باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من ديسمبر سنة 2025م، الموافق
الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1447ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد
شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين
عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 46
قضائية "منازعة تنفيذ"
المقامة من
رئيس هيئة قضايا الدولة، بصفته الرئيس الأعلى للهيئة
ضد
أولًا: وزير العدل
ثانيًا: ورثة المستشار/ ......، وهم:............ز
------------
الإجراءات
بتاريخ السادس عشر من نوفمبر سنة 2024، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، أولًا: بصفة مستعجلة: بوقف
تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 27/5/2023، في الطعن رقم 72986
لسنة 68 قضائية "عليا". ثانيًا: وفي الموضوع: بعدم الاعتداد بذلك الحكم،
والحكم الصادر من المحكمة ذاتها بجلسة 24/4/2021، في الطعن رقم 81685 لسنة 65
قضائية "عليا"، والاستمرار في تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا
الصادرة بجلسة 6/2/2021، في الدعوى رقم 82 لسنة 41 قضائية "دستورية"،
وبجلسة 6/5/2000، في الدعوى رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية"، وبجلسة
4/8/2001، في الدعوى رقم 5 لسنة 22 قضائية "منازعة تنفيذ"، وبجلسة
7/3/1998، في الدعوى رقم 162 لسنة 19 قضائية "دستورية"، وبجلسة
4/1/2009، في الدعوى رقم 13 لسنة 25 قضائية "تنازع"، وبجلسة 6/7/2008،
في الدعوى رقم 148 لسنة 28 قضائية "دستورية"، وحكم المحكمة العليا
الصادر بجلسة 4/3/1978، في الدعوى رقم 21 لسنة 6 قضائية "دستورية".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة عن المدعى عليه الأول، فوضت فيها الرأي
للمحكمة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن مورث المدعى عليهم "ثانيًا"، أقام أمام المحكمة الإدارية العليا،
الطعن رقم 72986 لسنة 68 قضائية "عليا"، ضد المدعي والمدعى عليه
"أولًا"، طالبًا الحكم بإلغاء حكم مجلس التأديب بهيئة قضايا الدولة
الصادر بجلسة 25/5/2022، في الدعوى التأديبية رقم 2 لسنة 2022، والقضاء مجددًا
ببراءته مما نُسب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: استرداد جميع
مستحقاته المالية عن فترة إيقافه عن العمل. وذلك على سند من أنه يشغل وظيفة نائب
رئيس هيئة قضايا الدولة. وبتاريخ 22/12/2021، تقدم المدعي بطلب إلى وزير العدل
لإقامة الدعوى التأديبية ضده، فأقامها. وبجلسة 25/5/2022، قضى مجلس التأديب
بمعاقبته بعقوبة اللوم. ومن ثم أقام طعنه. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا
بنظره، وبإحالته إلى الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري للاختصاص، على سند من
أن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 6/2/2021، في الدعوى رقم 82 لسنة 41 قضائية
"دستورية" بعدم دستورية نص المادة (25 مكررًا) من قانون هيئة قضايا
الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963، المضافة بالقانون
رقم 2 لسنة 2002، فيما تضمنه من قصر الاختصاص بالفصل في طلبات إلغاء القرارات
الإدارية النهائية المتعلقة بأي شأن من شئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات
التعويض عنها، والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لهم أو
المستحقين عنهم، على درجة واحدة. ونظرت الدعوى أمام الدائرة الثانية بمحكمة القضاء
الإداري، والتي قيدت أمامها برقم 61115 لسنة 76 قضائية، بعد أن صحح المدعى عليهم
"ثانيًا" شكلها، عقب وفاة مورثهم، وضمت إليها المحكمة الدعوى رقم 66701
لسنة 77 قضائية، المقامة من المورث ذاته. وفي تاريخ لاحق على إقامة الدعوى
المعروضة، حكمت المحكمة في الدعويين بجلسة 31/7/2025، بإلغاء القرار المطعون فيه،
والقضاء مجددًا بانقضاء الدعوى التأديبية للوفاة.
كما أقام المدعى عليه "ثالثًا" أمام المحكمة الإدارية
العليا الطعن رقم 81685 لسنة 65 قضائية "عليا"، ضد المدعي والمدعى عليه
"أولًا"، بطلب الحكم أولًا: بوقف تنفيذ الحكم الصادر من مجلس التأديب في
الدعوى التأديبية رقم 2 لسنة 2018، فيما تضمنه من توقيع عقوبة اللوم على الطاعن.
ثانيًا: وفي الموضوع: بإلغاء ذلك الحكم مع ما يترتب على ذلك من آثار؛ وذلك على سند
من أنه يشغل وظيفة مستشار مساعد من الفئة (ب) بهيئة قضايا الدولة، وبتاريخ
24/10/2018، أصدر وزير العدل قرارًا بإقامة الدعوى التأديبية ضده. وبجلسة
22/4/2019، قرر مجلس التأديب بهيئة قضايا الدولة معاقبته بعقوبة اللوم؛ فأقام طعنه
المشار إليه. وبجلسة 24/4/2021، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظره، وأمرت
بإحالته إلى الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري للاختصاص، تأسيسًا على أسباب
الحكم الأول ذاتها. وإذ أحيلت الدعوى إلى المحكمة الأخيرة، قيدت أمامها برقم 54815
لسنة 75 قضائية. وبجلسة 30/1/2022، حكمت برفضها؛ فلم يلق ذلك القضاء قبولًا لدى
المدعى عليه "ثالثًا"، فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، بالطعن
رقم 39485 لسنة 68 قضائية "عليا". وبجلسة 9/1/2023، قضت تلك المحكمة
برفض الطعن.
وإذ ارتأى المدعي أن حكمي المحكمة الإدارية العليا الصادر أحدهما
بجلسة 27/5/2023، في الطعن رقم 72986 لسنة 68 قضائية "عليا"، والآخر
بجلسة 24/4/2021، في الطعن رقم 81685 لسنة 65 قضائية "عليا"، قد خالفا
حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 6/2/2021، في الدعوى رقم 82 لسنة 41
قضائية "دستورية"؛ إذ لم يطبق أي منهما ذلك الحكم تطبيقًا صحيحًا، بأن
مدا نطاق حجيته إلى غير النص الذي فصل فيه، فأعملا أثره على الطعون التي تنظرها
المحكمة الإدارية العليا على الأحكام الصادرة من مجلس تأديب هيئة قضايا الدولة،
وفقًا لنص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة، على الرغم من أن حجيته تقتصر
على نص المادة (25 مكررًا) من ذلك القانون، كما خالفا التقريرات الدستورية التي
أقرتها المحكمة الدستورية العليا في أحكامها الصادرة بجلسة 6/5/2000، في الدعوى
رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية، وبجلسة 4/8/2001، في الدعوى رقم 5 لسنة 22
قضائية "منازعة تنفيذ"، وبجلسة 7/3/1998، في الدعوى رقم 162 لسنة 19
قضائية "دستورية"، وبجلسة 4/1/2009، في الدعوى رقم 13 لسنة 25 قضائية
"تنازع"، وبجلسة 6/7/2008، في الدعوى رقم 148 لسنة 28 قضائية
"دستورية"، وحكم المحكمة العليا الصادر بجلسة 4/3/1978، في الدعوى رقم
21 لسنة 6 قضائية "دستورية"، وذلك في خصوص المساواة بين أعضاء الجهات
والهيئات القضائية فيما لهم من حقوق وضمانات وما عليهم من واجبات، وهو ما خالفه
حكما المحكمة الإدارية العليا موضوع المنازعة المعروضة، بقضائهما في الدعوى
التأديبية لأعضاء هيئة قضايا الدولة على ثلاث درجات، واعتبارهما القرار الصادر عن
مجلس التأديب المشار إليه قرارًا إداريًّا، يتعلق بشأن من شئون أعضاء هيئة قضايا
الدولة، وليس حكمًا صادرًا عن هيئة ذات اختصاص قضائي، الأمر الذي يشكل معه هذان
الحكمان وما ترتب عليهما من أحكام عقبة في تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا
وحكم المحكمة العليا المشار إليها؛ ومن ثم أقام المدعي الدعوى المعروضة.
وحيث إن منازعة التنفيذ -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة– قوامها أن
التنفيذ لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا
- بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك أو تقيد اتصال حلقاته
وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان؛ ومن ثم تكون عوائق التنفيذ
القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التي تتوخى في
ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة
عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ
إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة
الدستورية العليا كانت حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار
المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد
جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل
المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم
48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها
كاملة في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية
المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن
تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها - قد حالت فعلًا، أو من
شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملًا، أو مقيدة لنطاقها.
ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا،
فإذا لم تكن لها بها من صلة فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر
غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تعد طريقًا
للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
وحيث إن منازعة التنفيذ تدور، وجودًا وعدمًا، مع نطاق حجية الحكم
الصادر من المحكمة الدستورية العليا، ولا تتعداه إلى غيره من النصوص التشريعية،
ولو تشابهت معها؛ ذلك أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في موضوع الدعوى
الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول
دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلًا حاسمًا بقضائها، دون تلك التي لم تكن مطروحة
على المحكمة، ولم تفصل فيها بالفعل، فلا تمتد إليها تلك الحجية. على أن يكون
مفهومًا أنه لا يحوز من الحكم تلك الحجية المطلقة سوى منطوقه وما هو متصل بهذا
المنطوق من أسباب اتصالًا حتميًّا، بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها، ومن ثم لا يجوز
الارتكان إلى تلك الأسباب إلا حال تعلق العقبة التي تحول دون تنفيذ الحكم الدستوري
بما يقضى به ذلك الحكم مرتبطًا بأسبابه. وعلى ذلك؛ لا يجوز نزع أسباب الحكم من
سياقها أو الاعتداد بها بذاتها، دون المنطوق، للقول بأن هناك عقبات تحول دون سريان
تلك الأسباب.
وحيث إنه عما تمسك به المدعي من أن حكمي المحكمة الإدارية العليا،
موضوع المنازعة المعروضة، قد خالفا حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة
6/2/2021، في الدعوى رقم 82 لسنة 41 قضائية "دستورية"، حين مدا نطاق
حجيته إلى غير نص المادة (25 مكررًا) من قانون هيئة قضايا الدولة الذي فصل فيه،
فأعملا أثره على الطعون التي تنظرها المحكمة الإدارية العليا على الأحكام الصادرة
من مجلس تأديب هيئة قضايا الدولة وفقًا لنص المادة (25) من القانون ذاته، فإن ذلك
مما لا تتوافر به العقبة في تنفيذ حكم المحكمة سالف البيان؛ إذ إن قضاء محكمة
الموضوع –أيًّا كان وجه الرأي فيه– لا يحول فعلًا، أو من شأنه أن يحول دون تنفيذ
حكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه تنفيذًا صحيحًا مكتملًا، أو
مقيدًا لنطاقه في شأن ما قضى به من عدم دستورية نص المادة (25 مكررًا) المار
ذكرها؛ ذلك أن ما نعاه المدعي من أن الحكمين الموضوعيين المصورين عقبة في التنفيذ
قد أعملا الحكم الدستوري في غير نطاق إعماله، مردود بأن المخالفة المُدعى بها
–بفرض صحتها– تنصرف إلى ادعاء بمخالفة الحكمين لنص المادة (25) من قانون هيئة
قضايا الدولة سالف الذكر، ومن ثمَّ فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بهذا العائق، بل
تعتبر غريبة عنه، منافية لحقيقته وموضوعه، لينحل طلب الهيئة المدعية إلى طعن في
حكمي المحكمة الإدارية العليا المصورين عقبة في التنفيذ، وهو ما لا تمتد إليه
ولاية هذه المحكمة، بما لازمه عدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إنه عن طلب عدم الاعتداد بالحكمين محل الدعوى المعروضة، لكونهما
عقبة في تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا -المنازع في تنفيذها– والصادرة في
الدعاوى أرقام: 193 لسنة 19 قضائية "دستورية" بجلسة 6/5/2000، و162 لسنة
19 قضائية "دستورية" بجلسة 7/3/1998، و148 لسنة 28 قضائية
"دستورية" بجلسة 6/7/2008، و5 لسنة 22 قضائية "منازعة تنفيذ"
بجلسة 4/8/2001 –بعد أن استعملت المحكمة حقها في التصدي- وحكم المحكمة العليا
الصادر بجلسة 4/3/1978، في الدعوى رقم 21 لسنة 6 قضائية "دستورية"، فإنه
لما كانت تلك الأحكام قد تعلقت جميعها بنصوص قانونية مغايرة لِما تعرض له حكما
المحكمة الإدارية العليا؛ ذلك أن تلك النصوص كانت بشأن تشكيل لجنة التأديب
والتظلمات بهيئة قضايا الدولة، قبل إعمال التنظيم الحالي لنظر الدعاوى التأديبية
والإدارية لأعضاء تلك الهيئة، بموجب التعديل الحاصل بالقانون رقم 2 لسنة 2002، في
حين أن حكمي المحكمة الإدارية العليا السالف بيانهما تساندا إلى المادة (25
مكررًا) بعد إضافتها بالقانون الأخير؛ ومن ثم فلا تمتد حجية الأحكام الدستورية
المشار إليها لغير النصوص التشريعية التي كانت محلًّا لها، ولو تشابهت معها؛ ذلك
أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في موضوع الدعوى الدستورية يقتصر نطاقها على
النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة
فصلًا حاسمًا بقضائها، دون تلك التي لم تكن مطروحة على المحكمة، ولم تفصل فيها
بالفعل، لتنتفي بذلك الصلة بين الحكمين الموضوعيين وقضاء المحكمة الدستورية العليا
المتقدم؛ ومن ثم لا يُعد هذان الحكمان عقبة في تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية
العليا وحكم المحكمة العليا سالفة البيان، الأمر الذى يتعين معه –كذلك- القضاء
بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إن الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في دعاوى
التنازع ومنازعات التنفيذ، على ما جرى به نص المادة (195) من الدستور، إنما تلحَق
-نطاقًا– بما قد تتضمنه هذه الأحكام من تقريرات دستورية، تعرض لنصوص -بذاتها– من
الوثيقة الدستورية، لها محل من الإعمال على وقائع النزاع الموضوعي، ومؤدية
–لزومًا– إلى الفصل في موضوعه، بما يعكس بيان هذه المحكمة لمؤدى تلك النصوص
الدستورية، وإفصاحها عن دلالتها، فيكون إلزامها للكافة وجميع سلطات الدولة، بما
أقرته في شأنها من مفاهيم، متعينًا، ولا كذلك الحال بالنسبة لغيرها من عناصر الحكم
في دعاوى التنازع ومنازعات التنفيذ، التي تقضي المحكمة الدستورية العليا في أولاها
بوصفها محكمة تنازع، وفي الأخرى باعتبارها قضاء تنفيذ، وذلك دون إخلال بثبوت قوة
الأمر المقضي فيه لمنطوق الحكم الصادر في أي من تلك الدعاوى، والأسباب المرتبطة به
ارتباطًا حتميًّا، قِبل أطراف خصومة الموضوع، وفي مواجهة جميع المخاطبين بتنفيذه،
وإعمال آثاره.
لما كان ذلك، وكان المدعي قد ارتأى أن حكمي المحكمة الإدارية العليا
ماري الذكر قد خالفا التقريرات الدستورية التي تضمنها قضاء المحكمة في الدعوى رقم
13 لسنة 25 قضائية "تنازع"، وكان ذلك الحكم قد قضى بالاعتداد بالحكم
الصادر من لجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة، بجلسة 28/8/1989، في الدعوى
التأديبية رقم 2 لسنة 1989، دون حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم
4003 لسنة 44 قضائية "عليا"، وكان ذلك الحكم لم يتضمن أية تقريرات
دستورية تعرض لنصوص – بذاتها - من الوثيقة الدستورية، كان لها محل من الإعمال
بالنسبة لمنطوق الحكم المصور عقبة في التنفيذ والأسباب المرتبطة به، والذي تستقل
الخصومة الصادرة فيه، بموضوعها وأطرافها، عن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية
العليا في الدعوى آنفة الذكر؛ ومن ثم فإن الحكمين الصادرين من المحكمة الإدارية
العليا المشار إليهما لا يكون لهما من صلة بالحكم المنازع في تنفيذه، الذي تثبت
قوة الأمر المقضي فيه لمنطوقه، في مواجهة أطرافه والمخاطبين بتنفيذه، ولا تتعدى
إلى سواهم، ولا تبارح ما فصل فيه من حقوق إلى غيرها مما يكون محلًّا لدعاوى
التنازع ومنازعات التنفيذ الأخرى، وتبعًا لذلك فإن حكمي محكمة الموضوع سالفي الذكر
لا يُعدان عقبة في تنفيذ حكم هذه المحكمة المنازع في تنفيذه؛ مما لزامه القضاء
بعدم قبول الدعوى برمتها.
وحيث إنه عن الطلب العاجل بوقف تنفيذ حكمي المحكمة الإدارية العليا
المار ذكرهما، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع في هذه الدعوى، وإذ انتهى الحكم إلى
عدم قبولها فإن تولي هذه المحكمة – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979- اختصاص البت في هذا الطلب يكون -على ما جرى به قضاؤها-
قد بات غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق