الصفحات

السبت، 21 سبتمبر 2024

الطعن 770 لسنة 44 ق جلسة 2 / 2 / 1977 مكتب فني 28 ج 1 ق 71 ص 359

جلسة 2 من فبراير سنة 1977

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدي، والدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجوري، وصلاح نصار.

---------------

(71)
الطعن رقم 770 لسنة 44 القضائية

(1 - 7) نقض "حالات الطعن". قانون. قوة الأمر المقضي. حكم "تصحيح الأحكام".
(1) الطعن بالنقض. المقصود به مخاصمة الحكم النهائي. حالاته. بيانها على سبيل الحصر في المادتين 248، 249 مرافعات.
(2) جواز الطعن بالنقض في أي حكم انتهائي أيا كانت المحكمة التي أصدرته. م 249 مرافعات. حالة استثنائية. شرطها. صدوره على خلاف حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي.
(3) الأحكام الصادرة من محكمة النقض. باتة قاطعة. عدم جواز الطعن فيها بدعوى مخالفتها لحكم نهائي حائز لقوة الأمر المقضي. م 262 مرافعات.
(4) جواز تصحيح الأخطاء المادية في الحكم بالرجوع إلى ذات المحكمة التي أصدرته. الأخطاء غير المادية عدم جواز الالتجاء إلى ذات المحكمة لتصحيحها.
(5) الادعاء بوجود تقصير في تشريع المرافعات بشأن الطعن في أحكام محكمة النقض. طلب الطاعن الاستهداء بالمصادر الأخرى للتشريع المشار إليها في المادة الأولى من القانون المدني. لا محل له. علة ذلك.
(6) أحكام محكمة النقض بمنأى عن أي طعن. الاستثناء. قيام سبب من أسبب عدم الصلاحية بأحد قضاتها. ما جرت عليه الدائرة الجنائية بمحكمة النقض من سحب الحكم عند وقوع خطأ مادي في قضائها. لا يجوز مباشرته في الدائرة المدنية. علة ذلك.
(7) الطعن في الحكم الصادر من محكمة النقض بدعوى تضمنه عدولا عن مبادئ قانونية سابقة أو بطلان صحيفة الطعن لعدم التوقيع عليها من محام. لا يندرج ضمن أسباب عدم الصلاحية التي يجوز بسببها الطعن في الحكم.

-----------------
1 - الطعن بالنقض طريق غير عادى لم يجزه القانون للطعن في الأحكام الانتهائية إلا في أحوال بينها بيان حصر في المادتين 248، 249 من قانون المرافعات. وترجع كلها إما إلى مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، أو وقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه، ويقصد به في واقع الأمر مخاصمة الحكم النهائي الذى يطعن عليه بهذا الطريق، فيتعين أن يلجأ بصدده إلى محكمة مغايرة لتلك التي أصدرته على أن تكون أعلى منها، حددها المشرع أنها محكمة النقض التي تعتبر قمة السلطة القضائية في سلم ترتيب المحاكم.
2 - قصرت المادة 248 من قانون المرافعات الطعن بالنقض أصلا على الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الأحوال التي بينتها، وما قررته المادة 249 من ذات القانون من أجازة الطعن بالنقض استثناء في أي حكم انتهائي - أيا كانت المحكمة التي أصدرته - فصل في نزاع سابق خلاقا لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقض يندرج ضمن مخالفة القانون باعتباره مخالفة للقاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة 101 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 ويقصد بها الأحكام الحائزة قوة الأمر المقضي وهي مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح أثره الملزم نهائيا غير قابل للطعن فيه بطريق من طرق الطعن الاعتيادية، وأن ظل قابلا للطعن فيه بطريق غير عادى.
3 - الأحكام التي تصدرها محكمة النقض لا تعد من الأحكام التي تعنيها المادة 249 من قانون المرافعات - اعتبارا - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن محكمة النقض هي خاتمة المطاف وأن أحكامها باتة قاطعة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية، يؤيد ذلك النظر أن المشرع نص في المادة 250 من قانون المرافعات على أن للنائب العام أن يطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحكام الانتهائية - أيا كانت المحكمة التي أصدرتها... "وهي ذات العبارة التي يستند إليها الطاعن في المادة 249 آنفة الذكر - مع أن المادة 250 استحدثت نظام الطعن لمصلحة القانون دون أن يفيد منها الخصوم لمواجهة صعوبات تعرض في العمل وتؤدي إلى تعارض أحكام القضاء في المسائل القانونية الواحدة، وأريد بها أن تعرض هذه المسائل على محكمة النقض لتقول فيها كلمتها فتضع حدا لتضارب الأحكام، ولا يتصور بمقتضاها الطعن في أحكام محكمة النقض بالذات، لما كان ذلك وكان النص في المادة 272 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من الطعن" إنما جاء أقصاها عن هذا المعنى، وعن المشرع بإبرازه في كافة القوانين التي صاحبت إنشاء محكمة النقض، وكانت هذه المادة بعمومها وإطلاقها تنصب على كافة الأحكام التي تصدرها محكمة النقض، وتختلف في نطاقها ومجالها وموضوعها عن الأحكام المشار إليها في المادة 249 مرافعات، وكان نصها بهذه المثابة باقيا على عمومه لم يدخله التخصص، بل واطلق عن قرينة تمنح من إرادة تخصيصه، فأن ما يتذرع به الطاعن من إجازة الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة النقض بدعوى مخالفتها الحكم نهائي حائز قوة الأمر المقضي ينطوي على مجاوزة لمراد الشارع.
4 - إذ كان الأصل ألا سبيل إلى إلغاء أحكام القضاء، أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون، وكانت المادة 191 من قانون المرافعات قد أجازت استثناء من هذا الأصل - وللتيسير - الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وقصرته على تصحيح ما عساه أن يقع في منطوق الحكم أو أسبابه من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية، فإن مفهوم مخالفة هذا النص قاطع في أن الأخطاء غير المادية لا يجوز الرجوع فى شأنها إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم، إذ فيه ابتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع أو ينظمه القانون.
5 - إذ كانت القوانين المتعلقة بالتنظيم القضائي والمرافعات المدنية وهى المشتملة على الإجراءات والأوضاع التي تلزم مراعاتها عند الالتجاء إلى القضاء وكيفية الفصل في الدعوى وقواعد إصدار الأحكام والطعن فيها وتنفيذها لا شأن لها بجوهر الحقوق الموضوعية ولا بالنصوص القانونية المنظمة لها، وكان المصدر الوحيد لهذه القوانين هو التشريع المتمثل أساسا في مجموعة المرافعات المدنية والتجارية الصادر بها القانون رقم 13 لسنة 1968، التشريعات المكملة دون ما اعتداد بأية مصادر أخرى، فإنه لا محل للحاجة في هذا المجال بما تقضي به المادة الأولى من التقنين المدني من استناد إلى بعض المصادر عند تخلف النص التشريعي، باعتبار القانون الأخير من القوانين الموضوعية المقررة للحقوق التي تبينها وتحدد كيفية نشوئها وطريقة انقضائها، بينما قانون المرافعات يقرر الوسيلة التي بمقتضاها تؤدي هذه الحقوق، بحيث تلزم الشكلية كي يطمئن الأفراد إلى المحافظة على حقوقهم متى اتخذوا الأوضاع التي نص عليها القانون ضمانا لسير القضاء ومنعا من أن يترك الأمر فيه لمطلق التقدير.
6 - لم يخول المشرع حق السحب لمحكمة النقض بصريح نص المادة 147 من قانون المرافعات القائم. والمقابلة للمادة 314 من قانون المرافعات السابق - إلا في حالة قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد قضاتها الذين أصدروا الحكم وأوردت المذكرة الإيضاحية إنه "زيادة في الاطمئنان والتحوط لسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن وهي استثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنجى من الطعن"، مما مفاده أن هذه هي الحالة الوحيدة التي يحق فيها للدائرة المدنية بالمحكمة أن ترجع عن قضائها وتسحب فيها. ولئن ذهبت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض إلى سحب الأحكام الصادرة فيها إذا وقع فيها خطأ مادي بناء على تظلم المحكوم عليه، فإن القضاء الجنائي يتعلق في صميمه بالأرواح والحريات وللنيابة العامة دور هام فيها باعتبارها الممثلة للمجتمع، بخلاف القضاء المدني الذي تعرض عليه خصومات مرددة بين الأفراد وتتصل بأموالهم، ويدعى كل خصم فيها حقا يناهض حق الآخر، ويوازن القاضي بين دفاع كل منهما ويرجح أحدهما، الأمر الذي يستلزم بطبيعة الحال استقرار المراكز القانونية وعدم قلقلتها، فلا تجوز الحاجة بما درجت عليه الدائرة الجنائية للمحكمة في هذا الخصوص.
7 - إذ كانت أحكام محكمة النقض - طبقا للمستقر في قضاء هذه المحكمة - لا يجوز تعييبها بأي وجه من الوجوه، وهى واجبة الاحترام فيما خلصت إليه أخطأت أم أصابت وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم الصادر من محكمة النقض بتاريخ 7/ 5/ 1974 من أنه تضمن العدول عن مبادئ قانونية قررتها أحكام سابقة دون إحالة على الهيئة العامة خلافا لما يقضى به قانون السلطة القضائية أو أن من حقه طلب سحب الحكم لارتكازه أساسا على بطلان صحيفة الطعن تبعا لعدم التوقيع عليها من محام مقرر أمام محكمة النقض لا تندرج ضمن أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها تحديدا وحصرا في المادة 147 من قانون المرافعات فان الطعن يكون غير مقبول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام ضد الطاعن الدعوى رقم 2807 لسنة 1965 مدنى أمام محكمة القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بتخفيض أجرة الشقة استئجاره المبينة بصحيفة الدعوى إلى مبلغ 11 ج و700 مليم من بداية العقد حتى آخر فبراير سنة 1965 وإلى مبلغ 8 ج و500 مليم عن المدة التالية وبرد المبلغ 381 ج و678 مليما قيمة فروق الأجرة، وقال شرحا لدعواه أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 15/ 2/ 1964 استأجر من الطاعن الشقة رقم 11 من العقار رقم 101 بشارع ..... نظير أجرة شهرية مقدارها 23 ج و500 مليم، وإذ تبين له من واقع دفاتر الجرد أن الأجرة التي كان يدفعها المستأجر السابق هي 17 ج و500 مليم وأنه تسرى عليها أحكام القانونين رقم 169 لسنة 1961 ورقم 7 لسنة 1965؛ ورفض الطاعن إجراء التخفيض بموجبهما فقد أقام دعواه وبتاريخ 14/ 4/ 1966 حكمت المحكمة بندب أحد الخبراء لبيان الأجرة الفعلية لشقة النزاع خلال السنة السابقة على العمل بأحكام القانون رقم 55 لسنة 1958 مخفضة بنسبة 20% وفى حالة تعذر ذلك فعليه بيان أجرة المثل، مع مراعاة ما تتمتع به الشقة من مزايا خاصة، وبيان ما يلحقها من تخفيض تطبيقا للقانونين رقمي 169 لسنة 1971 و7 لسنة 1965، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت فحكمت في 25/ 1/ 1968 بتخفيض أجرة شقة النزاع إلى 15 ج و880 مليما اعتبارا من أول مارس 1964 وإلى 12 ج و704 مليمات اعتبارا من أول مارس سنة 1965، وبإلزام الطاعن دفع مبلغ 304 ج و653 مليما استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 282 لسنة 85 ق القاهرة طالبا إلغاءه، وبتاريخ 20/ 4/ 1968 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن المطعون عليه فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعن برقم 333 لسنة 38 ق. دفع الطاعن ببطلان الطعن تأسيسا على أن التوقيع على تقريره المنسوب إلى محامى الطاعن مزور عليه وسلك سبيل الادعاء بالتزوير، وبتاريخ 7/ 5/ 1974 حكمت محكمة النقض (أولا) برفض الادعاء بالتزوير. (ثانيا) بنقض الحكم المطعون فيه. طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون عليه بعدم جواز الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي بعدم جواز الطعن. عرض الطعن عرض على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون عليه أن صريح نص المادة 272 من قانون المرافعات قاطع في عدم جواز الطعن في أحكام محكمة النقض مهما كانت الاعتبارات وهى خاتمة المطاف أمام القضاء، مما ينبني عليه أن يكون الطعن الماثل غير جائز.
وحيث إن الطاعن يستند في جواز الطعن بطريق النقض على الحكم الصادر من محكمة النقض بتاريخ 7/ 5/ 1974 في الطعن رقم 333 لسنة 38 ق على المادة 249 من قانون المرافعات التي تقضي بأن للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أي حكم انتهائي - أيا كانت المحكمة التي أصدرته - فصل في نزاع خلافا لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، وإلى أن المشروع قدر لمخالفة قوة الأمر المقضي خطورة خاصة تستدعى استثناءها من قصر الطعن بالنقض على أحكام محكمة الاستئناف وفق المادة 248 السابقة عليها، فجعل الطعن بالنقض جائزا في كل حكم انتهائي أيا كانت المحكمة التي أصدرته حتى ولو كان صادرا من محكمة النقض ذاتها، لا يمنع من ذلك عدم نص المادة 272 من قانون المرافعات على حظر الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق، لأن المنع الوارد بها مقصود به أحكام النقض التي لا مخالفة فيها لقوة الأمر المقضي، لما هو مسلم به في علم الأصول من أن النص العام يحتمل أن يخصص بدليل يبين منه أن مراد الشارع من العام ابتداء هو بعض إقراره أن البعض الآخر يختص يحكم مغاير، وهو ما تستلزمه ضرورة المواءمة عند تحديد نطاق كل من المادتين 249، 272 من قانون المرافعات خاصة وقد وردتا فى تشريع واحد بما لا يمكن معه القول بنسخ أحداها للأخرى. وقد جاء حكم محكمة النقض آنف الذكر مخالفا لحكمين انتهائين صادرين من محكمة الاستئناف بتاريخ 30/ 4/ 1968 و2/ 11/ 1969 فى الاستئنافين رقمي 421، 714 لسنة 85 ق القاهرة، قضيا برفض دعوى تخفيض أجره أقامها مستأجران آخران في ذات العقار المملوك للطاعن وأسساها على نفس الأسانيد التي ساقها المطعون عليه في دعواه، وفصل الحكمان بذلك في مسألة كلية مناطها عدم انطباق التشريع الاستثنائي على العقار بأكمله، ويحاج بها ذلك الأخير أخذا بقاعدة عينية الأجرة حتى ولو اختلف الخصوم. وإذا كانت المادة 191 من قانون المرافعات خولت المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية وسكتت عن تصحيح الأخطاء غير المادية بمقولة اللجوء في صدرها إلى سلوك طرق الطعن المقررة قانونا، وكان هذا التعليل لا يصدق على الأحكام التي تصدر بصفة انتهائية وفى مقدمتها أحكام محكمة النقض، فانه لا يتصور الإبقاء على الأخطاء غير المادية التي تقع في أحكام تلك المحكمة لمجرد عدم تنظيم طريق للطعن فيها أمام هيئة أعلا، بل يعتبر سكوت المشرع عن علاج هذه الحالة قصورا في التشريع يجب على القضاء سده بأعمال المادة الأولى من القانون المدني استهداء بالعرف ورجوعا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية والقانون الطبيعي وقواعد العدالة. والعرف قائم في قضاء الدائرة الجزائية لمحكمة النقض التي عهدت إلى سحب أحكامها والرجوع عن قضائها لتصحيح أخطاء شابت أحكامها من غير الأخطاء المادية البحتة. ولئن أطلق على هذا الطريق وصف السحب فهو في الواقع لا يعدو أن يكون إلغاءً للحكم بسبب ما وقع فيه من بطلان، ولا يهم أن يسمى سحبا أو رجوعا أو إلغاء أو تصحيحا أو نقضا طالما يستهدف تدارك ما وقع فيه الحكم من خطأ غير مادى بواسطة ذات المحكمة التي أصدرت الحكم. وقد لجأت الدوائر الجنائية إلى هذا الطريق لتصحيح الأحكام دون سند من نص مباشر عليه فى القانون، وإنما طبقت قواعد العدالة. وقد اقتصرت المادة 272 من قانون المرافعات على تحريم الطعن بطريق النقض فى أحكام محكمة النقض مما يفيد جواز طلب سحبها، وطلب السحب فى الطعن الحالي يرتكز أساسا على مسألة شكلية هي بطلان صحيفة الطعن رقم 333 لسنة 38 لعدم التوقيع عليها من محام مقرر أمام محكمة النقض. بالإضافة إلى أن قضاء المحكمة محل النعي انطوى على مخالفة العديد من المبادئ القانونية التى سبق أن قررتها محكمة النقض ذاتها واستقر عليها قضاؤها على الرغم من أن قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 الصادر فى 5/ 10/ 1972 لا يجيز لها العدول عن هذه المبادئ من تلقاء نفسها ويستوجب عرض الأمر على الهيئة العامة للمواد المدنية التجارية. ويكون الحكم المنعى عليه قد صدر بهذه المثابة من هيئة لم يكن لها ولاية فى إصداره باعتبارها لا تملك العدول منفردة عن مبادئ مقررة سابقة، وهو ما يجيز للطاعن الطعن على ذلك الحكم.
وحيث إن الدفع المبدى فى محله، ذلك أن الطعن بالنقض طريق غير عادى لم يجزه القانون للطعن فى الأحكام الانتهائية إلا في أحوال بينها بيان حصر فى المادتين 228، 249 من قانون المرافعات، وترجع كلها أما إلى مخالفة القانون أو الخطأ فى تطبيقه أو تأويله، أو إلى وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه ويقصد به فى واقع الأمر مخاصمة الحكم النهائي الذى يطعن عليه بهذا الطريق، يتعين أن يلجأ فصدده إلى محكمة مغايره لتلك التي أصدرته على أن تكون أعلى منها، حددها المشرع أنها محكمة النقض التي تعتبر قمة السلطة القضائية في سلم ترتيب المحاكم، ولما كانت المادة 248 من قانون المرافعات تقصر الطعن بالنقض أصلا على الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف في الأحوال التي بينتها، وكان ما قررته المادة 249 من ذات القانون من أجازة الطعن بالنقض استثناء في أي حكم انتهائي - أيا كانت المحكمة التي أصدرته - فصل في نزاع سابق خلافا لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضي، يتدرج ضمن مخالفة القانون باعتباره مخالفة للقاعدة القانونية المنصوص عليها في المادة 101 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968، ويقصد بها الأحكام الحائزة قوة الأمر المقضي، وهي مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح أثره الملزم نهائيا غير قابل للطعن فيه بطريق من طرق الطعن الاعتيادية وأن ظل قابلا للطعن فيه بطريق غير عادى، وكانت الأحكام التي تصدرها محكمة النقض لا تعد من الأحكام التي تعينها المادة 249 المشار إليها اعتبارا - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن محكمة النقض هي خاتمة المطاف وأن أحكامها باتة قاطعة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية تؤيد ذلك النظر أن المشرع نص في المادة 250 من قانون المرافعات على أن "للنائب العام أن يطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحكام الانتهائية - أيا كانت المحكمة التي أصدرتها - ...." - وهي ذات العبارة التي يستند إليها الطاعن في المادة 249 - آنفة الذكر - مع أن المادة استحدثت نظام الطعن لمصلحة القانون دون أن يفيد منها الخصوم لمواجهة صعوبات تعرض في العمل تؤدي إلى تعارض أحكام القضاء في المسائل القانونية الواحدة، وأريد بها أن تعرض هذه المسائل على محكمة النقض لتقول فيها كلمتها فتضع حدا لتضارب الأحكام، ولا يتصور بمقتضاها الطعن في أحكام محكمة النقض بالذات، وكان النص في المادة 272 "لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن" إنما جاء إفصاحا عن هذا المعنى وعنى المشرع بإبرازه في كافة القوانين التي صاحبت إنشاء محكمة النقض، وكانت هذه المادة بعمومها وإطلاقها تنصب على كافة الأحكام التي تصدرها محكمة النقض، وتختلف في نطاقها ومجالها وموضوعها عن الأحكام المشار إليها في المادة 219 على ما سلف بيانه، وكان نصها بهذه المثابة باقيا على عمومه لم يلحقه التخصص بل وأطلق عن قرينة تمنع من إرادة تخصيص، فان ما يتذرع به الطاعن من إجازة الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة النقض بدعوى مخالفتها لحكم نهائي حائز قوة الأمر المقضي ينطوي على مجاوزة لمراد الشارع. لما كان ذلك وكان الأصل ألا سبيل إلى إلغاء أحكام القضاء أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون، وكانت المادة 191 من قانون المرافعات قد أجازت استثناء من هذا الأصل وللتيسير الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وقصرته على تصحيح ما عساه أن يقع في منطوق الحكم أو أسبابه من أخطاء مادية بحته كتابية أو حسابية، فيكون مفهوم مخالفة هذا النص قاطع فى أن الأخطاء غير المادية لا يجوز الرجوع في شأنها إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم، إذ فيه ابتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع أو ينظمه القانون بل أنه قرر واقع الدعوى طالما صار نقض حكم محكمة الاستئناف فان مجال إثارة الدفع بالعينية استنادا إلى حكمين نهائيين سابقين سيجد مجاله الطبيعي أمام محكمة الإحالة. لما كان ما تقدم كانت القوانين المتعلقة بالتنظيم القضائي والمرافعات المدنية وهي المشتملة على الإجراءات والأوضاع التي تلزم مراعاتها عند الالتجاء إلى القضاء وبكيفية الفصل في الدعوى وقواعد إصدار الأحكام والطعن فيها وتنفيذها لا شأن لها بجوهر الحقوق الموضوعية ولا بالنصوص القانونية المنظمة لها، وكان المصدر الوحيد لهذه القوانين هو التشريع المتمثل أساسا في مجموعة المرافعات المدنية والتجارية الصادر بها القانون رقم 13 لسنة 1968 والتشريعات المكملة دون ما اعتداد بأية مصادر أخرى، فأنه لا محل للمحاجة في هذا المجال بما تقتضى به المادة الأولى من التقنين المدني من استناد إلى بعض المصادر عند تخلف النص التشريعي، باعتبار القانون الأخير من القوانين الموضوعية المقررة للحقوق التي تبينتها وتحدد كيفية نشوئها وطريقة انقضائها، بينما قانون المرافعات يقرر الوسيلة التي بمقتضاها تؤدى هذه الحقوق، بحيث تلزم الشكلية كي يطمئن الأفراد إلى المحافظة على حقوقهم متى اتخذوا الأوضاع التي نص عليها القانون ضمانا لسير القضاء ومنعا من أن يترك الأمر فيه لمطلق التقدير ولما كان المشرع لم يخول حق السحب لمحكمة النقض، بصريح نص المادة 147 من قانون المرافعات القائم - والمقابلة للمادة 314 من قانون المرافعات السابق - إلا في حالة قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بأحد قضاتها الذين أصدروا الحكم، وأوردت المذكرة الإيضاحية أنه "زيادة في الاحتياط والتحوط لسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن، وهذا استثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنجى من الطعن" مما مفاده أن هذه هي الحالة الوحيدة التي يحق فيها للدائرة المدنية بالمحكمة أن ترجع عن قضائها وتسحب حكمها ولئن ذهبت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض إلى سحب الأحكام الصادرة فيها إذا وقع فيها خطأ مادى بناء على تظلم المحكوم عليه، فإن القضاء الجنائي يتعلق في صميم بالأرواح والحريات وللنيابة العامة دور هام فيها باعتبارها الممثلة للمجتمع بخلاف القضاء المدني الذي تعرض عليه خصومات مرددة بين الأفراد وتتصل بأموالهم ويدعى كل خصم فيها حقا يناهض حق الآخر، ويوازن القاضي بين دفاع كل منهما ويرجح أحدهما، الأمر الذى يستلزم بطبيعة الحال استقرار المراكز القانونية وعدم قلقلتها، فلا تجوز المحاجة بما درجت عليه الدائرة الجنائية للمحكمة في هذا الخصوص. لما كان ما سلف وكانت أحكام محكمة النقض - طبقا للمستقر في قضاء هذه المحكمة - لا يجوز تعييبها بأي وجه من الوجوه، وهى واجبة الاحترام فيما خلصت إليه أخطأت أم أصابت، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم الصادر من محكمة النقض بتاريخ 7/ 5/ 1974 من أنه تضمن العدول عن مبادئ قانونية قررتها أحكام سابقة دون إحالة على الهيئة العامة خلافا لما يقضى به قانون السلطة القضائية، أو أن من حقه طلب سحب الحكم لارتكازه أساسا على بطلان صحيفة الطعن تبعا لعدم التوقيع عليها من محام مقرر أمام محكمة النقض لا تندرج ضمن أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها تحديدا وحصرا في المادة 147 من قانون المرافعات، فإن الطعن يكون غير مقبول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق