الصفحات

Additional Menu

الأحد، 12 مايو 2024

الطعن 12657 لسنة 89 ق جلسة 12 / 5 / 2024 مكتب فني 74 هيئة عامة ق 2 ص 21

جلسة 12 من مايو سنة 2024
برئاسة السيد القاضي/ حسني حسن عبد اللطيف "رئيس محكمة النقض"، وعضوية السادة القضاة/ محمود سعيد محمود، عبد العزيز إبراهيم الطنطاوي، رفعت أحمد فهمي العـزب، نبيل أحمد صادق، محمد فوزي خفاجي، محمد أحمد محمد أبو الليـل، سمير حسن حسين أحمد، عبد الله لملوم عبد الرحمـن، مجدي إبراهيم عبد الصمـد، وليد الصواف "نواب رئيس المحكمة ".
-------------------
(2)
الطعن رقم 12657 لسنة 89 القضائية "هيئة عامة"
(1- 13) حكم "حجية الأحكام: شروط الحجية" "الطعن في الحكم: طرق الطعن وإجراءاته" "رقابة محكمة النقض". قوة الأمر المقضي "شرطها". نقض "إجراءات الطعن بالنقض: رفع الطعن بالنقض: رفع طعن آخر بالنقض عن ذات الحكم" "نطاق الطعن بالنقض" "حالات الطعن بالنقض" "أسباب الطعن بالنقض" "الحكم في الموضوع: حجية حكم النقض".
(1) الطعن بالنقض. طريق غير عادي للطعن في الأحكام الانتهائية. حالاته. بيانها على سبيل الحصر بالمادتين 248، 249 مرافعات. مقصودها. مخاصمة الحكم النهائي.
(2) نطاق الطعن بالنقض. تحديده بالأسباب التي يبديها الطاعن وعدم اتساعه لغير الحكم المطعون فيه.
(3) الطعن بالنقض. اقتصاره على الأسباب التي يوردها الطاعن في صحيفة طعنه أو ما يضيفه من أسباب تتعلق بالنظام العام.
(4) الطعن بالنقض. اقتصاره على المواضع التي ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه بأسباب صحيفة الطعن. تحدد نطاق الطعن بها.
(5) حجية الأمر المقضي. شرطه. اتحاد الخصوم والموضوع والسبب المباشر في الدعوى السابق الفصل فيها. تخلف أحد هذه الشروط. أثره. امتناع تطبيقها. ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل. عدم صلاحيته أن يكون موضوعًا لحكم حائز لحجية الأمر المقضي. م 101 إثبات.
(6) حجية الأحكام المانعة من إعادة نظر النزاع. مناطها. فصل الحكم بصفة صريحة أو ضمنية سواء في المنطوق أو الأسباب المرتبطة به في مسألة أساسية تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول.
(7) خصومة الطعن بالنقض. توجهها للحكم المطعون فيه. مؤداه. قضاء محكمة النقض تأييدًا للحكم الاستئنافي النهائي برفض الطعن أو عدم قبوله. عدم حيازته قوة الأمر المقضي إلا بعد إدلاء محكمة النقض برأيها في أسباب الطعن عن قصد وبصيرة.
(8) خصومة الطعن بالنقض. ماهيتها. مخاصمة الحكم النهائي الصادر من محكمة الموضوع. نطاقها. إقامة أكثر من خصم في الدعوى طعنًا بالنقض على ذات الحكم المطعون فيه في الميعاد بإجراءات قانونية صحيحة. لازمه. ضم الطعون معًا. علة ذلك. عرض كل طعن من هذه الطعون منفردًا على المحكمة في زمن مغاير وتصدي محكمة النقض بالفصل في أحد هذه الطعون برفضه أو بعدم قبوله دون أن تفطن لوجود طعن أو طعون أخرى لم تأمر بضمها ولم يفصل فيها. أثره. عدم وجود مانع من نظر الطعن المقام من خصم مغاير مستقل في مصلحته عن بقية الخصوم. شرطه. تغاير أسبابه مع الأسباب التي تم تناولها بالحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول. علة ذلك.
(9) القضاء بعدم جواز الطعن الثاني رغم استناده إلى أسباب لم يسبق لمحكمة النقض الإدلاء برأيها فيها في الطعن الأول ولو كان الطاعن في الطعن الثاني ممثلًا في خصومة الطعن الأول. خطأ. علة ذلك.
(10) نظر الطعن الثاني بالنقض عن ذات الحكم المطعون فيه. عدم تعارضه مع الالتزام بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول وحسمه للنزاع. علة ذلك.
(11) محكمة النقض. وظيفتها. مراقبة قضاء الموضوع وتقويمه وتوحيد فهم النصوص القانونية تطبيقًا لإرادة المشرع.
(12) الدائرة المعروض عليها الطعن الآخر بالنقض. وجوب احترامها للأسباب التي بني عليها الحكم أو القرار الصادر من محكمة النقض في الطعن الأول وعدم إعادة تداولها عند تصديها للطعن الثاني وفصلها فيه. علة ذلك.
(13) الطعن بالنقض اللاحق المرفوع من خصم آخر في الدعوى عن ذات الحكم المطعون فيه. مقبول. شرطه. تغاير أسبابه عن الطعن الأول. إقرار الهيئة العامة هذا المبدأ والعدول عما يخالفه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن الطعن بالنقض هو طريق غير عادي لم يجزه القانون للطعن في الأحكام النهائية إلا في أحوال بينها على سبيل الحصر في المادتين ٢٤٨، ٢٤٩ من قانون المرافعات، ويقصد بها في واقع الأمر مخاصمة الحكم النهائي الصادر من محكمة الموضوع.
2- المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن نطاق الطعن بالنقض يتحدد بالأسباب التي يبديها الطاعن ولا تتسع لغير الحكم المطعون فيه والذي يستهدف الطاعن نقضه.
3- المقرر– في قضاء محكمة النقض – أنه لا تنظر محكمة النقض إلا في الأسباب التي ذكرها الطاعن في صحيفة الطعن، أو ما يضيفه من أسباب تتعلق بالنظام العام.
4- المقرر- في قضاء محكمة النقض - أنه لا يعتبر الطعن بالنقض امتدادًا للخصومة الأصلية، ولا من درجتي التقاضي، وإنما يقتصر على المواضع التي ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه في حدود الأسباب التي أوردها في صحيفة طعنه، وبها يتحدد نطاق الطعن بالنقض.
5- المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن مؤدى نص المادة ۱۰۱ من قانون الإثبات - أنه لا يحوز الحكم السابق قوة الأمر المقضي بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع في كل من الدعويين واتحد السبب المباشر الذي تولدت عنه كل منهما فضلًا عن وحدة الخصوم فإذا ما تخلف أي من هذه الشروط امتنع تطبيق قاعدة قوة الأمر المقضي، وأن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يصلح أن يكون موضوعًا لحكم حائز لحجية الأمر المقضي.
6- المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح النزاع في المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة به بصفة صريحة في مسألة أساسية بعد أن تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا.
7- إذ كانت خصومة الطعن بالنقض هي في أصلها موجهة للحكم المطعون فيه، فإن الحكم الصادر من محكمة النقض تأييدًا للحكم الاستئنافي النهائي - برفض الطعن أو عدم قبوله - لا يحوز قوة الأمر المقضي إلا بعد أن تكون المحكمة قد أدلت برأيها في أسباب الطعن الموجة من الطاعن للحكم المطعون فيه عن قصد وبصيرة.
8- خصومة الطعن بالنقض ليست هي القضية التي عرضت على محكمة الموضوع وإنما هي قضية جديدة تتمثل في مخاصمة الحكم النهائي الصادر من تلك المحكمة، يتحدد نطاقها في إطار الأسباب التي ساقها الطاعن تعييبًا له مع الأخذ في الاعتبار المصلحة الشخصية الخاصة الواجب توافرها دومًا في الطعن، فإذا طعن بالنقض أكثر من خصم في الدعوى على ذات الحكم المطعون فيه في الميعاد بموجب إجراءات قانونية صحيحة، فإن من شأن ذلك أن يُحتم جمع أوراق تلك الطعون بكاملها ضمن ملف واحد لعرضه على الدائرة المختصة بمحكمة النقض لكي تنظرها معًا، وذلك حتى يتسنى لها الإحاطة بجميع أبعاد النزاع المطروح على ضوء الطعن المقام من كل خصم على حدة مراعاة لمصلحته القائمة في طعنه، والتي غالبًا ما تكون متقابلة مع غيره من الخصوم، وذلك لعلة حرص عليها المشرع دومًا وهي منع تقطيع أوصال الدعوى الواحدة وتشتيتها والذي قد يؤدي في النهاية إلى صدور أحكام متناقضة، وينعكس هذا الحرص جليًّا في النصوص التي أقرها المشرع لتنظيم إجراءات الدعوى والطعن في قانون المرافعات، بما فيها تلك المتعلقة بإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، فإذا ما تم عرض كل طعن من هذه الطعون منفردًا على المحكمة في إطار زمني مغاير، وترتب على ذلك أن تصدت محكمة النقض بالفصل في أحدها برفضه أو إصدار قرار بعدم قبوله دون أن تفطن لوجود طعن أو طعون أخرى لم تأمر بضمها، ولم يفصل فيها، وكان ذلك الطعن مقامًا من خصم مغاير ينفصل ويستقل في مصلحته عن بقية الخصوم، وقد أقامه على أسباب مغايرة لم يسبق تناولها بالحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول، فإنه لا يستقيم إهدار مصلحة هذا الخصم بدعوى المساس بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول، طالما تغايرت الأسباب على النحو سالف البيان، فبات الطعن بالنقض الآخر المرفوع في الميعاد هو السبيل الوحيد للخصم لعرض أسباب طعنه في الحكم المطعون فيه على محكمة النقض، والقول بغير ذلك من شأنه مصادرة حقه في التقاضي بحرمانه من عرض أسباب طعنه على القضاء، فضلًا عن معاملته معاملة غير متساوية مع غيره من الخصوم وتشكل تمييزًا تحكميًا غير مبرر.
9- القضاء بعدم جواز الطعن المرفوع استنادًا إلى أسباب لم يسبق للمحكمة تناولها أو الإدلاء برأيها فيها في الطعن الأول لا يكون مبررًا مادام لا يمس حجية الحكم أو القرار السابق الصادر بالرفض أو بعدم القبول، ولو كان الطاعن في الطعن الثاني ممثلًا في خصومة الطعن الأول، خاصة وأن ضم الطعون المرتبطة لنظرها أمام ذات الدائرة ليس واجبًا على الخصوم، بما يمثل عقابًا إجرائيًا عظيم الأثر تم توقيعه على خصم قام بواجبه القانوني على نحو صحيح، وهو ما تتأذى منه العدالة.
10- لا ينال من ذلك – إمكانية نظر الطعن الثاني عن ذات الحكم المطعون فيه المستند لأسباب مغايرة - القول بوجوب التزام الدائرة التي تنظر الطعن الثاني بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول وحسمه للنزاع فيمتنع عليها التصدي له شكلًا وموضوعًا، احترامًا والتزامًا لحجية الأمر المقضي به للحكم المطعون فيه، إذ إن العبرة في تكييف الإجراءات هي بحقيقة جوهرها ومرماها، وهي ترتبط دائمًا بمبدأ نسبية الأثر المترتب عليها، فإذا ما أقام الطاعن في الطعن الآخر طعنه مستوفيًا لأوضاعه وفي إطار قانوني موجهًا ما نعاه إلى أسباب الحكم المطعون فيه، وهو ما يعني بالضرورة اعتراضه على أسباب هذا الحكم وعدم قبوله لها.
11- المقرر– في قضاء محكمة النقض - أن وظيفة محكمة النقض أن تقوم بمراقبة قضاء الموضوع استيثاقًا من صحة تطبيقه للقانون على الوقائع وتقويمًا لما يكون قد اعوج أو شذ من أحكامه وتوحيدًا لفهم النصوص القانونية فهمًا مطابقًا لما أراده المشرع منها.
12- لا يسوغ إزالة أثر هذا الطعن – الطعن الثاني على ذات الحكم المطعون فيه - بصدور حكم أو قرار من محكمة النقض بعدم قبول أو رفض طعن سابق مقام من خصم آخر طالما لم يتناول الأسباب التي عليها أقيم الطعن الآخر ودون أن تقول المحكمة كلمتها فيها، ذلك أن معيار سبق فصل محكمة النقض في أحد الطعون على النحو المتقدم، لا يصح أن يكون معيارًا يؤدي إلى تعطيل أو إلغاء الفصل في طعن أو طعون أخرى مقامة على ذات الحكم بأسباب مغايرة، دون أن ينص المشرع على ذلك صراحة، ومن ثم فإن ما يقيد الدائرة المعروض عليها الطعن الآخر في هذا الصدد هو احترام الأسباب التي بني عليها الحكم أو القرار الصادر من المحكمة في الطعن الأول، وعدم إعادة تناولها عند تصديها للطعن الثاني وفصلها فيه، وهو بذلك ينفي عنها شبهة التسلط على ذلك الحكم أو القرار أو عدم احترام حجيته، كما أنه في هذا الإطار لا يعد إلغاءً لهذا الحكم أو القرار أو سحبًا أو رجوعًا فيه، وهو الأمر الذي يتفق مع مبدأ المساواة أمام القانون والذي لابد وأن يكون ذا اعتبار عند نظر كافة القضايا والطعون أمام المحاكم على اختلاف درجاتها.
13- إذ كانت بعض أحكام هذه المحكمة (محكمة النقض) قد ذهبت في قضائها إلى عدم قبول طعن ثان في الحكم ذاته - أيًا كان الخصم رافع الطعن - إذا كان قد سبق الطعن فيه بطريق النقض وتم الفصل في الطعن الأول برفضه أو عدم قبوله – بقرار في غرفة مشورة - قبل نظر الطعن الثاني ولو تغایرت أسباب الطعنين، فقد رأت الهيئة بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدل، العدول عن المبدأ الذي تبنته هذه الأحكام، وإقرار المبدأ الذي يقضي بقبول الطعن المرفوع من الخصم الآخر في الدعوى عن ذات الحكم المطعون فيه طالما تغايرت أسبابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهيئة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المــقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها أقامت على الشركة الطاعنة الدعوى التي صار قيدها برقم .... لسنة 2016 مدني كلي دمنهور بطلب الحكم بفسخ العقد المؤرخ 5/1/2014 وملحقه المؤرخ 14/1/2014 وإلزامها أن تؤدي إليها مبلغًا قدره ٣٨٣٥٠٠ جنيهًا قيمة المبالغ المستحقة في ذمتها، ومبلغ خمسة ملايين جنيه على سبيل التعويض، وقالت بيانًا لذلك إنه بموجب ذلك العقد تعاقدت معها الطاعنة على بيع وتسويق المنتجات التي تقوم المطعون ضدها بتعبئتها- عبوات مياه- لمدة خمس سنوات وأن تكون الوكيل والموزع الوحيد لتلك المنتجات وذلك وفق الشروط والتفصيل الوارد بالعقد المشار إليه، وإذ أخلت الطاعنة بالتزامها الناشئة عنه فكانت الدعوى. وجهت الطاعنة طلبًا عارضًا بفسخ ذات العقد وملحقه لإخلال المطعون ضدها بالتزاماتها الواردة فيه وإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغًا قدره ٢١٦٠٠٠٠ جنيهًا وفوائده القانونية والتعويض. ندبت المحكمة خبيرًا وبعد أن أودع تقريره حكمت في الدعوى الأصلية بالفسخ والتعويض الذي قدرته، وفي الدعوى الفرعية بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي إلى الطاعنة مبلغًا قدره ٢,١١٣,٥٠٠ جنيهًا والفوائد بواقع ٥٪ من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى، استأنفت الطاعنة الحكم برقم .... لسنة 72 ق الإسكندرية، كما استأنفته المطعون ضدها برقم .... لسنة 72 ق ندبت المحكمة لجنة ثلاثية من الخبراء وبعد أن أودعت تقريرها قضت بتاريخ 17/4/2019 بتعديل الحكم المستأنف بشأن المبلغ المحكوم به في الدعوى الفرعية والتأييد فيما عدا ذلك. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي –بصفة أصلية- عدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه في الطعن بالنقض رقم .... لسنة 89 ق، وبصفة احتياطية بنقض الحكم المطعون فيه جزئيًّا، وإذ عُرض الطعن على دائرة المواد التجارية والاقتصادية المختصة - في غرفة مشورة - فرأت أنه جدير بالنظر حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث تباينت الأحكام الصادرة من هذه المحكمة في خصوص إقامة طعنين من خصمين متقابلين عن حكم واحد إلى اتجاهين ذهب أولهما إلى عدم قبول طعن ثان في الحكم ذاته - أيًا كان الخصم رافع الطعن - إذا كان قد سبق الطعن فيه بطريق النقض وتم الفصل في الطعن الأول برفضه أو عدم قبوله قبل نظر الطعن الثاني ولو تغایرت أسباب الطعنين؛ تأسيسًا على أن رفض الطعن الأول هو بمثابة حكم نهائي صادر من دائرة بمحكمة النقض بموجب سلطتها القضائية فاصلًا في خصومة الطعن بالنقض المشار إليه حائز لقوة الأمر المقضي وينحسم بالتالي به النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه وتلتزم بحجيته الدائرة التي تنظر الطعن الثاني بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى قبول الطعن الثاني- المرفوع من الخصم الآخر؛ وذلك استنادًا إلى أنه إذا طعن بالنقض طرفا الدعوى، ولم تفطن المحكمة لضم الطعنين ضمانًا لحسن سير العدالة، وفصلت في الطعن المرفوع من أحد الخصوم برفضه أو بعدم قبوله، فإن ذلك لا يمنعها من نظر الطعن المرفوع من الخصم الآخر فيما يكون قد أضر به الحكم، لأن القضاء في الطعن الأول برفضه أو بعدم قبوله لا ينصرف أثره إلا في مواجهة من أقامه، ولا يتعداه لخصمه الذي تظل منازعته وأسباب طعنه معلقة على الفصل في الطعن المرفوع منه وفي هذه الحالة لا يوجد أي احتمال لصدور حكمين متعارضين، ولا ينطوي على أي مساس بالمراكز القانونية للخصوم، والتي لا تستقر على نحو بات إلا بالقول الفصل في الطعن الآخر، وإزاء هذا الاختلاف قررت الدائرة المختصة بجلستها المنعقدة بتاريخ ٦ من مارس سنة ٢٠٢٤ إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها عملًا بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدل للفصل في هذا الاختلاف وإقرار المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثاني والعدول عن المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الأول.
وإذ حددت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها جلسة ٣٠ من إبريل سنة ٢٠٢٤ لنظر الطعن، وأودعت النيابة العامة لدى محكمة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى الأخذ بالمبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثاني، وبذات الجلسة تداولت الهيئة في المسألة المعروضة عليها من الدائرة المُحيلة، والتزمت النيابة رأيها، وقررت الهيئة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
وحيث إنه من المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن الطعن بالنقض هو طريق غير عادي لم يجزه القانون للطعن في الأحكام النهائية إلا في أحوال بينها على سبيل الحصر في المادتين ٢٤٨، ٢٤٩ من قانون المرافعات، ويقصد بها في واقع الأمر مخاصمة الحكم النهائي الصادر من محكمة الموضوع، كما أن نطاق الطعن بالنقض يتحدد بالأسباب التي يبديها الطاعن ولا تتسع لغير الحكم المطعون فيه والذي يستهدف الطاعن نقضه، ولا تنظر محكمة النقض إلا في الأسباب التي ذكرها الطاعن في صحيفة الطعن، أو ما يضيفه من أسباب تتعلق بالنظام العام، ولا يعتبر الطعن بالنقض امتدادًا للخصومة الأصلية، ولا من درجتي التقاضي، وإنما يقتصر على المواضع التي ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه في حدود الأسباب التي أوردها في صحيفة طعنه، وبها يتحدد نطاق الطعن بالنقض، كما أن المستقر - في قضاء هذه المحكمة- أن مؤدى نص المادة ۱۰۱ من قانون الإثبات أنه لا يحوز الحكم السابق قوة الأمر المقضي بالنسبة للدعوى اللاحقة إلا إذا اتحد الموضوع في كل من الدعويين واتحد السبب المباشر الذي تولدت عنه كل منهما فضلًا عن وحدة الخصوم فإذا ما تخلف أي من هذه الشروط امتنع تطبيق قاعدة قوة الأمر المقضي، وأن ما لم تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يصلح أن يكون موضوعًا لحكم حائز لحجية الأمر المقضي، وأن مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح النزاع في المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة به بصفة صريحة في مسألة أساسية بعد أن تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول استقرارًا جامعًا مانعًا. لما كان ذلك، وكانت خصومة الطعن بالنقض هي في أصلها موجه للحكم المطعون فيه، فإن الحكم الصادر من محكمة النقض تأييدًا للحكم الاستئنافي النهائي- برفض الطعن أو عدم قبوله- لا يحوز قوة الأمر المقضي إلا بعد أن تكون المحكمة قد أدلت برأيها في أسباب الطعن الموجة من الطاعن للحكم المطعون فيه عن قصد وبصيرة، إذ إن خصومة الطعن بالنقض ليست هي القضية التي عرضت على محكمة الموضوع وإنما هي قضية جديدة تتمثل في مخاصمة الحكم النهائي الصادر من تلك المحكمة، يتحدد نطاقها في إطار الأسباب التي ساقها الطاعن تعييبًا له مع الأخذ في الاعتبار المصلحة الشخصية الخاصة الواجب توافرها دومًا في الطعن، فإذا طعن بالنقض أكثر من خصم في الدعوى على ذات الحكم المطعون فيه في الميعاد بموجب إجراءات قانونية صحيحة، فإن من شأن ذلك أن يُحتم جمع أوراق تلك الطعون بكاملها ضمن ملف واحد لعرضه على الدائرة المختصة بمحكمة النقض لكي تنظرها معًا، وذلك حتى يتسنى لها الإحاطة بجميع أبعاد النزاع المطروح على ضوء الطعن المقام من كل خصم على حدة مراعاة لمصلحته القائمة في طعنه، والتي غالبًا ما تكون متقابلة مع غيره من الخصوم، وذلك لعلة حرص عليها المشرع دومًا وهي منع تقطيع أوصال الدعوى الواحدة وتشتيتها والذي قد يؤدي في النهاية إلى صدور أحكام متناقضة، وينعكس هذا الحرص جليًّا في النصوص التي أقرها المشرع لتنظيم إجراءات الدعوى والطعن في قانون المرافعات، بما فيها تلك المتعلقة بإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، فإذا ما تم عرض كل طعن من هذه الطعون منفردًا على المحكمة في إطار زمني مغاير، وترتب على ذلك أن تصدت محكمة النقض بالفصل في أحدها برفضه أو إصدار قرار بعدم قبوله دون أن تفطن لوجود طعن أو طعون أخرى لم تأمر بضمها، ولم يفصل فيها، وكان ذلك الطعن مقامًا من خصم مغاير ينفصل ويستقل في مصلحته عن بقية الخصوم، وقد أقامه على أسباب مغايرة لم يسبق تناولها بالحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول، فإنه لا يستقيم إهدار مصلحة هذا الخصم بدعوى المساس بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول، طالما تغايرت الأسباب على النحو سالف البيان، فبات الطعن بالنقض الآخر المرفوع في الميعاد هو السبيل الوحيد للخصم لعرض أسباب طعنه في الحكم المطعون فيه على محكمة النقض، والقول بغير ذلك من شأنه مصادرة حقه في التقاضي بحرمانه من عرض أسباب طعنه على القضاء، فضلًا عن معاملته معاملة غير متساوية مع غيره من الخصوم وتشكل تمييزًا تحكميًا غير مبرر، إذ إن القضاء بعدم جواز الطعن المرفوع استنادًا إلى أسباب لم يسبق للمحكمة تناولها أو الإدلاء برأيها فيها في الطعن الأول لا يكون مبررًا مادام لا يمس حجية الحكم أو القرار السابق الصادر بالرفض أو بعدم القبول، ولو كان الطاعن في الطعن الثاني ممثلًا في خصومة الطعن الأول، خاصة وأن ضم الطعون المرتبطة لنظرها أمام ذات الدائرة ليس واجبًا على الخصوم، بما يمثل عقابًا إجرائيًا عظيم الأثر تم توقيعه على خصم قام بواجبه القانوني على نحو صحيح، وهو ما تتأذى منه العدالة، ولا ينال من ذلك القول بوجوب التزام الدائرة التي تنظر الطعن الثاني بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول وحسمه للنزاع فيمتنع عليها التصدي له شكلًا وموضوعًا، احترامًا والتزامًا لحجية الأمر المقضي به للحكم المطعون فيه، إذ إن العبرة في تكييف الإجراءات هي بحقيقة جوهرها ومرماها، وهي ترتبط دائمًا بمبدأ نسبية الأثر المترتب عليها، فإذا ما أقام الطاعن في الطعن الآخر طعنه مستوفيًا لأوضاعه وفي إطار قانوني موجهًا ما نعاه إلى أسباب الحكم المطعون فيه، وهو ما يعني بالضرورة اعتراضه على أسباب هذا الحكم وعدم قبوله لها، مما يحتم على محكمة النقض أن تقوم بوظيفتها بمراقبة قضاء الموضوع استيثاقًا من صحة تطبيقه للقانون على الوقائع وتقويمًا لما يكون قد اعوج أو شذ من أحكامه وتوحيدًا لفهم النصوص القانونية فهمًا مطابقًا لما أراده المشرع منها، فلا يسوغ إزالة أثر هذا الطعن بصدور حكم أو قرار من محكمة النقض بعدم قبول أو رفض طعن سابق مقام من خصم آخر طالما لم يتناول الأسباب التي عليها أقيم الطعن الآخر ودون أن تقول المحكمة كلمتها فيها، ذلك أن معيار سبق فصل محكمة النقض في أحد الطعون على النحو المتقدم، لا يصح أن يكون معيارًا يؤدي إلى تعطيل أو إلغاء الفصل في طعن أو طعون أخرى مقامة على ذات الحكم بأسباب مغايرة، دون أن ينص المشرع على ذلك صراحة، ومن ثم فإن ما يقيد الدائرة المعروض عليها الطعن الآخر في هذا الصدد هو احترام الأسباب التي بني عليها الحكم أو القرار الصادر من المحكمة في الطعن الأول، وعدم إعادة تناولها عند تصديها للطعن الثاني وفصلها فيه، وهو بذلك ينفي عنها شبهة التسلط على ذلك الحكم أو القرار أو عدم احترام حجيته، كما أنه في هذا الإطار لا يعد إلغاءً لهذا الحكم أو القرار أو سحبًا أو رجوعًا فيه، وهو الأمر الذي يتفق مع مبدأ المساواة أمام القانون والذي لابد وأن يكون ذا اعتبار عند نظر كافة القضايا والطعون أمام المحاكم على اختلاف درجاتها؛ لما كان ما تقدم، وكانت بعض أحكام هذه المحكمة قد ذهبت في قضائها إلى عدم قبول طعن ثان في الحكم ذاته – أيًا كان الخصم رافع الطعن - إذا كان قد سبق الطعن فيه بطريق النقض وتم الفصل في الطعن الأول برفضه أو عدم قبوله – بقرار في غرفة مشورة - قبل نظر الطعن الثاني ولو تغایرت أسباب الطعنين، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدل، العدول عن المبدأ الذي تبنته هذه الأحكام، وإقرار المبدأ الذي يقضي بقبول الطعن المرفوع من الخصم الآخر في الدعوى عن ذات الحكم المطعون فيه طالما تغايرت أسبابه.
ومن ثم فإن الهيئة وبعد الفصل في المسألة المعروضة عليها تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه وفقًا لما سبق وطبقًا لأحكام القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق