الصفحات

الأربعاء، 19 يوليو 2017

للمحكمة الدستورية العليا قوامة ذاتية تتفرد بها عن سلطتي القضاء والهيئتين القضائيتين الأخريين

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من فبراير سنة 2015م، الموافق الخامس من جمادى الأول سنة 1436 ه.
برئاسة السيد المستشار / عبدالوهاب عبدالرازق      نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور حنفى على جبالى ومحمد عبدالعزيز الشناوى والسيد عبدالمنعم حشيش ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر                                            نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم               رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع                       أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 37 قضائية " طلبات أعضاء " .
المقامة من
1 -  السيد المستشار د . / محمد عماد عبد الحميد النجار
2 -  السيد المستشار د . / عبد العزيز محمد سالمان
3 -  السيد المستشار د . / طارق عبد الجواد شبل
4 -  السيد المستشار / طارق عبد العليم السيد أبو العطا
5 -  السيد المستشار د . / عماد طارق البشرى
6 -  السيدة المستشار / شيرين حافظ موسى فرهود
7 -  السيد المستشار / طارق عبد المطلب محمد البحيرى
8 -  السيد المستشار / عوض عبد الحميد عبد الله على
9 -  السيد المستشار د ./ طارق محمد عبد القادر عبد الله
10-  السيد المستشار د ./ حسام فرحات أبو يوسف

ضد
1 -  السيد المستشار / كريم سيد محمد السودانى
2 -  السيد المستشار / مكرم سيد محمد السودانى
3 -  السيد المستشار / جمال سعيد محمد محمد
4 -  السيد المستشار / مصطفى يحيى حامد الرشيدى
5 -  السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا
الإجراءات
بتاريخ الثامن من شهر يناير سنة 2015، أودع المستشارون الطالبون الرؤساء بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، صحيفة الطلب الماثل، طالبين فى ختامها الحكم أولاً : بقبول الطلب شكلاً . ثانيًا : بصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة النقض بتاريخ 23/12/2014 فى الطعن رقم 383 لسنة 84 ق. رجال القضاء، ثالثًا : فى الموضوع بعدم الاعتداد بهذا الحكم .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، خلصت فيهما إلى تفويض المحكمة الدستورية العليا إعمال صحيح القانون فى الأمر .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى عليهم من الأول إلى الرابع وآخرين، استصدروا حكمًا من محكمة استئناف القاهرة " دائرة طلبات رجال القضاء " فى الدعوى رقم 2984 لسنة 129 ق، بأحقيتهم فى صرف المخصصات المالية ، أيًا كان مسماها، التى تصرف لأقرانهم بالمحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها المتماثلين معهم فى الدرجة الوظيفية وفى الأقدمية ، وبإلزام المدعى عليهم، عدا رئيس المحكمة الدستورية العليا، بأن يؤدوا للمدعين والمتدخلين الفروق المالية المستحقة بموجب هذا الحكم لخمس سنوات سابقة على تاريخ رفع الدعوى ، وبمراعاة تاريخ بدء الاستحقاق . وإذ تعذر على المدعى عليهم من الأول إلى الرابع تنفيذ الحكم بقالة امتناع السيد المستشار المدعى عليه الأخير تقديم بيان بما يتقاضاه والسادة أعضاء المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها من رواتب وما يحصلون عليه من مزايا مالية وعينية ، فقد أقام المدعى عليهم سالفي البيان الدعوى رقم 245 لسنة 131 ق أمام محكمة استئناف القاهرة " دائرة طلبات رجال القضاء " ضد السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا بطلب إلزامه بتقديم بيان رسمي عن كافة ما يتقاضاه والسادة المستشارين نوابه وأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة ، من راتب أساسي ، وما ارتبط به من بدلات وحوافز، وكافة المزايا العينية التي يتم الحصول عليها أو قيمتها المالية . قضت المحكمة بجلسة 14/6/2014 برفض الدعوى ، فأقام المدعى عليهم من الأول حتى الرابع الطعن رقم 383 لسنة 84 ق أمام محكمة النقض " دائرة طعون رجال القضاء " بطلب إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء لهم بطلباتهم المار ذكرها . وبجلسة 23/12/2014 نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه وحكمت فى موضوع الدعوى رقم 245 لسنة 131 ق. استئناف القاهرة " دائرة طلبات رجال القضاء " بالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2984 لسنة 129ق " استئناف القاهرة " بتاريخ 27/2/2013، وبإلزام المدعى عليه بصفته بتقديم بيان رسمى عن كافة ما يتقاضاه السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا والسادة المستشارون نوابه وأعضاء هيئة المفوضين بها من راتب أساسي وما ارتبط به من بدلات وحوافز، وكذا البدلات – أيًا كان مسماها – غير المرتبطة بالراتب الأساسي ، بدل عدم جواز الندب أو غيره، وكافة المزايا العينية التى تم الحصول عليها أو قيمتها المالية .
وحيث إن الطالبين ذهبوا إلى أنه وفقًا لنص المادة (24) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، تسرى فى شأن المنازعات المتعلقة بمرتباتهم ومكافآتهم ومعاشاتهم، هم وسائر المستحقين عنهم، الأحكام المقررة بالنسبة لأعضاء المحكمة . لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة النقض فى الطعن رقم 383 لسنة 84 القضائية " دائرة طعون رجال القضاء " فى مواجهة السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا، بإلزامه بتقديم بيان رسمى عن كافة ما يتقاضاه سيادته والسادة المستشارون نوابه ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة من راتب وبدلات ومزايا عينية يتعلق بشئونهم، ومن ثم تتوافر لهم مصلحة مباشرة فى إقامة الطلب الماثل .
وحيث إن الطالبين ينعون على حكم محكمة النقض سالف الذكر، صدوره فى غير ولاية المحكمة المذكورة لتعلقه برواتب وحوافز وبدلات وغيرها من المزايا العينية للسيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا والسادة المستشارون نوابه ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين، ومن ثم فإنه إعمالاً للمواد (185 و191 و192) من الدستور والمادة (16) من قانون المحكمة الدستورية العليا آنف البيان، تختص المحكمة الدستورية العليا – وحدها دون غيرها – بالفصل فى أى نزاع متعلق بهم، ولا ينال من ذلك ما يثار بشأن صيرورة الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة فى الدعوى رقم 2984 لسنة 129 ق " دائرة طلبات رجال القضاء " باتًا، إذ يشترط لقيام حجية الأمر المقضى أن يصدر الحكم المحاج به، فى حدود الولاية القضائية للجهة التى تتبعها المحكمة التى أصدرته، وبذلك يفتقد حكم محكمة النقض الحجية أمام المحكمة الدستورية العليا صاحبة الاختصاص فى هذا الشأن، وفضلاً عما تقدم، فقد أفرد المشرع الدستورى للمحكمة الدستورية العليا فصلاً مستقلاً فى الدستور خاصًا بها، ولم يدرجها بالفصل الثالث الخاص بالسلطة القضائية ، مراعيًا فى ذلك قوة إلزام أحكامها فى الدعاوى الدستورية ، وقراراتها بتفسير النصوص التشريعية لجميع سلطات الدولة بما فى ذلك السلطة القضائية ، كما أناط الدستور بالمحكمة الدستورية العليا ولاية الفصل فيما قد يثور من تنازع على الاختصاص بين أكثر من جهة قضائية ، وما قد يقع من تعارض بين حكمين نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين، بما يتجلى منه استقلالها عن كلتيهما، ورغم النص فى المادة (185) من الدستور على أن لكل جهة أو هيئة قضائية موازنة مستقلة ، إلا أن المشرع الدستورى تأكيدًا منه على استقلالية المحكمة عن بقية الجهات والهيئات القضائية نص فى المادة (191) من الدستور على أن تكون موازنة المحكمة الدستورية العليا مستقلة وتدرج فى الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا بعد مناقشتها فى مجلس النواب، ودون أن يحيل فى هذا الشأن إلى النص الوارد بالأحكام العامة للسلطة القضائية .
وخلص الطالبون إلى أنه بفرض سريان المادة (186) من الدستور الخاصة بمساواة القضاة فى الحقوق والواجبات على أعضاء المحكمة الدستورية العليا، فإن تلك الحقوق ليس من بينها الحقوق المالية طبقًا لما سبق بيانه من استقلالية موازنة المحكمة الدستورية العليا .
وبتاريخ 26 يناير 2015، أودع السيد القاضى المدعى عليه الثانى مذكرة دفع فيها : 1- بعدم قبول الطلب لرفعه من غير ذى صفة أو مصلحة . 2- عدم اختصاص دائرة طلبات أعضاء المحكمة الدستورية العليا بنظر الطلب . 3- انعدام الخصومة لعدم إعلان باقى المدعى عليهم . وطلب إدخال جميع السادة المستشارون أعضاء المحكمة الدستورية العليا ومن لم يتم اختصامه من هيئة المفوضين بالمحكمة خصومًا فى الدعوى ، مع التمسك بحقه فى المطالبة بالتعويض المناسب ضد الطالبين عن إساءة استعمال حق التقاضى ، وسرعة الفصل فى الطعن رقم 124 لسنة 30 قضائية " دستورية " المتعلق بتبعية التفتيش القضائي للسيد وزير العدل دون مجلس القضاء الأعلى ، وعلى سبيل الاحتياط رفض الدعوى .
وبجلسة 27 يناير سنة 2015، مثل السيد المستشار الدكتور / طارق عبدالجواد شبل عن نفسه وبصفته عن باقي السادة المستشارين المدعين، بتفويض أرفق بالأوراق، وطلب قصر الخصومة على من تم إعلانه من المدعى عليهم إعلانًا قانونيًا صحيحًا، كما مثل السيد القاضي / مكرم سيد محمد السوداني المدعى عليه الثاني بشخصه، وصمم على طلباته المبداة بمذكرته سالفة الذكر، وتمسك برفض طلب قصر الخصومة ، وتدخل معه كل من السادة قضاة محاكم الاستئناف / محمود محمد عبداللطيف، ومحمد صلاح الدين محمود، وأحمد محمد محب محمود ومعهم السيد القاضي رئيس المحكمة من الفئة (أ) بمحكمة قنا الابتدائية حمد على أحمد طلبة ، وجميعهم انضموا للسيد القاضي المدعى عليه الثانى فى كافة طلباته . وبالجلسة ذاتها اطلعت المحكمة على أوراق إعلان المدعى عليهم الأربعة الأوّل، وتحققت من عدم إعلان المدعى عليهم الأول والثالث والرابع سواء لشخصه أو فى موطنه على النحو الذى انتظمته المادتان (10، 11) من قانون المرافعات .
وبجلسة 10/2/2015، قدم السيد القاضى المدعى عليه الثانى حافظة مستندات اشتملت على كتاب مرسل بتاريخ 17/3/2012 من السيد المستشار نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس المكتب الفنى إلى السيد المستشار نائب رئيس هيئة قضايا الدولة ، مرفقًا به مذكرة هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، ردًا على كتاب السيد المحاسب رئيس الإدارة المركزية لموازنة الجهاز الإداري ، ويرى السيد القاضى المدعى عليه الثانى أن هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا سبق وأن أبدت الرأي القانوني فى الدعوى الراهنة ومن ثم يمتنع عليها إعداد التقرير فى الدعوى ، وأن مذكرة هيئة المفوضين تعبر عن رأى المحكمة فى الطعنين رقمى 8578 لسنة 58 ق.ع، 8197 لسنة 58 ق.ع أمام المحكمة الإدارية العليا، وبأن دفاعها المقدم فى دعوى أخرى تعبيرًا عن رأى قانونى للمحكمة وليس حكمًا مستقرًا، مما يجعل المحكمة قانونًا غير صالحة للحكم فى الدعوى الماثلة ، لسابقة إبداء رأيها فى النزاع المطروح عليها .
وبتاريخى 16، 19/2/2015، قدم السيد القاضى المدعى عليه الثانى مذكرتين، تمسك فى الأولى بدفوعه السابق بيانها، وطلب إعادة الدعوى للمرافعة لإدخال باقى أعضاء هيئة المفوضين خصومًا فيها، أما الثانية فقد قدمت بعد الميعاد .
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص دائرة طلبات أعضاء المحكمة الدستورية العليا بنظر الطلب الماثل، لعدم تعلقه بحق موضوعي أو إجرائي لأحد أعضاء المحكمة أو هيئة المفوضين بها، فمردود أولاً، بأن ما يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فى هذا الطلب، هو استطالة منطوق الحكم المطلوب عدم الاعتداد به، وأسبابه المكملة لمنطوقه إلى أمر يتعلق بشئون أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، وهو إلزام السيد المستشار المدعى عليه الأخير بصفته بتقديم بيان رسمى بالمستحقات المالية للسيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابه ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها الناشئة عن روابطهم الوظيفية بالمحكمة أيًا كان مسماها أو طبيعتها، باعتبار ذلك أمر تختص به المحكمة الدستورية العليا على سبيل التفرد، إعما لاً لحكم المادة (192) من الدستور التى تنص على أن : " تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية ، والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها.... " وأيضًا ما جاء بالمادة (16) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 من أنه" تختص المحكمة دون غيرها بالفصل فى الطلبات الخاصة بالمرتبات والمكافآت والمعاشات بالنسبة لأعضاء المحكمة أو المستحقين عنهم ........ ". ومردود ثانيًا، بأن ولاية دائرة طلبات أعضاء المحكمة الدستورية العليا تستند إلى النص الدستورى سالف البيان، وهو ذاتى التطبيق، أتت عبارته فى شأن الاختصاص الحصري المعقود لهذه المحكمة بشئون أعضائها – مراعاة لأوضاعهم الوظيفية – على نحو من العموم، يمتنع معه التخصيص أو مشاركة غيرها من جهات القضاء التى لها ولاية الفصل فى مثل هذه الطلبات بانتحال أى تكييف قانونى ، أو التذرع بأى سند تشريعي للتحلل من نص الدستور المذكور سلفًا . ومردود ثالثًا، بأن اختصاص هذه المحكمة بالفصل فى الطلب المعروض، يتحدد نطاقه فيما طلبه المدعون التقرير بعدم الاعتداد بحكم محكمة النقض " دائرة طلبات رجال القضاء " السابق بيانه، وهو أمر ينعقد الاختصاص بالفصل فيه لهذه المحكمة بحكم ولايتها العامة بالفصل فى الطلبات التى تتصل بشئون أعضائها وهيئة المفوضين بها .
وحيث إنه عن الدفع بانعدام الخصومة لعدم إعلان باقى المدعى عليهم، نظرًا لأن الحكم محل الدعوى لا يقبل التجزئة بين من صدر لصالحهم، فإنه مردود بأن الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا التى تصدر فى كافة ما نيط بها دستوريًا من اختصاصات، ومنها الفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وإلزام هذه الأحكام للكافة وجميع سلطات الدولة بمقتضى المادة (195) من الدستور، يوفر للمدعين خيار قصر خصومتهم على من استوفى الشروط القانونية لانعقادها قبله، دون اختصام من يشاركه مركزه القانونى فى الخصومة ذاتها، مأخوذًا فى الاعتبار الحجية المقررة للحكم الصادر فيها، التى تمتد لمن خوصم ومن لم تتم مخاصمته من ذوى المراكز القانونية المتماثلة ، ومن ثم يضحى الدفع والتمسك برفض طلب قصر الخصومة لا سند له من القانون، متعينًا الالتفات عنه .
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الطلب لرفعه من غير ذى صفة أو مصلحة ، كون الحكم المطلوب القضاء بعدم الاعتداد به، لم يمس أي حق موضوعي أو إجرائي لأعضاء المحكمة وهيئة المفوضين بها، فمردود أولاً : بأن ذلك الحكم ألزم السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا بتقديم بيان رسمي عن كافة ما يتقاضاه المدعون فى الطلب الماثل – بصفتهم رؤساء بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا – من مستحقات مالية نقدية كانت أو عينية . ومردود ثانيًا : بأن المدعين يهدفون بطلبهم درء التدخل فى شئونهم الوظيفية ممثلاً في الإفصاح – دون مقتض – عن مستحقاتهم المالية التى يمتنع الكشف عنها إلا بإجازة صريحة منهم، أو بقرار من الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا فى الحالات التى تقدرها، أو بحكم من هذه المحكمة فى منازعة متعلقة بشئون أعضائها، ومردود ثالثًا : بأن للمدعين فى الطلب الماثل مصلحة أدبية محققة فى عدم التعرض لأوضاعهم الوظيفية ، وما يتفرع عنها من حقوق مالية ، دون سبب مشروع، أو الاطلاع عليها بغير الوسائل المقررة قانونًا .
وحيث إنه عن طلب اختصام جميع السادة المستشارين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، ومن لم يتم اختصامه من هيئة المفوضين بالمحكمة لاتحاد السبب والموضوع، حال إذا قبلت المحكمة توافر الصفة أو المصلحة لهم، فإنه مردود، بأن إدخال خصم جديد فى الدعوى يتعين أن يكون بإعلانه بصحيفة طبقًا للمادة (63) من قانون المرافعات، فلا يجوز اختصامه شفاهة أو بمذكرة على نحو ما نصت عليه المادة (123) من القانون المذكور، لأن هذه المادة مقصورة على توجيه الطلبات العارضة للخصم، والمحددة فى المادة (124) من قانون المرافعات، ولا يحاج فى هذا الصدد بنص المادة (117) من القانون آنف البيان، التى وإن أجازت للخصم أن يُدخل فى الدعوى من كان يصح اختصامه فيها عند رفعها، إلا أن ذلك يكون بالإجراءات المقررة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة ، مع مراعاة حكم المادة (66) من القانون ذاته الخاصة بالمواعيد. وإذ تنكب السيد القاضى المدعى عليه الثانى ومن انضم إليه الطريق الذى رسمه القانون لإدخال خصوم جدد فى الدعوى ، فإن طلبه يضحى خليقًا بعدم القبول مع الاكتفاء ببيان ذلك فى الأسباب دون الحاجة إلى النص عليه فى المنطوق .
وحيث إنه عما أثاره السيد القاضى المدعى عليه الثانى بشأن عدم صلاحية المحكمة الدستورية العليا قانونًا للحكم فى الدعوى لسابقة إبداء رأيها فى النزاع المطروح عليها، فإنه مردود عليه بأن الرأى المذكور لم يصدر عن هيئة المحكمة ، ولم يعبر عن رأى لها فى هذا الشأن، الأمر الذى لا ينال من صلاحياتها للفصل فى الطلب الماثل، مما يتعين الالتفات عنه . أما بشأن طلب إعادة الدعوى للمرافعة لإدخال باقى أعضاء هيئة المفوضين خصومًا فى الدعوى ، فإن المحكمة تلتفت عنه لعدم جدواه عملاً على ما سلف بيانه فى هذا الشأن .
وحيث إنه عن طلبات التدخل الانضمامى إلى المدعى عليه الثانى ، فإنه وقد تحدد نطاقها بتأييد طلبات من يريد المتدخلين الانضمام إليه من طرفى الدعوى ، فإنها تكون مقبولة شكلاً، ويضحى الفصل فى موضوعها مرتبطًا بالفصل فى الموضوع الأصلى لهذا الطلب، دون حاجة إلى إيراده فى المنطوق .
وحيث إن البين من مطالعة الباب الخامس من دستور سنة 2014 – باب نظام الحكم – انفراد كل سلطة من سلطات الدولة بفصل مستقل، يجمع فى مواده كافة الأحكام المتعلقة بهذه السلطة ، وقد تم تقسيم كل فصل إلى أفرع، يعالج كل منها أحد التكوينات المؤسسية المنضوية فى هذه السلطة ، فخصص الفصل الأول للسلطة التشريعية " مجلس النواب " وهو كيان مؤسسى وحيد، وخصص الفصل الثانى للسلطة التنفيذية ، مقسمة إلى ثلاثة أفرع هى على الترتيب، رئيس الجمهورية ، ثم الحكومة ، ثم الإدارة المحلية ، وخصص الفصل الثالث للسلطة القضائية ، وانقسم هذا الفصل لأفرع ثلاثة ، شمل أولها الأحكام العامة المشتركة بين جهتى هذه السلطة ، وأفرد ثانيها للقضاء والنيابة العامة ، واستقل قضاء مجلس الدولة بثالثها، بينما اختصت المحكمة الدستورية العليا بالفصل الرابع من الباب الخامس من الدستور، الذى انتظم المواد من (191) حتى (195)، والتى نُص فيها على أن المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، لها موازنة مستقلة ، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شئونها، وتتولى المحكمة الدستورية العليا الفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وتؤلف المحكمة من رئيس، وعدد كاف من نواب الرئيس، وتؤلف هيئة المفوضين بالمحكمة من رئيس وعدد كاف من الرؤساء بالهيئة والمستشارين والمستشارين المساعدين، وتنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة ، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم .

وحيث إنه يتجلى مما سبق جميعه مقصد المشرع الدستوري فى تأكيد استقلال المحكمة الدستورية العليا عن السلطة القضائية بجهتيها، وكذلك الهيئتين القضائيتين اللتين وردتا بالفصل الخامس من الباب الخامس من الدستور، هذا الاستقلال الذى أفصحت عنه القوامة الذاتية للمحكمة الدستورية العليا والتى انبثقت عنها كافة الأحكام التى وردت بشأنها فى الدستور، سواء ما تفردت به عن جهتى القضاء والهيئتين القضائيتين الأخريين، أو ما تماثلت فيه معها. وما أحيل فيه بشأنها إلى حكم ورد فى الباب الخاص بالسلطة القضائية ، ذلك أن القول بغير ما تقدم، لازمه تناقض أحكام الدستور مع منهجه فى شأن استقلال السلطات المكونة لنظام الحكم عن بعضها، دون الإخلال بتكاملها وتوازنها، وهو ما تتنزه عنه نصوص الدستور بالضرورة .

وحيث إنه من المقرر قانونًا أن صدور حكم فى مسألة تخرج عن ولاية المحكمة التى أصدرته، يحول دون الاعتداد بحجية هذا الحكم، أمام جهة القضاء المختصة ولائيًا بنظر تلك المسألة ، وهو ما لا تصححه قوة الأمر المقضى ، كما إنه من المقرر جواز إقامة منازعة بعدم الاعتداد بحكم صدر عن محكمة لا ولاية لها فى المسألة التى قضت فيها قبل إعلان السند التنفيذى بغية توقى آثاره، إذ تكون المنازعة موجهة – عندئذ – إلى إهدار حجية ذلك الحكم ,

لما كان ما تقدم، وكان البين من مطالعة الحكم المنازع فيه، أنه ألزم السيد المستشار المدعى عليه الأخير، بتقديم بيان رسمى يتضمن ما يخص المستحقات المالية للسادة المستشارين رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، أيًّا كان مسمى تلك المستحقات أو طبيعتها، وكان الإلزام بتقديم هذا البيان إنما ينطوى بالضرورة على مساس بشأن من أخص شئونهم الوظيفية ، باعتبار أن البيان المطلوب، علاوة على أنه لا شراكة فيه على وجه الإطلاق بين المدعين والمدعى عليه، وإنما هو وعاء تفرغ فيه المستحقات المالية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها التى قررها القانون، وتلك التى تقررها الجمعية العامة للمحكمة وفقًا لاختصاصها الحصرى المعقود لها بمقتضى نص المادة (8) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والتى تصدر قراراتها من ضبطة بالموازنة المالية المستقلة للمحكمة بعد إقرارها منالسلطة التشريعية ، وهو ما يعد إعما لاً للمادة (191) من الدستور التى نصت على استقلال ميزانية المحكمة واعتبارها رقمًا واحدًا. وتأكيدًا على الاستقلال المذكور نصت المادة (56) من قانون المحكمة الدستورية العليا على أن تباشر الجمعية العامة للمحكمة السلطات المخولة لوزير المالية فى القوانين واللوائح بشأن تنفيذ موازنة المحكمة . ولا مشاحة فى أن قرارات الجمعية العامة للمحكمة ، والمحررات التى تُثبت فيها هذه القرارات، والتعرض لتلك البيانات والمستحقات على   أى نحو كان، أمر تندرج المنازعة حوله – أيًّا كان مسماها أو تكييفها – تحت عباءة الخصومة القضائية فى شأن من شئون أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين لديها، والتى ينعقد الاختصاص بالفصل فيها لدائرة طلبات الأعضاء بهذه المحكمة دون سواها. متى كان ذلك، وكان الحكم المطلوب عدم الاعتداد به، لم يراع قواعد الاختصاص الولائى لجهات القضاء التى انتظمتها نصوص الدستور والقانون، والتى تحرم غير هذه المحكمة من ولاية القضاء فى شئون أعضائها، فصدر ذلك الحكم مفتئتًا على الاختصاص الولائى للمحكمة الدستورية العليا فى شأن أعضائها، مجاوزًا تخوم ولايته المحددة بطلبات السادة قضاة محاكم جهة القضاء العادى دون غيرها من جهات القضاء الأخرى ، مما يكون معه القضاء بعدم الاعتداد بذلك الحكم متعينًا، ويضحى من ثم الفصل فى الطلب العاجل بهذه الدعوى لا محل له .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم الاعتداد بحكم " دائرة طعون رجال القضاء " بمحكمة النقض فى الطعن المقيد برقم 383 لسنة 84 قضائية الصادر بجلسة 23/12/2014 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق