الصفحات

Additional Menu

الأحد، 29 يونيو 2025

الطعن 13892 لسنة 81 ق جلسة 22 / 2 / 2022 مكتب فنى 73 ق 45 ص 360

جلسة 22 من فبراير سنة 2022
برئاسة السيـد القاضي/ نبيل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ د. مصطفى سالمان، د. محمد رجاء، ياسر بهاء الدين إبراهيم، محمد علي سلامة " نواب رئيس المحكمة ".
-----------------
(45)
الطعن رقم 13892 لسنة 81 القضائية
(1 -7) تحكيم " استقلال المحكم وحياده ".
(1) وجوب استقلال المُحكم عن طرفي التحكيم والتزامه الحياد بينهما. غياب الاستقلال أو الحياد. أثره. احتمال الميل في الحكم. وجوب إفصاح المُحكم عن أي علاقات يمكن أن تعطي انطباعًا بوجود احتمال انحياز لأحد الأطراف. علة ذلك. المواد 16/3 و18/1 و53 (1/ه) ق التحكيم.
(2) استقلال المُحكم وحيدته. المقصود به. وجوب أن يسود الاعتقاد لدى طرفي التحكيم أن الحكم الذي سيصدر سوف يتسم بالعدل.
(3) التزام المُحكم بالإفصاح كتابة. غايته. إعلام الأطراف بالواقعات المفصح عنها. إخلال المُحكم بهذا الالتزام. أثره. رفع عبء إثبات عدم العلم عن الخصوم.
(4) الالتزام بالحيدة والاستقلال. مبدأٌ أساسيٌ من مبادئ قانون التحكيم المصري. انطباقه على المحكمين المعينين ورؤساء هيئة التحكيم. ضمان النظام القضائي المصري لحياد المحكمين. مؤداه. تعزيز ثقة أطراف التحكيم الدولي في اختيار مصر مقرًا للتحكيم.
(5) القائمة البرتقالية الواردة بإرشادات رابطة المحامين الدولية عن تعارض المصالح في التحكيم الدولي. عددت أمثلة لحالات ومواقف غير حصرية قد تثير شكوكًا لدى أطراف النزاع حول حياد المُحكم واستقلاله. مؤداه. وجوب إفصاح المحكم عند تحقق أي من هذه الحالات.
(6) التزام المُحكم بالإفصاح عن أي أمور يجب الإفصاح عنها. واجبٌ قانونيٌ لازمٌ لضمان سير العملية التحكيمية بنزاهة وحياد. تقصير المُحكم في أداء هذا الواجب. خضوعه لتقدير المحكمة التي تنظر دعوى البطلان.
(7) عدم إثارة الطاعنة أي سبب لتحيز المُحكم مكتفية بمجرد ذكر وجود صلة قرابة بين شريكه في مكتب المحاماة الذي مثل المحتكمة ورئيس هيئة التحكيم. لا يشكل في حد ذاته سببًا لعدم صلاحيته لأداء مهمته التحكيمية ورئاسته لهيئة التحكيم. علة ذلك. عدم الحيدة يجب أن يكون له شكل ملموس. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(8) تحكيم " أهلية إبرام اتفاق التحكيم ".
لغير المصري أهلية إبرام اتفاق التحكيم. شرطه. الرجوع لقانون جنسيته بالنسبة لتوفر أهليته لإبرام اتفاق التحكيم. المادتان 11 /1 ق مدني و53/ ب من ق التحكيم المصري. توفر أهلية الشركة الأجنبية طبقًا لقانونها. مؤداه. جواز إبرامها اتفاق التحكيم. مزاولة الشركة الأجنبية المطعون ضدها لنشاط في مصر وامتناعها عن القيد في السجل التجاري. لا يترتب عليه انعدام أهليتها. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(9) شركات " حماية المتعاملين مع شركة المساهمة ".
التزام شركة المساهمة في مواجهة الغير بالعمل أو التصرف الصادر من أحد موظفيها أو وكلائها. مناطه. حسن النية. المواد 55 /1 و56 /2 و57 /1 ق ١٥٩ لسنة ١٩٨١. عدم جواز تذرع الشركة الطاعنة على الغير بحجة أن الشخص الموقع على العقد لا يملك سلطة إبرام شرط التحكيم.
(10، 11) تحكيم " دعوى بطلان حكم التحكيم ".
(10) دعوى بطلان حكم التحكيم. ليست طعنًا عليه بالاستئناف. مؤداه. لا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم. مؤداه. ليس لقاضي دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير مدى ملاءمته أو مراقبة حُسن تقدير المحكمين. علة ذلك.
(11) المجادلة في اجتهاد هيئة التحكيم في تكييف عقد النزاع. ليست مما يتسع له نطاق دعوى بطلان حكم التحكيم.
(12، 13) دستـور " من المبادئ الدستوريـة: الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". فوائد " أنواع الفوائد: الفوائد القانونية والفوائد الاتفاقية ".
(12) النص في المادة الثانية من دستور 1971 بعد تعديلها في ٢٢/5/١٩٨٠. ليس واجب الإعمال بذاته. مناطه. دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فيما يسنه من قوانين. مؤداه. مبادئ الشريعة الغراء لا تكون واجبة التطبيق إلا إذا أفرغ المشرع أحكامها في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة. أثره. نقلها إلى مجال العمل والتطبيق. علة ذلك. رأي المشرع أن استحقاق التاجر لعائد وفق السعر الذي يتعامل به البنك المركزي للقروض التي يعقدها لشئون تجارته لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. مؤداه. لا محل للقول بغير ذلك طالما أن النص قائم ولم يقض بعدم دستوريته. م 50 ق 17 لسنة 1999.
(13) إلزام هيئة التحكيم الشركة الطاعنة بعائد بنسبة 7% سنويًا من تاريخ المطالبة وخلو اتفاق الأطراف من بيان فقه الشريعة الإسلامية المقصود تطبيقه. مؤداه. تطبيق هيئة التحكيم القانون المصري تطبيقًا صحيحًا مسترشدة بأحكام الشريعة الإسلامية في مبادئها العامة وعدم مخالفتها لقواعد النظام العام في جمهورية مصر العربية. مؤداه. حكمها بمنأى عن البطلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النص في المواد 16/3 و18/1 و53 (1/ه) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية يدل على: أن المؤهل الأساسي للمُحَكَم هو استقلاله عن طرفي التحكيم والتزامه الحياد بينهما، وأن غياب أحدهما تترجح معه مخاطر عدم الحكم بغير ميل، وهو ما يوجب على المُحكم أن يفصح عن أي علاقات يمكن أن تعطي انطباعًا بوجود احتمال انحيازه لأحد الأطراف، ويظل هذا الواجب القانوني بالإفصاح قائمًا على عاتقه - لما قد يُستجد من ظروف لم تكن قائمة عند قبوله التحكيم - حتى صدور حكم التحكيم، ومن ثم فإن كتمان المُحَكَم لهذه الظروف أو العلاقات وعدم إفصاحه عنها لطرفي التحكيم يؤثر على مظهر الإجراءات والثقة في عدالتها، ومن هنا كان الحرص من جانب التشريعات الوطنية وقواعد مراكز التحكيم المعتبرة على النص بوجوب التزام المُحَكَم الحياد والاستقلال.
2- المقصود باستقلال المُحَكَم هو عدم ارتباطه بأي رابطة تبعية أو مادية أو اجتماعية أو مهنية مع أحد أطراف النزاع أو وكلائهم من شأنها أن تؤثر في قراراته، أما المقصود بحياد المُحَكَم فهو عدم انحيازه إلى جانب طرف أو ضد طرف، بما يشكل خطرًا حقيقيًا يتمثل في احتمال الميل تجاه أحد الطرفين“the real danger of bias”، أو يثير شكوكًا مبررة “justifiable doubts” في هذا الشأن، ولا يكفي في المُحَكَم أن يكون مستقلًا ومحايدًا وإنما يتعين أن يسود الاعتقاد لدى طرفي التحكيم أن الحكم الذي سيصدره سوف يتسم بالعدل.
3- الحكمة من التزام المُحَكَم بالإفصاح كتابة هي تحقق الدليل على علم أطراف التحكيم بالوقائع المُفصَح عنها، مما ينفي عنهم قرينة عدم العلم بها، أما كتمان المُحَكَم لتلك الوقائع التي قد تنال من حيدته واستقلاله يرفع عنهم عبء إثبات عدم العلم بتلك الوقائع.
4- الالتزام بالحيدة والاستقلال مبدأٌ أساسيٌ من مبادئ قانون التحكيم المصري، فينطبق واجب الحيدة والاستقلال على حدٍ سواء على المحكمين المعينيين من قبل الأطراف أو من قِبَل مركز التحكيم أو بحكم من المحكمة وينطبق كذلك على رؤساء هيئات التحكيم، كما أن ضمان النظام القضائي المصري لحياد المحكمين واستقلالهم وحرصه على مراقبة حسن تطبيق هذه المبادئ - تحت رقابة محكمة النقض - هو من بين الأسباب التي تعزز ثقة أطراف التحكيم الدولي في اختيار مصر مقرًا للتحكيم seat of arbitration.
5- القائمة البرتقالية الواردة بإرشادات رابطة المحامين الدولية عن تعارض المصالح في التحكيم الدولي IBA Guidelines on Conflicts of Interest in International Arbitration الصادرة عام 2014 – والتي يسترشد بها القضاء في العديد من الدول - عددت أمثلة لحالات ومواقف غير حصرية قد تثير شكوكًا لدى أطراف النزاع حول حياد المُحكم واستقلاله بما يوجب عليه الإفصاح عن أي من هذه الحالات عند تحققها، ومن بينها ما أوردته المادة (3-3-5) من أن يكون أحد أفراد عائلة المُحَكَم المقربين شريكًا أو موظفًا في مكتب محاماة يمثل أحد الطرفين، لكنه لا يساعد في هذا النزاع.
6- التزام المُحَكَم بالإفصاح عن أي أمور يجب الإفصاح عنها يعد – بلا جدال - واجبًا قانونيًا لازمًا لضمان سير العملية التحكيمية بنزاهة وحياد، إلا أن تقصير المُحَكَم في أداء هذا الواجب لا يترتب عليه بمجرده بطلان حكم التحكيم وإنما يخضع لتقدير المحكمة التي تنظر دعوى البطلان - وفي سياق ظروف القضية التحكيمية ذاتها - ما إذا كان الظرف غير المفصح عنه يبرر في حد ذاته أو يؤدي بشكل معقول إلى استنتاج وجود حقيقي للتحيز من عدمه، بمعنى أن تقدير مدى وجود تحيز حقيقي هو تقدير موضوعي تُراعى فيه حقائق ووقائع القضية التحكيمية المطروحة والتي تختلف من قضية إلى أخرى.
7- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع ببطلان تشكيل هيئة التحكيم على ما مؤداه أن ما أثارته الطاعنة من وجود صلة قرابة بين شريكه في مكتب المحاماة الذي مثل المحتكمة وبين رئيس هيئة التحكيم مردود بأن مجرد إثبات هذه الصلة لا يشكل في حد ذاته سببًا لعدم صلاحيته لأداء مهمته التحكيمية؛ لأن عدم الحيدة يجب أن يكون له شكل ملموس، فالجوهري في الأمر هو ما إذا كان ثمة انتهاك من جانبه لمبدأ الحيدة، وأن المحكمة لا تجد في الأوراق ما يبرر هذا التشكك على الإطلاق، فالطاعنة – بخلاف تمسكها بتوافر صلة القرابة - لم تثر أي سبب لتحيز المُحَكَم أو تدلل على وجود ظروف واقعية أو مظاهر ملموسة أو شكوك حقيقية يمكن أن تصم رئيس هيئة التحكيم بالتحيز، لا سيما وأن استقلاليته عن مكتب المحاماة الذي حضر للدفاع عن الشركة المحتكمة ليست موضع شك، والظاهر من الأوراق أنه غير مرتبط بعلاقة تبعية بهذا المكتب والقائمين عليه أو أن له مصالح مادية معهم أو أنه يخضع لأي تأثير أو توجيه أو ضغط من جانبهم، فالطاعنة لم تنسب له أي من هذه الأمور التي من شأنها احتمال إثارة شكوك حول حياده أو استقلاله مكتفية بمجرد ذكر صلة القرابة القائمة بينه وبين الشريكة في مكتب المحاماة، وهي واقعة قد تكون معلومة بالضرورة للأطراف المشاركين في هذا التحكيم، ولا تشكل وحدها دليلًا على عدم صلاحية المُحَكَم لرئاسة هيئة التحكيم، وكانت هذه الأسباب من الحكم المطعون فيه سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من أن مجرد عدم الإفصاح من جانب رئيس هيئة التحكيم لم يؤد بذاته إلى تحيز ضد الشركة المحتكمة التي لم تدع قيام أي أساس لتخوف معقول أو شكوك مبررة فيما يتعلق بالحياد، وأسست طعنها على مجرد عدم إفصاحه عن صلة القرابة المشار إليها فإن الحكم يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة في القانون، ولا يعيبه ويؤدي إلى نقضه ما اعتراه من خطأ في بعض أسبابه القانونية – فيما ذهب إليه من عدم وجود التزام بالإفصاح عن رئيس هيئة التحكيم باعتبار أنه وهو العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة.... لم يجد ضرورة أو ما يبرر أهمية التصريح بعلاقة القرابة التي تربطه بالشريكة في مكتب المحاماة المذكور طالما أنها لا تشترك في العمل بالقضية التحكيمية ولا صلة لها بها - إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ وترده إلى الأساس القانوني السديد دون أن تنقضه.
8- المقرر قانونًا أن لغير المصري أهلية إبرام اتفاق التحكيم على أن يُرجع بالنسبة لتوافر أهليته لإبرام اتفاق التحكيم إلى قانون جنسيته، طبقًا لنص المادة 11/1 من التقنين المدني التي تنص على أن "الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم، ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في مصر وتترتب آثارها فيها، إذا كان أحد الطرفين أجنبيًا ناقص الأهلية، وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبيّنه فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته"، وهو ما سارت على نهجه المادة 53/ب من قانون التحكيم المصري التي تنص على أنه " 1- لا تُقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية:.... (ب) إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقًا للقانون الذي يحكم أهليته"، وإذا ما تعلق الأمر بشركة أجنبية فيُرجع بالنسبة لأهليتها إلى قانون الدولة التي تنتمي إليها بجنسيتها، فإذا توافرت أهلية الشركة طبقًا لقانونها يكون لها إبرام اتفاق التحكيم ولو كانت تزاول نشاطًا في مصر وامتنعت عن القيد في السجل التجاري بالمخالفة للقانون المصري؛ ذلك أنه ولئن كان قانون السجل التجاري قد أوجب قيد أسماء التجار والشركات بالسجلات التجارية إلا أنه لم يرتب على مخالفة أحكامه في هذه الحالة بطلان التصرفات والالتزامات التي تُبرم بين التجار والشركات قبل إجراء القيد، وبالتالي فإن تعاقد الشركات الأجنبية على مزاولة الأعمال التجارية قبل القيد في السجل التجارى وإن اعتبر مخالفة لقاعدة قانونية آمرة إلا أنها غير متعلقة بالنظام العام، ومن ثم فإن عدم القيد في السجل المذكور لا يترتب عليه انعدام أهلية الشركة المطعون ضدها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دفع الشركة الطاعنة ببطلان اتفاق التحكيم على سند من مجرد تعاقد شركة أجنبية مع شركة أخرى مصرية ليس فيه أي مخالفة لأحكام القانون المصري، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
9- مفاد نصوص المواد 55/1 و56/2 و57/1 من قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 أنه حرصًا من المشرع على حماية الغير حسن النية الذي يتعامل مع ممثلي الشركة (شركة المساهمة) فقد نص صراحة على إمكان احتجاج الغير بالتصرفات التي تمت مع أي من ممثلي الشركة في مواجهتها ولو كان التصرف صادرًا بالتجاوز لسلطة مُصدره أو لم تُتبع بشأنه الإجراءات والقواعد المقررة قانونًا، ولو كانت تلك التصرفات مشهرة، وسواء كان هذا التصرف داخلًا في غرض الشركة أم لا، وقد طبق المشرع مبدأ حماية الغير الذين يتعاملون مع الشركة اعتمادًا على الوضع الظاهر على نحو واسع؛ إذ لم يكتف بالتقرير بمسئولية الشركة عن أي تصرف أو تعامل يجريه مجلس إدارتها أو رئيس مجلس الإدارة وإنما قرر امتداد مسئوليتها لتشمل أي تصرف يجريه أحد موظفيها أو وكلائها إذا تم تقديمه للغير باعتبار أنه يملك سلطة التصرف نيابة عنها واعتمد الغير على ذلك في تعامله معها، وأخيرًا فإنه لا يجوز للشركة أن تتمسك في مواجهة الغير حسن النية من المتعاملين معها بأن نصوص عقد الشركة أو لوائحها لم تُتبع بشأن هذا التصرف. لما كان ذلك، وكانت الحُجة التي تتذرع بها الشركة الطاعنة ومفادها أن شخص الموقع على العقد لا يملك سلطة إبرام شرط التحكيم الذي تضمنه العقد هي حُجة من صنع يديها هي فلا يجوز لها الاحتجاج بها على الغير حسن النية، وهو ما بات معروفًا باسم قاعدة estoppel أي من سعى في نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه أو منع التناقض إضرارًا بالغير؛ فقد كان في إمكان الطاعنة قبل أي طرف آخر أن تتبين وقوع هذا التجاوز في شأن من أبرم العقد باسمها بسهولة ويسر لا عناء فيهما غير أنها لم تعترض حال إبرام العقد مع المطعون ضدها أو طوال فترة تنفيذ شروطه، ويترتب على ذلك قيام افتراض منطقي بوجود تفويض فعلي وواقعي منها لشخص الموقع على العقد، ولا يهم بعد ذلك نوع هذا التفويض ومداه؛ باعتبار أن علاقة الشركة بأعضاء مجلس إدارتها وسائر العاملين بها على اختلاف مسمياتهم لا يمكن أن تؤثر بحال على صحة العقود المبرمة مع الغير حسني النية، لا سيما إذا ما قدمت الشركة من تعاقد باسمها على أنه يملك السلطة المطلوبة لإبرام هذا التعاقد فتعامل معه الغير على هذا الأساس، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر في رده على دفع الطاعنة فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا.
10- تعييب قضاء هيئة التحكيم في موضوع النزاع والطعن في سلامة فهمها لحقيقة الواقع في الدعوى والنعي بخطئها في تكييف عقد النزاع وخطئها في تفسير القانون وتطبيقه لا يتسع له نطاق دعوى البطلان؛ لما هو مقرر من أن دعوى بطلان حكم التحكيم ليست طعنًا عليه بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم فيه، وأنه ليس لقاضي دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملاءمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين، يستوي فى ذلك أن يكون المحكمون قد أصابوا أو أخطأوا عندما اجتهدوا في تكييفهم للعقد، لأنهم حتى لو أخطأوا فإن خطأهم لا ينهض سببًا لإبطال حكمهم؛ إذ إن دعوى البطلان تختلف عن الطعن بطريق الاستئناف.
11- إذ كان الثابت بالأوراق أن هيئة التحكيم بوصفها قاضي الموضوع قد توصلت إلى تكييف عقد النزاع بأنه عقد قرض بفائدة يخضع لأحكام التقنين المدني المصري وليس عقد وكالة استثمار، ومن ثم فإن المجادلة في اجتهادها في هذا الخصوص هي مسألة تتعلق بسلطة هيئة التحكيم في فهم الواقع في الدعوى وتكييف عقد النزاع، وبالتالى فإنها - وأيًا كان وجه الرأي فى مدى صحة هذا التكييف للعقد - ليست مما يتسع له نطاق دعوى البطلان حسبما تقدم بيانه. ومن ناحية أخيرة، فإن وقوع خطأ من جانب هيئة حكم التحكيم في شأن تكييف عقد النزاع لا يمكن أن يرتد أثره إلى يوم إبرام عقد النزاع المتضمن شرط التحكيم ويؤدي إلى بطلانه. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض هذا السبب فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة في القانون بصرف النظر عن الأسباب التي أوردها في هذا الشأن، ويكون لمحكمة النقض تصحيح تلك الأسباب دون أن تنقضه، على نحو ما سلف بيانه.
12- النص في المادة الثانية من دستور 1971 - بعد تعديلها في ٢٢/5/١٩٨٠ والمنطبقة على موضوع النزاع - على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع، ليس نصًا واجب الإعمال بذاته، وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فيما يسنه من قوانين، وبذلك فإن مبادئ الشريعة الغراء لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة فينقلها بذلك إلى مجال العمل والتطبيق؛ علة ذلك أن إيراد الدستور لاصطلاح "مبادئ الشريعة الإسلامية" في إطلاقه، يكشف عن أن مقصود المشرع الدستوري هو أن يجمع بهذا الاصطلاح بين مصادر الشريعة الإسلامية القطعية في ثبوتها ودلالتها وبين فقه الشريعة الإسلامية بتنوع مناهجه وثراء اجتهاداته وتباين نتائجه زمانًا ومكانًا، وهو ما يترتب عليه أن تصبح السلطة التشريعية وحدها هي المنوط بها إفراغ الحكم الشرعي في نص قانوني واجب التطبيق بما يتوافر لها من مكنة التفرقة بين الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها - حيث لا اجتهاد فيها - والأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معًا، وهي التي تتسع لأبواب الاجتهاد عن طريق الأدلة الشرعية النقلية منها والعقلية، وهو اجتهاد وإن كان حقًا لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا للمشرع. وبالترتيب على ما تقدم، يكون الأصل في القوانين الصادرة من السلطة التشريعية – منذ التعديل الدستوري المشار إليه - أن مصدرها الرئيسي مبادئ الشريعة الإسلامية أو أنها لا تتعارض معها. لما كان ذلك، وكان نص المادة 50 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أن "1- تعتبر تجارية القروض التي يعقدها التاجر لشئون تتعلق بأعماله التجارية. 2- إذا اقتضت مهنة التاجر أداء مبالغ أو مصاريف لحساب عملائه جاز له مطالبتهم بعائد عنها من يوم صرفها ما لم يتفق على غير ذلك. 3- يُحسب العائد وفقًا للسعر الذي يتعامل به البنك المركزي، ما لم يُتفق على مقابل أقل. 4- يُؤدَى العائد في نهاية كل سنة إذا كان الدين مؤجلًا لأكثر من سنة وفي يوم الاستحقاق إذا كان لأجل سنة أو أقل ما لم يتفق أو يجر العرف على غير ذلك"، ومؤدى ذلك: أن المشرع يكون قد رأى أن استحقاق التاجر لعائد وفق السعر الذي يتعامل به البنك المركزي للقروض التي يعقدها لشئون تجارته لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ولا يكون ثمة محل للقول بغير ذلك طالما أن النص قائم ولم يقض بعدم دستوريته.
13- إذ كان الثابت من الأوراق أن هيئة التحكيم تبين لها أن العائد وفق السعر الذي يتعامل به البنك المركزي منذ شهر أغسطس 2002 حتى تاريخ بيان الدعوى في 26/8/2008 يتراوح بين حد أدنى 9% سنويًا وحد أقصى 11% سنويًا فألزمت الشركة الطاعنة وفق طلبات الشركة المطعون ضدها بعائد بنسبة 7% سنويًا من تاريخ المطالبة، وهو عائد يقل عن الحد الأدنى المشار إليه، ولما كان اتفاق الأطراف على تطبيق أحكام القانون المصري بما لا يخالف الشريعة الإسلامية قد خلا من بيان فقه الشريعة الإسلامية المقصود في هذا الخصوص في ظل تنوع مناهجه واجتهاداته وتباين نتائجه زمانًا ومكانًا فإن هيئة التحكيم وبما اجتهدت به في أسبابها على النحو المتقدم لا تكون قد خالفت قواعد النظام العام في جمهورية مصر العربية، وتكون قد طبقت القانون المصري تطبيقًا صحيحًا مسترشدة بأحكام الشريعة الإسلامية في مبادئها العامة دون أن تخالف القانون الذي اتفق عليه الأطراف، فيضحى حكمها بمنأى عن البطلان، ويكون ما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على غير أساس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن- تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت على الشركة المطعون ضدها الدعوى رقم.... لسنة 126 ق أمام محكمة استئناف القاهرة بطلب الحكم: - (أولًا) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التحكيم الصادر بتاريخ 18/5/2009 في القضية التحكيمية المقيدة برقم..... لسنة 2008 لدى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، (ثانيًا) وفي الموضوع ببطلان هذا الحكم، وبيانًا لذلك قالت: إن إجراءات التحكيم شابها عيب في تشكيل هيئة التحكيم لعدم إفصاح رئيس هيئة التحكيم عن صلة قرابته بإحدى الشركاء في مكتب المحاماة الذي تولى تمثيل الشركة (المطعون ضدها) المحتكمة في القضية التحكيمية وببطلان مشارطة التحكيم لانعدام أهلية الشركة المحتكمة وكذا انتفاء صفة ممثلها الذي وقع على هذه المشارطة وأن حقيقة التعاقد في 4/7/2000 كانت على قرض وهو من غير الجائز الحصول عليه إلا من خلال البنوك المرخص لها بذلك، ومخالفة مشارطة التحكيم للنظام العام للاتفاق على فوائد تعتبر ربا في الشريعة الإسلامية ومن ثم كانت الدعوى، وبتاريخ 8/6/2011 قضت المحكمة برفض الدعوى. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن شكلًا، وفي الموضوع برفضه. عُرِضَ الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة - فرأت أنه جدير بالنظر، وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى بالسببين الأول والثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول: إنها تمسكت بدفاع مؤداه بطلان تشكيل هيئة التحكيم لأنها اكتشفت بطريق الصدفة وبعد صدور حكم التحكيم أن رئيس هيئة التحكيم تربطه صلة قرابة بإحدى الشركاء في مكتب المحاماة الذي تولى تمثيل الشركة (المطعون ضدها) المحتكمة في القضية التحكيمية، وقدمت المستندات الدالة على ذلك، وهو ما كان يوجب عليه أن يُفصح عن تلك الظروف باعتبار أن من شأنها أن تثير شكوكًا حول حيدته واستقلاله، غير أن الحكم المطعون فيه أطرح دفاعها بما لا يصلح ردًا عليه؛ إذ اعتبر أن مجرد إثبات صلة القرابة لا يشكل في حد ذاته سببًا لعدم صلاحيته، وافترض أن تلك الصلة معلومة بالضرورة للأطراف ومن ثم فلا موجب للإفصاح عنها، كما انتهى إلى أن هذه الصلة لا تصلح سببًا لعدم الحيدة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن النص فى المادة 16/3 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أن "يكون قَبول المُحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب عليه أن يُفصح عند قَبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته"، وفي المادة 18/1 من ذات القانون على أنه "لا يجوز رد المُحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكًا جدية حول حيدته أو استقلاله"، وفي المادة 53 منه على أنه "1- لا تُقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية:.... (ه) إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المُحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين"، يدل على: أن المؤهل الأساسي للمُحكم هو استقلاله عن طرفي التحكيم والتزامه الحياد بينهما، وأن غياب أحدهما تترجح معه مخاطر عدم الحكم بغير ميل، وهو ما يوجب على المُحَكَم أن يفصح عن أي علاقات يمكن أن تعطي انطباعًا بوجود احتمال انحيازه لأحد الأطراف، ويظل هذا الواجب القانوني بالإفصاح قائمًا على عاتقه - لما قد يُستجد من ظروف لم تكن قائمة عند قبوله التحكيم - حتى صدور حكم التحكيم، ومن ثم فإن كتمان المُحَكَم لهذه الظروف أو العلاقات وعدم إفصاحه عنها لطرفي التحكيم يؤثر على مظهر الإجراءات والثقة في عدالتها، ومن هنا كان الحرص من جانب التشريعات الوطنية وقواعد مراكز التحكيم المعتبرة على النص بوجوب التزام المُحَكَم الحياد والاستقلال، وكان المقصود باستقلال المُحَكَم هو عدم ارتباطه بأي رابطة تبعية أو مادية أو اجتماعية أو مهنية مع أحد أطراف النزاع أو وكلائهم من شأنها أن تؤثر في قراراته، أما المقصود بحياد المُحَكَم فهو عدم انحيازه إلى جانب طرف أو ضد طرف، بما يشكل خطرًا حقيقيًا يتمثل في احتمال الميل تجاه أحد الطرفين “the real danger of bias”، أو يثير شكوكًا مبررة “justifiable doubts” في هذا الشأن، ولا يكفي في المُحَكَم أن يكون مستقلًا ومحايدًا وإنما يتعين أن يسود الاعتقاد لدى طرفي التحكيم أن الحكم الذي سيصدره سوف يتسم بالعدل؛ والحكمة من التزام المُحَكَم بالإفصاح كتابة هي تحقق الدليل على علم أطراف التحكيم بالوقائع المُفصَح عنها، مما ينفي عنهم قرينة عدم العلم بها، أما كتمان المُحَكَم لتلك الوقائع التي قد تنال من حيدته واستقلاله يرفع عنهم عبء إثبات عدم العلم بتلك الوقائع، وكان الالتزام بالحيدة والاستقلال مبدءًا أساسيًا من مبادئ قانون التحكيم المصري، فينطبق واجب الحيدة والاستقلال على حدٍ سواء على المحكمين المعينيين من قبل الأطراف أو من قِبَل مركز التحكيم أو بحكم من المحكمة وينطبق كذلك على رؤساء هيئات التحكيم، كما أن ضمان النظام القضائي المصري لحياد المحكمين واستقلالهم وحرصه على مراقبة حسن تطبيق هذه المبادئ - تحت رقابة محكمة النقض - هو من بين الأسباب التي تعزز ثقة أطراف التحكيم الدولي في اختيار مصر مقرًا للتحكيم seat of arbitration وأخيرًا فإن القائمة البرتقالية الواردة بإرشادات رابطة المحامين الدولية عن تعارض المصالح في التحكيم الدولي IBA Guidelines on Conflicts of Interest in International Arbitration الصادرة عام 2014 – والتي يسترشد بها القضاء في العديد من الدول - عددت أمثلة لحالات ومواقف غير حصرية قد تثير شكوكًا لدى أطراف النزاع حول حياد المُحَكَم واستقلاله بما يوجب عليه الإفصاح عن أي من هذه الحالات عند تحققها، ومن بينها ما أوردته المادة (3-3-5) من أن يكون أحد أفراد عائلة المُحكم المقربين شريكًا أو موظفًا في مكتب محاماة يمثل أحد الطرفين، لكنه لا يساعد في هذا النزاع، ويترتب على ما تقدم : أن التزام المُحكم بالإفصاح عن أي أمور يجب الإفصاح عنها يعد – بلا جدال - واجبًا قانونيًا لازمًا لضمان سير العملية التحكيمية بنزاهة وحياد، إلا أن تقصير المُحَكَم في أداء هذا الواجب لا يترتب عليه بمجرده بطلان حكم التحكيم وإنما يخضع لتقدير المحكمة التي تنظر دعوى البطلان - وفي سياق ظروف القضية التحكيمية ذاتها - ما إذا كان الظرف غير المفصح عنه يبرر في حد ذاته أو يؤدي بشكل معقول إلى استنتاج وجود حقيقي للتحيز من عدمه، بمعنى أن تقدير مدى وجود تحيز حقيقي هو تقدير موضوعي تُراعى فيه حقائق ووقائع القضية التحكيمية المطروحة والتي تختلف من قضية إلى أخرى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع ببطلان تشكيل هيئة التحكيم على ما مؤداه أن ما أثارته الطاعنة من وجود صلة قرابة بين شريكه في مكتب المحاماة الذي مثل المحتكمة وبين رئيس هيئة التحكيم مردود بأن مجرد إثبات هذه الصلة لا يشكل في حد ذاته سببًا لعدم صلاحيته لأداء مهمته التحكيمية؛ لأن عدم الحيدة يجب أن يكون له شكل ملموس، فالجوهري في الأمر هو ما إذا كان ثمة انتهاك من جانبه لمبدأ الحيدة، وأن المحكمة لا تجد في الأوراق ما يبرر هذا التشكك على الإطلاق، فالطاعنة – بخلاف تمسكها بتوافر صلة القرابة - لم تثر أي سبب لتحيز المُحَكَم أو تدلل على وجود ظروف واقعية أو مظاهر ملموسة أو شكوك حقيقية يمكن أن تصم رئيس هيئة التحكيم بالتحيز، لا سيما وأن استقلاليته عن مكتب المحاماة الذي حضر للدفاع عن الشركة المحتكمة ليست موضع شك، والظاهر من الأوراق أنه غير مرتبط بعلاقة تبعية بهذا المكتب والقائمين عليه أو أن له مصالح مادية معهم أو أنه يخضع لأي تأثير أو توجيه أو ضغط من جانبهم، فالطاعنة لم تنسب له أي من هذه الأمور التي من شأنها احتمال إثارة شكوك حول حياده أو استقلاله مكتفية بمجرد ذكر صلة القرابة القائمة بينه وبين الشريكة في مكتب المحاماة، وهي واقعة قد تكون معلومة بالضرورة للأطراف المشاركين في هذا التحكيم، ولا تشكل وحدها دليلًا على عدم صلاحية المُحَكَم لرئاسة هيئة التحكيم، وكانت هذه الأسباب من الحكم المطعون فيه سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من أن مجرد عدم الإفصاح من جانب رئيس هيئة التحكيم لم يؤد بذاته إلى تحيز ضد الشركة المحتكمة التي لم تدع قيام أي أساس لتخوف معقول أو شكوك مبررة فيما يتعلق بالحياد، وأسست طعنها على مجرد عدم إفصاحه عن صلة القرابة المشار إليها فإن الحكم يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة في القانون، ولا يعيبه ويؤدي إلى نقضه ما اعتراه من خطأ في بعض أسبابه القانونية – فيما ذهب إليه من عدم وجود التزام بالإفصاح عن رئيس هيئة التحكيم باعتبار أنه وهو العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة.... لم يجد ضرورة أو ما يبرر أهمية التصريح بعلاقة القرابة التي تربطه بالشريكة في مكتب المحاماة المذكور طالما أنها لا تشترك في العمل بالقضية التحكيمية ولا صلة لها بها - إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ وترده إلى الأساس القانوني السديد دون أن تنقضه.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه؛ ذلك أنها دفعت ببطلان حكم التحكيم على سند من بطلان العقد المبرم بين الطرفين بتاريخ 4/7/2000 والمتضمن لاتفاق التحكيم لانعدام أهلية الشركة المطعون ضدها في إبرامه باعتبارها شركة أجنبية مقرها الرئيسي بالخارج، ولم يُرخَص لها بمزاولة النشاط داخل جمهورية مصر العربية ولم تقيد بالسجل التجاري وليس لها فرع في مصر، غير أن الحكم المطعون فيه رد على دفعها بما لا يصلح ردًا مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك أنه من المقرر قانونًا أن لغير المصري أهلية إبرام اتفاق التحكيم على أن يُرجع بالنسبة لتوافر أهليته لإبرام اتفاق التحكيم إلى قانون جنسيته، طبقًا لنص المادة 11/1 من التقنين المدني التي تنص على أن "الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم، ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في مصر وتترتب آثارها فيها، إذا كان أحد الطرفين أجنبيًا ناقص الأهلية، وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبيّنه فإن هذا السبب لا يؤثر في أهليته"، وهو ما سارت على نهجه المادة 53/ب من قانون التحكيم المصري التي تنص على أنه " 1- لا تُقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية:.... (ب) إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقًا للقانون الذي يحكم أهليته"، وإذا ما تعلق الأمر بشركة أجنبية فيُرجع بالنسبة لأهليتها إلى قانون الدولة التي تنتمي إليها بجنسيتها، فإذا توافرت أهلية الشركة طبقًا لقانونها يكون لها إبرام اتفاق التحكيم ولو كانت تزاول نشاطًا في مصر وامتنعت عن القيد في السجل التجاري بالمخالفة للقانون المصري؛ ذلك أنه ولئن كان قانون السجل التجاري قد أوجب قيد أسماء التجار والشركات بالسجلات التجارية إلا أنه لم يرتب على مخالفة أحكامه في هذه الحالة بطلان التصرفات والالتزامات التي تُبرم بين التجار والشركات قبل إجراء القيد، وبالتالي فإن تعاقد الشركات الأجنبية على مزاولة الأعمال التجارية قبل القيد في السجل التجارى وإن اعتبر مخالفة لقاعدة قانونية آمرة إلا أنها غير متعلقة بالنظام العام، ومن ثم فإن عدم القيد في السجل المذكور لا يترتب عليه انعدام أهلية الشركة المطعون ضدها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دفع الشركة الطاعنة ببطلان اتفاق التحكيم على سند من مجرد تعاقد شركة أجنبية مع شركة أخرى مصرية ليس فيه أي مخالفة لأحكام القانون المصري، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه؛ ذلك أنها دفعت ببطلان حكم التحكيم على سند مِن أن مَن تعاقد باسمها مع الشركة المطعون ضدها ووقع على اتفاق التحكيم هو مجرد عضو بمجلس إدارتها ولا يمثلها وفقًا للقانون وليس له حق الاقتراض ولم تفصح الأوراق عن وجود وكالة ظاهرة له كما أنها لم تُجز هذا التعاقد.
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك أن مفاد نصوص المواد 55 /1 و56 /2 و57 /1 من قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 أنه حرصًا من المشرع على حماية الغير حسن النية الذي يتعامل مع ممثلي الشركة فقد نص صراحة على إمكان احتجاج الغير بالتصرفات التي تمت مع أي من ممثلي الشركة في مواجهتها ولو كان التصرف صادرًا بالتجاوز لسلطة مُصدره أو لم تُتبع بشأنه الإجراءات والقواعد المقررة قانونًا، ولو كانت تلك التصرفات مشهرة، وسواء كان هذا التصرف داخلًا في غرض الشركة أم لا، وقد طبق المشرع مبدأ حماية الغير الذين يتعاملون مع الشركة اعتمادًا على الوضع الظاهر على نحو واسع؛ إذ لم يكتف بالتقرير بمسئولية الشركة عن أي تصرف أو تعامل يجريه مجلس إدارتها أو رئيس مجلس الإدارة وإنما قرر امتداد مسئوليتها لتشمل أي تصرف يجريه أحد موظفيها أو وكلائها إذا تم تقديمه للغير باعتبار أنه يملك سلطة التصرف نيابة عنها واعتمد الغير على ذلك في تعامله معها، وأخيرًا فإنه لا يجوز للشركة أن تتمسك في مواجهة الغير حسن النية من المتعاملين معها بأن نصوص عقد الشركة أو لوائحها لم تُتبع بشأن هذا التصرف. لما كان ذلك، وكانت الحُجة التي تتذرع بها الشركة الطاعنة ومفادها أن شخص الموقع على العقد لا يملك سلطة إبرام شرط التحكيم الذي تضمنه العقد هي حُجة من صنع يديها هي فلا يجوز لها الاحتجاج بها على الغير حسن النية، وهو ما بات معروفًا باسم قاعدة estoppel أي من سعى في نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه أو منع التناقض إضرارًا بالغير؛ فقد كان في إمكان الطاعنة قبل أي طرف آخر أن تتبين وقوع هذا التجاوز في شأن من أبرم العقد باسمها بسهولة ويسر لا عناء فيهما غير أنها لم تعترض حال إبرام العقد مع المطعون ضدها أو طوال فترة تنفيذ شروطه، ويترتب على ذلك قيام افتراض منطقي بوجود تفويض فعلي وواقعي منها لشخص الموقع على العقد، ولا يهم بعد ذلك نوع هذا التفويض ومداه؛ باعتبار أن علاقة الشركة بأعضاء مجلس إدارتها وسائر العاملين بها على اختلاف مسمياتهم لا يمكن أن تؤثر بحال على صحة العقود المبرمة مع الغير حسني النية، لا سيما إذا ما قدمت الشركة من تعاقد باسمها على أنه يملك السلطة المطلوبة لإبرام هذا التعاقد فتعامل معه الغير على هذا الأساس، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر في رده على دفع الطاعنة فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا.
وحيث إن الشركة تنعَى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه؛ ذلك بأنها تمسكت ببطلان حكم التحكيم لما انتهى إليه في تكييفه لعقد النزاع المبرم بين طرفي التحكيم من أنه عقد قرض بفائدة وليس عقد وكالة استثمار، وهو ما يؤدي إلى بطلان حكم التحكيم بطلانًا مطلقًا متعلقًا بالنظام العام ومن قَبله بطلان شرط التحكيم لمخالفتهما للقواعد الآمرة الواردة في قانون البنوك والتي تحظر على غير البنوك المرخص لها مباشرة هذا النوع من العمليات المصرفية، غير أن الحكم المطعون فيه رد على دفعها برد مقتضب بأنه لا يوجد فى القانون المصري المنطبق على موضوع النزاع ما يفيد هذا الحظر، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول؛ ذلك أن تعييب قضاء هيئة التحكيم في موضوع النزاع والطعن في سلامة فهمها لحقيقة الواقع في الدعوى والنعي بخطئها في تكييف عقد النزاع وخطئها في تفسير القانون وتطبيقه لا يتسع له نطاق دعوى البطلان؛ لما هو مقرر من أن دعوى بطلان حكم التحكيم ليست طعنًا عليه بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم فيه، وأنه ليس لقاضي دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملاءمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين، يستوي فى ذلك أن يكون المحكمون قد أصابوا أو أخطأوا عندما اجتهدوا في تكييفهم للعقد، لأنهم حتى لو أخطأوا فإن خطأهم لا ينهض سببًا لإبطال حكمهم؛ إذ إن دعوى البطلان تختلف عن الطعن بطريق الاستئناف. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن هيئة التحكيم بوصفها قاضي الموضوع قد توصلت إلى تكييف عقد النزاع بأنه عقد قرض بفائدة يخضع لأحكام التقنين المدني المصري وليس عقد وكالة استثمار، ومن ثم فإن المجادلة في اجتهادها في هذا الخصوص هي مسألة تتعلق بسلطة هيئة التحكيم في فهم الواقع في الدعوى وتكييف عقد النزاع، وبالتالى فإنها - وأيًا كان وجه الرأي فى مدى صحة هذا التكييف للعقد - ليست مما يتسع له نطاق دعوى البطلان حسبما تقدم بيانه. ومن ناحية أخيرة، فإن وقوع خطأ من جانب هيئة حكم التحكيم في شأن تكييف عقد النزاع لا يمكن أن يرتد أثره إلى يوم إبرام عقد النزاع المتضمن شرط التحكيم ويؤدي إلى بطلانه. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض هذا السبب فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة في القانون بصرف النظر عن الأسباب التي أوردها في هذا الشأن، ويكون لمحكمة النقض تصحيح تلك الأسباب دون أن تنقضه، على نحو ما سلف بيانه.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه؛ ذلك أنها تمسكت ببطلان حكم التحكيم على سند من أن الأطراف اتفقوا على تطبيق أحكام القانون المصري بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فقد ألزمها حكم التحكيم بفائدة بواقع 7% سنويًا تُستحق على مبلغ القرض وهي فائدة ربوية تخالف أحكام الشريعة، إلا أن الحكم المطعون فيه رد دفاعها بأن هذه الفائدة تعد تعويضًا اتفاقيًا عن الالتزام بدفع مبلغ من النقود أو تعويضًا عن الانتفاع برأس المال في صورة فوائد، وأن هذا غير محرم في الشريعة الإسلامية، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة الثانية من دستور 1971 - بعد تعديلها في ٢٢/5/١٩٨٠ والمنطبقة على موضوع النزاع - على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع، ليس نصًا واجب الإعمال بذاته، وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فيما يسنه من قوانين، وبذلك فإن مبادئ الشريعة الغراء لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة فينقلها بذلك إلى مجال العمل والتطبيق؛ علة ذلك أن إيراد الدستور لاصطلاح "مبادئ الشريعة الإسلامية" في إطلاقه، يكشف عن أن مقصود المشرع الدستوري هو أن يجمع بهذا الاصطلاح بين مصادر الشريعة الإسلامية القطعية في ثبوتها ودلالتها وبين فقه الشريعة الإسلامية بتنوع مناهجه وثراء اجتهاداته وتباين نتائجه زمانًا ومكانًا، وهو ما يترتب عليه أن تصبح السلطة التشريعية وحدها هي المنوط بها إفراغ الحكم الشرعي في نص قانوني واجب التطبيق بما يتوافر لها من مكنة التفرقة بين الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها - حيث لا اجتهاد فيها - والأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معًا، وهي التي تتسع لأبواب الاجتهاد عن طريق الأدلة الشرعية النقلية منها والعقلية، وهو اجتهاد وإن كان حقًا لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق مقررًا للمشرع. وبالترتيب على ما تقدم، يكون الأصل في القوانين الصادرة من السلطة التشريعية – منذ التعديل الدستوري المشار إليه - أن مصدرها الرئيسي مبادئ الشريعة الإسلامية أو أنها لا تتعارض معها. لما كان ذلك، وكان نص المادة 50 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أن "1- تعتبر تجارية القروض التي يعقدها التاجر لشئون تتعلق بأعماله التجارية. 2- إذا اقتضت مهنة التاجر أداء مبالغ أو مصاريف لحساب عملائه جاز له مطالبتهم بعائد عنها من يوم صرفها ما لم يتفق على غير ذلك. 3- يُحسب العائد وفقًا للسعر الذي يتعامل به البنك المركزي، ما لم يُتفق على مقابل أقل. 4- يُؤدَى العائد في نهاية كل سنة إذا كان الدين مؤجلًا لأكثر من سنة وفي يوم الاستحقاق إذا كان لأجل سنة أو أقل ما لم يتفق أو يجر العرف على غير ذلك"، ومؤدى ذلك: أن المشرع يكون قد رأى أن استحقاق التاجر لعائد وفق السعر الذي يتعامل به البنك المركزي للقروض التي يعقدها لشئون تجارته لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ولا يكون ثمة محل للقول بغير ذلك طالما أن النص قائم ولم يقض بعدم دستوريته. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن هيئة التحكيم تبين لها أن العائد وفق السعر الذي يتعامل به البنك المركزي منذ شهر أغسطس 2002 حتى تاريخ بيان الدعوى في 26/8/2008 يتراوح بين حد أدنى 9% سنويًا وحد أقصى 11% سنويًا فألزمت الشركة الطاعنة وفق طلبات الشركة المطعون ضدها بعائد بنسبة 7% سنويًا من تاريخ المطالبة، وهو عائد يقل عن الحد الأدنى المشار إليه، ولما كان اتفاق الأطراف على تطبيق أحكام القانون المصري بما لا يخالف الشريعة الإسلامية قد خلا من بيان فقه الشريعة الإسلامية المقصود في هذا الخصوص في ظل تنوع مناهجه واجتهاداته وتباين نتائجه زمانًا ومكانًا فإن هيئة التحكيم وبما اجتهدت به في أسبابها على النحو المتقدم لا تكون قد خالفت قواعد النظام العام في جمهورية مصر العربية، وتكون قد طبقت القانون المصري تطبيقًا صحيحًا مسترشدة بأحكام الشريعة الإسلامية في مبادئها العامة دون أن تخالف القانون الذي اتفق عليه الأطراف، فيضحى حكمها بمنأى عن البطلان، ويكون ما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على غير أساس.
ولِما تقدم، يتعين رفض الطعن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق