الصفحات

الأربعاء، 24 مايو 2017

عدم دستورية الزام ورثة الصيدلي ببيع الصيدلية، التي آلت إليهم ميراثا

قضية 51 لسنة 24 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 8 مايو سنة 2005 م، الموافق 29 من ربيع الأول سنة 1426 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ حمدي محمد علي وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 51 لسنة 24 قضائية "دستورية".
المقامة من
السيد الدكتور/ ...
ضد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
2- السيد/ رئيس مجلس الشعب
3- السيد/ رئيس مجلس الشورى
4- السيد/ وزير العدل
5- السيد/ وزير الصحة
6- السيد/ رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة
7- السيد الدكتور/ ... نقيب صيادلة القاهرة
8- السيد الدكتور/ ...، عن نفسه وبصفته أمين عام نقابة الصيادلة بالقاهرة
الإجراءات
بتاريخ الحادي عشر من فبراير سنة 2002، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالبا الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (30، 31) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانونين رقمي 253 لسنة 1955، و44 لسنة 1982.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 8377 لسنة 51 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بسرعة التصرف في الصيدلية التي كان يملكها والده قبل وفاته، وفي الموضوع بإلغائه، وذلك على سند من القول بأن وزارة الصحة أرسلت إليه إنذارا بسرعة التصرف في هذه الصيدلية وإلا سيتم إلغاء الترخيص لانتهاء المدة الممنوحة للورثة لإدارتها لصالحهم، فتقدم المدعي بصفته أستاذا مساعدا بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة بطلب لتمكينه من نقل ترخيص الصيدلية باسمه، فتم إخطاره بأن المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955 لا تجيز لموظفي الحكومة تملك صيدلية، وأن المادة (31) من هذا القانون تلزم الورثة بعد مرور عشر سنوات بالتصرف في الصيدلية بالبيع حتى لا تغلق إداريا، فأقام المدعى دعواه المشار إليها، وقضت تلك المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، استنادا إلى أن المدعي يشغل وظيفة أستاذ مساعد بكلية الصيدلة، ومن ثم يتوافر في شأنه القيد الوارد في المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955، وهو ألا يكون مالك الصيدلية موظفا حكوميا. وأثناء نظر الشق الموضوعي، دفع محامى المدعي بجلسة 13/11/2001 بعدم دستورية المادتين (30)، (31) من القانون رقم 127 لسنة 1955 المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة المعدل بالقانون رقم 253 لسنة 1955 تنص على أنه "لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلا لصيدلي مرخص له في مزاولة مهنته، يكون مضى على تخرجه سنة على الأقل قضاها في مزاولة المهنة في مؤسسة حكومية أو أهلية، ويعفى من شرط قضاء هذه المدة الصيدلي الذي تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية، ولا يجوز للصيدلي أن يكون مالكا أو شريكا في أكثر من صيدليتين أو موظفا حكوميا". وتنص المادة (31) المعدلة بالقانون رقم 44 لسنة 1982 على أنه "إذا توفي صاحب الصيدلية، جاز أن تدار الصيدلية لصالح الورثة لمدة لا تجاوز عشر سنوات ميلادية.
وفي حالة وجود أبناء للمتوفي لم يتموا الدراسة في نهاية المدة المشار إليها في الفقرة السابقة تمتد هذه المدة حتى يبلغ أصغر أبناء المتوفي سن السادسة والعشرين أو حتى تخرجه من الجامعة أو أي معهد علمي من درجتها أيهما أقرب.
ويعين الورثة وكيلا عنهم، تخطر به وزارة الصحة، على أن تدار الصيدلية بمعرفة صيدلي.
وتغلق الصيدلية إداريا بعد انتهاء المهلة الممنوحة للورثة، ما لم يتم بيعها لصيدلي".
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما تعارضهما مع نص المادة الثانية من الدستور، لمخالفتهما أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، وكذلك مخالفتهما نصوص المواد 32، 34، 40 من الدستور، بإهدارهما حق الملكية الخاصة، إذ أنهما يحظران على الصيدلي موظف الحكومة تملك صيدلية، ويجبران المالك على التصرف في ملكه على غير إرادته، وبإخلالهما بمبدأ المساواة، إذ يميزان على غير أسس موضوعية بين الأساتذة الجامعيين الصيادلة وبين غيرهم من الأساتذة الجامعيين، ومن ناحية أخرى بين بعض الصيادلة والبعض الآخر، رغم كونهم جميعا صيادلة ومقيدين بنقابة الصيادلة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا، جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يقوم ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حرمان المدعي، الذي يعمل أستاذا مساعدا بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، من تملك الصيدلية التي آلت إليه وباقي الورثة بعد وفاة مورثهم ومطالبة إياهم ببيعها لانتهاء المهلة الممنوحة لهم، فإن مصلحة المدعي في الدعوى الماثلة تتحدد فيما نصت عليه المادة (30) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المشار إليه، من عدم جواز أن يكون الصيدلي موظفا حكوميا، وما ألزمت به المادة (31) الورثة من بيع الصيدلية التي آلت إليهم بعد وفاة مورثهم إلى صيدلي، حتى لا تغلق إداريا بعد انتهاء المهلة التي منحتها لهم، وبهدين النصين وحدهما يتحدد نطاق الدعوى الدستورية ولا يمتد إلى ما تضمنه النصان المذكوران من أحكام أخرى.
وحيث إن الدستور إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة وتوكيدا لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي كفل حمايتها لكل فرد ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها، ومن أجل ذلك حظر الدستور فرض قيود على الملكية الخاصة تنافي وظيفتها الاجتماعية أو يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما يفرغها من مضمونها، ذلك أن صون الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن صون الدستور للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهقالقيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها. وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تقويض أسسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفا لها منافيا للحق فيها.
وحيث إن الحماية التي يكفلها الدستور للملكية الخاصة وبوصفها إحدى القيم الجوهرية التي يرعاها لا تقتصر على ما هو قائم فعلا من مصادرها التي استقام بها الحق في الملكية صحيحا وفق أحكام الدستور، ولكنها تمتد بداهة إلى ما هو مشروع من صور كسبها التي تعد سببا لتلقيها أو لانتقالها من يد أصحابها إلى آخرين، فلا يكون تقييد دائرتها جائزا. فالأموال التي يملكها الفرد، وكذلك ما يؤول إلى أغيار من عناصرها، هي التي قصد الدستور إلى صونها، ولم يجز المساس بها إلا استثناء، وبمراعاة الوسائل القانونية السليمة التي تقارن حق إنشائها وتغيير سندها. وينبغي بالتالي النظر إلى الحماية التي تشملها بما يقيمها وفق مفاهيم الحرية التي يمارسها الأفراد تعبيرا عن ذواتهم، وتوكيدا لحدود مسئوليتهم عن صور نشاطهم على اختلافها، فلا يكون صون الملكية إلا ضمانا ذاتيا لأصحابها، يرد عن ملكيتهم كل عدوان ينال من عناصرها.
وحيث إن الدستور يعتبر مآبا لكل سلطة وضابطا لحركتها. والأصل في النصوص التي يتضمنها أنها تؤخذ باعتبارها مترابطة فيما بينها، وبما يرد عنها التنافر والتعارض، ويكفل اتساقها في إطار وحدة عضوية تضمها، ولا تفرق بين أجزائها، بل تجعل تناغم توجهاتها لازما. وكان الدستور إذ نص في المادة (34) على أن الملكية الخاصة يجب صونها، وأن حمايتها تمتد إلى حق الإرث ليكون مكفولا، فقد دل بذلك على أن ما يؤول للعباد ميراثا في حدود أنصبتهم الشرعية، يعتبر من عناصر ملكيتهم، التي لا يجوز لأحد أن ينال منها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان نص المادة (31) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة قد ألزم ورثة الصيدلي ببيع الصيدلية، التي آلت إليهم ميراثا، إلى صيدلي بعد انتهاء المهلة الممنوحة لهم بالرغم من أنه يوجد من بينهم من رخص له بمزاولة مهنة الصيدلة وذلك إعمالا للحظر الوارد بنص المادة (30) من ذات القانون الذي لم يجز للصيدلي موظف الحكومة تملك صيدلية، فإنهما يكونان بذلك قد حالا بين الورثة وبين أموال دخلت الجانب الإيجابي لذمتهم المالية بطريق الميراث والذي يعد سببا مشروعا لكسب الملكية مما ينحل اعتداء على حق الإرث وإهدارا لحق الملكية بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نصى المادتين (30)، (31) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1955 المعدل بالقانونين رقمي 253 لسنة 1955، و44 لسنة 1982، فيما تضمناه من حظر تملك الصيدلي موظف الحكومة لصيدلية، وإلزام الورثة بضرورة التصرف بالبيع في الصيدلية ولو كان من بينهم صيدلي يعمل بالحكومة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق