الصفحات

الأحد، 21 يونيو 2020

الطعن 125 لسنة 36 ق جلسة 28 / 3 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 ق 72 ص 362


جلسة 28 من مارس سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي.
---------------
(72)
الطعن رقم 125 لسنة 36 القضائية

(أ) إجراءات المحاكمة.
اطمئنان المحكمة إلى ما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن العبارات المدونة على أغلفة المخدرات المضبوطة وأوراقها قد حررت بخط الطاعن. لا يعيب الحكم عدم اطلاع المحكمة على الأغلفة أو أوراق الاستكتاب وعرضها على المتهم. طالما أنه لم يطلب هو أو المدافع عنه الاطلاع عليها.
(ب، ج) إثبات. "خبرة".
(ب) تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن. أمر موكول إلى قاضى الموضوع.
(ج) عدم التزام المحكمة بإجابة طلب الدفاع ندب خبير آخر. طالما أنه الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.
(د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(د) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها. ما دام استخلاصها سائغاً.
)هـ) الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً. منها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي.

--------------
1 - متى كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن العبارات المدونة على أغلفة المخدرات وأوراقها قد حررت بخط الطاعن، وكان الطاعن والمدافع عنه لم يطلبا من المحكمة الاطلاع على الأغلفة أو أوراق الاستكتاب فإنه ليس له أن يعيب على الحكم عدم إطلاع المحكمة عليها وعرضها عليه، ولا يصح في هذا المقام الاحتجاج بما استقر عليه قضاء محكمة النقض من أن إغفال محكمة الموضوع الاطلاع على الأوراق المدعي بتزويرها يعيب إجراءات المحاكمة ويستوجب نقض الحكم ذلك لأن وجوب اتخاذ هذا الإجراء إنما لا يرد إلا على جرائم التزوير فحسب حيث تكون الأوراق المزورة من أدلة الجريمة التي ينبغي عرضها على بساط البحث والمناقشة الشفهية بالجلسة وهو ما يغاير تمام المغايرة لواقع الحال في الدعوى المطروحة ذلك لأن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير فيما انتهى إليه من نتيجة إنما هو مجرد عنصر من عناصر الاستدلال في الدعوى ولا تثريب على المحكمة إن هي كونت معتقدها منه ما دام أنها اطمأنت إليه للأسانيد والاعتبارات التي ساقها في شأنه.
2 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى قاضى الموضوع الذي له كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فله مطلق الرأي في الأخذ بما يطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، فلا يقبل مصادرة عقيدة المحكمة في هذا التقدير.
3 - لا تلتزم المحكمة بإجابة طلب الدفاع إعادة تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير إلى كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.
4 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق، وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
5 - لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 27 أغسطس سنة 1961 بدائرة بندر المنيا: أحرزا بقصد الاتجار جواهر مخدرة "أفيوناً وحشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و2 و7 و34/ 1 - 2 و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرفق. فقررت الغرفة بذلك. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات المنيا دفع الحاضر مع المتهم الثاني ببطلان القبض وما تلاه من تفتيش. وقضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 2 أكتوبر سنة 1962 عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه مبلغ ثلاثة آلاف جنيه وبعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه وأمرت بمصادرة المخدرات المضبوطة وقد ردت على الدفع قائلة إنه في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بتاريخ 6 إبريل سنة 1964 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات المنيا لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى بالنسبة إلى الطاعن وإلى المحكوم عليه الآخر ثم أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة جنايات المنيا، التي قضت فيها حضورياً بتاريخ 18 يناير سنة 1965 عملاً بالمواد 1 و2 و7 و34/ 1 - 3 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 الملحق بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة عشر سنين وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومعاقبة المتهم الآخر بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية.... الخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة حيازة جواهر مخدرة بقصد الاتجار قد انطوى على خطأ في الإسناد وشابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب ذلك بأنه أسند إلى الطاعن في بيانه لواقعة الدعوى أنه في يوم الحادث سلم المتهم الثاني كمية من المخدرات كانت في حوزته لاتفاقه معه على نقلها له إلى بلدته إسنا في حين أن ما قاله الحكم من ذلك لا أصل له في الأوراق، هذا فضلاً عن خلو الأوراق مما يفيد سلامة هذا الاستخلاص بل إن مدونات الحكم ذاته تتعارض مع هذا الذي ذهب إليه الحكم إذ قال في معرض التدليل على إدانة المتهم الثاني، إنه اعترف بملكيته للحقيبتين اللتين وجدت المخدرات في أحديهما وردد ذلك القول في التحقيقات، هذا وأن الحكم إذ قال بأن المتهم الثاني قد وضع حقيبته على مقعد بالدرجة الثالثة بقطار السكة الحديد الذي استقله ثم وضع حزامه وغطاء رأسه عليها وطلب من ساعي البريد الذي كان يجلس بجواره أن يتولى حراسة هذه الأشياء ريثما يعود من دورة المياه فإن الحكم لم يتحدث في هذا الذي قاله بأي شيء عن الطاعن ولم يأت له بذكر فيه يصح معه مؤاخذته عليه مما يفيد بأن المحكمة لم تتفهم الواقعة خاصة وأنها لم تدل برأيها في التصوير الذي ذهب إليه المتهم الثاني في أقواله في جميع مراحل التحقيق وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن وهو من تجار المخدرات عهد إلى المتهم الثاني ويعمل وكيل عريف بسلاح الحدود بنقل كمية من المخدرات إلى بلدته إسنا معتمداً في سلامة وصولها إليها على زيه الرسمي وفي يوم الحادث سلمه كمية كبيرة من المخدرات أودعها أكياساً من القماش الأبيض مغلفة بلفافات من الورق الأصفر وضع عليها أشرطة من ورق اللصق وكتب على الأكياس وتلك اللفافات وما وضع عليها من ورق اللصق بخط يده عبارات "بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى على النبي يا رب استر من يقصد كرمك يا رب سهل يا حافظ يا رزاق" وعبارات أخرى، كما كتب اسمه وعنوانه باسنا في نوتة يحملها المتهم الثاني وبعد أن تسلم هذا الأخير كمية المخدرات من الطاعن استقل القطار حاملاً حقيبتين إحداهما من اللون الأزرق والأخرى من اللون البني وضعهما بجواره على مقعد بالدرجة الثالثة وقبيل دخول القطار محطة المنيا تركهما بعد أن وضع عليهما حزامه "القايش" وغطاء رأسه وطلب من ساعي البريد الذي كان جالساً بجواره على المقعد أن يقوم بحراسة هذه الأشياء لحين عودته وبعد قليل أقبل ثلاثة من رجال الشرطة السريين من قوة مباحث قضائي المنيا فاستلفت نظرهم وضع الحزام وغطاء الرأس على الحقيبتين إذ ظنوا أنها متروكة من أحد الركاب ولكنهم علموا من ساعي البريد أنها لأحد العساكر وهو المتهم الثاني الذي ذهب إلى دورة المياه فترقبوا عودته وما أن أقبل هذا الأخير عليهم حتى أقر بملكيته للحقيبتين ولما طلب منه الشرطي أحمد محمود يوسف أن يذكر محتويات الحقيبتين اعترته حالة ارتباك وأنكر ملكيته لهما مستعطفاً إياه أن يتركوه وشأنه وأن يأخذوا الحقيبتين فاشتبهوا في أمره وأنزلوه من القطار في محطة المنيا واصطحبوه إلى الضابط القضائي الذي حرر محضراً وأثبت فيه هذه الوقائع وأقر فيها بملكيته للحقيبة ذات اللون البني دون الحقيبة الزرقاء وبمقتضى هذا المحضر استصدر إذناً من النيابة العامة بتفتيش المتهم الثاني والحقيبتين المضبوطتين وعندما فتش الضابط الحقيبتين وجد بالحقيبة الزرقاء كمية كبيرة من المخدرات مكتوباً على لفافاتها التي تحتويها العبارات سالفة البيان. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعن والمتهم الثاني أدلة مستمدة من أقوال رجال الشرطة السريين وساعي البريد والضابط القضائي ومن أقوال المتهم الثاني في التحقيقات وبالجلسة ومما قرره الطاعن من أنه دون اسمه وعنوانه بخطه في نوتة كان يحملها المتهم الثاني ومن تقرير معامل التحليل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي ومن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وهى أدلة سائغة ولها أصل ثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل واقعة الدعوى على نحو ما سلف بيانه بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة حيازة المخدرات بقصد الاتجار التي دان الطاعن بها وكان الحكم قد استند إليه من أدلة الثبوت إلى ما قرره المتهم الثاني في تحقيقات النيابة من أن الحقيبة الزرقاء التي وجدت بها المخدرات مملوكة للطاعن الذي كان قد دون اسمه وعنوانه بخط يده في مفكرة كان يحملها، كما استند الحكم أيضاً في الإدانة إلى إقرار الطاعن ذاته بتحريره تلك البيانات في مفكرة المتهم الثاني بخط يده وإلى ما ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن العبارات المدونة على أغلفة المخدرات محررة بخط الطاعن. ولما كان ما أورده الحكم فيما تقدم مفاده أن المحكمة قد فهمت الدعوى على حقيقتها ومحصت الأدلة القائمة فيها وتفطنت إلى أن المتهم الثاني كان قد اعترف لرجال الشرطة في أول الأمر بملكيته للحقيبتين البنية اللون والزرقاء وأسند إلى الطاعن في تحقيق النيابة ملكية الحقيبة الزرقاء التي وجدت بها المخدرات المضبوطة فقد كانت على بينة من الخلاف الذي اعتور أقواله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود سائر العناصر المطروحة أمامها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تلك الأدلة وعولت عليها وخلصت من مجموعها إلى الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى حسبما ارتسمت في وجدانها ووقرت في عقيدتها من أن الطاعن كان قد سلم المتهم الثاني تلك المخدرات لينقلها إلى بلدته وكان ما استند إليه الحكم من أدلة على ما سلف إيراده من شأنها أن تؤدى في مجموعها إلى النتيجة التي انتهى إليها. ولما كان من المقرر أيضاً أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ما تقدم فإن ما ينعاه الطاعن في هذين الوجهين من الطعن لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو الفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد ذلك بأن الحكم المطعون فيه استند ضمن ما استند إليه من الأدلة إلى أن الطاعن كتب اسمه وعنوانه بخط يده في مفكرة المتهم الثاني وأقر بذلك في التحقيقات في حين أن ما كتبه من بيانات في تلك المفكرة إنما كان يقصد التعريف باسمه ومهنته بعد أن قابل المتهم الثاني في القطار صدفه - وتشاجر معه ثم تعاتباً وتصافيا واقتضى المقام تسطير هذه البيانات في المفكرة للتعارف بدلالة أنه لم يكتب بها عنوانه مما يعيب الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد الذي يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان يبين من تحقيق النيابة المرافق للمفردات المضمومة أن وكيل النيابة المحقق فتش المتهم الثاني عند مثوله أمامه فوجد معه نوتة قرر له أن الطاعن قد كتب له عنوانه فيها وأرشده عن بيانه بها وتتضمن عبارة "عباس كامل حته تاجر منى فاتورة بإسنا" فإن ما أورده الحكم في هذا الصدد من أن الطاعن قد كتب بخطه اسمه وعنوانه في نوتة المتهم الثاني يكون له أصل صحيح وثابت في الأوراق ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الوجه من الخطأ في الإسناد وقالة الفساد في الاستدلال لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب ذلك بأن المدافع عن الطاعن طعن على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي عول عليه الحكم بأن من أجراه لم تكن له الخبرة الكافية وأن الخطوط تتشابه بحيث لا يمكن القطع بأنها قد كتبت بيد واحدة وكان يجب أن يكون الاستكتاب قد حرر على هياكل مماثلة لهياكل المضبوطات التي تجرى عليها المضاهاة واستدل الحكم على ذلك بتقرير خبير استشاري قدمه وطلب ندب كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في هذا الشأن إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وأطرحته بأسباب قاصرة وغير سائغة بأن لم تورد تلك المطاعن التي أثارها الطاعن في دفاعه وترد عليها بما يبرر إطراحها رغم جوهرية هذا الدفاع الذي لو فطنت إليه المحكمة لتغير وجه الرأي في الدعوى.
وحيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن مؤدى ما أثاره الدفاع في شأن تقرير الخبير الشرعي المقدم أنه كيماوي ولا خبرة له في الخطوط وأن الاستكتاب الذي أجريت عليه المضاهاة لم يكن محرراً على هياكل مماثلة للمضبوطات وأن الخطوط متشابهة بحيث لا يمكن القطع بأنها حررت بيد شخص واحد وطلب إعادة التقرير لكبير الأطباء الشرعيين للبت في هذه الأمور ويبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لهذا الدفاع ورد عليه في قوله: "وحيث إنه بالنسبة لما أثاره الدفاع عن المتهم الأول عباس كامل عبد الصبور (الطاعن) من مطاعن على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير استناداً إلى ما تضمنه تقرير خبير الخطوط الاستشاري الذي قدمه فإن المحكمة لا تعول على ما ذهب إليه الدفاع وما أورده الخبير الاستشاري في تقريره وذلك لاستيفاء تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير على أسس موفورة السلامة وقواعد أصولية فنية تأخذ بها المحكمة وترتاح إليها على وجه يقيني جازم لا يتسرب إليه أي شك بما لا يدع هناك أي مجال للنيل منها أو الطعن عليها" وما قاله الحكم من ذلك سديد وسائغ في الرد على ما أثاره الدفاع ذلك بأنه من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى قاضي الموضوع الذي له كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فله مطلق الرأي في الأخذ بما يطمئن إليه منها والالتفات عما عداه فلا يقبل مصادرة عقيدة المحكمة في هذا التقدير. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير للأسانيد التي ساقتها في هذا الشأن ولما تبينته هي بنفسها من وقائع الدعوى بما يتفق مع الرأي الذي انتهى إليه هذا التقرير وأطرحت ما ذهب إليه تقرير الخبير الاستشاري مغايراً لهذا النظر فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض فهي غير ملزمة بعدئذ بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من إعادة التقرير إلى كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من الطعن هو بطلان في الإجراءات وذلك بأن المحكمة قضت في الدعوى دون أن تطلع على الأوراق التي جرت عليها المضاهاة حتى يمكنها أن تهيمن على الأسباب التي استند إليها تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي أخذت به.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه من الطعن مردود بأنه ما دام أن المحكمة قد اطمأنت إلى ما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن العبارات المدونة على أغلفة المخدرات وأوراقها قد حررت بخط الطاعن. ولما كان الطاعن والمدافع عنه لم يطلبا من المحكمة الاطلاع على الأغلفة أو أوراق الاستكتاب فإنه ليس له أن يعيب على الحكم عدم اطلاع المحكمة عليها وعرضها عليه ولا يصح في هذا المقام الاحتجاج بما استقر عليه قضاء محكمة النقض من أن إغفال محكمة الموضوع الاطلاع على الأوراق المدعي بتزويرها يعيب إجراءات المحاكمة ويستوجب نقض الحكم ذلك لأن وجوب اتخاذ هذا الإجراء إنما لا يرد إلا على جرائم التزوير فحسب حيث تكون الأوراق المزورة من أدلة الجريمة التي ينبغي عرضها على بساط البحث والمناقشة الشفهية بالجلسة وهو ما يغاير تمام المغايرة لواقع الحال في الدعوى المطروحة ذلك لأن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير فيما انتهى إليه من نتيجة إنما هو مجرد عنصر من عناصر الاستدلال في الدعوى ولا تثريب على المحكمة إن هي كونت معتقدها منه ما دام أنها اطمأنت إليه للأسانيد والاعتبارات التي ساقتها في شأنه. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه يكون غير سديد وفي غير محله.
وحيث إنه مما تقدم جميعه يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق