الصفحات

الخميس، 1 نوفمبر 2018

عدم دستورية انتفاء المساواة بين هلاك البضائع في المستودع العام عن المستودع الخاص


القضية رقم 75 لسنة 26 ق "دستورية " جلسة 1 / 6 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الأول من يونية سنة 2014م، الموافق الثالث من شعبان سنة 1435 هـ .
برئاسة السيد المستشار /أنور رشاد العاصي النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور / حنفي على جبالي ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور / عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى اسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار /محمود محمد على غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 75 لسنة 26 قضائية "دستورية " .
المقامة من
السيد / محمد عبد العزيز محمد صاحب الشركة الأهلية للخدمات البحرية بالدخيلة ، محافظة الإسكندرية
ضد
1 - السيد رئيس الجمهورية
2 - السيد رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد رئيس مجلس الشعب
4 - السيد وزير المالية ، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك
5 - السيد رئيس مصلحة الجمارك
6 - السيد مدير عام الشئون القانونية بمصلحة الجمارك.
الإجراءات
بتاريخ الثلاثين من مارس سنة 2004، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً في ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادة (83) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963؛ فيما تضمنه من عدم الاعتداد بالنقص الحادث للبضائع المودعة بالمخزن الخاص لأي سبب إلا ما كان ناشئاً عن أسباب طبيعية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت في ختامها الحكم؛ أصلياً: بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ،أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1888 لسنة 1990 "تجاري"، أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ، ضد المدعى عليهم من الرابع إلى السادس؛ بطلب الحكم ببراءة ذمته من مبلغ 2815160جنيهًا؛ قيمة الضريبة الجمركية طبقاً للمطالبة المؤرخة 18/3/1990 واعتبارها كأن لم تكن، وذلك على سند من القول بأنه بتاريخ 18/1/1977 أصدر رئيس قطاع جمارك الإسكندرية والمنطقة الغربية قراره بالترخيص للمدعي بصفته الممثل القانوني للشركة الأهلية للخدمات البحرية بتخزين وارداتها من الخارج برسمها تحت نظام الإيداع الخاص" تموين سفن"، وشمل هذا الترخيص مخزن الشركة الكائن بمنطقة العجمي. وبتاريخ 20/10/1988 شب حريق بمخزن الإيداع التابع للمدعي، وحُرر عن الواقعة المحضر رقم 2700 لسنة 1988 إداري الدخيلة ، وتم قيده فيما بعد برقم 740 لسنة 1989 جنح الدخيلة ، وقررت النيابة العامة تكليف مصلحة الجمارك بتشكيل لجنة لجرد المخزن، فقدمت اللجنة تقريرها المؤرخ 11/1/1989 الذي تضمن أن النيران أتت على بعض البضائع المودعة بالمخزن، بينما تلف بعضها جزئياً أو كلياً، في حين بقى بعضها سليماً لم يتأثر بالحريق، وجاء بهذا التقرير أنه يوجد مقابل هذه البضائع خطاب ضمان ووثائق تأمين لضمان قيمة الرسوم الجمركية ، وانتهت النيابة العامة إلى قيد الواقعة ضد مجهول، ومن ثم أصدرت قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل؛ تأسيساً على ما أسفرت عنه التحقيقات وتقرير المعمل الجنائي من انتفاء العمد في الحادث الذي نشأ عن إلقاء شخص مجهول بباقي سيجارة مشتعلة دون تبصر منه. وبجلسة 27/4/2000 قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية في الدعوى الأصلية برفضها، وفي الطلب العارض المقام من مصلحة الجمارك؛ بإلزام المدعي بأن يؤدي إليها مبلغ 2815160 جنيهًا والفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد، وفي الدعوى الفرعية ؛ بسقوط حق وزير المالية (بالتقادم) في طلبه الحكم بإلزام كل من المدعي وشركة التأمين الأهلية متضامنين بأن يؤديا له مبلغ 600000 جنيه قيمة وثيقة التأمين. وقد طعن المدعي على حكم محكمة أول درجة أمام محكمة استئناف الإسكندرية حيث قُيد الاستئناف برقم 1215 لسنة 56 قضائية ، ودفع أمامها بعدم دستورية نص المادة (83) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963.وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى المعروضة .
وحيث إن المادة (79)من قانون الجمارك المشار إليه تنص على أن "تُقدر الضرائب الجمركية على البضائع التي سبق تخزينها في المستودع العام على أساس وزنها وعددها عند التخزين، وتكون الهيئة المستغلة للمستودع مسئولة عن الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عن كل نقص أو ضياع أو تغيير في هذه البضائع فضلاً عن الغرامات التي تفرضها الجمارك، ولا تُستحق هذه الضرائب والرسوم إذا كان النقص أو الضياع أو التغيير نتيجة لأسباب طبيعية أو كان ناتجاً عن قوة قاهرة أو حادث جبري".
وتنص المادة (81) من القانون المشار إليه على أنه "يجوز الترخيص في إقامة مستودعات خاصة في الأماكن التي توجد بها فروع للجمارك إذا دعت إلى ذلك ضرورة اقتصادية ، وتُصفى أعمال المستودع الخاص عند إلغاء الفرع الجمركي وذلك خلال ثلاثة أشهر على الأكثر".
كما تنص المادة (83)من القانون ذاته وهي المادة المطعون فيها على أنه "يجب تقديم البضائع المودعة عند كل طلب من الجمرك، ولا يصح التجاوز عن أي نقص يحدث لأي سبب إلا ما كان ناشئاً عن أسباب طبيعية كالتبخر والجفاف والتسرب أو نحو ذلك".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة قد دفعت بعدم قبول الدعوى ؛ على سند من القول بانتفاء انعكاس الفصل في دستورية النص المطعون فيه على طلبات المدعي في دعواه الموضوعية .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثراً في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول براءة ذمة المدعي من مبلغ 2815160جنيهًا ؛ قيمة الضريبة الجمركية التي تطالبه بها مصلحة الجمارك؛ على سند من القول بانتفاء مسئوليته عن النقص الحادث للبضائع المودعة بالمستودع الخاص نتيجة الحريق الذي انتهت النيابة العامة في شأنه إلى قيد الواقعة ضد مجهول، ومن ثم أصدرت قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل، ومن ثم يكون ما يبغيه المدعي من دعواه الدستورية المعروضة مرتبطاً بطلباته في الدعوى الموضوعية السالفة البيان الحكم بعدم دستورية نص المادة (83)من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963؛ فيما لم يتضمنه من التجاوز عن النقص الناتج عن قوة قاهرة أو حادث جبري للبضائع المودعة بالمستودع الخاص عند تقدير الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عليها، وتبعاً لذلك؛ فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي تكون متحققة في الطعن على هذا النص في النطاق المشار إليه، بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية ، ويضحى الدفع بعدم قبول الدعوى الدستورية الراهنة قائماً على غير أساس؛ متعيناً الالتفات عنه.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (32) و(38) و(40) و(119) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد مايز دون مبرر بين الممول الخاضع للضريبة الجمركية الذي تودع بضائعه في مستودع عام وبين آخر تودع بضائعه في مستودع خاص؛ بأن ألزم الأخير بسداد الضريبة والرسوم الجمركية عن البضائع التي يلحقها النقص نتيجة قوة قاهرة أو حادث جبري، في حين أن الأول معُفى من سدادها إعمالاً لنص المادة (79)من القانون ذاته، بالرغم من تكافؤ المركز القانوني لكل منهما في كلتا الحالتين، فضلاً عن أن النص المطعون فيه ينطوي على معنى العقوبة وتنتفي في شأنه عناصر المسئولية الموجبة للتعويض، ويصل إلى حد العدوان على حق الملكية الخاصة ؛ وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزاً تحكمياً غير مبرر، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة ، كما يهدر مبدأ العدالة الضريبية ، وينتقص من حق الملكية الخاصة .
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية .
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (32) و(38) و(40) و(119) من دستور سنة 1971، وكانت نصوص هذه المواد تتضمن الأحكام الدستورية ذاتها التي تنص عليها المواد (33) و(35) و(38) و(53) من دستور سنة 2014 المشار إليه.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافة ً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضاً أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستورياً هو ما يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يُعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبياً لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن الدستور وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة قد أعلى من شأن الضريبة العامة ، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار الاقتصادية التي ترتبها، ومايز – ترتيباً على ذلك -- بنص المادة (119) من دستور سنة 1971، المقابلة لنص المادة (38) من دستور سنة 2014، بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية ، فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي يبينها القانون، مما مؤداه أن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة ، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمناً تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة ، عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. ومن المقرر أن تحديد دين الضريبة يتطلب التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتباره شرطاً لازماً لعدالة الضريبة ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة ، ويتعين في هذا الإطار أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها، محققاً ومحدداً على أسس واقعية ، يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققاً إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال أو الترخص، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها إنما يتحدد مرتبطاً بوعائها، وفق الشروط التي يقدر معها المشرع واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور التي تتطلب أن تكون العدالة الاجتماعية مضموناً لمحتواها وغاية تتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي يقيم عليها المشرع النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها تمثل في جوهرها عبئاً مالياً على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن الأعباء التي انتظمتها المادة (38) من الدستور، ويتعين تبعاً لذلك وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمناً عليها بمختلف صورها، محدداً الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائياً عن التمييز بينها دون مسوغ.
وحيث إن الحماية التي أظّل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان، لا تقتصر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة على الصور التي تظهر الملكية فيها بوصفها الأصل الذي تتفرع عنه الحقوق الأصلية جميعها، وإنما تمتد هذه الحماية إلى الأموال كلها دون تمييز؛ باعتبار أن المال حق ذو قيمة مالية ، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم من حقوق الملكية الأدبية أم الفنية أم الصناعية ، وإلى هذه الأموال كلها تنبسط الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية ، فلا تخلص لغير أصحابها، ولم يعد جائزاً – تبعًا لذلك - أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً، وافتئاتاً على كيانها، أدخل إلى مصادرتها؛ مما مؤداه أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً قانوناً وفقاً لما جرى عليه كذلك قضاء هذه المحكمة هي التي تتوافر شرائط اقتضائها وفقاً لأحكام الدستور، فإن هي نبذتها سواء من خلال موجباتها أو أسسها، أو عن طريق تطبيقها قبل اتصالها بالمخاطبين بها، كان فرضها تحميلاً لأموالهم بعبئها بما يرتد سلباً عليهم بقدر مبلغها، إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور في مجال صون الأموال جميعها من كل عدوان ينال منها.
وحيث إنه من المقرر في هذا الصدد وفقاً لما تضمنته الأعمال التحضيرية للقانون المدني في شأن المادة (165) منه أنه ليس ثمة تفرقة بين الحادث المفاجئ "أو الجبري" والقوة القاهرة ؛ كسبب أجنبي يؤدي إلى عدم قيام علاقة السببية بين ما يُنسب إلى المسئول من خطأ والضرر الذي وقع، ومن ثم انتفاء مسئوليته عن الفعل الضار. ويُقصد بالحادث الجبري والقوة القاهرة ؛ الحادث الذي لا يمكن توقعه ويستحيل دفعه، ويلزم توافر هذين الشرطين معاً في الحادث الذي يُعتبر كذلك، ويتعين أن يُنظر في توافرهما بمعيار موضوعي هو معيار الرجل العادي في مثل ظروف المسئول، مما مؤداه وقوع التكييف القانوني لذلك الحادث في إطار السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه المشار إليه، قد مايز دون مبرر بين الممول الخاضع للضريبة الجمركية الذي تودع بضائعه في مستودع عام، وبين آخر تودع بضائعه في مستودع خاص؛ بأن ألزم الأخير بسداد الضريبة الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عن البضائع التي يلحقها النقص نتيجة قوة قاهرة أو حادث جبري، في حين أن الأول معُفى من سدادها إعمالاً لنص المادة (79) من القانون ذاته؛ بعد أنقسّم المشرع ممولي الضريبة الجمركية إلى فئتين ووضع لكل منهما نظاماً مختلفاً عن الآخر في شأن الالتزام بسدادها في حالة حدوث نقص في البضائع المودعة نتيجة قوة قاهرة أو حادث جبري على النحو السالف البيان، وكان أولئك الممولون للضريبة من الفئتين المشار إليهما في مركز قانوني واحد، إذ يحدث النقص المشار إليه في هذا الصدد لسبب لا دخل لإرادة الممول فيه ولا يمكن توقعه أو دفعه، بصرف النظر عما إذا كانت هذه البضائع مودعة في مستودع عام أم مستودع خاص، فلا يؤثر اختلاف نوعية المستودع على وحدة طبيعة سبب وقوع الضرر في الحالتين، وكان النص المطعون عليه يؤدي بذلك إلى إلزام ممول الضريبة الجمركية بسدادها بعد أن فقدت وعاءها فيما يتعلق بالنقص المشار إليه، مما يُعد معه فرضها تحميلاً للممول بعبئها بما يرتد سلباً عليه بقدر مبلغها، ومن ثم يكون هذا النص قد أخل بمبدأ المساواة ، وأهدر مبدأ العدالة الضريبية ، وانتقص من حق الملكية الخاصة، بما يخالف أحكام المواد (33و35و38و53) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (83) من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963؛ فيما لم يتضمنه من التجاوز عن النقص الناتج عن قوة قاهرة أو حادث جبري للبضائع المودعة بالمستودع الخاص عند تقدير الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المستحقة عليها، وبإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق