الصفحات

الأحد، 3 ديسمبر 2017

الضوابط الحاكمة لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين

الطعن 33  لسنة 38 ق " تنازع " المحكمة الدستورية العليا جلسة 14 / 10 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 42 مكرر ب في 23/ 10/ 2017 ص 97
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من أكتوبر سنة 2017م، الموافق الثالث والعشرين من المحرم سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 33 لسنة 38 قضائية "تنازع".
------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى عليهم في الجناية رقم 8980 لسنة 2015 مركز الواسطى، والمقيدة برقم 1337 لسنة 2015 كلي بني سويف، بوصف أنهم بتاريخ 20/ 2/ 2015 بدائرة مركز الواسطى – محافظة بني سويف، اشتركوا جميعا وآخرين مجهولين في تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة ترتب عليها الإخلال بالأمن العام وتعطيل مصالح المواطنين وحركة المرور، حال حملهم شماريخ وأسلحة بيضاء ومواد معدة للاشتعال (مولوتوف) على النحو المبين بالتحقيقات. المتهم التاسع: أحرز مطبوعات ولافتات تتضمن تغيير مبادئ الدستور، والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية، وتحض على قلب نظام الدولة ونظمها الأساسية الاجتماعية والاقتصادية، وهدم النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية. وطلبت عقابهم بالمواد (45، 46، 98 "ب"، 98 مكرر "ب") من قانون العقوبات، والمواد (1/ 1 و25 مكرر/ 1) من القانون 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978، 101 لسنة 1980، و165 لسنة 1981، والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والبند رقم (7) من الجدول الأول، والمواد (4، 6، 7، 8، 17، 19، 21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. وبجلسة 18/ 8/ 2015 قضت محكمة جنايات بني سويف بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها بإحالتها إلى المحكمة العسكرية المختصة. وإذ عرضت الأوراق على النيابة العسكرية قيدتها برقم 52 لسنة 2016 جنايات عسكرية غرب القاهرة وأحالتها إلى محكمة الجنايات العسكرية بذات القيد والوصف مع إضافة المادتين (1، 2) من القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014. وبتاريخ 6/ 8/ 2016، أصدرت محكمة الجنايات العسكرية بغرب القاهرة حكما بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها للنيابة العسكرية لاتخاذ شئونها فيها بإحالتها إلى المحكمة المختصة
وحيث إن المدعيين يطلبان تعيين جهة القضاء المختصة بنظر قضية النيابة العامة رقم 8980 لسنة 2015 جنايات مركز الواسطى المقيدة برقم 1337 لسنة 2015 كلي بني سويف، والتي قيدت برقم 52 لسنة 2016 جنايات عسكرية غرب القاهرة، ومبنى الطلب قيام تنازع سلبي بين جهة القضاء العادي وجهة القضاء العسكري، بعد أن تخلت كل منهما عن نظرها
بتاريخ الرابع عشر من نوفمبر سنة 2016، أودعت هيئة قضايا الدولة، نائبة عن المدعيين، صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم بتعيين جهة القضاء المختصة بنظر القضية رقم 8980 لسنة 2015 جنايات مركز الواسطى، المقيدة برقم 1337 لسنة 2015 كلي بني سويف، والقضية رقم 52 لسنة 2016 جنايات عسكرية غرب القاهرة، من بين محكمة جنايات بني سويف ومحكمة الجنايات العسكرية لغرب القاهرة
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إنه من المقرر أن مناط قبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص السلبي وفقا لنص المادة (192) من الدستور والبند ثانيا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو أن تكون الدعوى قد طرحت عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي وتخلت كلتاهما عن نظرها. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق – على نحو ما سلف – أن الدعوى مثار النزاع قد حكم فيها القضاء العادي والعسكري بعدم اختصاصهما ولائيا بنظرها، فإنه، وقد تخلت الجهتان عن نظر الدعوى، يكون قد توافر للدعوى المعروضة مناط قبولها
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تعيين الجهة القضائية المختصة في أحوال التنازع على الاختصاص – إيجابيا كان أم سلبيا – إنما يتم وفقا لقواعد توزيعه بين الجهات القضائية المختلفة تحديدا لولاية كل منها
وحيث إن المادة (188) من الدستور القائم تنص على أن "يختص القضاء بالفصل في كافة المنازعات والجرائم عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى....". 
وحيث إن الدستور الحالي قد نظم القضاء العسكري في الفرع الثالث من الفصل الثامن من الباب الخامس، فنص في المادة (204) منه على أن "القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة
ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظيفتهم
ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى...". 
وتنص المادة (4) من قانون القضاء العسكري الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 46 لسنة 1979 والقانون رقم 16 لسنة 2007 على أن "يخضع لأحكام هذا القانون الأشخاص الآتون بعد: 1- ضباط القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية ...... 2- ضباط الصف وجنود القوات المسلحة عموما 3- طلبة المدارس ومراكز التدريب المهني والمعاهد والكليات العسكرية 4- أسرى الحرب 5- أي قوات عسكرية تشكل بأمر من رئيس الجمهورية لتأدية خدمة عامة أو خاصة أو وقتية 6- عسكريو القوات الحليفة أو الملحقون بهم إذا كانوا يقيمون في أراضي جمهورية مصر العربية، إلا إذا كانت هناك معاهدات أو اتفاقيات خاصة أو دولية تقضي بخلاف ذلك 7- الملحقون بالعسكريين أثناء خدمة الميدان وهم: كل مدني يعمل بوزارة الدفاع أو في خدمة القوات المسلحة على أي وجه كان". 
كما تنص المادة (7) من القانون ذاته على أن: تسري أحكام هذا القانون أيضا على ما يأتي
1- كافة الجرائم التي ترتكب من أو ضد الأشخاص الخاضعين لأحكامه متى وقعت بسبب تأدية أعمال وظيفتهم
2- كافة الجرائم التي ترتكب من الأشخاص الخاضعين لأحكامه إذا لم يكن فيها شريك أو مساهم من غير الخاضعين لأحكام هذا القانون". 
وتنص المادة (15) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية على أن "فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثنى بنص خاص..." 
وحيث إن المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانونرقم 136 لسنة 2014 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، تنص على أن "مع عدم الإخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، تتولى القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها، وتعد هذه المنشآت في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية". 
وتنص المادة الثانية منه على أن "تخضع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القرار بقانون لاختصاص القضاء العسكري، وعلى النيابة العامة إحالة القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة". 
وتنص المادة الثالثة من القرار بقانون المشار إليه على أن "يعمل بأحكام هذا القرار بقانون لمدة عامين من تاريخ سريانه"، وتنص المادة الرابعة منه على أن "يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القرار بقانون"، كما تنص المادة الخامسة منه على أن "ينشر هذا القرار بقانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره"، وقد نشر هذا القرار بقانون في الجريدة الرسمية بعددها رقم 23 مكرر (ج) بتاريخ 27/ 10 /2014، وعمل به اعتبارا من 28/ 10/ 2014، اليوم التالي لتاريخ نشره طبقا لنص المادة الخامسة المار ذكرها. وقد صدر القانون رقم 65 لسنة 2016 بمد العمل بالقرار بقانون سالف الذكر، ونص في المادة الأولى منه على أن "يمد العمل بأحكام القانون رقم 136 لسنة 2014 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية لمدة خمس سنوات اعتبارا من الثامن والعشرين من شهر أكتوبر لعام 2016". 
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة أن الدستور القائم قد حدد في الفقرة الأولى من المادة (204) منه الاختصاص المحجوز للقضاء العسكري دون غيره في الفصل في الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، وقد تضمنت الفقرة الثانية من هذه المادة الضوابط الحاكمة لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين أمامه، بأن تمثل الجريمة المرتكبة اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها. وبذلك اعتمد الدستور معيارا شخصيا وآخر مكانيا لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين عن الجرائم التي تقع منهم بصفتهم هذه على المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة، وما يأخذ حكمها من منشآت. هذا والواضح من نصوص القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 2016 أنها قد تضمنت حكما وقتيا عين بموجبه المشرع المنشآت المدنية التي تدخل في حكم المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة، وتخضع الجرائم التي تقع عليها ومرتكبيها لولاية القضاء العسكري، طوال فترة سريان أحكامه، وهي المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها. وبذلك ينعقد الاختصاص بالفصل في تلك الجرائم، ومحاكمة المدنيين مرتكبيها لهذا القضاء، إذا توافرت شروط ثلاثة: أولها: أن يمثل الفعل اعتداء مباشرا على أي من تلك المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة. وثانيها: أن يقع الاعتداء حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية هذه المنشأة والمرافق والممتلكات العامة تأمينا فعليا وليس حكميا. ثالثها: أن يكون الفعل الذي يقع على أي منها مؤثما بهذا الوصف طبقا لأحكام قانون العقوبات أو القوانين المنظمة لهذه المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة، باعتبارها القواعد العامة الحاكمة للتجريم والعقاب في هذا الخصوص، والتي تتحدد على أساسها المسئولية الجنائية بالنسبة لمرتكبي أي من هذه الأفعال من المدنيين. فإذا ما تخلف في الفعل أو مرتكبه أي من هذه الشروط كان الاختصاص بنظر الجريمة والفصل فيها منعقدا للقضاء العادي صاحب الولاية العامة بالفصل في الجرائم عدا ما استثنى بنص خاص وعقد الاختصاص به لجهة قضاء أخرى
وحيث إن قواعد تحديد الاختصاص الولائي لجهات القضاء تتعلق بالنظام العام، لا يجوز الخروج عليها أو مخالفتها، وكانت الجريمة المسندة للمتهمين في الدعوى الموضوعية – المدعى عليهم في الدعوى المعروضة – ارتكابها هي اشتراكهم جميعا في تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة، ترتب عليها الإخلال بالأمن العام وتعطيل مصالح المواطنين، وحركة المرور حال حملهم شماريخ وأسلحة بيضاء ومواد معدة للاشتعال (مولوتوف)، وإحراز المدعى عليه التاسع لمطبوعات ولافتات تتضمن تغيير مبادئ الدستور والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية، وتحض على قلب نظام الدولة ونظمها الأساسية. وكان جميع المدعى عليهم ليسوا من ضباط أو أفراد القوات المسلحة أو أي من الذين حددتهم المادة (4) من قانون القضاء العسكري المشار إليه، الخاضعين لأحكام هذا القانون، كما أن الجرائم المسندة إليهم - سالفة الذكر لم يثبت من الأوراق وقوعها على أي من المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة التي عينها نص المادة الأولى من القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 المشار إليه، حال خضوعها لحماية القوات المسلحة وتأمينها الفعلي لها، ومن ثم ينحسر عنها اختصاص القضاء العسكري المحدد بهذا القرار بقانون، ويبقى الاختصاص بنظرها والفصل فيها للقضاء العادي صاحب الولاية العامة بالفصل في جميع المنازعات والجرائم، طبقا لنص المادة (188) من الدستور، والمادة (15) من القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية
وحيث إن نص المادة (192) من الدستور، ونص البند ثانيا من المادة (25) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وقد ناطا بالمحكمة الدستورية العليا – دون غيرها – الفصل في تنازع الاختصاص الولائي بتعيين الجهة القضائية المختصة، فإن الحكم الصادر عنها بتعيين هذه الجهة، والذي تثبت له طبقا لنص المادة (195) من الدستور الحجية المطلقة في مواجهة الكافة، وجميع سلطات الدولة، بما فيها جهات القضاء، ويكون ملزما بالنسبة لهم، مؤداه إسباغ الولاية من جديد على تلك الجهة، بحيث تلتزم بنظر الدعوى، غير مقيدة بسبق تخليها عن نظرها، ولو كان حكمها في هذا الشأن قد أصبح باتا
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة باختصاص جهة القضاء العادي بنظر الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق