بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 01-09-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 481 لسنة 2025 طعن تجاري
طاعن:
ع. م. خ. س. ا.
مطعون ضده:
م. ا. ش. م. ع.
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2024/2275 استئناف تجاري بتاريخ 27-03-2025
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع علي الأوراق و سماع تقرير التلخيص الذي اعده القاضي المقرر / محمد المرسى و بعد المداوله
وحيث ان الوقائع علي ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في ان البنك المطعون ضده أقام على الطاعنة الدعوى رقم 802 لسنة 2024 تجاري مصارف أمام محكمة دبي الابتدائية بطلب الحكم بإيقاع الحجز التحفظي على أموال وممتلكات الطاعنة، ومخاطبة سوق دبي المالي للحجز على الأسهم والسندات المملوكة لها المسجلة لديه، ومخاطبة دائرة الأراضي والأملاك بإمارة دبي لتوقيع الحجز التحفظي على الأراضي والعقارات والأملاك العائدة لها في حـدود المبلغ المطالب به، ومخاطبة هيئة الطرق والمواصلات بدبي لتوقيع الحجز التحفظي على أي مركبات مملوكة لها ضـمانًا للمبلغ المطالب به، ومخاطبــة المصرف المركزي، بنك دبي الإسلامي، بنك صادرات إيران، بنـك الاسـتثمار، بنك أبوظبي الإسلامي، بنك رأس الخيمة الوطني لتوقيع الحجز التحفظي على كافة حساباتها في حـدود المبلغ المطالب به، والحكم بإلزامها بأن تؤدي إليه مبلغ 08/5,469,598 درهمًا . وبيانًا لدعواه قال إنه منح الطاعنة تسهيلات ائتمانية تمثلت في إبرام عقد بيع بالمرابحة بين طرفي التداعي بإجمالي مبلغ 65/11,461,765 درهمًا شاملًا أرباح المصرف، على أن تقوم الطاعنة بالسداد على أقساط شهرية، إلا أنها تخلفت عن السداد في المواعيد المتفق عليها، فترصد له في ذمتها المبلغ المطالب به، ومن ثم كانت الدعوى. دفعت الطاعنة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لوجود شرط تحكيم، وبعدم اختصاصها واختصاص محاكم أبوظبي بنظرها، وبتاريخ 19-11-2024 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى -لوجود شرط التحكيم . استأنف البنك المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 2275 لسنة 2024 تجاري، وبتاريخ 27-3-2025 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها. طعنت المدعي عليها في هذا الحكم بالتمييز بصحيفة اودعت الكترونياً بتاريخ 17/4/2025 بطلب نقضة وقدم المصرف المطعون ضده مذكرة شارحة بالرد التمس في ختامها الحكم برفض الطعن الذي عرض علي هذه المحكمة في غرفة مشوره فحددت جلسة لنظره.
وحيث ان حاصل ما تنعي به الطاعنة علي الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والاخلال بحق الدفاع اذ قضي بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر بعدم قبول الدعوي لوجود شرط التحكيم واعادتها لمحكمة اول درجة للنظر في موضوعها وهو ما يعتبر انعقاد الاختصاص لمحاكم دبي رغم وجود اتفاق بين الطرفين علي التحكيم ذلك ان ما ورد بالبند السادس عشر من اتفاقية المرابحة سند الدعوي من عبارة "دون الاخلال بحق الطرف الأول في إحالة أي نزاع الي المحكمة المختصة في امارة دبي" لا يعتبر تنازل من الطاعنة عن حقها في التمسك بشرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين الطرفين وهو ليس شرطاً تخييرياً بل وجوبياً يتعين علي الطرفين الالتزام به. كما التفت الحكم المطعون فيه عن الدفع بعدم اختصاص محاكم دبي بنظر الدعوي لكون طرفي النزاع موطنهما بامارة ابوظبي وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضة.
وحيث ان هذا النعي غير سديد ذلك انه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تحديد مدى قابلية الحكم للطعن عليه بطريق التمييز هو من المسائل المتعلقة بالنظام العام التي تقضي فيها المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يثرها أي من الخصوم. وأن مفاد المادة 152 من قانون الإجراءات المدنية أنه لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى قبل الحكم المنهي للخصومة كلها فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص وكذلك الأحكام الصادرة بالاختصاص إذا لم يكن للمحكمة ولاية الحكم في الدعوى. وأنه يشترط لجواز الطعن في الأحكام الصادرة بالاختصاص على استقلال ثبوت انتفاء ولاية المحكمة بالحكم في الدعوى، كأن تنتزع المحكمة ولاية جهة قضائية أخرى أو بالمخالفة لقواعد الاختصاص المقررة قانونًا، وهو ما لا يتأتى الوقوف عليه إلا إذا تصدت المحكمة للدفع بعدم الاختصاص، وقضت برفضه وباختصاصها بنظر الدعوى أو قضت ضمنيًا باختصاصها ولم يكن لها ولاية الحكم في الدعوى، بحيث إذا تخلف هذا الشرط، فإن الطعن في هذه الأحكام يكون غير جائز. وأنه وفقًا لنصوص المواد 1، 2، 4، 5، 6، 7 من قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018 أن التحكيم هو اتفاق الخصوم صراحة على اختصاص التحكيم دون المحاكم بالفصل في كل أو بعض ما قد يشجر بينهم من منازعات أو ما نشب بينهم بالفعل من منازعات، وأن الاتفاق على التحكيم لا يثبت إلا بالكتابة، وأن الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم هو دفع شكلي من قبيل الدفوع بعدم الاختصاص، لأن الهدف من التمسك به هو إنكار اختصاص المحكمة بنظر الدعوى. وأن التحكيم هو قضاء اتفاقي يستمد المحكم ولايته فيه من شرط التحكيم الذي يجب أن يكون واضحًا وصريحًا وبعبارات لا يكتنفها اللبس أو الغموض، وهو لا يفترض ولا يجوز استخلاص ثبوته ضمنًا، كما لا يجوز انصراف أثره إلى غير طرفيه، ولا يجبر الغير دون موافقته على الخضوع له. وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتفسير الاتفاقات والعقود وسائر المحررات واستخلاص أطراف شرط التحكيم، والشروط المختلف عليها واستظهار النية المشتركة للمتعاقدين بما تراه أوفى بمقصدهما، مستشهدة في ذلك بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة عليها من محكمة التمييز متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، ولم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات المحرر أو العقد. وأن اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، هو عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، والتراضي Consent ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم، وجوهره تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين في اتخاذ التحكيم سبيلًا لتسوية منازعاتهما، بعيدًا عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات أيًا كان نوعها وأيًا كان أطرافها، فإذا عبر أحد الطرفين إيجابًا offer عن رغبته في تسوية النزاع عن طريق التحكيم، فيلزم أن يكون قبول acceptance الطرف الآخر باتًا ومنتجًا في إحداث آثاره، حتى يمكن القول بوجود تطابق حقيقي بين إيجاب وقبول طرفي التحكيم consensus ad idem / meeting of the minds على نحو لا يتطرق إليه أي شك أو احتمال أو جدل. ويتحقق التراضي على شرط التحكيم بالمفاوضات التي تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلي وشروطه ومن بينها شرط التحكيم -باعتباره عقدًا مستقلًا داخل العقد الأصلي- وإثبات التراضي على ذلك كتابة والتوقيع عليه منهما. وأنه من الأصول المقررة أن شرط التحكيم من جانب واحد "أحادي الجانب "Unilateral arbitration clause أو "Asymmetrical arbitration clause" هو صورة من صور اتفاقات التحكيم التي يتفق فيها الطرفان على منح أحدهما وحده سلطة الاختيار بين قضاء الدولة أو التحكيم للفصل فيما يثور بينهما من منازعات، فإذا استعمل صاحب الالتزام التخييري حقه بإعلان إرادته التي تعتبر تصرفًا قانونيًا من جانب واحد، يكون قد استنفد حقه في الاختيار وزال الخيار الثاني إذ لم يعد موجودًا أو ممكنًا بالنسبة للطرفين. وقد تعددت الاجتهادات في الأنظمة القضائية المقارنة ما بين مؤيدة لصحة ذلك الاتفاق إعمالًا لمبدأ سلطان الإرادة، وبين معارضة له لأسباب مختلفة من بينها أنه يعد شرطًا تعسفيًا أو أنه يخل بمبدأ المساواة بين الأطراف أو انتهاكًا لتوازن المصالح بين الطرفين بمنح ميزة لطرف دون الآخر في الحق في اختيار طريقة ومكان حل النزاعات أو أنه لا يعد من الأصل اتفاقًا يعكس انصراف إرادة الطرفين إلى اختيار التحكيم سبيلًا لفض المنازعات بينهما، باعتبار أن اتفاق التحكيم الصحيح يجب أن يكون متكافئًا وحاسمًا في تقابل إرادتين متطابقتين في اتخاذ التحكيم سبيلًا وحيدًا لتسوية منازعاتهما بعيدًا عن محاكم الدولة . لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الدعوى لمحكمة أول درجة للفصل في موضوعها تأسيسًا على أن البند (16) من اتفاقية المرابحة سند الدعوى قد تضمن أنه "تسري على هذا العقد قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة فيما لم يرد به نص على النحو الذي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية حسبما تقرره لجنة الفتوى الشرعية للطرف الأول، وإذا نشأ خلاف بين الطرفين حول تفسير أو تنفيذ هذا العقد، يحال ذلك النزاع إلى هيئة تحكيم مكونة من محكم فرد لدى المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي، ويتم الفصل في النزاع طبقًا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في نظام المركز، وتكون مدينة دبي مكانًا للتحكيم، وقرار التحكيم نهائيًا وغير قابل للطعن، ويجب أن يتضمن الحكم الطرف الملزم بالتكاليف والنفقات القانونية دون إخلال بحق الطرف الأول في إحالة أي نزاع إلى المحكمة المختصة في إمارة دبي أو أي محكمة أخرى مختصة قانونًا" وخلص الحكم من ذلك إلى أنه ولئن اتفق الطرفان صراحة على اللجوء للتحكيم حال نشوء نزاع بشأن الاتفاقية سند الدعوى، إلا أنهما اتفقا أيضًا في ذات البند على منح البنك المطعون ضده حق اللجوء إلى المحكمة المختصة لحل النزاعات التي قد تنشأ بينهما، وكان مؤدى هذا الخيار الممنوح للبنك بمنحه حق اللجوء إلى التحكيم أو اللجوء إلى المحاكم العادية أن يجعل من الاتفاق على التحكيم غير ملزم، وأنه لا يقف حائلًا بين المحكمة ونظر الدعوى، ولا يسلبها اختصاصها بنظر الدعوى باعتبارها صاحبة الحق الأصيل في الفصل في المنازعات، طالما لجأ إليها أحد أطراف اتفاق التحكيم -البنك المطعون ضده- لا سيما أن البنك هو صاحب حق الخيار في اللجوء إلى المحكمة؛ أي أنه استنفد حقه في الاختيار وزال الخيار الثاني باللجوء إلى التحكيم ولم يعد موجودًا أو ممكنًا. وكان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه سائغًا ومستمدًا مما له أصل ثابت بالأوراق، ولا مخالفة فيه للقانون ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها. ولا ينال من ذلك ما تثيره الطاعنة من عدم اختصاص محاكم دبي بنظر الدعوى واختصاص محاكم أبوظبي بنظرها؛ ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن النص في المادة 81(1)، (2) من قانون المعاملات المدنية على أن "الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة. ويجوز أن يكون للشخص في وقت واحد أكثر من موطن." والنص في المادة 84 من ذات القانون على أنه "1-يجوز اتخاذ موطن مختار لتنفيذ عمل قانوني معين. 2- ولا يجوز إثبات وجود الموطن المختار إلا بالكتابة. 3- والموطن المختار لتنفيذ عمل قانوني يكون الموطن بالنسبة إلى كل ما يتعلق بهذا العمل بما في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري إلا إذا اشترط صراحة قصر هذا الموطن على أعمال دون غيرها." مُفاده أنه يجوز أن يكون للشخص في وقت واحد أكثر من موطن أصلي وأكثر من موطن مختار، والموطن المختار هو الموطن القانوني للشخص في صدد عمل قانوني معين، وهو يتحدد بموجب عقد يربط صاحبه بآخر في خصوص العمل محل هذا العقد، وقد يتحدد بالإرادة المنفردة، بأن يحدده الشخص لنفسه في الورقة المثبتة للالتزام أو في أي ورقة من أوراق الدعوى المنظورة، وقد يحدده القانون، فإذا توافرت في النزاع المعروض على محاكم دبي أي من الحالات المحددة لاختصاصها بنظر النزاع الواردة في قانون الإجراءات المدنية، فإنه لا يجوز لها التخلي عن هذا الاختصاص لأنه أمر يتعلق بالنظام العام. وكان البين من البند 16 من عقد بيع سلع مرابحة المؤرخ 14-5-2017 سند التداعي أنه تم الاتفاق فيه بين طرفي التداعي على اتخاذ الطاعنة من إمارة دبي موطنًا مختارًا لها لتنفيذ أي عمل قانوني يتعلق بهذا العقد، بما في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري، بما مؤداه أنها قد اتخذت من إمارة دبي موطنًا مختارًا لها بشأن كل نزاع يتعلق بتنفيذ العقد السابق، وهو ما ينعقد معه الاختصاص لمحاكم دبي بنظر النزاع الماثل المترتب على عقد المرابحة محل التداعي بما يضحي معه النعي برمته علي الحكم المطعون فيه عللي غير أساس. وإذ اضفي الحكم المطعون فيه علي محاكم دبي ولاية الفصل في النزاع وانتهي الي الغاء الحكم الصادر من محكمة اول درجة وانعقاد الاختصاص لمحاكم دبي وإعادة القضية اليها للنظر في موضوعها وهو حكم غير منهي للخصومة كلها ومن ثم فلا يجوز الطعن فيه استقلالاً اعمالاً لنص المادة 152 من قانون الإجراءات المدنية.
وحيث انه ولما تقدم يتعين القضاء بعدم جواز الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم جواز الطعن والزام الطاعنة المصروفات ومبلغ الفي درهم مقابل اتعاب المحاماة مع مصادرة التأمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق