الصفحات

الاثنين، 30 أبريل 2018

دستورية منع المدعي المدني من الطعن على الحكم الجنائي


القضية رقم 162 لسنة 27 ق " دستورية " جلسة 7 / 4 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 15 مكرر و في 16 / 4 / 2018 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من أبريل سنة 2018م، الموافق العشرين من رجب سنة 1439 هـ.

برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق             رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى وسعيد مرعى عمرو ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع         أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
      في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 162 لسنة 27 قضائية " دستورية ".
المقامة من
.........
ضــــــد
1 - رئيس الجمهوريــة
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3- رئيس مجلس الشعـب ( مجلس النواب حاليًا )
........
الإجراءات
      بتاريخ الثامن عشر من يوليو سنة 2005، أقام المدعى هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نصى المادتين(402، 403) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمناه من قصر حق استئناف الحكم الجنائي على المتهم والنيابة العامة فقط، دون المدعى بالحق المدني.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن مشادة وقعت بين المدعى والمدعى عليهم من الرابع وحتى السادس، على أثرها قامت النيابة العامة بتقديمهم جميعًا إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 5983 لسنة 2004 جنح حدائق القبة، متهمة المدعى بضرب شخصين، كما قدمت المدعى عليهم من الرابع وحتى السادس بتهمة إحداث تلفيات بسيارة المدعى، وأمام تلك المحكمة أقام المدعى دعوى مدنية تبعية طلبًا للتعويض عن إتلاف سيارته، فقضت المحكمة بجلسة 3/1/2005 ببراءة المتهمين جميعًا مما أُسند إليهم ورفض الدعوى المدنية التبعية. وإذ لم يرتض المدعى هــذا القضاء طعن على الشق المدني أمام محكمة شمال القاهـرة بالاستئناف رقم 2229 لسنة 2005 جنح مستأنف حدائق القبة، وحال نظره، دفع المدعى بعدم دستورية نصى المادتين (402، و403) من قانون الإجراءات الجنائية، فصرحت له المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (402) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المعدل بالقانون رقم 174 لسنة 1998 تنص على أن: "لكل من المتهم والنيابة العامة أن يستأنف الأحكام الصادرة في الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية في مواد الجنح، ومع ذلك إذا كان الحكم صادرًا في إحدى الجنح المعاقب عليها بغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه فضلاً عن الرد والمصاريف فلا يجوز استئنافه إلا لمخالفة القانون أو لخطأ في تطبيقه أو في تأويله أو لوقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم.



      وتنص المادة (403) من هذا القانون على أن: "يجوز استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى المدنية من المحكمة الجزئية في المخالفات والجنح من المدعى بالحقوق المدنية ومـــــن المسئول عنهـــــا أو المتهم فيما يختص بالحقوق المدنية وحدها إذا كانت التعويضات المطلوبة تزيد على النصاب الذى يحكم فيه القاضي الجزئي نهائيًّا"



      وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ متى كان ذلك، وكان ما يحول بين المدعى والطعن بالاستئناف على الحكم الصادر من محكمة الجنح في الدعوى الجنائية ببراءة المدعى عليهم من الرابع حتى السابع عن جريمة إحداثهم عمدًا تلفيات بسيارته - هو ما ورد بنص الفقرة الأولى من المادة (402) من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليـه، المستبدلة بالقانون رقم 174 لسنة 1998، من قصر استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية في مواد الجنح، على المتهم والنيابة العامة، دون المدعى بالحقوق المدنية المضرور من الجريمة، ومن ثم فإن الفصل في دستورية ذلك النص يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ويتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليه، ويتحدد فيه وحده نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر باقي أحكام تلك المادة. ولا تتوافر للمدعى مصلحة في الطعن على المادة (403) من القانون المشار إليه، لإفادته منه، إذ اقتصر حكمه على من له حق استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى المدنية.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه في النطاق المحدد سلفًا، أنه إذ قصر استئناف الحكم الصادر في الدعوى الجنائية على المتهم والنيابة العامة ، دون المدعى بالحق المدني المضرور من الجريمة، فإنه يكون قد أخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، والحق في التقاضي، بما يشكل مخالفة لنصوص المواد (8، 40، 68) من دستور سنة 1971.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التى يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظـــم مختلفة يناقض بعضهـا البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعى للنص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - تندرج، تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه، والذى مازال قائمًا ومعمولاً به، في ضوء أحكام المواد (9، 53، 97) من الدستور الحالي الصادر سنة 2014.
      وحيث إن الدستور في مقام تنظيم الخصومة الجنائية وحرصًا منه على إيلاء أمر الدعوى الجنائية إلى جهة محايدة تتمتع بالحيدة والنزاهة تقوم عليها وتنوب عن المجتمع بأثره في ذلك، فقد عهد بموجب نص المادة (189) منه إلى النيابة العامة - وهى شعبة أصيلة من شعب جهة القضاء العادي تتمتع بالاستقلال والحيدة- بتولي التحقيق في الدعوى الجنائية، وتقوم بتحريكها، ومباشرتها أمام المحاكم الجنائية المختصة، باعتبارها صاحبة الولاية العامة في هذا الشأن، نيابة عن المجتمع، مراعيًا في ذلك أن الضرر الواقع من الجريمة لا يخص المضرور المباشر منها فحسب؛ وإنما يقع أثره على المجتمع بأثره، فيقوض الشعور العام بالعدالة ويوهن من الثقة العامة في نجاعة النظام الجنائي فيه، فشاء بذلك ألا يكون لسطوة الجاني مهابة تحول دون بلوغ العدالة الجنائية غايتها الاجتماعية، وتقعد المجنى عليه عن مباشرة دعواه الجنائية مخافة إيقاع الجاني به ضررًا أبلغ إذا ما مضى في طلب توقيع الجزاء عليه. ومن جهة أخرى فإن توسيد الأمر إلى النيابة العامة، على ما تتمتع به من حيـدة واستقلال، يتيح لها وزن وتقدير الدليل لصالح القانون طلبًا للعدالة وتحريًا للصالح العام، وتحديد مسار الدعوى الجنائية أمام جهة القضاء - تحريكًا ومباشرة- مما من شأنه أن يحول دون تعريض المتهم لصنوف المكايدة في مجال الخصومة الجنائية من خصوم وجدوا في سبل الطعن المقررة في القانون وسائل لإرضاء ضغائنهم، وتهديدًا لخصومهم بإطالة أمد التقاضي في الدعوى الجنائية ضدهم من غير مبرر، وتعريضهم للابتزاز والمساومات غير المنصفة، فكان في إيلاء الأمر إلى النيابة العامة تجنب هذه المضرة بشقيها، وضبط مسار الدعوى الجنائية تحت إشراف مؤسسة محايدة ومنصفة ترد بأس المعتدى الظالم ولا تخشى تهديده حتى توقع العقوبة عليه، وتأخذ الحق العام منه، وتحول دون تغول الأخصام على المتهم البريء نكاية؛ حتى تدفع الضر عنه. وإن كان الدستور قد أسند إلى النيابة العامة الاختصاص بالتحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، فإنه لم يفته أن يتيح للمشرع الاستثناء من هذا الأصل العام تقديرًا منه لموجبات الصالح العام إذا ما قدر استثناءً مبررًا إيلاء بعض اختصاصات النيابة العامة إلى جهة أخرى، وهو استثناء تحكمه طبيعته، فلا يتقرر إلا لمن خوله الدستور سلطة القضاء، ولضرورة تقدر بقدرها، وبمراعاة الضوابط الدستورية، سواء في تعيين من يولى هذه الاختصاصات، أو القواعد والضمانات الحاكمة لممارستها، وذلك كله دون الإخلال بحق المضرور من الجريمة في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون بالطريق المباشر المقرر له بمقتضى نصى المادتين (99 و100) من الدستور، وفى غير الأحوال التي استثناها نص المادة (67) منه، وهو التنظيم الذى استهدف به المشرع الدستوري تحقيق التوازن بين حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية باعتبارها نائبًا قانونيًّا عن المجتمع، جبرًا للضرر العام الذى ينشـأ عن الجريمة، وبين الحق الخاص للمدعى بالحقوق المدنية المضرور من الجريمة في تحريك تلك الدعوى، في حالة امتناع النيابة العامة عن تحريك الدعوى الجنائية دون مقتضٍ، وتحقيقًا للمصلحة العامة، إلا أن تخويل المدعى بالحقوق المدنية هذا الحق في بعض الجرائم يقف - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عند مجرد تحريك الدعوى الجنائية، طلبًا لحقوق مدنية بطبيعتها، أما مباشرة هذه الدعوى فمنوط بالنيابة العامة وحدها باعتبارها السلطة الأصيلة التي أولاها الدستور هذا الاختصاص طبقًا لنص المادة (189) منه، ويقتصر دور المدعى بالحقوق المدنية على دعواه المدنية، والتي يدخل فيها بصفته مضرورًا من الجريمة التي وقعت، طالبًا بتعويضه مدنيًّا عن الضرر الذى لحق به، فدعواه مدنية بحتة لا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلا تبعيتها لها.
      متى كان ذلك، وكان المشرع في مقام تنظيم الخصومة القضائية في الدعوى الجنائية قد أجاز استثناءً في الجنح – تقديرًا منه لضآلة العقوبة الجنائية المقررة لها - للمضرور من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بالحقوق المدنية، وأن يحرك الدعوى الجنائية بتكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجنح المختصة طبقًا لنصى المادتين (232 و251) من قانون الإجراءات الجنائية، وخوله الطعن على الحكم الصادر في الدعوى المدنية إذا لم يصادف الحكم قبوله عملاً بنص المادة (403) من قانون الإجراءات الجنائية، إلا انه لم يجز له الطعن على الحكم الصادر في الدعوى الجنائية من المحكمة الجزئية في مواد الجنح، ليقتصر حقه في الطعن على الشق المدني وحده، وتستأثر النيابة العامة وحدها بسلطة مباشرة الدعوى الجنائية في مرحلة الطعن على الحكم الصادر فيها، بحسبانها صاحبة الدعوى الجنائية, فإن حرمان المشرع للمضرور من الجريمة من مكنة الطعن على الشق الجنائي في الحكم الصادر من المحكمة الجزئية في مـــواد الجنح، يكون قد جاء متسقًا مع ما رسمه الدستور لمعالم تحديد اختصاص النيابة العامة في تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، إذ وسد للأصيل إلى جانب المتهم حق الطعن على الحكم الصادر في الدعوى الجنائية حال انتفاء موجب الاستثناء من ذلك الحكم، ولم يحل بين المضرور من الجريمة وبين مباشرة حقه فيها بسطًا لأدلته عليها إيرادًا وردًّا وتعقيبًا ، ولم يسلبه حق الطعن على الحكم الصادر في دعواه المدنية إذا ارتأى أنه لم يحقق مبتغاه منها، ومن ثم فإن النص المطعون فيه إذ قصر الحق في الطعن على الحكم الصادر في الدعوى الجنائية على النيابة العامة والمتهم، دون المدعى بالحقوق المدنية، يكون قد أعمل سلطته التقديرية في مجال تنظيم حق التقاضي، متوخيًا مصالح مشروعة، ملتزمًا الحدود والمعالم التي حددها الدستور لسلطة الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الجنائية.
      وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
      وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبـات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
      لما كان ذلك، وكان الدستور قد كشف على نحـو قاطع لا لبس فيه ولا غموض؛ عن حق النيابة العامة الأصيل في تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية أصالة، باعتبارها صاحبة الولاية العامة في مباشرة تلك الصلاحيات نيابة عن المجتمع، بما يجعلها في مركز قانوني يختلف عن المركز القانوني للمدعى بالحق المدني في الدعوى الجنائية، كما أن التنظيم الذى أتى به النص المطعون فيه، الذى قصر حق الطعن على الأحكام الصادرة في الدعاوى الجنائية على المتهم والنيابة العامة، مع تقرير حق المدعى بالحق المدني بمقتضى نص المادة (403) من قانون الإجراءات الجنائية في استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى المدنية، باعتباره الوسيلة التي ارتأى المشرع مناسبتها لتحقيق التوازن بين أطراف الدعوى الجنائية والدعوى المدنية، وصولاً للأهداف التي رصدها لهذا التنظيم، والذى يرتبط بتلك الغايات بعلاقة منطقية وعقلية، ومن ثم يكون فيما قرره من أحكام مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا يخالف مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة التي حرص الدستور على كفالتها في المواد (4، 9، 53) منه.
      وحيث إن المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي الذى كفله الدستور في المادة (97) منه، لا يناقض وجود هذا الحق وفق أحكام الدستور، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديـل فيها، بل يجوز أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضـوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره ، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها ، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
      لما كان ما تقدم؛ وكان النص المطعون عليه إذ التزم منهج الدستور في إسناد حق الطعن على الحكم الصادر في الدعوى الجنائية، للنيابة العامة بحسبانها القوامة على الدعوى الجنائية، والمتهم المحكوم عليه فيها، دون المدعى بالحق المدني، الذى قصــر حقه في الطعــــن على الأحكام الصادرة في الدعوى المدنية - كما سلف البيان - فإنه لا يكون قد أخل بالحق في التقاضي، إذ لا يعدو ما قرره المشرع في هذا الشأن إلا أن يكون تنظيمًا لهذا الحق، التزم فيه المشرع نطاق سلطته التقديرية في تنظيم الحقوق، المقررة له بمقتضى نص المادة (97) من الدستور، دون مساس بأصل الحق في التقاضي، أو جوهره، الذى حظره الدستور.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم؛ فإن النص المطعون فيه يكون قد سلم من قالة الإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة والحق في التقاضي، وإذ لم يخالف النص المطعون فيه أي حكم آخر من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق