الصفحات

الأحد، 16 يوليو 2017

دستورية العقاب على مخالفة قانون التظاهر

الطعن 232 لسنة 36 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 / 5 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر أ في 15/ 5/ 2017 ص 51
 باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مايو سنة 2017م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1438هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي وسعيد مرعي عمرو ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 232 لسنة 36 قضائية "دستورية".

---------
الوقائع
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة اتهمت المدعي، وآخرين، في الجنحة رقم 1952 لسنة 2014، جنح قسم قنا، بأنهم، في يوم 2013/12/20، بدائرة قسم قنا – محافظة قنا
(أ) نظموا وشاركوا في المظاهرة المبينة بالأوراق دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة
(ب) قاموا بتعطيل حركة المرور ومصالح المواطنين والحيلولة دون ممارستهم أعمالهم بأن قاموا بالتظاهر في الطريق، على النحو المبين بالأوراق والتحقيقات
وطلبت النيابة العامة معاقبته، وباقي المتهمين، بالمواد (1، 2، 3، 4، 7، 8، 16، 19، 21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. وتدوولت الدعوى أمام محكمة جنح قسم قنا، وبجلسة 24 من يونيو سنة 2014، قضت تلك المحكمة، غيابيا، بحبس المتهمين سنتين مع الشغل وتغريمهم عشرة ألاف جنيه. وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى المحكوم عليه، طعن عليه بالمعارضة، وبجلسة الثاني من ديسمبر سنة 2014، لدى نظرها المعارضة، دفع الحاضر مع المدعي بعدم دستورية القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار إليه، فقررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة السادس من يناير سنة 2015، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة
بتاريخ الحادي والثلاثين من ديسمبر سنة 2014، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

-----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، مستندة في ذلك إلى قالة أنها لم تتصل بالمحكمة الدستورية العليا وفقا للأوضاع المنصوص عليها في المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وأن المدعي جهل دفعه بالنصوص المطعون عليها، إذ انصب على كامل القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار إليه
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن المقرر، في قضاء هذه المحكمة، بأن كل شكلية ولو كانت جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة حتى ينتظم التداعي وفقا لحكمها، لا يجوز فصلها عن دواعيها، وإلا كان القول بها إغراقا في التقيد بضوابطها، وانحرافا عن مقاصدها، وأن التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض أن يكون بيانها قد تمحض فعلا بما يحول عقلا دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر في شأنها، ومن خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها، يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن حقا من إثارتها، فإن قالة التجهيل بها تكون غير قائمة على أساس، كما أن تقدير محكمة الموضوع جدية المطاعن الدستورية المثارة أمامها، ليس لازما أن يكون صريحا، بل حسبها في ذلك أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنيا، لما كان ذلك وكان المدعي قد أثار دفعه بعدم دستورية القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار إليه أمام محكمة الموضوع، حال كونه يحاكم بتهمتي تنظيم تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة، والمشاركة في تظاهرة غير مخطر عنها ترتب عليها تعطيل حركة المرور، ومصالح المواطنين والحيلولة دون ممارسة أعمالهم، وهو أمر قاطع الدلالة على انصراف دفعه إلى المواد السابعة والثامنة والتاسعة عشرة والحادية والعشرين من القرار بقانون المشار إليه، والتي نظمت بالتجريم والعقاب هذه الأمور، إذ بينت المادتان السابعة والثامنة شق التكليف في الجريمتين المنسوبتين للمدعي، وحددت المادتان التاسعة عشرة والحادية والعشرون العقوبة المقررة لهما، ومن ثم فإن قالة مخالفة نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا، يكون لغوا
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت الدعوى الموضوعية يدور رحاها حول اتهام المدعي بتهمتي تنظيم تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة، والمشاركة في تظاهرة غير مخطر عنها ترتب عليها تعطيل حركة المرور، ومصالح المواطنين والحيلولة دون ممارستهم أعمالهم، وهما الجريمتان المؤثمتان بالمواد السابعة والثامنة والتاسعة عشرة والحادية والعشرين من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، ومن ثم فإن القضاء في مدى دستوريتها سيكون ذا أثر وانعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتغدو المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة لها، دون غيرها من نصوص القرار بقانون المشار إليه، التي تضحى الدعوى في خصوصها غير مقبولة، وهو ما يتعين القضاء به
وحيث إنه في خصوص نصوص المواد السابعة والثامنة والتاسعة عشرة من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية فقد سبق لهذه المحكمة أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بها بموجب حكميها الصادرين بجلسة الثالث من ديسمبر سنة 2016، في القضيتين رقمي 160 و234 لسنة 36 قضائية "دستورية"، والذي قضى أولهما برفض الدعوى بعدم دستورية نص المادة الثامنة، وقضى ثانيهما برفض الدعوى قبل المادتين السابعة والتاسعة عشرة، وقد نشر هذان الحكمان في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (50 تابع) بتاريخ 15 من ديسمبر سنة 2016، ومن ثم وعملا بحكم المادة (195) من الدستور والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فإن الدعوى في هذا الشق منها تغدو غير مقبولة
وحيث إن المادة الحادية والعشرون من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار إليه تنص على أن "يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه كل من قام بتنظيم اجتماع عام أو موكب أو تظاهرة دون الإخطار المنصوص عليه في المادة الثامنة من هذا القانون". 
وحيث إن المدعي ينعي على نص المادة الحادية والعشرين المطعون فيه، أن رئيس الجمهورية المؤقت لا يملك سلطة التشريع لغير مواجهة حالة تقتضي مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، وهو ما لم يتوافر في شأن القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 الذي صدر في غير ضرورة ملجئة، كما افتأت القرار بقانون على الحق في التعبير والحق في التظاهر السلمي، كما أحالت المادة الحادية والعشرون إلى نص المادة الثامنة في شأن تحديد الجريمة الأمر الذي يجعلها مرتبطة لزوما بنص المادة الأخيرة، إذا لم تقتصر على تنظيم الحقوق محل الحماية، بل تطلبت توافر بيانات في الإخطار تعدم الحق ذاته، وتجعل من المستحيل إقامة التظاهرات السلمية، مما ينحدر بها إلى درك عدم الدستورية لمخالفتها لنص المادتين (10، 14) من الإعلان الدستوري الصادر في الثامن من يوليو سنة 2013، ونصوص المواد (53، 65، 73، 85، 87، 92، 95) من الوثيقة الدستورية الصادرة سنة 2014
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة في 18 يناير سنة 2014
وحيث أن ما ينعاه المدعي على القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 المشار إليه أنه صدر دون توافر الضرورة الملجئة لإصداره؛ فإنه لما كان استيثاق هذه المحكمة من استيفاء النصوص التشريعية المطعون فيها للأوضاع الشكلية المقررة دستوريا في شأن إصدارها، يعد أمرا مسابقا بالضرورة على خوضها في عيوبها الموضوعية. لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة قد سبق أن تعرضت لأمر دستورية بعض نصوص القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، بحكميها الصادرين في الثالث من ديسمبر سنة 2016، في القضيتين رقمي 160 لسنة 36 قضائية "دستورية" و234 لسنة 36 قضائية "دستورية" والذي قضى أولهما بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، وسقوط الفقرة الثانية من المادة ذاتها، ورفض الطعن على المادة الثامنة من ذات القانون، وقضى ثانيهما برفض الطعن بعدم دستورية المادتين السابعة والتاسعة عشرة من القرار بقانون المشار إليه؛ مما مؤداه استيفاء هذا القرار بقانون للأوضاع الإجرائية المقررة في شأن إصداره، بما يحول دون بحثها من جديد، ومن ثم فإن المناعي الشكلية التي نسبها المدعي للقرار بقانون المطعون عليه تكون في غير محلها، وغير قائمة على أساس سليم متعينا الالتفات عنها
وحيث إنه، في شأن المادة الحادية والعشرين من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، فلما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرعية الجزاء - جنائيا كان أم مدنيا أم تأديبيا - مناطها أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أتمها المشرع، أو حظرها أو قيد مباشرتها، وأن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيا بها عن أن تكون إيلاما غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة. وكان من المقرر أيضا، أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطا ثابتا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، ذلك أن مشروعية العقوبة، من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرا لها، في الحدود المقررة قانونا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرا لأثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتباره كافلا عدالتها، ميسرا تحصيلها، حائلا دون أن تكون وطأتها على الفقراء أثقل منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها إنصافا لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها
وحيث إن العقوبة المقررة بمقتضى نص المادة الحادية والعشرين من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، لمن يخالف أحكام المادة الثامنة منه، هي الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه، وهي تتناسب مع خطورة الإثم المجرم في المادة الثامنة دون غلو أو تفريط، وقد أعطت هذه المادة - للقاضي سلطة تفريد العقوبة إذ يراوح، في قضائه، بين حدين أدنى وأقصى، كما لم تسلبه المادة خيار وقف تنفيذ العقوبة إن هو قدر ذلك، باعتبارهما من بين وسائله في تحقيق تناسبها مع تلك الجريمة. متى كان ما تقدم؛ فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف المواد (1/54، 94، 95، 1/96، 184، 186) من الدستور
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي نص آخر في الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق