الصفحات

Additional Menu

الخميس، 10 يوليو 2025

الطعن 569 لسنة 88 ق جلسة 10 / 10 / 2020 مكتب فني 71 ق 87 ص 823

جلسة 10 من أكتوبر سنة 2020
برئاسة السيد القاضي / نبيه زهران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد الخولي ، محمد عبد الحليم ، محمد عبد السلام وأسامة النجار نواب رئيس المحكمة .
----------------
(87)
الطعن رقم 569 لسنة 88 القضائية
(1) الاتجار بالنفوذ . موظفون عموميون . عقوبة " تطبيقها " . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكرراً عقوبات . مناط تحققها ؟
تحقق المساءلة في جريمة الاتجار بالنفوذ ولو كان مزعومًا . اقتران الزعم بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية . غير لازم .
اختلاف العقوبة المقررة لجريمة الاتجار بالنفوذ بحسب توافر صفة الموظف العام في الجاني أو انتفائها . أساس ذلك ؟
القصد الجنائي في جريمة الاتجار بالنفوذ . مناط تحققه ؟
مثال لتسبيب سائغ في حكم صادر بالإدانة على موظف عام في جريمة الاتجار بالنفوذ .
(2) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " .
النعي بأن الواقعة جنحة نصب وليست اتجاراً بالنفوذ . منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة وجدل موضوعي في سلطتها في استخلاصها كما ارتسمت في وجدانها .
(3) إثبات " اعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " .
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال . تقدير قيمته وصحته في الإثبات . موضوعي .
للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه أو غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك . متى اطمأنت لصحته .
(4) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه . حد ذلك ؟
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة الشهود . مفاده ؟
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) عقوبة " عقوبة الجريمة الأشد ". نقض " المصلحة في الطعن " . الاتجار بالنفوذ.
لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بشأن جرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها وتقليد أختام حكومية . متى دانه بجريمة الاتجار بالنفوذ بوصفها الأشد .
(6) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم إفصاح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها . لا يعيبها . النعي في هذا الشأن . جدل موضوعي . غير مقبول .
(7) قانون " تفسيره " . عقوبة " تطبيقها " . عزل . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مضارة الطاعن بطعنه " . محكمة النقض " سلطتها " .
المادتان 25 و 27 عقوبات . مفادهما ؟
إدانة الطاعنين بجريمة الاتجار بالنفوذ ومعاملتهما بالرأفة وإغفال القضاء بعقوبة العزل . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . أساس وعلة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال الشهود وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وكتاب مديرية أوقاف .... وإقرار المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة ، وهي أدلة سائغة – لا ينازع الطاعنان في أن لها أصلها الثابت بالأوراق – ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعداً أو عطية تذرعاً بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول أو محاولة الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة ، وبذلك تتحقق المساءلة ولو كان النفوذ مزعوماً ، والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية ، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر ما وقع من الطاعن الأول وهو موظف عام (إمام ومدرس بمديرية أوقاف .... ) – من طلب مبالغ نقدية من المجني عليهم – وأخذها – بزعم تدخله لدى المسئولين بوزارة الأوقاف للعمل على استصدار قرارات تعيينهم بجهة عمله ، كما اعتبر الحكم ما وقع من شريكه الطاعن الثاني وهو عامل بمسجد بإدارة الأوقاف بـ .... – من قيامه بإمداد الطاعن الأول باستمارة استخراج تحقيق شخصية لأحد المجني عليهم تضمنت بياناً بأنه – أي المجني عليه المذكور – يعمل بوظيفة عامل مسجد بمديرية أوقاف .... ممهورة ببصمة مقلدة لخاتم منسوب لتلك الجهة بقصد تأكيد مزاعم الطاعن الأول – محققاً لجناية الاتجار بالنفوذ ، فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح . هذا فضلاً على أن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق بالعلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الادعاء بالنفوذ المزعوم ، والعلم بنزع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك ، وبأن الاختصاص يمنحها هو لسلطة عامة وطنية ، وهو ما استظهره الحكم في حق الطاعنين ، فإن كافة ما يثيرانه بشأن انتفاء أركان الجريمة يكون بعيداً عن محجة الصواب .
2- لما كان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة نصب وليست جناية استغلال نفوذ لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، وكانت المحكمة قد تناولت دفاعهما في هذا الشأن واطرحته بما يسوغ اطراحه .
3- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، وأن من إطلاقاتها الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ، وإن عدل عنه بعد ذلك ، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع ، فإن النعي على المحكمة بأنها عولت على اعتراف المتهم الأول في التحقيقات رغم عدوله عنه وإنكاره الاتهام في المحاكمة يكون غير سديد .
4- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منازعة الطاعن الأول في القوة التدليلية لأقوال المبلغين ( المجني عليهم) ، وضابط التحريات على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
5- لما كان لا يجدي نعي الطاعن الثاني في صدد جرائم التزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم إحدى جهات الحكومة واستعماله ، ما دام أن المحكمة طبقت عليه المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد عن التهمة الأخرى المسندة إليه الخاصة بالاتجار في النفوذ .
6- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها ، ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال العقيد/ .... على النحو الذي شهد به وسطره الحكم في مدوناته ، فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ، ويضحى ما يثار في هذا الشأن غير مقبول .
7- لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهما مبلغ ألفي جنيه – بعد إعمال المادتين 17 ، 32 من قانون العقوبات – دون أن يقضي بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون ولا ينال من ذلك أن هذه المادة أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة في الحكومة ولم تورد لفظ العزل ؛ وذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه ، الأمر الذي لا يتصور معه أن يكون المشرع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حال معاملته بالرأفة ، في وضع أسوء من ذلك الذي لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة المشرع قد اتجهت إليه ، وهو ما كان يؤذن لهذه المحكمة أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون ، إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحكم بطريق النقض بل طعن المحكوم عليهما وحدهما فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ حتى لا يضار الطاعنان بطعنهما .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما :
المتهم الأول :
1- وهو موظف عام طلب لنفسه وأخذ مبالغ مالية لاستعمال نفوذ مزعوم لتعيين المجني عليهم الواردة أسماؤهم بالتحقيقات وآخرين في وظائف حكومية .
2- اشترك مع المتهم الثاني وآخر مجهول في اصطناع خاتم شعار الجمهورية منسوب صدوره لمديرية أوقاف .... وقام باستخدامه في مهر استمارة طلب استخراج بطاقة شخصية رقم .... باسم ( .... ) بعد أن قام بتحرير بيانات مزورة في تلك الاستمارة .
المتهم الثاني :
اشترك مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمتين الموصوفتين بعاليه .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40 ، 104 ، 106 مكرراً ، 206 ، 211 من قانون العقوبات ، مع إعمال المادتين 17 ، 32/2 من ذات القانون . بمعاقبتهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريم كل منهما مبلغ ألفي جنيه ومصادرة المستندات المزورة المضبوطة .
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم أخذ وطلب عطية لاستغلال النفوذ والتزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم إحدى جهات الحكومة واستعماله ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنهما دفعا بانتفاء أركان جريمة استغلال النفوذ وانطباق أركان جريمة النصب المؤثمة بالمادة 336 من قانون العقوبات إلا أن الحكم اطرح دفعيهما مستنداً إلى إقرار الطاعن الأول بتحقيقات النيابة العامة الذي عدل عنه أمام المحكمة وإلى أقوال المجني عليهم وضابط التحريات رغم أنها مرسلة وتضمنت أفعالاً لا تشكل سوى جريمة النصب ، وأضاف الطاعن الثاني أن الحكم دانه بجرائم التزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم إحدى جهات الحكومة واستعماله رغم خلو الأوراق من دليل سوى إقرار المتهم الأول والذي لم يقرر أن الطاعن هو المحرر لبيانات استمارة الرقم القومي المزورة أو قام باستخراجها ، فضلاً على أنه غير مختص بإمساك أي أوراق أو سجلات أو أختام ، كما عول على تحريات الشرطة رغم أنها لا تصلح دليلاً للإدانة لكونها مجهولة المصدر ولم تحدد دوراً في الواقعة ، والتفت الحكم عن دفع الطاعن الأول بعدم جدية التحريات . كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال الشهود وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وكتاب مديرية أوقاف .... وإقرار المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة ، وهي أدلة سائغة – لا ينازع الطاعنان في أن لها أصلها الثابت بالأوراق – ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان يكفي لقيام جريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعداً أو عطية تذرعاً بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول أو محاولة الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة ، وبذلك تتحقق المساءلة ولو كان النفوذ مزعوماً ، والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية ، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها في عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر ما وقع من الطاعن الأول وهو موظف عام ( إمام ومدرس بمديرية أوقاف .... ) – من طلب مبالغ نقدية من المجني عليهم – وأخذها – بزعم تدخله لدى المسئولين بوزارة الأوقاف للعمل على استصدار قرارات تعيينهم بجهة عمله ، كما اعتبر الحكم ما وقع من شريكه الطاعن الثاني وهو عامل بمسجد بإدارة الأوقاف بـ .... – من قيامه بإمداد الطاعن الأول باستمارة استخراج تحقيق شخصية لأحد المجني عليهم تضمنت بياناً بأنه – أي المجني عليه المذكور – يعمل بوظيفة عامل مسجد بمديرية أوقاف .... ممهورة ببصمة مقلدة لخاتم منسوب لتلك الجهة بقصد تأكيد مزاعم الطاعن الأول – محققاً لجناية الاتجار بالنفوذ ، فإنه يكون قد أعمل القانون على وجهه الصحيح ، هذا فضلاً على أن القصد الجنائي في هذه الجريمة يتحقق بالعلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الادعاء بالنفوذ المزعوم ، والعلم بنزع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك وبأن الاختصاص يمنحها هو لسلطة عامة وطنية ، وهو ما استظهره الحكم في حق الطاعنين ، فإن كافة ما يثيرانه بشأن انتفاء أركان الجريمة يكون بعيداً عن محجة الصواب . لما كان ذلك ، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة نصب وليست جناية استغلال نفوذ لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ، وكانت المحكمة قد تناولت دفاعهما في هذا الشأن واطرحته بما يسوغ اطراحه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وأن من إطلاقاتها الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ، وإن عدل عنه بعد ذلك ، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع ، فإن النعي على المحكمة بأنها عولت على اعتراف المتهم الأول في التحقيقات رغم عدوله عنه وإنكاره الاتهام في المحاكمة يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت بشهادتهم ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها

– كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن منازعة الطاعن الأول في القوة التدليلية لأقوال المبلغين ( المجني عليهم ) ، وضابط التحريات على النحو الذي أثاره في أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لا يجدي نعي الطاعن الثاني في صدد جرائم التزوير في محرر رسمي وتقليد خاتم احدى جهات الحكومة واستعماله ما دام أن المحكمة طبقت عليه المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد عن التهمة الأخرى المسندة إليه الخاصة بالاتجار في النفوذ . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها ، ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال العقيد / .... على النحو الذي شهد به وسطره الحكم في مدوناته فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ، ويضحى ما يثار في هذا الشأن غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهما مبلغ ألفي جنيه – بعد إعمال المادتين 17 ، 32 من قانون العقوبات – دون أن يقضي بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون ولا ينال من ذلك أن هذه المادة أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول في أي خدمة في الحكومة ولم تورد لفظ العزل ؛ وذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلي في مفهوم هذا النص يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه ، الأمر الذي لا يتصور معه أن يكون المشرع قد قصد عزل الموظف من وظيفته في حال معاملته بالرأفة ، في وضع أسوء من ذلك الذي لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة المشرع قد اتجهت إليه ، وهو ما كان يؤذن لهذه المحكمة أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة الموضوع من مخالفة للقانون إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحكم بطريق النقض بل طعن المحكوم عليهما وحدهما فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ حتى لا يضار الطاعنان بطعنهما . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق