الصفحات

الاثنين، 25 نوفمبر 2024

الطعن 1743 لسنة 29 ق جلسة 17/ 5/ 1960 مكتب فني 11 ج 2 ق 90 ص 467

جلسة 17 من مايو سنة 1960

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

----------------

(90)
الطعن رقم 1743 لسنة 29 القضائية

(أ) إثبات. قرائن.
امتناع المتهم عن الإجابة في التحقيق لا يجوز اتخاذه قرينة على ثبوت التهمة. علة ذلك.
(ب) اشتراك. نقض.
مناط جواز إثبات الاشتراك بالقرائن.
ورود القرينة على واقعة التحريض أو الاتفاق في ذاته مع صحة الاستنتاج وسلامته. سلطة محكمة النقض في تصحيح استخلاص المحكمة للنتيجة بما يتفق مع المنطق والقانون.

-------------------
1 - من المقرر قانوناً أن للمتهم إذا شاء أن يمتنع عن الإجابة أو عن الاستمرار فيها ولا يعد هذا الامتناع قرينة ضده، وإذا تكلم فإنما ليبدي دفاعه ومن حقه دون غيره أن يختار الوقت والطريقة التي يبدي بها هذا الدفاع، فلا يصح أن يتخذ الحكم من امتناع المتهم عن الإجابة في التحقيق الذي باشرته النيابة العامة بعد إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات وفقد الملف لاعتقاده بطلان هذا التحقيق قرينة على ثبوت التهمة قبله.
2 - مناط جواز إثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استناداً إلى القرائن أن تكون القرائن منصبة على واقعة التحريض أو الاتفاق في ذاته وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها سائغاًًًًً لا يتجافى مع المنطق أو القانون - فإذا كانت الأسباب التي اعتمد عليها الحكم في إدانة المتهم والعناصر التي استخلص منها وجود الاشتراك لا تؤدي إلى ما انتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: المتهمان الأول والثاني - أحرزا بغير ترخيص سلاحين ناريين مششخنين وأحرزا ذخيرة "طلقات مما تستعمل في أسلحة نارية" لم يرخص لهما بحملها - وقتلا المجني عليه عمداًًًًً ومع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على ذلك، وأعدا سلاحين ناريين وترصدا له عند محل بالقرية حتى إذا ما ظفرا به أطلقا عليه عيارين ناريين قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - والمتهم الثالث اشترك بطريقي التحريض والاتفاق مع المتهمين السابقين في ارتكاب جريمة القتل سالفة الذكر فوقعت الجريمة بناءً على ذلك، وطلبت إلى محكمة الجنايات محاكمتهم بالمواد 1 و6 و26/ 2 و4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 والمعدل بالقانون 546 لسنة 1954 والقسم الأول "ب" من الجدول رقم 3 الملحق به والمواد 40/ 1 و2 و41 و230 و231 و232 من قانون العقوبات. وقد ادعى أبناء المجني عليه قبل المتهمين متضامنين بقرش صاغ واحد بصفة تعويض مؤقت. ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً عملاًًًًً بمواد الاتهام مع تطبيق المواد 17 و32/ 2 و235 عقوبات بمعاقبة المتهمين الثلاثة (الطاعنين) بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة الذخيرة المضبوطة. وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعين بالحق المدني مبلغ التعويض المطلوب مع المصاريف المدنية. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني هو بطلان الحكم المطعون فيه لصدوره من محكمة الجنايات دون أن تحال إليها الدعوى من غرفة الاتهام إذ أحالت النيابة العامة القضية إلى محكمة الجنايات مباشرة دون أن تقدمها إلى غرفة الاتهام مستندة في ذلك إلى الفقرة الثالثة من المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 وقد سايرها في هذا الرأي الحكم المطعون فيه فرفض الدفع المقدم من الطاعنين ببطلان قرار النيابة بالإحالة قولاًًًًً منه بأن نص المادة 214 المشار إليه يجيز لسلطة التحقيق أن تحيل إلى محكمة الجنايات مباشرة جنايات إحراز السلاح المنطبقة على القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 وما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى، وأنه لما كانت جناية القتل المسندة للطاعنين مرتبطة بجناية إحراز سلاح ناري ارتباطاًًًًً لا يقبل التجزئة فإن إحالتها مباشرة لمحكمة الجنايات يكون مطابقاًًًًً للقانون - وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه لا يتفق مع نص القانون ولا روحه؛ ذلك لأن الارتباط الذي أشارت إليه المادة المذكورة لا ينصرف إلى مثل واقعة الدعوى إذ أن جناية القتل العمد وهي أخطر الجرائم لا يسوغ اعتبارها جريمة تابعة لجناية إحراز السلاح - بل الوضع الطبيعي أن تكون الجناية الأخيرة هي التابعة لجناية القتل العمد. هذا فضلاًًًًً عن أن ثبوت إحراز السلاح يعتمد على ثبوت القتل والسلاح المدعى بحيازته لم يضبط. والقول بغير ذلك فيه حرمان للمتهمين من ضمانة أساسية وهي عرض قضيتهم على غرفة الاتهام خاصة وأن نص الفقرة الثالثة من المادة 214 هو نص استثنائي لا يجوز التوسع في تأويله بل يجب تفسيره في أضيق الحدود.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما يثيره الطاعنان في هذا الوجه بقوله "وحيث إنه عن بطلان قرار إحالة النيابة للقضية إلى محكمة الجنايات مباشرة طبقاًًًًً للقانون رقم 113 لسنة 1957 دون إحالتها إلى غرفة الاتهام حسب القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 373 من قانون الإجراءات الجنائية. هذا القول لا محل له ذلك لأن المادة 158 معدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 أجازت لسلطة التحقيق أن تحيل جنايات معينة من بينها جنايات إحراز السلاح إلى محكمة الجنايات مباشرة توخياًًًًً للسرعة الواجب توفرها في مثل تلك الجنايات وقد أجاز القانون أيضاًًًًً للنيابة أن تحيل معها ما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى - ولا شك في أن جناية القتل مرتبطة ارتباطاًًًًً لا يقبل التجزئة بجناية إحراز السلاح الموجهة للمتهمين الأول والثاني ومن ثم كانت إحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة مطابقة للقانون ولا محل هنا للقول بأن القانون قصد بعبارة (ما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى) الجرائم الأقل خطورة من جرائم إحراز السلاح ولم يقصد الجرائم الأشد خطورة منها خصوصاًًًًً وأنه في حالة الارتباط تتلاشى الجرائم الأقل أهمية ويحكم بعقوبة الجريمة الأشد - لا محل لهذا القول لأن القانون لم يضع مثل هذا القيد على النص إذ جاء عاماًًًًً شاملاًًًًً لما يكون مرتبطاًًًًً بجناية إحراز السلاح من جرائم أخرى ولا يجوز التوسع أو القياس في المواد الجنائية طالما أن النص لا غموض فيه. كذلك لا محل للقول بأن جريمة إحراز السلاح غير قائمة قولاًًًًً بأن السلاح لم يضبط، ذلك بأنه لا يشترط لقيام تلك الجريمة ضبط السلاح فعلاًًًًً إذ يكفي قيام الدليل على إحرازه بكافة طرق الإثبات الجائزة قانوناًًًًً" لما كان ما تقدم، وكان الشارع - لاعتبارات قدرها تتعلق بالمصلحة العامة - قد استحدث بما أورده في الفقرة الثالثة من المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 حكماًًًًً يخول النيابة العامة حق رفع الدعوى في الجنايات المنصوص عليها في هذه الفقرة وما يكون مرتبطاًًًًً بها من جرائم أخرى إلى محكمة الجنايات بطريق تكليف المتهم بالحضور أمامها مباشرة، كما نص على ذلك أيضاًًًًً في المادة 158/ 1 في الباب الثالث الخاص بقاضي التحقيق وذلك استثناءً من الأصل العام الذي نص عليه القانون وهو وجوب رفع الدعوى في مواد الجنايات بطريق تكليف المتهم بالحضور أمام غرفة الاتهام. لما كان ذلك، وكان مراد الشارع - على ما يبين من صريح النص والمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 113 لسنة 1957 - من التعبير بكلمة "الارتباط" في الفقرة المشار إليها لا يمكن أن ينصرف إلى غير المعنى الذي نص عليه قانون العقوبات في المادة 32 منه مما مفاده أنه إذا كوّن الفعل الواحد جرائم متعددة أو عدة جرائم ارتكبت لغرض واحد ومرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة وكانت إحدى تلك الجرائم من الجنايات المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية فإن باقي الجرائم المرتبطة بها تخضع لقاعدة تقديمها مباشرة لمحكمة الجنايات مهما كانت جسامة هذه الجرائم والعقوبات المقررة لها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن إحراز الطاعنين للسلاح إنما كان بقصد ارتكاب جريمة القتل وأن الارتباط بالمعنى المفهوم قانوناً قائم بين الجريمتين، فإن النيابة العامة إذ رفعت الدعوى إلى محكمة الجنايات بطريق تكليف المتهمين بالحضور أمامها مباشرة تكون قد تصرفت في حدود حقها المنصوص عليه في القانون وتكون الدعوى الجنائية قد تحركت صحيحة واتصلت بها المحكمة اتصالاً قانونياً، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم من بطلان لمخالفة القانون يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو القصور ومخالفة القانون إذ دفع الطاعنان أمام المحكمة ببطلان تحقيق النيابة الذي أجرته في القضية بعد أن أحالتها إلى محكمة الجنايات - وذلك لسببين - الأول أن صدور قرار الإحالة من النيابة يترتب عليه قانوناً اتصال المحكمة بالقضية واختصاصها دون غيرها بمباشرة جميع إجراءات التحقيق فيها - الثاني أن الشهود الذين سئلوا في هذا التحقيق وقع عليهم تهديد وإكراه من رجال البوليس الذين قبضوا عليهم وأودعوهم السجن بقصد الإدلاء بأقوال معينة، ومن ثم فقد أصبحت شهاداتهم باطلة لأنها وليدة إجراء باطل - وقد ردّ الحكم على السبب الأول بقوله إن ما قامت به النيابة من تحقيق بعد فقد ملف القضية ليس إلا جمع استدلالات وهو رد مخالف للقانون إذ نصت المادة 558 من قانون الإجراءات الجنائية صراحة على أنه إذا فقد ملف القضية أثناء عرضها على القضاء فإن المحكمة هي التي تتولى التحقيق بنفسها. وقد برر الحكم إعراضه عن إعمال حكم هذه المادة بقوله إن المحكمة غير مختصة بالتحقيق لأنها لم تكن قد بدأت بنظر القضية ولم تحدد لها جلسة في الفترة التي أجرت النيابة فيها تحقيقها وهو قول لا أساس له قانوناً إذ أن تحديد الجلسة إجراء تنظيمي محض لا يمكن أن يترتب عليه سلب ولاية المحكمة وعودتها إلى سلطة النيابة - كما رد الحكم على السبب الثاني بقوله إن المحكمة لا ترى في استدعاء البوليس لأصحاب المحلات الواقعة على الميدان الذي حصل به الحادث للإدلاء بمعلوماتهم أي إخلال بحرياتهم خاصة وأنهم سئلوا أمام المحكمة فأيدوا ما سبق أن أدلوا به في تحقيق النيابة وقد فهمت المحكمة خطأ أن الإكراه وقع عليهم عند استدعائهم للشهادة في يوم الحادث بينما أن الدفاع قصد إلى التحقيق الذي أجرته النيابة بعد فقد التحقيق الأول كما أنها قد خلطت بين بطلان إجراءات الشهادة وبين مؤدي شهاداتهم ومدى مطابقتها للواقع ذلك لأن مجرد وقوع الإكراه على الشهود يبطل شهاداتهم ولو كانت مطابقة للحقيقة، ومن ثم كان يتعين على الحكم استبعادها وعدم التعويل عليها.
وحيث إن الحكم عرض لما يثيره الطاعنان في الشق الأول من هذا الوجه ورد عليه في قوله: "إنه فيما يختص ببطلان التحقيق الذي أجرته النيابة بعد أن خرجت القضية من يدها بإحالتها للمحكمة فإن هذا الدفع غير سليم ذلك لأنه قد تطرأ ظروف غير منتظرة تقضي بالحصول سريعاً على إيضاحات أو جمع استدلالات أو قد يحصل أن يضيع الملف الأصلي للتحقيق كما حصل في هذه الحالة فلا يوجد ما يمنع النيابة قانوناً من جمع هذه الإيضاحات والاستدلالات كما لا يوجد ما يمنعها من إعادة تحقيق الوقائع التي تتعرض للضياع نتيجة لفقد الملف - والقول بغير ذلك يؤدي إلى ضياع الأدلة القائمة وإفلات المتهمين دون أن يكون لأحد صفة في اتخاذ ما يلزم من الإجراءات السريعة الضرورية بشأنها لأن النيابة تكون غير مختصة لخروج القضية من يدها بإحالتها إلى المحكمة وتكون المحكمة أيضاًً غير مختصة لأنها لم تتصل بعد بنظر القضية ولم تحدد لها جلسة وكل ما يقال في هذه الحالة أن التحقيق الذي تجريه النيابة في هذه الفترة لا يعتبر تحقيقاً وإنما يعتبر مجرد جمع استدلالات وإيضاحات تقدرها المحكمة بسلطتها التقديرية المطلقة". لما كان ما تقدم، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن محكمة الجنايات قد باشرت التحقيق في الدعوى بنفسها، فإن للمحكمة أن تعتمد في حكمها إلى جانب شهادة الشهود الذين سمعتهم على ما ورد بمحضر تحقيق النيابة الذي قدم إليها ما دام أنه كان مطروحاً على بساط البحث بجلسة المحاكمة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعنين من حصول إكراه على الشهود بقوله "ولا ترى المحكمة في استدعاء البوليس لأصحاب المحلات الواقعة على الميدان ولاستفسار منهم عما شاهدوه أي إخلال بحرياتهم ذلك لأن الثابت من التحقيق أن هؤلاء الشهود قد أغلقوا محلاتهم وانصرفوا عقب الحادث مباشرة مع أنهم الشهود الطبيعيين للحادث فكان استدعاؤهم ضرورة لازمة للكشف عن حقيقة ما حصل لأن يوم الحادث كان يوم السوق الأسبوعي وكان جميع أصحاب المحلات يباشرون أعمالهم في تلك المحلات وقد سئلوا في تحقيقات النيابة فقرر كل منهم ما شاهده أو سمعه كما سئلوا أمام المحكمة فأيدوا شهادتهم بكامل حرياتهم كل منهم بما رآه ولذلك ترى المحكمة أن ما ذهب إليه الدفاع من حصول تأثير من البوليس على الشهود غير صحيح ولا يمت إلى الحقيقة بسبب" - "ولما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن كل ما قاله محامي الطاعن الثاني في هذا الصدد هو "إن المأمور أحضر المجاورين لمكان الحادث وطلب منهم أن يشهدوا......." مما ينصرف إلى استدعاء البوليس لأصحاب المحلات المجاورة لمكان الحادث في يوم حصوله دون إكراه أو تهديد، وكانت المحكمة فضلاً عن ذلك قد اطمأنت إلى أقوال هؤلاء الشهود في تحقيق النيابة وقد جاءت مطابقة لأقوالهم التي أدلوا بها أمامها بجلسة المحاكمة، وكان من المقرر قانوناً أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الوجه يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفضه وبالتالي رفض الطعن المقدم منهما.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه القصور وفساد الاستدلال، ذلك أنه قضى بإدانته في تهمة الاشتراك مع الطاعنين الأول والثاني "بطريقي الاتفاق والتحريض" في جناية القتل العمد استناداً إلى الضغينة القائمة بين الطاعن وبين المجني عليه مع أن الضغينة وحدها لا تكفي قانوناً لإثبات الاشتراك خاصة وأن الحكم نفسه قد أثبت قيام الضغينة بين الطاعنين الأول والثاني وبين المجني عليه إذ سبق اتهام الأخير في قتل خال الأول ووالدة الثاني في نفس المكان الذي قتل فيه المجني عليه وذلك وحده كاف لدفعهما وإلى قتل المجني عليه دون حاجة إلى تحريض من أحد. ولو صح ما ذهب إليه الحكم من أن الضغينة وحدها تكفي لإثبات الاشتراك في الجريمة لوجب اعتبار جميع من يحملون هذه الضغينة من أسرة الطاعن وكذلك أسرة الطاعنين الأول والثاني شركاء بالتحريض والاتفاق وهي نتيجة لا تستسيغها عقل ولا قانون. هذا وقد اتخذ الحكم أيضاً من تحصن الطاعن في منزله بعد وقوع الحادث خشية الهجوم عليه من عائلة المجني عليه ومن رفضه الإجابة في التحقيق الذي أجرته النيابة العامة بعد انتهاء ولايتها بإحالة القضية للمحكمة ومن إنكار الطاعنين الأول والثاني كل علاقة لهما بالطاعن الثالث - اتخذ الحكم من ذلك دليلاً على ثبوت الاشتراك في الجريمة وهو تدليل فاسد لا يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن.
وحيث إنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن استناداً إلى ما شهد به إخوة المجني عليه من استحكام النزاع بينهم وبين الطاعن لسابقة اتهام المجني عليه في قتل أخ الطاعن وفشله في إثبات التهمة قبله "وأنه لما واتته - أي الطاعن - الفرصة في شكل خلاف مالي بين المجني عليه وأخوته سارع إلى تحريض المتهمين الأول والثاني اللذين يحملان الحقد والضغينة للمجني عليه لاعتقادهما أنه هو الذي قتل خال أولهما ووالدة ثانيهما...... وأنه مما يدل على أنه كان ضالعاً مع المتهمين في الجريمة أنه توقع الهجوم عليه من عائلة المجني عليه فوضع الدكك خلف باب منزله واستعد لذلك الهجوم... كما أنه رفض الإجابة أمام النيابة عندما قامت بإجراء التحقيق بعد سرقة ملف القضية ورفض إبداء دفاعه بحجة أنه سبق أن أبداه...... اعتقاداً منه أنه إذا أبدى أقواله في هذا التحقيق الثاني حجبت إجراءاته الباطلة وأمكن الاحتجاج به عليه وفي هذا التصرف وحده ما يوضح حقيقة دوره في الجريمة خصوصاً وأن المتهمين الأول والثاني أنكرا كل علاقة لهما به رغم ما ثبت من شهادة الشهود من قيام تلك العلاقة في صورة استئجار أطيان منه......" ثم استطرد الحكم إلى القول "إنه لا محل لما ذكره الدفاع من أن المجني عليه كان متهماً في قتل آخرين من بينهم عائلة الشلقاني وهي عائلة قوية يمكنها أن تنتقم من المجني عليه - لا محل لذلك لأن الثابت أن عبد الغني همام المتهم الثالث يتشيع لعائلة الشلقاني ويناصرها حتى أنه هو الذي يتولى أخذ الثأر لها من عائلة سعيد (أي عائلة المجني عليه) ...".
وحيث إنه لما كان يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد عول في إدانة الطاعن بتهمة الاشتراك في قتل المجني عليه - على مجرد قيام الخصومة بين عائلتي الطاعن والمجني عليه واتهام بعض أفرادهما في قتل أشخاص من العائلة الأخرى. وعلى تصرف الطاعن بعد وقوع الحادث من تحصنه بمنزله ومن رفضه الإجابة في التحقيق الذي باشرته النيابة العامة بعد فقد التحقيق الأول ومن إنكار الفاعلين الأصليين للجريمة صلتهما بالطاعن - وما قاله الحكم من ذلك لا يؤدي إلى ثبوت تهمة الاشتراك في القتل، ذلك أن الثابت من مدونات الحكم نفسه أن الطاعنين الأول والثاني (الفاعلين الأصليين) يحملان أيضاً الحقد والضغينة للمجني عليه لاعتقادهما أنه هو الذي قتل خال أولهما ووالدة ثانيهما، ومن ثم فلم يكن من المستبعد أن يقدما على ارتكاب الجريمة من تلقاء نفسيهما كما أن إنكار صلتهما بالطاعن لا يستفاد منه اتفاقه معهما أو تحريضه لهما على ارتكابها، هذا فضلاً عما ثبت من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها ومما أورده الحكم أيضاً من أن هناك خصومات مماثلة بين المجني عليه وعائلته وبين آخرين من أهل البلدة مما لا يمكن معه القول بأن الطاعن هو صاحب المصلحة في الجريمة دون غيره وبالتالي يكون هو المتفق والمحرض عليها. لما كان ذلك، وكان اعتصام الطاعن بمسكنه عقب الحادث خشية الاعتداء عليه هو تصرف طبيعي في مثل الظروف التي وقع فيها ولا يصح أن يتخذ منه قرينة ضده لما أثبته الحكم من أن شهود الحادث "أسرعوا إثر حدوثه إلى إغلاق محلاتهم وانصرفوا خوفاً مما توقعوه من اشتباك دموي بين عائلتي المتهمين والمجني عليه وتفادياً مما قد يصيبهم ويصيب أموالهم نتيجة لهذا الصدام الوشيك...... وأنه قد انتاب ضابط نقطة البوليس الكائنة في البلدة الرعب والخوف عند إبلاغه بالحادث فلم يجرؤ على الانتقال إلى محله....." ومن ثم فلم يكن من المستغرب أن يتقي الطاعن ثورة خصومه بالتحصن في داره. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً أن للمتهم إذا شاء أن يمتنع عن الإجابة أو عن الاستمرار فيها ولا يعد هذا الامتناع قرينة ضده إذ تنص المادة 274 إجراءات على أنه: "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك......" وإذا تكلم فإنما ليبدي دفاعه ومن حقه دون غيره أن يختار الوقت والطريقة التي يبدى بها هذا الدفاع، لما كان ذلك فإن امتناع الطاعن عن الإجابة في التحقيق الذي باشرته النيابة بعد إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات وفقد الملف لاعتقاده بطلان هذا التحقيق وأن النيابة لا تملك إجراءه لا يصح أن يتخذ منه قرينة على ثبوت التهمة قبله. لما كان ما تقدم جميعه، وكان من المقرر جواز إثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استناداً إلى القرائن إلا أن ذلك مناطه أن تكون القرائن منصبة على واقعة التحريض أو الاتفاق في ذاته وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد من هذه القرائن سائغاً لا يتجافى مع المنطق أو القانون، وكانت الأسباب التي اعتمد عليها الحكم في إدانة الطاعن والعناصر التي استخلص منها وجود الاشتراك لا تؤدي إلى ما انتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن المقدم من الطاعن الثالث ونقض الحكم المطعون فيه بالنسبة له وبراءته من التهمة المسندة إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق