الصفحات

الأحد، 31 مارس 2013

كتاب دوري رقم 19 لسنة 2006 بشأن التقرير في الأوراق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الدليل لفساد إجراءات القبض والتفتيش

في إطار متابعتنا لإجراءات إنجاز التحقيق والتصرف في قضايا الجنايات ومراجعة الأحكام الصادرة فيها ، تلاحظ لنا كثرة عدد القضايا المحكوم فيها بالبراءة لأسباب ترجع إلى بطلان إجراءات القبض والتفتيش ، مما كان يتعين معه على المحامين العامين للنيابات الكلية التقرير في الأوراق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة دون إحالتها إلى محاكم الجنايات .
ولما كان دستور مصر الدائم الصادر سنة 1971 قد وضع قواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية وما يتفرع عنها من حريات وحرمات ، صوناً لها كما أجاز - في إطار التوفيق بين حق الفرد في الحرية الشخصية وفى حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع في عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه - تفتيش الشخص أو المسكن أو مراقبة المحادثات التليفونية أو غير ذلك من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعها لضمانات معينة نص عليها .
إذ حرص الدستور في سبيل حماية الحريات العامة على كفالة الحرية الشخصية لاتصالها بكيان الفرد منذ وجوده ، حيث نصت المادة ( 41/1 ) منه على أن " الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس ، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون .
وحرص الدستور أيضاً على ضمان عدم انتهاك حرمة المسكن ، وصون حرمته التي تنبثق من الحرية الشخصية التي تتعلق بكيان الفرد وصيانة حياته الخاصة ومسكنه الذي يأوي إليه وهو موضع سره وسكينته ، فنصت المادة ( 44 ) منه على أن " للمساكن حرمة فلا يجوز دخولهـا ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون " .
كما أكد على حرمة الحياة الخاصة فقضت المادة ( 45 ) منه على أن " لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة ، وسريتها مكفولة ، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون " .
وتطبيقاً للقواعد الدستورية المشار إليها قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص المادة ( 47 ) من قانون الإجراءات الجنائية فيما خوله لمأمور الضبط القضائي من حق في إجراء تفتيش مسكن المتهم في حالة التلبس بجناية أو بجنحة دون أن يصدر له أمر قضائي مسبب ممن يملك سلطة التحقيق ، لمخالفته لحكم المادة ( 44 ) من الدستور السالف بيانها .
كما قضت محكمة النقض بأن نص المادة ( 49 ) من قانون الإجراءات الجنائية الذي يخول مأمور الضبط القضائي الحق في تفتيش الشخص إذا ما قامت ضده أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفى شيئاً يفيد في كشف الجريمة دون أن يصدر أمر قضائي ممن يملك سلطة إصداره أو أن تتوافر في حقه حالة التلبس ، يعتبر ملغياً لمخالفته لحكم المادة ( 41 ) من الدستور على السياق المتقدم ، ولا يجوز الاستناد إليه في إجراء القبض والتفتيش .
وإذ كان المشرع قد نص على البطلان كأثر لعدم صحة الإجراءات الجنائية ، وحاول تنظيم أحوال البطلان فيما أورده من قواعد عامة في نص المادة 331 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية ، إلا أن هذه النصوص تدل في عبارتها الصريحة على أن الشارع لم يحصر المسائل المتعلقة بالنظام العام - وما كان في مقدوره أن يحصر والقوانين أبداً متغيرة - فذكر البعض من هذه المسائل في المادة ( 332 ) وترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه ، كما أوضح في نص المادة ( 331 ) سالفة الذكر حكم البطلان المطلق وهو جواز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوة ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ، وسلطة المحكمة في أن تقضى به من تلقاء نفسها .
وكانت محكمة النقض قد صرحت في العديد من الأحكام التي أصدرتها بأن الدفع ببطلان التفتيش هو من الدفوع الموضوعية المتعلقة بالنظام العام ، فإذا كان ما جاء في الحكم من الوقائع دالاً بذاته على وقوع البطلان جازت إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ولو لم يدفع به أمام محكمة الموضوع .
وكانت النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى العمومية وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون، وقد خولها المشرع - بصدد التصرف في الدعوى الجنائية - سلطة التقرير في الأوراق بالا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وفقاً لحكم المادتين ( 154 ، 209 ) من قانون الإجراءات الجنائية إذا ما توافرت أسباب لذلك ، سواء أكانت أسباباً قانونية أو موضوعية .
فإنه إعمالاً لأحكام الدستور والقانون التي تكفل حماية حقوق الإنسان وحرياته وحرماته ندعو السادة أعضاء النيابة إلى إتباع ما يلي :
أولاً : يجب العناية بتحقيق قضايا الجنايات واستظهار أركان الجريمة وعناصر قيامها ، وأدلـة ثبوت أو نفى الاتهام فيها ، ومدى صحة إجراءات القبض والتفتيش التي تمت فيها ومطابقتها لأحكام القانون ، وإعداد هذه القضايا للتصرف في أقرب وقت ممكن
ثانياً : إذا تبين من مجموع الأدلة التي توصلت إليها النيابة العامة من التحقيق أن القبض والتفتيش قد حصلا على خلاف أحكام القانون ، وانتهت من ذلك في منطق سليم إلى بطلان هذا الإجراء وما تلاه من إجراءات أخرى ، فإنه يتعين على أعضاء النيابة - في سبيل ممارسة حقهم في تقدير تلك الأدلة - استبعاد كل دليل نتج عن هذا التفتيش الباطل بما في ذلك شهادة من أجراه ، ولو لم يتم الدفع بهذا البطلان أمام النيابة العامة .
ثالثاً : وإذا كانت التحقيقات قد خلت من ثمة دليل صحيح على مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه - مثل اعتراف المتهم بالتهمة بتحقيقات النيابة - وليس بها سوى الدليل المستمد أو المترتب علي الدليل الناتج عن الإجراء الباطل والذي تم استبعاده ترسل القضية إلى النيابة الكلية مشفوعة بمذكرة باقتراح التقرير في الأوراق بالا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة، حيث يتولى المحامى العام إصدار الأمر المقترح . والله ولى التوفيق ،،،
صدر في 11 / 10 / 2006
" النائب العام "
المستشار / عبدالمجيد محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق