الصفحات

الأحد، 20 أكتوبر 2019

خطاب الرئيس السادات في نادى القضاة فى١٠ أكتوبر ١٩٧٧

حديث الرئيس السادات
في لقائه بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية
في نادى القضاة
فى١٠ أكتوبر ١٩٧٧ 
بسم الله
ايها الاخوة والاخوات
عندما اتحدث إليكم في ناديكم .. نادي القضاة .. وأنا أتشرف بزيارته لأول مرة .. بل لعلني اتشرف بان اكون أول رئيس للدولة في مصر يقوم بهذه الزيارة 
عندما اتحدث اليكم يا قضاة مصر ، فإنني اشعر من أعماق الاعماق انني اتحدث الى بعض عزيز غال من العائلة المصرية 
اشعر انني اخاطب فريقا من ابناء العائلة ، يمثل صفوة نقية طاهرة مؤمنة .. اختارتهم العائلة ووضعت فيهم كل الثقة وأعطتهم كل الحصانة ليكونوا حماتها ممن ضعفت نفوسهم .. وليكونوا مناعتها ممن اغواهم الشر والشيطان .. وليكونوا امنها وأمانها اذا ما هددها عابث في الظلام 
يا قضاة مصر انتم سلطان الحق الذى يدعم قوة الامة وسلطاتها واذا كان شعبنا المقاتل في ٦ اكتوبر قد حقق النصر بقوة الارادة وارادة القوة .. فان قضاءنا العادل قد أعلى الحق سياجا لنضال الارادة والقوة 
وصاحب الحق قوي بحقه .. انه السلطان العادل في ضمير كل انسان 
وسلطان القوة بغير الحق هو البطش وسلب الحقوق ، وهو اداة تدمير وعنصر جريمة .. وهو الدعوة السوداء الى شريعة الغاب 
وسلطان القوة بالحق ومن أجل الحق هو الردع والتقويم لدعوة الباطل وفعله ، وهو الانقاذ للإنسان من أنياب الغابة وافتراسها وهو أكاليل العدل والسلام تجلل هامة هذا الانسان .. وهو الدرع الحامي لمعصوب العينين تمسك بالميزان بيد ثابتة لا تهتز أبدا مهما فاجأتها العواصف والانواء قضاة مصر 
من وحى هذه المعاني ، التي لا يمكن ان يهرب من التفكير فيها حاكم او ومحكوم في هذا العالم المثقل بصراع المتناقضات 
ومن وحى هذه المعاني التي تهدمنا الى النظرة الواعية لطريق التحرير والبناء اتخذت القرار بان يكون الزى العسكري للقائد الاعلى مكللا بوشاح العدالة الذى تفضل مجلسكم الاعلى بإهدائه لي .. وبذلك يتمثل امامنا دائما وأمام من يريدون لنا خيرا او بنا شرا .. يتمثل امامهم ان رمزنا في نضال التحرير والبناء .. هو القوة والحق .. ولعلكم تذكرون ايها الاخوة يا قضاة مصر انني اعلنت في مجلس الشعب بعد انتصار قواتنا المسلحة في ملحمة اكتوبر الخالدة أعلنت انه قد اصبح للأمة درع وسيف 
وأعبر اليوم امامكم بيقين الثقة والراحة والاطمئنان ان قوة الدرع والسيف لامتنا يحميها ،يؤمنها ايمان بالحق و يعليه قضاة الامة بسيادة القانون .. ولن نعود الى الوراء واعلام ابنائها هي اعلام الحق .. وسواعد ابنائها هي عرق الاقوياء 
وانتم - ايها الاخوة يا قضاة مصر - انتم الاقوياء بإعلاء الحق من منصبة عالية لا ترتفع بعلوها بل هى تقترب بقلب القاضي من إلهام السماء ، وهى لا تهبط من علياء النور حتى تقول الكلمة الفاصلة متجردة من كل اغراءات الارض .. وقد سمحت لنفسي ان استطرد في هذه المعاني والافكار - وأنا أعد كلمتي لهذا اللقاء - بل لم تسمح لي نفسي إلا أن أهيم مع هذه المعاني والافكار .. لا جرياً وراء فذلكة لغوية او تشبيهات شاعرية .. بل معايشة كاملة للقيم الجليلة التي قدمها قضاء مصر عبر كل عهود العسف والقهر .. والتي جعلتنا نردد ونهتف بالعبارة المشهورة .. ( ان في مصر قضاة ) .. عايشت هذه الافكار وأنا أعد كلمتي لهذا اللقاء لأني عرفت بالتجربة ماذا يغلي به قلب المظلوم عندما تحاصره السهام في قفص الاتهام وكيف تمضي به الدقائق في محبسه وكأنها أطول الايام .. وماذا تمثل له هذه المنصة العالية المتجردة من الهوى والغرض .. وهو يتطلع الى كلمة حق منها هي أكسير الحياة كلها .. وكيف تنهشه الشكوك وتهزه الاوهام ، وهو قعيد زنزانته يتصور انه من الممكن ان يترك بها نسيا منسياً إلى آخر الأيام عايشت هذه الافكار وعادت بي الى أروع الذكريات التي تركت خطوطها العميقة في مسار لإنسان امتدت اليه يد العدالة واعطته امنه وحريته وهى تتحدى بحكمها وقرارها أعتى وأشرس قوى البغي والبطش بل وهي تقول للمستعمر الذي اذل الملك والزعامات والحكومات والاحزاب تقول هذه المنصة للمستعمر بكل هذا السلطان وهذا الهيلمان قف مكانك.. ان في مصر قضاء وقضاة .. واذا سمحتم لي ايها الاخوة القضاة ان تمضى بعض الكلمات مع هذه الذكريات .. فاني أقول ان منصة القضاء وانا في قفص الاتهام علمتني الشيء الكثير وهدتني الى الشيء الكثير ، ألهمتني القوة و انا ارى الجالس عليها أقوى بسلطان الحق والقانون من كل قوى متوحشة كانت تهدد امن هذا البلد وحرية أبنائه ، هدتني الى طريق الايمان .. وانا اثق ان الله قد هيأ لى ، وكل مظلوم ، ان تكون كلمة المصير هي لسان هذا الجالس على منصة النور ، ومن هنا كان لقائي بنفسي في وحدة الحبس الانفرادي ، كان لقاء الذات الذي يحتاج اليه كل انسان يجرفه صراع بعيدا عن كنه نفسه ومكنون ذاته وحين استوعبت لقاء الذات وجدت الجواب الصحيح الذي نقلني من الحيرة الى السكينة وحدد لي الهدف والمسار وعرفت ان الحياة ليست هي الانوار التي تبهر الابصار من حولنا . ولكنها هي النور الحقيقي المنبعث من اعماقنا ولو لم ينبهر ابصار غيرنا ، عرفت ان الحياة هي الرضاء عن النفس باقتناع النفس اولا قبل ان اقنع الاخرين عرفت ان القوة الكبرى هي قوة النفس عندما يحميها الايمان من كل اغراءات الهوى وشهوات هذه الحياة 
اغفروا لي ايها الاخوة القضاة اذا كنت قد مضيت بكم الى حديث عن النفس فإنني أرويه اعترافا صادقا وعرفانا عميقا بما تسلحت به في حياتي ، قضاء عادل وقاض جليل .. يعطى لشعبه الامن والطمأنينة والثقة والأمان 
ولاشك ان هذا يضاعف من ايماننا جميعا بان مجتمعنا يجب ان يوفر لقضاته الجالسين والواقفين كل مطالب حياتهم التي تنأى عن أدنى شبهة وحتى القاضي بكل جهده واجتهاده لأداء أنبل رسالة وأرجو أن يوفقنا الله ونحن نواجه اكبر التحديات الاقتصادية ان نوفر لهذه المنصة العالية ما يجعلها دائما ابدا عالية فاذا كانت سيادة القانون هي للملايين صمام الامن والأمان فأجدر بنا ان نحقق كل الامن لمن يجعلون من سيادة القانون حقيقة بارزة في حياة مجتمعنا وأول مظلة القاضي وامانه هي استقلال القضاء .. واستقلال القضاء لا يعني مجرد النص في دستور او تشريع ولكنه يعنى اولا وقبل كل شيء التزام كل السلطات التزاما صارما باستقلال سلطة القضاء وهذا الالتزام الصارم الذي لا يحتمل أي اهتزاز هو التزام الحاكم قبل المحكوم . فرسالة الحاكم هي صون لرسالة القضاء والحاكم الذى يخضع في قراره لأى ضغط أو تهديد يمزق أمانة مسئوليته والقضاء هو السلطان الاول على كل حاكم ومحكوم. 

أيها الاخوة يا قضاة مصر
اذا كان لي كمواطن ، يؤمن بأن سلطة القضاء هي من أفضل العناصر في حركة المجتمع نحو العدل والمساواة في الحقوق والواجبات .. اذا كان لي ان ادلى برأي اعتقد أنني اعتز به عن صوت الجماهير .. فاسمحوا لي ان اقول انه قد آن الأوان أن نحدث ثورة في اجراءات التقاضي ، لقد تحدث معي في هذا الشأن إخوتي من اعضاء المجلس الاعلى والنادي .. علينا جميعا ان نحمى المنصة العالية من تعدد وتعقيد هذه الاجراءات ومن استثمار المتقاضين لثغرات في القانون.. تضع عراقيل الوقت أمام إعمال القانون لسيادته فتصل إلينا كلمة العدالة بطيئة بعد رحلة طويلة .. العدل البطيء هو نكوص عن حركة المجتمع التي تطورت اليوم الى الانطلاق السريع المذهل .. وتحضرني في هذا المقام كلمة كلما ازداد عدد القوانين التي تسنها ازداد اغراؤك للناس بالخروج عليها 

واذا انطبقت هذه الحقيقة على القضاء الجالس .. فهي اكثر انطباقا على القضاء الواقف ، ان الجماهير تشكو من بطء اجراء التحقيق وتقديم القرار الى المنصة العالية وقد اصبح هذا ملحوظاً في تحقيقات هامة يتابعها الرأي العام ليطمئن علي سيادة القانون على الكبير قبل الصغير بل ان بطء اجراءات التحقيقات قد استثمره الصائدون في الماء العكر لكي يشككوا في سيادة القانون ، ومن أجل هذا فان الشعب ينتظر من قضائه ان يقوم ثورة في اجراءات التقاضي 

ولقد اسعدني اعظم سعادة أن أستمع الى تقرير السيد وزير العدل عن التعزيز الذى تم للهيئات القضائية حتى تنهض بواجبها ، في هذا إنني اعلم علم اليقين ما يلاقيه قضاتنا من ضغوط العمل ومن مشقة المسئولية ولكنى اطالبكم كما يطالبكم الشعب بمزيد من هذا العمل حتى تصل اليه العدالة ويطالبكم أيضا أن تعلوا امام الكل حتى لا يكون لحاقد او لموتور كلمة يتذرع بها عن سيادة القانون ويسعدني ان أعلن انني لمست في لقائي الاخير بأعضاء المجلس الاعلى للقضاء عندما تفضلوا بإهدائي وشاح القضاة ، لمست تفهما واقبالا صادقا وحماسة نقية لكل ما من شأنه ان يدعم بناء سلطان القضاء ولكل ما يستجيب الى نبض المجتمع مجتمع ٢٣ يوليو ١٥، مايو مجتمع اكتوبر المتشبث بالسيادة الكاملة للقانون 

ايها الاخوة يا قضاة مصر
لقد استمعت الى من تحدث من قبل من زملاء ، ولقد ضمدتم جراحي مرتين ، الاولى حينما كنت في قفص الاتهام امام قضاة مصر وكما قلت وذكرت لكم من قبل كانت تذل في تلك الوقت اعناق الزعامات .. اعناق الملوك اعناق الحكومات كانت تذل امام المستعمر ولكن في تلك القاعة التي زرتها اليوم واسعد دائما بزيارتها كلما اجتمع المجلس الاعلى للهيئات القضائية .. جلس قضاة ثلاثة من قضاة مصر لكى يتحدوا ارادة المستعمر بكل ما كان له من جنود واسلحة على الارض وبكل ما كان له من قوة تذل لها اعناق الملك والاحزاب والزعماء ووقف وكيل النيابة شاب كان لابد ان يقدم رقبتي الى المشنقة ، بحكم عمله ولكنه استهل مرافعته في ذلك الوقت وفي تلك الاجواء التي احكى لكم عنها وقال ان كل كلب ينبح في مصر يقول لبريطانيا اخرجي من مصر ، ضمدتم جراحي .. وصدرت كلمة القضاة الثلاثة عالية مدوية شامخة تعلو كل الهامات .. صدرت .. فضمدتم جراحي لأول مرة .. واليوم حين آتى الى ناديكم ويقف زميل من قضاة مصر وكأنه يعيش ما عانيته واعانيه احس في هذا المكان انني بين اخوة واصفياء .. احس في المكان بروعة هذا اللقاء مع قضاة مصر 

لقد تقدم بعض الاخوة ببعض ما يريده قضاة مصر ولقد تعودت منذ كانت أبصاري معلقة بتلك المنصة ان استجيب لكل ما تقول ، لقد حكمتم وليس لي الا ان أصدق علي هذا الحكم والعبور إلي لاظوغلى سيتحقق ان شاء الله واجراءات العناية الطبية وانا مشغول بها من ضغط العمل الذى أشعر انكم تلاقونه كل يوم .. ومما يقع من احداث لقضاتنا .. من اجل ذلك والى ان يتم انشاء مستشفى خاص ستقوم رئاسة الجمهورية بعمل الترتيبات اللازمة لكى يحجزوا لكم جناحا في مستشفى المعادي وليس لي في بقية الطلبات الا ان استجيب بلا نقض ولا ابرام 

اما اخوتنا من هذه العائلة المقدسة الذين أدوا واجبهم فباسمكم وباسم الشعب فإنني أهدي إليهم الأوسمة واسمحوا لي إن كان هناك وسام يعطى لصاحب الحق في ان يطلق عليه صاحب المقام الرفيع اسمحوا لي أمامكم وقد هزني وجود هذا القاضي الجليل الذي طالما تشبثت عيناي بمنصته وهو يعد الكلمة ليقول كلمة قضاة مصر اسمحوا لي ان أهدي إليه هذا الوسام له ولكم جميعا فليس في مصر صاحب مقام رفيع غير القضاء .. أيها الاخوة القضاة هذا حديثنا حديث العائلة المصرية نتجاذبه ونتبادل بروح السماحة والمودة والحب ساعتين معا وعاملين معا بكل ما في وسعنا من جهد وعرق وبكل زادنا من العلم والايمان لكي نحقق المجتمع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق