الصفحات

الخميس، 22 سبتمبر 2016

الطعن 21609 لسنة 62 ق جلسة 10 / 12 / 1995 مكتب فني 46 هيئة عامة ق 1 ص 5

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ أحمد مدحت المراغي رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عوض محمد إبراهيم جادو ونجاح سليمان نصار ومحمد نبيل محمد رياض ومحمد حسين لبيب ومحمد أحمد محمد حسن وناجي اسحق نقديموس ومحمد محمد يحيى رشدان ومقبل شاكر كامل شاكر ومحمد صلاح الدين البرجي نواب رئيس المحكمة وعبد الرؤوف عبد الظاهر.

----------------

(1)
(هيئة عامة)
الطعن رقم 21609 لسنة 62 القضائية

 (1)مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قانون "تفسيره". اتفاقات دولية.
الجلب في مفهوم القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل استهدافه مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها. علة ذلك؟
 (2)
مواد مخدرة. جلب. اتفاقات دولية. قانون "تطبيقه". "تفسيره".
تضمن التشريعات المصرية في شأن مكافحة المواد المخدرة وتنظيم استعمالها حظر جلب المواد المخدرة على توالٍ في تشديد العقوبة.
حظر الجلب. المقصود به. بسط رقابة المشرع على علميات التجارة الدولية في الجواهر المخدرة.
 (3)
مواد مخدرة. جلب. جريمة "أركانها".
عدم تحقق جريمة جلب المخدر. إلا إذا كان المخدر المجلوب يفيض على حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس داخل جمهورية مصر العربية. أساس ذلك؟
 (4)
مواد مخدرة. جلب. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعديل الحكم المطعون فيه لوصف التهمة من جلب مادة مخدرة إلى إحرازها بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي لثبوت قيام المطعون ضده بنقلها من دولة أجنبية إلى دولة أجنبية أخرى مروراً بمطار القاهرة "ترانزيت". يتفق وصحيح القانون. علة ذلك؟

---------------
1 - إن الجلب الذي عناه الشارع في المواد 1، 2، 3، 33/ 1، 42 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاءً بالتزام دولي عام قننته الاتفاقات الدولية المختلفة ومنها اتفاقية الأفيون الدولية والبروتوكول الملحق بها والتي تم التوقيع عليها بجنيف في 19 من فبراير سنة 1925 وبدئ في تنفيذها في سبتمبر من العام ذاته وانضمت إليها مصر في 16 من مارس سنة 1926، وتعتبر هذه الاتفاقية الأصل التاريخي الذي استمد منه الشارع أحكام الاتجار في المخدرات واستعمالها.
2 - إنه على أثر توقيع مصر لاتفاقية الأفيون الدولية ووضعها موضع التنفيذ صدر القانون رقم 21 لسنة 1928 في 14/ 4/ 1928 وحظر في المادة الثالثة منه على أي شخص أن يجلب إلى القطر المصري أو يصدر منه أي جوهر مخدر إلا بترخيص خاص من مصلحة الصحة العمومية، وحدد في المادة الرابعة منه الأشخاص الذين يمكن أن يحصلوا على رخص الجلب، ثم صدر بعد هذا القانون المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 في 25/ 12/ 1952 ثم القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقوانين أرقام 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977، 122 لسنة 1989 وتضمنت كلها النص على ذات الحظر في شأن الجلب على توالٍِ في تشديد العقوبة حالاً بعد حال، ويبين من نصوص مواد هذه القوانين في صريح عباراتها وواضح دلالتها أن الشارع أراد من حظر الجلب أن يبسط رقابته على عمليات التجارة الدولية في الجواهر المخدرة، بحظر جلبها إلى مصر وتصديرها منها، وفرض قيوداً إدارية لتنظيم التعامل فيها وتحديد الأشخاص الذين يسمح لهم بهذا الاستثناء.
3 - إن جلب المخدر معناه إذن استيراده، وهو معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس في داخل جمهورية مصر العربية، يدل على ذلك منحى التشريع نفسه وسياسته في التدرج بالعقوبة على قدر جسامة الفعل، ووضع كلمة الجلب في مقابل كلمة التصدير في النص ذاته، وما نصت عليه الاتفاقات الدولية على - السياق المتقدم - وما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية وتقرير اللجنة المشتركة المشار إليها آنفاً.
4 - لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين الواقعة بياناً تتحقق به كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز مخدر الهيروين بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي التي دان المطعون ضدها بها والظروف التي وقعت فيها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما ترتب عليها، خلص إلى تعديل وصف التهمة من جلب مادة مخدرة إلى إحرازها بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في قوله "وحيث إنه تأسيساً على ما تقدم وكان الثابت من مطالعة أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات أن المتهم أحرز المواد المخدرة المضبوطة داخل أحشائه حاملاً إياها من بانجوك متجهاً بها إلى أكرا بغية طرحها وتداولها في أسواق بلادها وقد تم ضبطه بمنطقة الترانزيت بمطار القاهرة الدولي وهو يتأهب للسفر إلى أكرا ولم يدر بخاطره أن يدخل الأراضي المصرية بأي حال وآية ذلك أنه لم يحصل على تأشيرة دخول أو تصريح إقامة ولم تبدر منه أية محاولة لتسريب تلك السموم داخل البلاد كما لم يكن بمقدوره أن يفعل ذلك على أي نحو كان، يؤكد ذلك كله ما أكدته التحريات ذاتها وما أسفرت عنه التحقيقات على نحو جازم لا يتطرق إليه الشك، ومن ثم ينتفي قصد طرح المخدر وتداوله بين الناس في داخل الأراضي المصرية وهو القصد الخاص لجريمة جلب المواد المخدرة. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تغير الوصف القانوني للتهمة المسندة للمتهم طبقاً لنص المدة 308 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان القدر المتيقن في حقه أنه أحرز المخدر المضبوط إحرازاً مجرداً من أي قصد من القصود الثلاثة". وانتهى الحكم بعد ذلك إلى إدانة المطعون ضده بجريمة إحراز جوهر الهيروين المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي. لما كان ما تقدم، وكان ما قرره الحكم - على السياق المتقدم - يتفق وصحيح القانون، لما هو مقرر من أن جلب المخدر معناه استيراده، وهو معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس في داخل جمهورية مصر العربية فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المحكوم عليه بأنه جلب جوهراً مخدراً (هيروين) إلى داخل جمهورية مصر العربية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وبدون تصريح كتابي من الجهة الإدارية المختصة. وإحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 38، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم (2) من القسم الأول من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأخير مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط باعتبار أنه أحرز بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي جوهراً مخدراً (هيروين) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض وبجلسة 8 من مارس سنة 1995 قررت دائرة الأربعاء "ب" إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه... إلخ.


الهيئة

من حيث إنه يبين من الأوراق أن النيابة العامة اتهمت المطعون ضده بأنه جلب جوهراً مخدراً (هيروين) إلى داخل جمهورية مصر العربية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وقضى الحكم المطعون فيه بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، بعد أن عدلت المحكمة وصف التهمة إلى إحراز المخدر المضبوط بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، وأعملت في حقه المادة 17 من قانون العقوبات، وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على عدم توافر القصد الخاص لجريمة الجلب في حق المطعون ضده، وهو قصد طرح المخدر وتداوله بين الناس داخل أراضي جمهورية مصر العربية، لأنه كان في طريقه من دولة أجنبية - حاملاً المخدر المضبوط - إلى دولة أجنبية أخرى مروراً بمطار القاهرة الدولي، فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض. وإذ رأت الدائرة الجنائية التي نظرت الطعن العدول عن المبدأ القانوني الذي قرره الحكمان الصادران في الطعنين رقمي 17096 لسنة 62 القضائية، 10909 لسنة 63 القضائية من أن الجلب يتحقق بنقل المخدر وإدخاله إلى المجال الخاضع لاختصاص جمهورية مصر العربية الإقليمي على خلاف الأحكام المنظمة لجلبه المنصوص عليها في القانون، ولو كان في طريقه إلى دولة أخرى لطرحه وتداوله بين الناس فيها، فقررت بجلسة الثامن من مارس سنة 1995 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه عملاً بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
ومن حيث إن الجلب الذي عناه الشارع في المواد 1، 2، 3، 33/ 1، 42 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاءً بالتزام دولي عام قننته الاتفاقات الدولية المختلفة ومنها اتفاقية الأفيون الدولية والبروتوكول الملحق بها والتي تم التوقيع عليها بجنيف في 19 من فبراير سنة 1925 وبدئ في تنفيذها في سبتمبر من العام ذاته وانضمت إليها مصر في 16 من مارس سنة 1926، وتعتبر هذه الاتفاقية الأصل التاريخي الذي استمد منه الشارع أحكام الاتجار في المخدرات واستعمالها، وقد أوضحت الاتفاقية أن من بين أغراضها إجراء مراقبة على التجارة الدولية وذلك بدعوة الدول المنضمة إليها إلى القيام بعمل منسق لضمان فعالية التدابير المتخذة ضد إساءة استعمال المخدرات، ونص في المادة 12 منها في باب "مراقبة التجارة الدولية" على أن - "يجب على كل دولة من الدول المتعاقدة أن تشترط الحصول على رخصة جلب خاصة عن كل طلب لأي مادة من المواد التي تنطبق عليها نصوص هذه الاتفاقية ويذكر في هذه الرخصة المقدار المطلوب جلبه واسم وعنوان الجالب وكذلك اسم وعنوان المصدر ويذكر في رخصة الجلب المدة التي يجب أن يتم فيها الجلب ويمكن أن يباح الجلب في جملة دفعات". ومن هذه الاتفاقات أيضاً اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة في فيينا بتاريخ 19/ 12/ 1988 وصدر بالموافقة عليها القرار الجمهوري رقم 568 لسنة 1990 وتصدق عليها من رئيس الجمهورية بتاريخ 13/ 2/ 1991، ونصت المادة الثانية منها تحت عنوان "نطاق الاتفاقية" على أن: "1- تهدف هذه الاتفاقية إلى النهوض بالتعاون فيما بين الأطراف حتى تتمكن من التصدي بمزيد من الفعالية لمختلف مظاهر مشكلة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، الذي له بعد دولي، وعلى الأطراف أن تتخذ، عند الوفاء بالتزاماتها بمقتضى الاتفاقية، التدابير الضرورية، بما في ذلك التدابير التشريعية والإدارية، وفقاً للأحكام الأساسية لنظمها التشريعية الداخلية. 2 - على الأطراف أن تفي بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية بشكل يتمشى مع مبدأي المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية للدول ومع مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. 3 - لا يجوز لأي طرف أن يقوم في إقليم طرف آخر، بممارسة وأداء المهام الذي يقتصر الاختصاص بها على سلطات ذلك الطرف الآخر بموجب قانونه الداخلي. وعلى أثر توقيع الاتفاقية الأولى ووضعها موضع التنفيذ صدر القانون رقم 21 لسنة 1928 في 14/ 4/ 1928 وحظر في المادة الثالثة منه على أي شخص أن يجلب إلى القطر المصري أو يصدر منه أي جوهر مخدر إلا بترخيص خاص من مصلحة الصحة العمومية، وحدد في المادة الرابعة منه لأشخاص الذين يمكن أن يحصلوا على رخص الجلب، ثم صدر بعد هذا القانون المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 في 25/ 12/ 1952 ثم القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقوانين أرقام 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977، 122 لسنة 1989 وتضمنت كلها النص على ذات الحظر في شأن الجلب على توالٍِ في تشديد العقوبة حالاً بعد حال، ويبين من نصوص مواد هذه القوانين في صريح عباراتها وواضح دلالتها أن الشارع أراد من حظر الجلب أن يبسط رقابته على عمليات التجارة الدولية في الجواهر المخدرة، بحظر جلبها إلى مصر وتصديرها منها، وفرض قيوداً إدارية لتنظيم التعامل فيها وتحديد الأشخاص الذين يسمح لهم بهذا الاستثناء، وقد أفصحت عن هذا المعنى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 122 لسنة 1989 بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، وكذا تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكاتب لجان الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف والدفاع والأمن القومي والتعبئة القومية والشئون الصحية والبيئة والشباب عن مشروع القانون ذاته، فقد جاء بالمذكرة الإيضاحية ما نصه "تفاقمت مشكلة المخدرات في السنوات الأخيرة، على المستويين المحلي والدولي، تفاقماً خطيراً، حيث اقتحمت ميادينها ترويجاً واتجاراً وتهريباً قواعد عديدة كان من أبرزها العصابات الدولية القائمة على شبكات محكمة التنظيم، مزودة بإمكانيات مادية هائلة، مكنتها من إغراق البلاد بأنواع من هذه المخدرات، باشر انتشارها آثاره المدمرة على المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية لقطاعات هامة من أفراد الشعب، بحيث أصبحت مواجهة هذه الموجة التخريبية ضرورة يمليها واجب المحافظة على قيم وطاقات شعب يتطلع إلى البناء والتطور، وواجب حفظ قدرات وحيوية شبابه، وهم دعامة هذا البناء، من أخطر أشكال الدمار الإنساني. إذ كانت هذه المجابهة تتسع لتشمل جهوداً في ميادين شتى منها الثقافي والديني والتعليمي والاقتصادي والصحي والأمني، فإنه يبقى التشريع ميداناً من أهم ميادين هذه المجابهة، حيث يقوم تأثيم الأفعال المتصلة بهذا النشاط والعقاب عليها بدوره كقوة الردع الأساسية على درء هذا الخطر". كما جاء بتقرير اللجنة المشتركة ما نصه "لقد واجهت مصر في السنوات الأخيرة ظاهرة انتشار تعاطي وإدمان المخدرات وخاصة الكوكايين والهيروين والأقراص والحقن المخدرة وقد استهدفت هذه الموجة الدخيلة على مجتمعنا النفاذ إلى قطاع الشباب والأحداث، أغلى ثروات مصر ومستقبلها، في المدارس والجامعات والأندية الرياضية، وذلك بعد أن كانت هذه الظاهرة قاصرة في وقت ما على بعض الحرفيين وفئة محدودة من الشعب، وفي الوقت الذي تكثف فيه الدولة جهودها لدفع عجلة الإنتاج لتحقيق أهداف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتغلب على المصاعب التي تواجه الاقتصاد المصري فقد بات محتماً محاصرة هذه الظاهرة من جميع جوانبها والضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه الترويج لتجارة الموت". لما كان ما تقدم، فإن جلب المخدر معناه إذن استيراده، وهي معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس في داخل جمهورية مصر العربية، يدل على ذلك منحى التشريع نفسه وسياسته في التدرج بالعقوبة على قدر جسامة الفعل، ووضع كلمة الجلب في مقابل كلمة التصدير في النص ذاته، وما نصت عليه الاتفاقات الدولية على - السياق المتقدم - وما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية وتقرير اللجنة المشتركة المشار إليهما آنفاً.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، فإن الهيئة العامة تنتهي، بالأغلبية المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية، إلى العدول عن المبدأ القانوني الذي قرره الحكمان اللذان صدرا على خلاف هذا النظر من أن لفظ الجلب يتسع ليشمل الطرح للتداول سواء داخل البلاد أو خارجها.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية قد خولت هذه الهيئة الفصل في الطعن المحال إليها.
ومن حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجريمة إحراز مخدر الهيروين بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي واستبعد جريمة الجلب المسندة إليه قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه اعتبر عدم إمكان طرح المخدر المضبوط وتداوله بين الناس داخل أراضي جمهورية مصر العربية واتجاه نية المطعون ضده إلى طرحه وتداوله بين الناس داخل أراضي دولة أخرى لا يوفر في حقه جريمة الجلب، في حين يكفي لتحقق تلك الجريمة مجرد إدخاله المخدر إلى البلاد على خلاف الأحكام المنظمة لجلبه في القانون ولو كان في سبيله لنقله إلى إقليم دولة أخرى، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين الواقعة بياناً تتحقق به كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز مخدر الهيروين بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي التي دان المطعون ضده بها والظروف التي وقعت فيها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، خلص إلى تعديل وصف التهمة من جلب مادة مخدرة إلى إحرازها بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في قوله "وحيث إنه تأسيساً على ما تقدم، وكان الثابت من مطالعة أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات أن المتهم أحرز المواد المخدرة المضبوطة داخل أحشائه حاملاً إياها من بانجوك متجهاً بها إلى أكرا بغية طرحها وتداولها في أسواق بلادها وقد تم ضبطه بمنطقة الترانزيت بمطار القاهرة الدولي وهو يتأهب للسفر إلى أكرا ولم يدر بخاطره أن يدخل الأراضي المصرية بأي حال وآية ذلك أنه لم يحصل على تأشيرة دخول أو تصريح إقامة ولم تبدر منه أية محاولة لتسريب تلك السموم داخل البلاد كما لم يكن بمقدوره أن يفعل ذلك على أي نحو كان، يؤكد ذلك كله ما أكدته التحريات ذاتها وما أسفرت عنه التحقيقات على نحو جازم لا يتطرق إليه الشك، ومن ثم ينتفي قصد طرح المخدر وتداوله بين الناس في داخل الأراضي المصرية وهو القصد الخاص لجريمة جلب المواد المخدرة. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تغير الوصف القانوني للتهمة المسندة للمتهم طبقاً لنص المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان القدر المتيقن في حقه أنه أحرز المخدر المضبوط إحرازاً مجرداً من أي قصد من القصود الثلاثة". وانتهى الحكم بعد ذلك إلى إدانة المطعون ضده بجريمة إحراز جوهر الهيروين المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي. لما كان ما تقدم، وكان ما قرره الحكم - على السياق المتقدم - يتفق وصحيح القانون، لما هو مقرر من أن جلب المخدر معناه استيراده، وهو معنى لا يتحقق إلا إذا كان الشيء المجلوب يفيض عن حاجة الشخص واستعماله الشخصي ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس في داخل جمهورية مصر العربية، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق