جلسة 17 من مايو سنة 1960
برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
------------------
(92)
الطعن رقم 110 لسنة 30 القضائية (1)
(أ - ب) محكمة جنايات. تشكيلها.
بقاء الم 367، 372 أ. ج معمولاً بهما تكمل أحكامهما أحكام قانون السلطة القضائية. علة ذلك.
قانون. تفسيره وإلغاؤه.
التفسير القضائي: المذكرة الإيضاحية عند تمشيها مع مفهوم نصوص القانون.
مثال في تفسير الم الأولى من قرار إصدار قانون السلطة القضائية.
الإلغاء الضمني: ما لا يوفره: لم يرد بقانون السلطة القضائية ما يتعارض مع نص الم 367، 372 أ. ج.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل عمداً عبد التواب عبد الشافي محمد عزام بأن أطلق عليه أعيرة نارية من مسدس كان يحمله قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته الأمر المنطبق على نص المادة 234/ 1 من قانون العقوبات، وشرع في قتل بهية أحمد حسن زيان ونعيمه صاوي حسن عمداً بأن أطلق على كل منهما عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتلهما فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركتهما بالعلاج الأمر المنطبق على نصوص المواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات، وأحرز سلاحاً نارياً مششخناً "مسدساً" بغير ترخيص وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 240/ 1 - 2 عقوبات و1 و26/ 2 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول 3 المرفق فقررت بذلك. وقد ادعت بهية أحمد حسن عن نفسها وبصفتها وصية - مدنياً ضد المتهم وطلبت القضاء لها قبله بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه بصفة تعويض. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة محمد عبد الشافي عزام بالإعدام شنقاً وبإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني بهية أحمد حسن زيان عن نفسها وبصفتها مبلغ ألفي جنيه والمصاريف المدنية المناسبة فطعن المذكور في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الوجه الأول هو أن المحكمة التي أصدرت الحكم لم تكن مشكلة من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف عملاً بنص المادة السادسة من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 بل كان أحد أعضائها بدرجة رئيس محكمة ابتدائية مما يبطل حكمها - ذلك بأن نص المادة 367 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 535 لسنة 1953 الذي يجيز ندب رئيس محكمة للجلوس بمحكمة الجنايات لم يعد قائماً بعد صدور القانون رقم 56 لسنة 1959 بشأن السلطة القضائية لأنه لا حق لهذا التعديل وقد نص فيه على إلغاء كل نص يخالف أحكامه ولا يغير من ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية من استثناء أحكام المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن الشارع أعاد وضع قاعدة تنظيمية عامة لتشكيل محاكم الجنايات فنص في الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون السلطة القضائية الصادر في 21/ 2/ 1959 على أن "تشكل في كل محكمة استئناف محكمة أو أكثر للجنايات وتؤلف كل منها من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف". وهي قاعدة سبق أن وردت في موضعين - في المادة الرابعة من القانون رقم 147 لسنة 1949 الخاص بنظام القضاء، وفي المادة 366 من قانون الإجراءات الجنائية - ثم استحدث حكماً جديداً ضمنه نص الفقرة الثانية من المادة السادسة سالفة الذكر الذي يقضي بأن "يرأس محكمة الجنايات رئيس المحكمة أو أحد رؤساء الدوائر وعند الضرورة يجوز أن يرأسها أحد المستشارين بها" وقد اقتصر المشرع على ذلك ولم يعرض لحالة الضرورة التي قد تطرأ على أحد مستشاري محكمة الجنايات أسوة بما فعل بالنسبة إلى رئيس الدائرة مكتفياً بما تكفلت به المادتان 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 535 لسنة 1953 من تنظيم لهذه الحالة إذ نصت أولاهما على أنه "إذا حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل به آخر من المستشارين يندبه رئيس محكمة الاستئناف. ويجوز عند الاستعجال أن يجلس مكانه رئيس المحكمة الابتدائية الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكمة الجنايات أو وكيلها؛ ولا يجوز في هذه الحالة أن يشترك في الحكم أكثر من واحد من غير المستشارين" ونصت المادة الثانية على أنه "يجوز لوزير العدل عند الضرورة بناءً على طلب رئيس محكمة الاستئناف أن يندب أحد رؤساء المحاكم الابتدائية أو وكلائها للجلوس بمحكمة الجنايات مدة دور واحد من أدوار انعقادها، ويجوز له ندبه لأكثر من دور واحد بموافقة مجلس القضاء الأعلى" لما كان ذلك، وكان القانون رقم 56 لسنة 1959 في شأن السلطة القضائية وإن نصت المادة الأولى منه على أن يلغى "من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 وقانون السلطة القضائية الصادر به المرسوم التشريعي رقم 133 لسنة 1953 ما يخالف أحكام نصوص القانون المرافق ويستعاض عنها بالنصوص المرافقة ويلغى كل نص آخر يخالف أحكامه" لم يشر في ديباجته إلى إلغاء المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية، ولم يرد بنصوصه ما يغاير أحكامها، مما مؤداه أنه قد اكتفى بتنظيم ما أشار إليه في المادة السادسة منه مما لا يتعارض مع أحكام المادتين 367 و372 سالفتي الذكر - فبقيت المادتان معمولاً بهما تكمل أحكامهما أحكام القانون الجديد وهذا هو المعنى الذي ذهبت إليه المذكرة الإيضاحية للقانون الأخير من أن "إلغاء التشريعات القائمة المتعلقة بالقضاء في الإقليمين قاصر على ما يخالف الأحكام الواردة في المشروع، وعلى ذلك فإن الإلغاء لا يتناول أي حكم آخر لم يرد في شأنه نص خاص في المشروع يخالفه، وكذلك لا يتناول الإلغاء الأحكام الواردة في قوانين أخرى غير التشريعات المتعلقة بالقضاء، ومن قبيل ذلك الأحكام التي وردت في المادتين 367 و372 من قانون الإجراءات الجنائية والمعدلتين بالقانون رقم 535 لسنة 1953 بشأن محاكم الجنايات وحصول مانع لأحد المستشارين المعينين بها لدور من أدوار انعقادها أو ندب أحد من رؤساء المحاكم الابتدائية للجلوس بها، فإنه من الواضح أن مثل هذه النصوص لا يتناولها الإلغاء" وهذا الذي أوردته المذكرة الإيضاحية إنما هو إيضاح يكشف عن قصد المشرع ويتمشى مع مفهوم النصوص وليس تداركاً لما فات كما يقول الدفاع، ومن ثم فإنه يتعين رفض هذا الوجه من الطعن.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع فقد طلب الدفاع في ختام مرافعته إحالة الطاعن لفحص حالته العقلية فلم تجبه المحكمة إلى ما طلب رغم أن ما نسب إلى الطاعن من إطلاقه النار على عدة أشخاص بغير سبب - واضح في الدلالة على إصابته باضطراب عقلي فقده الشعور والاختيار وقت ارتكابه لجريمته، مما كان يدعو إلى إجابة طلب الدفاع للتأكد من سلامة حالته العقلية ومن أهليته لتحمل المسئولية الجنائية كاملة قبل الحكم بإدانته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قال في رفض طلب فحص حالة المتهم العقلية "إن تصرفات المتهم قبل الحادث وبعده والمناقشة التي دارت بينه وبين زوجته وبينه وبين عبد التواب قبل وقوع الاعتداء مباشرة - كل ذلك يدل دلالة أكيدة على أنه كان متمالكاً لجميع قواه العقلية وقت ارتكاب الجريمة وأنه كان يدرك تماماً ما يفعل ولم يقم أي دليل على أنه كان في حالة جنون أو عاهة في العقل تجعله فاقد الشعور والاختيار وقت ارتكاب الجريمة فقد غضبت منه زوجته يوم الحادث وغادرت منزله إلى منزل المجني عليهم وعندما أمسى عليها الليل وتوقع أنها سوف تبيت خارج المنزل في دار شقيقها الذي يكن له العداوة والبغضاء قصد إليها ليعيدها إلى مسكنه ودارت المناقشة بينه وبينها وبين شقيقها عبد التواب...... وبعد ذلك مباشرة بادر المتهم بالهرب إلى ناحية كفر قنديل ليرتب دفاعاً مع زوج ابنة أخته عبد اللطيف الصراف على أنه كان في منزله وقت وقوع الحادث وأخفى المسدس الذي اعتاد حمله - ومن هذه التصرفات التي سلف بيانها، ومن حرصه على عدم مبيت زوجته الغاضبة في منزل شقيقها وبعيداً عن منزل الزوجية، ومن هروبه بعد الحادث وإخفائه المسدس الذي استعمله في مقارفته، ومن تدبير تخلصه من التهمة بتنصيب شاهد نفي على أنه كان في منزله وقت الحادث، ومن الجدل الذي ثار بينه وبين زوجته وشقيقها المجني عليه واستنكاره مبيتها في منزل الأخير على اعتبار أنه ليس بمستشفى تعالج فيه عيناها، ومن استكباره أن ترفض الاستجابة إلى عودتها إلى منزله رغم مطالبته إياها بذلك من وقت العشاء إلى وقت الحادث - ذلك الجدل وذلك الحديث الذي لا يصدر إلا عن عقل واع سليم - كل ذلك يقطع في أنه كان متمالكاً لشعوره واختياره وقت ارتكاب جرائمه" لما كان ذلك، وكان تقرير حالة المتهم العقلية يدخل في سلطة المحكمة التقديرية، وكانت المحكمة قد انتهت في حدود هذه السلطة وبأسباب سائغة إلى اعتبار الطاعن مسئولاً عن أعماله، فإنه لا يقبل منه الجدل في ذلك أمام هذه المحكمة، ولا يكون ثمة وجه لدعوى الإخلال بحق الدفاع، ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على المحكمة طبقاً لما هو مقرر في المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق القضية أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وقد جاء الحكم سليماً من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، ومن ثم يتعين إقراره.
[(1)] المبدأ ذاته في الطعون 498/ 30 ق (جلسة 2/ 5/ 1960)، 1819/ 29 ق (جلسة 10/ 5/ 1960)، 1243/ 30 ق جلسة (31/ 10/ 1960)، 1469/ 30 ق جلسة (26/ 12/ 1960).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق