الصفحات

الجمعة، 22 ديسمبر 2023

الطعن 185 لسنة 37 ق جلسة 8 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 24 ص 241

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة/ علي شحاته محمد سليمان وعلي رضا عبد الرحمن رضا ومحمد منير جويفل ويحيى أحمد عبد المجيد - نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------

(24)

الطعن رقم 185 لسنة 37 القضائية

دعوى - دعوى البطلان الأصلية - حالاتها - ما يخرج من نطاقها.
إذا كان المتقاضي قد استنفد طرق الطعن في الأحكام وعّن له إقامة دعوى بطلان أصلية في حكم نهائي أو طعن بالتزوير في إجراء تعلق به فهذا حقه - شرط ذلك: أن يترفق بأوضاع القضاء ورجاله وأن يتوخى الحيطة والحذر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وعليه ألا يتخذ من إجراءات التقاضي ستاراً للتطاول على أحد أو النيل منه بغير حق وألا يجتزئ من الأوراق نتفاً متفرقة يحاول الجمع بينها برباط واهي العرى ليصنع منها ثوباً يستعصى على الحقيقة لبسه - سبب ذلك: حتى لا تكون دعوى البطلان الأصلية ذريعة للالتفاف حول حجية الأحكام النهائية ومحاولة المساس بها - سرية المداولة في الأحكام شأنها شأن حجيتها - نتيجة ذلك: أن رئيس وأعضاء المحكمة المنوط بهم إصدار حكم في قضية ما عادة ما يخلون إلى أنفسهم للمشورة وتقصي حقيقة المنازعة وساعتها لا يستصحبون معهم سوى رأيهم وعزمهم وذلك ليقطعوا فيها بحكم يحسم المنازعة فإذا ما حاز حجية الأمر المقضي كان عنواناً للحقيقة التي يزول بعدها كل خلاف - توافر كل ذلك بالنسبة للحكم المطلوب القضاء ببطلانه - نتيجة ذلك: لا يحق للطاعن أن يدعي علماً بنوات من تداولوا في الحكم وباشتراك أحد المستشارين خلاف من أصدروا الحكم ووقعوا على مسودته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في 27/ 11/ 1990 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور المحامي المنتدب للدفاع عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن في الحكم الصادر من المحكمة (الدائرة الثالثة) بجلسة 24/ 4/ 1990 في الطعن رقم 2606 لسنة 33 والذي قضى بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات. وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم ببطلان ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في الطعن المشار إليه، والفصل فيه مجدداً في ضوء هذه المطاعن الجوهرية (الواردة بتقرير الطعن).
هذا وقد أعلن تقرير الطعن لجهة الإدارة المطعون ضدها، كما بادرت هيئة مفوضي الدولة إلى إيداع تقرير بالرأي القانوني في الطعن اقترحت فيه الحكم برفض دعوى البطلان الأصلية وإلزام الطاعن بالمصروفات.
بعدها وفي 19/ 2/ 1992 قام الطاعن بالادعاء بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2606 لسنة 33 ق عليا حيث قيد طعنه بالتزوير برقم 656 لسنة 38 ق، وفيه قام بإعلان شواهد التزوير المدعى به في الطعن الماثل "رقم 185 لسنة 37 ق. ع" ومن ثم بادرت هيئة مفوضي الدولة إلى إيداع تقرير تكميلي في خصوص الطعن بالتزوير ارتأت فيه الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون، فأمرت بإحالته إلى هذه المحكمة (الدائرة الثالثة) التي تداولت نظره واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات وإيضاحات ذوي الشأن على النحو الثابت بالمحاضر، وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 10/ 11/ 1992 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن أقيم في الميعاد مستوفياً أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً، لذا فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن سبق أن أقام الدعوى رقم 3649 لسنة 38 ق ضد السيد/ وزير الداخلية بصفته بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 16/ 4/ 1984، وطلب فيها الحكم أولاً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. ثالثاً: بإلزام المدعى عليه بصفته بالتعويض عما لحقه من ضرر مادي وأدبي والمصروفات.
وأورد الطاعن (المدعي) بياناً لدعواه أمام محكمة أول درجة، أن السيد/ وزير الداخلية أصدر القرار رقم 149 لسنة 1984 بتاريخ 5/ 3/ 1984 متضمناً ترقيته إلى رتبة لواء مع إحالته إلى المعاش اعتباراً من 1/ 4/ 1984، وأنه تظلم من هذا القرار في المواعيد القانونية، وإزاء عدم إنصافه فقد بادر بإقامة الدعوى ناعياً على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون والانحراف بالسلطة فضلاً عما ترتب على القرار المطعون فيه من أضرار مادية وأدبية لحقت به، ومن ثم فقد خلص إلى التماس إجابته إلى طلباته سالفة الإيراد.
ورداً على الدعوى تقدمت جهة الإدارة المدعى عليها بحافظتي مستندات اشتملتا على ملف خدمة الطاعن وصورة القرار المطعون فيه ومذكرة وزارة الداخلية بخصوصه، كما تقدمت هيئة قضايا الدولة بمذكرتين شارحتين لدفاع هذه الجهة خلصت فيهما إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
وبجلسة 19/ 1/ 1987 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وبنت قضاءها على أسباب وجيزها أن الحكمة التشريعية من وراء تخويل جهة الإدارة سلطة الاختيار المطلق في الترقية إلى رتبة لواء عملاً بنص المادة 19 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 مع إحالة من لا يقع عليه الاختيار للترقية إلى المعاش هو ترك حرية الاختيار لجهة الإدارة، فيتم بتقلد المناصب الرئيسية بحسب ما تقدره وتطمئن إليه من حيث توافر عناصر الكفاية والصلاحية، وحتى ينفسح المجال للترقي أمام عدد كبير من الضباط ابتغاء حسن سير مرفق الأمن العام، وتتميز هذه السلطة التقديرية بأنها سلطة واسعة لا يحدها إلا عيب إساءة استعمل السلطة أو الانحراف بها، وهذا العيب من العيوب القصدية التي يلزم إقامة الدليل عليها، ولا يصح القول بوجود دليل على الانحراف بالسلطة أن تكون المآخذ المأخوذة على الضابط غير ثابتة بشكل قاطع طالما أن ثمة شبهات قوية تحمل الجهة الإدارية على الاعتقاد بعدم صلاحية الضابط للاستمرار في الخدمة. وقد أفصحت الجهة الإدارية عن سبب إحالة المدعي إلى المعاش إلى عدة مخالفات أوردها الحكم تفصيلاً. وبخصوص موضوع الدعوى الماثلة فإن الجهة الإدارية قد استخدمت سلطتها التقديرية لاعتبارات قدرتها وهي ضعف شخصية المدعي وعدم نزاهته وتحقيقه مكاسب شخصية خلال عمله. وأنه لا يجوز الاحتجاج في هذا الشأن بأن الجهة الإدارية لم تتخذ أي إجراء مع المدعي، ولم تحقق معه لأن ذلك لا ينفي أن ثمة وقائع معينة أعطت انطباعاً معيناً في سلوكيات المدعي. ومن ثم تكون الجهة الإدارية قد مارست سلطتها التقديرية في الحدود المرسومة بغير تعسف أو انحراف ويكون طلب إلغاء القرار المطعون فيه غير قائم على أساس متعين الرفض.
لم يرتض المدعي هذا الحكم، وطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن المقيد بجدولها العام تحت رقم 2606 لسنة 33 ق عليا، ومبنى طعنه هذا هو مخالفة ذلك الحكم للقانون وما جرى عليه القضاء الإداري من أنه متى أفصحت الجهة الإدارية عن أسباب قرارها فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة القضاء. وإذ نسبت الجهة الإدارية إلى الطاعن وقائعاً مرسلة بغير دليل كضعف الشخصية وعدم القدرة على التوجيه والإدارة وسايرها في ذلك الحكم المطعون فيه دون النظر إلى الوقائع الثابتة التي تشهد بكفاءة الطاعن ونزاهته وتقاريره السرية الممتازة وحصوله على علاوات تشجيعية. فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبإلغاء القرار المطعون فيه.
وبجلسة 24/ 4/ 1990 قضت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات، وقوام قضاء هذه المحكمة أن المادة 19 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تقضي بأن الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار المطلق. وهذا ينطوي على تخويل جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في انتقاء أفضل العناصر لتقلد المناصب القيادية بهيئة الشرطة. وأنه يتعين أن يجرى هذا الانتقاء أو الاختيار بين عناصر تتميز كلها بالصلاحية. وهو ما تحتمه طبيعة الأمور أمام حشد من الضباط ينتظرون الترقية لرتبة لواء ويتزاحمون على عدد محدود من الوظائف. وقد منح المشرع جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في هذا الشأن تمارسها بهدف تحقيق الصالح العام، ويتضح ذلك من عجز المادة ذاتها والتي تقضي بأن من لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته لرتبة لواء. وبذلك قلب القاعدة التي كان منصوصاً عليها في المادة 17 من قانون هيئة الشرطة السابق رقم 61 لسنة 1964 والتي لم تكن تجيز ترقية الضباط المحال إلى المعاش إلى رتبة لواء......، وبذلك جعل المشرع الترقية إلى رتبة لواء وجوبية إلا إذا كانت هناك أسباب هامة يرى معها المجلس الأعلى للشرطة إحالة الضابط إلى المعاش دون ترقية إلى رتبة لواء. ففي هذه الحالة لا بد أن تتوافر أسباب على درجة من الأهمية يرى معها المجلس الأعلى للشرطة عدم ترقيته ومن هنا يظهر الفارق بين السلطة المخولة لجهة الإدارة في هذا الخصوص. وهي سلطة مقيدة بتوافر الأسباب الهامة، وبين سلطة الترقية بالاختيار التي تمارسها الإدارة بهدف تحقيق الصالح العام بانتقاء أفضل العناصر لتولي المناصب القيادية بهيئة الشرطة.
وبعد أن استعرضت المحكمة المطاعن التي نسبتها جهة الإدارة لسلوك الطاعن - والتي بني عليها قرار إحالته إلى المعاش - خلصت إلى أن في ثبوت بعض هذه المثالب في شأن الطاعن ما يغني عن تعقب باقي المخالفات والتحقيق في كل منها على حده. لأن الأمر يقتصر على النظر لتلك المخالفات في مجموعها وباعتبارها كافية لتكوين عقيدة جهة الإدارة بعدم اختيار الطاعن للترقية إلى رتبة اللواء العامل، وبالتالي يكون قرار إحالته إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة اللواء قد قام عناصر صحيحة وثابتة ولها أصل في الأوراق. وهي عناصر كافية لتكوين عقيدتها في عدم اختيار الطاعن للترقية إلى رتبة لواء عامل.
وحيث إن قوام الطعن الماثل ما يلي: -
أولاً: الخطأ الإجرائي الجسيم. إذ أن الأستاذ المستشار رئيس المحكمة الإدارية العليا لم يوقع محاضر الجلسات أثناء تداول الطعن أمام المحكمة، مما يفقد القرارات التي تصدرها المحكمة قوتها القانونية. بل لم يوقع على مسودة الحكم. وبذلك يفقد الحكم قوته القانونية. لأنه لا يتأكد بصفة قاطعة ورسمية المداولة قبل صدور الحكم وفقاً لما تقضي به المادة 169 مرافعات.
ثانياًَ: الإخلال الجسيم بحق الدفاع. إذ أنه بعد أن حجزت المحكمة الطعن للحكم تبين ضرورة ضم مستندات معينة، فأعادت الدعوى للمرافعة وكلفت الجهة الإدارية بتقديم هذه المستندات، وقد أعطت المحكمة للجهة الإدارية آجالاً امتدت حوالي سنة. إلا أنها لم تقدمها، ورغم ذلك أعفت المحكمة الجهة الإدارية من هذا الالتزام الذي يمثل ضمانات جوهرية للطاعن. فإذا فصلت المحكمة في الطعن رغم عدم تقديم هذه المستندات فإن ذلك يمثل إخلالاً خطيراً بحق الدفاع يبطل الحكم.
ثالثاً: انتفاء صفة الأحكام القضائية، إذ أن المستشار......... قد شارك في حكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر في الدعوى رقم 3649 لسنة 38 واستمر سيادته في مباشرة نفس الدعوى عند نظر الطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالمخالفة لنص المادة 146/ 5 من قانون المرافعات.
لذا تقدم الطاعن بمذكرة شارحة لدفاعه وحافظة بالمستندات اشتملت على صورة طبق الأصل من الطلب المقدم منه بتاريخ 13/ 5/ 1990 للحصول على صور رسمية من محاضر جلسات المحكمة الإدارية العليا في الطعن 2606 لسنة 33 ق، وصور ضوئية طبق الأصل من المحاضر.
وأشار الطاعن في مذكرة دفاعه إلى أن أصول محاضر الجلسات المرسلة من مجلس الدولة إلى هيئة مفوضي الدولة تختلف عن مثيلاتها المسلمة للطاعن كصور رسمية طبق الأصل. وذلك بوضع اسم السيد المستشار........... بين قوسين مع إضافة عبارة صح. واستبدال محضري جلستي 10، 17/ 4/ 1990 الأمر الذي يتضمن تغييراً جوهرياً في أوراق الدعوى بقصد إخفاء اشتراك الأستاذ المستشار......... ضمن تشكيل المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) الذي باشر سماع المرافعة حتى حجز الدعوى بتاريخ 13/ 3/ 1990 للحكم لجلسة 10/ 4/ 1990. ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 17/ 4/ 1990 ثم لجلسة 24/ 4/ 1990 لإتمام المداولة.
وبجلسة 4/ 2/ 1992 صرحت المحكمة للطاعن بسلوك سبيل الطعن بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2606 لسنة 33 ق عليا. ومن ثم بادر الطاعن إلى إعلان شواهد التزوير المدعى بها في الطعن الماثل "دعوى البطلان الأصلية رقم 185 لسنة 37 ق عليا" وذلك بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 19/ 12/ 1992 أشار فيها إلى ما سبق أن أورده بمذكرته. وأضاف أنه يستند في التقرير بالطعن إلى الشواهد التالية:
أن الثابت من مطالعة محاضر الجلسات المقدمة من الطاعن والمستخرجة صوراً رسمية طبق الأصل أن السيد الأستاذ المستشار/ ....... كان من بين أعضاء الهيئة التي نظرت الطعن حتى جلسة 17/ 4/ 1990 حيث سبق له سماعها والاشتراك في نظرها طوال جلسات المرافعة حال نظر الطعن مع احتمال تأثر أعضاء الهيئة التي اشتركت فعلاً في المداولة وإصدار الحكم بما يكون قد أبداه من آراء حال نظر وسماع الدعوى، ولا يقدح في هذا أو ينال منه ما ورد بمحضر جلسة 10/ 4/ 1990 المحرر على النموذج المطبوع من وضع اسم سيادته بين قوسين والتأشير بكلمة (صح) حيث أن ما سبق هذه الجلسة من جلسات تبدأ من جلسة 11/ 10/ 1988 وحتى 13/ 3/ 1990 لم يؤشر على اسم سيادته بمثل هذا الأمر الذي مفاده ثبوت اشتراك سيادته في نظر الدعوى وسماعها وهو مبطل للحكم حتى ولو ثبت فعلاً عدم اشتراكه في المداولة وإصدار الحكم....... إضافة إلى وجود الاختلاف بين الصور الرسمية التي قام المدعي باستخراجها وهي مكتوبة على النموذج المطبوع الذي يبدأ بجلسة 9/ 1/ 1990 وينتهي بجلسة 17/ 4/ 1990 وكلها تحمل عبارة (بالهيئة السابقة) وبين النموذج المطبوع المقدم ضمن أوراق الدعوى والذي يبدأ بجلسة 10/ 4/ 1990........ ومن ثم صار تغيير الحقيقة يجعل واقعة غير صحيحة في صورة واقعة صحيحة مع العلم بذلك. الأمر الذي يكون جريمة التزوير في أوراق رسمية إضافة إلى جريمة اختلاس محاضر الجلسات الأصلية والتي صار تغييرها والعبث بها.
وقد تقدمت هيئة قضايا الدولة بمذكرة شارحة لدفاع جهة الإدارة المطعون ضدها خلصت فيها إلى طلب الحكم بعدم قبول دعوى البطلان الأصلية مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا تختص بالفصل في طلب إلغاء الحكم الصادر منها إذا ما شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى البطلان الأصلية، ولا يكون ذلك إلا إذا كان الحكم المطعون فيه يمثل إهداراً للعدالة، ويفقد الحكم فيها وظيفته وتنتفي عنه صفة الحكم القضائي كأن يصدر الحكم عن مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية أو يقترن الحكم بعيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية، ولا ريب أن الطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا هو استثناء ينطوي على مساس بحجية الحكم المطعون فيه، وبذلك يقف هذا الاستثناء عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم يصيب الحكم ويفقده صفته كحكم قضائي له حجيته بوصفه قد صدر من المحكمة الإدارية العليا وهي أعلى محكمة طعن في القضاء الإداري "حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 30/ 4/ 1988 في الطعن رقم 3415 لسنة 33 ق عليا مجموعة أحكام السنة 33 ق ج 2 ص 1418".
وحيث إن المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية: 1) ........ 2) ........ 3) ....... 4) ........ 5) إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً، أو كان قد أدى شهادة فيها". كما تقضي المادة 147 من قانون المرافعات بأن "يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم". وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
وحيث جرى قضاء هذه المحكمة على تطبيق الأسس الواردة في المادة 146 من قانون المرافعات على ما تصدره محاكم القضاء الإداري من أحكام لتعلقها بأسس النظام القضائي وما تقتضيه من اطمئنان الخصوم إلى حيدة القاضي ومن نأى به عن مظنة الشبهة. إلا أن توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية في أحد أعضاء المحكمة الذين لم يشتركوا في إصدار الحكم أو المداولة فيه لا يؤدي إلى بطلان الحكم، نظراً لأن عدم الصلاحية أمر شخصي لا يجاوز شخص القاضي الذي يقوم به، ولا يتأثر به من يجلسون معه في الدائرة التي يزيد عدد أعضائها على النصاب الذي تصدر به في أحكام المحكمة.
"في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارة العليا الصادر بجلسة 17/ 6/ 1979 في الطعن رقم 593 لسنة 24 ق مجموعة أحكام الخمسة عشر عاماً ص 122".
وحيث إن محاضر الجلسات قد أعدت لإثبات ما يجرى في الجلسة من إجراءات، وبيان كيفية تشكيل المحكمة التي تنظر الدعوى، وإذا كان العمل في المحاكم قد جرى على طبع نماذج لمحاضر الجلسات متضمنة أسماء السادة مستشاري المحكمة في بداية كل عام قضائي فإن عدم اشتراك أحد المستشارين في المداولة أو اعتذاره عنها يوجب على كاتب الجلسة أن يؤشر أمام اسمه بما يفيد ذلك، فإذا أغفل كاتب الجلسة اتخاذ هذا الإجراء مع ثبوت عدم اشتراك عضو المحكمة في المداولة وإصدار الحكم، فإن هذا الخطأ المادي لا يترتب عليه بطلان الحكم، إلا أن تصحيح هذا الخطأ يجب أن يستمد ما هو ثابت من محضر جلسة المرافعة السابق على حجز الدعوى للنطق بالحكم والذي يعتبر مكملاً له.
وحيث يبين من مطالعة محضر الجلسة الأخير المنعقدة في 10/ 4/ 1992 أنه قد تأشر بعلامة "صح" قرين اسم السيد الأستاذ المستشار/ ......... الذي لم يشترك في إصدار الحكم المطعون فيه حسبما هو ثابت من مطالعة مسودته. إذ تضمن أسماء هيئة المحكمة التي أصدرت هذا الحكم وتتكون من خمسة مستشارين هم السادة الأساتذة.......، و.....، و......، و......، و......، وهم الذين حضروا جلسة المرافعة الأخيرة بتاريخ 13/ 3/ 1990 الأمر الذي يستفاد منهم اشتراكهم في المداولة دون السيد الأستاذ المستشار/ ..........
وحيث إنه لا يغير من أحداث هذا الأثر عدم حذف اسم الأستاذ المستشار........ بوضعه بين قوسين في محضر الجلسة المطبوع وفي الصورة المسلمة للطاعن بناءً على طلبه، إذ أن هذا الخطأ المادي من كاتب الجلسة لا يؤثر في سلامة الحكم لما هو مسلم به من أن توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية في أحد أعضاء المحكمة الذين لم يشتركوا في إصدار الحكم والمداولة فيه لا يؤدي إلى بطلان الحكم نظراً لأن عدم الصلاحية أمر شخصي لا يجاوز شخص القاضي الذي يقوم به، ولا يتأثر به من يجلسون معه في الدائرة التي يزيد عدد أعضائها على النصاب الذي تصدر به أحكام المحكمة "الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 17/ 6/ 1979 في الطعن رقم 593 لسنة 24 ق والآنف بيانه وعليه يكون هذا الوجه من أوجه الطعن في غير محله متعيناً الالتفات عنه.
أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من وجود خطأ إجرائي مبني على عدم توقيع رئيس المحكمة على مسودة الحكم ومحاضر الجلسات فهو مردود بما هو ثابت من الاطلاع على هذه المحاضر من حصول توقيع رئيس المحكمة أو من ناب عن سيادته عليها، وكذلك توقيعه على مسودة الحكم.
أما عن الوجه الثاني من أوجه الطعن وما ادعاه الطاعن من عدم تنفيذ قرار المحكمة بضم كامل المستندات التي طلبتها من جهة الإدارة، فمردود بدوره بما ثبت من قيام هذه الجهة بتقديم معظم المستندات التي طلبت منها، وبأن تقدير مدى كفاية هذه المستندات إنما هو أمر راجع للمحكمة، سيما وقد بني الحكم على ما يكفي لحمله من أسباب، وقام على أسانيد تنأى عن معاودة النظر فيها باعتباره حكماً قضائياً نهائياً، لا يجوز الطعن فيه إلا إذا انتفت عنه صفة الأحكام القضائية، وهو ما لم يتحقق مما يتعين معه الالتفات عن هذا الطعن.
وحيث سبق للطاعن أن ادعى بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2606 لسنة 33 ق عليا وباختلاس بعض هذه المحاضر، وإذ تبين أن هذا الطعن بالتزوير لا أثر له في تحديد مدى سلامة الحكم، فحتى مع التسليم بورود عبارة "صح" أمام اسم السيد المستشار/ ......... في محاضر جلسات الطعن المرفقة وخلو الصور الرسمية المقدمة من الطاعن من هذه العبارة فإن الحكم يظل سليماً ولا يلحقه البطلان وعليه يكون الطعن بالتزوير في غير محله متعيناً القضاء برفضه مع إلزام الطاعن مصروفاته.
ولازم ما تقدم أنه إذا كان المتقاضي قد استنفد طرق الطعن في الأحكام، وعّن له إقامة دعوى بطلان أصلية في حكم نهائي، أو طعن بالتزوير في إجراء تعلق به أو غير ذلك من إجراءات ورخص كفلها له القانون، فهذا حقه، ولا لوم عليه أن سعى إلى ممارسته، لكن عليه عند استعمال هذا الحق أن يترفق بأوضاع القضاء ورجاله، وأن يتوخى الحيطة والحذر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يؤثر السلامة والعافية لنفسه وللعدالة. ولا يتخذ من إجراءات التقاضي ستاراً للتطاول على أحد أو النيل منه بغير حق، وألا يجتزئ من الأوراق نتفاً متفرقة يحاول الجمع بينها برباط واهي العرى ليصنع منها ثوباً يستعصى على الحقيقة لبسه.
على المتقاضي إذن - مدعياً كان أم طاعناً - أن يتحرى حقيقة ما عساه يساوره من ظنون ليتثبت من أمره قبل الإقدام على إجراء له ما بعده، وحتى لا تكون دعوى البطلان الأصلية ذريعة للالتفاف حول حجية الأحكام النهائية ومحاولة المساس بها.
وليس من شك في أن سرية المداولة في الأحكام شأنها شأن حجيتها، إنما تعتبر مبدأ من المبادئ التي يرتفع عليها سمك النظام القضائي كله، ومن ثم فإن رئيس وأعضاء المحكمة المنوط بهم إصدار حكم في قضية ما، عادة ما يخلون إلى أنفسهم للمشورة وتقصي حقيقة المنازعة وطرح وجهات نظرهم بشأنها، وساعتها لا يستصحبون معهم سوى رأيهم وعزمهم، فإذا ما خلوا إلى أنفسهم تداولوا فيما يتيسر لهم من أمور متعلقة بهذه القضية ليقطعوا فيها بحكم يحسم المنازعة، فإذا ما حاز حجية الأمر المقضي كان عنواناً للحقيقة التي يزول بعدها كل خلاف.
وإذا كان هذا هو الحاصل بشأن الحكم المطلوب القضاء ببطلانه، وأنه صدر بعد مداولة سرية، فكيف بالطعن يدعي علماً بذوات من تداولوا فيه، وباشتراك أحد المستشارين في ذلك خلاف من أصدورا الحكم ووقعوا على مسودته، وأشير إلى أسمائهم كاملة في ديباجته.
أن الطاعن من رجال القانون غش ساحات القضاء أمداً طويلاً منذ أقام دعواه ابتداءً في 16/ 4/ 1984، ولا ريب أنه لمس طوال سنى نظر منازعته أن ثمة عرفاً قد تواتر في المحاكم على اختلاف طبقاتها، إذ يجلس للقضاء فيها عدد من المستشارين أو القضاة يربو على النصاب المتطلب قانوناً لإصدار أحكامها وأن هذا أمر اقتضاه حسن سير العدالة دون أن يؤثر من قريب أو بعيد على مبدأ سرية المداولات، ومن ثم فقد كان حرياً بالطاعن أن يلتفت عن هذا الدفاع الذي لا ظل له من الواقع أو القانون.
والبادي من دعوى البطلان الأصلية الراهنة أن قوامها هو الإخلال الجسيم بحق الدفاع مع أن الحكم المطلوب القضاء ببطلانه صدر بعد تداع ومرافعة في منازعة استغرق نظرها سنين عدة أمام درجتي التقاضي، وهي وإن اتسمت بطول أمدها، إلا أنها تشهد برحابة صدر القضاء الإداري بطبيعته، وبرويته وأمانته وإمعانه في كفالة حق الدفاع للطاعن حتى ثقل ملف الطعن، وحفل بالعديد من المستندات والصحف والمذكرات التي قدمها الطاعن استهلالاً وشرحاً وتعقيباً، وامتلأت محاضر الجلسات إثباتاً للمرافعات والملاحظات المبداة شفاهة، حتى كاد الطاعن أن يسرف على نفسه في استعماله لحقه هذا فهو تارة يدعي بالتزوير في محاضر الجلسات واختلاس بعضها والعبث بها، وتارة يحاول بث الشك في سرية المداولات، وبعدها يطلب استبدال كاتب الجلسة بكاتب آخر، ثم يجري تقصير موعد نظر هذا الطعن بناءً على التماسه، والمحكمة في هذا وذاك تحمل نفسها على الإنصاف لا تحيد عنه، وتأذن له بكل ممارسة من رخص وإجراءات، رغم ما بدا لها من الوهلة الأولى أن هذه الممارسة قد تتطرق بصاحبها إلى المساس برموز القضاء وقيمه الراسخة وعمده التي يرتكز عليها.
والمحكمة هنا لا تمن ولا تستعلي فهذا واجبها ورسالتها، ولكن حسبها الإشارة إلى أن الطاعن ذهب في ممارسته لحق الدفاع مذهباً بعيداً لم يكون ليتح له، لو لا توفيق من الله ورحابة في الصدر وتذرع بالصبر وإمعان في رعاية هذا الحق الذي زعم الإخلال الجسيم به.
وحيث سبق للطاعن أن ادعى بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2066 لسنة 33 ق عليا، وباختلاس بعض هذه المحاضر على نحو ما سلف بيانه في حينه، وإذ تبين أن هذا الطعن بالتزوير متعين القضاء برفضه.
وحيث تقضي المادة 56 من القانون رقم 25 لسنة 1968 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 بأنه "إذا حكم بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه حكم عليه بغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تجاوز مائة جنيه..... إلخ".
وإذ أخفق الطاعن في ادعائه التزوير، لذا فإنه إعمالاً بهذا النص تقضي المحكمة بتغريم الطاعن مبلغ (100 ج) مائة جنيه.
وحيث إن من خسر الدعوى أو الطعن يلزم مصاريفه إعمالاً لنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وبتغريم الطاعن مبلغ (100 ج) مائة جنيه لما أشير إليه بالأسباب، كما ألزمته المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق