الصفحات

الأربعاء، 8 يوليو 2020

الطعن 207 لسنة 33 ق جلسة 25 / 3 / 1963 مكتب فني 14 ج 1 ق 47 ص 225


جلسة 25 من مارس سنة 1963
برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود حلمي خاطر، وعبد الحليم البيطاش، ومختار رضوان، ومحمد صبري.
-------------
(47)
الطعن رقم 207 لسنة 33 قضائية

(أ) حكم. "تسبيبه. ما لا يعيبه" محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسبابه. ما لا يقبل منها". اعتراف.
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها، واطراح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها. ما دام استخلاصها سائغاً. حقها في أن تجزئ أي دليل ولو كان اعترافاً والأخذ بما تراه صحيحاً متفقاً مع وقائع الدعوى وظروفها. مثال.
(ب) ظروف مشددة. "سبق الإصرار". محكمة الموضوع. دفاع.
سبق الإصرار ظرف مشدد ووصف للقصد الجنائي. البحث في وجوده أو عدمه. داخل في سلطة محكمة الموضوع. ما دام تدليلها سائغا.
(ج) حكم - "تسبيبه ما لا يعيبه". جريمة. باعث.
الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها. الخطأ فيه لا يعيب الحكم. ما دام قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة، وأورد على ثبوتها أدلة سائغة. وما دام سبب الجريمة لم يكن عنصراً من العناصر التي استند عليها في ذلك.

--------------
1 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصل في الأوراق - وللمحكمة في سبيل ذلك كامل السلطة أن تجزئ أي دليل ولو كان اعترافاً والأخذ بما تراه صحيحاً متفقاً مع وقائع الدعوى وظروفها. ومن ثم فإن نعى الطاعن على الحكم بأنه جزأ اعترافه ولم يأخذ بقوله من أنه لم يقارف فعل القتل بنفسه وإنما قارفه متهم آخر في الدعوى واقتصر دوره على شل مقاومة المجني دون قصد مصمم عليه من جانبه - لا يكون له محل، ولا يعدو أن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر أن سبق الإصرار ظرف مشدد ووصف للقصد الجنائي، والبحث في وجوده أو عدم وجوده داخل في سلطة محكمة الموضوع ما دامت قد دللت على ذلك بأدلة سائغة. ومن ثم فإن النعي على الحكم بعدم الرد على دفاع الطاعن فيما يتعلق بنفي سبق الإصرار يكون على غير أساس.
3 - سبب الجريمة ليس ركناً من أركانهاً فالخطأ فيه - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد بين واقعة الدعوى التي دان الطاعن بها بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها، وما دام سبب الجريمة لم يكن عنصراً من العناصر التي استند عليها في ذلك.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في ليلة 13 من أغسطس سنة 1961 بدائرة قسم القنطرة غرب محافظة الإسماعيلية: قتلا أحمد حماد سليمان عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدا النية على قتله وأعدا لذلك سكيناً وأمسك به المتهم الأول - وطعنه المتهم الثاني بالسكين عدة طعنات قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات - فأمرت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات الإسماعيلية قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بمادتي الاتهام بالنسبة إلى المتهم الأول: أولاً - بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالإعدام وثانياً - ببراءة المتهم الثاني من التهمة المسندة إليه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.

المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والاستناد إلى غير الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال وفى بيان ذلك يقول إنه وإن كان قد اعترف بإسهامه في قتل المجني عليه إلا أنه تمسك في دفاعه بأنه لم يكن مصراً على قتله ولم يخرج اعترافه عن أنه كان يسير مع المجني عليه برفقة المتهم الثاني في الدعوى حين فاجأ هذا الأخير المجني عليه وقتله بالسكين ولكن المحكمة جزأت اعترافه دون أن ترد على ما دفع به من عدم توافر ظرف سبق الإصرار في حقه. وما أورده الحكم في التدليل على براءة المتهم الثاني لا يصلح رداً على هذا الدفاع. هذا إلى أن ما أورده الحكم في تصويره الواقعة من أن المجني عليه كان على علاقة بابنة عمة الطاعن مما حفزه على التخلص من المجني عليه لا دليل عليه من أوراق الدعوى - يضاف إلى ذلك أن المحكمة بعد أن جزأت اعتراف الطاعن وأخذت بفعل القتل واستبعدت الجزء الخاص بنفي سبق الإصرار أسندت للطاعن وحده فعل القتل بكافة ظروفه المشددة لأن المجني عليه كان على علاقة بابنة عمة الطاعن التي كان يريد هو الزواج منها - وهو استنتاج خاطئ إذ أنه بحكم اللزوم العقلي. إذا صح وجود هذه العلاقة. فإن المتهم الثاني يكون أولى بعقد العزم على قتل المجني عليه على أساس أنه أخ تلك الفتاة - ولا يتصور عقلاً مع ثبوت هذه العلاقة أن يقدم الطاعن على القتل إذ لا ضغينة بينه وبين المجني عليه سوى رواية ضابط المباحث السماعية المسندة إلى تحريات استبعدتها نفس المحكمة بالنسبة للمتهم الثاني الذي قضت ببراءته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن فؤاد محمود بغدادي المتهم الأول الطاعن - كان يطمع في الزواج من عائشة إبراهيم الراوي ابنة عمته إلا أنه ترامت إليه شائعات بأن ثمة علاقة تقوم بين عائشة وبين أحمد حماد سليمان المجني عليه والذي تجمعه به رابطة الجوار. فأثارت تلك العلاقة حفيظة المتهم الأول وفكر في التخلص من المجني عليه بإزهاق روحه وأخذ يقلب الرأي فيما عقد العزم عليه. واعد في بادئ الأمر مادة سامة (توكسافين) لدسها للمجني عليه في شرابه بيد أنه ما لبث أن خشي أن يكشف المجني عليه أمر تلك المادة السامة إذا ما تذوقها. وكان أن آثر استدراج المجني عليه ليلاً إلى مكان آمن وأن يجهز عليه بآلة حادة قاتلة وما أن اطمأن إلى سلامة تلك الخطة حتى بادر إلى شحذ سكين قبل الحادث ببضعة أيام ولما كانت ليلة 13 من أغسطس سنة 1961 نفذ ما انتواه فاستدرج المجني عليه إلى حقل محمد بغدادي عمه (أي المتهم الأول) وهناك استل تلك السكين وطعن بها المجني عليه خلف عنقه في غفلة منه ثم أعمل السكين في مقدم العنق من الأمام بقصد قتله فأجهز عليه بذبحه وحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - ثم لاذ المتهم الأول بالهرب تاركا غطاء رأسه "طاقية من الصوف بيضاء اللون" على مسرح الجريمة وآثار جرمه عالقة بملابسه والسكين بيده وكان أن أسرع بغسلها جميعا ثم أخفى السكين في زراعة بحقل عمه. كما أخفى الملابس في مكان آخر بذات الحقل بعد أن أهال عليهما التراب. كما أخفى من قبل الزجاجة التي أودع بها المادة السامة في مكان ثالث. وقد قام المتهم الأول بإرشاد الملازم أول مصطفى جمال الدين أحمد رشدي ضابط مباحث قسم القنطرة غرب والشرطي السري حسن محمد أحمد والمساعد أبو بكر عبد الظاهر محمد عنها جميعاً بعد الإدلاء باعترافه باقترافه الحادث - كما حاول الانتحار باجتراع المادة السامة حينما أرشد عن مخبئها - "وأورد الحكم على ثبوت الجريمة في حق الطاعن أدلة مستمدة مما شهد به المقدم سعد زغلول على فهمي بالتحقيقات وبالجلسة من أن المتهم الثاني أبلغ القسم في صبيحة اليوم التالي للحادث بعثوره على جثة قتيل في حقل محمد بغدادي خاله فانتقل حيث عاين الجثة ثم ترامى إلى علمه أن المجني عليه كان يداين المتهم الثاني بمبلغ خمسة جنيهات فتعهد الملازم أول مصطفى جمال الدين رشدي بمتابعة جمع التحريات. وكان أن اعترف المتهم الأول - الطاعن - شفوياً لهذا الملازم بأنه ارتكب الجريمة مع المتهم الثاني وشفع اعترافه بالإرشاد عن الملابس التي كان يرتديها وقتذاك كما أرشد أيضا عن السكين المستعملة في الحادث ومن أن هذا الشاهد علم من المساعد أبو بكر عبد الظاهر بما كان من أمر إرشاد المتهم الأول - الطاعن - عن الملابس والسكين والزجاجة التي تحوى المادة السامة وبما كان من محاولة الانتحار باجتراع كمية من تلك المادة فانتقل على الفور إلى المستشفى وهناك ردد له المتهم - الطاعن - اعترافه باقتراف الحادث مع المتهم الثاني بعد أن استدرجا المجني عليه إلى الحقل الذي عثر فيه على جثته وأضاف الشاهد أيضاً أنه عثر على طاقية صوف بيضاء بمكان الحادث. كما أورد الحكم ما شهد به الملازم أول مصطفى جمال الدين من أن تحرياته قد دلت على أن المجني عليه كان يداين المتهم الثاني بمبلغ خمسة جنيهات ثمن جواهر مخدرة ابتاعها منه وأن المجني عليه كان يلح في اقتضاء هذا الدين بينما كان المتهم الثاني يماطل في السداد ثم عرض عليه المتهم الثاني بأن يؤدى له الدين بعد بيع كمية من السماد يزمع سرقتها من خاله محمد بغدادي فرفض المجني عليه هذا العرض وهدده بإبلاغ الأمر لمحمد بغدادي فكان أن عقد المتهم الثاني العزم على التخلص من المجني عليه بقتله واستعان في ذلك بالمتهم الأول - الطاعن - لما يعرفه عنه من سابقة قتله إحدى قريباته. وبأنه - أي الشاهد - قد واجه الطاعن بذلك فاعترف أمامه باقتراف الحادث مع المتهم الثاني وقام بإرشاده في حضور الشاهدين حسن محمد أحمد وأبو بكر عبد الظاهر محمد عن السكين المستعملة في الحادث وكانت مودعة في جورب ومخبأة في زراعة بحقل يقع على مقربة من مسكنه.
كما أرشده في ذات الحقل عن مكان آخر به الملابس التي كان يرتديها إبان اقترافه الحادث وكانت مبتلة ومدفونة في الأرض ودله أيضا على زجاجة بها مادة سامة كان قد أعدها هو والمتهم الثاني للاستعانة بها في قتل المجني عليه ثم حاول اجتراع ما بها فلحق به ومنعه من ذلك ثم نقله إلى المستشفى لإسعافه وأضاف هذا الشاهد أنه ترامى إليه من تحرياته كذلك أن المتهم الأول - الطاعن - كان يزمع الزواج من ابنة عمته عائشة إبراهيم الراوي بيد أنه علم بأن ثمة علاقة بينها وبين المجني عليه فأثار ذلك حفيظته عليه وكان أن عزم على التخلص منه كما ذكر الشاهد أن الطاعن اعترف له شفوياً بأن المجني عليه كان على علاقة فعلاً بعائشة ابنة عمته وبملكيته للطاقية التي عثر عليها بمسرح الجريمة - وأورد الحكم كذلك ما شهد به الشرطي السري حسن محمد أحمد وأبو بكر عبد الظاهر محمد بما يؤيد الأقوال السابقة وما ذكره سعد محمود عبود بالتحقيقات من أن المتهم (الطاعن) عهد إليه في يوم الأربعاء السابق على الحادث بشحذ السكين المضبوط التي استعملت في الحادث وبأنه هو الذي استلمها منه - واستعراف الكلب البوليسي على الطاعن بعد أن شم الطاقية المضبوطة بمحل الحادث - وما أورده تقرير الصفة التشريحية واعتراف الطاعن بالتحقيقات ومؤداه أن المجني عليه كان يداين المتهم الثاني بمبلغ أربعة جنيهات ونصف ويلح في اقتضائه فضاق المتهم الثاني به ذرعا وعرض عليه في اليوم السابق على الحادث أن يوفيه دينه بعد بيع كمية من سماد يزمع سرقتها من خاله فرفض المجني عليه هذا العرض وهدده بإبلاغ الأمر لخاله وحينذاك عاد المتهم الثاني وعرض عليه أن يعطيه إردبا من القمح وفاء لدينه. ولما كان يوم الحادث التقوا ثلاثتهم - هو والمتهم الثاني والمجني عليه بطريق المعاهدة وسارواً معاً إلى مسكن المتهم الثاني وتناولوا طعام العشاء ولما فرغوا من العشاء توجهوا إلى حقل عمه محمد بغدادي وهناك طلب المجني عليه من المتهم الثاني أن يوافيه بالقمح فأمهله وغافله وطعنه من الخلف بالسكين في عنقه فهب المجني عليه واقفاً وهو يصرخ فجثم المتهم الثاني فوقه بينما أطبق هو - أي الطاعن - بيديه على ساق المجني عليه وتمكن المتهم الثاني من الإجهاز عليه بذبحه بالسكين من مقدم العنق كما أصابه بذات السكين أيضاً في وجهه. ثم انطلق الاثنان بعيداً عن مسرح الجريمة وأسرع هو إلى الخليج حيث غسل ملابسه وكانت قد تلوثت من دماء المجني عليه ثم أخفاها في مكان بحقل عمه كما وضع السكين في جورب له وأخفاها في مكان آخر بذات الحقل. وأضاف هذا الطاعن في اعترافه آنف الذكر أنه كان والمتهم الثاني قد أزمعا قتل المجني عليه بمادة التوكسافين وأعدا تلك المادة فعلاً بيد أنهما آثرا العدول عن هذه الوسيلة في اللحظة الأخيرة خشية أن يكشف المجني عليه أمرها بعد تذوقها. وأن السكين المستعملة في الحادث والتي ضبطت بعد إرشاده عنها هي والملابس مملوكة له - وأنه كان يزمع الزواج من عائشة أخت المتهم الثاني بيد أن هذا الأخير رفض قبوله زوجا لها - وأنه ترامت إليه شائعات عن وجود علاقة بين عائشة والمجني عليه - كما أورد الحكم اعتراف المتهم الأول - الطاعن - بالجلسة ومؤداه أنه اقترف الحادث بمفرده بعد أن تعاطي هو والمجني عليه مخدرا. وخلص الحكم بعد سرد الأدلة أنفة الذكر إلى ما نصه "إنه وإن كانت الواقعة حسبما استخلصتها المحكمة على النحو الوارد بصدر الحكم لا تطابق في تفصيلاتها ما ورد بالاعتراف الذي أدلى به المتهم الأول - الطاعن - بالتحقيقات وهو الاعتراف الذي نقله عنه الشهود الأربعة من أنه اقترف الحادث بالاشتراك مع المتهم الثاني الذي انفرد دونه بطعنه المجني عليه بالسكين وكان دوره هو - الطاعن - مجرد معاونة المتهم الثاني في شل مقاومة المجني عليه إبان الإجهاز عليه وهو تصوير لا تأخذ به المحكمة وذلك للأدلة التي ستوردها فيما بعد بصدد التهمة المسندة للمتهم الثاني والتي ستنتهي المحكمة إلى عدم اقتناعها بإدانة المتهم الثاني عن تهمة القتل المسندة إليه - فإن حسب المحكمة لاقتناع بإدانة الطاعن رغم ذلك أن الاعتراف على النحو الذي أدلى به هذا المتهم بالتحقيقات لا يغير شيئاً من مسئوليته الجنائية كفاعل لجريمة القتل. إذ أن الفعل الذي عزاه إلى نفسه من وجوده بمسرح الجريمة وقت ارتكابها ومعاونة المتهم الثاني في شل مقاومة المجني عليه بالإطباق بيديه على ساقيه بينما أعمل المتهم الثاني السكين في مقدم عنقه ووجهه هذا الذي أقدم عليه هذا المتهم الأول أخذاً بهذا الاعتراف لما يجعل منه ولا شك فاعلاً أصلياً في جريمة القتل. وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فهو جد متوفر - بادئ ذي بدء - من قيام الضغينة التي يحفظها المتهم للمجني عليه لاجترائه على توطيد علاقة بينه وبين عائشة ابنة عمته التي كان يمنى النفس بالظفر بها كزوجة له ومن قيام تلك العلاقة ما يجرح فؤاده ويدمى قلبه. كما أنه متوافر أيضاً من ناحية أخرى بصرف النظر عن تلك الضغينة وقيامها بل ومهما يكن الأمر بشأن حقيقة الباعث عليها أو بشأن الباعث على اقتراف الجريمة نفسها. هذا الظرف متوفر أيضاً استقلالا من إعداد المتهم الأول للمادة السامة "التوكسافين" قبل الحادث ببضعة أيام ثم إعداده السكين عندما آثر ذبح المجني عليه - ومما كان من شحذه السكين قبل الحادث بأيام قلائل ثم استدراجه المجني عليه ليلاً إلى حقل عمه بعيداً عن الأنظار حيث غافله وهو بالسكين من خلفه من مؤخر عنقه ثم إعماله السكين في مقدم العنق فأجهز عليه بذبحه". وتصدى الحكم بعد ذلك لأدلة الثبوت قبل المتهم الثاني في الدعوى وبعد أن سردها قال "ومن حيث إن المحكمة لا تطمئن إلى إدانة المتهم الثاني أخذاً بتلك الأدلة التي ساقها الاتهام ذلك أن أحداً بادئ ذي بدء خلاف المتهم الأول لم يقل بقيام أي علاقة خصومة ومديونية بين المجني عليه والمتهم الثاني تحفز هذا الأخير على أن يقدم على إزهاق روح المجني عليه كما أن أحداً آخر خلاف المتهم الأول لم يقل بأن المتهم الثاني اقترف الحادث سواء بمفرده أو بالاشتراك معه. أما عن اعتراف المتهم الأول بالتحقيقات فحسب المحكمة لعدم الاطمئنان إلى ما قرره هذا المتهم بصدد المتهم الثاني أن المتهم الأول وحده الذي قرر ذلك دون أن تقوم ثمة أدلة أو قرائن تؤيده وليس هذا فحسب بل أنه قد ثبت بيقين كذب المتهم الأول فيما ادعاه من أنه والمتهم الثاني والمجني عليه قد اجتمعوا معاً ليلة الحادث وتناولوا طعام العشاء سوياً بدار المتهم الثاني وأن هذا العشاء كان مكونا من "بامية" ثم توجهوا إلى الحقل إذ استبان من تقرير الصفة التشريحية أنه بفتح معدة المجني عليه وجد بها طعام في دور الهضم عبارة عن فول مدمس وخبز وعنب. كما ثبت أن المتهم الأول وقد سبق له أن قتل والدته هو الذي أعد السكين وهو الذي شحذها لدى سعد عبود قبل الحادث بأيام قليلة وهو الذي استولى عليها منه أيضاً ومن ثم فلا يستساغ أن يكون دوره في الحادث هو مجرد شل مقاومة المجني عليه بالإمساك بساقية بينما كان المتهم الثاني يعمل بالسكين الذي كان يحتفظ بها في عنق المجني عليه. هذا فضلاً عن أن الحادث وقد وقع ليلاً وكان دور المتهم الأول أخذاً بروايته لا يعدو مجرد الإمساك بالمجني عليه من ساقية لشل مقاومته. فإنه ما كان في استطاعته أن يقف مع ظلام الليل على جميع مواضع إصابات المجني عليه وبأنها كانت في مؤخر ومقدم عنقه ووجهه إلا أن يكون هو بوصفه جميع تلك الإصابات ما كان منها في مؤخر ومقدم العنق والوجه هو الذي أحدثها بالمجني عليه وعرف من ذلك مواضعها حق المعرفة كما أن تلوث ملابس المتهم الأول - الطاعن - بالدماء مع عدم العثور بجسم المتهم الثاني أو بملابسه على أثر يدل على استعمال العنف أو المقاومة يفيد إسهامه في قتل المجني عليه كل ذلك مما يفيد في تعيين أن المتهم الأول وحده الذي انفرد باقتراف الحادث دون أن يسهم المتهم الثاني فيها". وعرض بعد ذلك للتحريات وأبدى عدم اطمئنانه لما جاء بها خاصا بالمتهم الثاني. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجناية القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان بها الطاعن - وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصل في الأوراق - وكان للمحكمة في سبيل ذلك كامل السلطة أن تجزئ أي دليل ولو كان اعترافاً والأخذ بما تراه صحيحاً متفقاً مع وقائع الدعوى وظروفها - لما كان ما تقدم، فإن نعى الطاعن على الحكم بأنه جزأ اعترافه ولم يأخذ بقوله من أنه لم يقارف فعل القتل بنفسه وإنما قارفه المتهم الثاني في الدعوى واقتصر دوره على شل مقاومة المجني عليه دون قصد مصمم عليه من جانبه - لا يكون له محل ولا يعدو أن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض - ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه عرض على استقلال لظرف سبق الإصرار وكشف عن توافره في حق الطاعن وقدم لإثباته من الدلائل والقرائن ومن نص اعتراف الطاعن بما يكفى لتحققه طبقاً للقانون وكان من المقرر أن سبق الإصرار ظرف مشدد ووصف للقصد الجنائي والبحث في وجوده أو عدم وجوده، داخل في سلطة محكمة الموضوع ما دامت المحكمة قد دللت على ذلك بأدلة سائغة فإن النعي بعدم الرد على دفاع الطاعن فيما يتعلق بنفي سبق الإصرار يكون على غير أساس - ولما كانت المحكمة قد استخلصت الباعث على ارتكاب الجريمة مما جاء بمحضر تحريات ضابط المباحث ومن اعتراف نفس المتهم من قوله إنه كان يزمع الزواج من ابنة عمته عائشة وأنه ترامى إلى سمعه إشاعات بوجود علاقة بينها وبين المجني عليه وكان الطاعن لا يجادل في صدور هذه التحريات ولا في صدور هذا الاعتراف - وكان استخلاص المحكمة سائغاً وكان لها أن تأخذ بتحريات الضابط فيما يتعلق بالطاعن ما دامت قد ارتاحت إلى صدقها بالنسبة إليه وما دامت بقية أدلة الدعوى التي اقتنعت بها تساندها وتطرح هذه التحريات بالنسبة للمتهم الثاني ما دامت لم تطمئن إلى ما يخصه منها فذلك كله يدخل في سلطة المحكمة التقديرية التي لا معقب عليها. فإن ما ينعاه الطاعن بهذا الصدد يكون غير سديد - هذا فضلاً عن أن سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها فالخطأ فيه - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد بين واقعة الدعوى التي دان الطاعن بها بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها وما دام قد دلل على توافر ركن سبق الإصرار تدليلاً سليماً وما دام سبب الجريمة لم يكن عنصراً من العناصر التي استند عليها في ذلك.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض في الميعاد المنصوص عليه في المادة 34 من هذا القانون فهذا العرض مقبول شكلاً.
وحيث إنه لما كان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من القانون المذكور أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين بها المحكوم عليه بالإعدام وجاء خلوا من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله. وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولا ولاية الفصل في الدعوى. ولم يصدر بعده قانون يسرى على واقعة الدعوى بما يغير مما انتهى إليه الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى الطاعن المحكوم بإعدامه فإنه يتعين إقرار الحكم بالنسبة إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق