية". إثبات.
 (3)شروط قبول الشهادة على حقوق العباد في المذهب الحنفي. موافقتها للدعوى. المقصود بالموافقة التامة والموافقة التضمنية. كفاية الموافقة في المعني دون اللفظ. مثال في دعوى طلاق.
(4) موافقة الشهادة للشهادة، شرائط ذلك في المذهب الحنفي. كفاية تطابق اللفظين على إفادة المعنى سواء كان ذلك بعين اللفظ أو بمرادف له. مثال في دعوى طلاق.
(5) اختلاف الشاهدين في الزمان والمكان. لا أثر له متى كان المشهود به قولاً محصناً.
 (6)الاختلاف بين الشهادتين في القذف. لا أثر لاختلاف الزمان والمكان. الاختلاف بين الإنشاء والإقرار. أثره. عدم قبول الشهادة. مثال في دعوى طلاق.
 (7)مسئولية. تعويض.
الحق في التبليغ عن الجرائم. مساءلة المبلغ مدنياً عن التعويض. شروطه.
(8) أحوال شخصية "طلاق" "ضرر".
طلب الزوج التطليق للضرر. ماهية الضرر. إيذاء الزوج زوجته بالقول أو بالفعل. التشهير بارتكاب الزوجة إحدى الجرائم. اعتباره إضراراً بها.
 (9)محكمة الموضوع "تقدير الدليل".
استقلال محكمة الموضوع بتقدير عناصر الضرر دون رقابة متى استندت على أدلة مقبولة.
(10) أحوال شخصية. دعوى.
اختلاف دعوى الطاعة عن دعوى التطليق موضوعاً وسبباً. النشوز لا يعد مانعاً من نظر دعوى الزوجة بالتطليق. التفات محكمة الموضوع عن دلالة حكم الطاعة في دعوى التطليق. لا خطأ.
 (11)محكمة الموضوع "تقدير الدليل" "شهادة الشهود" أحوال شخصية. قوة الأمر المقضي.
تقرير الدليل لا يحوز قوة الأمر المقضي. جواز الأخذ بأقوال شاهد سبق التشكك في شهادته في دعوى أخرى.

-------------
1 - النص في الفقرة الأولى من المادة 178 من قانون المرافعات على أنه "يجب أن يبين في الحكم...... أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة وحضروا تلاوته وعضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية إن كان والنص في الفقرة الثانية على أن "عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية ليس من البيانات الأساسية التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم، وإذ كانت النيابة قد أبدت رأيها في القضية وأثبت ذلك في الحكم فإن النعي عليه لخلوه من بيان اسم عضو النيابة يكون على غير أساس.
2 - إذا كان الثابت أن النيابة أبدت رأيها بمذكرة قبل حجز الدعوى للحكم أمام محكمة الاستئناف بجلسة 20/ 5/ 1974 ثم طلبت بعد إعادة الدعوى للمرافعة وبجلسة 17/ 6/ 1974 التأجيل لإبداء الرأي فاستجابت المحكمة لطلبها، وفي الجلسة التالية لم تبد رأياً فحجزت المحكمة الدعوى مرة أخرى لإصدار الحكم ولما كان القانون لا يوجب إبداء النيابة رأيها في كل خطوة من خطوات الدعوى إذ يحمل سكوتها أنها لم تر فيها ما يغير رأيها الذي سبق أن أبدته، وكان بطلان الحكم لعدم إبداء رأي النيابة لا يصادف محله إلا إذا طلبت النيابة الكلمة الأخيرة وحيل بينها وبين ما أرادت وهو ما لم يحصل في الدعوى فإن النعي يكون على غير أساس.
3 - من المقرر في الفقه الحنفي أنه يشترط لقبول الشهادة على حقوق العباد أن تكون موافقة الدعوى فيما تشترط فيه الدعوى فإن خالفتها لا تقبل، وقد تكون الموافقة تامة بأن يكون ما شهد به الشهود هو عين ما ادعاه المدعي، وقد تكون الموافقة ببعض الدعوى وتسمى موافقة تضمنية وهي تقبل اتفاقاً ويأخذ القاضي بما شهد به الشهود باعتباره القدر الثابت من المدعي بالبينة، ولا تلزم الموافقة في اللفظ بل تكفي الموافقة في المعنى والمقصود سواء اتحدت الألفاظ أو تغايرت لما كان ذلك وكانت المطعون عليها قد أقامت دعواها بالتطليق استناداً إلى أن الطاعن أساء عشرتها وأضر بها وأنه دأب على الاعتداء عليها بالضرب والسب وضربت لذلك المثل الذي ساقته فإن شهادة شاهديها المتضمنة أن الطاعن وجه إليها ألفاظ سباب تكون ألفاظاً واردة على الدعوى والمقصود بها وتكون المطابقة قائمة بين الشهادة والدعوى.
4 - إنه وإن كان اشتراط التعدد في الشهادة في الشرع الإسلامي إنما يعني أصلاً موافقة الشهادة للشهادة بحيث ترد أقوال كل شاهد مطابقة لأقوال الآخر. ولئن اختلفت الأقوال عند الحنفية فيما يتعلق بشرائط موافقة الشهادة للشهادة بين الإمام وصاحبيه، فبينما يرى الصاحبان الاكتفاء بالموافقة التضمنية أسوة بمطابقة الشهادة للشهادة، إذ برأي الإمام يوجب لقول الشهادة تطابق لفظي الشاهدين بطريق الوضع لا بطريق التضمن، إلا أن المراد عنده أيضاً هو تطابق اللفظين على إفادة المعنى سواء كان ذلك بعين اللفظ أو بمرادف له، وإذ كان البين أن الشاهدين قد توافقت أقوالهما في العبارة الأولى من الطاعن، وأنهما وإن اختلفا في العبارة الثانية إلا أن كلا العبارتين تحقق ذات المعنى المتواضع عليه عرفاً في أنهما من ألفاظ السباب المترادفة والتي تعني مقصوداً واحداً، الأمر الذي يسوغ معه القول بمطابقة الشهادة للشهادة في هذا المجال.
5 - المقرر في الفقه الحنفي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه إذا كان المشهود به قولاً محضاً فإن اختلاف الشاهدين في الزمان والمكان لا يمنع من قبول الشهادة لأن اللفظ مما يعاد ويكرر.
6 - الفتوى على أن الاختلاف بين الشهادتين في القذف لا يمنع من قبول الشهادة طالما اقتصر على الزمان والمكان بخلاف ما إذا كان الاختلاف بين الإنشاء وبين الإقرار فلا تقبل إجماعاً، وهو أمر غير متوافر في واقعة الدعوى لأن كلا الشهادتين من قبيل الإنشاء، هذا إلى أن الواقعة المطلوب إثباتها هي الإضرار الحادث بالزوجة من الزوج والذي يجيز للزوجة طلب التطليق، وما ألفاظ السباب إلا الدليل عليه وهي أمور تعاد وتكرر بالنسبة للمعنى المقصود منها، ومن ثم فإن الاختلاف في الشهادة زماناً ومكاناً في المظهر الذي استدل بها كل منهما على وقوع الإضرار وهي الأقوال التي سمعها الشاهدان ونقلاها ليس بضائر شهادتهما.
7 - الأصل أن التبليغ من الحقوق المباحة للأفراد واستعماله لا يدعو إلى مؤاخذة طالما صدر مطابقاً للحقيقة حتى ولو كان الباعث عليه الانتقام والكيد، لأن صدق المبلغ كفيل أن يرفع عنه تبعة الباعث السيئ، وإن المبلغ لا يسأل مدنياً عن التعويض إلا إذا خالف التبليغ الحقيقة أو كان نتيجة عدم ترو ورعونة.
8 - يشترط للحكم بالتطليق للضرر وفق المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 توافر وقوع الضرر أو الأذى من جانب الزوج دون الزوجة، وأن تصبح العشرة مستحيلة بين أمثالهما، ولما كان الضرر هو إيذاء الزوج لزوجته بالقول أو بالفعل ويدخل في ذلك التشهير بارتكاب إحدى الجرائم، وكان البين أن محكمة الموضوع ذهبت إلى أن الطاعن تسرع في التبليغ ضد المطعون عليها بمقارفة جريمة الإجهاض وأنه لم يثبت من التحقيقات التي أجريت أنها كانت حاملاً وتخلصت من حملها، وأن تقرير مفتش الصحة لا يفيد الجزم بحدوث إجهاض لما قرره من أن الظواهر التي أسفر عنها الكشف توجد في سائر السيدات اللاتي سبق لهن الولادة، وأنه لم ينتج عن هذا التبليغ أية معفيات واستخلص من ذلك أن الطاعن كان يستهدف الإضرار بالمطعون عليها بحيث لا تدوم العشرة بينهما وكان لهذا القول مأخذه من الأوراق، فإن هذا الاستخلاص يقوم على أسباب سائغة ويكون النعي على الحكم على غير أساس.
9 - إذ كانت محكمة الموضوع تستقل بتقدير عناصر الضرر دون رقابة محكمة النقض ما دامت استندت إلى أدلة مقبولة، وكانت المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية لم تتخذ من واقعة الاتهام بالزنا عنصراً، فإن محاولة الطاعن الاستعانة به للتزرع بأن ألفاظ السباب الموجهة لا تكفي لإثبات الضرر ولا تسوغ التفريق لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير أسباب الضرر مما يستقل به قاضي الموضوع دون رقابة ويكون النعي على الحكم الفساد في الاستدلال غير وارد.
10 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى الطاعنة تختلف في موضوعها وسببها عن دعوى التطليق للضرر، إذ تقوم الأولى على الهجر وإخلال الزوجة بواجب الإقامة المشتركة والفرار في منزل الزوجية، بينما تقوم الثانية على ادعاء الزوجة إضرار الزوج بما لا يستطاع دوام العشرة، وأن النشوز ليس بمانع بغرض حصوله من نظر دعوى التطليق والفصل فيها، لما كان ذلك فإنه لا تثريب على محكمة الموضوع إذ هي رفضت الاستجابة لطلب الطاعن - الزوج - تقديم حكم الطاعة وأبت التعويل على دلالتها لاختلاف المناط في كل منهما.
11 - إذ كان تقدير الدليل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحوز قوة الأمر المقضي فإنه لا على المحكمة إن هي أخذت في دعوى التطليق للضرر بشهادة شاهد سمعته هي وكانت المحكمة الجزئية قد تشككت في صحة شهادته في دعوى الطاعة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 1195 لسنة 1969 أحوال شخصية أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة وقالت شرحاً لدعواها إنها زوجة له بموجب عقد شرعي صحيح مؤرخ 4/ 4/ 1968، وإذ امتنع عن الإنفاق عليها، وأبلغ ضدها كذباً بأنها أجهضت نفسها، ودأب على الاعتداء عليها بالضرب والسب في الطريق العام وفي ذلك إضرار بها بما لا تستقيم معه الحياة الزوجية بينهما فقد أقامت دعواها بطلبها سالف البيان. وبجلسة 13/ 1/ 1970 أضافت المطعون عليها العجز الجنسي للطاعن كسبب للتطليق. وبتاريخ 26/ 5/ 1970 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أنها زوجة للطاعن بصحيح العقد الشرعي ومدخولته وأنها في عصمته وطاعته وأنه أضر بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، وبعد سماع شهود الطرفين عادت فحكمت بتاريخ 6/ 3/ 1971 بتطليق المطعون عليها على الطاعن طلقة بائنة. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 31 لسنة 88 ق القاهرة، ومحكمة الاستئناف حكمت في 17/ 10/ 1971 باعتبار الاستئناف كأن لم يكن، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقيد برقم 26 لسنة 41 ق، وبتاريخ 31/ 10/ 1973 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وبعد إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف وبتاريخ 19/ 2/ 1975 حكمت بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالوجه الثالث من السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان لخلوه من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية، ولأنه بعد إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 20/ 5/ 1974 وتقديم الطرفين مستندات جديدة ومذكرات طلبت النيابة بجلسة 17/ 6/ 1974 التأجيل لإبداء الرأي، إلا أنه بعد أن أحيلت الدعوى إلى دائرة أخرى نظرتها بجلسة 16/ 11/ 1974 وقررت حجزها للحكم فحالت بذلك بين النيابة وبين إبداء رأيها الذي كانت قد طلبته من قبل بالمخالفة لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 9 من قانون المرافعات.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 178 من قانون المرافعات على أنه "يجب أن يبين في الحكم...... أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا تلاوته وعضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية إن كان"، والنص في الفقرة الثانية في أن "عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم"، يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية ليس من البيانات الأساسية التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم، وإذ كانت النيابة قد أبدت رأيها في القضية وأثبت ذلك في الحكم فإن النعي عليه لخلوه من بيان اسم عضو النيابة يكون على غير أساس لما كان ذلك وكان الثابت أن النيابة أبدت رأيها بمذكرة قبل حجز الدعوى للحكم أمام محكمة الاستئناف بجلسة 20/ 5/ 1974 ثم طلبت بعد إعادة الدعوى للمرافعة وبجلسة 17/ 6/ 1974 التأجيل لإبداء الرأي فاستجابت المحكمة لطلبها، وفي الجلسة التالية لم تبد رأياً فحجزت المحكمة الدعوى مرة أخرى لإصدار الحكم وكان القانون لم يوجب إبداء النيابة رأيها في كل خطوة من خطوات الدعوى إذ يحمل سكوتها على أنها لم تر فيها ما يغير رأيها الذي سبق أن أبدته وكان بطلان الحكم لعدم إبداء رأي النيابة لا يصادف محله إلا إذا طلبت النيابة الكلمة الأخيرة وحيل بينها وبين ما أرادت وهو ما لم يحصل في الدعوى فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالشق الأول من الوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم عول في قضائه على ما أشهد به شاهدا المطعون عليها من توجيه الطاعن ألفاظ سباب إليها، في حين أنها لم تستند إلى هذا السبب في صحيفة الدعوى، فقد اقتصرت في أسباب التطليق على إدعاء الإضرار بها للتبليغ عنها بأنها أجهضت نفسها، وأنه اعتدى عليها طبقاً للثابت في شكوى قدمتها ثم أضافت سبب العنة، فتكون شهادة شاهديها على واقعة السب واردة على غير ادعاء ومنفردة عن الدعوى ومنعزلة عنها فلا تعتبر شرعاً، إذ الشهادة على حقوق العباد بالاتفاق لا تقبل بلا دعوى بخلاف حقوق الله تعالى، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر في الفقه الحنفي أنه يشترط لقبول الشهادة على حقوق العباد أن تكون موافقة للدعوى - فيما يشترط فيه الدعوى - فإن خالفتها لا تقبل، وقد تكون الموافقة تامة بأن يكون ما شهد به الشهود هو عين ما ادعاه المدعي، وقد تكون الموافقة لبعض الدعوى وتسمى موافقة تضمنية وهي تقبل اتفاقاً ويأخذ القاضي بما شهد به الشهود باعتباره القدر الثابت من المدعي بالبينة ولا تلزم الموافقة في اللفظ بل تكفي الموافقة في المعنى والمقصود سواء اتحدت الألفاظ أو تغايرت، لما كان ذلك وكانت المطعون عليها قد أقامت دعواها بالتطليق استناداً إلى أن الطاعن أساء عشرتها وأضر بها وأنه دأب على الاعتداء عليها بالضرب والسب وضربت لذلك المثل الذي ساقته فإن شهادة شاهديها المتضمنة أن الطاعن وجه إليها ألفاظ سباب يكون شهادة واردة على الدعوى والمقصود بها ويكون المطابقة قائمة بين الشهادة والدعوى، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالشق الثاني من الوجه الأول من السبب الأول وبالوجه الثاني منه على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بالتطليق على سند من أقوال شاهدي المطعون عليها من سماعهما المطعون عليه يوجه إليها لفظاً نابياً، وأن شهادتهما منصبة على قول فيكفي فيها أن تكون مؤدية إلى حقيقة يمكن استخلاصها من مجموعها وإن اختلفت أقوالهما زماناً ومكاناً، في حين أن لفظ السب الوارد على لسان أحدهما يخالف ما ورد على لسان الآخر شكلاً ومضموناً ومعنى ومبنى فلا تقبل الشهادتان. هذا إلى أن قيام الشهادتان على واقعة تغاير الأخرى زماناً ومكاناً يجعلها شهادة فردية لم يكتمل لها النصاب الشرعي اعتباراً بأن كل شاهد تحمل على زعمه الشهادة وحده على واقعة معينة دون اشتراك الآخر معه في سماعها، فتصبح الواقعة التي شهد بها كل غير ثابتة لعدم قيام البينة الشرعية عليها، بالإضافة إلى أن حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه اعتد بأقوال شخص غير مسلم في تحقيقات الشكوى رقم 4169 لسنة 1966 إداري قصر النيل، مع أن الشهادة عند الحنفية من باب الولاية وهي إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة، وأقوال هذا الشخص فضلاً عن عدم إطلاقها بمجلس القضاء لا يجوز قبولها لأنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي غير صحيح، ذلك أنه وإن كان اشتراط التعدد في الشهادة في الشرع الإسلامي إنما يعني أصلاً موافقة الشهادة للشهادة بحيث ترد أقوال كل شاهد مطابقة لأقوال الآخر، ولئن اختلفت الأقوال عند الحنفية فيما يتعلق بشرائط موافقة الشهادة للشهادة بين الإمام وصاحبيه، فبينما يرى الصاحبان الاكتفاء بالموافقة التضمينية أسوة بمطابقة الشهادة للدعوى، إذا برأي الإمام يوجب لقبول الشهادة تطابق لفظي الشاهدين بطريق الوضع لا بطريق التضمن إلا أن المراد عنده أيضاً هو تطابق اللفظين على إفادة المعنى سواء كان ذلك بعين اللفظ أو بمرادف له،
ولما كان الحكم الابتدائي وهو بسبيل سرد أقوال شاهدي المطعون عليها أورد..... وقرر...... أنه سمع المدعى عليه - الطاعن - يسب زوجته المدعية - المطعون عليها - بقوله (يا بنت الكلب يا سافلة)، كما قرر الشاهد...... أنه سمع المدعى عليه يشتم المدعية قائلاً (أنت بنت كلب وسخة).....، وكان البين من ذلك أن الشاهدين قد توافقت أقوالهما على صدور العبارة الأولى من الطاعن وأنهما وإن اختلفا في العبارة الثانية إلا أن كلاً من العبارتين تحقق ذات المعنى المتواضع عليه عرفاً في أنهما من ألفاظ السباب المترادفة والتي تعني مقصوداً.....، والأمر الذي يسوغ معه القول بمطابقة الشهادة للشهادة في هذا المجال. لما كان ذلك وكان المقرر في الفقه الحنفي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه إذا كان المشهود به قولاً محصناً فإن اختلاف الشاهدين في الزمان أو المكان لا يمنع من قبول الشهادة لأن اللفظ مما يعاد ويكرر؛ وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بثبوت الضرر على ما قرره من أن.... ومن حيث إنه في صدد ما أثاره المستأنف - الطاعن - عن أقوال شاهدي المستأنف ضدها - المطعون عليها - فإن المستفاد من تلاوة هذه الأقوال أنها أجمعت على أن المستأنف أهان المستأنف ضدها بلفظ ناب، وهذا وإن اختلفت أقوال شاهديها زماناً ومكاناً، ذلك أن شهادة الشاهد إنما ترد على الوقائع المطلوب إثباتها جملة وتفصيلاً فيكفي أن تكون مؤدية إلى حقيقة تستخلصها المحكمة من جماع هذه الأقوال وخاصة إذا كانت الشهادة منصبة على قول وغير منصبة على فعل بذاته يتحدد بمكان وزمان معينين ومن حيث إن هذه المحكمة ترى في دعامة الحكم المستأنف من أنه اعتمد على شهادة شاهدي المستأنف ضدها - وهي شهادة - تأخذ بها هذه المحكمة فإن في هذه الدعامة وحدها ما يكفي لحمل قضاء الحكم المستأنف فيما انتهى إليه.... فإن هذا الذي قرره الحكم لا ينطوي على خطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الفتوى على أن الاختلاف بين الشهادتين في القذف لا يمنع من قبول الشهادة طالما اقتصر على الزمان والمكان، بخلاف ما إذا كان الاختلاف بين الإنشاء وبين الإقرار فلا تقبل إجماعاً، وهو أمر غير متوافر في واقعة الدعوى لأن كلا الشهادتين من قبيل الإنشاء. هذا إلى أن الواقعة المطلوب إثباتها هي الإضرار الحادث من الزوج والذي يجيز للزوجة طلب التطليق وما ألفاظ السباب إلا الدليل عليه، وهي أمور تعاد وتكرر بالنسبة للمعنى المقصود منها، ومن ثم فإن الاختلاف في الشهادة زماناً ومكاناً في المظاهر الذي استدل بها كل منهما على وقوع الإضرار، وهي الأقوال التي سمعها الشاهدان ونقلاها ليس بضائر شهادتهما. لما كان ما تقدم وكان تصريح الحكم المطعون فيه بأن أقوال شاهدي المطعون عليها كافية وحدها لحمل قضائه لا يفيد البتة أنه استند إلى الأقوال الواردة بالشكوى المشار إليها بسبب النعي أياً كان وجه الرأي فيها، وما قرره الحكم بعد ذلك من تأييد الحكم الابتدائي لأسبابه ناقلة لا يعتد به، ويكون النعي بكافة وجوهه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استند في القضاء بالتطليق على أنه بادر بلا مسوغ إلى التبليغ عن زوجته بمقارفة جريمة إجهاض نفسها وترتب على ذلك أنه يبغي الإضرار بها في حين أن التبليغ عن جريمة حق وواجب، وقد أبلغ الزوج عن جريمة تقع أكبر الضرر فيها عليه بحرمانه من وليد كان يرجوه، ولم يثبت أن بلاغه كان كاذباً، بل تأيد بالتقرير الطبي الذي رجح حصول الإجهاض لجنينين ذي ثلاثة أشهر، وإقرار الزوجة بذهابها إلى أحد الأطباء دون علمه، الأمر الذي يهدر اعتباره سبيل إضرار يبيح التطليق. هذا إلى أن استبعاد الحكم لواقعة اتهام المطعون عليها بالزنا بمقولة إنه كان بعد صدور الحكم الابتدائي يتناقض مع ما انتهى إليه قضائه من تأسيس التطليق على مضارتها بألفاظ سباب مدعاة، لأنه طالما كان المعيار شخصياً في تقدير الضرر، فإن مثل هذه الزوجة الخاطئة لا يضيرها توجيه ألفاظ تعد هينة بالقياس إلى سلوكها، وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي في غير محله، وذلك أنه وإن كان الأصل أن التبليغ من الحقوق المباحة للأفراد، واستعماله لا يدعو إلى مؤاخذة طالما صدر مطابقاً للحقيقة حتى ولو كان الباعث عليه الانتقام والكيد، لأن صدق المبلغ كفيل أن يرفع عنه تبعة الباعث السيئ، وأن المبلغ لا يساءل مدنياً عن التعويض إلا إذا خالف التبليغ الحقيقة أو كان نتيجة عدم ترو أو رعونة، إلا أنه لما كان يشترط للحكم بالتطليق للضرر وفق المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 توافر وقوع الضرر أو الأذى من جانب الزوج دون الزوجة، وأن تصبح العشرة مستحيلة بين أمثالها، وكان الضرر هو إيذاء الزوج زوجته بالقول أو بالفعل ويدخل في ذلك التشهير بارتكاب أحد الجرائم، وكانت محكمة الموضوع تستقل بتقدير عناصر الضرر دون رقابة من محكمة النقض ما دامت قد استندت على أدلة مقبولة، لما كان ذلك وكان البين أن محكمة الموضوع ذهبت إلى أن الطاعن تسرع في التبليغ ضد المطعون عليها بمقارفة جريمة الإجهاض وأنه لم يثبت من التحقيقات التي أجريت أنها كانت حاملاً وتخلصت من حملها، وأن تقرير مفتش الصحة لا يفيد الجزم بحدوث إجهاض لما قرره من أن الظواهر التي أسفر عنها الكشف توجد في سائر السيدات اللاتي سبق لهن الولادة وأنه لم ينتج عن هذا التبليغ أية معقبات، واستخلص من ذلك أن الطاعن كان يستهدف الإضرار بالمطعون عليها بحيث لا تدوم العشرة بينهما، وكان لهذا القول مأخذه من الأوراق، فإن هذا الاستخلاص يقوم على أسباب سائغة، لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية لم تتخذ من واقعة الاتهام بالزنا عنصراً، فإن محاولة الطاعن الاستعانة به للتذرع بأن ألفاظ السباب الموجهة لا تكفي لإثبات الضرر ولا تسوغ التفريق لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير أسباب الضرر مما يستقل به قاضي الموضوع دون رقابة، ويكون النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال غير وارد.
وحيث إن مبنى النعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة أول درجة لم تستجب لطلبه إعادة الدعوى إلى المرافعة لتقديم الحكم الصادر لصالحه ضد المطعون عليها في دعوى الطاعة، قولاً منها بأنه غير منتج أو مؤثر في الدعوى، في حين أن هذا الحكم أقيم على اعتبار الزوج أميناً على زوجته وعلى انتفاء أي أضرار من جانبه، وفصل محكمة الطاعة في هذه الوقائع وهي ذات وقائع دعوى التطليق يجعلها بمثابة الحقيقة القضائية والقرينة القاطعة على أنها بعدم تنفيذها له تعد ناشزاً لا يجوز الحكم بتطليقها إذ يكون فيه إعانة على ظلمها وعصيانها، وبالتالي فلا تسمع دعوى التطليق شرعاً. هذا إلى أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن أحد شاهدي المطعون عليها أمامها سبق له الإدلاء بأقواله في دعوى الطاعنة وردت المحكمة شهادته لما استبانته من كذبها فلا يجوز من ثم الاعتداد بشهادته، وأن الأسباب التي أبدتها في دعوى التطليق غير صحيحة لأنها أبدت استعدادها في دعوى الطاعة للإقامة مع الطاعن إذا هيأ لها مسكناً شرعياً ذلك قبل إقامتها دعوى التطليق بأيام قلائل، وإذ لم يرد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع رغم جوهريته فإنه يكون قاصر التسبيب.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى الطاعة تختلف في موضوعها أو سببها عن دعوى التطليق للضرر، إذ تقوم الأولى على الهجر وإخلال الزوجة بواجب الإقامة المشتركة والفرار في منزل الزوجية بينما تقوم الثانية على إدعاء الزوجة إضرار الزوج بما لا يستطاع دوام العشرة، وأن النشوز ليس بمانع بغرض حصوله من نظر دعوى التطليق والفصل فيها، فإن لا تثريب على محكمة الموضوع إذا هي رفضت الاستجابة لطلب الطاعن عن تقديم حكم الطاعة وأبت التعويل على دلالتها لاختلاف المناط في كل منهما. لما كان ذلك وكان تقدير الدليل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يحوز قوة الأمر المقضي، فإنه لا على المحكمة إن هي أخذت في دعوى التطليق للضرر بشهادة شاهدة سمعته هي وكانت المحكمة قد تشككت في صحة شهادته في دعوى الطاعة لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد جعل دعامته الأساسية على أقوال شاهدي المطعون عليها على ما سبق بيانه، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع حجج الخصوم وأوجه دفاعهم والرد على كل منها استقلالاً متى أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله، فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق