الصفحات

الأربعاء، 27 ديسمبر 2023

الطعن 1568 لسنة 34 ق جلسة 12 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 27 ص 274

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وعلي فكري صالح وسعيد أحمد برغش - نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------

(27)

الطعن رقم 1568 لسنة 34 القضائية

مسئولية تأديبية - حدود مسئولية الطبيب عن أعماله - دور الأعراف المهنية.
التزام الطبيب ليس التزاماً بتحقيق نتيجة وإنما هو التزام ببذل عناية الرجل الحريص - تدق صور هذه العناية بالنسبة للجراح - أياً كان مبلغ قوة الأعراف المهنية الخاصة فإنه من غير المقبول أن تفرض هذه الأعراف على المجتمع إذا تضمنت ما يستكرهه الفهم وتأباه طبيعة الأمور - المنطق يأبى تقرير مسئولية الممرضة عن نسيان فوطة في بطن المريض لمجرد أن التعليمات تلزم ممرضة العمليات بعد الأدوات قبل وبعد العملية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 12/ 4/ 1988 أودع الأستاذ/ محمود الطوخي المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1568 لسنة 34 ق في القرار الصادر من مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بجلسة 12/ 3/ 1988 والقاضي بمجازاة الطاعن بتأجيل ترقيته عند استحقاقها لمدة سنة وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه والقضاء ببراءته مما نسب إليه وإلزام الجامعة المصروفات وقد أعلن تقرير الطعن إلى رئيس جامعة عين شمس بتاريخ 23/ 4/ 1988 وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقرير بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11/ 3/ 1992 وتدوول بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر حيث قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته على أساس أنه وإن كان موقع الجراح على قمة الفريق القائم بالعملية، إلا أن ذلك لا يعني مسئوليته عما يرتكبه أي منهم من أخطاء خاصة أنه لا يختار مساعديه في العملية كما قدمت جامعة عين شمس مذكرة طلبت في ختامها رفض الطعن وبجلسة 8/ 7/ 1992 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره جلسة 17/ 10/ 1992 ثم تأجل لجلسة 14/ 11/ 1992 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 28/ 11/ 1992 ثم مد لجلسة اليوم حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد صدر بجلسة 12/ 3/ 1988 وأن تقرير الطعن الماثل فيه قد أودع قلم كتاب المحكمة بتاريخ 12/ 4/ 1988 فمن ثم يكون الطعن قد أودع بمراعاة المواعيد القانونية المقررة بما يتعين معه الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع فإن وقائعه تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 21/ 9/ 1983 حضرت السيدة.... إلى استقبال الولادة بمستشفى الدمرداش وتم إدخالها للمستشفى، وقام الطاعن بإجراء جراحة قيصرية لها لوجود الجنين في غير الحالة الطبيعية، وتمت الولادة بنجاح إلا أن المريضة ظلت تعاني ولمدة سبعة أيام بعد العملية من ارتفاع في درجة الحرارة غير معلوم السبب وأنه بعد خروجها من المستشفي - طوعاً أو كرهاً - زادت حالتها سوءاً مما اضطرها للجوء إلى طبيب خاص حيث تم عمل أشعة لها تبين منها وجود جسم غريب في البطن فتم إبلاغ النيابة العامة التي أجرت تحقيقاً في الموضوع، وأحالت المريضة إلى مستشفى الزهراء الجامعي حيث تم عمل استكشاف في الجانب الأعلى والأيسر من البطن، وتم العثور على فوطة بطن من الشاش مما يستعمل في التنشيف في عمليات فتح البطن، وأن الفوطة وجدت ملتصقة تماماً بالأمعاء الدقيقة والقولون، وتم إخراج الفوطة وإجراء الجراحة اللازمة للأمعاء المتهتكة وجدار البطن، وقد انتهت النيابة العامة من تحقيقاتها إلى مسئولية الطاعن الطبيب...... المدرس بكلية طب جامعة عين شمس الذي أجرى جراحة القيصرية للمريضة وكذا الممرضة المساعدة له في العملية....... وتمت إحالتهما إلى المحاكمة الجنائية حيث قضي ابتدائياً واستئنافياً بعقاب كل منهما بغرامة مائة من الجنيهات وإلزامهما بتعويض مؤقت مقداره مائة جنيه وواحد للمدعي بالحق المدني.
وبعد إجراء تحقيق في الواقعة بمعرفة الإدارية القانونية بالجامعة وورود تصرف النيابة العامة بشأنها تم عرض الأمر على رئيس الجامعة حيث أصدر قراره رقم 535 لسنة 1985 بإحالة الطاعن والممرضة...... إلى مجلس تأديب العاملين بالجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس، ثم صدر قرار رئيس الجامعة رقم 290 بتاريخ 16/ 1/ 1986 بتعديل الإحالة إلى مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بالجامعة.
وبجلسة 12/ 3/ 1988 صدر قرار مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بجامعة عين شمس بمجازاة الطاعن بتأجيل ترقيته عند استحقاقها لمدة سنة لما هو منسوب إليه، وأقام المجلس قضاءه على أساس أن الطبيب الطاعن هو المسئول الأول عن الجراحة التي يقوم بها وأنه هو الذي يستعمل الفوط وينبغي أن يكون عالماً بعددها ومواصفاتها وأن لا يرتكن في ذلك إلى الممرضة.
ونعى تقرير الطعن على قرار مجلس التأديب المطعون فيه البطلان لمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفساد الاستدلال وقصور التسبيب وإهدار حق الدفاع ذلك أن إدانة الطاعن جنائياً لا تعني بالضرورة إدانته تأديبياً لاختلاف أساس المسئوليتين ومستهدفهما وأنه لا ينبغي الخلط بين مسئوليات الفريق الطبي القائم بالعملية الجراحية وأن لكل منهم مسئوليته المنفصلة وأنه من غير المتصور أن يكون الجراح مسئولاً عن أخطاء طبيب التخدير أو أخطاء الممرضة وأن ممرضة العمليات طبقاً للعرف والتعليمات هي المسئولة عن استلام الأدوات والمعدات الطبية معقمة وجاهزة للاستعمال وكذا حصرها نوعاً وعدداً قبل إجراء الجراحة وبعدها، وأنه متى كان الثابت أن الطاعن قد سأل الممرضة قبل قفل بطن المريضة عما إذا كانت الفوط والمعدات التي استلمتها كاملة فأجابته بالإيجاب، فمن ثم فلا تثريب عليه ولا خطأ، إذ هو لم يخطئ فنياً في إجراء الجراحة، كما لم يقصر في متابعة المريضة بعد الجراحة. هذا فضلاً عن أن مسئولية ممرضة العمليات عن الفوط وعددها قبل الجراحة وبعدها ليس عرفاً غير ذي أصل وإنما هو نص التعليمات المستديمة لهيئة التمريض، وهي دستور عملهم المنظم لمسئولياتهم. هذا فضلاً عن أن قرار مجلس التأديب لم يتضمن في أسبابه رداً على دفاع الطاعن بشأن الأصول الطبية والأعراف الطبية المقررة في هذا الشأن لا صراحة ولا ضمناً.
ومن حيث إن الثابت أن الطاعن لا ينازع في صحة واقعة نسيان فوطة في بطن مريضة أثناء عملية جراحية قام هو بها بصفته جراحاً، وإنما تنصب منازعته على مدى مسئوليته عن تلك الواقعة وذلك في ضوء ظروف إجراء الجراحات والتعليمات المنظمة لمهنة التمريض وما تجرى به الأعراف الطبية.
ومن حيث إنه ليس من شك في أن الطبيب في أدائه لرسالته ليس ملتزماً بنتيجة، فإنه ليس من شك أيضاً أنه ملتزم في أداء هذه الرسالة ببذل عناية الرجل الحريص، وأن صور هذه العناية تدق وتنطق باليقين بالنسبة للطبيب الجراح.
ومن حيث إنه وأياً كان مبلغ قوة الأعراف المهنية الخاصة فإنه من غير المقبول أن تفرض هذه الأعراف على المجتمع عامة إذا تضمنت هذه الأعراف ما يستكرهه الفهم العام لهذا المجتمع وتأباه طبيعة الأمور.
ومن حيث إنه وأياً كانت وجاهة منطق دفاع الطاعن فيما ذكره من توزيع مسئولية الفريق الطبي القائم بعملية جراحية، وكذا ما استشهد به من رأي بعض الخبراء من الأطباء إلا أن منطقاً أكثر وجاهة لا يمكن أن يستسيغ أن تعتبر ممرضة العملية الجراحية هي المسئولة عن نسيان فوطة في بطن مريض لمجرد أن تقضي التعليمات المنظمة لمهنة التمريض بمسئولية ممرضة العمليات عن عدد الفوط والأدوات قبل العملية الجراحية وبعدها، ذلك أن ما نيط بالممرضة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون من قبيل أعمال المعاونة للجراح في عناية خاصة ببطن مفتوحة لكائن بشري منوط بهذا الجراح وحده بالأقل مسئولية قفلها بحالتها في حالة العجز عن علاجها.
ومن حيث إنه وأياً كان اختلاف أساس المسئولية الجنائية والتأديبية واختلاف مستهدفها فإنه ليس من شك في أنه إذا بلغ الخطأ في الأداء المهني للوظيفة العامة حد التجريم الجنائي فإنه من غير المقبول منطقاً أن يقال أن ذلك لا يستوجب لزوماً مسئوليته التأديبية إذ أن من شأن التسليم بهذا المنطق أن يصبح المقتضى مانعاً.
ومن حيث إنه متى كان الثابت مما تقدم أن مسئولية ممرضة حجرة العمليات لا تحول دون مسئولية الطاعن عن نسيان فوطة في بطن المريضة...... أثناء إجراء جراحة قيصرية لها مساء يوم 21/ 9/ 1983 بمستشفى الدمرداش فضلاً عن إدانته جنائياً بحكم نهائي عن هذه الواقعة فإن قرار مجلس التأديب المطعون فيه بمجازاة الطاعن استناداً إلى ثبوت هذه الواقعة ومسئوليته عنها يكون قد استند إلى سند صحيح في الواقع والقانون، ويكون الطعن عليه قد استند إلى غير سند صحيح خليق بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق