الصفحات

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 68) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ




(الْمَادَّةُ 68) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ
يَعْنِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ، فَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ يَقُومُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ لَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهَا إلَّا بِمَظَاهِرِهَا الْخَارِجِيَّةِ.
تَعْرِيفُ الدَّلِيلِ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمُ بِهِ الْعِلْمَ بِشَيْءٍ آخَرَ: كَمَا لَوْ رَأَى رَاءٍ دُخَّانًا يَنْبَعِثُ مِنْ مَكَان فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى وُجُودِ نَارٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَإِلَيْكَ الْأَمْثِلَةُ الْآتِيَةُ إيضَاحًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ: إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْبَيْعَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ ظَهَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (183) فَالْإِعْرَاضُ هُنَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى إعْرَاضِ إنْسَانٍ عَنْ شَيْءٍ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَمَتَى مَا أَظْهَرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَقِيقَةً، فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ الظَّاهِرَةَ تَقُومُ مَقَامَ تِلْكَ الْأُمُورِ، يُتَّخَذُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَإِيضَاحًا لِهَذَا الْمِثَالِ نَقُولُ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْإِيجَابُ أَوَّلُ كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالْقَبُولُ ثَانِي كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَعَدَمُ وُقُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ إذَا حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ قَبْلَ الْقَوْلِ بَطَلَ الْإِيجَابُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيمَا لَوْ قَبِلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْمَجْلِسِ، كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: بِعْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَسَكَتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَبِلْت. يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَكِنْ إذَا أَعْرَضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِيجَابِ، كَمَا لَوْ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ، أَوْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ أَجْرَى أَيَّ عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، ثُمَّ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْإِيجَابَ بِإِعْرَاضِهِ، فَيَلْزَمُ تَجْدِيدُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ. كَذَلِكَ: إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ، وَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ أَخَذَ يُدَاوِيهِ، فَبِمَا أَنَّ الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَبِمَا أَنَّ الْأَخْذَ فِي مُدَاوَاةِ الْحَيَوَانِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَاءِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ لَا يَحِقُّ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ. كَذَلِكَ: بِمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ (وَهُوَ الَّذِي أَصَابَ لُقَطَةً) يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ إذَا قَصَدَ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْأَمِينِ إذَا قَصَدَ إعَادَتَهَا لِصَاحِبِهَا، وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يُكِنُّهُ ضَمِيرُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وِجْدَانُهُ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ.
فَإِذَا أَشْهَدَ حِينَمَا وَجَدَ اللُّقَطَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا الْتَقَطَهَا لِيُعِيدَهَا لِصَاحِبِهَا، وَأَعْلَنَ فِي الصُّحُفِ عَنْهَا مَثَلًا يُسْتَدَلُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَقْصِدُ إعَادَتَهَا وَتَكُونُ بِيَدِهِ وَدِيعَةً، وَإِذَا أَخْفَاهَا وَلَمْ يُخْبِرْ أَحَدًا بِهَا وَلَمْ يُعْلِنْ عَنْهَا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَيْهِ إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالثَّانِي يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فِيمَا لَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ، كَذَلِكَ: شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى مِلْكِيَّةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ أَحْيَانًا تَكُونُ بِنَاءً عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ كَالشِّرَاءِ مَثَلًا، فَهِيَ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ مُسْتَنِدَةً عَلَى الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ مِنْ تَصَرُّفٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ تَقُومُ مَقَامَ مَدْلُولِهَا فِي الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ لَمَا حَقَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ، بَلْ لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِسَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَذَلِكَ الْقَصْدُ فِي الْقَتْلِ يَثْبُتُ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْقَاتِلِ، كَاسْتِعْمَالِهِ الْآلَاتِ الْجَارِحَةِ وَضَرْبِ الْمَقْتُولِ بِهَا عِدَّةَ ضَرَبَاتٍ مَثَلًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق