الصفحات

السبت، 4 نوفمبر 2017

الطعن 7028 لسنة 64 ق جلسة 7 / 3 / 1996 مكتب فني 47 ق 47 ص 326

جلسة 7 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجي ومجدي الجندي ووفيق الدهشان وإبراهيم الهنيدي نواب رئيس المحكمة.

-----------------

(47)
الطعن رقم 7028 لسنة 64 القضائية

(1) إحالة. ضرب "أفضى إلى موت" بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قرار الإحالة. إجراء سابق على المحاكمة. الطعن ببطلانه لأول مرة أمام النقض. غير مقبول.
(2) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات "شهود".
النعي على المحكمة قعودها عن سماع شاهدين لم يطلب سماعهما. غير مقبول.
مثال.
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة. أو ضمناً.
(4) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
قرار المحكمة بتأجيل الدعوى لإعلان الشهود. تحضيري. لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب العمل على تنفيذه.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
(7) إثبات "شهود" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت. حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة. دون بيان العلة في ذلك أو تحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى.
(9) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". محكمة الموضوع "سلطتها تقدير الدليل".
تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم. لا يعيب الحكم. متى كانت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز. أمام النقض.
(10) إثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(11) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. كفاية أن يكون ثبوتها عن طريق الاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
(12) استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام".
لمحكمة الموضوع التعويل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز. أمام النقض.
(13) إثبات "بوجه عام". "شهود". حكم "حجيته" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
البيان المعول عليه في الحكم. هو الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي. دون غيره.
مثال.
(14) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "شهود". ضرب "أفضى إلى موت". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عقيدة المحكمة. قيامها على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني.
مثال.
(15) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة الإعراض عن قالة شهود النفي. ما دامت لم تثق بما شهدوا به. إشارتها إلى أقوالهم. غير لازم. ما دامت لم تستند إليها. قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها. دلالته عدم اطمئنانها لأقوالهم فأطرحتها.
(16) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بالرد صراحة على كل جزئية من دفاع المتهم الموضوعي استفادة الرد عليه ضمناً من أدلة الثبوت.

-----------------
1 - لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافعين عنه لم يثر شيئاً بشأن عدم إعلانه بأمر الإحالة. وكان هذا الإجراء سابقاً على المحاكمة فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام لم يدفع به أمام محكمة الموضوع.
2 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن الطاعن حضرها بمحاميين ترافعا بعد سماع شهادة بعض الشهود وطلبا الحكم ببراءة الطاعن ولم يكن لأيهما طلب آخر، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماع شاهدين بَّينهما.
3 - من المقرر أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً.
4 - من المقرر أن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
6 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة محكمة النقض.
7 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
8 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة دون بيان العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها.
9 - لما كان التناقض في أقوال الشهود أو تضاربهم في أقوالهم بفرض حصوله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الشأن في الدعوى الماثلة - وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
11 - لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
12 - لما كان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعويله على تقرير الصفة التشريحية وتحريات الشرطة رغم قصورهما عن التدليل على مقارفته لما أدين به ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض.
13 - لما كان البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، فإن تزيد الحكم فيما أورده في تحصيله واقعة الدعوى من استحالة العشرة بين المجني عليها والمتهم... وأنه أضمر في نفسه شراً لها وهو قول خارج عن سياق تدليله على ثبوت تهمة إحداثه عمداً إصابات المجني عليها التي أودت بحياتها - لا يمس منطقه والنتيجة التي انتهت إليها ما دام قد أقام قضاءه على أسباب صحيحة غير متناقضة كافية بذاتها لحمله، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص في غير محله.
14 - لما كان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني فإنه لا يضير الحكم أن يورد في بيان واقعة الدعوى أن الطاعن أشعل النار بجسد المجني عليها بولاعة ثم يورد على لسان المجني عليها وباقي الشهود أنه أشعل النار بملابسها لأن المشترك بين التعبيرين واحد هو أن الطاعن قصد إصابة المجني عليها، وهو ما عبرت عنه المجني عليها فيما أورده الحكم بأقوالها من أن الطاعن "كان يقصد إصابتها بحرق بسيط فقط".
15 - من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن قضاءها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى أقوالهم فأطرحتها.
16 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على كل جزئية من دفاع المتهم الموضوعي لأن الرد مستفاد ضمناً من قضائها بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه جرح عمداً...... بأن أشعل النيران بملابسها على النحو المبين بالأوراق فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق والتي أودت بحياتها ولم يكن يقصد من ذلك قتلاً ولكن الجرح أفضى إلى موتها وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعى..... والد المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الجرح المفضي إلى الموت قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والتناقض ومخالفة الثابت في الأوراق والخطأ في الإسناد وانطوى على إخلال بحق الدفاع ذلك أنه لم يعلن بأمر الإحالة، ولم تستمع المحكمة إلى شاهدي الإثبات مساعد الشرطة...... والدكتور/ .....، رغم تأجيلها نظر الدعوى من قبل لسماعهما، ولم تبين سبب عدولها، وعّول الحكم في إدانته على أقوال المجني عليها رغم تناقضها إذ قررت أنه أشعل بها النار ثم عادت وقررت أنه هو الذي أطفأها ونقلها إلى المستشفى وتناقض أقوالها مع ما ورد بتقرير الصفة التشريحية الذي أورى أنه منطقة البطن ليس بها آثار حروق مع أنها قررت أنه أشعل النار بوسط قميصها، وعلى أقوال والدها مع أنه لم يشاهد شيئاً وعلى أقوال أمها رغم ما قررته بالمحضر المؤرخ 21/ 11/ 1992 من أن ابنتها أبلغتها أن زوجها كان يحاول إطفاءها وليس هو الذي أشعل النار بها، وعلى التحريات مع أنها لم تقطع بأنه هو مرتكب الحادث وعلى تقرير الصفة التشريحية دون أن يورد منه بيان كيفية حدوث إصابات المجني عليها ودون أن يقطع التقرير بإمكان حصول الواقعة كما قررتها المجني عليها بشكل مؤكد، وإيراده أن المجني عليها تعاني من مرض صدري مزمن أدى إلى هزال فيجوز أن تكون الوفاة بسببه، كما لم يبين الحكم رابطة السببية بين جروح المجني عليها والوفاة التي لم يقطع بسببها، وأورد الحكم في تحصيله واقعة الدعوى ما يفيد استحالة العشرة بينه وبين المجني عليها وما يفيد أنه أضمر لها شراً وأشعل النار في جسدها بقداحة بغير سند من الأوراق وعلى خلاف ما قررته المجني عليها من أن النار اشتعلت بملابسها وهو قول لا يفيد إشعال النار بجسدها، والتفت الحكم عن دفاعه بأن خلافاته السابقة مع المجني عليها هو سبب اتهامه بارتكاب الحادث الذي يرجع في حقيقته إلى القضاء والقدر نتيجة انفجار موقد الغاز وهو ما تأيد بأقوال الشاهدين.... و ....... ولم يورده أو يرد عليه، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافعين عنه لم يثر شيئاً بشأن عدم إعلانه بأمر الإحالة. وكان هذا الإجراء سابقاً على المحاكمة فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام لم يدفع به أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن الطاعن حضرها بمحاميين ترافعا بعد سماع شهادة بعض الشهود وطلبا الحكم ببراءة الطاعن ولم يكن لأيهما طلب آخر، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماع شاهدين بينَّهما، لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله، ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة هي التي قررت من تلقاء نفسها التأجيل لإعلان الشاهدين ثم عدلت عن قرارها، ذلك لأن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة محكمة النقض، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة دون بيان العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع التدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل فيها، وكان التناقض في أقوال الشهود أو تضاربهم في أقوالهم بفرض حصوله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الشأن في الدعوى الماثلة - وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعويله على تقرير الصفة التشريحية وتحريات الشرطة رغم قصورهما عن التدليل على مقارفته لما أدين به ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليها التي أورد تفصيلها من تقرير الصفة التشريحية وبين وفاتها في قوله "وأن السببية قد قامت ونهضت فيما بين الفعل وهو إشعال النار والنتيجة وهي الوفاة وقد قطع في خصوص ذلك تقرير الصفة التشريحية بما يوفر في حق المتهم ارتكابه فعلاً عمدياً ارتبط بوفاة المجني عليها ارتباط السبب بالمسبب لأنه لولا فعل إشعال النار بالمجني عليها لما حدثت تلك الإصابات والتي أودت بحياتها بما يوفر إثبات علاقة السببية" فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، فإن تزيد الحكم فيما أورده في تحصيله واقعة الدعوى من استحالة العشرة بين المجني عليها والمتهم...... وأنه أضمر في نفسه شراً لها وهو قول خارج عن سياق تدليله على ثبوت تهمة إحداثه عمداً إصابات المجني عليها التي أودت بحياتها - لا يمس منطقه والنتيجة التي انتهت إليها ما دام قد أقام قضاءه على أسباب صحيحة غير متناقضة كافية بذاتها لحمله، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني فإنه لا يضير الحكم أن يورد في بيان واقعة الدعوى أن الطاعن أشعل النار بجسد المجني عليها بولاعة ثم يورد على لسان المجني عليها وباقي الشهود أنه أشعل النار بملابسها لأن المشترك بين التعبيرين واحد هو أن الطاعن قصد إصابة المجني عليها - وهو ما عبرت عنه المجني عليها فيما أورده الحكم بأقوالها من أن الطاعن "وكان يقصد إصابتها بحرق بسيط فقط". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن قضاءها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى أقوالهم فأطرحتها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على كل جزئية من دفاع المتهم الموضوعي لأن الرد مستفاد ضمناً من قضائها بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق