باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من نوفمبر سنة 2025م، الموافق
السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعويين المقيدتين بجدول المحكمة الدستورية العليا برقمي 9 و62 لسنة 26 قضائية "دستورية"
المقامتين من
مصطفى أحمد عبد الله حجازي
ضد
1 – رئيس الجمهورية، بصفته رئيس اللجنة
العليا للهيئة العربية للتصنيع
2- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)
3- رئيس مجلس الوزراء
4- وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ الثاني عشر من يناير سنة 2004، أودع المدعي صحيفة الدعوى رقم 9
لسنة 26 قضائية "دستورية" قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم
بعدم دستورية نصوص المواد: (13) من اتفاقية تأسيس الهيئة العربية للتصنيع المصدق
عليها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 12 لسنة 1975، و(45 و60) من النظام
الأساسي للهيئة الصادر بقرار اللجنة العليا رقم 6 لسنة 1975، و(53 و60) من لائحة
اللجنة القضائية بالهيئة، الصادرة بقرار مجلس إدارتها رقم 44 لسنة 1976، المعدلة
بالقرار رقم 14 لسنة 1989، و(113) من لائحة نظام شئون العاملين بها الصادرة بقرار
مجلس الإدارة رقم 18 لسنة 1997. وبتاريخ السادس عشر من مارس سنة 2004، أودع المدعي
صحيفة الدعوى رقم 62 لسنة 26 قضائية "دستورية"، قلم كتاب هذه المحكمة،
طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد ذاتها، وكذا الفقرة الثانية من المادة
الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979، والقرار رقم ٧١ لسنة
۱۹۹۹ الصادر بمجازاته بالخصم من أجره الشهري.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة في كلٍ من الدعويين، طلبت فيهما الحكم،
أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظرهما، واحتياطيًّا: بعدم
قبولهما، وعلى سبيل الاحتياط الكلي: برفضهما.
وبعد تحضير الدعويين، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها في كل
منهما.
ونُظرت الدعويان على النحو المبين بمحضري الجلسة، وفيها قدمت الهيئة العربية للتصنيع مذكرة في كلٍ من الدعويين، طلبت فيهما الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظرهما، واحتياطيًّا: بعدم قبولهما، وعلى سبيل الاحتياط الكلي: برفض الدعوى الأولى، وقررت المحكمة ضم الدعوى الثانية إلى الدعوى الأولى للارتباط، وليصدر فيهما حكم واحد بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفتي الدعويين وسائر
الأوراق– في أن المدعي أقام أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى التي صار
قيدها برقم 2233 لسنة 2003 عمال كلي، طعنًا على القرار التنفيذي رقم ٧١ لسنة ۱۹۹۹،
الصادر بتاريخ 24/2/1999، من قبل إدارة مصنع صقر للصناعات المتطورة التابع للهيئة
العربية للتصنيع، بمجازاته بالخصم من أجره الشهري، لغيابه عن العمل بدون عذر
مقبول، مع حرمانه من الأجر عن الأيام التي تغيب خلالها، إبان فترة ترشحه لعضوية
مجلس الشورى. وإذ تظلم من هذا القرار، وإزاء رفض تظلمه، فقد أقام الدعوى
الموضوعية. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى اللجنة
القضائية المختصة بالهيئة العربية للتصنيع. طعن المدعي على ذلك الحكم أمام محكمة
استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 976 لسنة 7 قضائية. وفي أثناء تداوله بجلسة
16/10/2003، دفع بعدم دستورية نص المادة (13) من القرار بقانون رقم 12 لسنة 1975.
وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية؛ فأقام الدعوى رقم 9
لسنة 26 قضائية "دستورية"، ثم عاد بجلسة 15/1/2004، وتمسك بدفعه سالف
البيان، ودفع بعدم دستورية المواد: (45 و60) من النظام الأساسي للهيئة الصادر
بقرار اللجنة العليا للهيئة العربية للتصنيع رقم 6 لسنة 1975، و(53 و60) من لائحة
اللجنة القضائية الصادرة بقرار مجلس إدارتها رقم 44 لسنة 1976، المعدلة بالقرار
رقم 14 لسنة 1989، و(113) من لائحة نظام شئون العاملين بها الصادرة بقرار مجلس
إدارة الهيئة رقم 18 لسنة 1997، والفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979، والقرار رقم ٧١ لسنة ۱۹۹۹ الصادر بمجازاته
بالخصم من أجره الشهري. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى
الدستورية؛ فأقام الدعوى رقم 62 لسنة 26 قضائية "دستورية"، ناعيًا على
النصوص المطعون فيها مخالفة أحكام المواد (۳ و٨ و٤٠ و56 و57 و62 و68 و72 و73 و79
و141 و144 و151 و155 و165 و166 و167 و168 و170 و172 و173) من دستور سنة ١٩٧١.
وحيث إن البت في اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائيًّا بنظر دعوى
بذاتها، سابق بالضرورة على الخوض فى شرائط قبولها أو الفصل فى موضوعها، وتواجهه
المحكمة من تلقاء نفسها.
وحيث إنه من المقرر –في قضاء هذه المحكمة- أن اتفاقية تأسيس الهيئة
العربية للتصنيع، المبرمة بين مصر والمملكة العربية السعودية ودولتي قطر والإمارات
العربية المتحدة - المصدق عليها في مصر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٢ لسنة
١٩٧٥- قد توخت بناء قاعدة صناعية داخل الوطن العربي، تكفُل الوفاء باحتياجات الدول
العربية في مجال الصناعات المتقدمة؛ توثيقًا لعُرى المودة والأخوة، وتأكيدًا
لروابط التعاون المشترك بين الدول العربية، وتأمينًا لاستخدام الموارد العربية في
تحقيق النفع الاقتصادي والمصلحة القومية للوطن العربي، فنشأت الهيئة المذكورة
بموجب تلك الاتفاقية كمنظمة دولية إقليمية متخصصة، أُبرمت بين الدول الأربع لتخدم
مصالحها، وأفسحت المجال لغيرها من الدول العربية للانضمام إليها باعتبارها معاهدة
مفتوحة، حسبما جاء بنص المادة (14) منها، وخلت من النص على توقف استمرارها ببقاء
عدد محدد من أطرافها. وعلى إثر انسحاب المملكة العربية السعودية ودولتي قطر
والإمارات العربية المتحدة من هذه الاتفاقية، لظروف قدرتها، صدر قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979، المتضمن في مادته الأولى بقاء الشخصية
الاعتبارية للهيئة العربية للتصنيع، وتمتعها بالاختصاصات والسلطات والمزايا والحصانات
المقررة وفقًا لقرار اللجنة العليا لها رقم 6 لسنة 1975 بإنشاء تلك الهيئة وإقرار
نظامها الأساسي، وأن تظل خاضعة في وجودها ونشاطها لجميع الأحكام المقررة في تشريع
مقرها ومركز نشاطها ونظامها الأساسي، كما أبقت المادة السادسة من قرار رئيس
الجمهورية بالقانون المشار إليه على التنظيم الساري في شأن وجود الهيئة العربية
للتصنيع ونشاطها مفتوحًا لانضمام الدول التي ترغب في ذلك. وإذ أبرمت الدول الأربع
اتفاقية - وُوفق عليها بموجب قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 219 لسنة
1994- أُودعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتضمنت إنهاء علاقة الدول
الثلاث لشراكتها في الهيئة، وتحديد أُطر المسئوليات المتبادلة بينها، ثم صدر قرار
رئيس الجمهورية رقم 326 لسنة 1994 في شأن الهيئة العربية للتصنيع، متضمنًا استمرار
الهيئة في مزاولة نشاطها، وأن تظل خاضعة في وجودها ونشاطها لجميع الأحكام المقررة
في القوانين وقرارات رئيس الجمهورية المنظمة لها، مع استمرار العمل بالنظام
الأساسي للهيئة، الذي أحالت إليه اتفاقية تأسيسها، في بيان تحقيق أغراضها، والذي
نص على أن تهدف الهيئة إلى بناء قاعدة صناعية حربية تكفل إقامة وإنماء وتطوير
الصناعات المتقدمة وتحقيق المصالح المشتركة للدول الأعضاء على أسس علمية وفنية،
وأن تعمل الهيئة على تنسيق وتحقيق التكامل الصناعي والاقتصادي بين الدول الأعضاء
في مجال تطوير الصناعات المتقدمة، وأن تضع الخطط العلمية والعملية لتوحيد الموارد
والطاقات البشرية في الدول الأعضاء، في ميدان الصناعات المتقدمة؛ لما فيه خيرها
جميعًا والتقدم الشامل للشعوب العربية. فإن مفاد ما تقدم عدم انقضاء الشخصية
الاعتبارية الدولية للهيئة العربية للتصنيع؛ اعتدادًا بالإرادة المنفردة لجمهورية
مصر العربية التي أفصح عنها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979، وقرار
رئيس الجمهورية رقم 326 لسنة 1994 في شأن الهيئة العربية للتصنيع، وبما تواترت
عليه قواعد القانون الدولي. وإذ أبقت الدولة المصرية هذه الاتفاقية سارية دون
تغيير في طبيعتها الدولية التي تقررت بصريح نصوصها، فتظل للهيئة التي أنشأتها هذه
الاتفاقية الدولية الشارعة خصائص الشخصية الاعتبارية الدولية، التي لا ينال منها
انسحاب ثلاث من الدول الأطراف في اتفاقية إنشائها، ما دامت أبقت عليها دولة طرف
فيها، بما مؤداه أن الهيئة المذكورة لم تنضوِ خلال أي فترة زمنية، منذ نشأتها، ضمن
فئات الأشخاص الاعتبارية المحلية التي عددتها المادة (52) من القانون المدني. إذ
كان ذلك، وكانت تلك الاتفاقية الصادرة بتأسيس الهيئة العربية للتصنيع، والنظام
الأساسي لها، وما انبثق عنه من لائحة اللجنة القضائية، ولائحة نظام شئون العاملين
بها، التي تضمنت النصوص المطعون فيها على النحو مار الذكر، هي الأدوات القانونية
التي عينتها اتفاقية إنشائها لتنظيم سائر شئونها، بما لا تنفصم به البتة العروة
الوثقى بين الاتفاقية والنظام الأساسي لها، واللوائح الصادرة بناءً عليها، وبهذه
المثابة يكون إقرار هذا النظام وتلك اللوائح وعمل الهيئة بأحكامها -على نحو ما تقدم-
عملاً من الأعمال السياسية، وهو ما ينسحب بالتبعية على القرارات الصادرة عنها، ومن
بينها القرار رقم ٧١ لسنة ۱۹۹۹ الصادر من تلك الهيئة بمجازاة المدعي بالخصم من
أجره الشهري؛ مما تنحسر عنه الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على
دستوريته، ولزامه الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعويين.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعويين، ومصادرة الكفالة، وألزمت
المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق