الصفحات

الأربعاء، 1 يناير 2020

الطعن 285 لسنة 61 ق جلسة 12 / 10 / 1992 مكتب فني 43 ق 128 ص 831


جلسة 12 من أكتوبر سنة 1992
برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مقبل شاكر ومجدي منتصر وحسن حمزه وحامد عبد الله نواب رئيس المحكمة.
-----------------
(128)
الطعن رقم 285 لسنة 61 القضائية

(1) حكم "بيانات التسبيب" "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة وأركانها وظروفها.
 (2)قتل عمد. جريمة "أركانها". باعث. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الباعث ليس من أركان الجريمة. عدم بيانه تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله كلية لا يقدح في سلامة الحكم.
 (3)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. عدم التزامها أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاؤها.
 (4)قتل عمد. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عنه استخلاص توافره. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(5) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. والرد على كل شبهة يثيرها ما دام لقضائه وجه مقبول.
 (6)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
أخذ المحكمة بشهادة الشاهد. مفاده؟ إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
الجدل الموضوعي في حق المحكمة في استنباط معتقدها من أي دليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
 (7)سلاح. حيازة. مسئولية جنائية.
الإحراز صورة من صور الحيازة ثبوت الإحراز مقتضاه توافر الحيازة.
(8) عقوبة "تطبيقها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً. موضوعي.

-----------------
1 - فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون.
2 - لما كان ما سبق الحادث من مشادة إنما يندرج في نطاق الباعث على الجريمة، وهو ما ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها، فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيانه تفصيلاً أو الخطأ فيه أو حتى إغفاله جملة، وبالتالي يكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير مقبول.
3 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها، بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها دون أن تبين العلة في ذلك أو تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها.
4 - لما كان المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله إنها: (ثابتة قبل المتهم من تواجده، بحقله حاملاً بندقية آلية محشوة وبدون ترخيص ودون حاجة إلى حملها إلا للبطش والإجرام، وإقدامه على استعمالها وتصويبها وهي سلاح قاتل بطبيعته - ومن مسافة قريبة وفي مواجهة المجني عليهما - إلى مقتل من كل منهما وهو الرأس والبطن، مما يقطع بما لا يترك مجالاً للشك في توافر نية إزهاق روح كل منهما، ولا يؤثر في ذلك حدوث مشادة كلامية سابقة على الواقعة أو إطلاق عيار واحد على كل منهما، ذلك أن نية القتل قد تنشأ لدى الجاني إثر مشادة كلامية إذ لا أثر للغضب على توافرها، كما أن تعدد الضربات أو الطلقات ليس بشرط فيها، خاصة وأن المتهم قد تأكد من تحقيق غرضه بسقوط المجني عليه الأول أرضاً إثر الطلق الذي أصابه إصابة مباشرة قاتلة لقرب المسافة وموقعها وطبيعة السلاح وكونه مششخناً، وأقدم على الاستمرار في جرمه وقتل المجني عليه الثاني بعيار واحد أيضاً حقق مقصده إظهاراً لجبروته وسطوته.) وإذ كان هذا الذي استخلصه الحكم من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ فإن هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هي معرفة به في القانون، وليس على المحكمة - من بعد أن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي تمسك بها الدفاع بعد أن اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردتها، وينحل جدل الطاعن في توافر نية القتل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى في استنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول.
6 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادة الشاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها لأقوال شهود الإثبات ومن بينهم النقيب...... فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم صحة أقواله وتناقض تحرياته يضحى مجرد جدل موضوعي في حق المحكمة في استنباط معتقدها من أي دليل تطمئن إليه وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
7 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن عن تهمة إحراز السلاح الناري والذخيرة أخذاً بما اطمأن إليه من أقوال الشهود من أنه قد أطلق عياراً نارياً على كل من المجني عليهما من السلاح الذي كان يحمله وهو ما يتحقق به الاستيلاء المادي على السلاح والذخيرة وتتوافر به جريمة إحرازهما طبقاً للقانون وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن السلاح المضبوط بمسكن الطاعن هو الذي استخدم في ارتكاب الحادث، فإنها إذ حصلت ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي بشأن وصف السلاح المذكور وصلاحيته للاستعمال وإطلاقه في تاريخ يتفق وتاريخ الحادث لا تكون قد أخطأت في شيء لأن ذلك إنما ينصرف إلى تهمة الإحراز التي دانت الطاعن بها ولا ينال من ذلك إسقاطها للفظ الحيازة من تلك التهمة ذلك أن الإحراز لا يعدو أن يكون صورة من صور الحيازة ومتى ثبت الإحراز - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن حيازة ذات السلاح تكون متوافرة ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد على غير أساس.
8 - من المقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب، ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، وكان ما أوردته المحكمة من أن حمل الطاعن للسلاح كان بقصد البطش والإجرام لا يمنعها من أن تستخلص من ظروف الواقعة ما يدعوها إلى أخذه بالرأفة في الحدود التي أجازها المشرع لها في المادة 17 من قانون العقوبات فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: قتل...... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من بندقية كان يحملها قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته وقد اقترنت بهذه الجناية جناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر قتل..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من السلاح الناري سالف الذكر قاصداً من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: أحرز وحاز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية". ثالثاً: أحرز ذخائر "طلقتان" استعملها في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازته أو إحرازه. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى والد المجني عليه الأول مدنياً قبل المتهم بمبلغ 251 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1، 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2، 5 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978، 156 لسنة 1981 والبند "ب" من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق بالقانون والمادتين 30، 32/ 2، مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليه وبمصادرة السلاح الناري المضبوط وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مائتين وواحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل العمد المقترن وإحراز سلاح ناري وذخيرة بغير ترخيص قد شابه القصور والغموض والتناقض في التسبيب واعتوره الخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن تحصيله لواقعة المشادة التي سبقت الحادث قد ران عليه الغموض الموحي بعدم الإحاطة بظروف الدعوى وأسند إلى الشاهد ...... القول بأن الطاعن قد صوب سلاحه إلى رأس المجني عليه الأول وإلى بطن المجني عليه الثاني قبل إطلاقه على كل منهما رغم أن أقواله بتحقيقات النيابة قد خلت من ذكر واقعة تصويب السلاح، وعول الحكم على هذه الواقعة في التدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن ملتفتاً عما أثاره الدفاع من أن ملابسات الحادث تفصح عن أنه حادث عارض لا تتوافر فيه تلك النية، إذ لا توجد خلافات سابقة بين أطرافه فضلاً عما شهد به النقيب...... من أن الطاعن يحوز السلاح للدفاع وأن إطلاقه كان لمجرد الإرهاب، والتفت عما أثاره الدفاع من منازعة في صحة ما قرره الشهود من أن المجني عليه الثاني قد سقط إثر إصابته بجوار المجني عليه الأول رغم عدم وجود آثار لدماء إلا بمكان جثة المجني عليه الأول، وأنه لم يعثر على فوارغ الأعيرة مما يشير إلى عدم تواجد الطاعن بمكان الحادث وأن الأعيرة أطلقت من مكان آخر وأن اختلاف أرقام السلاح التي أثبتت بمحضر الضبط عنها في كل من تحقيق النيابة والتقرير الفني يشير إلى استبدال السلاح، كما عول على أقوال الضابط المذكور - بشأن ضبط السلاح بمسكن الطاعن - رغم عدم صحتها بدليل تناقض التحريات التي قدمها، واستبعد تهمة حيازة السلاح من الوصف الذي انتهى إلى إدانة الطاعن به دون استبعاد الدليل المستمد منها إذ حصل ما تضمنه التقرير الفني بشأن وصف السلاح وصلاحيته وإطلاقه في وقت يتفق وتاريخ الحادث وأعمل المادة 17 من قانون العقوبات رغم ما أورده من أن حمل الطاعن للسلاح كان بقصد البطش والإجرام ودون بيان المبررات التي استند إليها في تخفيف العقوبة وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى في قوله (إنه في ظهر يوم 1/ 6/ 1990 توجه..... ومعه.... إلى حقله لتسليم العين المبيعة منه إلى......، فوجد..... شقيقه...... بذات العين لذات الغرض فاختلف....... مع..... على أولوية الاستلام لوجود عجز بالعين المبيعة تطورت إلى مشادة - حضر خلالها....... ثم تطورت إلى تعد من الأول بالقوة على الثاني فرد عليه التعدي بمثله، فأنزل الأول سلاحاً نارياً (بندقية آلية بدبشك حديد) كان يحمله على كتفه وصوب فوهته إلى رأس الثاني الذي كان في مواجهته على مسافة قريبة. وأطلق عمداً عياراً نارياً واحداً بنية إزهاق روحه فأصابه في رأسه وسقط على الأرض، وحدث به كسر بعظام الجمجمة وتهتكاً بالسحايا وجوهر المخ، وأدت الإصابة إلى وفاته لما صاحبها من نزيف أدى إلى هبوط حاد بالمراكز الحيوية المخية، وعقب ذلك مباشرة صوب المتهم ذات السلاح إلى بطن...... الذي كان في مواجهته بجوار المجني عليه الأول، وأطلق منه عمداً عياراً نارياً واحداً بنية إزهاق روحه، فاخترق المقذوف الخط الاربي الأيسر وأحدث قطعاً بالشريان الفخذي الأيسر وقطعاً بالقولون ونزيفاً دموياً غزيراً أدى إلى وفاته.) وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة استمدها من شهادة كل من..... و..... والنقيب....... ومما ثبت بالتقرير الطبي الشرعي، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وأورد الحكم مؤدى كل منها في بيان واف، لما كان ذلك، وكان المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون، وكان مجمل ما أورده الحكم - فيما تقدم - عن المشادة التي سبقت الحادث وفيما أورده على لسان الشهود كافياً للإحاطة بها وواضحاً في الدلالة على أن المحكمة قد ألمت بالواقعة وبظروفها، ودانت الطاعن وهي على بينة من أمرها، وهو ما تنحسر به عن الحكم قالة الغموض في هذا الصدد، هذا فضلاً عن أن ما سبق الحادث من مشادة إنما يندرج في نطاق الباعث على الجريمة، وهو ما ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها، فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيانه تفصيلاً أو الخطأ فيه أو حتى إغفاله جملة وبالتالي يكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير مقبول، لما كان ذلك، وكان المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخدها بما اقتنعت به منها، بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها دون أن تبين العلة في ذلك أو تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن شهادة الشاهد..... أمام المحكمة قد تضمنت ما مفاده أن الطاعن قد صوب سلاحه الناري ناحية كل من المجني عليهما قبل إطلاقه عليهما، فإنه لا على الحكم إن عول على ما اطمأن إليه من أقوال الشاهد المذكور أمام المحكمة حتى بفرض صحة القول بأن أقواله في تحقيقات النيابة قد خلت من ذكر واقعة تصويب السلاح طالما أن ما حصله من أقواله وعول عليه في قضائه له صداه وأصله الثابت بالأوراق، ومن ثم يضحى النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد على غير أساس. لما كان ذلك وكان المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله إنها: (ثابتة قبل المتهم من تواجده بحقله حاملاً بندقية آلية محشوة وبدون ترخيص ودون حاجة إلى حملها إلا للبطش والإجرام، وإقدامه على استعمالها وتصويبها وهي سلاح قاتل بطبيعته - ومن مسافة قريبة وفي مواجهة المجني عليهما - إلى مقتل من كل منهما وهو الرأس والبطن، مما يقطع بما لا يترك مجالاً للشك في توافر نية إزهاق روح كل منهما، ولا يؤثر في ذلك حدوث مشادة كلامية سابقة على الواقعة أو إطلاق عيار واحد على كل منهما، ذلك أن نية القتل قد تنشأ لدى الجاني إثر مشادة كلامية إذ لا أثر للغضب على توافرها، كما أن تعدد الضربات أو الطلقات ليس بشرط فيها، خاصة وأن المتهم قد تأكد من تحقيق غرضه بسقوط المجني عليه الأول أرضاً إثر الطلق الذي أصابه إصابة مباشرة قاتلة لقرب المسافة وموقعها وطبيعة السلاح وكونه مششخناً، وأقدم على الاستمرار في جرمه وقتل المجني عليه الثاني بعيار واحد أيضاً حقق مقصده إظهاراً لجبروته وسطوته) وإذ كان هذا الذي استخلصه الحكم من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ فإن هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هي معرفة به في القانون، وليس على المحكمة - من بعد أن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي تمسك بها الدفاع بعد أن اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردتها، وينحل جدل الطاعن في توافر نية القتل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى في استنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائه وجه مقبول، ومن ثم فلا على المحكمة إن أعرضت عما أثاره الدفاع من عدم وجود آثار دماء بمكان جثة المجني عليه الثاني ودلالة عدم العثور على فوارغ الأعيرة التي أطلقت على عدم تواجد الطاعن بمكان الحادث، ودلالة اختلاف أرقام السلاح التي أثبتت بمحضر الضبط على استبداله لأن ذلك كله لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير مقبول، لما كان ذلك، وكان المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادة الشاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها لأقوال شهود الإثبات ومن بينهم النقيب....... فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم صحة أقواله وتناقض تحرياته يضحى مجرد جدل موضوعي في حق المحكمة في استنباط معتقدها من أي دليل تطمئن إليه وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن عن تهمة إحراز السلاح الناري والذخيرة أخذاً بما اطمأن إليه من أقوال الشهود من أنه قد أطلق عياراً نارياً على كل من المجني عليهما من السلاح الذي كان يحمله وهو ما يتحقق به الاستيلاء المادي على السلاح والذخيرة وتتوافر به جريمة إحرازهما طبقاً للقانون وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن السلاح المضبوط بمسكن الطاعن هو الذي استخدم في ارتكاب الحادث، فإنها إذ حصلت ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي بشأن وصف السلاح المذكور وصلاحيته للاستعمال وإطلاقه في تاريخ يتفق وتاريخ الحادث لا تكون قد أخطأت في شيء لأن ذلك إنما ينصرف إلى تهمة الإحراز التي دانت الطاعن بها ولا ينال من ذلك إسقاطها للفظ الحيازة من تلك التهمة ذلك أن الإحراز لا يعدو أن يكون صورة من صور الحيازة ومتى ثبت الإحراز - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن حيازة ذات السلاح تكون متوافرة ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد على غير أساس. لما كان ذلك وكان المقرر أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانوناً هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب، ودون أن تسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، وكان ما أوردته المحكمة من أن حمل الطاعن للسلاح كان بقصد البطش والإجرام لا يمنعها من أن تستخلص من ظروف الواقعة ما يدعوها إلى أخذه بالرأفة في الحدود التي أجازها المشرع لها في المادة 17 من قانون العقوبات فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله، لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق