الصفحات

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 16) الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ



(الْمَادَّةُ 16) : الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ 
يَعْنِي لَوْ اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَةٍ مَا مِنْ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَمِلَ بِاجْتِهَادِهِ أَيْ حَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ رَأْيٌ آخَرُ فَعَدَلَ عَنْ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، فَلَا يَنْقُضُ اجْتِهَادُهُ الثَّانِي حُكْمَهُ النَّاشِئَ عَنْ اجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ.
كَذَا لَوْ حَكَمَ مُجْتَهِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ بِمُوجِبِ اجْتِهَادِهِ، ثُمَّ حَكَمَ مُجْتَهِدٌ ثَانٍ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَيْنِهَا وَكَانَ رَأْيُ الثَّانِي مُخَالِفًا لِرَأْيِ وَاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُسْتَنِدُ عَلَى اجْتِهَادِ الْأَوَّلِ.
إنَّ لِلْمُجْتَهِدِ شُرُوطًا وَصِفَاتٍ مُعَيَّنَةً فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَلَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ مُجْتَهِدٌ مَا لَمْ يَكُنْ حَائِزًا عَلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى سَدِّ بَابِ الِاجْتِهَادِ خَوْفًا مِنْ تَشَتُّتِ الْأَحْكَامِ، وَلِأَنَّ الْمَذَاهِبَ الْمَوْجُودَةَ، وَهِيَ (الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ) قَدْ وَرَدَ فِيهَا مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ إلَّا أَنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الشِّيعِيُّونَ لَمْ يَزَلْ بَابُ الِاجْتِهَادِ مَفْتُوحًا عِنْدَهُمْ لِلْآنِ، وَفِيهِمْ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ وَبِلَادِ عَامِلٍ وَالْعِرَاقِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمًا مَبْنِيًّا عَلَى اجْتِهَادِهِ السَّابِقِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ ثَانٍ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمًا مَبْنِيًّا عَلَى اجْتِهَادٍ لِمُجْتَهِدٍ سَابِقٍ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُ اجْتِهَادًا عَلَى آخَرَ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَوْ الْحُكْمُ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الثَّانِي هُوَ أَصْوَبُ مِنْ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إنَّمَا هُوَ حُصُولُ غَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى إصَابَةِ الْمَرْمَى مَعَ احْتِمَالِ الْخَطَأِ فَكُلٌّ اجْتِهَادٌ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَوَابًا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ خَطَأً.
فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) كَانَ يُصْدِرُ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادِهِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) يَحْضُرُ جِلْسَاتِ الْحُكْمِ وَمَعَ أَنَّ رَأْيَهُ غَيْرُ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ فِي بَعْضِهَا، فَلَمْ يَنْقُضْ شَيْئًا مِنْهَا بَعْدَمَا عَهِدَ إلَيْهِ بِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ.
فَعَلَيْهِ اسْتِنَادًا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا حَاكِمٌ مِنْ حَاكِمٍ آخَرَ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْوَاحِدِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي أَصْدَرَهُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ اجْتِهَادًا مُخَالِفًا لِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَنْ يُعْطِيَ أَحْكَامًا وَآرَاءً مُخَالِفَةً لِرَأْيٍ أَوْ حُكْمٍ لَهُ سَابِقٍ. (مُسْتَثْنًى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) إذَا وُجِدَتْ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ تَقْتَضِي نَقْضَ اجْتِهَادِ مَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادٍ لَاحِقٍ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق