الصفحات

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

دستورية تشديد العقوبة في الاسلحة والذخائر عن عقوبة المفرقعات

الطعن 53 لسنة 31 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 4 / 11 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 45 مكرر هـ في 15/ 11/ 2017 ص 26

باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من نوفمبر سنة 2017م، الموافق الخامس عشر من صفر سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 53 لسنة 31 قضائية "دستورية".

--------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى المدعي، في الدعوى رقم 110 لسنة 2007 جنايات أمن دولة طوارئ ببا؛ المقيدة برقم 1353 لسنة 2007 كلي بني سويف، أنه في يوم 28/ 7/ 2007، اتجر بغير ترخيص في سلاح ناري مششخن "بندقية آلية"، وذخائر (عدد 78 طلقة) مما تستعمل على هذا السلاح، وقدمته إلى المحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنايات أمن دولة طوارئ بني سويف، بطلب عقابه بالمواد (1/ 2، 12/ 1، 28/ 4، 29، 30/ 1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978 و101 لسنة 1980 و165 لسنة 1981 و97 لسنة 1992، والبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم (1) – وصحته رقم (3) – الملحق بالقانون الأول، والمعدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995. وبجلسة 14/ 11/ 2007، قضت المحكمة بحبس المدعي سنة واحدة مع الشغل، وغرامة مائتي جنيه، والمصادرة. وذلك على سند ما وقر في وجدانها من عدم توافر دليل على حيازة المتهم للسلاح والذخيرة المضبوطة بقصد الاتجار، وأن حيازته لها كانت حيازة مجردة، المعاقب عليها بالمواد (1/ 1، 6، 26/ 3، 5، 30) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه وتعديلاته، والبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول، ولوجود ارتباط بين الجريمتين لا يقبل التجزئة، تعين توقيع عقوبة جريمة الحيازة المجردة لهذا السلاح، باعتبارها الجريمة التي عقوبتها أشد. وارتأت المحكمة استعمال الرأفة مع المتهم، وذلك كله إعمالا لنص المادتين (32) و(17) من قانون العقوبات. وبتاريخ 28/ 1/ 2008، تم إلغاء هذا الحكم من نائب الحاكم العسكري العام، لنزوله عن الحد الأدنى للعقوبة، وإعادة المحاكمة أمام هيئة أخرى. وبناء على ذلك، أعادت النيابة العامة تقديم المدعي للمحاكمة الجنائية، بالقيد والوصف السابق تقديمه به للمحاكمة الجنائية الأولى. وحال نظر الدعوى، دفع محامي المدعي بعدم دستورية نص المادتين (26/ 3، 28/ 4) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى المعروضة
بتاريخ الثاني من مارس سنة 2009، أقام المدعي هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم بعدم دستورية نص المادتين (26/ 3) و(28/ 4) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، فيما رصدته من عقوبة السجن المؤبد
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أولا: بعدم قبول الدعوى في شأن الطعن على المادة (28/ 4) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه، لعدم توافر المصلحة، ثانيا: رفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

----------------
المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المدعي ينعي على التقدير العقابي "السجن المؤبد" الوارد بالنصين المطعون عليهما مخالفة أحكام المواد (40، 41، 65) من دستور سنة 1971، الذي أقيمت الدعوى المعروضة في ظل العمل بأحكامه، بمقولة عدم تناسب تلك العقوبة مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، ورصده العقوبة ذاتها لجريمة الحيازة المجردة للسلاح، وجريمة حيازته بقصد الاتجار، حال كون الثانية أشد خطرا على الأمن العام، وذلك على خلاف النهج الذي اتبعه المشرع في قانون مكافحة المخدرات، بالتدرج في شدة العقوبة تبعا للقصد من حيازة المخدر، مجردة كانت أم بقصد التعاطي أو بقصد الاتجار. ومن جانب آخر، رصد المشرع لجريمة حيازة المفرقعات – وهي الأشد خطرا – عقوبة السجن المؤبد أو المشدد، في المادة 102 (أ) من قانون العقوبات، ورصد العقوبة ذاتها لجرائم القتل العمد، والحريق العمد، ووضع النار عمدا في إحدى وسائل الإنتاج بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي، والسطو المسلح، المؤثمة بالمواد (234/ 1، 252، 252 مكررا، 315) من قانون العقوبات. وخلص المدعي من ذلك إلى اختلال فكرة العقوبة في ذهن المشرع، وقيامها على عناصر متنافرة، وانتفاء الصلة بينها وبين الغاية التي توخاها المشرع منها، وهو ما ينال من الحرية الشخصية، ويخل بمبدأ المساواة في المعاملة الجنائية، ويتعارض مع خضوع الدولة للقانون
وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981، وقبل استبدالها بموجب المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، كانت تنص في فقرتها الثالثة على أن "وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان الجاني حائزا أو محرزا، بالذات أو بالواسطة، سلاحا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثاني من الجدول رقم (3)". 
وحيث إن المادة (28) من القانون المشار إليه، بعد استبدالها بالقانون رقم 97 لسنة 1992، تشتمل على ثلاث فقرات، رصد فيها المشرع عقوبات متدرجة في الشدة، بحسب نوع السلاح ومدى خطورته، لكل من يتاجر فيه أو يستورده أو يصنعه أو يصلحه بغير ترخيص. وأفرد الفقرة الثالثة (الأخيرة) من تلك المادة، لأشد هذه الأسلحة خطورة، وهي الأسلحة النارية المششخنة، الواردة بقسمي الجدول رقم (3) المرافق لهذا القانون، وقد جرى نص تلك الفقرة على أن: "وتكون العقوبة السجن المشدد، إذا كان السلاح مما نص عليه في البند (أ) من القسم الأول من الجدول رقم (3)، وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان السلاح مما نص عليه في البند (ب) من القسم الأول، أو في القسم الثاني من الجدول رقم (3)". 
وحيث أن الجدول رقم (3) المرافق للقانون المشار إليه، المستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، نص البند (ب) من القسم الثاني منه على "البنادق المششخنة النصف آلية والآلية سريعة الطلقات". 
وحيث أن "المصلحة الشخصية المباشرة، شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع
وحيث إن النيابة العامة قد أعادت تقديم المدعي للمحاكمة الجنائية، بوصف أنه: 1- اتجر بغير ترخيص في سلاح ناري مششخن "بندقية آلية"، 2- اتجر في ذخائر "عدد 78 طلقة" مما تستعمل في ذلك السلاح، المرصود لأولهما – باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد – عقوبة السجن المؤبد في صدر نص الشطر الثاني من الفقرة الثالثة من المادة (28) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه، فإن الفصل في دستورية التقدير العقابي الوارد بذلك النص، يرتب انعكاسا أكيدا ومباشرا على قدر العقوبة التي يواجه بها المدعي في الدعوى الموضوعية، ومن ثم تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على ذلك النص. ويكون الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى في شأنه على غير سند
وحيث إن محكمة الموضوع بهيئة مغايرة سبق لها - إعمالا للسلطة المخولة لها بموجب المادة (308) من قانون الإجراءات الجنائية – بحكمها الصادر بجلسة 14/ 11/ 2007 قبل إلغائه، أن عدلت الوصف القانوني للفعل المنسوب للمدعي ارتكابه من حيازة السلاح الناري المشار إليه بقصد الاتجار، المعاقب عليه بنص الشطر الثاني من الفقرة الثالثة من المادة (28) من القانون رقم 394 لسنة 1954، إلى الحيازة المجردة لذلك السلاح، المرصود لها – أيضا – عقوبة السجن المؤبد، في صدر نص الفقرة الثالثة من المادة (26) من ذلك القانون. وباعتبار أن واقعة حيازة المتهم لذلك السلاح – أيا كان القصد من حيازته – واردة في أوراق الدعوى الموضوعية، وتحتمل أن تكون حيازة مجردة، فإن المحكمة الدستورية العليا لا تستبعد ذلك عند تقديرها توافر المصلحة في الدعوى المعروضة بالنسبة للنص الأخير، خاصة أن التصريح الصادر من محكمة الموضوع للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، قد شمل نص المادة (26/ 3) من القانون المشار إليه، ومن ثم، تتوافر للمدعي مصلحة شخصية محتملة في الطعن على التقدير العقابي الوارد في صدر نص الفقرة الثالثة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع قاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه يتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها حتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة، وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، دونما إخلال بمبدأ رجعية النص الجنائي الأصلح للمتهم فيما لو توافرت ضوابط إعمال هذا المبدأ. متى كان ذلك، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، بعد استبدالها، ضمن كامل فقرات تلك المادة، بموجب المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، ولئن كان قد أبقى على عقوبة السجن المؤبد لجريمة إحراز أو حيازة سلاح من الأسلحة المنصوص عليها في القسم الثاني من الجدول رقم (3) المرافق للقانون الأول، إلا أنه أضاف لها عقوبة الغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف جنيه، وهو ما يسيء تطبيقه على المركز القانوني للمدعي، الذي نشأ مكتملا قبل هذا الاستبدال، ومن ثم، يظل المدعي خاضعا لحكم الفقرة الثالثة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه قبل الاستبدال الحاصل بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012. ولا يغير من ذلك، أن الفقرة الرابعة من تلك المادة قبل الاستبدال كانت لا تجيز تطبيق المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للعقوبات المنصوص عليها في الفقرات الثلاث السابقة عليها، إذا كان الجاني من الأشخاص المذكورين في البنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذا القانون، ذلك أن المدعي ليس من بين الفئات المشار إليها، ومن ثم لا يسري عليه حكمها
وحيث إنه ولئن كانت مناعي المدعي قد انصبت في مجملها على التقدير العقابي "السجن المؤبد" الوارد في النصين المطعون عليهما، بمقولة اتسامه بالشدة على نحو لا يتناسب مع خطورة الفعل محل التجريم، وكونه أشد بأسا من العقوبات التي رصدها قانون العقوبات لجرائم مماثلة أو أشد خطورة. بيد أنه، لوجود ارتباط لا يقبل الفصل أو التجزئة بين الفعل المؤثم في كل من النصين المطعون عليهما - بالتجريم المطلق لفعل الحيازة أو الإحراز، المجرد أو بقصد الاتجار، لسلاح من الأسلحة المنصوص عليها في القسم الثاني من الجدول رقم (3) المرافق للقانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه – والعقوبة المرصودة في كل منهما "السجن المؤبد" لمن يأتي هذا الفعل، فإنه، وبحكم اللزوم العقلي، يتعذر بحث دستورية ذلك التقدير العقابي في غيبة بحث مدى توافر الضوابط الدستورية لتجريم تلك الأفعال، فيكون مطروحا حكما على هذه المحكمة، ويمتد إليه نطاق الدعوى المعروضة
وحيث إنه في ضوء ما تقدم، يتحدد نطاق الدعوى المعروضة – على النحو الذي يحقق مصلحة المدعي - في فعل التجريم والعقوبة المقيدة للحرية "السجن المؤبد"، الواردة في نص الفقرة الثالثة من المادة (26) – وذلك في مجال انطباقه على غير المخاطبين بأحكام البنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) -، ونص الشطر الثاني من الفقرة الثالثة من المادة (28) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 و97 لسنة 1992، وقبل استبدال النص الأول بموجب المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلا صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. إلا أنه لما كان الدستور القائم ليس له أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر القانون المشتمل على النص المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا النص قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النصين التشريعيين المطعون عليهما، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان نص المادة (28) من قانون الأسلحة والذخائر الصادر بالقانون رقم 394 لسنة 1954، لم يتم استبداله أو إدخال تعديل عليه سوى ما ورد بالقانون رقم 97 لسنة 1992، ولا زال هذا النص ساريا، ومن ثم تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية الشطر الثاني من نص الفقرة الثالثة من تلك المادة - في النطاق السالف تحديده – في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014. أما بشأن المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، بعد تعديلها بموجب القانونين رقمي 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981، فقد جرى استبدالها بموجب المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، إبان العمل بأحكام الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 13/ 2/ 2011 – الذي عطل العمل بأحكام دستور سنة 1971 – والإعلان الدستوري الصادر منه في 30 مارس من العام ذاته، بإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور، ومن ثم، تكون الرقابة على دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954، قبل استبداله بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، في ضوء أحكام الإعلانين الدستوريين المشار إليهما
وحيث إن أحكام الدستور القائم، والإعلانين الدستوريين المشار إليهما، لم تأت بما يخالف ما أورده المدعي بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنصين المطعون عليهما في دستور سنة 1971، ذلك أن المادة (40) بشأن كفالة مبدأ المساواة، والمادة (41) بشأن صون الحرية الشخصية، والمادة (65) بشأن خضوع الدولة للقانون، التي وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها ما ورد بديباجة الإعلان الدستوري الصادر في 13/ 2/ 2011 بأن سيادة القانون من أسس مشروعية الحكم، والمادتين (7، 8) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/ 3/ 2011، والمواد (53، 54، 94/ 2) من الدستور القائم
وحيث إن تجريم المشرع لأي فعل أو امتناع، يرتبط بالضرورة الاجتماعية التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، ذلك أن من المقرر. في قضاء هذه المحكمة أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد، من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم. بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفا للدستور، إلا إذا كان مجاوزا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. ومن ثم، يتعين على المشرع دوما إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى. ويتعين على المشرع أيضا أن يقوم بصياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة، محددة، بلا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها. وتلك ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيا لها، بل اتساقا معها ونزولا عليها
وحيث كان ما تقدم، وكان الفعل المنهي عن ارتكابه بموجب النصين المطعون عليهما – في النطاق السالف تحديده – من الجرائم العمدية، ويتمثل في الحيازة أو الإحراز، المجرد أو بقصد الاتجار، لسلاح من الأسلحة المنصوص عليها في القسم الثاني من الجدول رقم (3) المرافق للقانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، بعد استبدال ذلك الجدول بموجب قرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995. وتلك النوعية من الأسلحة النارية محظور الترخيص فيها بأي حال، وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة رقم (1) من ذلك القانون. وقد أفصحت المذكرات الإيضاحية للقانون رقم 394 لسنة 1954، وتعديلاته، وتقرير اللجنة المختصة بمجلس الشعب، عن الضرورة الداعية لهذا الحظر المطلق، وتجريم حيازة أو إحراز تلك النوعية من الأسلحة، لخطورتها الشديدة وطبيعتها الهجومية التي تتعارض مع الغرض الذي من أجله أجاز المشرع الترخيص في حيازة وإحراز الأسلحة النارية بقصد الدفاع عن النفس والمال. وأن الحوادث والجرائم التي وقعت بالبلاد قد كشفت عن أن الأسلحة النارية الحديثة، وبعضها بعيد المدى سريع الطلقات، قد صارت في متناول أيدي العابثين بالأمن العام والنظام، وتبلورت في الظلام جماعات اتخذت من السلاح وسيلة لخلق جو من الإرهاب يعينها على تحقيق أغراضها غير المشروعة، وتفشي موجة من العنف والإرهاب تسللت إلى المجتمع المصري عن طريق فئة منحرفة سيطرت عليها نزاعات إجرامية جامحة، دفعتها إلى الإخلال بالأمن، والخروج على القانون، وإهدار دم الأبرياء وأموالهم، ومقاومة سلطات الأمن، في محاولة غاشمة لضرب الاستقرار وتدمير كيان المجتمع، فكان لزاما مواجهة هذا الخطر الداهم الذي أصبح يهدد مستقبل الوطن وإنقاذ البلاد من هذا الإرهاب الدموي الجامح، حتى يعود للبلاد أمنها واستقرارها. متى كان ذلك، وكانت الاعتبارات التي ارتكن إليها المشرع لحظر الترخيص في هذه النوعية من الأسلحة مبررة وكافية للتجريم المطلق لفعل حيازتها أو إحرازها، المجرد أو بقصد الاتجار، حماية لمصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره، ومتوافقة مع الهدف من التجريم، الذي لم تعد غايته قاصرة على مجرد إنزال العقوبة بالجاني، تحقيقا للردع الخاص، وإنما منع غيره من مجارته في ارتكاب الجرم ذاته، بما يكفل تحقيق الردع العام، ويؤدي إلى منع وقوع الجريمة ابتداء. ومن جانب آخر، فقد جاءت صياغة النصين المطعون فيهما محددة للأفعال المؤثمة بصورة قطعية يقينية واضحة لا خفاء فيها أو غموض، بما يحول دون التباسها أو التجهيل بها، مع تحديد ضوابط تطبيقها تحديدا جازما، ليكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها، ويقدرون سلوكهم في الانصياع لها أو مخالفة أحكامها، فضلا عن تكريسهما شخصية العقوبة، فلا يسأل عن الجريمة سوى من قارفها بالفعل، فالإثم فيها شخصي لا يقبل الاستنابة، ولتتولى سلطة الاتهام إثبات إتيان المتهم للجريمة بأركانها، وأدلتها اليقينية على ذلك، ليواجهها المتهم تفنيدا وردا في إطار حقه في الدفاع. وذلك كله يتوافق وأحكام المواد (66، 67، 68، 69) من دستور سنة 1971، المقابلة للمواد (19، 20، 21، 22) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30 مارس سنة 2011، والمواد (95، 96، 97، 98) من الدستور الحالي. ومن جماع ما تقدم، يتوافر في الفعل محل التجريم الوارد في النصين المطعون عليهما كافة الضوابط الدستورية للتجريم، على نحو يجعله متفقا وأحكام الدستور
وحيث إن ما نعاه المدعي على التقدير العقابي "السجن المؤبد" الوارد في النصين المطعون عليهما، باتسامه بالغلو والإفراط، لعدم تناسبه مع خطورة الفعل المجرم، فضلا عن رصد العقوبة ذاتها لكل من جريمة الحيازة أو الإحراز المجرد لتلك الأسلحة، وجريمة حيازتها أو إحرازها بقصد الاتجار، حال كون الثانية أشد خطرا، وذلك على خلاف النهج الذي اتبعه المشرع في قانون مكافحة المخدرات، بالتدرج في شدة العقوبة تبعا للقصد من حيازة المخدر. وكون تلك العقوبة أشد قسوة من العقوبات التي رصدها المشرع في قانون العقوبات لجرائم مماثلة أو أشد خطورة. فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرعية الجزاء عموما، مناطها أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها. وأن شخصية العقوبة، وتناسبها مع الجريمة محلها، مرتبطان بمن يكون قانونا مسئولا عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء موافقا لخيارته بشأنها
وحيث إنه من المقرر – أيضا – في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، بتناسبها مع خطورة الفعل المجرم، فلا يكون التدخل بالعقوبة إلا بقدر، نائيا بها عن أن تكون إيلاما غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة. فضلا عن أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم أنماطا ثابتة، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها. بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، ذلك أن مشروعية العقوبة، من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج وتجزئتها، تقديرا لها، في الحدود المقررة قانونا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرا لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها
وحيث إن المواد (94/ 2، 184، 186) من الدستور القائم - التي تردد حكمها في المواد (65، 165، 166) من دستور سنة 1971، وديباجة الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 13/ 2/ 2011، والمادتين (46، 47) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/ 3/ 2011 – إذ نصت على أن "وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات"، فقد دلت على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها – وأيا كانت طبيعة سلطتها – بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هي التي يتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، وفيها يكون تنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهي ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته، لتصبح القاعدة القانونية محورا لكل تنظيم، وحدا لكل سلطة، ورادعا ضد كل عدوان، ومن المقرر أيضا في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ خضوع الدولة للقانون، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية، ومن بينها ألا يكون الجزاء – جنائيا كان أو تأديبيا أو مدنيا – مفرطا، بل يتعين أن يكون متناسبا مع الفعل المؤثم ومتدرجا بقدر خطورته
وحيث كان ذلك، وكانت العقوبة التي رصدها المشرع في كل من النصين المطعون عليهما - في النطاق السالف تحديده - هي السجن المؤبد، سواء كانت الحيازة أو الإحراز لسلاح من تلك الأسلحة مجردة أو بقصد الاتجار، ما يجعلها من العقوبات المقررة للجنايات، وهي عقوبة تتناسب – وعلى ما سلف ذكره - مع خطورة تلك الأسلحة، ومدى ما يمثله حيازتها أو إحرازها من تهديد للأمن العام، وحق كل إنسان في حياة آمنة، خاصة بعد أن اتخذها بعض معتادي الإجرام وسيلة لتحقيق مآربهم غير المشروعة، وتسلحت بها الجماعات الإرهابية لفرض نفوذها، ومحاولة بسط هيمنتها على مؤسسات الدولة، يعينها على ذلك الطبيعة الهجومية لتلك النوعية من الأسلحة، والتي تتعارض مع الغرض الذي من أجله أجاز المشرع الترخيص بحيازة غيرها من الأسلحة النارية، للدفاع عن النفس والمال، ونهيه المطلق، بموجب نص الفقرة الثانية من المادة (1) من القانون رقم 394 لسنة 1954، الترخيص في الأسلحة المنصوص عليها في القسم الثاني من الجدول رقم (3) المرافق لذلك القانون
وحيث إن النصين المطعون عليهما، وإن رصدا عقوبة ذات حد واحد، هي السجن المؤبد، إلا أنهما في مجال انطباق كل منهما على الجاني لم يمنعا القاضي من استعمال الرأفة في أي من تلك الجنايتين، بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملا بنص المادة (17) من قانون العقوبات، لينزل بعقوبة السجن المؤبد إلى عقوبة السجن المشدد، أو السجن، الذي لا يجوز أن تنقص مدته - وفقا لنص المادة (16) من قانون العقوبات - عن ثلاث سنين، وهو ما يتحقق به كفالة سلطة القاضي في تفريد العقوبة، بحسب أحوال الجريمة المقام عنها كل دعوى، والتدرج بها بمراعاة الخطورة الإجرامية للجاني
وحيث كان ما تقدم، فإن النصين المطعون فيهما لا يكونان قد خالفا أحكام المواد (54، 94/ 2، 95، 97) من الدستور القائم، المقابلة للمواد (41، 65، 66، 68) من دستور سنة 1971، وديباجة الإعلان الدستوري الصادر في 13/ 2/ 2011، والمواد (8، 19، 20) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/ 3/ 2011
وحيث أن ما نسبه المدعي للعقوبة المرصودة في النصين المطعون عليهما، بمخالفة مبدأ المساواة، لعدم اتساقها مع خطورة الفعل المجرم، بين جريمة الحيازة أو الإحراز المجرد للسلاح، وجريمة الاتجار فيه من جانب، بما كان يستتبع التدرج في العقوبة، على نحو ما انتهجه المشرع في قانون مكافحة المخدرات. ومن جانب آخر، عدم اتساقها وعقوبة "السجن المؤبد أو المشدد" التي رصدها المشرع في المادة 102 (أ) من قانون العقوبات لجريمة إحراز المفرقعات، رغم أنها أشد خطورة، والأمر ذاته في جرائم أخرى جرمها المشرع في ذلك القانون. فإن هذا النعي، بأوجهه المختلفة، مردود
أولا: الجرائم تتنوع تبعا لوزن الضرورة الاجتماعية الواجب حمايتها، وما يقتضيه ذلك من وجوب تناسب الجزاء الجنائي مع خطورة الأفعال التي أتمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها، ولذا يختلف الجزاء الجنائي المرصود لكل جريمة عن الأخرى تبعا لاختلاف الضرورة الاجتماعية الواجب حمايتها، والحق الذي يقع عليه الاعتداء أو يتهدده
ثانيا : أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية القوانين واللوائح، مناطها قيام تعارض بين نص قانوني وحكم في الدستور، ولا شأن لها بالتناقض الذي قد يحدث بين نصين قانونيين، سواء جمعهما قانون واحد، أم تفرقا بين قانونين مختلفين
ثالثا: رصد المشرع عقوبة السجن المؤبد لكل من جريمة الحيازة أو الإحراز المجرد لتلك النوعية من الأسلحة، وجريمة الاتجار فيها، يرجع لخطورة تلك الأسلحة، والتي لا يجوز الترخيص فيها بأي حال، فضلا عن أنه إذا كان الهدف من الاتجار فيها، ببيعها للساعين لاقتنائها، هو تحقيق مكاسب مالية، فإن هذا الفعل لا يزيد خطورة عن فعل حيازتها أو إحرازها المجرد، ذلك أنه فوق كونه يعد فعلا مصادما لأحكام القانون، فإن الهدف منه يكون دوما استعمالها في ارتكاب جرائم شديدة الخطورة. وكلا الفعلين يضر بالأمن العام ويهدد استقرار وسلامة المجتمع. ومن ثم كان مواجهتهما بتلك العقوبة مواكبا للغاية من التجريم، لردع من يقدم على اقتراف أيهما، ومنع غيره من مجاراته في ارتكاب الجرم ذاته، بما يحقق الردع العام، ويؤدي إلى منع ارتكاب أي من الجريمتين ابتداء
رابعا: شدة العقوبة المرصودة للجريمتين الواردتين في النصين المطعون عليهما، عن تلك المرصودة في المادة 102 (أ) من قانون العقوبات لحيازة المفرقعات، يرجع لكون تلك الأخيرة يجوز الترخيص بحيازتها، حال أن حيازة الأسلحة النارية المشار إليها، لا يجوز الترخيص فيها إطلاقا
وحيث كان ذلك، وكان النصان المطعون فيهما لا يعدوان أن يكونا جزءا من التنظيم المتكامل لحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار فيها – أو تصنيعها أو استيرادها أو إصلاحها -، وقد تقرر هذا التنظيم لأغراض مشروعة، تتمثل في صون الأمن والنظام العام – على ما تضمنته تفصيلا الأعمال التحضيرية للقانون رقم 394 لسنة 1954 وتعديلاته - ووفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا منهيا عنه بين المخاطبين بأحكامه، فإن قالة إخلال النصين المطعون فيهما بمبدأ المساواة لا يكون له محل
وحيث إنه من جماع ما تقدم، وكان النصان المطعون عليهما لا يخالفان أي حكم آخر في الدستور، الأمر الذي تقضي معه المحكمة برفض الدعوى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق