الصفحات

الاثنين، 2 يوليو 2018

الطعن 3039 لسنة 63 ق جلسة 9 / 2 / 1995 مكتب فني 46 ق 49 ص 336

جلسة 9 من فبراير سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجي ومجدي الجندي وحسن أبو المعالي أبو النصر وإبراهيم الهنيدي نواب رئيس المحكمة.

------------------

(49)
الطعن رقم 3039 لسنة 63 القضائية

(1) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
(2) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد. لا يعيب الحكم. ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
مثال لخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم.
(3) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". مواد مخدرة. استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان إذن النيابة لعدم جدية التحريات.
(4) تفتيش "التفتيش بغير إذن" "تفتيش المزارع". مواد مخدرة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إيجاب إذن النيابة في تفتيش الأماكن. قصره على حالة تفتيش المساكن وملحقاتها. تفتيش المزارع. لا حاجة إلى صدور إذن به من النيابة العامة. حد ذلك؟
(5) قصد جنائي. جريمة "أركانها". مواد مخدرة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القصد الجنائي في جريمة زراعة نبات من النباتات الممنوعة زراعتها. قوامه. علم الزارع بأن النبات الذي يزرعه من تلك النباتات. تحدث الحكم عنه استقلالاً. غير لازم. كفاية أن يكون ما أورده الحكم دالاً عليه.
مثال.
(6) إجراءات "إجراءات التحريز". مواد مخدرة. دفوع "الدفع ببطلان إجراءات التحريز". بطلان. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إجراءات التحريز المنصوص عليها في المواد 55، 56، 57 إجراءات تنظيمية. لا بطلان على مخالفتها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز.
(7) إجراءات "إجراءات التحقيق". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". مواد مخدرة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
مثال.
(8) إثبات "خبرة". مواد مخدرة. مسئولية جنائية. جريمة "أركانها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نعى الطاعن بأن التحليل لم يشمل جميع الشجيرات المضبوطة. موضوعي. لا ينفي عن الطاعنين زراعة كمية من الشجيرات المرسلة للتحليل. أثر ذلك؟
(9) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
زراعة نبات مخدر بقصد الاتجار. واقعة مادية. استخلاصها. موضوعي. ما دام سائغاً.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر قصد الاتجار في النبات المخدر المزروع.
(10) دفوع "الدفع بشيوع التهمة" "الدفع بنفي التهمة".
الدفع بنفي التهمة أو بشيوعها. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(11) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تتبع المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم. التفات الحكم عنها. مفاده: إطراحها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز. أمام النقض.

-------------------
1- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث يثبت البعض ما ينفيه البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
2- لما كان الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة وكان الاختلاف في بيان مساحة الأرض التي نسب الحكم لكل من الطاعنين زراعتها - على النحو المشار إليه في أسباب الطعن - بفرض أن الحكم قد أخطأ في بيانها - فإن هذه الأمور ليست من أركان الجريمة التي دين بها الطاعنان، وبفرض وقوع هذا الخطأ فإنه لا أثر له في منطق الحكم واستدلاله على زراعة الطاعنين للنباتات المخدرة ومن ثم فإن دعوى التناقض في التسبيب تكون منتفية.
3- لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعنين ببطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لعدم جدية التحريات وأطرحه في قوله: "ليس له محل ذلك أن ضبط - المزروعات بالحقل والتحفظ عليها ليس بحاجة إلى إذن من النيابة العامة أصلاً إذ أن المشرع قد أحاط فقط المسكن والمكان الخاص بوجه عام بضمانات حماية لحرمة الحياة الخاصة فجعل دخول المنازل وما في حكمها وتفتيشها غير جائز إلا بأمر قضائي والحقل ليس مكاناً خاصاً فلا حاجة لمأمور الضبط القضائي لإذن من النيابة العامة قبل دخوله أو التحفظ به على المضبوطات يتوافر بوجودها حالة التلبس بجناية زراعية نباتات مخدرة" لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
4- لما كان من المقرر أن إيجاب إذن النيابة في تفتيش الأماكن مقصور على حالة تفتيش المساكن وما يتبعها من الملحقات لأن القانون إنما أراد حماية المسكن فقط ومن ثم فتفتيش المزارع بدون إذن لا غبار عليه إذا كانت غير متصلة بالمساكن. وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن شجيرات الخشخاش والقنب الهندي ضبطت بحقل الطاعنين وهو غير ملحق بمسكنها فإن ضبطهما لم يكن بحاجة لاستصدار إذن من النيابة العامة بذلك.
5- لما كان القصد الجنائي في جريمة زراعة نبات من النباتات الممنوعة زراعتها هو علم الزارع بأن النبات الذي يزرعه هو من النباتات الممنوع زراعتها كما أن القصد الجنائي في جريمة حيازة المواد المخدرة إنما هو علم الحائز بأن المادة التي يحوزها هي من المواد المخدرة، وكانت المحكمة غير مكلفة في الأصل بالتحدث استقلالاً عن ركن العلم بحقيقة النبات أو المادة المضبوطة إذا كان ما أوردته في حكمها كافياً في الدلالة على أن المتهم كان يعلم بأن ما يزرعه ممنوع زراعته أو بأن ما يحوزه مخدر. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في معرض بيانه لواقعة الدعوى والظروف التي أحاطت بها وإيراده لأقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني من أن التحريات دلت على أن الطاعنين يقومان بزراعة نباتات مخدرة بالأرض المملوكة لهما وسط زراعات الفول ومن ضبط النباتات المخدرة بحقلهما وإقرارهما لهما بملكيتهما للمزروعات وإنهما يزرعانها بقصد استخراج مخدر الأفيون والحشيش للاتجار فيهما، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الشأن يكون على غير سند.
6- لما كان من المقرر أن إجراءات التحريز المنصوص عليها في المواد 55، 56، 57 من قانون الإجراءات الجنائية إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه، ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل، وكان جدل الطاعنين في هذا الشأن إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من أقوال شهود الواقعة ومن عملية التحليل التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من إطلاقاتها.
7- لما كان ما يثيره الطاعنان بقالة أنه تم نقل الشجيرات المضبوطة إلى مركز الشرطة وأخذت عينات منها لتحليلها دون أن تثبت تلك الإجراءات.... وفي غيبة الطاعنين، فلا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
8- لما كان ما يثيره الطاعنان بشأن أن التحليل لم يشمل جميع الشجيرات المضبوطة هو منازعة موضوعية في كنه النباتات المضبوطة وليس من شأنه أن ينفي عن الطاعنين زراعتهما لكمية الشجيرات التي أرسلت للتحليل فمسئوليتهما الجنائية قائمة في زراعة هذه النباتات قل ما ضبط منها أو كثر، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون في غير محله.
9- لما كان من المقرر أن زراعة نبات مخدر بقصد الاتجار واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها ما دام استخلاصه سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال منها، وكان ما أورده الحكم في تحصيله للواقعة وسرده لمؤدى أقوال شاهدي الإثبات مستخلصاً من ذلك ومرتباً عليه القول: "إن قصد الاتجار ثابت لدى المحكمة من سعة المساحة المزروعة بالنباتات المخدرة (الخشخاش والقنب الهندي) وضخامة عدد النباتات المزروعة بهذه المساحة"... فإن ما أورده الحكم في ذلك يكون كاف لإثبات هذا القصد وفي إظهار اقتناع المحكمة بثبوته من ظروف الواقعة التي أوردتها وأدلتها التي عولت عليها ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب لا يكون له محل.
10- من المقرر أن نفي التهمة أو الدفع بشيوعها من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
11- من المقرر أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما قرره الشهود من حيازة الطاعنين للأرض المزروعة بالمضبوطات، فإن كل ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما زرعا بقصد الاتجار نباتين مخدرين "قنب هندي - خشخاش" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وأحالتهما إلى محكمة جنايات الزقازيق لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 28، 29، 33/ جـ، 36، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 - المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبندين 1، 2 من الجدول رقم 5 الملحق مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهما مائة ألف جنيه ومصادرة النباتات المخدرة المضبوطة والأرض التي زرعت عليها.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة زراعة نباتين مخدرين "قنب هندي وخشخاش" بقصد الاتجار قد شابه تناقض وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه أورد في مقام تحصيل واقعة الدعوى أن مساحة الفول المزروعة بمعرفة المتهم الثاني فدان وأن مساحة الفول المزروعة بمعرفة المتهم الأول ستة قراريط وأن مساحة القمح المزروعة بمعرفة المتهم الأول اثنا عشر قيراطاً ثم أورد في مقام بيان الأدلة أن مساحة القمح المزروعة بمعرفة المتهم الأول فدانان وأن مساحة الفول المزروعة بمعرفة المتهم الثاني ستة قراريط مما ينبئ عن عدم صحة إجراءات الضبط ويدل على شيوع الاتهام كما أن المدافع عن الطاعنين دفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التي سبقته، إلا أن المحكمة رفضت الدفع بما لا يؤدي إليه، وأطرح الحكم دفاعهما - المبني على أنهما ليسا مالكين للأرض وأنهما لم يزرعا النباتات المخدرة ولا يعلمان نوعها وأنهما يؤجران الأرض لآخرين بما لا يصلح رداً، والتفتت عن دفاعهما القائم على أن النباتات المضبوطة لم يتم تحريزها ولا يطمئن إلى أن ما تم إرساله لمعامل التحليل هو جزء منها، إذ تم قلعها ونقلها إلى مركز الشرطة حيث تركت في العراء وقد أخذت العينة من شيكارتين دون التأكد من عدم امتداد أيدي العبث إليهما، وبغير أن يثبت في الأوراق إجراءات التحميل والنقل والتفريغ وإيداع المضبوطات بالشيكارتين، وقد حصل ذلك في غير حضور النيابة أو الطاعنين، فضلاً عن أن التحليل جرى على عينة من النباتات المضبوطة وليس على جميعها، وقصر الحكم في التدليل على توافر قصد الاتجار في حق الطاعنين، هذا إلى أن المدافع عنهما أثار دفاعاً مؤداه أن لهما حيازتين منفصلتين ولكل منهما مساحة مستقلة عن الأخرى وأن النباتات ضبطت في الأرض التي يزرعها الطاعن... وليس شقيقه... الذي ليس له حيازة مادية على تلك الأرض، بيد أن الحكم أغفل هذا الدفاع إيراداً ورداً، ولم يفطن إلى ما ترشح به أوراق الدعوى من شيوع الحيازة بينهما، وكل هذا يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث يثبت البعض ما ينفيه البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وأن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة وكان الاختلاف في بيان مساحة الأرض التي نسب الحكم لكل من الطاعنين زراعتها - على النحو المشار إليه في أسباب الطعن - بفرض أن الحكم قد أخطأ في بيانها - فإن هذه الأمور ليست من أركان الجريمة التي دين بها الطاعنان، وبفرض وقوع هذا الخطأ فإنه لا أثر له في منطق الحكم واستدلاله على زراعة الطاعنين للنباتات المخدرة ومن ثم فإن دعوى التناقض في التسبيب تكون منتفية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعنين ببطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لعدم جدية التحريات وأطرحه في قوله: ".. ليس له محل ذلك أن ضبط المزروعات بالحقل والتحفظ عليها ليس بحاجة إلى إذن من النيابة العامة أصلاً إذ أن المشرع قد أحاط فقط المسكن والمكان الخاص بوجه عام بضمانات حماية لحرمة الحياة الخاصة فجعل دخول المنازل وما في حكمها وتفتيشها غير جائز إلا بأمر قضائي والحقل ليس مكاناً خاصاً فلا حاجة لمأمور الضبط القضائي لإذن من النيابة العامة قبل دخوله أو التحفظ به على المضبوطات يتوافر بوجودها حالة التلبس بجناية زراعة نباتات مخدرة" لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. هذا إلى أنه من المقرر أن إيجاب إذن النيابة في تفتيش الأماكن مقصور على حالة تفتيش المساكن وما يتبعها من الملحقات لأن القانون إنما أراد حماية المسكن فقط ومن ثم فتفتيش المزارع بدون إذن لا غبار عليه إذا كانت غير متصلة بالمساكن. وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن شجيرات الخشخاش والقنب الهندي ضبطت بحقل الطاعنين وهو غير ملحق بمسكنهما فإن ضبطهما لم يكن بحاجة لاستصدار إذن من النيابة العامة بذلك. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة زراعة نبات من النباتات الممنوعة زراعتها هو علم الزارع بأن النبات الذي يزرعه هو من النباتات الممنوع زراعتها كما أن القصد الجنائي في جريمة حيازة المواد المخدرة إنما هو علم الحائز بأن المادة التي يحوزها هي من المواد المخدرة، وكانت المحكمة غير مكلفة في الأصل بالتحدث استقلالاً عن ركن العلم بحقيقة النبات أو المادة المضبوطة إذا كان ما أوردته في حكمها كافياً في الدلالة على أن المتهم كان يعلم أن ما يزرعه ممنوع زراعته أو بأن ما يحوزه مخدر. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في معرض بيانه لواقعة الدعوى والظروف التي أحاطت بها وإيراده لأقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني من أن التحريات دلت على أن الطاعنين يقومان بزراعة نباتات مخدرة بالأرض المملوكة لهما وسط زراعات الفول ومن ضبط النباتات المخدرة بحقلهما وإقرارهما لهما بملكيتهما للمزروعات وإنهما يزرعانها بقصد استخراج مخدر الأفيون والحشيش للاتجار فيهما، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الشأن يكون على غير سند. لما كان ذلك وكان من المقرر أن إجراءات التحريز المنصوص عليها في المواد 55، 56، 57 من قانون الإجراءات الجنائية إنما قصد
بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه، ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل، وكان جدل الطاعنين في هذا الشأن إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من أقوال شهود الواقعة ومن عملية التحليل التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا يجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في تقدير الدليل وهو من إطلاقاتها أما ما يثيره الطاعنان بقالة أنه تم نقل الشجيرات المضبوطة إلى مركز الشرطة وأخذت عينات منها لتحليلها دون أن تثبت تلك الإجراءات.... وفي غيبة الطاعنين، فلا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، هذا فضلاً أن ما يثيره الطاعنان بشأن أن التحليل لم يشمل جميع الشجيرات المضبوطة هو منازعة موضوعية في كنه النباتات المضبوطة وليس من شأنه أن ينفي عن الطاعنين زراعتهما لكمية الشجيرات التي أرسلت للتحليل فمسئوليتهما الجنائية قائمة في زراعة هذه النباتات قل ما ضبط منها أو كثر، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن زراعة نبات مخدر بقصد الاتجار واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها ما دام استخلاصه سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال منها، وكان ما أورده الحكم في تحصيله للواقعة وسرده لمؤدى أقوال شاهدي الإثبات مستخلصاً من ذلك ومرتباً عليه القول: "إن قصد الاتجار ثابت لدى المحكمة من سعة المساحة المزروعة بالنباتات المخدرة "الخشخاش والقنب الهندي" وضخامة عدد النباتات المزروعة بهذه المساحة"... فإن ما أورده الحكم في ذلك يكون كاف لإثبات هذا القصد وفي إظهار اقتناع المحكمة بثبوته من ظروف الواقعة التي أوردتها وأدلتها التي عولت عليها ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بعدم ارتكابه الجريمة وأن مرتكبها شخص آخر أو بالتفاته عن دفعه بشيوع التهمة مردوداً بأن نفي التهمة أو الدفع بشيوعها من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما قرره الشهود من حيازة الطاعنين للأرض المزروعة بالمضبوطات، فإن كل ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق