الصفحات

الأحد، 14 مايو 2017

الطعن 48117 لسنة 74 ق جلسة 14 / 6 / 2010 مكتب قني 61 ق 58 ص 442

جلسة 14 من يوليو سنة 2010
برئاسة السيد القاضي / مصطفى كامل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / بهيج القصبجي ، جاب الله محمد ، يحيي محمود ومحمد هلالي نواب رئيس المحكمة .
---------
(58)
الطعن 48117 لسنة 74 ق
دستور . نظام عام . قرارات وزارية . اختصاص " الاختصاص الولائي " . محكمة الجنايات " اختصاصها " . محكمة عادية . نيابة عامة . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " أثر الطعن " . إجراءات " إجراءات المحاكمة".
الأحكام النهائية في مسائل الاختصاص الجائز الطعن بالنقض فيها استقلالاً . ماهيتها ؟
المواد 41 ، 50 ، 51 ، 52 ، 86 من الدستور . مفادها ؟
خلو قانون الإجراءات الجنائية من إيراد قاعدة تحدد طرق الطعن في إلغاء قرار النائب العام بإدراج متهم على قوائم الممنوعين من السفر . أثره : الرجوع في ذلك للقواعد العامة بشأن رفع الدعوى وقيدها دون أن يحول ذلك أن يتولى المشرع بتشريع أصلى تنظيم حرية التنقل والسفر داخل البلاد وخارجها . علة وشرط ذلك ؟
نص المشرع على اختصاص القاضي المختص والنيابة العامة فقط بإصدار قرارات المنع من التنقل والسفر داخل البلاد وخارجها . علته وشرطه ؟
النيابة العامة . هي الأمينة على الدعوى الجنائية وشعبة من القضاء العادي تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفتا التحقيق والاتهام . اختصاصها بإصدار قرار إدراج متهم على قوائم الممنوعين من السفر بمناسبة تحقيقاتها في واقعة جنائية مستمدة من الدستور . إنجاز مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية ذلك الإدراج لا يكون إلا نفاذاً لقرار النائب العام . قرار وزير الداخلية رقم 2214 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر . لا يغير من اختصاصها والمحاكم بذلك . علة ذلك ؟
إقامة المطعون ضده دعوى ابتداءً طبقاً لقانون المرافعات لطلب إلغاء قرار النائب العام بإدراجه على قوائم الممنوعين من السفر دون التظلم منه . اختصاص محاكم إلقاء العادي ولائياً بنظره طبقاً لقواعد اختصاصها . مخالفة قضاء محكمة الجنايات هذا النظر باعتبار ذلك القرار إدارياً لا تختص به . خطأ . أثره : وجوب نقضه والإعادة . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما كان البين من الاطلاع على الأوراق أن النائب العام أصدر قراراً بإدراج اسم ... على قوائم الممنوعين من السفر وذلك بمناسبة التحقيقات التي تجريها نيابة الأموال العامة في القضيتين رقمي ... ، ... لسنة ... حصر أموال عامة عليا ، فطعن المذكور على هذا القرار بطريق الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بإلغاء القرار ، والمحكمة المذكورة قضت برفض الدعوى ، فطعن المطعون ضده على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا والمحكمة المذكورة قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها لمحكمة استئناف ... لنظرها ، وإذ أحيلت الدعوى لنظرها أمام محكمة جنايات ... وقضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وعلى النيابة العامة اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لتحديد الجهة المختصة .
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض .
لما كان ذلك ، وكانت الأحكام الصادرة نهائية في مسائل الاختصاص التي يجوز الطعن فيها استقلالاً بطريق النقض هي تلك التي يتعلق الاختصاص فيها بولاية المحكمة أو تلك التي تصدر بعدم الاختصاص بنظر الدعوى حيث يكون الحكم - في هذه الحالة - مانعاً من السير في الدعوى ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يجوز الطعن فيه بطريق النقض . لما كان ذلك ، وكانت إجراءات التقاضي والقواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية من النظام العام والشارع أقام تقريره لها على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة ، وكان قانون المرافعات يُعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية ويتعيَّن الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه  وكان قانون الإجراءات الجنائية قد جـاء خلواً من إيراد قاعدة تُحدد طرق الطعـن في إلغاء قرار النائب العام بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر ، فإنه يتعيَّن للرجوع في هذا الخصوص إلى القواعد العامة الواردة بقانون المرافعات الخاصة برفع الدعوى وقيدها  والقول بغير ذلك يؤدي إلى تحصين قرار النائب العام من الطعن عليه باعتبار أن القانون لم يرسم طريقاً لذلك وهو ما يتأبى على العدالة ، إلا أن ذلك لا يحول دون أن يتولى المشرع ـــ بتشــريع أصلى ـــ تنظيم حـرية التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها موازناً فــي ذلك بين حرية التنقل ـــ بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه ــــ وبين حقوق الدولة وأفراد المجتمع ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وما تقضي به المادة الثانية من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية - القطعية الثبوت والدلالة - هي المصدر الرئيسي للتشريع .
لما كان ذلك ، وكان المشرع الدستوري جعل الحرية الشخصية حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه ويحميه بمبادئه . فنص في المادة (41) من الدستور على أن " الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، وذلك وفقا لأحكام القانون ". وكان من المقرر أن حق المواطن في الانتقال يعكس رافداً من روافد حريته الشخصية التي حفل بها الدستور ، دالاً بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة وأن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها ويقوض صحيح بنيانها وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى ولازم ذلك أن يكون الأصل الحرية في الانتقال والاستثناء هو المنع  وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاضي أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية ، وقد حفل الدستور بالحقوق المتصلة بالحق في التنقل فنص في المادة 50 منه على حظر إلزام المواطن بالإقامة في مكان معيَّن أو منعه من الإقامة في جهة معيَّنة إلا في الأحوال التي يبينها القانون ، وتبعتها المادة 51 لتمنع إبعاد المواطن عن البلاد أو حرمانــــه من العـــــودة إليها ، وجاءت المادة 52 لتــــؤكد حق المواطن في الهــــجرة ومغادرة البلاد ، ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصاً ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم وأن هذا التنظيم يتعيَّن أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين . وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتنصل من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس تلتزم بالعمل في إطارها فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه كان متخلياً عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة 86 من الدستور ساقطاً - بالتالي - في هوة مخالفة القانون . لما كان ذلك ، وكان المشرع قد ارتقى بحرية التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها إلى مصاف الحريات العامة والحقوق الدستورية وقرر المشرع لذلك ضمانة شكلية تتمثل في النص على سبيل الحصر على جهتين فقط ، أناط بهما الاختصاص بإصدار قرارات المنع من التنقل والسفر وهما القاضي المختص والنيابة العامة إذا استلزمت ذلك ضرورة التحقيق وأمن المجتمع . وإذ كانت النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى الجنائية وهي شعبة من القضاء العادي تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق ووظيفة الاتهام ، وهي إذ تصدر من تلقاء نفسها قراراً بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر بمناسبة تحقيقات تجريها في واقعة جنائية مُعيَّنة ، فإن ذلك يكون بموجب سلطتها الولائية بما لها من هيمنة على سير التحقيق مُستهدفة بها حسن إدارته مستمدة حقها في سلطة إصدار هذا الإدراج من الدستور ، وأن قيام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية بإنجاز ذلك الإدراج لا يكون إلا نفاذاً لقرار النائب العام ، يؤيد هذا النظر أن قرار وزارة الداخلية رقم 2214/ 1994 قد صدر بشأن " تنظيم قوائم الممنوعين من السفر "ــ بناء على طلب جهات عددها منها النائب العام والمحاكم في أحكامها وأوامرها واجبة النفاذ -، وليس من شأن قرار وزير الداخلية هذا أن يسلب حقاً منح لهاتين الجهتين من عماده ، ولا يغير من ذلك ما ورد بنص المادة السابعة من القرار سالف الذكر التي بيَّنت من له الحق في التظلم من ذلك الإدراج وكيفيته ، ذلك أن المطعون ضده إذ أقام دعواه ابتداء ما كان إلا بطلب إلغاء قرار إدراجه من على قوائم الممنوعين من السفر الصادر ضده وليس التظلم منه ، ومن ثم فإن المنازعة الموضوعية في ذلك القرار تكون خارجة عن نطاق رقابة المشروعية التي يختص القضاء الإداري بمباشرتها على القرارات الإدارية ، وداخلة في اختصاص جهة القضاء العادي تتولاها محاكمها طبقاً للقواعد المنظمة لاختصاصها ، وإذ كان المطعون ضده قد أقام دعواه أمام القضاء الإداري بطريق إيداع الصحيفة والإعلان طبقاً لقانون المرافعات - القانون العام الذي يحكم نظم التقاضي - فقضت المحكمة الإدارية العليا بعدم الاختصاص الولائي ، وأحيلت الدعوى إلى محكمة استئناف ..... حيث نظرتها محكمة الجنايات كدعوى مطروحة أمامها وقضت فيها بعدم الاختصاص الولائي، فإن ما قضت به محكمة الجنايات هو حكم صادرٌ عنها قابلاً للطعن عليه أمام النقض ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر ــــ خطأ ــــ أن قرار النائب العام بإدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر قراراً إدارياً لا تختص المحاكم العادية بنظر إلغائه يكون قد جانبه الصواب ، وإذ كان الخطأ الذي استند إليه الحكم قد حجب المحكمة عن نظر موضوع الدعوى بالنسبة إليه ، فإنه يتعيَّن أن يكون النقض مقروناً بالإعادة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـــع
أقام المطعون ضده دعوى أمام محكمة القضاء الإداري طلب في ختام صحيفتهما بقبول طعنه شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار منعه من السفر المطعون فيه الصادر من السيد المستشار النائب العام وفي الموضوع بإلغائه .
ومحكمة القضاء الإداري قضت بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً .
فطعن المطعون ضده في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مُجدداً بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة استئناف ... للاختصاص .
ومحكمة جنايات ... قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وعلى النيابة عرض الأوراق على المحكمة الدستورية العليا .
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض في ... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
  حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بعدم ولائياً بنظر قرار منع المطعون ضده من السفر قد شابه الفساد في الاستدلال الذي أسلسه إلى الخطأ في تطبيق القانون ، ذلك أنه اعتبر القرار الصادر من النائب العام بمنع سفر المطعون ضده قراراً إدارياً لا تختص المحاكم العادية بنظر إلغائه ، بالرغم من أن القرارات والإجراءات التي تتخذها النيابة العامة بحكم وظيفتها القضائية وهي المتعلقة بإجراءات التحقيق والاتهام والتنفيذ تُعد من صميم الأعمال القضائية ، ومن ثم فإن المنع من السفر الذي صدر من النائب العام إنما هو قرار قضائي اتخذه بمناسبة تحقيق في واقعة جنائية استمد النائب العام سلطة إصداره من الدستور ، وأن ما صدر من وزارة الداخلية بعد ذلك من قرار الإدراج ما هو إلا قرار تنفيذي لقرار النائب العام ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .  
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن النائب العام أصدر قراراً بإدراج اسم ..... على قوائم الممنوعين من السفر وذلك بمناسبة التحقيقات التي تجريها نيابة الأموال العامة في القضيتين رقمي ... ، ... لسنة ... حصر أموال عامة عليا ، فطعن المذكور على هذا القرار بطريق الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بإلغاء القرار ، والمحكمة المذكورة قضت برفض الدعوى ، فطعن المطعون ضده على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ، والمحكمة المذكورة قضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها لمحكمة استئناف ... لنظرها ، وإذ أحيلت الدعوى لنظرها أمام محكمة جنايات ... وقضت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وعلى النيابة العامة اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لتحديد الجهة المختصة .
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض .
لما كان ذلك ، وكانت الأحكام الصادرة نهائياً في مسائل الاختصاص التي يجوز الطعن فيها استقلالاً بطريق النقض هي تلك التي يتعلق الاختصاص فيها بولاية المحكمة ، أو تلك التي تصدر بعدم الاختصاص بنظر الدعوى حيث يكون الحكم - في هذه الحالة - مانعاً من السير في الدعوى ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يجوز الطعن فيه بطريق النقض. لما كان ذلك ، وكانت إجراءات التقاضي والقواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية من النظام العام والشارع أقام تقريره لها على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة ، وكان قانون المرافعات يُعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية ويتعيَّن الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه  وكان قانون الإجراءات الجنائية قد جاء خلواً من إيراد قاعدة تُحدد طرق الطعن في إلغاء قرار النائب العام بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر ، فإنه يتعيَّن للرجوع في هذا الخصوص إلى القواعد العامة الواردة بقانون المرافعات الخاصة برفع الدعوى وقيدها ، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تحصين قرار النائب العام من الطعن عليه باعتبار أن القانون لم يرسم طريقاً لذلك وهو ما يتأبى على العدالة ، إلا أن ذلك لا يحول دون أن يتولى المشرع - بتشريع أصلي - تنظيم حرية التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها موازناً في ذلك بين حرية التنقل ـــ بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه - وبين حقوق الدولة وأفراد المجتمع ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وما تقضي به المادة الثانية من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية - القطعية الثبوت والدلالة - هي المصدر الرئيسي للتشريع . لما كان ذلك،  وكان المشرع الدستوري جعل الحرية الشخصية حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه ويحــميه بمبادئه . فنص في المادة (41) من الدستور على أن " الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، وذلك وفقا لأحكام القانون ". وكان من المقرر أن حق المواطن في الانتقال يعكس رافداً من روافد حـريته الشخصيـة التي حفــل بهـا الدستـور، دالاً بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة وأن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها ويقوض صحيح بنيانها وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى ولازم ذلك أن يكون الأصل الحرية في الانتقال والاستثناء هو المنع ، وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاضي أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية ، وقد حفل الدستور بالحقوق المتصلة بالحق في التنقل فنص في المادة 50 منه على حظر إلزام المواطن بالإقامة في مكان معيَّن أو منعه من الإقامة في جهة معيَّنة إلا في الأحوال التي يبينها القانون وتبعتها المادة 51 لتمنع إبعاد المواطن عن البلاد أو حرمانه من العودة إليها  وجاءت المادة 52 لتؤكد حق المواطن في الهجرة ومغادرة البلاد ، ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصاً ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم وأن هذا التنظيم يتعيَّن أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين . وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتنصل من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس تلتزم بالعمل في إطارها فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه كان متخلياً عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة 86 من الدستور ساقطاً - بالتالي - في هوة مخالفة القانون . لما كان ذلك ، وكان المشرع قد ارتقى بحرية التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها إلى مصاف الحريات العامة والحقوق الدستورية وقرر المشرع لذلك ضمانة شكلية تتمثل في النص على سبيل الحصر على جهتين فقط ، أناط بهما الاختصاص بإصدار قرارات المنع من التنقل والسفر وهما القاضي المختص والنيابة العامة إذا استلزمت ذلك ضرورة التحقيق وأمن المجتمع  وإذ كانت النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى الجنائية وهي شعبة من القضاء العادي تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق ووظيفة الاتهام ، وهي إذ تصدر من تلقاء نفسها قراراً بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر بمناسبة تحقيقات تجريها في واقعة جنائية مُعيَّنة ، فإن ذلـك يكون بموجب سلطتها الولائية بما لها من هيمنة على سير التحقيق مُستهدفة بها حسن إدارته مستمدة حقها في سلطة إصدار هذا الإدراج من الدستور ، وأن قيام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية بإنجاز ذلك الإدراج لا يكون إلا نفاذاً لقرار النائب العام ، يؤيد هذا النظر أن قرار وزارة الداخلية رقم 2214/1994 قد صدر بشأن " تنظيم قوائم الممنوعين من السفر "ــ بناء على طلب جهات عددها منها النائب العام والمحاكم في أحكامها وأوامرها واجبة النفاذ -، وليس من شأن قرار وزير الداخلية هذا أن يسلب حقاً منح لهاتين الجهتين من عماده ، ولا يغير من ذلك ما ورد بنص المادة السابعة من القرار سالف الذكر التي بيَّنت من له الحق في التظلم من ذلك الإدراج وكيفيته ، ذلك أن المطعون ضده إذ أقام دعواه ابتداء ما كان إلا بطلب إلغاء قرار إدراجه من على قوائم الممنوعين من السفر الصادر ضده وليس التظلم منه ، ومن ثم فإن المنازعة الموضوعية في ذلك القرار تكون خارجة عن نطاق رقابة المشروعية التي يختص القضاء الإداري بمباشرتها على القرارات الإدارية ، وداخلة في اختصاص جهة القضاء العادي تتولاها محاكمها طبقاً للقواعد المنظمة لاختصاصها، وإذ كان المطعون ضده قد أقام دعواه أمام القضاء الإداري بطريق إيداع الصحيفة والإعلان طبقاً لقانون المرافعات - القانون العام الذي يحكم نظم التقاضي - فقضت المحكمة الإدارية العليا بعدم الاختصاص الولائي ، وأحيلت الدعوى إلى محكمة استئناف ...... حيث نظرتها محكمة الجنايات كدعوى مطروحة أمامها وقضت فيها بعدم الاختصاص الولائي ، فإن ما قضت به محكمة الجنايات هو حكماً صادراً عنها قابلاً للطعن عليه أمام النقض ، ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر - خطأ - أن قرار النائب العام بإدراج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر قراراً إدارياً لا تختص المحاكم العادية بنظر إلغائه يكون قد جانبه الصواب ، وإذ كان الخطأ الذي استند إليه الحكم قد حجب المحكمة عن نظر موضوع الدعوى بالنسبة إليه ، فإنه يتعيَّن أن يكون النقض مقروناً بالإعادة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق