الصفحات

السبت، 6 يناير 2024

الطعن 154 لسنة 59 ق جلسة 6 / 4 / 1989 مكتب فني 40 ق 112 ص 661

جلسة 6 من إبريل سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب الخياط نائب رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم وأحمد جمال.

---------------

(112)
الطعن رقم 154 لسنة 59 القضائية

(1) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود. ما دام ذلك ممكناً. المادة 289 إجراءات. عدم جواز الافتئات على هذا الأصل لأية علة إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع.
دفاع المتهم عن نفسه حق مقدس. يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية.
لا يضير العدالة تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها إدانة بريء.
(3) إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". قانون "تفسيره".
طلب الدفاع سماع شاهد الإثبات الوحيد في الدعوى. جوهري. يوجب على الحكمة إجابته. علة ذلك؟
مصادرة المحكمة هذا الحق بدعوى إسقاط تلك الشهادة من عناصر الإثبات. غير جائزة علة ذلك؟
(4) دعوى جنائية. دعوى مدنية. نقض "أثر الطعن".
نقض الحكم في شقه الجنائي. يوجب نقضه أيضاً في شقه المدني. علة ذلك؟
(5) إعدام. نيابة عامة. محكمة النقض.
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها حضورياً بالإعدام بمجرد عرضها عليها. ولو تم بعد الميعاد.

---------------
1 - الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - الواجبة الإعمال أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من القانون ذاته - أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي، ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة واستقامته وصراحته، أو مراوغته واضطرابه هي من الأمور التي تعين القاضي في تقدير أقواله حق قدرها، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً.
2 - إن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق، وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء.
3 - لما كانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة الطاعن دون أن تجيب المدافع عنه إلى طلبه سماع شاهد الإثبات آنف الذكر، وكان هذا الطلب يعد طلباً جوهرياً لتعلقه بواقعات الدعوى، مما كان يتعين على المحكمة إجابته لإظهار وجه الحق في الدعوى، ولا يقبل منها ما أوردته من تعليل لرفض إجابته لما ينطوي عليه من معنى القضاء المسبق على دليل لم يطرح عليها وهو ما لا يصح في أصول الاستدلال. ذلك بأن القانون يوجب سؤال الشاهد أولاً، ثم بعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته، لاحتمال أن تجيء هذه الشهادة التي تسمعها المحكمة ويتاح للدفاع مناقشتها - بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى، كما لا يصح مصادرة الدفاع في ذلك بدعوى أن المحكمة قد أسقطت في حكمها شهادة شاهد الإثبات من عناصر الإثبات لعدم استطاعة الدفاع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع.
4 - نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعن في شقه الجنائي، يقتضي نقضه كذلك بالنسبة إليه في شقه المدني، لقيام مسئوليته عن التعويض على ثبوت ذات الواقعات التي دين بها.
5 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت هذه القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم، عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بعد ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون وطلبت إقرار الحكم، إلا أن تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى - ما دام الحكم صادراً فيها حضورياً بالإعدام - بمجرد عرضها عليها وتفصل فيها لتستبين - ومن تلقاء نفسها ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من أخطاء أو عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة العامة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية شكلاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل.... عمداً بأن انهال عليها طعناً بسلاح حاد "سكين" قاصداً قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي أودت بحياتها. وقد اقترنت بهذه الجناية جنايتان أخريان الأولى تقدمتها والثانية تلتها هما: أن المتهم في ذات الزمان والمكان. أولاً: شرع في وقاع المجني عليها السالف ذكرها بغير رضاها بأن هم بها محيطاً إياها بذراعيه وأمسك بصدرها في محاولة لتجريدها من ملابسها بغية مضاجعتها كرهاً عنها وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مقاومة المجني عليها له وإصرارها على عدم مساسه بها. ثانياً: قتل الطفل..... (ابن المجني عليها آنفة الذكر) عمداً بأن انهال عليه طعناً بذات الأداة السابقة قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف والواردين بأمر الإحالة. وادعى...... مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قررت إحالة الأوراق إلى فضيلة مفتي الجمهورية. وحددت جلسة...... للنطق بالحكم وبالجلسة المحددة قضت المحكمة حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 - 2 من قانون العقوبات وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً عما أسند إليه وبإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. وذلك بعد أن استبعدت جناية الشروع في الوقاع من الاتهام.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... كما عرضت النيابة العامة القضية في....... بمذكرة مشفوعة برأيها.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد المقترن بجناية قتل عمد وقضى بإعدامه، قد انطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الدفاع عن الطاعن تمسك بسماع شاهد الإثبات الوحيد في الدعوى إلا أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه وقضت في الدعوى، مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه البين من محضر جلسة 7/ 4/ 1988 أن المدافع عن الطاعن تمسك في مفتتح دفاعه بسماع شاهد الإثبات العقيد...... الذي تسلم من الطاعن إقراراً مكتوباً يقر فيه بارتكابه الوقائع المسندة إليه، كما تمسك في مختتمه بهذا الطلب فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة 5/ 5/ 1988 وفيها أصدرت حكمها المطعون فيه. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم أنه عقب تصويره واقعة الدعوى كما ارتسمت في وجدان محكمة الموضوع أورد ما نصه "وقدم المتهم بعد ثلاثة أيام من ارتكاب الحادث إقراراً مكتوباً يقر فيه تفصيلاً بارتكابه الحادث على النحو السالف بيانه"، ثم عرض لطلب الدفاع وأطرحه بقوله "وحيث إنه عن طلب الدفاع استدعاء الشاهد العقيد شرطة...... لمناقشته فإن المحكمة لم تعول في قضائها على أقوال هذا الشاهد والذي اقتصر دوره على تلقي إقرار المتهم واعترافه المكتوب منه ومن ثم فلا تأثير لشهادته أو أقواله في الفصل في الدعوى وعلى ذلك تلتفت المحكمة عن هذا الطلب". وإذ كان ذلك وكان البين من المفردات أن الشاهد المطلوب سماع أقواله - العقيد...... هو شاهد الإثبات الوحيد الذي استندت النيابة العامة إلى شهادته اعتباراً بأنه هو الذي قام بضبط الواقعة ومعاينة مكان ارتكابها وإجراء التحريات فيها التي أسفرت عن أن الطاعن هو مرتكب الحادث ثم تلقى من الطاعن إقراره الذي يقر فيه بارتكابه الوقائع المسندة إليه. لما كان ذلك، وكان الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - الواجبة الإعمال أمام محاكم الجنايات عملاً بالمادة 381 من القانون ذاته - أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي، ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة واستقامته وصراحته، أو مراوغته واضطرابه هي من الأمور التي تعين القاضي في تقدير أقواله حق قدرها، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً - ذلك لأن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسح لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق، وهو ما تأباه العدالة اشد الإباء، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء، لما كان ذلك وكانت المحكمة قد انتهت إلى إدانة الطاعن دون أن تجيب المدافع عنه إلى طلبه سماع شاهد الإثبات آنف الذكر، وكان هذا الطلب يعد طلباً جوهرياً لتعلقه بواقعات الدعوى، مما كان يتعين على المحكمة إجابته لإظهار وجه الحق في الدعوى، ولا يقبل منها ما أوردته من تعليل لرفض إجابته لما ينطوي عليه من معنى القضاء المسبق على دليل لم يطرح عليها وهو ما لا يصح في أصول الاستدلال، ذلك بأن القانون يوجب سؤال الشاهد أولاً، ثم بعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته، لاحتمال أن تجيء هذه الشهادة التي تسمعها المحكمة ويتاح الدفاع مناقشتها - بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى، كما لا يصح مصادرة الدفاع في ذلك بدعوى أن المحكمة قد أسقطت في حكمها شهادة شاهد الإثبات من عناصر الإثبات لعدم استطاعة الدفاع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع بما يبطله ويوجب نقضه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقي وجوه الطعن. لما كان ذلك، وكان نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعن في شقه الجنائي، يقتضي نقضه كذلك بالنسبة إليه في شقه المدني، لقيام مسئوليته عن التعويض على ثبوت ذات الواقعات التي دين بها، فإنه يتعين أن يكون النقض شاملاً ما قضى به الحكم في الدعويين الجنائية والمدنية، مع إلزام المدعي بالحقوق المدنية المصاريف المدنية.
ومن حيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت هذه القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم، عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بعد ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون وطلبت إقرار الحكم، إلا أن تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة، بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى - ما دام الحكم صادراً فيها حضورياً بالإعدام - بمجرد عرضها عليها وتفصل فيها لتستبين - ومن تلقاء نفسها ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من أخطاء أو عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة العامة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية شكلاً. لما كان ما تقدم، وكانت هذه المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم المطعون فيه والإعادة، فإنه يتعين رفض مذكرة النيابة العامة فيما طلبته من إقرار الحكم بإعدام المحكوم عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق