الصفحات

الأربعاء، 5 يونيو 2019

الطعن 1143 لسنة 62 ق جلسة 7 / 11 / 1993 مكتب فني 44 ق 146 ص 931


جلسة 7 من نوفمبر سنة 1993
برئاسة السيد المستشار/ حسن عميره نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد ومصطفى الشناوي ومحمد طلعت الرفاعي وأنس عماره نواب رئيس المحكمة.
---------------------------
(146)
الطعن رقم 1143 لسنة 62 القضائية

(1) وصف التهمة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
التعديل في مواد القانون دون تعديل في وصف التهمة أو الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية. يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع.
مثال في جريمة قتل عمد بقصد تسهيل ارتكاب جنحة سرقة.
 (2)موانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية". قتل عمد. مسئولية جنائية. إثبات "بوجه عام" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة. عدم التزام المحكمة بالالتجاء لأهل الخبرة في هذا الشأن بعد أن وضحت لها الدعوى.
(3) موانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية". مسئولية جنائية. قتل عمد. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً وفق المادة 62 عقوبات هو الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك. سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
حالات الإثارة أو الاستفزاز أو الغضب. مجرد أعذار قضائية مخففة.
(4) جريمة "أركانها". باعث. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
الباعث على الجريمة. ليس ركناً فيها. خطأ الحكم فيه أو إغفاله. لا يعيبه.
 (5)إجراءات "إجراءات المحاكمة". محاماة. محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". بطلان.
المحامون المقبولون للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية. اختصاصهم. دون غيرهم. بالمرافعة أمام محكمة الجنايات. المادة 377 إجراءات.
تسليم الطاعن بأسباب طعنه بأن المحاميين اللذين توليا الدفاع عنه من المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية. لا محل معه للنعي على إجراءات المحاكمة بالبطلان.
(6) إجراءات "إجراءات المحاكمة". محاماة. محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها". بطلان. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
المحامون المقيدون أمام المحاكم الابتدائية. لا يصح حرمانهم من المرافعة أمام محاكم الجنايات أو سلبهم هذا الحق. أساس ذلك؟
إجراءات محاكمة المتهم في جناية. عدم بطلانها إلا إذا كان من تولى الدفاع عنه محامياً تحت التمرين.
 (7)نيابة عامة. نقض "ميعاده". إعدام.
قبول عرض النيابة قضايا الإعدام. ولو تجاوزت الميعاد المقرر لذلك.
 (8)قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عليه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال. لتسبيب سائغ لاستظهار نية القتل في حق الطاعن.
(9) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "اعتراف".
لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً فتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
 (10)إجراءات "إجراءات التحقيق". مأمورو الضبط القضائي. إكراه. إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حضور ضابط الشرطة التحقيق لا يعيب إجراءاته. سلطان الوظيفة ذاته لا يعد إكراهاً طالما لم يستطل بأذى مادياً كان أو معنوياً. مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف.
(11) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد. إعدام.
الحكم الصادر بالإعدام. ما يلزم من تسبيب لإقراره؟ 

----------------
1 - لما كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية أقيمت ضد الطاعن بوصف أنه "قتل..... عمداً بأن انهال عليها طعناً بآلة حادة "سكين" قاصداً قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد ارتكبت هذه الجناية لتسهيل ارتكاب جنحة سرقة مصاغ المجني عليها من مسكنها المنطبقة بالمادة 317/ 1 من قانون العقوبات على النحو المبين بالتحقيقات. وكان هذا الوصف الذي أقيمت به الدعوى هو بذاته الوصف الذي اتخذته المحكمة أساساً لحكمها بإدانة الطاعن دون أن تجري تعديلاً في وصف التهمة أو في الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية بل أن التعديل الذي أجرته المحكمة اقتصر - بحق - على تطبيق المادة 234 من قانون العقوبات بفقرتها الثالثة وهو النص القانوني الصحيح المنطبق على واقعة الدعوى - مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع - فإن تعييب الحكم بأنه انطوى على إخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولاً
2 - من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وهي غير ملزمة من بعد بالالتجاء لأهل الخبرة في هذا الشأن ما دامت قد وضحت لديها الدعوى.
3 - المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية وأن حالات الإثارة أو الاستفزاز أو الغضب ليست من موانع المسئولية إنما هي مجرد أعذار قضائية مخففة يرجع الأمر تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض.
4 - من المقرر أن الباعث على الجرائم ليس ركناً فيها ومن ثم فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة.
5 - لما كانت المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية يكونون مختصين دون غيرهم للمرافعة أمام محكمة الجنايات وكان الطاعن يسلم في أسباب طعنه أن المحاميين اللذين توليا الدفاع عنه من المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية فلا محل للنعي على إجراءات المحاكمة البطلان.
6 - لما كانت صياغة نص المادة 37 من القانون 17 لسنة 83 أو 74 من القانون 61 لسنة 68 بشأن المحاماة - لا يشير أيهما صراحة أو دلالة إلى حرمان المحامين المقيدين أمام المحاكم الابتدائية من المرافعة أمام محاكم الجنايات أو سلبهم الحق ولا يتضمن نسخاً لما نصت عليه المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الذكر وكانت هذه المحكمة قد استقر قضاؤها في ظل هذين النصين على أن إجراءات محاكمة المتهم في جناية لا تبطل إلا إذا كان من تولى الدفاع عنه محامياً تحت التمرين فإن دعوى الطاعن في هذا الصدد تكون على غير سند.
7 - إن النيابة العامة ولئن كانت قد عرضت هذه القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم، عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بعد ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون وطلبت إقرار الحكم، إلا أن تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة، بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى - ما دام الحكم صادراً فيها بالإعدام - لتستبين من تلقاء نفسها ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من أخطاء أو عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة العامة للقضية في الميعاد المحدد أو بعد فواته. ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
8 - لما كان الحكم قد استظهر توافر نية القتل في حق المحكوم عليه بقوله "وحيث إنه عن نية القتل فهي ثابتة في حق المتهم من اعترافه في جميع مراحل التحقيق بدءاً من مرحلة الاستدلال وانتهاء بما أدلى به في جلسة المحاكمة بأنه كان يطعن المجني عليها بالسكين بقصد قتلها وإزهاق روحها وأنه تركها بعد أن سقطت مدرجة في دمائها ثم عاد إليها بعد قليل فوجد جثتها تتحرك فأمسك السكين مرة أخرى ولم تمنعه إصابة يده من مواصلة الاعتداء عليها مرة ثانية فوضع منشفة على مقبض السكين وظل يطعنها من جديد بقوة وعنف شديدين حتى انغرس نصل السكين في رقبتها ولم يكترث بسحب السكين من مكانه بل تركه في موضعه لأنه كان قد استيقن من أن المجني عليها قد أصبحت جسداً بلا روح جثة بلا حركة كما استدلت المحكمة على توافر نية القتل من تعدد الطعنات في مواضع قاتلة من جسم المجني عليها كمنطقة العنق والرقبة والصدر واستعماله سكيناً حاداً كبيراً إذ بلغ طول النصل 18 سم وطول المقبض 13 سم وقد استغل المتهم قوته البدنية وطول قامته في السيطرة على المجني عليها إذ يزيد طول قامته على 175 سم بينما لا يتجاوز طول قامة المجني عليها 150 سم وقد تمكن من الإجهاز عليها وهو منفرد بها في ظل تلك الظروف ومما يؤكد أن المتهم لم يلق ثمة مقاومة من المجني عليها خلوه من الإصابات إلا من إصابة يده التي حدثت عفواً بسبب اعتدائه على المجني عليها وقد ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليها أصيبت بخمس طعنات غائرة وشاملة بالجانب الأيمن من عنقها فنفذ منها ما نفذ إلى التجويف الصدري من خلال قمة الرئة اليمنى علاوة على إصابات أخرى ولا شك أن مناطق العنق والصدر والرئة يعد كل منها مقتلاً وقد سجل التقرير المشار إليه خطورة هذه الإصابات وجسامتها". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر والأمارات الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يغمره في نفسه وأن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلاً على توافر هذه النية في حق الطاعن كافياً وسائغاً.
9 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة أي دليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عدا.
10 - من المقرر أنه ليس في حضور ضابط الشرطة التحقيق - بفرض صحة ذلك - ما يعيب إجراءاته لأن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات لا يعد إكراها ما دام لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً إذ مجرد الخشية منه لا يعد من الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً ما لم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها تأثر إرادة المتهم من ذلك السلطان حين أدلى باعترافه ومرجع الأمر في ذلك لمحكمة الموضوع.
11 - لما كان الحكم قد خلص مما تقدم على نحو سليم أن المحكوم عليه قتل المجني عليها بقصد سرقة مصاغها وذلك على النحو الموضح تفصيلاً بوصف الاتهام وعاقبه بالإعدام عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات وكانت إجراءات المحاكمة قد تمت طبقاً للقانون وصدر الحكم بإعدام المحكوم عليه بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم طبقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية وجاء متفقاً وصحيح القانون ومبرءاً من الخطأ في تطبيقه أو تأويله كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم فإنه يتعين مع قبول عرض النيابة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل..... عمداً بأن انهال عليها طعناً بآلة حادة "سكين" قاصداً قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد ارتكبت هذه الجناية لتسهيل ارتكاب جنحة سرقة مصاغ المجني عليها من مسكنها. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى زوج المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قررت بإجماع الآراء بإرسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتي جمهورية مصر العربية لأخذ رأيه فيها وحددت جلسة..... للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت المحكمة حضورياً بإجماع الآراء عملاً بالمادة 234/ 3 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً وبإلزامه بأن يؤدى للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض كما عرضت النيابة العامة القضية على المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه...... إلخ.


المحكمة
أولاً: عن الطعن المقدم من المحكوم عليه: -
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة وعاقبه بالإعدام قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والبطلان في الإجراءات ذلك أن النيابة العامة - بجلسة المحاكمة - عدلت مواد الاتهام بإضافة الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات التي طلبت معاقبة الطاعن بموجبها رغم عدم توافر شروط تطبيق هذه الفقرة التي تتطلب جناية أخرى تتقدم أو تقترن أو تلي جريمة القتل وهو ما لم يتوافر في حق الطاعن، ومع ذلك عاقب الحكم الطاعن بمقتضى الفقرة الثانية من المادة ذاتها دون أن تنبهه المحكمة إلى هذا التعديل، وطلب الدفاع عرض الطاعن على الطبيب الشرعي لبيان مدى مسئوليته الجنائية لأنه مريض بالصرع ويعاني من حالة نفسية تسبب له انفعالاً شديداً عندما يعير بعاهة فيه - هي عرجه - غير أن الحكم أطرح هذا الطلب بما لا يسوغ ودون أن يعني بتحقيقه عن طريق المختص فنياً، وأورد الحكم في مدوناته أن الطاعن يعاني من حالة عسر شديدة بسبب انعدام موارده وتساند إلى ذلك في إثبات جريمة السرقة وتوافر الارتباط السببي بينها وبين القتل رغم أن هذا القول لا سند له من أوراق الدعوى، هذا إلى أن المحكمة سمحت لاثنين من المحامين المقيدين أمام المحاكم الابتدائي بالدفاع عن الطاعن رغم أن المادة 37 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 توجب أن يكون المدافع عن المتهم في جناية من المحامين المقيدين أمام محاكم الاستئناف مما يبطل إجراءات المحاكمة كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد بقصد تسهيل ارتكاب جنحة سرقة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من اعتراف الطاعن وأقوال شهود الإثبات ومما أظهرته المعاينة وكشفت عنه التقارير الطبية الشرعية، والقرائن المستمدة من العثور على إيصال ساعة الطاعن والسكين المستعمل في الحادث بشقة المجني عليها ومن ضبط متحصلات السرقة وملابس الطاعن الملوثة بالدماء وبنطلون زوج - المجني عليها لدى صديق الطاعن، لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية أقيمت ضد الطاعن بوصف أنه "قتل.... عمداً بأن انهال عليها طعناً بآلة حادة "سكين" قاصداً قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد ارتكبت هذه الجناية لتسهيل ارتكاب جنحة سرقة مصاغ المجني عليها من مسكنها المنطبقة بالمادة 317/ 1 من قانون العقوبات على النحو المبين بالتحقيقات" وكان هذا الوصف الذي أقيمت به الدعوى هو بذاته الوصف الذي اتخذته المحكمة أساساً لحكمها بإدانة الطاعن دون أن تجري تعديلاً في وصف التهمة أو في الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية بل أن التعديل الذي أجرته المحكمة اقتصر - بحق - على تطبيق المادة 234 من قانون العقوبات بفقرتها الثالثة وهو النص القانوني الصحيح المنطبق على واقعة الدعوى - مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع - فإن تعييب الحكم بأنه انطوى على إخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولاً. ولا محل بعد ذلك للمحاجاة بخطأ النيابة في طلب تطبيق الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر لعدم توافر شروطها ما دام الحكم قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وهي غير ملزمة من بعد بالالتجاء لأهل الخبرة في هذا الشأن ما دامت قد وضحت لديها الدعوى. وكان المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية وأن حالات الإثارة أو الاستفزاز أو الغضب ليست من موانع المسئولية إنما هي مجرد أعذار قضائية مخففة يرجع الأمر في تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن وطلب عرضه على الطبيب الشرعي وأطرحه بما أثبتته المحكمة - في حدود سلطتها التقديرية - من واقع ما استدلت به من مسلك الطاعن وأفعاله سواء ما كان منها سابقاً وقوع الجريمة أو أثناء ارتكابه لها أو بعد مقارفته إياها وما ساقته من شواهد - وبعد إطراح أقوال الطاعن عن مراودة المجني عليها له عن نفسه - على أن الطاعن كان في حالة إدراك تام ووعي كامل، وأنه كانت لديه حرية كاملة للاختيار وقت مقارفته للجريمة وبالتالي مسئوليته كاملة عما وقع منه من أفعال القتل والسرقة، وكان ما أورده الحكم رداً على دفاع الطاعن وإطراحاً لطلب عرضه على الطبيب الشرعي كافياً وسائغاً ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن نعياً على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم في الإسناد لما أورده في تحصيله لواقعة الدعوى عن معاناة الطاعن من عسر مالي - على غير أصل بالأوراق - إنما يتصل بالباعث عن الجريمة وكان من المقرر أن الباعث على الجرائم ليس ركناً فيها ومن ثم فلا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه أو ابتناؤه على الظن أو إغفاله جملة. لما كان ذلك، وكانت المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية يكونون مختصين دون غيرهم للمرافعة أمام محكمة الجنايات وكان الطاعن يسلم في أسباب طعنه أن المحاميين اللذين توليا الدفاع عنه من المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية فلا محل للنعي على إجراءات المحاكمة بالبطلان أما ما ينادي به الطاعن من وجوب أن يتولى الدفاع عن متهم في جناية محام من المقبولين أمام محاكم الاستئناف استناداً إلى نص المادة 37 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 227 لسنة 1984 فمردود ذلك أن المادة 37 سالفة الذكر قد جرى نصها على أنه "للمحامي المقيد بجدول محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة أمام جميع محاكم الاستئناف ومحاكم القضاء الإداري، ولا يجوز قبول صحف الدعاوى أمام هذه المحاكم وما يعادلها إلا إذا كان موقعها عليها منه وإلا حكم ببطلان الصحيفة - ويكون للمحامي أمام محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة أمام جميع المحاكم فيما عدا محاكم النقض والإدارية العليا والدستورية العليا - كما يكون له إبداء الفتاوى القانونية وإعداد العقود وشهرها والقيام بكافة أعمال المحاماة الأخرى، وكان هذا النص يقابله نص المادة 74 من قانون المحاماة الملغي رقم 61 لسنة 1968 والتي كانت تنص على أنه "لا يجوز أن يحضر عن الخصوم أمام محاكم الاستئناف ومحاكم القضاء الإداري إلا المحامون المقبولون أمام هذه المحاكم" لما كان ذلك، وكان صياغة هذا النص - أو ذاك - لا يشير صراحة أو دلالة إلى حرمان المحامين المقيدين أمام المحاكم الابتدائية من المرافعة أمام محاكم الجنايات أو سلبهم الحق ولا يتضمن نسخاً لما نصت عليه المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الذكر وكانت هذه المحكمة قد استقر قضاؤها في ظل هذين النصين على أن إجراءات محاكمة المتهم في جناية لا تبطل إلا إذا كان من تولى الدفاع عنه محامياً تحت التمرين فإن دعوى الطاعن في هذا الصدد تكون على غير سند. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن مذكرة عرض النيابة للحكم الصادر بعقوبة الإعدام: -
حيث إن النيابة العامة ولئن كانت قد عرضت هذه القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم، عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بعد ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون وطلبت إقرار الحكم، إلا أن تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى - ما دام الحكم صادراً فيها بالإعدام - لتستبين من تلقاء نفسها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من أخطاء أو عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة العامة للقضية في الميعاد المحدد أو بعد فواته. ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد بقصد تسهيل ارتكاب جنحة سرقة التي دان المحكوم عليه بها وأورد على ثبوتها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها - على النحو السالف بسطه - وكان الحكم المعروض قد حصل مؤدي هذه الأدلة تحصيلاً وافياً له أصله الثابت من الأوراق، وأوضح رابطة السببية بين القتل وارتكاب جنحة السرقة التي كانت الغرض المقصود منه بما يتحقق به الظرف المشدد كما هو معرف في القانون ويكفي لتوقيع عقوبة الإعدام. كما استظهر توافر نية القتل في حق المحكوم عليه بقوله "وحيث إنه عن نية القتل فهي ثابتة في حق المتهم من اعترافه في جميع مراحل التحقيق بدءاً من مرحلة الاستدلال وانتهاء بما أدلى به في جلسة المحاكمة بأنه كان يطعن المجني عليها بالسكين بقصد قتلها وإزهاق روحها وأنه تركها بعد أن سقطت مدرجة في دمائها ثم عاد إليها بعد قليل فوجد جثتها تتحرك فأمسك السكين مرة أخرى ولم تمنعه إصابة يده من مواصلة الاعتداء عليها مرة ثانية فوضع منشفة على مقبض السكين وظل يطعنها من جديد بقوة وعنف شديدين حتى انغرس نصل السكين في رقبتها ولم يكترث بسحب السكين من مكانه بل تركه في موضعه لأنه كان قد استيقن من أن المجني عليها قد أصبحت جسداً بلا روج جثة بلا حركة كما استدلت المحكمة على توافر نية القتل من تعدد الطعنات في مواضع قاتلة من جسم المجني عليها كمنطقة العنق والرقبة والصدر واستعماله سكيناً حاداً كبيراً إذ بلغ طول النصل 18 سم وطول المقبض 13 سم وقد استغل المتهم قوته البدنية وطول قامته في السيطرة على المجني عليها إذ يزيد طول قامته على 175 سم بينما لا يتجاوز طول قامة المجني عليها 150 سم وقد تمكن من الإجهاز عليها وهو منفرد بها في ظل تلك الظروف ومما يؤكد أن المتهم لم يلق ثمة مقاومة من المجني عليها خلوه من الإصابات إلا من إصابة يده التي حدثت عفواً بسبب اعتدائه على المجني عليها وقد ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليها أصيبت بخمس طعنات غائرة وشاملة بالجانب الأيمن من عنقها فنفذ منها ما نفذ إلى التجويف الصدري من خلال قمة الرئة اليمنى علاوة على إصابات أخرى ولا شك أن مناطق العنق والصدر والرئة يعد كل منها مقتلاً وقد سجل التقرير المشار إليه خطورة هذه الإصابات وجسامتها". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر والأمارات الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضره في نفسه وأن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلاً على توافر هذه النية في حق الطاعن كافياً وسائغاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المعروض قد عول في قضائه بإدانة المحكوم عليه على اعترافه في التحقيقات وجميع مراحل الدعوى باعتدائه على المجني عليها وقتلها وأطرح أقواله في خصوص ما ادعاه عن مراودة المجني عليها له عن نفسه فإن ذلك لا يعيبه لما هو مقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة أي دليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولا يعيب استدلال الحكم بهذا الاعتراف أن يكون المحكوم عليه قد ادعى في بعض جلسات تجديد الحبس الاحتياطي أن اعترافه كان وليد إكراه من الشرطة لأنه جاء قولاً مرسلاً لم يؤيده بدليل كما لا يغير من ذلك ادعاء والد المحكوم عليه في طلبه للنيابة أن اعتراف نجله كان نتيجة إكراه معنوي لوجود رجال الشرطة أثناء التحقيق لما هو مقرر أنه ليس في حضور ضابط الشرطة التحقيق - بفرض صحة ذلك - ما يعيب إجراءاته لأن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات لا يعد إكراها ما دام لم يستطل إلى المتهم بالأذى مادياً كان أو معنوياً إذ مجرد الخشية منه لا يعد من الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً ما لم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها تأثر إرادة المتهم من ذلك السلطان حين أدلى باعترافه ومرجع الأمر في ذلك لمحكمة الموضوع، وفوق ذلك كله فإن هذا الذي دفع به محامي الطاعن أثناء تجديد الحبس الاحتياطي من بطلان الاعتراف يدحضه إصرار المحكوم عليه بالجلسة على اعترافه بالتحقيقات وعدم معاودة الطعن عليه بالبطلان مما تكون معه المحكمة في حل من الالتفات إليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المعروض قد عرض لما تذرع به الدفاع عن المحكوم عليه من تعلله فقدان الشعور لإصابته بمرض مانع من المسئولية وأطرحه لما استقر في يقين المحكمة أن المحكوم عليه قد قارف الجريمة وهو في قمة الوعي والإدراك وحرية الاختيار كما عرض لما أثاره الدفاع عن توافر عنصر الاستفزاز والغضب كعذر قضائي مخفف وأطرحه لما أثبتته المحكمة من فساد دفاع المحكوم عليه وعدم صحة ما ادعاه عن مراودة المجني عليها له عن نفسه ومعايرته بالعرج وأورد على ذلك أسباباً سائغة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد خلص مما تقدم على نحو سليم أن المحكوم عليه قتل المجني عليها بقصد سرقة مصاغها وذلك على النحو الموضح تفصيلاً بوصف الاتهام وعاقبه بالإعدام عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات وكانت إجراءات المحاكمة قد تمت طبقاً للقانون وصدر الحكم بإعدام المحكوم عليه بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم طبقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية وجاء متفقاً وصحيح القانون ومبرءاً من الخطأ في تطبيقه أو تأويله كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم فإنه يتعين مع قبول عرض النيابة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق