الصفحات

الثلاثاء، 6 أغسطس 2024

الدعوى رقم 163 لسنة 32 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2024

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2024م، الموافق الثلاثين من ذي الحجة سنة 1445ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 163 لسنة 32 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثامنة) بحكمها الصادر بجلسة 20/4/2010، ملف الدعوى رقم 11864 لسنة 56 قضائية

المقامة من

صالح حسن علي صالح، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة المجموعة الدولية للمقاولات ومواد البناء

ضد

1- وزير الصحة

2- رئيس الإدارة المركزية للتنمية الإدارية والأمانة العامة بوزارة الصحة

3- نقابة المهن الفنية التطبيقية

4- نقابة المهندسين

----------------

الإجراءات

بتاريخ الرابع من سبتمبر سنة 2010، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 11864 لسنة 56 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثامنة) بجلسة 20/4/2010، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المواد (46/ج ،47) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، و(52/أ ،53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، وما يرتبط بهذه المواد من مواد أخرى في هذين القانونين، وذلك فيما تضمنته من إلزام المقاولين المتعاقدين مع الجهات الإدارية بلصق دمغة نقابتي المهندسين والمهن الفنية التطبيقية على عقود أعمال المقاولات، وإلزام تلك الجهات بعدم التعامل بهذه العقود إلا إذا كان ملصقًا عليها الطابع المقرر.

وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة، ونقابة المهن الفنية التطبيقية مذكرة، بطلب الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 2/12/2023، وفيها قدمت نقابة المهن الفنية التطبيقية مذكرة، صممت فيها على طلباتها السالفة الذكر. وبتلك الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لاستكمال التحضير؛ فأودعت تقريرًا تكميليًّا بالرأي، وأُعيد نظر الدعوى بجلسة 4/5/2024، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

---------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن الشركة المدعية في الدعوى الموضوعية أقامت أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثامنة) الدعوى رقم 11864 لسنة 56 قضائية، ضد المدعى عليهم، طالبة الحكم بإلزام وزارة الصحة بأن ترد إليها المبالغ التي قامت باقتطاعها من مستحقاتها المالية، لحساب دمغة نقابتي المهندسين والمهن الفنية التطبيقية، والفوائد القانونية عن تلك المبالغ من تاريخ المطالبة القضائية؛ وذلك على سند من أنه بتاريخ 12/6/1997، أسندت وزارة الصحة إلى الشركة المدعية أعمال تطوير مستشفى مدينة السادات، بمحافظة المنوفية، وعند تسوية المستحقات المالية لها عن الأعمال التي قامت بتنفيذها تم اقتطاع مبلغ 9540,85 جنيهًا، لحساب دمغة نقابة المهندسين، ومبلغ 14314,46 جنيهًا، لحساب دمغة نقابة المهن الفنية التطبيقية، وذلك بالمخالفة لأحكام القانون. وإذ ارتأت محكمة القضاء الإداري أن نصوص المادتين (46/ج، 47) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، والمادتين (52/أ، 53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، تخالف أحكام الدستور؛ فحكمت بجلسة 20/4/2010، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نصوص تلك المواد.

وحيث إن المادة (46) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، تنص على أن "يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًّا على الأوراق والدفاتر والرسومات الآتية: ...........

(ج) عقود التوريد عن السلع والأدوات والأجهزة والمعدات التي تلزم للأعمال الهندسية وكذلك عقود الأعمال الهندسية الأخرى على اختلاف أنواعها كالآلات والأدوات والأجهزة والمعدات وذلك كله طبقًا لما يحدده النظام الداخلي للنقابة".

وتنص الفقرة الأولى من المادة (47) من القانون ذاته على أنه " لا يجوز أن تقبل الوزارات والمصالح ووحدات الإدارة المحلية والمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لهما، التعامل بالأوراق أو الدفاتر المذكورة إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة المقرر".

وتنص المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، معدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1979، على أن " يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًا على الأوراق والدفاتر والرسومات الآتية:

(أ) أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة، وكذلك عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يقوم بها عضو النقابة لحسابه الخاص، وأوامر التوريد الخاصة بها، وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا، ويعتبر العقد أصلًا إذا حمل توقيع الطرفين مهما تعددت الصور".

 .............................

وتنص الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أنه " ويتحمل قيمة الدمغة الطرف المسند إليه تنفيذ الأعمال أو التوريد....".

وتنص الفقرة الأولى من المادة (53) من القانون ذاته على أنه " لا يجوز أن تقبل الوزارات أو المصالح العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لأيهما التعامل بالأوراق أو المستندات المنصوص عليها في المادة السابقة إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر".

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن قضت بجلسة 5/12/2020، برفض الدعوى رقم 16 لسنة 38 قضائية "دستورية"، التي حددت نطاقها في نص البند (5) من المادة (45)، ونصوص البنود (ب، ج، د) من المادة (46) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، في مجال إعمال أحكامها على البند (8) من المادة (45) من ذلك القانون. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 50 (مكرر) بتاريخ 13/12/2020. كما قضت بجلسة 8/4/2023، برفض الدعوى رقم 43 لسنة 16 قضائية "دستورية"، التي حددت نطاقها في البند (أ) من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، معدلًا بالقانون رقم 40 لسنة 1979، وعجز المادة ذاتها، فيما نصا عليه من أنه " يكون لصق دمغة النقابة إلزاميًا على أصول عقود الأعمال الفنية التنفيذية التي يباشرها أو يشرف عليها عضو النقابة، وكذلك صورها التي تعتبر مستندًا، ويتحمل قيمة الدمغة الطرف المسند إليه تنفيذ الأعمال". وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 14 مكرر (ب) بتاريخ 11/4/2023.

متى كان ذلك، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48 و49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولًا فصلًا في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها. ومن ثم، وإعمالًا لحجية الحكمين الصادرين في الدعويين الدستوريتين السالفتي البيان؛ تغدو الدعوى المعروضة غير مقبولة بالنسبة للطعن على دستورية نص البند (ج) من المادة (46) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، ونص البند (أ) من المادة (52) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، معدلًا بالقانون رقم 40 لسنة 1979، والفقرة الثانية من المادة ذاتها.

وحيث إنه عما ورد بحكم الإحالة بشأن الفصل في دستورية ما تضمنه القانونان رقما 66 لسنة 1974 و67 لسنة 1974 المشار إليهما، من مواد ترتبط بنصوص المواد المحالة، فلما كان ذلك الحكم قد سكت عن بيان تلك النصوص، وأوجه مخالفتها للدستور، فإنه يكون مشوبًا بقصور في البيانات التي أوجبتها المادتان (29 و30) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ ومن ثم يغدو الالتفات عنه متعينًا.

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – مناطها- وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شرط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدي محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.

متى كان ما تقدم، وكانت الفقرة الأولى من المادتين (47) من القانون رقم 66 لسنة 1974 بشأن نقابة المهندسين، و(53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، قد ألزمتا الجهات الإدارية بعدم التعامل بالأوراق والمستندات المشار إليها إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر، وما يتآدى إليه حكمهما من خصم قيمة الدمغة المتعين لصقها على الأوراق المبينة بهذين النصين، فيما لو لم يتم لصقها ابتداءً؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذين النصين، يرتب انعكاسًا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، بشأن السند التشريعي لاقتطاع وزارة الصحة مبالغ من المستحقات المالية للشركة المدعية لحساب دمغة النقابتين السالفتي الذكر؛ الأمر الذي يتوافر معه شرط المصلحة في الدعوى المعروضة، وبهذين النصين يتحدد نطاقها.

وحيث إنه لا ينال من توافر شرط المصلحة في الدعوى المعروضة بشأن نص المادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، ما ورد في أسباب الحكم الصادر في الدعوى رقم 128 لسنة 22 قضائية "دستورية"، بجلسة 6/6/2004، من سقوط نص المادة (53) من ذلك القانون، تبعًا لما قضى به الحكم من عدم دستورية البند ( ب ) من المادة (52) من القانون ذاته، لارتباطه به ارتباطًا لا يقبل التجزئة، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد تلك الحجية إلى غير تلك النصوص، كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم، وما يتصل بهذا المنطوق من الأسباب اتصالاً حتميًّا، بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها، دون ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم يكن مثارًا للنزاع أمامها، ولم تفصل فيه بالفعل في منطوق الحكم، وأسبابه المرتبطة بالمنطوق، فإنه لا يصلح أن يكون موضوعًا لحكم حاز قوة الأمر المقضي. متى كان ذلك، وكان ما ورد بأسباب الحكم الصادر في الدعوى الدستورية السالفة الذكر، من سقوط نص المادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974 المشار إليه، قد اقتصر على مجال تطبيقه على البند (ب) من المادة (52) من ذلك القانون؛ ومن ثم لا يحوز هذا السقوط حجية في مجال تطبيقه على البند (أ) من المادة (52) من القانون ذاته.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين اللذين تحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة، مخالفتهما لأحكام الدستور، لكون الإلزام الوارد فيهما – بعدم التعامل بالأوراق أو المستندات المشار إليها – محله الدمغة النقابية، وتلك الدمغة في حقيقتها ضريبة عامة، وليست رسمًا، إذ لا تقابلها خدمة بذلتها النقابة لمن يتحملون بها، كما أن حصيلتها تؤول مباشرة للنقابتين المذكورتين، ولا تدخل في الخزانة العامة للدولة، ولا تدرج في موازنتها العامة؛ ومن ثم فإن الإلزام بأحكامها يخالف المواد (61 و115 و116 و117 و118 و120) من دستور سنة 1971.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث توافقها مع القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره؛ ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا – على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي أثارها حكم الإحالة على الفقرة الأولى من نص المادتين (47) من القانون رقم 66 لسنة 1974، و(53) من القانون رقم 67 لسنة 1974، آنفي الذكر، تندرج تحت نطاق المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي؛ ومن ثم تباشر هذه المحكمة رقابتها على دستورية النصين المحالين، اللذين ما زالا معمولًا بأحكامهما، في ضوء أحكام دستور سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت أمر الطبيعة القانونية لدمغتي نقابتي المهندسين والمهن الفنية التطبيقية، بكونها ضريبة عامة، ودستورية تخصيص هذه الضريبة لتلك النقابتين، وذلك بموجب حكميها الصادرين في الدعويين رقمي 16 لسنة 38 قضائية "دستورية"، بجلسة 5/12/2020، و43 لسنة 16 قضائية "دستورية"، بجلسة 8/4/2023، وقد تأسس قضاؤها فيهما على أن الإلزام بتلك الدمغة النقابية لا يقابله خدمة فعلية بذلتها النقابة لمن يتحملون بعبئها؛ ومن ثم لا تُعد رسمًا، وإنما تنحل إلى ضريبة عامة من الناحية الدستورية. وأن تخصيص حصيلتها مباشرة لتؤول لتلك النقابتين، دون أن تدخل الخزانة العامة للدولة، كان إعمالًا لمفهوم المخالفة لعجز نص الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور القائم، الذي يجيز – استثناءً من أصل أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة في الخزانة العامة – أن يحدد المشرع على سبيل الاستثناء، وفي أضيق الحدود ما لا يودع منها في الخزانة العامة، شريطة أن يكون ذلك بقانون، وفي حدود تنضبط بضوابط الدستور، وهو ما التزم به المشرع في القانونين رقمي 66 و67 لسنة 1974 بشأن نقابتي المهندسين والمهن الفنية التطبيقية، فكلتاهما تم إنشاؤها بموجب قانون، وفق أحكام المادتين (76 و77) من الدستور، ومنحهما القانونان الشخصية الاعتبارية، وجعل من بين أهدافهما رفع مستوى الكفاءة بين أعضائهما، والدفاع عن حقوقهم، ورعاية مصالحهم، ومُنحت كلتاهما قسطًا من السلطة العامة بالقدر الذي يمكنها من أداء رسالتها؛ ومن ثم فإنهما يُعدان من الأشخاص الاعتبارية العامة، وقد رصد المشرع العادي لصالحهما حصيلة تلك الضريبة العامة، ليكفل لهما موردًا ماليًّا يعينهما على القيام بالأعباء الملقاة على عاتقهما، وتقديم الخدمات المنوطة بهما، التي تُعد كفالتها واجبًا والتزامًا على الدولة، غايته تحقيق مصلحة جوهرية أولاها الدستور اهتمامه وعنايته، ممثلة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، وتوفير خدمات التأمين الاجتماعي، على نحو ما توجبه المادتان (8 و17) من الدستور، ويتوافق مع ما نصت عليه المادة (38) منه، في فقرتها الأولى، بأن من بين أهداف النظام الضريبي تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية؛ ومن ثم يكون تخصيص حصيلة تلك الدمغة للنقابتين السالفتي الذكر قد وافق الغايات الصريحة للدستور، وإعمال أحكامه.

وحيث كان ما تقدم، وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، قد حسم طبيعة الفريضة المالية لدمغة نقابتي المهندسين والمهن الفنية التطبيقية، بكونها ضريبة عامة، وأن تخصيص حصيلتها لكلتا النقابتين يتفق وأحكام الدستور، وكان النص في الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور، قد ألزم الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبي، وتبني النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، وعهد إلى القانون بتحديد طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم وأي متحصلات سيادية أخرى؛ فإن ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادتين (47) من قانون نقابة المهندسين، و(53) من قانون إنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية – اللتين تحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة – يلبي الالتزام الدستوري الملقى على عاتق المشرع العادي، في خصوص تحديد طرق وأدوات تحصيل ضريبة دمغة تلك النقابتين، بما نص عليه من إلزام الجهات الإدارية المذكورة في تلك المادتين بعدم قبول التعامل بالأوراق والمستندات المنصوص عليها في المادة (47) من القانون الأول، والمادة (52) من القانون الآخر، إلا إذا كان ملصقًا عليها طابع الدمغة النقابي المقرر، وهو ما يحول بين المسند إليه تنفيذ الأعمال أو التوريد من صرف مستحقاته المالية؛ إلا إذا كان قد سدد قيمة دمغة النقابة، أو خصم قيمتها من مستحقاته المالية، وبذلك تكون الوسيلة التي أوردها المشرع في النصين اللذين تحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة، تتفق مع الغاية التي توخاها المشرع من توفير مورد مالي للنقابتين، وتحقق في الآن ذاته الالتزام الملقى على عاتق الدولة بتبني النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب؛ ومن ثم فإن النعي الذي أثاره حكم الإحالة على نص الفقرة الأولى من المادة (47) من القانون رقم 66 لسنة 1974، ونص الفقرة الأولى من المادة (53) من القانون رقم 67 لسنة 1974، بمخالفة أحكام المادة (38) من الدستور، يكون مفتقدًا لسنده.

وحيث إن النصين اللذين تحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة لا يخالفان أي حكم آخر في الدستور؛ فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق