الصفحات

الجمعة، 24 نوفمبر 2023

الطعن 4 لسنة 7 ق جلسة 14 / 11 / 1964 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 4 ص 28

جلسة 14 من نوفمبر 1964

برئاسة السيد الأستاذ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري.

---------------

(4)

القضية رقم 4 لسنة 7 القضائية

موظف - تأديب - مسئولية تأديبية 

- إدانة الموظف إدارياً في حالة شيوع التهمة - منوطة بثبوت وقوع فعل إيجابي أو سلبي محدد يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية - أساس ذلك - المسئولية التأديبية مسئولية شخصية كالمسئولية الجنائية - أثر هذا على الجزاء التأديبي.

----------------
إن المسئولية التأديبية شأنها في ذلك شأن المسئولية الجنائية مسئولية شخصية فيتعين لإدانة الموظف أو العامل ومجازاته إدارياً في حالة شيوع التهمة بينه وبين غيره أن يثبت أنه قد وقع منه فعل إيجابي أو سلبي محدد يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية فإذا انعدم المأخذ على السلوك الإداري للعامل ولم يقع منه أي إخلال بواجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها فلا يكون ثمة ذنب إداري وبالتالي لا محل لتوقيع جزاء تأديبي وإلا كان قرار الجزاء في هذه الحالة فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب.


إجراءات الطعن

في أول أكتوبر سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد محافظ القاهرة بصفته رئيساً لمجلس بلدي القاهرة والسيد وزير الشئون البلدية والقروية والسيد مدير عام الإدارات العامة للتنظيم قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 4 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 2 من أغسطس سنة 1960 في الدعوى رقم 270 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ إسماعيل علي بركة ضد بلدية القاهرة والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 89 الصادر بتاريخ 9 من يونيو سنة 1959 فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من راتبه وبالنسبة لخصم 150 جنيهاً من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وقد طلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 7 من ديسمبر سنة 1960 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من إبريل سنة 1964 وأبلغ الخصوم في 11 من فبراير سنة 1964 بموعد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 3 من أكتوبر سنة 1964 التي أبلغ بها الخصوم في 6 من سبتمبر سنة 1964 - وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات طلبت من الحاضر عن الطاعنين تقديم بعض البيانات والأوراق على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية في 31 من يناير سنة 1960 أقام السيد/ إسماعيل علي بركة الدعوى رقم 270 لسنة 7 القضائية ضد السيد وزير الشئون البلدية والقروية والسيد مدير عام الإدارات العامة للتنظيم طالباً الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 89 الصادر في 9 من يونيو سنة 1959 بشقيه وكافة ما يترتب عليه من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً لدعواه إنه كان يعمل جناينياً تابعاً للمراقبة العامة للحدائق وحدث في شهر يوليو سنة 1956 أن أتلفت بعض التماثيل الموجودة بحديقة الأزبكية وأجرى تحقيق عن هذه الواقعة بمعرفة البوليس كما أجريت تحقيقات إدارية بمعرفة النيابة الإدارية ثبت منها عدم مسئوليته عن التلف لأن عمله كجنايني لا تجعله مسئولاً عن حراسة تلك التماثيل لوجود غيره من العمال المنوط بهم الحراسة - إلا أنه فوجئ بصدور القرار رقم 89 في 9 من يونيو سنة 1959 من مدير عام الإدارات العامة للتنظيم بخصم مبلغ 450 جنيهاً من مرتب ثلاثة عمال هو أحدهم بالتساوي بينهم وهذا المبلغ هو قيمة الخسائر التي عادت على البلدية من جراء إتلاف التماثيل فضلاً عن خصم ثلاثة أيام من مرتبه لإهماله في الحراسة - وذكر أن هذا القرار قد صدر مخالفاً للقانون ومشوباً بسوء استعمال السلطة لأنه لم يكن مكلفاً بحراسة التماثيل الموجودة بالحديقة وأشار إلى أنه قد تظلم منه في 25 من يونيو سنة 1959 وإلى أنه قد صدر قرار بإعفائه من الرسوم وأرفق صورة منه بصحيفة دعواه وهو صادر في 19 من يناير سنة 1960.
وأجابت البلدية على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه في 22 من يوليو سنة 1957 حدث أن كسر رأسان وذراع لثلاثة تماثيل رخامية بحديقة الصبار بحديقة الأزبكية وأجرى تحقيق عن هذا الحادث بقسم شرطة الأزبكية في 24 من يوليه سنة 1957 وأرسلت الأوراق إلى تفتيش المباني الذي أفاد بأن القيمة التقديرية للتمثال الواحد 150 جنيهاً وقام رئيس قوة حراسة الحدائق بإجراء تحقيق إداري في هذا الموضوع وحصرت المسئولية في ثلاثة هم:
(1) إسماعيل علي بركة المدعي وهو جنايني كان منتدباً خفيراً وقت الحادث.
(2) محمد أحمد جعفر وهو جنايني كان منتدباً خفيراً وقت الحادث.
(3) ومحمد أحمد خليل وهو عامل وكان منتدباً خفيراً وقت الحادث ونقل إلى مصلحة السجون - وقد فقد ملف هذا التحقيق - فأبلغت الإدارة العامة للحدائق والتشجير النيابة الإدارية عن الحادث بكتابها المؤرخ في 23 من أكتوبر سنة 1958 - وانتهت النيابة الإدارية في مذكرتها إلى أن العمال الثلاثة المذكورين هم المسئولون عن المحافظة على هذه التماثيل وأن كسر بعض أجزاء منها كان نتيجة إهمالهم في هذه المحافظة - وأنها لذلك ترى "النظر في مجازاة كل من إسماعيل علي بركة ومحمد أحمد جعفر ومحمد أحمد خليل لإهمالهم في عملهم مما أدى إلى كسر بعض أجزاء من ثلاثة تماثيل رخامية مع تحميلهم بقيمة الخسارة التي عادت على التفتيش من جراء هذا الحادث بعد تقديرها بواسطة لجنة فنية". وبناء على ذلك صدر قرار المدير العام للإدارات العامة للتنظيم رقم 89 في 9 من يونيو سنة 1959 بخصم مبلغ 450 جنيهاً بالتساوي من مرتب كل من المذكورين وذلك بناء على قرار اللجنة التي شكلت لتقدير قيمة الخسائر التي عادت على البلدية من جراء إتلاف تلك التماثيل مع خصم ثلاثة أيام من أجر كل منهم لإهمالهم في عملهم أثناء قيامهم بالحراسة في حديقة الأزبكية - وفي 6 من يوليو سنة 1959 تقدم المدعي بتظلم من هذا القرار ثم تقدم بطلب إعفاء من الرسوم في 9 من سبتمبر سنة 1959 - وأضافت البلدية أنه وإن كان تحقيق الشرطة قد انتهى بقرار النيابة العامة بقيد الحادث ضد مجهول لعدم معرفة الفاعل إلا أن ذلك لا يقوم دليلاً على نفي وقوع الإهمال من العمال الثلاثة المنوطة بهم حراسة الحديقة إذ من المقرر أن استقلال المسئولية الجنائية عن المسئولية الإدارية - وذكرت أنه وإن كان عمل المدعي الأصلي (جنايني) إلا أن ذلك لا يمنع من انتدابه للقيام بأعمال أخرى بالإضافة إلى هذا العمل وأن الثابت من مذكرة النيابة الإدارية أن المدعي كان من بين المكلفين بحراسة الحديقة وقت وقوع الحادث وذلك من الساعة الرابعة حتى السادسة من مساء يوم 22 من يوليو سنة 1957.
وبجلسة 2 من أغسطس سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية ضد بلدية القاهرة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري رقم 89 الصادر بتاريخ 9 من يونيو سنة 1959 فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من راتبه وبالنسبة لخصم 150 جنيهاً من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة - وأقامت قضاءها بذلك على أن الثابت من الأوراق أن المدعي كان يعمل وقت وقوع الحادث جناينياً وكان مكلفاً بالحراسة من الساعة الرابعة حتى السادسة مساء يوم وقوع الحادث وهو يوم 22 من يوليو سنة 1959 وكان محمد أحمد خليل مكلفاً بالحراسة من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الرابعة مساء قبل أن يتولاها المدعي - وعلى أن سبب القرار المطعون فيه هو إهمال المدعي في الحراسة وهذا الإهمال لم يقم عليه أي دليل في الأوراق ومن ثم فإن مجرد تكليفه بالحراسة من الساعة الرابعة حتى السادسة مساء وتكليف زميله الآخر بالحراسة من الساعة السادسة مساء حتى السابعة صباحاً وتكليف زميل ثالث بالحراسة من الساعة السابعة صباحاً حتى الرابعة مساء قبل المدعي ثم اكتشاف حادث السرقة - لا ينهض دليلاً على السرقة أو الإهمال لأنه ما دامت فترة قيام العمال الثلاثة بالحراسة متعاقبة ولم يثبت على وجه التحديد وقوع الحادث في أية فترة من فترات الحراسة فإنه يتعين القول بفرض ثبوت وقوع السرقة والكسر والإتلاف خلال فترات الحراسة التي كلف بها العمال الثلاثة المذكورون أن من هؤلاء العمال من لم يقع منه أي إهمال وبالتالي فلا وجه لمساءلته - وذكرت المحكمة أن التحقيقات خلو من الدليل على إهمال المدعي وأن العدالة كانت تقتضي تبرئته بدلاً من مساءلته استناداً إلى أن واحداً من العمال الثلاث الذين كلفوا بالحراسة لابد وأنه ارتكب إهمالاً أدى إلى وقوع حادث السرقة والإتلاف وأن الثابت أن الأوراق خلو من الدليل على إهمال المدعي ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون فاقداً ركن السبب ويتعين الحكم بإلغائه لمخالفته القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم من حيث الشكل على أن الذي كان يمثل المجلس البلدي لمدينة القاهرة هو رئيسه فكان يتعين على المدعي أن يوجه الدعوى إلى محافظ القاهرة بصفته رئيساً لهذا المجلس ولكنه تنكب هذا السبيل فرفع دعواه على وزير الشئون البلدية والقروية ومدير عام إدارات التنظيم وليس لأي منهما صفة في تمثيل المجلس أمام القضاء فتكون الدعوى غير مقبولة لرفعها على غير ذي صفة - كما يقوم الطعن من حيث الموضوع على أن المحكمة الإدارية قد غفلت عن الدليل القائم أمامها على ثبوت الإهمال في حق المدعي وزميليه بالرغم من أن الأوراق التي كانت تحت نظرها تحمل هذا الدليل فالمدعي وزميل قبله بعده قد تعاقبوا على حراسة التماثيل القائمة في الحديقة ليلة وقوع الحادث الذي لا يتصور وقوعه دون أن يكون ذلك راجعاً إلى إهمال الحراس الذين تعاقبوا على حراسة هذه التماثيل كما أن التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية والذي انتهت فيه إلى مسئولية الحراس الثلاث قد أثبت مسئولية المدعي عن كسر التماثيل فقد سئل الحارس الأول محمد أحمد خليل الذي تسلم الحراسة من الساعة السابعة صباحاً حتى الرابعة مساء فقرر أنه ترك الحديقة والتماثيل سليمة لم يحدث بها شيء وسئل المدعي وهو الذي تسلم الحراسة من الرابعة بعد الظهر حتى السادسة فأنكر معرفته شيئاً ونفى قيامه بالحراسة بينما قرر الحارس الثالث محمد أحمد جعفر أنه عند استلامه الحديقة في السادسة مساء يوم 22 من يوليو سنة 1957 اكتشف كسر التماثيل الثلاثة الموجودة بحديقة الصبار. وهذه الأقوال لو صحت لأدت إلى قصر المسئولية على المدعي وحده وهي في جملتها تقطع بمسئولية الحراس مجتمعين وما دام الإهمال ثابتاً في حق المطعون ضده فإن القرار الصادر بمجازاته يكون قد قام على سببه وصادف محله وإذ جرى قضاء المحكمة الإدارية على خلاف ذلك فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
وعقب المدعي على الطعن بمذكرة قال فيها إن الدفع بعدم قبول الدعوى مردود بأنه قد أقام دعواه ضد البلدية التي أعلنت بصحيفة الدعوى في 9 من فبراير سنة 1960 ومثلت في الدعوى أمام المحكمة الإدارية وأبدت دفاعها وأرسلت مندوباً يمثلها وأودعت ملف خدمته وجميع المستندات المتعلقة بالدعوى وصدر الحكم ضدها وتمثيل البلدية في الدعوى ينطوي على اعتراف صريح منها بأن الخصومة موجهة إليها وأن الحكم صادر في مواجهتها - ثم تحدث عن الموضوع فقال إنه يعمل بوظيفة جنايني بالمراقبة العامة للحدائق - وأن القرار الصادر بمجازاته قد استند إلى الإهمال الذي لم يقم عليه دليل من الأوراق وذلك بالإضافة إلى أن عمله كجنايني هو الإشراف على المزروعات الموجودة بالحدائق العامة من حيث ريها وتنسيقها والعناية بها فلا يمكن القول بأنه مسئول عن حراسة الحديقة بما فيها من تماثيل لأن طبيعة عمله تختلف تمام الاختلاف مع مسئولية الحراسة بالحديقة المنوطة بالغفير - وذكر أنه في ضوء ما تقدم قرر أنه لا يعرف شيئاً عن واقعة الإتلاف وأنه لم تقم أية قرينة أخرى على أنه مسئول بحكم وظيفته عن حراسة تلك التماثيل بل إن تحقيقات النيابة العامة والنيابة الإدارية لم تسفر عن تحديد الفاعل على وجه اليقين وانتهى المدعي إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وتقدمت هيئة المفوضين بتقرير برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات - وذلك تأسيساً على أن بلدية القاهرة وقد اختصمت في الدعوى ومثلت فيها وأبدت دفاعها وصدر الحكم في مواجهتها فإنه يتعين رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة - أما في الموضوع فإن مثار النزاع ينحصر في معرفة ما إذا كان المدعي مكلفاً حقاً بحراسة الحديقة يوم الحادث فيعد في هذه الحالة مسئولاً مع زميليه عن إهمالهم في القيام بواجب الحراسة الموكول إليهم وبالتالي يكون القرار المطعون فيه صحيحاً - أم أن هذه الحراسة لم توكل إليه يومئذ فيكون القرار فاقداً لركن السبب وأشار تقرير هيئة المفوضين إلى أن بلدية القاهرة قد ضمنت إجابتها على الدعوى أنه وإن كان عمل المدعي الأصلي هو (جنايني) إلا أن هذا لا يمنع من انتدابه للقيام بأعمال أخرى بالإضافة إلى هذا العمل - كما تضمن التقرير أن الثابت من مذكرة النيابة الإدارية أن المدعي كان من بين المكلفين بحراسة الحديقة وقت وقوع الحادث وذلك من الساعة الرابعة إلى الساعة السادسة من يوم 22 من يوليو سنة 1957 وأن المستفاد من تلك المذكرة أنه ثبت من التحقيق الإداري الفاقد إسناد مهمة حراسة الحديقة إلى المدعي وزميليه في فترات متناوبة يوم وقوع الحادث ومتى كان ذلك فإن النتيجة التي انتهى إليها القرار تكون قد استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً وبالتالي يكون القرار قد صدر صحيحاً ومحمولاً على سببه - كما تقدمت هيئة المفوضين بتقرير تكميلي أضافت فيه إلى ما ورد بتقريرها الأول أنه وإن كانت الأدلة لا تؤكد بصفة قاطعة أن يكون الحادث قد وقع خلال نوبة حراسة المدعي بالذات فإنها لا تنفي من جهة أخرى احتمال وقوعه إبان فترة حراسته وأن شيوع الاتهام بين المدعي وزميليه لا يقوم بذاته مانعاً من مسئوليته إدارياً.
وقدم المدعي مذكرتين أخريين بدفاعه أشار في أولاهما إلى ما جاء برد البلدية على الدعوى من أنه وإن كان عمله الأصلي هو (جنايني) إلا أن هذا لا يمنع من انتدابه للقيام بأعمال أخرى بالإضافة إلى هذا العمل وأنه كان مكلفاً (بالحراسة) بجانب عمله كجنايني وعقب على ذلك بقوله إنه وإن كان الأصل أن من حق جهة الإدارة أن تكلف عمالها بأكثر من عمل إلا أنه ينبغي للمساءلة أن يقوم الدليل على أنه كان في وسع العامل القيام بالعملين في ذات الوقت وأنه ليس مستساغاً أن يعهد إلى الجنايني بالحراسة التي تقتضي مراقبة الداخل إلى الحديقة والخارج منها في حين أن عمل الجنايني يقتضي في الأغلب النظر إلى أسفل إذ هو بين ري للحديقة وتشذيب للأزهار وعزق للأرض ومن ثم يكون القرار بالندب لم يصادف المنطق السليم فلا يجوز على أساسه المساءلة التأديبية وذلك بالإضافة إلى أن الجزاء الذي وقع على عمال الحديقة الثلاث قصد به رئيس حرسها درء المسئولية عن نفسه وعن تابعيه من الحرس الذين يقع عليهم عبء هذا العمل. وتمسك المدعي في مذكرته الثانية بهذا الدفاع وأضاف أن الحادث قد حدث ليلاً بعد نوبة حراسته وأن مسئوليته تقع على الحارس الأخير محمد أحمد جعفر وانتهى إلى القول بأن المسئول عن تماثيل الحديقة هم قوة حرسها من العساكر ورئيسهم فيقع وزر المخالفة عليهم لا على الجناينية الذين لا صلة لهم بأمور الحراسة.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فإن المحافظة الطاعنة تبني هذا الدفع على أن الدعوى قد أقيمت ضد وزارة الشئون البلدية والقروية وضد مدير الإدارات العامة للتنظيم في حين أنه كان يتعين توجيهها إلى محافظ القاهرة بصفته رئيساً للمجلس البلدي لمدينة القاهرة. وهذا الدفع مردود بأن المجلس البلدي الذي حل محله مجلس المحافظة بعد العمل بقانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 قد مثل في هذه الدعوى وأبدى دفاعه فيها مما لا يقبل معه أي دفع في هذا الخصوص ومن ثم يكون الطعن في هذا الشق منه غير قائم على أساس سليم متعيناً رفضه.
ومن حيث إن القرار التأديبي شأنه شأن أي قرار إداري آخر يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة بتوقيع الجزاء - ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر هذا التدخل. وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني - ورقابته هذه تجد حدها الطبيعي كرقابة قانونية في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها، فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف أو العامل بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه - فكل موظف أو عامل يخل بالواجبات التي تنص عليها القوانين أو اللوائح أو يخرج على أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يقصر في تأدية عمله إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه وهذا الذنب هو سبب القرار التأديبي - أما إذا انعدم المأخذ على السلوك الإداري للموظف أو العامل ولم يقع منه إخلال بواجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها - وللمحكمة تقدير ذلك في حدود رقابتها القانونية - فإنه لا يكون ثمة ذنب إداري وبالتالي لا يكون هناك محل لجزاء تأديبي وإلا كان القرار في هذه الحالة فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب.
ومن حيث إن القرار الصادر بمجازاة المدعي يقوم على أنه هو وزميليه محمد أحمد خليل ومحمد أحمد جعفر قد أهملوا في أثناء قيامهم بالحراسة بحديقة الأزبكية مما أدى إلى وقوع حادث كسر أجزاء من ثلاثة تماثيل وفقدها.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق يبين أن واقعة كسر أجزاء من تلك التماثيل وفقدها تتحصل في أنه بتاريخ 24 من يوليو سنة 1957 أبلغ محمد أحمد جعفر الخفير بحديقة الأزبكية قسم شرطة الموسكي عن الحادث المذكور وبسؤاله قرر أنه في يوم 22 من يوليو سنة 1957 حضر لاستلام الحراسة بتفتيش الحدائق الكائن بحديقة الأزبكية فاكتشف كسر وفقد أجزاء من تلك التماثيل فأبلغ شيخ الخفراء. ولما كان يوم 23 من يوليو إجازة فقد أبلغ الأمر في 24 من يوليو إلى مهندس الحديقة الذي كلفه بإبلاغ الشرطة وقال إن محتويات الحديقة كانت في حراسة الجنايني أحمد خليل لغاية الساعة الرابعة وأنها تبقى في حراسة الباشجاويش أحمد حسنين إلى أن يأتي هو في الساعة السادسة لاستلام الحراسة وأنه أبلغ الباشجاويش المذكور عن الحادث - وبسؤال محمد أحمد خليل أجاب بأنه جنايني يعمل من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الرابعة مساء وأنه غادر الحديقة في 22 من يوليو سنة 1957 تاركاً التماثيل سليمة وأنه ليس هناك أحد مكلف بحراسة الحديقة وما بها لحين حضور الخفير وليس هناك من يستلم منه الحديقة كل يوم - وبسؤال السيد علي علي إسماعيل (وهو حسبما يبين من الأوراق مهندس الحديقة ورئيس قوة الحراسة بها) ذكر أن الخفير محمد أحمد جعفر المعين لحراسة الحديقة أبلغه عن الحادث في يوم 24 من يوليو سنة 1957 وأن حراسة هذا الخفير تبدأ من الساعة السادسة مساء حتى الصباح وأن الجنايني محمد أحمد خليل يأتي الساعة السابعة صباحاً ويظل حتى الرابعة مساء وبعد ذلك فإن المكلف بالحراسة الباشجاويش أحمد حسنين مع (جاويشيه) من الساعة الثالثة مساء حتى الساعة الحادية عشرة مساء وعلل الحادث بأن يوم 23 من يوليو سنة 1957 كان يوم احتفال بمناسبة عيد الثورة وافتتاح مجلس الأمة وبأنه يحتمل أن تكون التماثيل قد سقطت على الأرض نتيجة ازدحام الحديقة بالجمهور - وقد قيد الحادث جنحة وقررت النيابة العامة حفظها مؤقتاً لعدم معرفة الفاعل - وفي 22 من أكتوبر سنة 1958 قام مفتش الحدائق بإبلاغ النيابة الإدارية عن الحادث وأشار في كتابه إلى تحقيق الشرطة وإلى أن رئيس حراسة الحدائق قد أجرى تحقيقاً إدارياً وحدد المسئولية في:
(1) إسماعيل علي بركة الجنايني الذي كان منتدباً خفيراً وقت الحادث.
(2) ومحمد أحمد جعفر الجنايني الذي كان منتدباً خفيراً وقت الحادث.
(3) والعامل محمد أحمد خليل - وذكر أن ملف الموضوع قد سرق - وقد أجرت النيابة الإدارية تحقيقاً سمعت فيه أقوال محمد عبد المنعم خيري رئيس سكرتارية تفتيش الحدائق فقرر أن ملف التحقيق الإداري سرق من مكتبه في يوم 12 من أكتوبر سنة 1958 وأن الشبهات حامت حول العامل إسماعيل علي بركة (المدعي) الذي كان قد انتدب ساعياً في التفتيش. وقال إن السيد علي علي إسماعيل مهندس حديقة الأزبكية ورئيس قوة الحراسة قد حرر مذكرة مؤرخة في 25 من أكتوبر سنة 1958 تفيد أن المسئولين عن حادث كسر التماثيل هم محمد أحمد خليل وإسماعيل علي بركة ومحمد أحمد جعفر. والمذكرة المشار إليها مرفقة بملف التحقيق وقد أثبت فيها محررها أن: (1) محمد أحمد خليل عامل. (2) وإسماعيل علي بركه عامل. (3) ومحمد أحمد جعفر عامل ومنتدب خفيراً - هم الذين كانوا مسئولين عن حديقة الصبار في يوم 22 من يوليو سنة 1957 الأول من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة الرابعة مساء والثاني من الساعة الرابعة مساء إلى الساعة السادسة مساء والثالث من الساعة السادسة مساء حتى السابعة صباحاً - وسئل السيد علي علي إسماعيل فذكر أنه بناء على طلب المفتش أجرى تحقيقاً عن الحادث فظهر أن العامل إسماعيل علي بركة (المدعي) يتهرب من الموضوع وأن ملف التحقيق سرق وحامت الشبهات حول العامل المذكور - كما سئل محمد أحمد جعفر فردد أقواله التي أدلى بها في تحقيق الشرطة - وسئل إسماعيل علي بركة (المدعي) فقرر أنه كان يوم الحادث يشتغل (جنايني) ولا يعلم شيئاً عن الحراسة ولم يكلفه بها أحد - وسئل محمد أحمد خليل فأجاب بمثل ما أجاب به في تحقيق الشرطة. وانتهت النيابة الإدارية في مذكرتها عن هذا التحقيق إلى أنها ترى (النظر في مجازاة كل من إسماعيل علي بركه ومحمد أحمد جعفر ومحمد أحمد خليل لإهمالهم في عملهم مما أدى إلى كسر بعض أجزاء من ثلاثة تماثيل رخامية مع تحميلهم بقيمة الخسارة التي عادت على التفتيش من جراء هذا الحادث بعد تقديرها بواسطة لجنة فنية). واستناداً إلى هذا التحقيق أصدر المدير العام للإدارات العامة للتنظيم في 9 من يونيو سنة 1959 قراره موضوع الطعن متضمناً خصم مبلغ 450 جنيهاً بالتساوي من مرتب كل من: (1) الجنايني إسماعيل علي بركه. (2) والجنايني محمد أحمد جعفر. (3) والعامل محمد أحمد خليل. وذلك بناء على قرار اللجنة التي شكلت لتقدير قيمة الخسائر التي عادت على البلدية من جراء إتلاف ثلاثة تماثيل رخامية بحديقة الأزبكية وكذا خصم ثلاثة أيام من كل منهم لإهمالهم في عملهم أثناء قيامهم بالحراسة بحديقة الأزبكية مما أدى إلى وقوع حادث كسر أجزاء التماثيل.
ومن حيث إن سبب هذا القرار حسبما هو مستفاد منه ومن التحقيق الذي بني عليه هو ما نسب إلى العمال الثلاثة المذكورين ومنهم المدعي من أنهم كانوا في يوم 22 من يوليو سنة 1957 مكلفين بالحراسة في حديقة الأزبكية وأنهم أهملوا في القيام بعملهم إهمالاً أدى إلى وقوع الحادث المشار إليه.
ومن حيث إنه ليس فيما ورد في التحقيق المشار إليه أو في باقي الأوراق ما يمكن أن يستخلص منه استخلاصاً سائغاً أن المدعي كان في فترة عمله في اليوم المذكور منتدباً للحراسة أو مكلفاً بها بالإضافة إلى عمله كجنايني أو أنه وقع منه إهمال ترتب عليه كسر التماثيل الثلاث أو سرقة أجزاء منها خلال تلك الفترة ففي تحقيق الشرطة لم يذكر السيد/ علي علي إسماعيل مهندس الحديقة ورئيس قوة الحراسة بها والرئيس المباشر للمدعي أنه كان يوم 22 من يوليو سنة 1957 مكلفاً بالحراسة كما أنه في مذكرته المؤرخة في 25 من أكتوبر سنة 1958 المرفقة بتحقيق النيابة الإدارية لم ينسب إلى المدعي أنه كان منتدباً للحراسة. ولقد طلبت هذه المحكمة من الحاضر عن الطاعنين بجلسة 3 من أكتوبر سنة 1964 تقديم ما يدل على هذا الانتداب أو التكليف ولكنه لم يقدم هذا الدليل رغم تأجيل الدعوى والتصريح بتقديم مستندات ومذكرات كما أنه ليس في التحقيق أو في باقي الأوراق ما يثبت أن الحادث قد وقع في وقت محدد بالذات أو في فترة عمل المدعي.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن المستفاد من التحقيق أن هناك خفراً ورجال شرطة مخصصون للحراسة بحديقة الأزبكية فقد ذكر السيد علي علي إسماعيل في أقواله في محضر الشرطة أن الخفير محمد أحمد جعفر معين للحراسة وأن الباشجاويش أحمد حسنين هو المكلف مع (جاويشيه) بحراسة الحديقة من الساعة الثالثة مساء حتى الساعة الحادية عشرة مساء وهي فترة تقع خلالها فترة عمل المدعي في يوم 22 من يوليو سنة 1957 التي كانت تبدأ في الساعة الرابعة مساء وتنتهي في الساعة السادسة مساء.
ومن حيث إنه وإن كان يستفاد من مذكرتي المدعي الأخيرتين أنه بعد أن كان يبني دفاعه على أنه لم يكن منتدباً للحراسة أو مكلفاً بها في يوم الحادث - أصبح يبنيه على أنه حتى مع انتدابه للحراسة فإنه غير مسئول عن كسر التماثيل أو فقد أجزاء منها - وذلك مجاراة منه لما ورد في الحكم المطعون فيه في هذا الشأن - لئن كان ذلك إلا أن العبرة بالحقيقة حسبما تستخلصها المحكمة من أوراق الدعوى لا بما يقرره الخصوم في معرض الدفاع عن أنفسهم - وليس في الأوراق حسبما سبق البيان ما يمكن أن يستخلص منه أن المدعي كان في يوم الحادث منتدباً للحراسة أو مكلفاً بها بالإضافة إلى عمله بل الثابت أنه كان هناك في فترة عمله حراس متخصصون مسئولون عن حراسة الحديقة.
ومن حيث إن من بين أوجه الطعن أن المدعي وزميليه قد تعاقبوا على حراسة التماثيل يوم الحادث الذي لا يتصور وقوعه دون أن يكون ذلك راجعاً إلى إهمالهم وهذا الوجه مردود بأنه بالإضافة إلى ما سبق بيانه من أن المدعي لم يكن في يوم الحادث مكلفاً بحراسة الحديقة فإن المسئولية التأديبية شأنها في ذلك شأن المسئولية الجنائية مسئولية شخصية فيتعين لإدانة الموظف أو العامل ومجازاته إدارياً في حالة شيوع التهمة بينه وبين غيره أن يثبت أنه قد وقع منه فعل إيجابي أو سلبي محدد يعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية فإذا انعدم المأخذ على السلوك الإداري للعامل ولم يقع منه أي إخلال بواجبات وظيفته أو خروج على مقتضياتها فلا يكون ثمة ذنب إداري وبالتالي لا محل لتوقيع جزاء تأديبي وإلا كان قرار الجزاء في هذه الحالة فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار الصادر بمجازاة المدعي مخالفاً للقانون لفقدانه ركن السبب وينبني على ذلك - وقد انتفى ركن الخطأ من جانبه - عدم مسئوليته عن كسر التماثيل وفقد أجزاء منها، فلا يكون هناك محل لرجوع جهة الإدارة عليه بالتعويض عن هذا الكسر أو الفقد أو لخصم هذا التعويض من أجره.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم مما يتعين معه الحكم برفضه وإلزام الطاعنين المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق