الصفحات

الأحد، 15 سبتمبر 2024

الطعن رقم 38 لسنة 34 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 1 / 9 / 2024

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الأول من سبتمبر سنة 2024م، الموافق السابع والعشرين من صفر سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 38 لسنة 34 قضائية دستورية

المقامة من
عمرو محمد جمال الدين أبو السعود
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
4- رئيس مجلس الشورى (الشيوخ حاليًا)
5- وزير العدل
6- وزير الداخلية
7- وزير المالية
8- وزير التجارة والصناعة

--------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الرابع والعشرين من مارس سنة 2012، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008، باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم؛ أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
ولدى هيئة المفوضين طلب المدعي أن تتصدى المحكمة - عملًا بنص المادة (27) من قانونها - للفصل في دستورية المادة (49/ 3) من قانون المحكمة الدستورية العليا.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي أقام أمام محكمة العطارين الجزئية الدعوى رقم 496 لسنة 2010 مدني، مختصمًا المدعى عليهم السادس والسابع والثامن، وآخر، طالبًا الحكم بإلزامهم بالتضامن والتضامم فيما بينهم بأن يؤدوا إليه مبلغًا مقداره 28076,90 جنيهًا قيمة الضريبة التي حصلتها منه إدارة مرور الإسكندرية مقابل ترخيص سيارته المستوردة، التي تجاوز السعة اللترية لمحركها 2030 سم3. وبجلسة 29/ 12/ 2010، قضت المحكمة برفض الدعوى، طعن المدعي على الحكم أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بالاستئناف رقم 168 لسنة 2011 مدني مستأنف، وحال نظره دفع بعدم دستورية نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها دون تصريح من محكمة الموضوع، وإقامتها بعد الميعاد القانوني، فمردود بما هو ثابت بملف الدعوى الموضوعية، من أن المدعي دفع بجلسة 9/ 10/ 2011، بعدم دستورية النص المطعون فيه، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 25/ 12/ 2011، للمستندات، دون أن تصرح له بإقامة الدعوى الدستورية، وبالجلسة الأخيرة أعاد المدعي الدفع ذاته، وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع قررت التأجيل لجلسة 25/ 3/ 2012، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية فأقام المدعي دعواه بتاريخ 24/ 3/ 2012، خلال مهلة الثلاثة أشهر التي عيَّنها المشرع حدًّا أقصى لرفع الدعوى الدستورية، وفقًا لنص المادة (29/ ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد أُقيمت بعد تصريح من المحكمة وخلال الميعاد المقرر قانونًا، ويكون الدفع بعدم قبولها في غير محله، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 تنص على أن يستبدل بنص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، النص الآتي:
8- السيارات ورخص القيادة:
(أ) رخصة تسيير السيارات الخاصة:
116 جنيهًا للسيارات التي لا تزيد السعة اللترية لمحركها على 1030 سم3.
143 جنيهًا للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 1030 سم3 ولا تجاوز 1330 سم3.
175 جنيهًا للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 1330 سم3 ولا تجاوز 1630 سم3.
1000 جنيه بحد أدنى مائتي جنيه للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 1630 سم3 ولا تجاوز 2030 سم3، على أن يخفض هذا الرسم بواقع 5٪ عن كل سنة تالية لسنة الموديل.
من ثمن السيارة بحد أدنى ألف جنيه للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3.
ويحدد ثمن السيارة لأغراض تطبيق هذا الرسم على أساس قيمتها للأغراض الضريبية بالنسبة إلى السيارات المستوردة مضافًا إليها الضرائب المستحقة عليها، ووفقًا لقوائم يصدر بها قرار من وزير المالية بالاتفاق مع وزير التجارة والصناعة بالنسبة إلى السيارات المنتجة محليًّا، ويخفض الثمن بنسبة 10٪ عن كل سنة تالية لسنة الموديل.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان النزاع المعروض على محكمة الموضوع يدور حول أحقية المدعي في استرداد المبلغ النقدي الذي تم تحصيله منه مقابل استخراج رخصة تسيير سيارته الخاصة المستوردة التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، والذي فرض بموجب نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، تتحقق به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص المادة السابعة أولاً من القانون رقم 114 لسنة 2008 باستبدال نص البند (8/ أ) من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 المار ذكره من فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة على رخص تسيير السيارات الخاصة بنسبة 2٪ من ثمن السيارة بحد أدنى ألف جنيه للسيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، وأن يحدد ثمن السيارة لأغراض تطبيق هذا الرسم على أساس قيمتها للأغراض الضريبية بالنسبة إلى السيارات المستوردة مضافًا إليها الضرائب المستحقة عليها. ولا ينال من ذلك أن يستبدل بالنص المطعون فيه نص البند (8/ أ) من المادة رقم (1) من القانون رقم 153 لسنة 2018، إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طُبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة؛ ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التي تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها، فإذا استُعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية في ظل القاعدة القانونية القديمة وجرت آثارها خلال فترة نفاذها يظل محكومًا بها وحدها. متى كان ذلك، وكانت الواقعة المنشئة للضريبة المطالب باستردادها قد تحققت إبان سريان النص المطعون فيه؛ ومن ثم يظل المدعي مخاطبًا بذلك النص رغم استبداله عام 2018.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته المواد (34 و38 و40 و119) من دستور سنة 1971، المقابلة للمواد (35 و38 و53) من الدستور الحالي، وذلك تأسيسًا على أن النص المطعون فيه مايز في المعاملة الضريبية لرخص تسيير السيارات وفقًا للسعة اللترية للمحرك رغم حصول السيارات أيًّا كانت السعة اللترية لمحركاتها على الخدمات المرورية ذاتها، وخالف مبدأ العدالة الضريبية بفرضه ضريبة على رأس المال، بما يُشكل ازدواجًا ضريبيًّا، واعتداءً على الحق في الملكية الخاصة.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف - أصلًا - صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية جميعها - أيًّا كان تاريخ العمل بها - تخضع لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المطعون فيه وإن صدر قبل العمل بالدستور القائم، فإنه ظل ساريًا ومعمولًا بأحكامه حتى أدركه الدستور القائم، قبل استبداله في ظله، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذا النص في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم وعاد عليهم مردودها؛ ومن ثم كان فرضها مرتبطًا بمقدرتهم التكليفية ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطًا بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلًا لنشاط خاص أتاه الشخص العام، وعوضًا عن تكلفته، وإن لم يكن بمقدارها.
وحيث إن السلطة التشريعية هى التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة؛ إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنًا تحديد وعائها، وأسس تقديره وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من الطعون اعتراضًا عليها، ونظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة - عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون - وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية، ليحيط بها في إطار من قواعد القانون العام، متخذًا من العدالة الاجتماعية مفهومًا وإطارًا، وهو ما يعني بالضرورة أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلًا بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافيًا لتحيُّفها، وحيدتُها ضمانًا لاعتدالها.
وحيث إن من المقرر أن تحديد دين الضريبة يتطلب التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتباره شرطًا لازمًا لعدالة الضريبة ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، ويتعين - في هذا الإطار - أن يكون وعاء الضريبة ممثلًا في المال المحمل بعبئها، محققًا ومحددًا على أسس واقعية، يكون ممكنًا معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه، ولا يكون الوعاء محققًا إلا إذا كان ثابتًا بعيدًا عن شبهة الاحتمال أو الترخيص، ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها إنما يتحدد مرتبطًا بوعائها، وفق الشروط التي يقدر معها المشرع واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث إن الفريضة المالية الواردة بالنص المطعون عليه على استخراج رخصة تسيير سيارات خاصة، منفصلة عن كل نشاط خاص تكون الدولة قد بذلته لأصحاب تلك السيارات، فإنها تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية القانونية.
متى كان ذلك، وكان المشرع قد جعل من استخراج رخصة تسيير سيارة خاصة الواقعة المنشئة للضريبة، وحدد مقدار الضريبة منسوبًا إلى ثمنها بالنسبة إلى السيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، وجعل مقدار الضريبة 2٪ من ثمنها تتناقص بنسبة 10٪ عن كل سنة تالية لسنة الموديل، بحد أدنى 1000 جنيه؛ ومن ثم تكون الضريبة المفروضة قد جاءت متفقة مع الشروط الموضوعية لفرضها، مستهدفة تحقيق أغراض مشروعة، أفصحت عنها الأعمال التحضيرية للقانون، حاصلها تغطية تكاليف حزمة الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تقررت لصالح الفئات محدودة الدخل، كما جاء فرضها في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تحديد وعاء الضريبة وأسس تقديرها وسعرها، وفرضها بصورة تصاعدية، بمراعاة المقدرة التكليفية للممول، بما لا ينال من عدالتها، ولا يصادر فرص تنمية رأس المال محل فرض الضريبة بحسبان الزيادة المتوقعة له مع ارتفاع نسب التضخم، في مقابل خفض ثمن السيارة بنسبة 10٪ عن كل سنة تالية لسنة الصنع، المتخذ نسبة 2٪ منه أساسًا لسعر الضريبة على السيارات التي تزيد السعة اللترية لمحركها على 2030 سم3، ومن ثم فإن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للقواعد الموضوعية لفرض الضريبة أو مخالفة مبدأي الكفاية والعدل، يكون قائمًا على غير أساس متعين الرفض، فضلًا عن أن تعدد الفرائض المالية على الوعاء الواحد لا يشكل في ذاته عيبًا دستوريًّا، ما دام قد ثبت أن النهج الذي اختاره المشرع في تحديد سعر الفريضة المالية لا يؤدي إلى تآكل رأس المال المحمل بها أو يتجاوز حدود المقدرة التكليفية للممولين المكلفين بأدائها على نحو ما سلف بيانه.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة للممايزة في الضريبة المفروضة على استخراج رخصة تسيير السيارة المستوردة عن نظيرتها المحلية، بأن حدد ثمن السيارة المستوردة لأغراض تطبيق هذه الضريبة على أساس قيمتها للأغراض الضريبية مضافًا إليها الضرائب المستحقة عليها، في حين أنه حدد ثمن السيارة المحلية وفقًا لقوائم يصدر بها قرار من وزير المالية بالاتفاق مع وزير التجارة والصناعة، فمردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما أنه ليس مبدأً تلقينيًّا جامدًا منافيًا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أُسس موضوعية، ولا ينطوي على مخالفة لنص المادة (53) من الدستور، كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن الدستور أعلى من شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، وبوجه خاص من زاوية جذبها لعوامل الإنتاج أو طردها أو تقييد تدفقها، وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش، وتأثيرها - من ثَمَّ - على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق.
لما كان ما تقدم، وكان من الأهداف المشروعة للقانون أن يعمل - من خلال السياسة الضريبية - على زيادة الإنتاج المحلي، وتنظيم الاستيراد عملًا بالمادة (28) من الدستور، فإن الممايزة في تحديد ثمن السيارة بين السيارات المستوردة وبين نظيرتها المصنعة أو المجمعة محليًّا تغدو مبررة، ولا تشكل تمييزًا منهيًّا عنه دستوريًّا، وهو الشأن ذاته عن قالة مخالفة النص المطعون فيه مبدأ المساواة؛ لاختلاف فئة الضريبة المقررة على استخراج رخصة تسيير السيارات على أساس السعة اللترية لمحركها وخضوع الأقل سعة لترية لفئة ضريبية أدنى من السيارات التي تزيد عنها في السعة اللترية، كون هذه الممايزة قوامها الاعتداد بالمقدرة التكليفية للممول، وهو معيار موضوعي تتساند إليه الممايزة المنعي بها، فيما لا مخالفة فيه للدستور، ليغدو هذا النعي بوجهيه السالف بيانهما لا سند له، خليقًا برفضه.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون فيه إهداره حق الملكية، بحرمان صاحب السيارة من استعمالها حال عدم سداده لتلك الضريبة، فمردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن الملكية لم تعد حقًّا مطلقًا يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغًا تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع - في ضوء أحكام الدستور- بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع؛ تقديرًا بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تُعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضًا مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها؛ مراعيًا أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية، ولئن كانت الضريبة العامة، بل وكافة الفرائض المالية، تمثل في حقيقتها عبئًا ماليًّا على الممولين؛ إذ هي في كافة صورها تشكل اقتطاعًا لقيمتها من أموال الممولين وتقتضيها الدولة منهم بما لها من سيادة، إلا أن هذه الفريضة في الوقت ذاته تُعد من أهم موارد الدولة المالية التي تعينها على أداء مهامها ووظائفها الحيوية في مختلف أوجه النشاط الموكولة إليها.
وحيث إنه ولئن كان مسلمًا أن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية لا تقتصر على الحقوق العينية، بل تنصرف إلى الحقوق الشخصية وتتسع للأموال بوجه عام، إلا أن الضريبة على استخراج رخص تسيير السيارات الخاصة الواردة بالنص المطعون فيه، لا تخالف الحماية المقررة للملكية الخاصة المنصوص عليها في المادة (35) من الدستور، ذلك أن الإخلال بها لا يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلًا بمقوماتها، ولا كذلك الحال في شأن النص المطعون فيه الذي جاء موافقًا للمقومات الدستورية لصون حق الملكية، الذي يقبل التنظيم في إطار وظيفته الاجتماعية، إذ لم يصادر خصيصة من خصائص الملكية ولا قيدها بقيود ترهقها أو تعطلها، وإنما تغيَّا كفالة مصلحة مجتمعية مشروعة، على نحو ما سلف بيانه؛ بما يكون معه النعي على النص المطعون فيه بإهدار الحق في الملكية الخاصة، حقيقًا برفضه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ فيغدو متعينًا القضاء برفض الدعوى.
وحيث إنه عن طلب المدعي التصدي للفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - عملًا بالمادة (27) من قانونها سالف الذكر، وإذ سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت دستورية النص المطلوب التصدي لدستوريته، بحكمها الصادر بجلسة 7/ 7/ 2002، في الدعوى رقم 76 لسنة 22 قضائية دستورية، الذي قضى برفض الدعوى، وقد نُشر الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد 29 تابع (ب) بتاريخ 18/ 7/ 2002، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور والمادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتبارها قولًا فصلًا لا يقبل تأويلًا ولا تعقيبًا من أية جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها؛ الأمر الذي يتعين معه عدم قبول هذا الطلب.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق