الصفحات

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

الطعن 456 لسنة 8 ق جلسة 5 / 12 / 1964 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 15 ص 123

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(15)

القضية رقم 456 لسنة 8 القضائية

موظف - 

فصل بغير الطريق التأديبي - سببه - الموازنة في شأنه بين القرار الصادر بهذا النوع من الفصل والجزاء التأديبي.

---------------
إن القرار المطعون فيه، والصادر بفصل الطاعن، لم يكن في الواقع من الأمر جزاء تأديبياً وقع عليه، حتى يسوغ القول بوجوب قيامه على كامل سببه بمعنى أنه إذا كان قائماً على عدة تهم لم يثبت بعضها أو إحداها فيتعين إلغاؤه. وإنما القرار المطعون فيه هو قرار فصل الطاعن بغير الطريق التأديبي ومثل هذا القرار لا يستلزم لمشروعيته ثبوت كل الوقائع التي يستند إليها. وإنما يقع صحيحاً منتجاً لأثاره ويعتبر قائماً على السبب المبرر له قانوناً حتى ولو انهار جانب من تلك الوقائع ما دام القائم الثابت منها كاف وحده لحمل القرار. فإذا كان الباقي من تلك الوقائع صحيحاً مستمداً من أصول لها وجود ثابت في الأوراق ويمكن أن يستخلص منها ما يكفي لتبرير عدم صلاحية الموظف للبقاء في الوظيفة استخلاصاً سائغاً سلم القرار من العلة التي قد تؤدي به وغني عن القول أن الطاعن يشغل وظيفة أستاذ مساعد بالجامعة فينبغي أن يوزن مدى صلاحيته للبقاء في كرسي الأستاذ المساعد على مقتضى أرفع مستويات السلوك الوظيفي وما تستوجبه من أبلغ الحرص على أداء واجبات هذه الوظيفة العلمية الكبرى.


إجراءات الطعن

في 5 من فبراير سنة 1962 أودع الأستاذ صلاح الدين حسن المحامي عن الدكتور لويس دوس تاوضروس تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 456 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض - بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1961 في الدعوى رقم (572) لسنة 7 القضائية المقامة من الدكتور الطاعن ضد وزارة التربية والتعليم, ومجلس الوزراء. والذي قضى: (برفض الدفع الفرعي بعدم قبول الدعوى، وبقبولها, وفي الموضوع برفضها، وألزمت المدعي المصروفات). وطلب السيد الطاعن، للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع, القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه والصادر في 10 من ديسمبر سنة 1961 وإلزام المطعون عليهما، بصفتهما، بأن يؤديا إلى الطاعن مبلغاً مقداره عشرون ألفاً من الجنيهات تعويضاً له عن فصله من وظيفته، مع المصروفات). وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليهما في 18، 24 من مارس سنة 1962, وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19 من أكتوبر سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 21 من ديسمبر سنة 1963، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. ثم دفعت الحكومة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في هذه المنازعة تأسيساً على قانون جديد صدر في تاريخ لاحق للنطق بالحكم المطعون فيه، وهو قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (31) لسنة 1963 في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة. وفي جلسات لاحقة قدم كل من الطرفين مذكرات مطولة تأييداً لوجه نظر كل منهما. وبجلسة 17 من أكتوبر سنة 1964 قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع، على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن الدكتور الطاعن أقام الدعوى رقم (572) لسنة 7 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم، ومجلس الوزراء بعريضة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 2 من فبراير سنة 1953 ذكر فيها أنه كان أستاذاً مساعداً بكلية طب العباسية، وكان مثالاً للاستقامة العلمية والخلقية، حتى فوجئ بتبليغه بقرار صادر من مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1952 بفصله من عمله استناداً إلى المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952 بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي لأسباب تمس النزاهة وكرامة الوظيفة. ولما كان فصل المدعي لأمور تتصل بالنزاهة وكرامة الموظفين يتضمن تعديلاً خطيراً وإساءة بالغة لسمعته بل قضاء على مستقبله كطبيب قطع حياته كلها متحلياً بالأخلاق الكريمة ومراعياً لكرامته وكرامة مركزه العلمي مما جعله دائماً محل اعتزاز من أصدقائه وزملائه. والواقع أن أسباب هذا القرار الظاهرة منافية للحقيقة وتستر حزازات شخصية كانت بين المدعي والمسئولين في الكلية ووزارة المعارف أمرها ما زال معروضاً على القضاء يشكو إليه المدعي ما ناله من افتئات واعتداء على حقه في الترقية وغيرها. فانتهز ذوو الأغراض فرصة صدور القانون رقم (181) لسنة 1952 للانتقام من المدعي، على حد قوله، فكان فصله على النحو الذي يطعن فيه. وللمدعي أن يقتضي من الحكومة التعويض المناسب عما نسبته بغير وجه حق إلى ما يمس النزاهة والكرامة تعويضاً عن تشويه سمعته، وانعكاس أثر هذا التشويه على عمله كطبيب يعتبر حسن السمعة عماد حياته فضلاً عن حرمانه من عمله كأستاذ مساعد بالجامعة بما يقدره جميعاً بمبلغ عشرين ألف جنيه.
وقد ردت الحكومة على هذه الدعوى بمذكرة في 7 من أكتوبر سنة 1954 طلب في ختامها الحكم:
أولاً - بعدم قبول الدعوى لأن المشرع عوض الموظف المفصول بأحكام ذات القانون المذكور.
ثانياً - رفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وجاء في تلك المذكرة أن لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي أصدرت قرارها بالتوصية بفصل المدعي من الخدمة في 11 من نوفمبر سنة 1952 لما تبين لها من عدم انتظامه في عمله بالكلية، وكذلك بالإدارة الطبية التي كان منتدباً لها مما حدا بهذه الإدارة الأخيرة أن تستغني عن خدماته فيها، ورأت اللجنة أنه غير مكترث بعمله الجامعي لعدم انتظامه فيه مما يجعله غير صالح للعمل فأوصت بفصله تطبيقاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952. وقد جاء في أسباب قرار اللجنة أن الدكتور محمد عبد الحليم العقبى رئيس قسم الأمراض الجلدية الذي كان يعمل به المدعي، شكا من أن الدكتور لويس دوس كثير الانقطاع عن عمله بالكلية مما أضر بصالح العمل، وانعدم معه إنتاجه حتى اضطر إلى أن يشكو أمره إلى عميد الكلية، ومع ذلك فقد مضى في تخلفه عن الحضور، وشهد الدكتور محمود أبو بكر الدمرداش عميد الكلية بأن المدعي لم يكن منتظماً في الحضور إلى الكلية على الرغم من التنبيه عليه شفوياً وأنه لم يكن يؤدي عمله على الوجه الأكمل. كذلك جاء في أقوال الدكتور محمد عبد الحليم متولي مدير الإدارة الطبية أن المدعي كان كثير الانقطاع عن عمله بالكلية مما حدا بزميله الدكتور بدر معوض إلى تقديم شكوى لأنه اضطر إلى العمل بدلاً منه ولما عرض الأمر على السيد مدير الجامعة قرر إلغاء ندب المدعي للعمل بتلك الإدارة. ولقد تأيدت أقوال أولئك الشهود جميعاً بالأوراق الواردة من الكلية ولم يستطع المدعي أن ينفي ما أسند إليه وثبت في حقه. وبناء على ذلك أصدر مجلس الوزراء قراره بفصل المدعي من خدمة كلية الطب فقرار الفصل سليم مما يترتب عليه طلب رفض الدعوى.
وبجلسة 10 من ديسمبر سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض - (برفض الدفع الفرعي بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع برفضها وألزمت المدعي بالمصروفات) وأقامت تلك المحكمة قضاءها هذا على أن الحكومة دفعت دعوى الطاعن بعدم قبولها لأن القانون رقم (181) لسنة 1952 قد عوض الطاعن عن فصله من الخدمة تعويضاً جزافياً، وأنه من البديهي ألا يحصل المفصول إلا على تعويض واحد إذ لا يجوز الجمع بين تعويضين وهذا الدفع مردود لأن التشريع المذكور، ولئن كان قد أغلق باب الطعن بالإلغاء أو بوقف التنفيذ بالنسبة للقرارات الصادرة وفقاً لأحكامه، فإنه لم يحرم سماع طلبات التعويض عن تلك القرارات فظلت بالتالي ولاية القضاء الإداري كاملة بالنسبة لطلبات التعويض. والقول بأن التشريع المذكور قد نص على ميزات عوضت الموظف المفصول تعويضاً كاملاً عن فصله هو بدوره قول مردود لأن أساس هذه الميزات هو تعويض الموظف المفصول عن الإجراءات الاستثنائية التي استحدثها المرسوم بقانون المذكور والتي أنقصت من الضمانات التي كفلتها له القوانين العادية عند فصله - أما عن طلبات التعويض التي تقوم على مخالفة قرارات الفصل لأحكام التشريع المذكور أو لانطوائها على الانحراف بالسلطة فإنها لا تزال باقية داخلة في ولاية القضاء الإداري. وتأسيساً على ذلك قضت محكمة القضاء الإداري في الشق الأول من حكمها المطعون فيه، وبحق، برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لأنه يقوم على غير سند سليم من القانون. أما عن موضوع الدعوى فقالت محكمة القضاء الإداري إن الحكومة وصفت الطاعن بأنه أوضح صورة للموظف غير الصالح الذي قصده المشرع بالفصل من العمل وإبعاده عن الوظيفة ما دام أنه قد دأب على الانقطاع عن العمل بقسم الأمراض الجلدية أو بالإدارة الطبية بشهادة رؤسائه وزملائه. وقد استقر القضاء الإداري على أن القرار الصادر بفصل الموظف ارتكازاً على المرسوم بقانون السالف الذكر يجب أن يقوم على سبب يبرره قانوناً، وهو قيام حالة واقعية أو قانونية تسوغ صدوره. واسترسل الحكم المطعون فيه يقول إن رقابة القضاء الإداري لركن السبب تجد حدها الطبيعي في التحقق من أن النتيجة التي انتهى إليها القرار قد استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول مادية تنتجها مادياً أو قانوناً فيدخل في حدود هذه الرقابة أن يتحقق القضاء الإداري من صحة قيام الحالة الواقعية، ومن صحة تكييفها القانوني، ولكنه لا يدخل في حدود هذه الرقابة أن تعيد المحكمة النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب. فمتى استخلصت جهة الإدارة على الوجه البادي في الأوراق والمذكرات والدفاع أن ثمة شبهات أو شوائب تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة وتؤثر في صلاحية المدعي للعمل، وفي ملاءمته للعهد الجديد فإن استخلاصها هذا يكون سائغاً في حكم المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952 كما لا يخفض من ذلك ما ساقه المدعي عن مؤلفاته العلمية ومآثره وكفايته وهو في سبيل تجريح الشهود الذين أدلوا بأقوالهم، وجميعهم من رؤساء المدعي وزملائه. كما لا يخفض من ذلك جهد المدعي محاولاً إهدار قيمة البيانات التي اطلعت عليها اللجنة حسبما جاء في أوراق التحقيق. ذلك أن المشرع عمد وهو بسبيل تطهير الإدارة الحكومية لإقامة الحكم الجديد على أسس قوية سليمة إلى مجرد الاكتفاء بالشوائب أو الشبهات القوية خلافاً للأصل العام في التأثيم فأجاز صراحة فصل الموظف متى علقت به شوائب أو شبهات، ولم يقيد ذلك إلا بأن تكون الوقائع المنسوبة إلى الموظف ثابتة في حقه على وجه يقيني قاطع أو أن تكون في ذاتها قاطعة في خروجه على كرامة الوظيفة أو على مقتضيات النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. واستطرد الحكم المطعون فيه يقون إنه بتطبيق هذا النظر على القرار الصادر من لجنة التطهير في 11 من نوفمبر سنة 1952 وموافقة مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1952 بفصل المدعي من خدمة كلية الطب بالتطبيق لأحكام التشريع المذكور فإن القرار الذي يطعن فيه الطاعن يكون قد صدر محمولاً على أسباب تنتجه وتؤدي إليه ومن ثم فإنه يكون قد صدر مطابقاً للقانون. والطاعن إذ يطلب الحكم له بتعويض قدره بمبلغ عشرين ألف جنيه عما أصابه من أضرار مادية وأدبية بسبب فصله من الخدمة قد فاته أن القاعدة العامة في مسألة التعويض هي أنه لا يترتب الحق في التعويض للموظف إلا إذا توافرت أركان التعويض الثلاثة وهي الخطأ والضرر ورابطة السببية. فإذا تخلف واحد أو أكثر من هذه الأركان سقط الحق في المطالبة بالتعويض. وإن كان ثمة ضرر قد أصاب المدعي من جراء فصله فإنه ولا شك غير مترتب على خطأ من جانب جهة الإدارة فلا خطأ ولا سببية ومن ثم لا محل للاستجابة إلى طلبات المدعي ويتعين رفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن طعن الدكتور الطاعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه:
(1) أخطأ في تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. ووجه الخطأ، على حد ما جاء بتقرير الطعن هو أن المرسوم بقانون وإن كان قد سوى في حكم الفصل بين فريقين من الموظفين:
الأول: غير الصالحين للعمل.
والثاني: أولئك الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. إلا أنه بالنسبة للفريق الأول لم يقصد إباحة الأخذ بالشبهات، وإنما قصد ذلك بالنسبة للفريق الثاني لأنه في الأمور المتعلقة بالنزاهة أو الشرف أو حسن السمعة قلما نجد الأدلة المادية سبيلها إلى الثبوت في الأوراق الرسمية لأن طابع هذه الأمور الكتمان والسرية أما فيما يتعلق بعدم الصلاحية للعمل فإن الأوراق الرسمية كفيلة بالدلالة عليه. فالحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ عندما خلط علة الإخلال بالمواظبة وهي المأخذ الوحيد الذي اقتصرت عليه لجنة التطهير بعلة أخرى أخطر منها هي خدش النزاهة وكرامة الوظيفة بدون سد من الواقع أو من القانون. مع أن مجلس الوزراء نفسه الذي كان قد تورط في مثل هذا الخطأ في قراره الصادر بفصل الطاعن في 27/ 11/ 1952 قد اضطر على إثر احتجاج الطاعن إلى تصحيح قراره من حيث التسبيب بقرار آخر من مجلس الوزراء.. أصدره في 24 من ديسمبر سنة 1952 محيلاً فيه تسبيب قرار الفصل إلى السبب الوارد في تقرير لجنة التطهير. وكذلك أخطأ الحكم عندما وجه إلى الطاعن اتهامات مرسلة جمعت بين طائفة التهم الواردة في قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، ولم يعر الحكم التفاتاً لما جاء في أوراق الدعوى من أدلة تقطع بأن الشهود الذين شهدوا ضده أمام لجنة التطهير منحرفة شهاداتهم، وأن المحكمة بنت تقديرها لأقوال الشهود على أن لجان التطهير تستطيع أن تكون عقيدتها من معلومات أعضائها بحكم رابطة العمل، ومن باب أولى من شهادات رؤساء الطاعن وزملائه، مع أن القانون اشترط في أعضاء اللجنة صفات الحيدة والبعد عن التحيز أو سوء التقدير مراعاة لضمان تحقيق العدالة.
(2) كما أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ من حيث صحة تفهم الوقائع وسلامة تكييفها القانوني إذ اعتبر أن مجرد احتواء الأوراق على شكاوى ضد الطاعن وترديد الشهود الذين اصطنعوا هذه الشكاوى هو المقصود قانوناً بالأصول المادية الثابتة في الأوراق، وبالوجود المادي للوقائع دون أن يعني الحكم بما إذا كانت هذه الشكاوى قد ثبتت صحتها أم لا، والقول بذلك مؤداه أنه يكفي لفصل الموظف أن يتواطأ ضده نفر من زملائه ويقدمون ضده بضع شكاوى يؤيدونها بأقوالهم في تحقيق صوري لتتكامل بذلك الأصول المادية التي تقرر مقدماً أن مصير ذلك الموظف هو الفصل الذي لا سبيل إلى الطعن فيه. ونعى تقرير الطعن على محكمة القضاء الإداري أنها لم تعن بالاطلاع الكامل على مذكرة الطاعن ومستنداته فجاء التسبيب لحكمها غير مستخلص استخلاصاً سائغاً من الأصول الواقعية المادية الصحيحة. ومن أمثلة ذلك أن المحكمة توهمت أن اتهام الطاعن بالتغيب ثمانية عشر يوماً بعد إجازته الصيفية في عام (1951) قد وقع في عام 1952 مع أن الحقيقة أن التغيب المقول به حدث عام 1951 وليس عام 1952. كما أخطأت المحكمة بالنسبة لإجازة الطاعن المرضية في عام (1952) في تبين تاريخ انتهاء الإجازة. وأخطأت كذلك في قولها إن جداول الأعمال لا تدل على توزيع العمل أسبوعياً بين الطاعن وزملائه في حين أن هذه الجداول تدل على ذلك دلالة قاطعة. ويرجع ذلك إلى أن المحكمة اطلعت على مستندات تتعلق بواقعة أخرى لا بالواقعة المدلول عليها وآخرا فقد أمضت المحكمة في التعسف في تخريج الوقائع إذا اعتبرت اعتذار الطاعن عن إجازة عارضة ببرقية تأخرت أربع ساعات بسبب راجع إلى مصلحة البريد بمثابة استهتار من جانب الطاعن وانتهى تقرير الطعن إلى طلب القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون عليهما بصفتهما بأن يدفعا إلى الطاعن مبلغ عشرين ألف جنيه تعويضاً له عن فصله من وظيفته.
ومن حيث إنه يبين من استطلاع أوراق ملف خدمة الطاعن أنه من مواليد عام 1909 وتنحصر مؤهلاته العملية في أنه حصل على إجازة بكالوريوس في الطب والجراحة من الجامعة المصرية عام 1932 والتحق بخدمة الحكومة، دون أن يظفر بمؤهل علمي أرفع من درجة البكالوريوس في وظيفة طبيب بوزارة التربية والتعليم بمرتب شهري قدره اثنا عشر جنيهاً في أغسطس سنة 1935 - ولما أن حصل في عام 1943 على دبلوم في الأمراض الجلدية والسرية نقل إلى وزارة الصحة العمومية ليشغل وظيفة أخصائي تلك الأمراض بمستشفى الدمرداش ورقي إلى الدرجة الخامسة في مارس سنة 1943 ثم قيد على وظيفة مساعد علاجي بالمنيا في يوليو سنة 1947 وحصل على الدرجة الرابعة اعتباراً من ذلك التاريخ وفي 15 من سبتمبر سنة 1947 نقل ثانية إلى وزارة التربية والتعليم ليشغل وظيفة مدرس الأمراض السرية بكلية الطب بجامعة عين شمس ثم رقي إلى وظيفة مدرس ( أ ) في أغسطس سنة 1948 اعتباراً من أول مارس سنة 1947 أي منذ حصوله على الدرجة الرابعة. فظل يشغل تلك الدرجة إلى أن أصابه بالتطبيق كادر رجال القضاء في مايو سنة 1951 فوضع في الدرجة المالية 65 جنيه، 55 مليم وصار مرتبه شهرياً 59 جنيهاً وفي 24 من سبتمبر سنة 1952 صدر المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي فأحالت الجامعة الطاعن إلى اللجنة الخاصة بموظفي جامعة عين شمس على إثر شكوى تقدم بها الدكتور محمد عبد الحليم العقبى في 6 من نوفمبر سنة 1952 بوصفه رئيساً لقسم الأمراض الجلدية والتناسلية بكلية طب عين شمس ولم يخرج موضوع الشكوى عن أن الدكتور الطاعن انقطع مدداً طويلة عن العمل بالكلية، وذلك بدون إخطار، مما أربك العمل والتدريس فأضر بالمصلحة العامة لكلية الطب وطلابها، وانتهى رئيس القسم المختص إلى التقرير بأن الطاعن قد انعدم إنتاجه العلمي. فقامت لجنة التطهير بتحقيق الشكوى وسمعت أقوال الكثيرين من الشهود وفي مقدمتهم الدكتور عميد كلية الطب بجامعة عين شمس، وكذلك استمعت اللجنة إلى دفاع الدكتور الطاعن عن نفسه فحققته وفندته تفنيداً. واطلعت اللجنة على كافة الأوراق المتعلقة بما نسب إلى الطاعن وانتهت من ذلك كله إلى قرارها الذي أصدرته في 11 من نوفمبر سنة 1952 ومقتضاه التوصية بالموافقة على فصل الطاعن من خدمة كلية الطب نزولاً على حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون الصادر في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. وفي 27 من نوفمبر سنة 1952 تقدمت وزارة التربية والتعليم إلى مجلس الوزراء بمذكرة جامعة طلبت فيها الموافقة على فصل طائفة من هيئة التدريس بمختلف كليات جامعة عين شمس لأسباب غير قاصرة على الطاعن وحده وإنما هي أسباب تبرر فصل أولئك الذين شملهم القرار. وجاء في تلك المذكرة: (قررت لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي فصل الموظفين الموضحة أسماؤهم بعاليه، لأسباب تمس النزاهة وكرامة الوظيفة وذلك تطبيقاً للمرسوم بقانون الصادر في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي وأن السيد وزير المعارف العمومية يرفع الأمر إلى مجلس الوزراء للموافقة على فصلهم.). وقد وافق مجلس الوزراء في 27 من نوفمبر سنة 1952 على ما جاء بالمذكرة ثم عدل مجلس الوزراء بعد ذلك سبب فصل الطاعن مستنداً إلى السبب الوارد في تقرير لجنة التطهير وهو عدم الاكتراث بعملة الجامعي لعدم انتظامه فيه مما يجعله غير صالح للعمل بالجامعة.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على قرار فصله من خدمة كلية الطب بجامعة عين شمس أن القرار المطعون فيه نسب إليه عدم الانتظام في العمل مما يجعله غير صالح للعمل بالجامعة مع أن مثل هذا السبب لا يبرر تطبيق حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون الصادر في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي عليه كما ينعى الطاعن على القرار المذكور أنه استند استناداً كلياً إلى أقوال الشهود متلمساً لها التأييد من المكاتبات التي وردت إلى لجنة التطهير، مع أن معظم تلك الأقوال كانت وليدة الحقد والكيد، الأمر الذي جعل ذلك القرار ينتهي إلى نتيجة استخلصت استخلاصاً غير سائغ لا تنتجه تلك المكاتبات. وقال الطاعن إن كل ما يمكن أن ينسب إليه هو مجرد تقصير بسيط عبارة عن تأخره في الحضور صباحاً بضع دقائق اتفق بشأنها مع السيد العميد. أما الأيام التي قيل أنه انقطع عن العمل فيها فهي لا تعدو الإجازات المرضية أو العادية أو العارضة وكانت الكلية دائماً على علم بها. وشأنه في ذلك شأن جميع موظفي الحكومة في مختلف الوزارات والمصالح ممن يقيمون في الضواحي نظراً لسوء حالة المواصلات. ويقول الطاعن إنه كان ينفذ الجدول الذي كان يوزع العمل بين رئيس القسم والطاعن وزميل ثالث لهما. وأن ادعاء الدكتور رئيس القسم يغاير الواقع فيما نسب إلى الطاعن من أنه لم يعد إلى عمله بعد انتهاء إجازته العادية المرخص له بها وأن الطاعن انقطع عن العمل بدون إذن عدد ثمانية عشر يوماً. فأما عن عدم انتظامه في عمله الإضافي بالإدارة الطبية فدفاع الطاعن أنه كان متغيباً بإجازة مرضية وقد عاقبته الجامعة على ذلك بغير حق عقوبة مزدوجة بأن قطعت مكافأته عن مدة المرض وألغت انتدابه للإدارة الطبية.
ومن حيث إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي الصادر في 14 من سبتمبر سنة 1952 قد نصت على أن (يكون فصل الموظفين العامين غير الصالحين للعمل، أو الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة على الوجه المبين في المواد الآتية:..... ويكون فصلهم بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة تشكل في كل مصلحة عامة على الوجه الآتي: قاضي ووكيل نيابة يعينهما وزير العدل، وتكون الرياسة، للقاضي. موظف من المصلحة صاحبة الشأن لا تقل درجته عن الدرجة الثانية يختاره موظفو المقر الرئيسي للمصلحة الذين هم في الدرجة الثانية فأعلى من بينهم بطريق الاقتراع السري. اثنان من موظفي المصلحة صاحبة الشأن لا تقل درجة كل منهما عن الدرجة الثانية يعينهما الوزير المختص.) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون: لذلك أعد مشروع المرسوم بقانون المرافق - 181 لسنة 1952 - ونص في المادة الأولى منه على الموظفين الذين يفصلون بغير الطريق التأديبي وهم: الموظفون غير الصالحين للعمل، ويقصد بهذه الفئة:
(1) الموظف غير القادر على أداء وظيفته.
(2) أو القادر غير المنتج.
(3) أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد.
كما يفصل بالطريقة ذاتها: الموظفون الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. ومن المسلم أن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى هذا المرسوم بقانون يجب أن يقوم، كأي قرار إداري أخر، على سببه المبرر له قانوناً. وقد أفصحت المادة الأولى من هذا التشريع عن السبب المسوغ للفصل وهو أن يكون (الموظف غير صالح للعمل) أو (الموظف الذي تعلق به شوائب أو شبهات قوية تمس...) وفصلت المذكرة التفسيرية من هو (الموظف غير الصالح للعمل). وإذا كانت جهة الإدارة، كأصل من أصول القانون الإداري، غير ملزمة بتسبيب قرارها، ويفترض في القرار الغير مسبب قيامه على سببه الصحيح، وأن على من يدعي عكس ذلك أن يقيم هو الدليل على صدق وصحة ما يدعيه، فإن جهة الإدارة إذا ما ذكرت أسباباً للقرار فإن الأسباب حينئذ تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقة تلك الأسباب المذكورة أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار. وهذه الرقابة القانونية تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فإذا كانت منتزعة من غير أصل موجود، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً، لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن السبب ووقع مخالفاً للقانون، وذلك ما يجري به لسان صحيفة الدعوى وما يردده تقرير هذا الطعن، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، وهذا ما سجلته أسباب الحكم المطعون فيه، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن الواضح من استقراء أوراق هذا الطعن، هو أن السبب الذي دفع جامعة عين شمس إلى فصل الطاعن مرتكزة إلى أحكام المرسوم بقانون الصادر في 14 من سبتمبر سنة 1952 وهو ما ورد في قرار لجنة التطهير التي أوصت بفصله فقالت اللجنة في شأن الطعن: "لقد ورد بالشكوى رقم 39 تطهير سنة 1952 جامعة إبراهيم، وهي الشكوى التي قدمها الدكتور محمد عبد الحليم العقبى رئيس قسم الأمراض الجلدية بكلية الطب، ومن أقواله أمام اللجنة أن الطاعن كان في العام الماضي كثير الانقطاع عن الحضور للكلية مما أضر بصالح العمل، وانعدم إنتاجه حتى اضطر إلى تقديم شكاية منه إلى السيد عميد الكلية، ولكن الطاعن رغم ذلك استمر في عدم الانتظام في الحضور. وأنه قد تبين للجنة من أقوال الدكتور محمود أبو بكر الدمرداش عميد كلية طب العباسية أن الطاعن كان غير منتظم في حضوره للكلية رغم التنبيه عليه شفوياً بمراعاة ذلك، وأنه تأكد من هذا الوضع من تحرياته الخاصة فالطاعن لم يكن يؤدي عمله على الوجه الأكمل. ذلك فضلاً عن أنه كان ضمن الأساتذة الذين استثنوا من المؤهلات العلمية اللازمة للالتحاق بالجامعة. واسترسلت لجنة التطهير تقول إنه تبين لها أيضاً من أقوال الدكتور محمد عبد الحميد متولي مدير الإدارة الطبية أن الدكتور الطاعن كان كثير التغيب عن الحضور لتلك الإدارة الأمر الذي حدا بزميله الدكتور بدر معوض إلى تقديم شكواه من ذلك لأنه اضطر للعمل بدلاً من الطاعن. وقد عرض هذا الوضع على السيد مدير الجامعة الدكتور محمد كامل حسين فأمر بإرسال كتاب إلى الطاعن يلغي انتدابه لتلك الإدارة الطبية. وقد تأيدت أقوال الدكتور متولي والدكتور العميد الدمرداش والدكتور العقبى من المكاتبات الواردة من كلية طب العباسية في هذا الشأن، وأن الدكتور الطاعن لم يتمكن من دحض ما نسب إليه. ولجنة التطهير إزاء ما تبين لها من عدم انتظام الدكتور الطاعن في عمله بالكلية أو بالإدارة الطبية التي كان منتدباً لها ثم استغنت عن خدماته لديها، ترى اللجنة أن الطاعن غير مكترث بعمله الجامعي لعدم انتظامه مما يجعله غير صالح للعمل وتوافق على فصله بالتطبيق لحكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (181) لسنة 1952.
ومن حيث إنه تبين على الوجه اليقين، أن السبب المبرر لفصل الدكتور الطاعن ليس هو إلا ما تبين للجنة التطهير من عدم صلاحيته للعمل بسبب عدم انتظامه فيه وكثرة انقطاعاته وانعدام إنتاجه تبعاً لذلك، فالطاعن والحالة هذه يدخل في زمرة (الموظفين القادرين غير المنتجين) وقد استدلت لجنة التطهير على ذلك من المكاتبات والأوراق الواردة من كلية الطب والمتبادلة بينها وبين إدارة جامعة عين شمس وكلها تأييد لأقوال الأساتذة الدكاترة العميد الدمرداش والعقبى ومتولي وبدر. وحاصل ما تنسبه تلك الأوراق إلى الطاعن أنه غير منتظم في عمله الأصلي بكلية الطب بل وفي عمله الإضافي بالإدارة الطبية بالجامعة مما أدى إلى الاستغناء عن خدماته فيها. صحيح أن الطاعن قد رد على ما نسبه إليه الدكتور رئيس القسم من أنه تغيب بعد انتهاء إجازته الاعتيادية سنة 1951 مدة ثمانية عشر يوماً بتقديم ثمانية أوراق علاج بالمستشفى جميعها موقعة بإمضائه ومسلمة بالكلية وثبت حضوره منذ تاريخ 18 من أغسطس سنة 1951 أي قبل انتهاء إجازته إلا أن الثابت من جماع الأوراق والمكاتبات المتبادلة، وعددها وفير بملف الخدمة وقديم، أن السيد الطاعن كان يتأخر كثيراً في الحضور عن الأوقات الرسمية المقررة للعمل والدراسة صباحاً وهي الساعة التاسعة حيث يحضر ويظل عشرات من الطلبة والطالبات في انتظار أستاذهم فلا يقبل منه أن يتحلل من احترام هذه المواعيد بذريعة بعد مسكنه عن مقر الكلية أو بازدحام المواصلات لأن ذلك هو من شأن عضو هيئة التدريس بالجامعة يدبره حتماً بحيث يحرص على مواعيد الدراسة وإلا أدى ذلك، أياً كانت الأعذار إلى تعطيل الدراسة عن مواعيدها والإخلال بنظامها وارتباك أحوالها والالتجاء إلى إسناد الأعمال إلى الأستاذ الفني المختص نائبه أو مساعده وفي ذلك أبلغ الضرر بالدرس والتدريس وطالبيه، وبالعلم والتعليم ورسالة الجامعة. وإذا جاز أن يسمح لمن يقطن ضواحي العاصمة بالتأخر فترة معقولة عن المواعيد الرسمية الخاصة بالعمل في إدارات الحكومة ومصالحها فإن مثل ذلك لا يستقيم وطبيعة التدريس بالجامعة وكلياتها. أن أبناء الجيل الجديد في سباق واضح مع هذا الزمن. فلا تعوقوهم، وزيدوهم علماً. وإذا صح أن هناك خصومة بين الدكتور الطاعن والدكتور رئيس القسم مردها إلى الدعوى التي رفعها الأول ضد الثاني أمام محكمة القضاء الإداري برقم (1382) لسنة 5 ق في 25 من يوليو سنة 1951 لإلغاء القرار الصادر بنقل وترقية العقبى رئيساً لقسم الأمراض الجلدية والتناسلية وأستاذاً مساعداً بكلية الطب فإن المؤكد في أوراق وتحقيقات لجنة التطهير أن الدكتور عميد الكلية أقر أمام اللجنة المذكورة بأن ديدن الطاعن عدم الانتظام في عمله فكثيراً ما يغيب وإذا حضر يكون متأخراً عن مواعيد الدراسة المقررة رسمياً وفقاً للوائح الجامعة وكلياتها وهو أمر جوهري في السلوك الوظيفي لعضو هيئة التدريس بالجامعة. ومن ثم لا يمكن مسايرة الطاعن فيما ذهب إليه من أن جميع أقوال الشهود جاءت وليدة الحقد عليه والكراهية له ما دامت الوقائع التي نسبت إليه قد وقعت منه وقامت في حقه وهو يكاد يسلم بها ولكنه يستهين بأمرها ولا يدرك مدى أخطارها. ولقد أصاب الحكم المطعون فيه إذ قال، وبحق، أن مشرع الثورة في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي لم يفرض على لجنة التطهير طريقاً معيناً في البحث والتحقيق تلتزمه اللجنة في كل حالة تعرض عليها لأن اللجنة المذكورة ما جاءت لمحاكمة الموظفين تأديبياً فتراعى الأصول والضوابط التي تلتزمها عادة هيئات التأديب. ولقد تأذى أيضاً عمل الطاعن الإضافي بالإدارة الطبية بالجامعة من طابع عدم الانتظام أو قل عدم الاكتراث بالواجب الوظيفي الذي طغى على الطاعن في عمله الأصلي بوصفه أستاذاً مساعداً بكلية الطب بالجامعة. آية ذلك ما هو ثابت بملف خدمته من أن الإدارة الطبية أرسلت إليه في إبريل سنة 1952 كتاباً تبلغه فيه بأنه نظراً لتغيبه عن مباشرة أعماله بالوحدات العلاجية للجامعة في أواخر شهر فبراير وطوال شهر مارس والشهر الحالي إبريل من سنة 1952 فقد قررت الإدارة الطبية إعفاءه من ذلك الانتداب وعهد إلى غيره ممن هو أقدر وأصلح لأداء المهمة. والقدر المتيقن الذي لم يفلح الطاعن في إقامة الدليل على عكسه لم يكن منتظماً في عمله الإضافي قبل بدء إجازاته لأنه تغيب عن الحضور في أيام (5 من نوفمبر، و6 و27 و30 من ديسمبر سنة 1951 ثم في أيام 3، 17، 24، 27 من يناير سنة 1952) وذلك دون وجود عذر يبرر مثل هذا الغياب. ولا يستساغ القول بأن ندب الطاعن لعمله الإضافي منبت الصلة بعمله الأصلي أو أن هذا العمل لا يعدل في أهميته عمله الأصلي فالقاعدة المقررة هي أنه يجوز تكليف الموظف بالعمل في غير أوقاته الرسمية علاوة على الوقت المعين لها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، وعلى الموظف أن يقوم بالعمل الإضافي المنوط به بنفس الدقة والأمانة التي يقوم بها بعمله الأصلي، ومن ثم فإن هو قصر في أداء عمله الإضافي، ولو أتقن عمله الأصلي، فإن ذلك يصبح وجهاً لمساءلته إدارياً.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن الرقابة القانونية التي للقضاء الإداري على القرار الإداري تعني مراقبة صحة قيام الوقائع التي تكون ركني السبب، وسلامة تكييفها القانوني ولا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل جهة الإدارة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها ولتقدير مدى خطورة السبب الذي هو ركن القرار وما يمكن ترتيبه عليه من آثار. فإن القرار المطعون فيه، والصادر بفصل الطاعن، لم يكن في الواقع من الأمر جزاء تأديبياً وقع عليه، حتى يسوغ القول بوجوب قيامه على كامل سببه بمعنى أنه إذا كان قائماً على عدة تهم لم يثبت بعضها أو إحداها فيتعين إلغاؤه. وإنما القرار المطعون فيه هو قرار فصل الطاعن بغير الطريق التأديبي ومثل هذا القرار لا يستلزم لمشروعيته ثبوت كل الوقائع التي يستند إليها وإنما يقع صحيحاً منتجاً لآثاره ويعتبر قائماً على السبب المبرر له قانوناً حتى ولو انهار جانب من تلك الوقائع ما دام القائم الثابت منها كاف وحده لحمل القرار. فإذا كان الباقي من تلك الوقائع صحيحاً مستمداً من أصول لها وجود ثابت في الأوراق ويمكن أن يستخلص منها ما يكفي لتبرير عدم صلاحية الموظف للبقاء في الوظيفة استخلاصاً سائغاً سلم القرار من العلة التي قد تؤدي به وغني عن القول أن الطاعن يشغل وظيفة أستاذ مساعد بالجامعة فينبغي أن يوزن مدى صلاحيته للبقاء في كرسي الأستاذ المساعد على مقتضى أرفع مستويات السلوك الوظيفي وما تستوجبه من أبلغ الحرص على أداء واجبات هذه الوظيفة العالمية الكبرى. ومتى كانت الوقائع المنسوبة إلى الطاعن، في أغلبها صحيحة وثابتة في العديد من الأوراق الرسمية، وتنتج مادياً وقانوناً النتيجة التي انتهى إليها قرار الفصل فلا جدوى مما ساقه الطاعن من أمور أقام عليها ما نسبه إلى كلية الطب بجامعة عين شمس من إساءة استعمال السلطة أو انحراف عن الصواب، لأن رابطة السببية بين تلك الأمور، وبين النتيجة التي انتهى إليها القرار المطعون فيه تكون، والحالة هذه، فاقدة. ذلك ما جرى به قضاء هذه المحكمة. وما ترسم خطاه الحكم المطعون فيه. فيتعين رفض الطعن إذ قام على غير سند من القانون سليم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق