الصفحات

الأحد، 3 مايو 2020

الطعن 1332 لسنة 28 ق جلسة 27 / 1 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 23 ص 91

جلسة 27 من يناير سنة 1959
برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، وفهيم يسى جندي، ومحمد عطيه إسماعيل المستشارين.
---------
(23)
الطعن رقم 1332 سنة 28 القضائية
(أ) أسباب إباحة الجرائم. استعمال حق مقرر بمقتضى القانون.
إباحة عمل الطبيب والصيدلي مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة.
(ب) دعوى مدنية.
المسئولية عن الأعمال الشخصية. عناصرها. مسئولية الأطباء والجراحين والصيادلة. قتل خطأ. الخطأ الطبي. متى يتوافر؟
(جـ) قتل خطأ. 
الخطأ الطبي. متى يتوافر؟ دفاع. متى لا يستأهل ردا من الحكم؟
(د) قتل خطأ. الخطأ المشترك.
جواز وقوع الحادث نتيجة خطأ شخصين مختلفين. لا يسوغ في هذه الحالة القول بأن خطأ أحدهما يستغرق خطأ الآخر أو ينفي مسئوليته. يستوي في ذلك أن يكون أحد الخطأين سببا مباشرا أو غير مباشر في حصول الحادث.
خطأ الصيدلي في تحضير المخدر يرتب مسئوليته عن خطئه في التحضير مستقلا عن خطأ غيره في استعمال محلول التخدير.
(هـ) قتل خطأ. 
علاقة السببية في المواد الجنائية. ماهيتها.
(و) دعوى مدنية. 
تقدير التعويض.
(ز) دعوى مدنية. تعويض. 
التضامن فيه. معناه في القانون.
-------------
1 - إباحة عمل الطبيب أو الصيدلي مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة، فإذا فرط أحدهما في إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته، أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله.
2 - إذا كان الحكم الصادر بإدانة المتهم - في جريمة القتل الخطأ - قد أثبت خطأ المتهم الأول (صيدلي) فيما قاله: من أنه حضر محلول "البونتوكايين" كمخدر موضعي بنسبة 1% وهى تزيد على النسبة المسموح بها طبيا وهى 1/ 800 ومن أنه طلب إليه تحضير "نوفوكايين" بنسبة 1% فكان يجب عليه أن يحضر "البونتوكايين" بما يوازي في قوته هذه النسبة وهى 1/ 1000 أو 1/ 800 ولا يعفيه من المسئولية قوله إن رئيسه طلب منه تحضيره بنسبة 1% طالما أنه ثبت له من مناقشته هذا الرئيس في التليفون أنه لا يدري شيئا عن كنه هذا المخدر ومدى سميته، هذا إلى جانب أنه موظف مختص بتحضير الأدوية ومنها المخدر، ومسئول عن كل خطأ يصدر منه، ومن أنه لجأ في الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المخدر إلى زميل له قد يخطئ وقد يصيب، وكان لزاما عليه أن يتصل بذوي الشأن في المصلحة التي يتبعها أو الاستعانة في ذلك بالرجوع إلى الكتب الفنية الموثوق بها "كالفارماكوبيا" ومن إقراره صراحة بأنه ما كان يعرف شيئا عن هذا المخدر قبل تحضيره فكان حسن التصرف يقتضيه أن يتأكد من النسب الصحيحة التي يحضر بها، فلا ينساق في ذلك وراء نصيحة زميل له، ومن أنه لم ينبه المتهم الثاني وغيره من الأطباء ممن قد يستعملون هذا المحلول بأنه استعاض به عن "النوفوكايين" - فإن ما أثبته الحكم من أخطاء وقع فيها المتهم يكفي لحمل مسئوليته جنائيا ومدنيا.
3 - إذا عرض الحكم لبيان ركن الخطأ المسند إلى المتهم الثاني (طبيب) بقوله "إنه طلب إلى الممرضة والتمرجي أن يقدما له بنجا موضعيا بنسبة 1% دون أن يعين هذا المخدر ودون أن يطلع على الزجاجة التي وضع فيها ليتحقق مما إذا كان هو المخدر الذي يريده أم غيره، ومن أن الكمية التي حقنت بها المجني عليها تفوق إلى أكثر من الضعف الكمية المسموح بها، ومن أنه قبل أن يجرى عملية جراحية قد تستغرق ساعة فأكثر دون أن يستعين بطبيب خاص بالمخدر ليتفرغ هو إلى مباشرة العملية، ومن أن الحادث وقع نتيجة مباشرة لإهماله وعدم تحرزه بأن حقن المجني عليها بمحلول "البونتوكايين" بنسبة 1% وهى تزيد عشر مرات عن النسبة المسموح بها فتسممت وماتت" - فإن ما أورده الحكم من أدلة على ثبوت خطأ الطاعن من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليها - أما ما يقوله المتهم من أن عمله في مستشفى عام قائم على نظام التقسيم والتخصيص يعفيه من أن يستوثق من نوع المخدر وصلاحيته وأنه ما دام ذلك المخدر وقد أعدّ من موظف فني مختص وأودع غرفة العمليات، فإنه في حل من استعماله دون أي بحث - هذا الدفاع من جانب المتهم هو دفاع موضوعي لا تلزم المحكمة بالرد عليه، بل إن الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردتها المحكمة على خطأ المتهم وأسست عليها إدانته، وهو ما أوّلته المحكمة - بحق - على أنه خطأ طبي وتقصير من جانب المتهم لا يقع من طبيب يقظ يوجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول بما يفيد أنه وقد حل محل اخصائي التخدير، فإنه يتحمل إلتزاماته ومنها الاستيثاق من نوع المخدر.
4 - إن الشارع إذ عبر في المادة 238 من قانون العقوبات بعبارة "التسبب في القتل بغير قصد" قد أراد أن يمد نطاق المسئولية لتشمل من كان له نصيب في الخطأ، وما دام يصح في القانون أن يقع الحادث بناء على خطأ شخصين مختلفين أو أكثر لا يسوغ في هذه الحالة القول بأن خطأ أحدهم يستغرق خطأ الآخر أو ينفي مسئوليته، ويستوي في ذلك أن يكون أحد هذه الأخطاء سببا مباشر أو غير مباشر في حصول الحادث - فإذا كان المتهم الأول - على ما أثبته الحكم - هو الذي حضر المادة المخدرة مخطئا في تحضيرها، فإنه يكون مسئول عن خطئه مستقلا عن خطأ غيره الذي استعمل هذا المحلول.
5 - العلاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمدا، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضررا بالغير - فإذا كان تقرير الصفة التشريحية - كما نقل عنه الحكم - قد أثبت في نتيجته أن استعمال المخدر بالنسبة التي حضر بها وبالقدر الذي استعمل في تخدير المجني عليها جاء مخالفا للتعاليم الطبية وقد أدى إلى حصول وفاة المريضة بعد فترة دقائق من حقنها بالمحلول نتيجة الأثر السام "للبونتوكايين" بالتركيز وبالكمية التي حقنت بها - فإن ما ورد بنتيجة هذا التقرير صريح كل الصراحة في أن الوفاة نتيجة التسمم وقد حدثت بعد دقائق من حقن المجني عليها بهذا المحلول وهو ما اعتمد عليه الحكم بصفة أصلية في إثبات توافر علاقة السببية - أما ما ورد بالحكم من "أنه لا محل لمناقشة وجود الحساسية لدى المجني عليها من عدمه طالما أن الوفاة كانت متوقعة" فإنه فضلا عن وروده في معرض الرد على دفاع المتهم وما جاء بأقوال الأطباء الذين رجح بعضهم وجود تلك الحساسية واعتقد البعض الآخر وجودها، ولم يمنع فريق ثالث حدوث الوفاة حتى مع وجودها، ليس فيما قاله الحكم من ذلك بشأن الحساسية ما ينقض أو يتعارض مع ما أفصحت عنه المحكمة بصورة قطعية في بيان واقعة الدعوى وعند سرد أدلتها، وأخذت فيه بما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن الوفاة نشأت مباشرة عن التسمم بمادة "البونتوكايين"
6 - الضرر المادي والأدبي سيان في إيجاب التعويض لمن أصابه شيء منهما وكلا الضررين خاضع لسلطة محكمة الموضوع.
7 - التضامن في القانون معناه أن يكون كلا من المطالبين به ملزما للطالب واحدا أو أكثر بكل المبلغ المطلوب.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة 1 - فريد تادرس سليمان و2 - علي محمد نويتو (الطاعنين الأول والثاني) بأنهما تسبيا بغير قصد ولا تعمد في قتل صالحة مبارز حسانين وكان ذلك ناشئا عن إهمالهما وعدم احتياطهما ومخالفتهما للتعاليم الطبية بأن حضر الأول محلول البونتوكايين بنسبة 1% لاستخدامه بنجا موضعيا بالحقن تحت الجلد في حين أن النسبة المقررة لتحضيره تتراوح بين 1/ 1000، 1/ 800، ثم حقنها الثاني بكمية منه تبلغ 70 سنتيمترا مكعبا دون الاستيثاق من نوعه لإجراء عملية لها فأدى ذلك إلى وفاتها وبعد فترة دقائق من حقنها نتيجة الأثر السام للمحلول والكمية التي حقنت بها، وطلبت عقابهما بالمادة 238 من قانون العقوبات. وادعى بحق مدني ورثة المجني عليها وهما 1 - محمد أحمد محمود "زوجها" بصفته الشخصية وبصفته وليا شرعيا على أولاده القصر من المجني عليها وهم فاطمة وزينب وسيدة وأحمد وقدري وأسماء و2 - مبارز حسانين سيد "والد المجني عليها" وطلبا الحكم لهما قبل المتهمين متضامنين مع وزارة الصحة العمومية بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة باب الشعرية الجزئية قضت حضوريا تطبيقا لمادة الاتهام بتغريم المتهم الأول عشرة جنيهات وبتغريم المتهم الثاني عشرين جنيها وبإلزامهما متضامنين مع وزارة الصحة بأن يدفعوا للمدعيين بالحق المدني ألف جنيه والمصروفات المدنية المناسبة وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المحكوم عليهما والمسئولة عن الحقوق المدنية هذا الحكم وطلبوا القضاء ببراءة المتهمين مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبل الجميع، كما استأنفه المدعيان بالحق المدني وطلبا الحكم لهما بما طلباه من تعويض، واستأنفت النيابة كذلك طالبة التشديد، وقيدت الاستئنافات برقم 1278 سنة 1957، ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت حضوريا بقبول الاستئنافات شكلا وفي الموضوع وبإجماع الآراء أولا - في الدعوى الجنائية بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الأول وتغريمه 50 ج خمسين جنيها، وبالنسبة للمتهم الثاني برفضه وتأييده، وأعفتهما من المصروفات الجنائية. وثانيا: في الدعوى المدنية بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المتهمين متضامنين مع وزارة الصحة (المسئولة عن الحقوق المدنية) بأن يدفعوا للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ 3000 جنيه ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المدنية المناسبة لهذا المبلغ عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما جاوز ذلك من الطلبات.
فطعن المحكوم عليهما الأولان في الحكم الأخير بطريق النقض كما طعن فيه كذلك المسئولة عن الحقوق المدنية... الخ.

المحكمة
"عن الطعن المقدم من الطاعن الأول"
وحيث إن محصل الطعن المقدم من الطاعن الأول فريد تادرس سليمان هو أن الحكم المطعون فيه مشوب بالخطأ في تطبيق القانون والقصور وفساد الاستدلال والخطأ في الإسناد، وفي ذلك يقول الطاعن إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه دلل على توافر الخطأ في حق الطاعن بأن واجبه كان يقتضيه أن يحضر البونتوكايين بنسبة 1/ 1000 أو 1/ 800، ولا يعفيه من المسئولية أن يطلب إليه رئيسه تحضير هذا المحلول بنسبة 1% ما دام قد استبان له من المحادثة التليفونية مع رئيسه أن هذا الأخير لا يعلم شيئا عن طبيعة هذا المخدر وقوة أثره في التسميم، ولأنه (الطاعن) هو المختص بتحضير الأدوية ومسئول عن كل خطأ يقع منه، وما كان له أن يستفسر عن نسبة المخدر من زميل له هو بدوره، عرضة للوقوع في الخطأ، إنما كان عليه أن يتصل بذوي الشأن في المصلحة أو أن يطلع على المراجع الفنية المعتمدة، وقد أقر الطاعن أنه يجهل كنه عقار البونتوكايين، فكان عليه أن ينبه المتهم الثاني إلى أن المحلول الذي حضره هو بدل من محلول النوفوكايين - قال الحكم ذلك، في حين أنه يخالف الواقع لأن الطاعن تلقى الأمر بتحضير المخدر بنسبتي 1/ 2% و1% وقد قرر مدير المستشفى في التحقيق أنه لا فارق بين مخدر النوفوكايين والبونتوكايين، ولا يسوغ مع ذلك أن ينسب الخطأ إلى الطاعن ما دام قد رجع إلى مدير المستشفى، وما كان به من حاجة بعد ذلك إلى الاطلاع على الفارما كوبيا التي لم تكن موجودة بالمستشفى، ثم أنه وضع على زجاجة المحلول بيان نوعه، ونسبته فلا يطالب من بعد بأن ينبه الطبيب الجراح أو غيره بنسبة المحلول، خصوصا وقد اعتبر الحكم أن المتهم الثاني أخطأ بعدم اطلاعه على البطاقة التي حررها الطاعن ووضعها على زجاجة المخدر، هذا إلى أن الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه لم يرد على ما تمسك به الطاعن من انعدام رابطة السببية بين الخطأ وبين النتيجة، إذ الثابت من أقوال الأطباء أن وفاة المجني عليها ترجع إلى وجود حساسية ذاتية، وهذه الحساسية كافية بذاتها لإحداث الموت حتى مع استعمال المخدر بالنسبة القانونية، وهى ولا شك سبب أجنبي لعدم إمكان التنبؤ بها سلفا، وهذا الدفاع الجوهري كان يقتضي من المحكمة أن ترد عليه، على أن الطاعن اقتصر نشاطه على تحضير البونتوكايين دون استعماله، ولم يكن له علم بالغرض الذي سيستعمل فيه، وقد حضره في يوم 19/ 3/ 1955 قبل دخول المجني عليها المستشفى بثلاثة أيام وقبل إجراء العملية بخمسة أيام وبتحضير المخدر تنتهي مأموريته ويبدأ واجب الطبيب، وعلى هذا الأخير وحده تقع مسئولية الخطأ الناشئ من استعمال المخدر واتباع التعليمات الصحيحة في استخدامه وقد ترتب على خلط الحكم بين التحضير والاستعمال أن اعتبر الطاعن مخطئا مع أن الوفاة تعزى إلى استعمال المخدر لا إلى تحضيره. أما خطأ الإسناد، فهو إن تقرير الصفة التشريحية صريح في أن سبب الوفاة يرجع إلى أثر البونتوكايين المركز السام وإلى الكمية التي حققت بها المجني عليها، أي إلى سوء استعمال المادة المخدرة بينما أثبت الحكم نقلا عن التقرير المذكور أنه يرجع إلى تحضير المخدر بنسبة تزيد على النسبة المقررة، وهو غير ما افصح عنه التقرير الطبي عن السبب المباشر للوفاة، ولم يبين الحكم كيف أن تحضير المخدر بنسبة كبيرة قد أفضى إلى الوفاة وما كان تحضير المخدر إلا بناء على أمر مدير المستشفى، وهو رئيس للطاعن كما سبق القول وأخيرا فقد أشار الحكم الابتدائي في أسبابه التي جعلتها المحكمة الاستئنافية أساسا لقضائها إلى الظروف القاسية التي وجد فيها الطاعن والمتهم الثاني لعدم وجود فارما كوبيا مستوفاة بالمستشفى للرجوع إليها، وعدم وجود طبيب للتخدير يساعد الطبيب الجراح ليتفرغ هذا لإجراء العملية، ومع هذه الظروف التي استرعت انتباه المحكمة إليها، فقد شددت عقوبة الطاعن دون أن تبين في حكمها ما يبرر التشديد.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه قد بين واقعة الدعوى فقال: "إن المجني عليها صالحة مبارز حسانين توجهت في صباح يوم 22 من شهر مارس سنة 1955 إلى مستشفى باب الشعرية الأميري تعاني آلاما بعنقها، وبإجراء الكشف عليها بمعرفة المتهم الثاني بالعيادة الخارجية شخص مرضها بأنه "جويتر حبيبي" فصارحها بذلك، وبأنها في حاجة إلى عملية جراحية لاستئصاله، ولما أظهرت له في ذات اليوم موافقتها على إجرائها قبلها بالقسم الداخلي على أن يجرى لها العملية في يوم الخميس 24 من شهر مارس سنة 1955 وفي صباح ذلك اليوم بدأ بتخديرها على نطاق ضيق بوضع بعض أدهنة على الرقبة توطئة لإجراء العملية، ثم أردف ذلك بحقنها بطريق الحقن الانتشاري في الرقبة بمحلول البونتوكايين بنسبة 1% في حدود كمية قدرها 70سم3، ثم قام بفتح جرح في موضع الداء وأمسك بالأوعية الدموية، وفي تلك الأثناء وبعد ثلث ساعة تقريبا من بدء العملية انتابت المجني عليها تشنجات وانتفاضات مفاجئة أوقف على أثرها السير في العملية وغطى الجرح الذي أحدثه وسارع إلى إجراء الاسعافات التي يتطلبها الموقف في مثل هذه الحالة كالتنفس الصناعي وإعطاء حقن مقوية ومنشطة للقلب إلى غير ذلك حتى تحسن النبض بعض الشئ، إلا أن هذا التحسن لم يستمر طويلا إذ عادت حالة التشنجات إلى سيرتها الأولى وفشلت معها كل المحاولات التي بذلها بمساعدة زملائه لإنقاذها، وتوفيت بعد برهة... وبعد ذلك انتقل السيد الطبيب الشرعي المرحوم أمين أحمد إلى المشرحة وقام بتشريح جثة المجني عليها وقدم تقريره الذي انتهى فيه إلى أنه أولا: أن التحليل أظهر أن المحلول الذي استعمل في إحداث التخدير الراشح الموضعي في حالة المريضة المتوفاة لم يكن محلول النوفوكايين وإنما كان محلول البونتوكايين بنسبة 1% وثانيا: أن الثابت علميا أن البونتوكايين أشد سمية من النوفوكايين، وأنه لذلك يستعمل في إحداث التخدير الراشح الموضعي بالحقن تحت الجلد بنسبة ضعيفة تتراوح بين 1/ 1000 و 1/ 800 وليس بنسبة 1% كما حدث للمجني عليها أو كما هو الحال عندما يستعمل النوفوكايين، وثالثا: إن استعمال البونتوكايين بالتركيز الحالي 1% وبالكمية المحقونة, والتي بلغت 70سم3 من المحلول، هذا الاستعمال جاء مخالفا للتعاليم الطبية. وقد أدى إلى حصول وفاة المريضة بعد دقائق من حقنها نتيجة الأثر السام للبونتوكايين بالتركيز وبالكمية التي حقنت بها..." ثم أثبت الحكم خطأ الطاعن ورد على دفاعه فيما قاله من أن المتهم الأول (الطاعن) "حضر محلول البونتوكايين كمخدر موضعي بنسبة 1% وهى تزيد عن النسبة المسموح بها طبيا وهى 1/ 800، ومن أنه طلب إليه تحضير نوفوكايين بنسبة 1%، فكان يجب عليه أن يحضر البونتوكايين بما يوازي في قوته هذه النسبة وهى 1/ 1000 أو 1/ 800 ولا يعفيه من المسئولية قوله أن رئيسه طلب منه تحضيره بنسبة 1% طالما أنه ثبت له من مناقشة هذا الرئيس في التليفون أنه لا يدري شيئا عن كنه هذا المخدر ومدى سميته، هذا إلى جانب أنه موظف مختص بتحضير الأدوية ومنها المخدر ومسئول عن كل خطأ يصدر منه، ومن أنه لجأ في الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المخدر إلى زميل له قد يخطئ وقد يصيب، وكان لزاما عليه أن يتصل بذوي الشأن في المصلحة التي يتبعها أو الاستعانة في ذلك بالرجوع إلى الكتب الفنية الموثوق بها كالفارماكوبيا، ومن إقراره صراحة بأنه ما كان يعرف شيئا عن هذا المخدر قبل تحضيره، فكان حسن التصرف يقتضيه أن يتأكد من النسب الصحية التي يحضر بها فلا ينساق في ذلك وراء نصيحة زميل له ومن أنه لم ينبه المتهم الثاني وغيره من السادة الدكاترة ممن قد يستعملون هذا المحلول بأنه استعاض به عن النوفوكايين......" ولما كان ما أثبته الحكم من أخطاء وقع فيها الطاعن يكفي لحمل مسئوليته جنائيا ومدنيا، وكان يبين من الاطلاع على تقرير الصفة التشريحية التي باشرها الطبيب الشرعي والمودعة بين مفردات القضية وأمرت هذه المحكمة بضمها، أن هذا التقرير قد تضمن مذكرة المستشفى المحررة في يوم الحادث (24/ 3/ 1955)، ومما جاء بهذه المذكرة أن المجني عليها أعطيت قبل العملية بنصف ساعة أنبول مورفين أتربين وأعطيت بنج موضعي نوفوكايين 1% والكمية التي أعطيت Infiltration تبلغ سبعين سنتيمترا مكعبا بعد البنج، كذلك تضمن التقرير صورة من مذكرة النيابة ورد بها أنه بسؤال الدكتور علي نويتو (الذي باشر العملية) علل ما حدث بأن للمريضة حساسية خاصة أثر فيها البنج، وانتهى الطبيب المشرح في تقريره إلى أنه ثبت من التحليل أن المحلول الذي استعمل في إحداث التخدير الراشح الموضعي في حالة المريضة المتوفاة لم يكن محلول نوفوكايين وإنما كان محلول بونتوكايين وأن نسبة البونتوكايين في المحلول قدرت بنحو 1% والثابت علميا أن البونتوكايين أشد سمية من النوفوكايين، وأنه لذلك يستعمل في إحداث التخدير الراشح الموضعي بالحقن تحت الجلد بنسبة ضعيفة تتراوح بين 1: 1000 و 1: 800 وليس بنسبة 1% كما حدث في حالة المريضة المتوفاة، أو كما هو الحال عند ما يستعمل النوفوكايين، وأثبت الطبيب الشرعي كذلك أن استعمال البونتوكايين بالتركيز الحالي بنسبة 1% في حالة المريضة المتوفاة، وبالكمية المحقونة والتي بلغت 70سم3 من المحلول، هذا الاستعمال جاء مخالفا للتعاليم الطبية، وقد أدى إلى حصول وفاة المريضة بعد فترة دقائق من حقنها بالمحلول نتيجة الأثر السام للبونتوكايين بالتركيز وبالكمية التي حقنت بها، ولما كان ما ورد بنتيجة هذا التقرير صريحا كل الصراحة في أن الوفاة نتيجة التسمم، وقد حدثت بعد دقائق من حقن المجني عليها بهذا المحلول، وهو ما اعتمد عليه حكم محكمة أول درجة المؤيد استئنافيا لأسبابه بصفة أصلية في إثبات توافر علاقة السببية، لما كان ذلك، وكانت العلاقة السببية في المواد الجنائية هى علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة إذا أتاه عمدا، أو خروجه فيما يرتكبه بخطئه - كما هو الحال في هذه القضية - عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصوّن من أن يلحق عمله ضررا بالغير، وكانت إباحة عمل الطبيب أو الصيدلي مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة، فإذا فرط أحدهما في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته، أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله، لما كان ذلك مقررا، وكان الحكم قد بين قيام علاقة السببية بين خطأ الطاعن وبين وفاة المجني عليها بيانا كافيا، وأثبت أن الطاعن الأول كان على علم بالغرض من تحضير المحلول فإن ما جاء بوجه الطعن عن قصور الحكم في هذا البيان لا يكون له محل، أما ما ورد بالحكم من أنه "لا محل لمناقشة وجود الحساسية لدى المجني عليها من عدمه طالما أن الوفاة كانت متوقعة" فإنه فضلا عن وروده في معرض الرد على دفاع الطاعن، وما جاء بأقوال الأطباء الذين رجح بعضهم - كما هو ظاهر من مدونات حكم محكمة أول درجة - وجود تلك الحساسية، واعتقد البعض الآخر وجودها ولم يمنع فريق ثالث حدوث الوفاة حتى مع وجودها وليس فيما قاله الحكم من ذلك بشأن الحساسية ما ينقض أو يتعارض مع ما أفصحت عنه المحكمة بصورة قطعية في بيان واقعة الدعوى وعند سرد أدلتها، وأخذت فيه كما سبق البيان بما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن الوفاة نشأت مباشرة من التسمم بمادة البونتوكايين. ولما كان الطاعن على ما أثبته الحكم وما تقدم بيانه كذلك هو الذي حضر تلك المادة مخطئا في تحضيرها فإنه يكون مسئولا عن خطئه مستقلا عن خطأ غيره الذي استعمل هذا المحلول، ذلك بأن الشارع إذ عبر في المادة 238 من قانون العقوبات بعبارة "التسبب في القتل بغير قصد" فقد أراد أن يمد نطاق المسئولية لتشمل كل من كان له نصيب في الخطأ، وما دام يصح في القانون أن يقع الحادث بناء على خطأ شخصين أو أكثر، ولا يسوغ في هذه الحالة القول بأن خطأ أحدهم يستغرق خطأ الآخر أو ينفي مسئوليته، ويستوي في ذلك أن يكون أحد هذه الأخطاء سببا مباشرا أو غير مباشر في حصول الحادث، لما كان ذلك، وكان الحكم حين أشار إلى ظروف الطاعن وزميله ووصفها بأنها ظروف قاسية إنما كان يعني تبرير اختيار المحكمة أخف العقوبتين المقررتين قانونا لجريمة القتل غير المقصود، وإنه إذا كانت النيابة قد استأنفت الحكم الابتدائي ورأت المحكمة الاستئنافية بإجماع آراء قضاتها، عند نظر هذا الاستئناف أن ترفع عقوبة الغرامة إلى الحد الذي حكمت به، وكانت لم تخرج في تقدير العقوبة عن النص القانوني، فإن قضاءها يكون سليما مطابقا للقانون، ما دامت هى قد رأت - وهى على بينة من حقيقة الواقعة - تناسب العقوبة التي قضت بها مع الفعل الذي ثبت ارتكابه، وهو ما يدخل في حدود سلطتها لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن المقدم من الطاعن الأول لا يكون له أساس ويتعين رفضه موضوعا.

"عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني"
من حيث إن الطاعن الثاني يبني طعنه على أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه شابه القصور وفساد الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الخطأ الذي أسندها الاتهام إليه عند رفع الدعوى هو أنه استعمل مخدر البونتوكايين دون أن يستوثق من نوعه. وقد دفع الطاعن التهمة أمام المحكمة بأن تحضير المخدر هو من عمل الصيدلي المختص يجريه تحت إشراف مدير المستشفى، وأن الطاعن بوصف كونه جراحا في مستشفى حكومي يدار على نظام التخصص ليس من واجبه أن يستوثق من نوع المخدر الذي أعده الصيدلي أو من صلاحيته، وأنه متى كان المخدر معدا في غرفة العمليات، فمعناه أنه حضر تحضيرا صحيحا ويجب استعماله مباشرة دون حاجة إلى بحث كيفية تحضيره وقد التفتت محكمة أول درجة عن هذا الدفاع، ودانت الطاعن على أساس الخطأ السلبي، وأضافت إليه خطأ جديدا هو أن العملية الجراحية موضوع الاتهام يستغرق إجراؤها ساعة ولم يستعن الطاعن بأخصائي في التخدير. وقد أيدت محكمة ثاني درجة الحكم الابتدائي لأسبابه دون أن ترد على هذا الدفاع، وهو ما يعيب حكمها، وفضلا عن ذلك فقد أسس الحكم الابتدائي المؤيد استئنافا لأسبابه قضاءه بإدانة الطاعن على فرض استطرد إليه أخذا بما جاء في شهادة كبير الأطباء الشرعيين من أن سبب وفاة المجني عليها يرجع إلى حساسية خاصة لديها نحو مادة البونتوكايين، وهو ما ينفي رابطة السببية بين وفاتها وبين الخطأ الذي وقع من الصيدلي في تحضير المخدر، ثم مضى الشاهد يقول إنه كان من المحتمل أن تموت المجني عليها بسبب الخطأ الذي وقع من الصيدلي، ولو لم تكن عندها حساسية فرتبت محكمة أول درجة على ذلك قولها أنه لا حاجة لمناقشة مسألة الحساسية متى كانت وفاة المجني عليها متوقعة حتى ولو لم تكن عندها حساسية، وبذلك تكون المحكمة أقامت حكمها على افتراض حصول الموت من المخدر دون واقع الحال من وجود الحساسية، ولا يتصور قانونا قيام رابطة السببية في جريمة القتل الخطأ إلا حيث يكون الخطأ متصلا بالقتل إتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور وقوع القتل دون هذا الخطأ، وقد سايرت المحكمة الاستئنافية محكمة أول درجة في التعويل على ما قالته الأخيرة على الرغم من انتفاء رابطة السببية لوجود تلك الحساسية، مما يجعل الحكم المطعون فيه مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه بين واقعة الدعوى على الصورة الواردة في صدر هذا الحكم وأورد على ثبوتها في حق الطاعن أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، ثم عرض لبيان ركن الخطأ المسند إليه بقوله: "إنه طلب من الممرضة والتمورجي أن يقدما له بنجا موضعيا بنسبة 1% دون أن يعين هذا المخدر ودون أن يطلع على الزجاجة التي وضع فيها هذا المخدر ليتحقق مما إذا كان هو المخدر الذي يريده أم غيره، ومن أن الكمية التي حقن بها المجني عليها تفوق إلى أكثر من الضعف الكمية المسموح بها، ومن أنه قبل أن يجري عملية جراحية قد تستغرق ساعة فأكثر دون أن يستعن بدكتور خاص بالمخدر ليتفرغ هو إلى مباشرة العملية، ومن أن الحادث وقع نتيجة مباشرة لإهماله وعدم تحرزه بأن حقن المجني عليها بمحلول البونتوكايين بنسبة 1% وهى تزيد عشر مرات عن النسبة المسموح بها فتسممت وماتت......". لما كان ذلك، وكان ما يقوله الطاعن من أن عمله في مستشفى عام قائم على نظام التقسيم والتخصص يعفيه من أن يستوثق من نوع المخدر وصلاحيته، وأنه مادام ذلك المخدر قد أعد من موظف فني مختص وأودع غرفة العمليات، فإنه في حل من استعماله دون أي بحث، وأن الطاعن أبدى هذا الدفاع أمام درجتي التقاضي فلم ترد المحكمة عليه. ولما كان هذا الدفاع من جانب الطاعن هو دفاع موضوعي لا تلزم المحكمة بالرد عليه بل إن الرد عليه مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردتها المحكمة على خطأ الطاعن، وأسست عليها إدانته، وهو ما أولته المحكمة بحق على أنه خطأ طبي وتقصير من جانب الطاعن لا يقع من طبيب يقظ يوجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول بما يفيد أنه وقد حل محل أخصائي التخدير، فإنه يتحمل إلتزاماته ومنها الاستيثاق من نوع المخدر، أما قول الطاعن بأن المحكمة أسندت إليه خطأ جديدا لم يرد في وصف التهمة هو أنه لم يستعن بأخصائي في التخدير مع طول الوقت اللازم للعملية التي يجريها، هذا القول لم يكن إلا استطرادا من المحكمة في بيان مدى الخطأ الذي وقع من الطاعن مستمدة ذلك من أقوال الطاعن نفسه الثابتة بمحضر الجلسة، ولا جناح على المحكمة إذا هى أشارت إلى هذه الواقعة - التي لها أصل ثابت في التحقيقات النهائية أمام المحكمة - بيانا لعناصر الخطأ الذي ثبت في حق الطاعن، وما دام أن الخطأ الذي تضمنه وصف التهمة وأثبته الحكم في جانب الطاعن كاف وحده لحمل الحكم بإدانته، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في الوجه الثاني من طعنه بشأن وجود الحساسية وما قاله الحكم افتراضا من أن الوفاة كانت متوقعة حتى دون وجود تلك الحساسية، مع أن ظهورها بالمجنى عليها ينفي علاقة السببية بين فعل الطاعن والوفاة، ما يثيره الطاعن من ذلك قد سبق الرد عليه في أسباب هذا الحكم الخاصة بطعن الطاعن الأول، ولما كان تقرير الصفة التشريحية كما نقل عنه الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا لأسبابه قد أثبت في نتيجته على ما تقدم ذكره في أسباب هذا الحكم أن استعمال المخدر بالنسبة التي حضر بها وبالقدر الذي استعمل في تخدير المجني عليها هو الذي أدى إلى تسممها فوفاتها، وكان الحكم قد عول في إثبات العلاقة السببية على هذا الدليل الفني المستمد من حالة الجثة وما شاهده الطبيب الشرعي فيها من علامات الوفاة، فإن ما ذهب إليه الطاعن من أن المحكمة أسست قضاءها على الافتراض لا يكون سديدا، لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن الثاني يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

"الطعن المقدم من الطاعنة الثالثة"(وزارة الصحة)
من حيث إن محصل الطعن المقدم من الطاعنة الثالثة هو أن الحكم المطعون فيه أنطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك أنه دان المتهمين الأول والثاني جنائيا، وقضى بمسئوليتهما مدنيا مع الطاعنة في حين أنه لم يقع منهما خطأ، فوظيفة المتهم الأول أنه صيدلي يقوم بتركيب الدواء سدا لحاجة المستشفى وقد قام بإعداد ما طلب إليه وفقا لتعليمات إدارة المستشفى ومن ثم كان عمله بعيدا عن الخطأ، ووظيفة الثاني هى إجراء العمليات الجراحية بما يستتبعها من حقن المريض بالمخدر وهو غير ملزم بالكشف عن نسبة المحلول المخدر الذي يحقن به كل مريض قبل إجراء الجراحة ولا يصح أن يكلف الطبيب بالبحث عن نسبة المحلول أو التحقق من صلاحيته، وكل ما يلزم به هو حقن المريض بالمحلول الذي يقدم له بعد الاستيثاق من أنه مخدر حضر طبيا بالمعمل دون التثبت من كنه هذا المحلول أو النسب المركب منها، وإنما هو بوصف كونه طبيبا جراحا يسال عن الخطأ الجسيم في الجراحة ذاتها وعن مخالفة أصول الفن مخالفة صارخة، وهو لم يقع منه خطأ في الجراحة التي طلب منه إجراءها. وما دامت الوفاة لا تتصل من قريب أو بعيد بالعملية ذاتها، وقد تمسكت الطاعنة بهذا الدفاع وسايرها في ذلك المتهمان، غير أن المحكمة قد التفتت عن الرد عليه ردا سائغا مقبولا مما يعيب حكمها بالقصور، وتقول الطاعنة في الوجه الثاني من طعنها أن الحكم شابه قصور آخر في التسبيب إذ قضى بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه دون أن يفصل عناصر هذا التعويض أو يستظهرها، فيبين عناصر التعويض عن الضرر الأدبي والضرر المادي كل على حدة، كما أنه لم يبين الضرر المادي الذي أصاب كل فرد من المدعين بالحقوق المدنية وما يستحقه جبرا لهذا الضرر، بل جاء تقديره جزافا، وهو ما يعيب الحكم بالقصور.
وحيث إن ما جاء بالوجه الأول من وجهي الطعن قد سبق الرد عليه فيما تقدم من أسباب هذا الحكم عند بحث الخطأ الذي وقع من الطاعنين الأول والثاني، وهو الخطأ الذي أثبته حكم محكمة أول درجة مؤيدا بالحكم الاستئنافي في حقهما، وعند التحدث عن مدى مسئولية الطبيب عن الخطأ الذي يقع منه مما لا حاجة معه لإعادة الكلام فيه.
وحيث إن ما جاء بالوجه الثاني مردود بأن الحكم المطعون فيد قد أورد الاعتبارات التي من أجلها قدر التعويض بالمبلغ الذي قدره، وكان الضرر المادي والضرر الأدبي سيان في إيجاب التعويض لمن أصابه شئ منهما وكلا الضررين خاضع لسلطة المحكمة، ولما كان المدعون بالحقوق المدنية قد طلبوا الحكم لهم بالتعويض قبل المتهمين بالتضامن على أساس أنهما ارتكبا الفعل الضار الذي نسب إليهما، وكان التضامن في القانون معناه أن يكون كل من المطالبين به ملزما للطالب واحدا أو أكثر بكل المبلغ المطلوب، لما كان ذلك وكان تعديل قيمة التعويض من المحكمة الاستئنافية زيادة أو نقصا إنما هو أمر موضوعي يدخل في سلطة المحكمة، فإن مجادلة الطاعنة في هذا الشأن لا تكون مقبولة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعنة على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق