جلسة 4 إبريل سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: ماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف. وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.
------------------
قاعدة رقم (108)
القضية رقم 60 لسنة 25 قضائية "دستورية"
(1) هيئة عامة "لائحة العاملين بالهيئة المصرية العامة للبترول تعتبر تشريعاً تمتد إليه الرقابة الدستورية".
الهيئة المصرية العامة للبترول هيئة عامة لها شخصية اعتبارية مستقلة وعلاقة العاملين بها هي علاقة لائحية تنظيمية. لائحة العاملين بتلك الهيئة تعتبر تشريعاً تختص المحكمة الدستورية العليا بإعمال رقابتها الدستورية عليها.
(2) دعوى دستورية "تجهيل: انتفاؤه".
إن التجهيل بالمسائل الدستورية الذي يؤدي إلى القول بعدم القبول يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها.
(3) حق العمل "شروط مباشرته".
لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غاياتها، يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة أو رابطة لائحية.
(4) حق العمل "تنظيمه تشريعياً: حدوده".
الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل، إلا أنه لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها. مثال ذلك: الحق في الإجازة السنوية.
(5) إجازة "الحق فيها - غايتها".
المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية. عدم جواز النزول عنها أو إهدارها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل.
(6) إجازة "رصيد - تعويض".
كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها.
(7) تعويض "إندراجه في الملكية الخاصة".
الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة.
--------------------
الإجراءات
بتاريخ 5/ 2/ 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 6112 لسنة 54 ق، من محكمة القضاء الإداري بقرارها القاضي بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادة (104) من لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة للبترول.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً: الحكم بعدم اختصاص المحكمة، واحتياطياً: عدم قبولها للتجهيل بالمسائل الدستورية المطروحة، كما قدمت الهيئة المصرية العامة للبترول مذكرة بدفاعها طلبت في ختامها رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وقدم الحاضر عن الهيئة المصرية العامة للبترول طلباً لإعادة الدعوى للمرافعة لم تر المحكمة له محلاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيد/ عبد الفتاح علي طه البردي أقام على الهيئة المصرية العامة للبترول الدعوى رقم 814 لسنة 1998 عمال جزئي القاهرة، طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع إليه مبلغ 4192.80 جنيه، قيمة الباقي له من الرصيد النقدي للإجازات المستحق له عن مدة خدمته بالهيئة منذ سنة 1957 حتى إحالته إلى التقاعد في 8/ 1/ 1995، حيث يستحق له أجر 749 يوماً لم تصرف له الهيئة المدعى عليها منها إلا 120 يوماً محسوبة على الأجر الأساسي بالعلاوات الدورية الخاصة دون باقي عناصر الأجر، وذلك استناداً إلى نص المادة (104) من لائحة نظام العاملين بقطاع البترول التي وضعت حداً أقصى لما يجوز صرفه من مقابل رصيد الإجازات 120 يوماً فقط. قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، حيث قيدت برقم 6112 لسنة 54 قضائية. وإذ تراءى لهذه المحكمة عدم دستورية نص المادة (104) من لائحة نظام العاملين بالهيئة المصرية العامة للبترول فقد قررت بجلسة 16/ 12/ 2002 وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى فهو في غير محله، ذلك أن الهيئة المصرية العامة للبترول هيئة عامة لها شخصية اعتبارية مستقلة وعلاقة العاملين بها هي علاقة لائحية تنظيمية بوصفهم موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام، خلافاً للعاملين في إحدى الشركات التابعة للهيئة حيث تعتبر علاقتهم بالشركة التي يعملون بها تعاقدية. وإذ كان مجلس إدارة الهيئة سالفة الذكر قد أصدر لائحة نظام العاملين بالهيئة بموجب التفويض المقرر له بالمادة التاسعة من القانون رقم 20 لسنة 1976 فإن هذه اللائحة تدخل في دائرة التشريعات التي تختص هذه المحكمة بإعمال رقابتها الدستورية عليها.
وحيث إنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التجهيل بالمسائل الدستورية الذي يؤدي إلى القول بعدم القبول يفترض أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، بحيث إذا كان إمعان النظر في شأنها من خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها يفصح عن حقيقتها، وما قصد إليه الطاعن حقاً من إثارتها، فإن الأمر يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان البادئ من قياس النص المطروح على نص المادة (65) من قانون العاملين بالدولة وما أثير بشأنها من عوار دستوري فإن مواقع البطلان في النص المعروض تكون واضحة.
وحيث إن النص في المادة (104) من لائحة نظام العاملين بالهيئة المصرية العامة للبترول - المطعون فيها - الصادرة وفقاً لأحكام القانون رقم 20 لسنة 1976 بقرار مجلس إدارتها رقم 1 لسنة 1979 قبل تعديله بالقرار رقم 17 لسنة 1998 على أن: - "يستحق العامل أجر رصيد إجازاته الاعتيادية عند انتهاء خدمته دون استعماله لها بحد أقصى مائة وعشرين يوماً، ويحرم من ذلك من تنهى خدمته للانقطاع عن العمل أو الفصل". ولما كان النزاع الموضوعي المعروض إنما يتعلق بمدة الإجازة التي يستحق عنها المدعي مقابلاً نقدياً طوال مدة خدمته وحتى إحالته للتقاعد في 8/ 1/ 1995، فإن نطاق الدعوى يتحدد وفقاً لذلك فيما تضمنه النص - قبل تعديله بالقرار رقم 17 لسنة 1998 - من تقرير حد أقصى لما يستحقه العامل من مقابل لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يحصل عليها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها، من بينها - في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غاياتها يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل، إلا أنه لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه.
وحيث إن المشرع - وفي الإطار السابق بيانه - قد صاغ بنص المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 219 لسنة 1991 - وهو القانون العام بالنسبة للعاملين بالدولة وهيئاتها العامة - حق العامل في الإجازة السنوية فغدا بذلك حقاً مقرراً له بنص القانون، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة.
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، ولا أن يدعي العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكاً لقواه. وتبديداً لطاقاته. وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع. فالحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
وحيث إن المشرع قد دل بنص المادة (104) من اللائحة المطعون عليها، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءاً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر. وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً، وهي بعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها، بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام - أن يطلبها جملة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
وحيث إن الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما الملكية الخاصة والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (104) من لائحة نظام العاملين بالهيئة المصرية العامة للبترول قبل تعديلها بالقرار رقم 17 لسنة 1998 فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز المائة وعشرين يوماً متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل، وألزمت المدعى عليه المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق