الصفحات

الأحد، 23 أكتوبر 2016

قضية رقم 15 لسنة 8 قضائية المحكمة العليا "تفسير"

باسم الشعب
المحكمة العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة أول ابريل سنة 1978م.
برئاسة السيد المستشار / بدوى إبراهيم حمودة                       رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : عمر حافظ شريف وعلى أحمد كامل وأبو بكر محمد عطيه نواب رئيس المحكمة وطه أحمد أبو الخير ومحمد فهمى حسن عشرى الوكيلين بالمحكمة والمستشار كمال سلامه عبد الله.                                                          أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ                          المفوض
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم                              أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى طلب التفسير المقيد بجدول المحكمة العليا برقم 15 لسنة 8 قضائية عليا       " تفسير ".

" الوقائع "
          طلب وزير العدل – بكتابه الوارد فى 17 من ديسمبر سنة 1977 – إلى رئيس المحكمة العليا اصدار قرار بتفسير نص الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور التى تنص على أن " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا توقع العقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون" وذلك لبيان المقصود بعبارة " حكم قضائى " الواردة فى هذا النص.
          وجاء بهذا الطلب وبالمذكرة المرافقة له أن المادة 459 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه " لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة إلا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة بذلك"، وأن المادة 235 من القانون المذكور أجازت لوكيل النائب العام – بالمحكمة التى تختص بنظر الدعوى- إصدار أمر جنائى بعقوبة الغرامة فى الجنح التى يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل وفى المخالفات متى كان القانون لا يوجب الحكم فيها بالحبس أو بعقوبة تكميلية ولم يطلب فيها التضمينات أو الرد، على ألا تتجاوز الغرامة التى يؤمر بها – فى مواد الجنح – مائتى قرش، ثم جاء دستور سنة 1971 متضمنا النص فى الفقرة الثانية من المادة 66 على أن " ... ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى"، وقد أثار نص هذه الفقرة خلافا فى الرأى حول المقصود بعبارة " حكم قضائى" الواردة فيه، فذهب رأى إلى أن المقصود بهذه العبارة الحكم بمعناه الخاص أى القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا فى خصومة تختص بنظرها وطرحت عليها وفقا للقانون.
          فى حين ذهب رأى آخر إلى أن المقصود بعبارة " حكم قضائى" المشار إليها هو الحكم بمعناه العام أى القرار الصادر من أى جهة أسبغ عليها القانون ولاية القضاء.
          وحسما للخلاف بين وجهتى النظر المشار إليها فى تفسير نص قانونى له أهميته فى مجال التطبيق، تقدم وزير العدل بطلب تفسيره عملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969، وأرفق بالطلب – تطبيقاً لنص المادة 14 من القانون رقم 66 لسنة 1970 بشأن الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا – مذكرة شارحة تضمنت الأسباب التى تستدعى طلب التفسير، وحافظة مستندات تضم صورة من كتاب نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس قسم التشريع مؤرخ فى 13 من يونيه سنة 1977 متضمنا رأى قسم التشريع بالمجلس فى شأن مشروع قانون أعدته وزارة العدل بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بنظام الأوامر الجنائية، وجاء بهذا الكتاب أن " ... المشروع المعروض يتضمن تعديل المواد 323 و 324 و 325 مكررا فقرة أولى من قانون الإجراءات الجنائية ويستهدف التوسع فى السلطة المخولة للقاضى الجزئى ووكيل النيابة فى إصدار الأوامر الجنائية. ولما كانت المادة 66 من الدستور تنص فى فقرتها الثانية على أنه ( .... ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ... )، ولما كان الأمر القضائى الصادر من وكيل النائب العام لايمكن اعتباره حكما قضائيا لأنه صادر من غير قاض أما الأمر الجنائى الصادر من القاضى الجزئى فيمكن اعتباره حكما إذ أنه صادر من قاض يفصل فى خصومة وإن كان ذلك يتم بإجراءات موجزة مبسطة، لذلك فإن قسم التشريع قد انتهى – بجلسته المعقودة بتاريخ 7/6/1977- إلى عدم الموافقة على تعديل المادة 325 مكررا فقرة أولى بما يتضمن التوسع فى السلطة المخولة لوكيل النائب العام فى إصدار الأوامر الجنائية، ولا يرى مانعا من الموافقة على تعديل المادتين 323 و 324 اللتين تتضمنان التوسع فى سلطة القاضى الجزئى فى إصدار الأوامر الجنائية".
          وقيد الطلب برقم 15 لسنة 8 ق عليا "تفسير" وأودعت هيئة المفوضين  تقريراً مسبباً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى " أن الأمر الجنائى الذى يصدر من وكيل النائب العام يدخل فى مفهوم عبارة "حكم قضائى" الواردة فى نص الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور".
 وحدد لنظر الطلب أمام المحكمة جلسة 4 من مارس سنة 1978 حيث نظر على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إرجاء النطق بالقرار لجلسة اليوم وفيها صدر القرار الآتى.

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطلب استوفى الأوضاع المقررة قانوناً.
ومن حيث إن طلب التفسير يستهدف بيان ما إذا كان الأمر الجنائى الصادر بالعقوبة من وكيل النائب العام فى الأحوال التى ينص عليها القانون يندرج فى مدلول عبارة " حكم قضائى" الواردة فى الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور سالفة البيان أم لا.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور تنص على أن " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ، ومن حيث إن المادة 67 من الدستور تنص على أن " المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" – ويبين من هذا النص أن الحكم الجنائى الذى توقع به العقوبة- وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور – هو الحكم الذى يصدر ممن أسند إليه الشارع ولاية القضاء فى المسائل الجنائية بشرط مراعاة ضمانات الدفاع المقررة، وأخصها التحقيق النهائى الذى تجريه المحكمة فى مواجهة المتهم بعد تمكينه من الحضور لإبداء دفاعه فى جلسة علنية إلاإذا رأت المحكمة – استثناءا – جعل الجلسة سرية مراعاة للنظام العام أوالآداب، ومن ثم فإنه لبيان ما إذا كان الأمر الجنائى الصادر بالعقوبة من وكيل النائب العام فى الأحوال المقررة قانونا وفقا لنص المادة 325 من قانون الإجراءات الجنائية يندرج فى مدلول عبارة " حكم جنائى" الواردة فى الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور يتعين الوقوف على أمرين، الأمر الأول هو استظهار ما إذا كان وكيل النائب العام إذ يصدر الأمر الجنائى بالعقوبة فى الأحوال المشار إليها يعتبر قائمة بوظيفة القضاء، والأمر الثانى هو استظهار ما إذا كانت ضمانات المحاكمة الجنائية مكفولة للمتهم الذى توقع عليه العقوبة بالأمر المذكور.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الأمر الأول وهو استظهار الطبيعة القانونية لعمل وكيل النائب العام عند إصداره الأوامر الجنائية بتوقيع العقوبة، فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الدستور إذ نص فى المادة 165 على أن " السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها" وفى المادة 172 منه على أن " يختص مجلس الدولة بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية..." فإنه لا يعنى غل يد الشارع عن اسناد الفصل فى بعض القضايا إلى جهات أخرى يخلع عليها ولاية القضاء فى هذه القضايا على أن يكون ذلك على سبيل الاستثناء من الأصل العام المقرر بهذين النصين متى اقتضت ذلك اعتبارات الصالح العام وعلى هذا النحو يعمل الشارع التفويض الذى خوله الدستور إياه فى المادة 167 بشأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها.
ولما كان هذا هو الشأن بالنسبة إلى الجهات الأخرى " غير المحاكم" التى يجوز تخويلها سلطة القضاء فى بعض القضايا فإنه يكون جائزا من باب أولى بالنسبة إلى وكلاء النيابة وهى على الرأى الراجح شعبة من السلطة القضائية تتولى أعمالا قضائية أهمها وظيفة التحقيق التى ورثتها عن قاضى التحقيق ثم وظيقة الاتهام أمام المحاكم الجنائية بحيث يتعين تمثيلها فى تشكيل هذه المحاكم وإلا كان قضاؤها باطلا ومن ثم تكون قراراتها قضائية ولهذا امتنعت على القضاء الإدارى منذ إنشاء مجلس الدولة لأنها " تخرج عن اختصاصه الأساسى وهو الفصل فى طلبات الغاء القرارات الإدارية يؤيد هذا النظر:
أولا – أن المادة 41 من الدستور التى أرست مبدأ الحرية الشخصية باعتبارها حقا طبيعيا كفلته للناس كافة بحيث لا يجوز فيما عدا حالة التلبس القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو من النيابة العامة وفقا لأحكام القانون مما يفيد أن الدستور قد سوى فى هذا الاختصاص القضائى بين النيابة والقضاء.
ثانيا – أن المادة 70 من الدستور تنص على ألا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التى يحددها القانون – وقد أسند الشارع هذا الاختصاص إلى النيابة العامة دون غيرها وذلك فى المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية التى تنص على أن " تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون" ومن ثم تكون النيابة جهة قضائية فى مفهوم النص الدستورى سالف الذكر.
ثالثا – أن الدستور المصرى الصادر عام 1923 عرض النيابة العامة فى تنظيم السلطة القضائية فى الفصل الرابع فى المواد من 124 – 131 وذلك بعد أن تكلم عن القضاء وكذلك تحدث دستور سنة 1956 عن النيابة العامة فى الفصل الرابع من الباب الرابع الخاص بالسلطات تحت عنوان " السلطة القضائية" وذلك فى المادتين 181 و 182 بعد أن تكلم عن القضاة فى المواد من 175 – 180 ولئن كانت الدساتير التالية لم تعرض للنيابة العامة كشعبة من السلطة القضائية فمرد ذلك إلى أن هذا المبدأ قد استقر بحيث لم تعد ثمت حاجة للنص عليه.
رابعا – أن نظامنا القانونى مأخوذ عن النظام الفرنسى حيث يطلق لفظ Magistrat  على القاضى كما يطلق على أعضاء النيابة العامة مع تخصيص اصطلاح Magistrature assise للقضاة واصطلاح Magistrature de bout لأعضاء النيابة العامة.
خامسا – أن الشارع المصرى جرى على تنظيم النيابة العامة دائما فى تشريعات السلطة القضائية المنظمة لشئون القضاء والقضاة. ومن حيث أنه عن الأمر الثانى الخاص بكفالة ضمانات التقاضى فى الأوامر الجنائية التى يصدرها وكيل النيابة فإن المادة 327 من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت لمن صدر ضده الأمر الجنائى بتوقيع العقوبة من القاضى أو من وكيل النائب العام أن يعلن عدم قبوله بتقرير فى قلم الكتاب خلال ثلاثة أيام من تاريخ اعلانه به، ورتبت على هذا التقرير سقوط الأمر واعتباره كأن لم يكن وتحديد جلسة تنظر فيها الدعوى أمام المحكمة، فإذا حضر الجلسة المحددة تنظر الدعوى فى مواجهته وفقا للإجراءات العادية.
وللمحكمة أن تحكم فى حدود العقوبة المقررة بعقوبة أشد من الغرامة التى قضى بها الأمر الجنائى. ( المادة 328 من قانون الإجراءات الجنائية).
أما إذا لم يحضر تعود للأمر قوته ويصبح نهائيا واجب التنفيذ – ويستفاد من هذين النصين أن الشارع إذ أجاز لوكيل النائب العام اصدار الأمر الجنائى فى الحالات المبينة فى المادة 325 من قانون الإجراءات الجنائية لم يغفل ضمانات التقاضى فى هذا الشأن إذ أجاز لمن صدر عليه الأمر أن يعترض عليه ورتب على هذا الاعتراض وجوب عرض الدعوى الجنائية من جديد على محكمة الدرجة الأولى لتفصل فيها بعد التحقيق النهائى الذى تجريه وبعد دعوة المتهم للحضور ولسماع دفاعه.
ومن حيث إن تحقيق هدف سرعة الفصل فى القضايا الذى بلغ من الأهمية حدا دعا الشارع إلى النص عليه فى المادة 68 من الدستور التى تقضى بأن تكفل الدولة سرعة الفصل فى القضايا ثم هدف تخفيف العبء الذى ينوء به القضاة قد استوجب كلاهما أن يستحدث الشارع نظام الأوامر الجنائية للفصل فى الدعاوى الجنائية البسيطة ونظام أوامر الأداء للفصل فى الدعاوى المدنية والتجارية قليلة الأهمية وأن يعهد بالفصل فيها للقضاة ويشترك معهم وكلاء النيابة فى إصدار الأوامر الجنائية مع تحديد حد أقصى للغرامة التى يجوز توقيعها بهذه الأوامر وهو بالنسبة إلى القضاة أعلى منه بالنسبة إلى وكلاء النيابة وقد سوى فى إجراءات اصدار هذه الأوامر والاعتراض عليها ونظر الدعوى فى حالة الاعتراض أمام المحكمة بالإجراءات العادية وعلى الجملة فى كافة الضمانات بين الأوامر التى تصدر من القضاة وتلك التى تصدر من وكلاء نيابة بعقوبة مالية بسيطة وخول المتهمين حق الاعتراض عليها وعندئذ يسقط الأمر الجنائى وتنظر الدعوى أمام المحكمة المختصة فى مواجهته بإجراءات العادية.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الأمر الجنائى الذى يصدر بتوقيع العقوبة من وكيل النائب العام يدخل فى مفهوم عبارة " حكم قضائى " الواردة فى الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور.

" فلهذه الأسباب"

وبعد الإطلاع على الفقرة الثانية من المادة 66 وعلى المادتين 165 و 167 من الدستور.
قررت المحكمة :
" أن الأمر الجنائى الذى يصدر بتوقيع العقوبة من وكيل النائب العام فى الأحوال التى ينص عليها القانون يدخل فى مفهوم عبارة " حكم قضائى " الواردة فى الفقرة الثانية من المادة 66 من الدستور" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق