الصفحات

الاثنين، 20 يوليو 2020

عدم دستورية وضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد أجازات العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية

الدعوى رقم 79 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 6 / 6 / 2020 
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يونيه سنة 2020، الموافق الرابع عشر من شوال سنة 1441 هـ. 
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل 
وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالمطلب البحيري رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر 

أصدرت الحكم الآتى 
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 79 لسنة 40 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية لمحافظة الدقهلية، بحكمها الصادر بجلسة 24/12/2017، ملف الدعوى رقم 728 لسنة 45 قضائية. 

المقامة من 
حامد إبراهيم محمد حسانين 
ضــد 
رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية 

الإجـراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من يوليه سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 728 لسنة 45 قضائية، بعد أن قضت المحكمة الإدارية لمحافظة الدقهلية بمجلس الدولة، بجلسة 24/12/2017، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (59) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 174 لسنة 1984، فيما تضمنه من وضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية غير المستنفدة الذى يحصل عليه العامل عند انتهاء خدمته. 

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. 
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. 
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم. 

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة. 
حيث إن الوقائـع تتحصل – حسبما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أنه بتاريخ 23/11/2016، أقام المدعى الدعوى رقم 728 لسنة 45 قضائية، أمام المحكمة الإدارية لمحافظة الدقهلية بمجلس الدولة، طالبًا الحكم بأحقيته في صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية كاملاً، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وفروق مالية. وذلك على سند من أنه كـــــان من العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، إلى أن صدر القرار رقم 278 بتاريخ 9/8/2016، بإنهاء خدمته لبلوغ السن القانونية المقررة. وأنه أثناء مدة خدمته، لم يحصل على الإجازات الاعتيادية المقررة له كاملة، نظرًا لحاجة العمل إليه. بيد أنه وبالرغم من ذلك، امتنعت جهة الإدارة عن صرف المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية كاملاً، بالمخالفة للمبدأ الذى سبق أن استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن. وبجلسة 24/12/2017، تراءى للمحكمة عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة رقم (59) من لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 174 لسنة 1984، فيما تضمنه من وضع حد أقصى – ثلاثة أشهر - لما يجوز أن يحصل عليه العامل بالهيئة، من مقابل نقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية، التي لم يستنفدها أثناء الخدمة. ومن ثم، فقد قررت وقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذا النص. 

وحيث إن لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، الصادرة بقرار مجلس الإدارة رقم 174 لسنة 1984، قد حددت أوضاع حصول العامل على إجازاته السنوية الاعتيادية في المادة (59) منها، فنصت على أن "يستحق العامل إجازة اعتيادية بأجر كامل عن سنوات العمل الفعلية لا يدخل في حسابها أيام العطلات والأعياد والمناسبات الرسمية فيما عدا العطلات الأسبوعية، وذلك على الوجه الآتي : 
1 - ......... 2 - ......... 3 - ...... 4 - .....". 
ونصت في نهاية الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه : " إذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد الإجازات الاعتيادية، استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسي الذى كان يتقاضاه عند انتهاء خدمته، وذلك بما لا يجاوز أجر ثلاثة أشهر ". 
وحيث إن النزاع في الدعوى الموضوعية يتعلق بمقدار رصيد الإجازات الاعتيادية التي يستحق عنها المدعى مقابلاً نقديًّا عند انتهاء خدمته بالهيئة، فإن نطاق الدعوى المعروضة – الذى يتحقق به المصلحة فيها - إنما يتحدد فيما تضمنه النص المشار إليه من تقرير حد أقصى لما يستحقه العامل من مقابل لرصيد إجازاته الاعتيادية، التي لم يحصل عليها حتى تاريخ انتهاء خدمته، لا يجاوز ثلاثة أشهر؛ وهو نص تنظيمي عام يحكم العلاقة بين الهيئة المذكورة، وهى من أشخاص القانون العام، والعاملين بها، الذين يعدون موظفين عموميين؛ ومن ثم، تشمله الرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة على القوانين واللوائح. 
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعًا يقتضيها، وآثارًا يرتبها، من بينها - في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفًا وإنسانيًّا ومواتيًّا، فلا تنتزع هذه الشروط قسرًا من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها؛ أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقًا وعقلاً بالشـروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها . ومن ثم، لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافًا بها عن غايتها يستوى في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية. 
وحيث إن الدستور القائم خول سلطة التشريع بنص المادة (12) منه تنظيم حق العمل – على نحو ما سبق أن كفله دستور سنة 1971 في المادة (13) منه - إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئًا لإهدار حقوق يمتلكها، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقًا للدستور أن تكون إطارًا لحق العمل، واستتارًا بتنظيم هذا الحق للحد من مداه. 
وحيث إن المشرع - في الإطـار السابق بيانه- وإبان سريان أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته - باعتباره القانون العام للعاملين المدنيين بالدولة وهيئاتها العامة، الذى انتهت خدمة المدعى في الدعوى الموضوعية في ظل سريانه وقبل إلغائه – كفل بموجب نص المادة (65) منه حق العامل في الإجازة السنوية، فغدا بذلك حقًّا مقررًا له بنص القانون، يظل قائمًا ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة. وهو ما أعاد قانون الخدمة المدنية الجديد الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 التأكيد عليه في المادتين (49)، (50) منه. 
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها، ولو كان هذا النزول ضمنيًّا بالامتناع عن طلبها؛ إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة، فلا يملك أيهما إهدارها كليًّا أو جزئيًّا إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكًا لقواه، وتبديدًا لطاقاته، وإضرارًا بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمـرار فيه دون انقطاع . فالحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة، ويمس مصالحها العليا، صونًا لقواها الإنتاجية البشرية. 
وحيث إن لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية قد دلت في نهاية الفقرة الأخيرة من المادة (59) منها، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخاريًّا من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر. وكان ضمان اللائحة لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاها أن ترد على العامل سوء قصده فلم تجز له أن يحصل على ما يساوى أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وهي بعد مدة قدرت اللائحة أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها. بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسرى على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعًا إلى جهة العمل، أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فلا يجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام - أن يطلبها جملة إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنًا عينًا، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجبًا، تقديرًا بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمـــل، فكان لزامًا أن تتحمل وحدها تبعة ذلك. 
وحيث إن الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة الماليـة للعامـل، مما يندرج في إطـار الحقـوق التي كفلتهـا المادتان (33، 35) من الدستور، اللتان صان بهما حق الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام، وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصيـة والعينيـة جميعهـا. متى كان ذلك، فإن حرمـان العامل من التعويض المكافـئ للضـرر والجابر له يكون مخالفًا للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة. 

فلهــــذه الأسبــــاب 
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (59) من لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية الصادرة بقرار مجلس إدارتها رقم 174 لسنة 1984، فيما تضمنه من وضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية التى لم يستنفدها العامل حتى انتهاء خدمته، لا يجاوز أجر ثلاثة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعًا إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق