الصفحات

الأحد، 7 يونيو 2015

دستورية العقاب على البلاغ الكاذب

قضية رقم 22 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
          بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنـة 2015م، الموافـق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور         رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبدالرازق ومحمد عبدالعزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجــــــــار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى اسكندر                          نواب رئيس ا لمحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم       رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /محمد ناجى عبد السميع                        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 22 لسنة 25 قضائية "دستورية " .
المقامة من
السيدة /افتراج مختــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار على
ضــــــد
1 - السيد رئيس الجمهوريــــــــــــــــــــــــــة
2 - السيد رئيس مجلسالـــــــــــــــــوزراء
3 - السيد المستشار وزير العـــــــــــــــدل
4 - السيد المستشار النائب العــــــــــــــــام
5 – السيد / عصام زكىعبد العـــــــــــــال
الإجـــــــــراءات
          بتاريخ السادس عشر من يناير سنة 2003،أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (305) من قانون العقوبات .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكـرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
          وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضينتقريرًا برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمـــــة
          بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
          حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس أقام بطريق الادعاءالمباشر الجنحة رقم 6342 لسنة 2002 جنح قسم بولاق الدكرور قِبَلَ المدعية، بطلبعقابها بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة (305) من قانون العقوبات، وإلزام ها أنتؤدى له تعويضاً مؤقتاً مقداره (2000) جنيه، بوصف أنها أبلغت كذباً، وبسوء قصد،باعتدائه عليها بالضرب. فقضت محكمة جنح بولاق الدكرور بمعاقبة المتهمة بالحبس شهرًا مع الشغل، وإلزام ها أن تؤدى للمدعى بالحقوق المدنية (2000) جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وإذ لم ترتض المتهمة هذا الحكم فاستأنفته، وقُيِّدَ استئنافها برقم 16546 لسنة 2002 جنح مستأنف بولاق الدكرور، وحال نظر الاستئناف، دفعت بعدم دستورية المادة (305) من قانون العقوبات . وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى الماثلة .
   وحيث إن المادة (305) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 تنص على أن " وأما منأخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الأخبار المذكورة ولم تقم دعوى بما أخبر به " .
    وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع . إذ كان ذلك،وكانت المدعية قد قدمت للمحاكمة الجنائية، بوصف قيامها بالإبلاغ كذباً، وبسوء قصد، باعتداء المدعى عليه الخامس عليها بالضرب، وكان ذلك الفعل هو صورة التجريم التي تضمنتها المادة (305) من قانون العقوبات . ومن ثم، فإن الفصل فى دستورية خضوع الفعل المشار إليه لنموذج التجريم الوارد بذلك النص، يرتب انعاكسًا أكيدًاومباشرًا على الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على دستوريته، ويتحدد به نطاق الدعوى الماثلة .
    وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه أنه ورد خالياً من تحديد العقوبة الواجبة التطبيق على من يخالف شق التكليف الوارد بها، فلم تحدد المادة العقوبة لا تصريحاً ولا إحالة إلى غيرها من المواد،مخالفة بذلك ما أوجبه الدستور من أن تحدد الجرائم تحديداً من ضبطاً، من خلال نصوصقانونية واضحة، يبين منها أركان الجريمة، والعقوبة المقررة لها، مما يصم النص المطعون فيه بالغموض؛ على نحو يكون معه إنفاذه مرتبطاً بمعايير شخصية قد تخالطها الأهواء، وهو ما يخل بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. كما أن تقييد المحكمة التىتفصل فى دعوى البلاغ الكاذب بالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وبالحكم الصادر عنالواقعة التى كانت محلًّا للجريمة، يمثل إخلالاً بحق المتهم فى محاكمة من صفة، يكفلله فيها ضمانات الدفاع عن نفسه؛ الأمر الذى يتعارض مع ما توجبه المادتان (10) ،(11) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، كما يتعارض مع المواد (64) ، (65)، (165)من دستور سنة 1971 .
    وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم،ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . لما كان ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه فى ضوء أحكام الدستور الحالىالصادر فى 18/1/2014 .
    وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة، لا خفاء فيها أو غموض. فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًاباتساعها، أو بخفائها، من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها . متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه، قد صيغت عباراته بطريقة واضحة لا خفاء فيها أو غموض، تكفل لأن يكون المخاطبون بها علىبينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها؛وكان البين من مطالعة الباب السابع من الكتاب الرابع من قانون العقوبات، أن المادة (302) منه عرفت جريمة القذف، وحددت المادة (303) منه عقوبة تلك الجريمة، ثم أحالنص المادة (305) "النص المطعون عليه" فى بيان العقوبة على أقرب عقوبة مذكورة، وهى عقوبة جريمة القذف، الواردة فى المادة (304)، وبحسبان أن البلاغ الكاذب،صورة خاصة من صور جريمة القذف؛ فإن ما تنعاه المدعية على النص المطعون عليه من عدمتقريره لعقوبة ما لجريمة البلاغ الكاذب، يكون قد جاء على غير سند .
   وحيث إن افتراض أصـل البراءة – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها . وقد غدا حتميًّا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتكوّن من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها،بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة . ولما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أو رد بيانًا لصورة الركن المادى المكون للجريمة، وما يجب أن يقارنها من قصد عمدى من علم وإرادة، وكلها عناصر تتناضل النيابة العامة، والمتهم، فى إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، والتى لاتقضى بإنزال العقوبة بالمتهم بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها، وتكوّن من مجموعها عقيدتها. ومن ثم، فإن ما تنعاه المدعية على النص الطعين من إخلال بضمانات المحاكمة المنصفة، والحق فى الدفاع، يكون لا أساس له .
وحيث إنه من المقررأيضًا فى قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التيتضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذهالجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلى عن تلكالتي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوزالتسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًاللدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة منمراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفةالدستورية . متى كان ذلك، وكان المشرع قد توخى بالنص المطعون فيه حماية مصلحةاجتماعية معتبرة، بهدف الحفاظ على كيان المجتمع ولحمته،تتمثل فى وجوب حمايةالأعراض، وصون سمعة الأفراد، وتجنيبهم مغبة المكايدة وجرهم إلى ساحات المحاكم، أومجالس التحقيق، دون ما ذنب جنوه أو جريرة اقترفوها، إلا رغبة الجانى التشهيربالمجنى عليه، واغتيال سمعته، والنيل من مكانته، فضلاً عن صون مرفق العدالة من الاضطراب، وحمايته من شغله بما لا طائل من ورائه ولا جدوى من إشغاله به، فتتعطلمصالح من يلجأ له من المواطنين، وتضحى الحقوق عرضة للضياع، أو تأخير اقتضائها علىأفضل الفروض. وإذ رصد المشرع فى النص المطعون فيه عقوبة الغرامة التى لا تقل عنخمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه، لكل من أبلغ السلطات بواقعةمكذوبة، وأوجب لاكتمال التجريم أن يتوافر لدى الجانى علم بكذب البلاغ، وإرادةالإبلاغ رغم ذلك، وأن يثبت فوق ما تقدم سوء قصد الفاعل؛ بانتوائه الإضرار بالمجنىعليه، واغتيال سمعته، والتشهير به، وجاءت العقوبة التي رصدها النص المطعون فيه، فىإطار العقوبات المقررة للجرائم المعتبرة جنحًا، وتلك العقوبة فضلاً عن أنها تتناسبمع الإثم الجنائى لمرتكب تلك الجريمة، دون أن يصيبها غلو، أو يداخلها تفريط، فإنهاتدخل فى إطار سلطة المشرع التقديرية فى اختيار العقاب، ودون مصادرة أو انتقاص منسلطة القاضى فى تقديرها فى ضوء الخطورة الإجرامية للمتهم، إذ احتفظ النص المطعون فيه للقاضى بسلطة تقديرية فى الحكم بمقدار الغرامة المناسبة للفعل الذى قارفهالجانى، بحسب ظروف كل جريمة وظروف مرتكبها. ومؤدى ما تقدم جميعه، أن النص المطعون فيه قد التزم جميع الضوابط الدستورية المتطلبة فى مجـال التجريـم والعقـاب،موضـوعًا وصياغة، بما لا مخالفة فيه لأى من المواد ( 94، 95، 96، 151، 184) من الدستور الحالى، أو أىٍّ من أحكامـه الأخرى، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى .
فلهـــذهالأسبـــاب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرةالكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
          صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره،أما السيد المستشار الدكتور عادل عمر شريف، الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقععلى مسودة الحكم، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار رجب عبد الحكيم سليم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق