الصفحات

الخميس، 25 يوليو 2024

القضية 146 لسنة 20 ق جلسة 8 / 2 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 34 ص 222

جلسة 8 فبراير سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو وتهاني محمد الجبالي وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (34)
القضية رقم 146 لسنة 20 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "نطاقها".
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته وفقاً للبند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979
2 - دعوى دستورية "حجية الحكم فيها - عدم قبول الدعوى".
سبق حسم المسألة الدستورية المثارة يستتبع عدم قبول الطعن عليها من جديد.
3 - تجريم "ضوابطه - استهداف الحفاظ على الرقعة الزراعية".
المشرع يملك بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات - وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة - أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور. مؤدى ذلك: أن الجرائم التي تناولها قانون الزراعة، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها.
4 - جزاء جنائي "دستوريته - ضوابطه".
الجزاء الجنائي لا يكون مخالفاً للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه وطبيعة الجريمة التي تعلق بها.

-----------------
1 - وحيث إن المدعي وإن ضمن صحيفة دعواه الدستورية، الطعن بعدم دستورية نص المادتين (158، 159) من القانون رقم 153 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، إلا أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته. وإذا كان ما تقدم، وكان المدعي قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 المشار إليه، وانحصر في هذا النطاق وحده التصريح الصادر له برفع الدعوى الدستورية، فإن الطعن على نص المادتين (158، 159) يكون مجاوزاً نطاق المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لتغدو الدعوى بالنسبة لهذين النصين غير مقبولة، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة (29/ ب) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
2 - وحيث إنه بالنسبة للطعن على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 من أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة" فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة المتعلقة بمدى دستورية هذا النص بحكمها الصادر بجلسة 9/ 5/ 1998 في الدعوى رقم 64 لسنة 19 قضائية "دستورية" القاضي "بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة المنصوص عليهما بالفقرة الأولى من هذه المادة". وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم (21) بتاريخ 21/ 5/ 1998، وكان مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، أن يكون لقضاء هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على النص المشار إليه.
3 - وحيث إنه عن نعي المدعي غموض النص التشريعي وعدم تحديده، فإنه مردود، ذلك أن المقرر أن المشرع يملك بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات - وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة - أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور. والمقصود بغموض النص العقابي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يجهل المشرع بالأفعال التي أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص العقابي المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمي إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها يكون بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وهو ما أكدته المادة (66) من الدستور في نصها على أن "العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، فقد دل ذلك على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ذلك أن العلائق التي يتناولها القانون الجنائي بالتنظيم محورها الأفعال ذاتها إيجابية كانت أم سلبية، باعتبارها مناط التجريم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها أو نفيها، ويتم على ضوئها التمييز بين الجرائم بعضها البعض، كما تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها وفقاً للقانون. لما كان ذلك، وكانت الجرائم التي تناولها قانون الزراعة، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها، والتي تعتبر من أولى حلقاته تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، بغية تغيير معالمها ثم استخدامها في أغراض أخرى لا تتعلق بالزراعة، ومن أجل ذلك تدخل المشرع بالنص الطعين مؤثماً كل فعل أو امتناع يمسها من خلال نظرة غائية هي الجامعة بين الفئتين، ومعتمداً لتحديدها ضابط عام يكون كاشفاً عن ماهية الأفعال التي حظرها ومحدداً لمضمونها بالرجوع إلى مراميها والغرض المقصود منها، ليكون مناط تجريمها ارتكابها بقصد تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، فكلما كان ارتكاب الفعل أو الامتناع مستهدفاً تلك النتيجة المؤثمة، دل ذلك على وقوع مرتكبها في دائرة التجريم، وبهذا أتى النص الطعين محدداً تلك الأفعال أو الامتناع بطريقة واضحة لا لبس فيها أو غموض أو التواء، وهي قاطعة في اتجاهها مباشرة إلى الأغراض التي توختها لتأمين المصلحة المقصودة بالحماية، لتتوافر بذلك للجريمة التي تناولها هذا النص ركناها المادي والمعنوي، ولتتولى محكمة الموضوع تحريهما وصولاً إلى التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وتقدير العقوبة المناسبة لها، وليس فيما انتهجه المشرع بالنص الطعين ابتداع غير مسبوق، إذ كثيراً ما يعتمد قانون العقوبات - وهو الشريعة العامة في مجال التجريم والعقاب - هذا المنحى في التأثيم.
4 - وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعي على الجزاء الجنائي الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة (155) المطعون فيها من البعد بالعقوبة عن نطاق أغراضها الاجتماعية، فإنه مردود أيضاً، ذلك أن القانون الجنائي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أنه كلما كان الجزاء مقرراً لضرورة، ومفيداً من وجهة اجتماعية، ومتناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها، متصاعداً مع خطورتها كان موافقاً للدستور.
وحيث إن التجريم المقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المطعون فيها والذي التزم - على ما تقدم البيان - حدود الضرورة الاجتماعية التي تبرره، قد اقترن بالجزاء الجنائي المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة (155) الطعين، والذي تحدد في عقوبتي الحبس والغرامة في الحدود التي بينها المشرع، واللتين فرضهما المشرع كعقوبة أصلية على اقتراف الأفعال أو الامتناع المبينة بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المشار إليه، وكان هذا الجزاء قد وقع بالضرورة في إطار اجتماعي مستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تسوغه، باعتباره أسلوباً ملائماً لردع الجناة دون غلو أو شطط، ولا يحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها في مجال تفريده، فلا يكون قدره إلا مناسباً لوزن الجريمة وملابساتها وأحوال مرتكبها.
وحيث إنه يبين مما تقدم جميعه أن النصين المطعون فيهما قد التزما الحدود الدستورية للتجريم والعقاب، فإن قالة مخالفتهما لنص المادة (66) من الدستور يكون في غير محله، كما لا يتعارض هذان النصان مع أي حكم آخر في الدستور.


الإجراءات

بتاريخ 8 من يوليه سنة 1998 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) من القانون رقم 116 لسنة 1983 بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (155)، وبرفض الدعوى بالنسبة لنص المادة (151) المشار إليهما.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعي للمحاكمة الجنائية في القضيتين رقمي 1089، 1193 لسنة 1996 جنح مستعجل منيا القمح، متهمة إياه بأنه في يومي 28/ 3/ 1996، 30/ 3/ 1996 بدائرة مركز منيا القمح وهو حائز لأرض زراعية ارتكب أفعالاً من شأنها تبويرها والمساس بخصوبتها، وطلبت معاقبته بالمادتين (151، 155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983 والمستبدلتين بالقانون رقم 2 لسنة 1985، وقررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط، وبجلسة 24/ 2/ 1998 قضت المحكمة حضورياً بحبس المدعي شهراً مع الشغل وكفالة 20 جنيهاً وتغريمه عشرة آلاف جنيه والإزالة، فاستأنف المدعي هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 625 لسنة 1998 جنح مستأنفة مركز منيا القمح، وإذ قضت محكمة الجنح المستأنفة غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، فقد عارض فيه المدعي، وأثناء نظر المعارضة دفع بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) المشار إليهما، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة، خلال أجلها المحدد.
وحيث إن المدعي وإن ضمن صحيفة دعواه الدستورية، الطعن بعدم دستورية نص المادتين (158، 159) من القانون رقم 153 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، إلا أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته. وإذا كان ما تقدم، وكان المدعي قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نص المادتين (151، 155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 المشار إليه، وانحصر في هذا النطاق وحده التصريح الصادر له برفع الدعوى الدستورية، فإن الطعن على نص المادتين (158، 159) يكون مجاوزاً نطاق المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لتغدو الدعوى بالنسبة لهذين النصين غير مقبولة، لعدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة (29/ ب) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إنه بالنسبة للطعن على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (155) من القانون رقم 53 لسنة 1966 من أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة" فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة المتعلقة بمدى دستورية هذا النص بحكمها الصادر بجلسة 9/ 5/ 1998 في الدعوى رقم 64 لسنة 19 قضائية "دستورية" القاضي "بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة المنصوص عليهما بالفقرة الأولى من هذه المادة". وإذ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم (21) بتاريخ 21/ 5/ 1998، وكان مقتضى نص المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، أن يكون لقضاء هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضى فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على النص المشار إليه.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن غاية المدعي هو الطعن على نص المادتين (151، 155) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 المضافتين بالقانون رقم 116 لسنة 1983 والمستبدلتين بالقانون رقم 2 لسنة 1985، والتي تنص أولاهما وهي المادة (151) على أن "يحظر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة.
كما يحظر عليهم ارتكاب أي فعل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها".
وتنص ثانيهما وهي المادة (155) على أن "يعاقب على مخالفة حكم المادة (151) من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة.
وإذا كان المخالف هو المالك أو نائبه، وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالإدانة تكليف الإدارة الزراعية المختصة بتأجير الأرض المتروكة لمن يتولى زراعتها عن طريق المزارعة لحساب المالك لمدة سنتين، تعود بعدها الأرض لمالكها أو نائبه، وذلك وفقاً للقواعد التي يصدر بها قرار من وزير الزراعة.
وإذا كان المخالف هو المستأجر أو الحائز دون المالك وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة إنهاء عقد الإيجار فيما يتعلق بالأرض المتروكة وردها للمالك لزراعتها.
ولوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى أن يأمر بوقف أسباب المخالفة أو إزالتها بالطريق الإداري وعلى نفقة المخالف".
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الاتهام الموجه للمدعي، أنه وهو حائز لأرض زراعية ارتكب أفعالاً من شأنها تبويرها والمساس بخصوبتها، والذي أثمته الفقرة الثانية من المادة (151) المشار إليها، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي تكون متحققة بالنسبة للطعن على نص هذه الفقرة، كما تتحقق مصلحته كذلك في الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (155) المحدد للعقوبة الأصلية التي فرضها المشرع على اقتراف هذا الفعل، وذلك كله دون نص الفقرة الأولى من المادة (151) وباقي فقرات المادة (155) لعدم تعلقها - في الحدود المتقدمة وما قضى به الحكم الصادر بالإدانة سالف الذكر - بالاتهام الجنائي المواجه به المدعي، وبالتالي لا تشملها الخصومة الدستورية الراهنة.
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما مخالفة نص المادة (66) من الدستور، قولاً بأن التجريم المقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (151) يشوبه الغموض وعدم التحديد، وأن الجزاء الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة (155) يتسم بالبعد بالعقوبة عن أغراضها الاجتماعية.
وحيث إنه عن نعى المدعي غموض النص التشريعي وعدم تحديده، فإنه مردود، ذلك أن المقرر أن المشرع يملك بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات - وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة - أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور. والمقصود بغموض النص العقابي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يجهل المشرع بالأفعال التي أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص العقابي المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمي إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وكان وقوعها يكون بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال، وهو ما أكدته المادة (66) من الدستور في نصها على أن "العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، فقد دل ذلك على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ذلك أن العلائق التي يتناولها القانون الجنائي بالتنظيم محورها الأفعال ذاتها إيجابية كانت أم سلبية، باعتبارها مناط التجريم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها أو نفيها، ويتم على ضوئها التمييز بين الجرائم بعضها البعض، كما تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها وفقاً للقانون. لما كان ذلك، وكانت الجرائم التي تناولها قانون الزراعة، إنما تستهدف الحفاظ على الرقعة الزراعية ورد العدوان عليها، والتي تعتبر من أولى حلقاته تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، بغية تغيير معالمها ثم استخدامها في أغراض أخرى لا تتعلق بالزراعة، ومن أجل ذلك تدخل المشرع بالنص الطعين مؤثماً كل فعل أو امتناع يمسها من خلال نظرة غائية هي الجامعة بين الفئتين، ومعتمداً لتحديدها ضابط عام يكون كاشفاً عن ماهية الأفعال التي حظرها ومحدداً لمضمونها بالرجوع إلى مراميها والغرض المقصود منها، ليكون مناط تجريمها ارتكابها بقصد تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، فكلما كان ارتكاب الفعل أو الامتناع مستهدفاً تلك النتيجة المؤثمة، دل ذلك على وقوع مرتكبها في دائرة التجريم، وبهذا أتى النص الطعين محدداً تلك الأفعال أو الامتناع بطريقة واضحة لا لبس فيها أو غموض أو التواء، وهي قاطعة في اتجاهها مباشرة إلى الأغراض التي توختها لتأمين المصلحة المقصودة بالحماية، لتتوافر بذلك للجريمة التي تناولها هذا النص ركناها المادي والمعنوي، ولتتولى محكمة الموضوع تحريهما وصولاً إلى التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وتقدير العقوبة المناسبة لها، وليس فيما انتهجه المشرع بالنص الطعين ابتداع غير مسبوق، إذ كثيراً ما يعتمد قانون العقوبات - وهو الشريعة العامة في مجال التجريم والعقاب - هذا المنحى في التأثيم.
وحيث إنه في خصوص ما ينعاه المدعي على الجزاء الجنائي الذي تضمنته الفقرة الأولى من المادة (155) المطعون فيها من البعد بالعقوبة عن نطاق أغراضها الاجتماعية، فإنه مردود أيضاً، ذلك أن القانون الجنائي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد - من منظور اجتماعي - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أنه كلما كان الجزاء مقرراً لضرورة، ومفيداً من وجهة اجتماعية، ومتناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها، متصاعداً مع خطورتها كان موافقاً للدستور.
وحيث إن التجريم المقرر بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المطعون فيها والذي التزم - على ما تقدم البيان - حدود الضرورة الاجتماعية التي تبرره، قد اقترن بالجزاء الجنائي المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة (155) الطعين، والذي تحدد في عقوبتي الحبس والغرامة في الحدود التي بينها المشرع، واللتين فرضهما المشرع كعقوبة أصلية على اقتراف الأفعال أو الامتناع المبينة بنص الفقرة الثانية من المادة (151) المشار إليه، وكان هذا الجزاء قد وقع بالضرورة في إطار اجتماعي مستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تسوغه، باعتباره أسلوباً ملائماً لردع الجناة دون غلو أو شطط، ولا يحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها في مجال تفريده، فلا يكون قدره إلا مناسباً لوزن الجريمة وملابساتها وأحوال مرتكبها.
وحيث إنه يبين مما تقدم جميعه أن النصين المطعون فيهما قد التزما الحدود الدستورية للتجريم والعقاب، فإن قالة مخالفتهما لنص المادة (66) من الدستور يكون في غير محله، كما لا يتعارض هذان النصان مع أي حكم آخر في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق