الصفحات

الخميس، 5 فبراير 2015

الطعن 27925 لسنة 68 ق جلسة 22 / 9 / 1999 مكتب فني 50 ق 108 ص 466

جلسة 22 من سبتمبر سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ عبد اللطيف علي أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد إسماعيل موسى ومصطفى محمد صادق ويحيى محمود خليفة ومحمد علي رجب نواب رئيس المحكمة.

-------------------

(108)
الطعن رقم 27925 لسنة 68 القضائية

(1) حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده الحكم مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) حكم "بيانات التسبيب".
إشارة الحكم إلى مادة القانون الذي حكم بمقتضاه. كفايته رداً على النعي عليه بالقصور في هذا الصدد.
(3) جريمة "أركانها". رشوة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جريمة الرشوة لا يشترط فيها أن يكون الموظف مختصاً بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو نصيب من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض منها.
جريمة الرشوة. تمامها. بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله.
مثال: لتسبيب سائغ في توافر جريمة الرشوة.
(4) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". تسجيل المحادثات.
إطراح الحكم التسجيلات وعدم الأخذ بالدليل المستمد منها ينحسر عنه الالتزام بالرد على أي دفاع يتصل بها.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بأقوال الشهود.
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم ما دام استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا تجوز إثارته أمام النقض.
(7) إجراءات "إجراءات التحقيق". مأمورو الضبط القضائي. إكراه.
حضور مأمور الضبط القضائي التحقيق. لا يعيب إجراءاته. سلطان الوظيفة في حد ذاته. لا يعد إكراها. ما دام لم يستطل إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً. مجرد الخشية منه. لا يعد قرين الإكراه المبطل للشهادة.
(8) دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي. الرد عليه استقلالاً. غير لازم. استفادة الرد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
الجدل الموضوعي. غير مقبول أمام النقض.
(9) إثبات "بوجه عام". "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم. حق لمحكمة الموضوع وحدها. لها أن تزن أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين دون الأخر. ولا تناقض في ذلك. علته؟
(10) نقض "أثر الطعن". محكمة الإعادة "سلطتها".
نقض الحكم وإعادة المحاكمة. يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض.
مجرد مخالفة محكمة الإعادة لقضاء محكمة النقض لا يصح بذاته أن يكون وجهاً للطعن على الحكم.

------------------
1 - لما كان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها. فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة، كان ذلك محققاً لحكم القانون ويكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد.
2 - لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين وصف الجريمة المسندة إلى الطاعن أشار إلى النص الذي أخذه به بقوله "يتعين معاقبته عن ذلك طبقاً للمادة 304/ 2 أ. ج بمقتضى المادة 103 من قانون العقوبات". فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مادة القانون الذي حكم بمقتضاه بما يحقق حكم القانون. ويكون ما ينعاه الطاعن من قصور الحكم في هذا الصدد على غير أساس.
3 - من المقرر أن القانون لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف وحده المختص بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو يكون له نصيب من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن وهو يعمل كيميائي ومفتش أمن صناعي بإدارة الأمن الصناعي بـ..... طلب وأخذ لنفسه مبلغ ألفي جنيه من شركة...... ومبلغ ألف وخمسمائة جنيه من الشركة....... التابعتين لرقابة وإشراف الإدارة التي يعمل بها - مقابل عمل تقارير بحوث لهاتين الشركتين تتضمن عدم مخالفتهما لأحكام قانون الأمن الصناعي. وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن ولم يكن تسلم المبلغ بعد ذلك إلا نتيجة لما تم الاتفاق عليه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
4 - لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أطرح التسجيلات التي تمت ولم يأخذ بالدليل المستمد منها ولم يشر إليها في مدوناته وبنى قضاءه - على ما اطمأن إليه من أقوال شهود الإثبات التي لم تستمد أياً منها من تلك التسجيلات ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على أي دفاع يتصل بهذه التسجيلات، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
6 - لما كان تناقض أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لشهادة شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة وهو من إطلاقاتها، ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
7 - من المقرر أن مجرد حضور مأمور الضبط القضائي التحقيق - بفرض حصوله - ليس فيه ما يعيب إجراءاته إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاص وإمكانيات لا يعد إكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً، كما أن مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للشهادة لا معنى ولا حكماً، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله.
8 - لما كان من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة دفاع موضوعي لا يستوجب رداً على استقلال ما دام الرد يستفاد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن بهذا الصدد لا يعدو بدوره جدلاً موضوعياً لا يقبل لدى محكمة النقض.
9 - لما كان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها بالنسبة لذات الأدلة بالنسبة إلى متهم آخر، كما أن لها أن تزن أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر منها، وما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة التناقض والفساد في الاستدلال يكون لا محل له.
10 - لما كان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض، فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها، وإذ كان ذلك، وكان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض، وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا تصح أن تكون بذاتها وجهاً للطعن على الحكم، فإن ما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم المطعون فيه إلى أدلة أخرى غير ما عول عليه الحكم المنقوض ومجادلته في هذه الأدلة لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه - وآخر "قضي ببراءته" - أولاً: بصفته موظف عمومي "كيميائي ومفتش أمن صناعي بإدارة الأمن الصناعي بـ..... طلب وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب وأخذ مبلغ ستة آلاف وخمسمائة جنيه" من شركات..... و..... والمهندس ..... مفتش أمن صناعي بالإدارة على سبيل الرشوة مقابل عمل تقارير بحوث لتلك المنشآت والشركات تتضمن عدم مخالفتها لأحكام قانون الأمن الصناعي دون إتباع الإجراءات الواردة بدليل الأمن الصناعي ومنح الأخير خطوط سير مفتوحة بالقرب من مسكنه للقيام بأعماله الخاصة والتغاضي عن اشتراكه مع أعضاء قسم البحوث عند إجراء القياسات. ثانياً: بصفته السابقة طلب عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب مبلغ ثلاثة آلاف جنيه من شركة..... مقابل إعداد تقرير بحث لصالح الشركة وقد رفضت الشركة البحث بقرار من لجنة السلامة والصحة المهنية بالشركة لعلمهما المسبق بمجانية تلك البحوث. ثالثاً: بصفته السابقة ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في محررات رسمية هي "تقارير البحوث الخاصة بشركات....... و....... وكذا استمارات العهدة المستهلكة حالة تحريرها المختص بوظيفته بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أثبت بتلك التقارير انتقال أعضاء قسم البحوث بأجهزة الإدارة لإجراء المعاينات على الطبيعة وأخذ المقايسات اللازمة كما أثبت باستمارات العهدة المستهلكة استخدام الكروت وإجراء المقايسات الخاصة بتلك التقارير وذلك على خلال الحقيقة مع علمه بذلك. رابعاً: استعمل المحررات المزورة سالفة البيان بأن قدمها إلى أصحاب الشأن للعمل بموجبها مع علمه بذلك على النحو المبين بالتحقيقات. خامساً: اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر في اختلاس مبلغ خمسمائة وأربعين جنيهاً "قيمة الكروت موضوع التهمة الثالثة المنسوبة للمتهم الآخر بأن اتفق معه على إحضار الفواتير من المكتب..... ثم قام بتحرير مذكرة ضمنها شراء الكروت وفقاً للأسعار الثابتة بالفواتير وعرضت على وكيل الوزارة فتمت الموافقة على صرف قيمتها ووقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2، 41، 103، 104، 111/ 8، 112/ أ - ب، 113/ 1 - 2، 115، 118، 118 مكرراً، 119/ أ، 119 مكرراً، 211، 213، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المواد 17، 30، 32 من ذات القانون بمعاقبته.
فطعن المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم....) ومحكمة النقض قضت بقبول طعن النيابة العامة والمحكوم عليه شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 103، 104 ،107 مكرراً، 111، 112/ أ - ب، 113/ 1 - 2، 115، 118، 118 مكرراً، 119/ أ، 119 مكرراً، 211، 213، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه عن التهمة الأولى وببراءته مما نسب إليه عدا ذلك.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض "المرة الثانية"... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الرشوة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن خلا من بيان واقعة الدعوى وظروفها بياناً تتحقق به أركان جريمة الرشوة خاصة وأنه غير مختص بالعمل الذي أخذت من أجله الرشوة كما خلا من نص القانون الذي حكم بموجبه، وأغفل دفوعه ببطلان الإذن بالتسجيل والمراقبة التليفونية، وببطلان إجراءات التسجيل والتفتيش، وببطلان اعتراف الطاعن الوارد بالتسجيلات إيراداً لها ورداً عليها، وعول على أقوال شهود الإثبات رغم عدم صحتها وتناقضها، وجاءت شهادة....... وليدة إكراه لحضور عضو الرقابة الإدارية لدى سؤالها بالتحقيقات، كما أن التهمة لفقت للطاعن من قبل رجال الضبط. وقضت المحكمة بإدانة الطاعن رغم سبق قضائها ببراءة المتهم الآخر ووحدة الواقعة. مخالفاً بذلك حكم محكمة النقض. بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ويكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين وصف الجريمة المسندة إلى الطاعن أشار إلى النص الذي أخذه به بقوله "ويتعين معاقبته عن ذلك طبقاً للمادة 304/ 2 أ. ج بمقتضى المادة 103 من قانون العقوبات". فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مادة القانون الذي حكم بمقتضاه بما يحقق حكم القانون، ويكون ما ينعاه الطاعن من قصور الحكم في هذا الصدد على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف وحده المختص بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو يكون له نصيب من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة، وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن وهو يعمل كيميائي ومفتش أمن صناعي بإدارة الأمن الصناعي..... طلب وأخذ لنفسه مبلغ ألفي جنيه من شركة...... ومبلغ ألف وخمسمائة جنيه من الشركة...... التابعتين لرقابة وإشراف الإدارة التي يعمل بها - مقابل عمل تقارير بحوث لهاتين الشركتين تتضمن عدم مخالفتهما لأحكام قانون الأمن الصناعي. وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن ولم يكن تسلم المبلغ بعد ذلك إلا نتيجة لما تم الاتفاق عليه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه أطرح التسجيلات التي تمت ولم يأخذ بالدليل المستمد منها ولم يشر إليها في مدوناته وبني قضاءه - على ما اطمأن إليه من أقوال شهود الإثبات التي لم تستمد أياً منها من تلك التسجيلات ومن ثم فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على أي دفاع يتصل بهذه التسجيلات، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن منازعة الطاعن في القوة التدليلية لشهادة شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة وهو من اطلاقاتها، ولا تجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مجرد حضور مأمور الضبط القضائي التحقيق - بفرض حصوله - ليس فيه ما يعيب إجراءاته إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاص وإمكانيات لا يعد إكراهاً ما دام هذا السلطان لم يستطل إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً، كما أن مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للشهادة لا معنى ولا حكماً، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة دفاع موضوعي لا يستوجب رداً على استقلال ما دام الرد يستفاد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن بهذا الصدد لا يعدو بدوره جدلاً موضوعياً لا يقبل لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها بالنسبة لذات الأدلة بالنسبة إلى متهم آخر، كما أن لها أن تزن أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر منها، وما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة التناقض والفساد في الاستدلال يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض، فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها. وإذ كان ذلك، وكان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض، وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا تصح أن تكون بذاتها وجهاً للطعن على الحكم، فإن ما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم المطعون فيه إلى أدلة أخرى غير ما عول عليه الحكم المنقوض ومجادلته في هذه الأدلة لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق