الصفحات

الثلاثاء، 6 يوليو 2021

الطعن 36 لسنة 15 ق جلسة 16 / 5 / 1946 مج عمر المدنية ج 5 ق 74 ص 161

جلسة 16 من مايو سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك المستشار وبحضور حضرات: محمد المفتي الجزايرلى بك وأحمد على علوبة بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

----------------

(74)
القضية رقم 36 سنة 15 القضائية

شفعة:
قرار مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1935 المتضمن شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية. ليس في حكم القوانين. لا ينسخ أحكام الشفعة. تنازل المدين المنزوعة ملكيته إلى آخر عن حقه في استرداد أرضه. تصرف الحكومة في الأرض إلى المتنازل إليه. هذا بيع تجوز فيه الشفعة.

-------------------
إن مجلس الوزراء إذ أصدر في 27 من نوفمبر سنة 1935 قراره بالموافقة على مذكرة وزارة المالية التي تضمنت شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية إنما كان يباشر سلطته الإدارية التي تجعل منه قيماً على الملك الخاص للدولة، له أن يضع من الشروط لبيع هذا الملك ما يراه محققاً للصالح العام. فما يصدر منه في هذا الشأن من قرارات هو من قبيل القرارات الإدارية. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 الذى نص على فتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية المهددة بخطر نزع الملكية قد أذن مجلس الوزراء في أن يحدد كيفية هذه المساعدة وشروطها فإن هذا الإذن لا يسوّغ اعتبار ما صدر من المجلس من القرارات الخاصة بتدخل الحكومة لشراء الأراضي الزراعية أو بيع ما اشترته منها بشروط معينة في حكم القوانين، فهي لا يمكن أن تكون ناسخة لأحكام الشفعة. وإذا كان قرار مجلس الوزراء سالف الذكر قد تضمن إيجاباً من الحكومة أوجبت به على نفسها أن ترد لكل مالك ملكه الذى نزع منه بمجرد طلبه في مدى خمس سنوات مقابل ثمنه الذى رسا به المزاد عليها، وإذا كان المدين المنزوعة ملكيته هو قانوناً في حكم البائع، فإن قبول المدين المذكور هذا الإيجاب لا يكون إنشاءً لبيع مستحدث وإنما هو اتفاق على التقايل في البيع القديم والتراد في المبيع والثمن (1). وأما إذا ما تنازل المدين المنزوعة ملكيته إلى آخر عن حقه في استرداد أرضه على أساس التقايل في البيع الذى آلت به الأرض إلى الحكومة، وقبلت الحكومة هذا التنازل وتصرفت على موجبه في الأرض إلى المتنازل إليه، فإن هذا التصرف الذى من شأنه أن يحدث للمتنازل إليه ملكية لم تكن له من قبل يكون بيعاً، ومن ثم تجوز فيه الشفعة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن عمر أفندي لطفى كان يملك في ناحية أبى صير دفنو من أعمال مركز إطسا مديرية الفيوم أرضاً مساحتها 45 فداناً وجزء من فدان نزعت ملكيتها ورسا مزادها في فبراير سنة 1933 على الشركة العقارية المصرية نائبة عن الحكومة تنفيذاً لاتفاق أبرم بينهما كان الغرض منه صيانة الثروة العقارية. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1933 يخول المدين الحق في أن يسترد عقاره الذى نزعت ملكيته كما يخوله الحق في أن يتنازل لمن يشاء بموافقة وزارة المالية عن هذا العقار كله أو بعضه على أن يقع الاسترداد أو التنازل في مدى خمس سنوات فإن عمر أفندي لطفى تنازل في 26 من نوفمبر سنة 1940 عن حقه في استرداد أرضه إلى السيدة فتحية حسنين أبو العينين المطعون ضدها الأولى، وأقرت وزارة المالية هذا التنازل، وعلى أساسه أودعت المطعون ضدها الأولى خزانة وزارة المالية مبلغ 161 ج و638 م تأميناً على ذمة استرداد أرض عمر أفندي لطفى. وفى 31 من يوليه سنة 1941 أعلن مورث الطاعنين المطعون ضدها الأولى ومصلحة الأملاك الأميرية برغبته في أخذ الأرض بالشفعة. وفى 24 من أغسطس سنة 1941 أقام عليهما أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 1624 سنة 1941 وطلب فيها الحكم له بحقه في أن يأخذ تلك الأرض بالشفعة مقابل مبلغ قدره 3425 ج و829 م وهو الثمن الذى اشترت به المطعون ضدها الأولى الأرض من مصلحة الأملاك. ودفعت المطعون ضدها الأولى هذه الدعوى بأنه لا شفعة فيما تبيعه مصلحة الأملاك الأميرية من الأراضي التي آلت إليها تنفيذاً لقواعد صيانة الثروة العقارية. وفى أثناء نظر الدعوى توفى مورث الطاعنين وحل الطاعنون محله فيها. وفى 20 من يناير سنة 1944 قضت محكمة مصر بعدم جواز الشفعة لمنافاتها لأحكام صيانة الثروة العقارية وألزمت الطاعنين بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب محاماة. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر وفيه طلبوا قبول استئنافهم شكلا وفى الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والحكم لهم بالطلبات التي وردت في صحيفة افتتاح دعواهم. وفى 14 من يناير سنة 1945 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين مصاريف ثاني درجة وعشرين جنيهاً مقابل أتعاب محاماة - وأعلن الطاعنون بهذا الحكم في 24 من فبراير سنة 1945 فطعنوا فيه بالنقض الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن مبناه أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله: أولاً - لأنه أسقط حق الطاعنين في الشفعة استناداً إلى قرارات مجلس الوزراء الخاصة بصيانة الثروة العقارية التي جعلت لملاك الأراضي الزراعية التي نزعت ملكيتها ولفئات من ذويهم حق الأولوية في شراء هذه الأراضي. ذلك في حين أن هذه القرارات ليست في مرتبة القوانين من حيث قوة النفاذ والإبرام. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه إذا استمد من هذه القرارات أحكاماً عطل بها قانون الشفعة قد خالف المبدأ الأصولي الذى يقضي بأن القانون لا ينسخه إلا قانون. ثانياً - لأنه على فرض اعتبار قرارات مجلس الوزراء الخاصة بصيانة الثروة العقارية مانعة من الشفعة فإن ذلك محله أن يقع بيع الأرض الزراعية من الحكومة إلى مالكها الأصلي أو إلى واحد من ذويه الذين رأت الحكومة أن تؤثرهم بحق الأولوية في الشراء. أما إذا وقع البيع لأجنبي عن الصفقة أحله المالك الأصلي محله كما هو الحال في الدعوى فلا وجه للتحدث بقواعد صيانة الثروة العقارية لأن هذه القواعد تخول المالك الأصلي وذويه حقاً مبناه الرعاية التي اتجهت سياسة الدولة إلى إسباغها عليهم، وهذا اعتبار شخصي محض لا يتعدى هذه الفئة من الناس إلى غيرها. ومن المقرر قانوناً أن الاستخلاف على الحق لا يستتبع انتقال حقوق المتنازل التي يكون ملحوظاً فيها اعتبار شخصي محض. ثالثاً - لأن الحكم المطعون فيه إذ تصدى لتكييف التصرف الذى آلت به ملكية العين موضوع الدعوى إلى المطعون ضدها الأولى لم يعتبر التصرف المذكور بيعاً بل اعتبره تصرفاً من نوع خاص ورتب على هذا الاعتبار عدم جواز الشفعة. ذلك في حين أن التصرف المذكور ليس إلا بيعاً اجتمعت فيه كل مقومات البيع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ أيد حكم محكمة الدرجة الأولى القاضي بعدم جواز الشفعة قد أسس قضاءه: أولا - على أن قرار مجلس الوزراء الذى صدر في 27 من نوفمبر سنة 1935 والذى يجعل لملاك الأراضي الزراعية التي نزعت ملكيتها ولفئات من ذوى هؤلاء الملاك الأولوية في شراء هذه الأراضي إنما صدر من مجلس الوزراء بمقتضى التفويض المنصوص عليه في المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 الصادر بفتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه يؤخذ من المال الاحتياطي العام للدولة لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية نظراً لما جاء فيه من أن تحديد كيفية المساعدة وشروطها يكون بقرار من مجلس الوزراء. ومتى كان الأمر كذلك فإن القرار المذكور يكون متمماً للمرسوم الذى صدر على موجبه وتنفيذاً له، ويكون بالتالي قانوناً له ما للقوانين من قوة النفاذ والإلزام. ولما كانت الأولوية التي جعلها هذا القرار لملاك الأراضي الزراعية وذويهم تتنافى مع حق الشفعة فقد وجب اعتبار القرار المذكور ناسخاً لقانون الشفعة عملاً بقواعد التفسير العامة. ثانياً - انه أياً كان التكييف القانوني الصحيح للعملية التي تجريها وزارة المالية لمصلحة المدين المنزوعة ملكيته من وقت دخولها المزاد بصفة مشترية في الظاهر إلى وقت ردها الأطيان له أو لواحد من ذويه فإنها في أية صورة صورت لا يصح اعتبارها في مرحلتها الأخيرة التي تؤول فيها ملكية الأرض لذى الحق في استردادها بيعاً باتاً يجيز الأخذ بالشفعة. لأن وزارة المالية لم تقصد إلى شراء أرض المدين لتستقر لها ملكيتها وإنما قصدت إلى أن تحوزها لتردها فيما بعد له أو لواحد من ذويه حسب ترتيب أولويتهم، ولأن البيع يقوم على الرضا ووزارة المالية لا تملك أن ترفض نقل الملك إلى المدين أو من حل محله من ذويه متى أعرب عن إرادته في طلب الأرض، ولأن التصرف في مرحلته الأخيرة يتم بمقابل خاص هو المبلغ الذى دفعته الحكومة في سبيل الحصول على الصفقة مضافاً إليه المصاريف القضائية مع استنزال فائض ريع الصفقة حتى تاريخ ردها لطالب استردادها. وهذه اعتبارات من شأنها أن تنفى عن العملية أهم خصائص البيع وتطبعها بطابع خاص، ليكن تكييفه القانوني ما يكون، فهي على كل حال ليست في مرحلتها الأخيرة بيعاً يصح معه الأخذ بالشفعة. ولا يغير من طبيعة هذه العملية صدورها مباشرة لمن تنازل له ذو الحق في استرداد الأرض بموافقة وزارة المالية، لأن المتنازل له يحل محل المتنازل في جميع حقوقه وواجباته فلا يتحول عقده إلى بيع بات يجيز الشفعة.
وحيث إنه يبين من المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 والمرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1933 وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت تنفيذاً لهذين المرسومين ومذكرات وزارة المالية التي انبنت عليها هذه القرارات أن الحكومة قد هالها الازدياد المطرد في دعاوى نزع ملكية الأراضي الزراعية بسبب عجز الملاك عن الوفاء بديونهم بسبب الضائقة المالية مما كان له أثره في خفض قيمة هذه الأراضي، ورأت وجوب تدخلها لمنع هذا الأثر وتدارك أسبابه فاتجهت إلى مجلس إدارة بنك التسليف الزراعي طالبه إليه أن يعد برنامجاً يكفل المحافظة على قيمة الثروة العقارية، فاستجاب المجلس المذكور لهذا الطلب ووضع برنامجاً مقتضاه أن يتجه الجهد إلى السعي لدى الدائنين لصدهم عن الالتجاء إلى نزع الملكية، وذلك إما بزيادة الضمان المقدم لهم كلما كان ذلك في وسع مدينهم أو بأن يدفع بنك التسليف نفسه للدائنين المستحق لهم من الأقساط المتأخرة. وقد حرص مجلس إدارة بنك التسليف على أن يشير على الحكومة في البرنامج الذى وضعه بوجوب الامتناع عن شراء الأرض المعروضة للبيع الجبري حتى لا تتعرض الحكومة للصعوبات المترتبة على إدارة أملاك مختلفة المساحات مبعثرة في جهات متعددة. وأقر مجلس الوزراء هذا البرنامج في 16 من أغسطس سنة 1931. وبدأت الحكومة في تنفيذه، فاستصدرت في 20 من أغسطس سنة 1931 المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 وهو ينص على "فتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية المعرضين لخطر نزع الملكية بناءً على طلب الدائنين، على أن يؤخذ المبلغ المذكور من المال الاحتياطي العام للدولة، وعلى أن تحدد كيفية المساعدة المتقدم ذكرها وشروطها بقرار من مجلس الوزراء". ولم يعرض هذا المرسوم على البرلمان عند انعقاده اكتفاءً بإيداعه ضمن ما أودع من المراسيم التي صدرت بعد فض دورة الانعقاد، لكنه مع ذلك نفذ منذ صدوره وتلقى بنك التسليف من الحكومة دفعات متعددة خصماً من المليون جنيه التي صدر بها المرسوم ليدفعها للدائنين وفاءً للأقساط المتأخرة على مدينيهم. غير أن الحكومة ما لبثت حتى أدركت قصور هذا البرنامج عن تحقيق الغاية التي هدفت إليها وهى الحيلولة دون بيع الأراضي الزراعية بيعاً جبرياً بأثمان بخسة. ولهذا اتجه تفكيرها إلى التدخل لشراء الأطيان التي يتضح من بحث حالتها أنها بيعت أو أنها معرضة للبيع بثمن بخس عن طريق هيئة تمولها وتشرف على عملها. وتنفيذاً لهذا التفكير عقدت وزارة المالية مع الشركة العقارية اتفاقاً أقره مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1931 جاء فيه "أن تضع الحكومة تحت تصرف الشركة مائة ألف جنيه. فإذا ما استنفد هذا المبلغ وضعت الحكومة مبلغاً آخر مماثلا له، وهكذا كلما استنفد مبلغ وضع مبلغ آخر مماثل بدلا منه، وأن تستعمل الشركة هذه المبالغ في شراء الأرض الزراعية المملوكة للمصريين والمعرضة للبيع الجبري في أحوال يتبين منها أن الشراء سيتم بثمن أقل من القيمة الحقيقية لها، وأن تدير الشركة الأراضي المشتراة إلى أن يوجد مشتر لها بثمن مناسب على أن يكون للمدين الأصلي الذى نزعت ملكيته ثم لأفراد عائلته ثم لأهالي المنطقة الموجودة بها الأرض حق الأولوية في الشراء عند تساوى الشروط، وأن تحسب للحكومة فائدة على المبالغ التي تمول بها الشركة بسعر خمسة لكل ماية، وأن تقسم الأرباح الناتجة من العملية عند انتهائها مناصفة بين الشركة والحكومة، مع ثبوت الحق للحكومة في أن تنهى العمل بالاتفاق في أي وقت تشاء. وسارت الشركة العقارية في تنفيذ هذا الاتفاق إلى أن قرر مجلس الوزراء في أول أغسطس سنة 1934 إنهاء العمل به، فوقف الشراء وتسلمت مصلحة الأملاك الأميرية ما اشترته الشركة من أراض زراعية وأدارتها بنفسها. وقد أسفرت هذه الإدارة عن أنه لا تناسب بين غلة هذه الأراضي وبين رؤوس الأموال التي أنفقت في شرائها لتفرقها في مناطق متعددة تفرقاً ضاعف تكاليف إدارتها، الأمر الذى حدا بالحكومة إلى التفكير في التصرف فيها. غير أنه حدث قبل أن يوضع هذا التفكير موضع التنفيذ أن عرض على مجلس النواب في جلسة 5 من يوليه سنة 1932 تقرير اللجنة المالية عن مشروع ميزانية سنة 1932 - 1933 وكان هذا المشروع قد تضمن فصلاً عن صيانة الثروة العقارية الزراعية أشير فيه إلى اتفاق الحكومة مع الشركة العقارية. فقال مقرر اللجنة تعليقاً على هذا الاتفاق: "إن اللجنة مع تقديرها لما قامت به الحكومة من الاتفاق مع الشركة العقارية تلاحظ أن هذا الاتفاق خلو مما يضمن إعادة الأراضي التي تشتريها الشركة إلى أصحابها أو إلى ذويهم في خلال خمس سنين من تاريخ الشراء بثمن محدود لا يقوم حوله شك ولا ريب بأن تقرر صراحة إعادة هذه الأراضي لأصحابها أو ذويهم بثمنها الأساسي مضافاً إليه 10% ربحاً للشركة والحكومة على أن يدفع ربع الثمن نقداً ويقسط الباقي على عشرين سنة بفائدة 6% وحينئذ يتحقق غرض الحكومة وتتحقق الفائدة المرجوة للبلاد". وما أن أبدى مقرر اللجنة المالية ملاحظته هذه حتى قال رئيس الحكومة إنه يوافق اللجنة على رأيها. وحدث أيضاً عند نظر مشروع القانون رقم 26 لسنة 1933 القاضي بأن يؤخذ مليون جنيه من المال الاحتياطي لمساعدة ملاك الأراضي الزراعية المعرضين لخطر نزع الملكية "أن اتضح للنواب في جلستي 19 و24 من أبريل لسنة 1933 أن المبلغ موضوع هذا القانون هو قيمة ما دفعته الحكومة فعلاً للشركة العقارية تنفيذاً للاتفاق الذى أقره مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1931 فنعى كثير منهم على الحكومة أنها لم تضمن الاتفاق المذكور ما يفيد تقرير حق الاسترداد للملاك الذين نزعت ملكيتهم. وقبل أن يوافق المجلس على مشروع هذا القانون أبدى رغبة عامة في أن يعطى هذا الحق للملاك المذكورين وأن تيسر عليهم سبل استعماله. وعلى إثر ذلك غيرت الحكومة وجهتها وأقامت سياستها في التصرف فيما آل إليها من الأراضي لا على أساس عرضها للبيع بل على أساس ردها إلى أصحابها بحيث لا يباع منها بالمزاد أو بطريق المظاريف - كما تباع أموال الحكومة عادة - إلا ما يبقى تحت يدها دون أن يطلبه صاحب الحق في استرداده. وعملا بهذه السياسة الجديدة أصدر مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1935 قراراً أقر مذكرة لوزارة المالية تضمنت القواعد التي وضعتها الوزارة المذكورة لتراعى في التصرف في هذه الأراضي. ومن هذه القواعد أن يكون لأصحاب هذه الأراضي أو ذويهم ممن سيأتي ذكرهم بعد الحق في شراء تلك الأراضي في مدى خمس سنوات تبدأ بالنسبة إلى كل صفقة من تاريخ رسو مزادها على الشركة العقارية وأن يكون الشراء مقابل الثمن الذى اشترت به الحكومة الصفقة مضافاً إليه المصاريف القضائية ورسوم التسجيل على أن يخصم من ذلك ما يوازى غلة الأرض إذا كان إيرادها زائداً على مصروفاتها، أما إذا زادت المصروفات على الإيراد فتضاف الزيادة إلى الثمن، وأن يدفع طالب الشراء عشر الثمن عند توقيع العقد الابتدائي بالبيع وتحسب على باقى الثمن فائدة بسيطة بسعر 3.5 لكل ماية، وتضم هذه الفائدة إلى باقي الثمن ويقسط المجموع على ثلاثين سنة، وأن تكون الأولوية في شراء الأرض للمالك المنزوع ملكيته فزوجته فأولاده فأبويه فاخوته فأولاد إخوته فأعمامه فأولاد أعمامه فأصهاره، وأن لا يجوز بيع هذه الأراضي أو رهنها رهناً عقارياً أو حيازياً أو تقرير اختصاص قضائي عليها أو إجراء البدل فيها أو التنازل عنها أو تقرير حق عيني عليها أو التنفيذ عليها بطريق الحجز أو نزع الملكية، وذلك لغاية الوفاء بالثمن كله. ومع ذلك فيجوز بيع الأرض أو التنازل عنها كاملة أو مجزأة لأى شخص بشرط موافقة وزارة المالية، وفى هذه الحالة لا تلتزم الحكومة إزاء المتنازل إليه بما التزمت به إزاء الملاك الأصليين وذويهم من حيث أجل دفع الثمن وسعر الفائدة، وأنه إذا انقضت الخمس السنوات دون أن يتقدم أصحاب الأولوية في شراء أي صفقة لاستردادها بالشروط الآنف ذكرها تباع تلك الصفقة بالمزايدة بطريق المظاريف المقفلة، على أن يكون الثمن الأساسي حسب ما تقدره لجنة يختار أعضاءها وزير المالية. ومع ما في هذه الشروط من التيسير البالغ فإن من أصحاب الأراضي من قصرت أسبابه عن الإفادة منها، ولم يهن على الحكومة أن يضيع على هؤلاء حقهم في الاسترداد فخولتهم بناءً على تظلمهم مزيداً من التيسير والمراعاة بقرار صدر من مجلس الوزراء في 16 من مارس سنة 1937 قضى بأن تخفض الفائدة إلى 3% بدلاً من 5ر3. وأن يعفى أصحاب الأراضي من استهلاك رأس المال في الخمس السنوات الأولى من الاسترداد وأن يقسط رأس المال على خمس وثلاثين سنة بدلاً من ثلاثين، وأن تبدأ الخمس سنوات المحددة لقبول طلبات الاسترداد من نوفمبر سنة 1935 بدلاً من تاريخ رسو المزاد.
وحيث إنه مما تقدم يتضح: أولا - أن مجلس الوزراء إذ أصدر في 27 من نوفمبر سنة 1935 قراره بالموافقة على مذكرة وزارة المالية التي تضمنت شروط بيع الأراضي التي آلت إلى الحكومة نتيجة تدخلها بالشراء لصيانة الثروة العقارية الزراعية إنما كان يباشر سلطته الإدارية التي تجعل منه قيماً على الملك الخاص للدولة له أن يضع من الشروط لبيع هذا الملك ما يراه محققاً للصالح العام. وما يصدر منه في هذا الشأن من قرارات من قبيل القرارات الإدارية. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 107 لسنة 1931 الذى نص على فتح اعتماد بمبلغ مليون جنيه لمساعدة ملاك الأرض الزراعية المهددة بخطر نزع الملكية قد أذن لمجلس الوزراء في أن يحدد كيفية هذه المساعدة وشروطها فان هذا الإذن - مع ما يدور في الفقه الدستوري من خلاف حول قوة القوانين المالية وأثرها في القوانين الأخرى مما لا محل هنا للتعرض له - لا يسوغ اعتبار ما صدر من المجلس المذكور من القرارات العامة بتدخل الحكومة لشراء الأراضي الزراعية أو بيع ما اشترته منها بشروط معينة في حكم القوانين، لأن المساعدة المقصودة بالمرسوم الذى تضمن هذا الإذن كانت مقصورة على تمويل بنك التسليف العقاري بالمال ليدفع عن المدينين باسم الحكومة ما تأخر عليهم من الأقساط أخذاً بالبرنامج الذى وضعه مجلس إدارة بنك التسليف على أساس اطراح فكرة تدخل الحكومة لشراء الأراضي والتحذير من عواقب تلك الفكرة. ومتى كان الأمر كذلك فان تلك القرارات لا يمكن أن تكون قد صدرت في حدود الإذن الذى تضمنه المرسوم رقم 107 لسنة 1931 فلا محل أصلاً للقول بأنها تشريع ناسخ لأحكام الشفعة. وفضلاً عن ذلك فان هذه القرارات لم تنشر في الجريدة الرسمية مع أن هذا النشر في حكم الدستور إجراء لابد منه لنفاذ كل تشريع. ثانياً - أن الحكومة وقت أن رأت في 25 من نوفمبر سنة 1931 وجوب تدخلها لشراء الأراضي الزراعية المعرضة للبيع الجبري بثمن بخس إنما كانت تهدف إلى تقوية عنصر الطلب في سوق الأراضي الزراعية لتضع حداً لتدهور قيمتها بعد أن اطردت الزيادة في عرضها. أما رد هذه الأراضي إلى أصحابها فلم يكن هو هم الحكومة، ولهذا جاء اتفاقها مع الشركة العقارية قاضياً بأن تضع الشركة يدها على ما تشتريه إلى أن يوجد له مشتر بثمن مناسب فتبيعه، على أن يكون لصاحب الأرض ثم لأفراد عائلته ثم لأهالي المنطقة حق الأفضلية في الشراء عند تساوى الشروط. وهذا صريح في أن الحكومة - إلى هذا الحين - لم يكن من رأيها أن تؤثر المدين المنزوع ملكيته بأرضه فتركته عرضة لأن يزاحمه غيره ولأن يفضل عليه من يعرض شروطاً أفضل من شروطه. ومن ثم يكون القول بأن الحكومة عندما أقدمت على شراء الأراضي الزراعية المهددة بالبيع فقد التزمت مقدماً بأن ترد هذه الأرض لأصحابها عند طلبها، وأن ملكيتها لهذه الأراضي تبعاً لهذا الالتزام كانت ملكية مقيدة بشرط فاسخ، لا سند له. ثالثاً - أن الحكومة منذ واجهها مجلس النواب برغبته في أن ترد ما آل إليها من الأراضي الزراعية إلى أصحابها اتجهت نحو تنفيذ هذه الرغبة، وجاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1935 عاملاً على تحقيقها. ولما كان القرار المذكور قد تضمن إيجاباً من الحكومة أوجبت به على نفسها بأن ترد لكل مالك ملكه الذى نزع منه بمجرد طلبه في مدى خمس سنوات مقابل ثمنه الذى رسا به المزاد عليها، ولما كان المدين المنزوع ملكيته هو قانوناً في حكم البائع، فان هذا الإيجاب متى قبله المدين المذكور لا يكون إنشاءً لبيع مستحدث، وإنما هو اتفاق على التقايل في البيع القديم والتراد في المبيع والثمن.
وحيث إنه إذا ما تنازل المدين المنزوع ملكيته إلى آخر عن حقه في أن يسترد أرضه على أساس التقايل في البيع الذى آلت به الأرض إلى الحكومة، وقبلت الحكومة هذا التنازل، وعلى موجبه تصرفت في الأرض إلى المتنازل إليه، فان هذا التصرف - الذى من شأنه أن يحدث للمتنازل إليه ملكية لم تكن له من قبل - يكون بيعاً. ومن ثم تكون الشفعة فيه جائزة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز الشفعة على أساس أن التصرف الصادر من مصلحة الأملاك الأميرية للمطعون ضدها ليس بيعاً قد جاء مخالفاً للقانون متعيناً نقضه.


 (1) أنظر الحكمين الصادرين في هذه الجلسة في القضيتين رقم 127 سنة 15 ورقم 144 سنة 15 المنشورين في هذا الجزء تحت رقم 81 ورقم 82.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق