الصفحات

الأحد، 5 نوفمبر 2023

الطعن 152 لسنة 22 ق جلسة 7 / 4 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 107 ص 896

جلسة 7 إبريل سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح، وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (107)
القضية رقم 152 لسنة 22 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة: الارتباط بالدعوى الموضوعية".
الحكم الصادر في الشق المستعجل المتعلق بطلب وقف التنفيذ، وإن حاز حجية الأحكام، إلا أنها حجية لا تقيد المحكمة عند النظر في الطلب الموضوعي وهو طلب الإلغاء - الفصل في الشق المستعجل يعتمد على ركني الجدية والاستعجال بحسب الظاهر من الأوراق - موضوع الدعوى ما زال ماثلاً أمام محكمة الموضوع يتوقف على الفصل في الدعوى الدستورية، مؤدى ذلك: أن المصلحة في الدعوى الدستورية تكون قائمة.
2 - تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية: قيودها - الحق في التعليم: موازنة".
الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة - قيام هذه السلطة على المفاضلة بين البدائل المختلفة لاختيار أنسبها لمصلحة الجماعة - تنظيم الحق في التعليم يستلزم أن يكون لكل مواطن الحق في أن يتلقى منه قدراً يتناسب مع قدراته وبما يحقق الربط بين ممارسة هذا الحق وبين حاجات المجتمع والإنتاج - القيد الوارد بالنص الطعين من تحديد عدد مرات الرسوب بالثانوية العامة يستهدف ضمان الجدية في تحصيل الطلاب والحرص على أموال الشعب؛ مؤدى ذلك: دخول هذا القيد في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق على ضوء ما يجريه من موازنات بين المصالح المختلفة.
3 - مبدأ المساواة "تمييز - فرص الامتحان".
مبدأ المساواة لا يُقصد به معاملة فئات المواطنين على ما بينهم من تفاوت في المراكز القانونية معاملة قانونية متكافئة - عدم معارضة هذا المبدأ لصور التمييز جميعها - التمييز المنهي عنه بموجبه هو ما يكون تحكمياً غير مستند إلى أسس موضوعية - قصر فرص امتحان الثانوية العامة على ثلاث مرات لأسباب موضوعية مبررة، لا يتضمن تمييزاً بين المخاطبين بالنص الطعين ولا إخلالاً بالمساواة.
4 - مبدأ تكافؤ الفرص - مبدأ المساواة "تمييز - مراكز قانونية مختلفة".
المغايرة في عدد فرص التقدم للامتحان بين طلبة الثانوي العام وطلبة الثانوي الفني تستند إلى مبرر موضوعي هو تحقيق هدف إمداد البلاد بالتخصصات الفنية - اختلاف المركز القانوني بين طالب الثانوية العامة وبين طلاب الفرق النهائية بالجامعة، وكذلك بين المقبولين بالجامعات الخاصة بمجموع ضئيل في الثانوية العامة وبين من تعذر عليه الحصول على تلك الشهادة أصلاً.

----------------
1 - دفع هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى استناداً إلى انتفاء شرط المصلحة بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذل من آثار أخصها تمكين ابنة المدعي أداء امتحان الثانوية العامة للعام الدراسي 1999/ 2000 وقد دخلت الامتحان بالفعل واجتازته بنجاح؛ مردود بأن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الشق المستعجل من الدعوى وإن حاز حجية الأحكام إلا أنها حجية لا تقيد المحكمة عند النظر في طلب الإلغاء ويزول أثرها من تاريخ الحكم في الموضوع؛ فضلاً عن أن لكل من القضائين مجاله الذي لا يختلط فيه بالآخر، فالأول خاص بالطلب المستعجل، وهو يقوم على ركني الجدية والاستعجال، ومتى توافرا قُضي بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، أما الثاني فيتعلق بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القرار المطعون فيه، والذي يتوقف الفصل فيه على الفصل في دستورية النص الذي تراءى للمحكمة شبهة مخالفته الدستور؛ ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون قائمة.
2 - الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة يقيدها الدستور بضوابط معينة، ولما كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، وكان التعليم من أكثر المهام خطراً، وأعمقها اتصالاً بإعداد أجيال تكون قادرة - علماً وعملاً - على أن ترقى بمجتمعها؛ وانطلاقاً من المسئولية التي تتحملها الدولة في مجال إشرافها عليه - طبقاً لما تقضي به المادة 18 من الدستور - فإنه أصبح لزاماً عليها أن تراعي عند تنظيمها للحق في التعليم أن يكون لكل مواطن الحق في أن يتلقى منه قدراً يتناسب مع ميوله وملكاته وقدراته ومواهبه، في حدود ما تضعه الدولة من سياسات وما ترصده من إمكانيات في هذا المجال بما يحقق الربط بين ممارسة هذا الحق وبين حاجات المجتمع والإنتاج، وذلك كله وفق القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذا الحق بما لا يؤدي إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التي يفرضها في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة؛ متى كان ذلك وكان دافع المشرع لوضع حد لفرص البقاء والإعادة وتحديد مرات التقدم للامتحانات العامة - كما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 68 لسنة 1968 السالف الإشارة إليه - هو ضمان الجدية في تحصيل الطلاب والحرص على أموال الشعب التي تنفق على التعليم العام الذي توفره الدولة بالمجان. وهو ما أكده تقرير لجنة التعليم والبحث العلمي عند دراستها لمشروع القانون رقم 233 لسنة 1988 بتعديل قانون التعليم الذي تضمن أن اللجنة إذ تؤكد مبدأ مجانية التعليم باعتباره حقاً كفله الدستور لجميع المواطنين؛ إلا أن استخدام هذا الحق يجب ألا يضر بالصالح العام، إذ أن تعليم الطالب المتكرر الرسوب بالمجان سيحمل الدولة أعباء مالية لا قبل لها بها وسيؤدي إلى حرمان غيره من مواصلة التعليم بالصورة المرجوة، وأنه أمام قصور موارد الدولة المخصصة للتعليم فقد رأت اللجنة قصر الحق في التعليم المجاني على ثلاث مرات يتقدم فيها الطالب لامتحان الثانوية العامة تحقيقاً لطموحه لمواصلة التعليم واستجابة للضغوط الاجتماعية التي تربط بين التعليم والمكانة الأدبية في المجتمع على أن يؤدي رسم امتحان قدره مائة جنيه في المرة الثالثة. ومن ثم فإن القيد الوارد بالنص الطعين يعتبر مندرجاً في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، على ضوء ما يجريه من موازنات بين المصالح المختلفة؛ ويكون النعي على مسلكه هذا بمساسه بالحق في التعليم مفتقداً لدعامته.
3 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينهم من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ما يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوراً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها؛ فإذا كان النص التشريعي - بما انطوى عليه من تمييز - مصادماً لهذه الأغراض مجافياً لها بما يحول دون ربطه بها؛ فإن هذا النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور. متى كان ذلك وكان ما قرره النص الطعين من قصر فرص التقدم لامتحان شهادة الثانوية العامة على ثلاث مرات قد رد المخاطبين به إلى قاعدة موحدة لا تقيم في مجال سريانها تمييزاً بينهم، بل تنتظمهم جميعاً أحكامها التي ربطها المشرع بمصلحة عامة تتمثل في تسخير إمكانيات الدولة وما تكفله من الحق في التعليم المجاني للطالب الحريص في التعليم والجاد في الدراسة، دون الطالب الذي تعوزه الرغبة والقدرة على استكمال مسيرته التعليمية بنجاح رغم إتاحة الفرصة له أكثر من مرة؛ فإنه لا يكون قد تنكب قاعدة المساواة.
4 - إذا كان قانون التعليم قد غاير في المعاملة بين طلبة الثانوي العام وطلبة الثانوي الفني بزيادة فرصة رابعة للأخيرين للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية الفنية - صناعية أو زراعية أو تجارية - فقد جاء ذلك تحقيقاً لهدف إمداد البلاد بالتخصصات الفنية المساعدة التي تحتاجها في مجالات الإنتاج والخدمات. يؤيد هذا أن المشرع أجاز تغيير المسار من الثانوي العام إلى الثانوي الفني دون العكس وذلك كله في إطار ما تغياه الدستور من الربط بين التعليم وبين احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية وزيادة الإنتاج. كما أنه لا وجه لقياس حالة طالب الثانوية العامة على طالب الفرق النهائية بالجامعة الذي تجيز له المادة 80 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات دخول الامتحانات حتى يتم نجاحه، وذلك لاختلاف المركز القانوني لكل منهما، كما أن صدور القانون رقم 101 لسنة 1992 بشأن إنشاء الجامعات الخاصة لا صلة له بالإخلال بتكافؤ الفرص بين المقبولين بهذه الجامعات - حتى بافتراض تدني درجاتهم الكلية في شهادة الثانوية العامة جدلاً - وبين من تعذر عليه الحصول على تلك الشهادة أصلاً رغم دخوله الامتحان ثلاث مرات، خاصة وأن الهدف من إنشاء هذه الجامعات - حسبما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون إنشائها - هو إتاحة فرصة المشاركة غير الحكومية في مسئولية إعداد الكوادر اللازمة لمقابلة الحاجة الجماهيرية الملحة للتخصصات الجديدة في مجال التعليم العالي ولمواجهة ظاهرة انتشار سفر الطلاب إلى الجامعات العربية والأجنبية للحصول على أماكن للتعليم في هذه التخصصات.


الإجراءات

بتاريخ الثامن والعشرين من أغسطس سنة 2000 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 3079 لسنة 22 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الأولى) بجلستها المعقودة في 31 مايو سنة 2000 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة 29 من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن ابنة المدعي كانت مقيدة بالصف الثالث الثانوي العام وأدت الامتحان خلال الأعوام الدراسية 96/ 1997 - 97/ 1998 - 98/ 1999 إلا أنها لم توفق، وعند تقدمها لأداء الامتحان لمرة رابعة صدر قرار من الإدارة التعليمية المختصة بعدم أحقيتها في ذلك، فقام المدعي بالطعن على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة طالباً الحكم بوقف تنفيذه وإلغائه، وبجلسة 31/ 5/ 2000 قضت تلك المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وتمكين ابنه المدعي من أداء امتحان الثانوية العامة للعام الدراسي 1999/ 2000، وبوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة 29 من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981 فيما تضمنته من عدم جواز التقدم لامتحان شهادة إتمام الثانوية العامة أكثر من ثلاث مرات وذلك تأسيساً على أن قانون التعليم وإن التزم التوجيه الدستوري في جعل مرحلة التعليم الابتدائي إلزامية ومد هذا الإلزام إلى مرحلة التعليم الإعدادي ولم يقيد فرص اجتياز هاتين المرحلتين بأي قيد، إلا أنه لم يُفسخ للطالب في نهاية مرحلة التعليم الثانوي العام سوى ثلاث فرص لا يستطيع بعدها الاستمرار في الدراسة الأمر الذي يتعارض مع كفالة الدولة للحق في التعليم المنصوص عليه في الدستور؛ فضلاً عن إهداره مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص إذ أن الطالب الراسب في السنة النهائية من مرحلة التعليم الجامعي، ترخص له المادة 80 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات في دخول الامتحان حتى يتم نجاحه، وذلك في حين أن كلا الشهادتين الجامعية والثانوية العامة تتساويان في مجال التأهيل للعمل، بالإضافة إلى أنه وقد صدر القانون رقم 101 لسنة 1992 بإنشاء الجامعات الخاصة والذي ترتب عليه إفساح المجال أمام الحاصلين على شهادة الثانوية العامة بدرجات متواضعة للالتحاق بهذه الجامعات، فإنه لا يجوز حرمان الطالب من التقدم لنيل الشهادة المؤهلة لهذا التعليم الجامعي الخاص.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى استناداً إلى انتفاء شرط المصلحة بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذل من آثار أخصها تمكين ابنة المدعي أداء امتحان الثانوية العامة للعام الدراسي 1999/ 2000 وقد دخلت الامتحان بالفعل واجتازته بنجاح.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الشق المستعجل من الدعوى وإن حاز حجية الأحكام إلا أنها حجية لا تقيد المحكمة عند النظر في طلب الإلغاء ويزول أثرها من تاريخ الحكم في الموضوع؛ فضلاً عن أن لكل من القضائين مجاله الذي لا يختلط فيه بالآخر، فالأول خاص بالطلب المستعجل، وهو يقوم على ركني الجدية والاستعجال، ومتى توافرا قُضى بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، أما الثاني فيتعلق بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القرار المطعون فيه، والذي يتوقف الفصل فيه على الفصل في دستورية النص الذي تراءى للمحكمة شبهة مخالفته للدستور؛ ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون قائمة.
وحيث إن المادة 29 من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981 معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 1997 تنص على أن: -
فقرة أولى "مع عدم الإخلال بحكم المادة 23 من هذا القانون يجرى الامتحان للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة على مرحلتين، الأولى في نهاية السنة الثانية والأخرى في نهاية السنة الثالثة، ويعقد في نهاية الصف الثاني من التعليم الثانوي العام امتحان عام من دورين، وينقل الناجحون في جميع المواد إلى الصف الثالث، ويسمح للراسب في الدور الأول في مادة أو مادتين بالتقدم لامتحان الدور الثاني فيما رسب فيه".
فقرة ثانية: "كما ينقل إلى الصف الثالث الراسب في مادة واحدة، ويشترط قبل حصوله على شهادة إتمام الدارسة الثانوية العامة أن يجتاز الامتحان في هذه المادة بنجاح وفقاً للقواعد التي يحددها وزير التربية والتعليم".
فقرة ثالثة "ويعقد في نهاية الصف الثالث من التعليم الثانوي العام امتحان عام من دورين، ويمنح الناجحون في جميع المواد شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، ويسمح للراسب في الدور الأول في مادة أو مادتين، بالإضافة إلى المادة التي رسب فيها بالصف الثاني إن كان قد رسب فيها في الدور الأول، بالتقدم لامتحان الدور الثاني فيما رسب فيه، ويشترط نجاحه فيما أدى فيه هذا الامتحان وإلا أعاد الامتحان في المواد التي رسب فيها".
فقرة رابعة "ويجوز التقدم لامتحان شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة ثلاث مرات، على أن تقتصر كل من المرتين الثانية والثالثة على الراسب، وأن يكون التقدم في المرة الثالثة من الخارج، مع تحمل الطالب عند دخوله الامتحان فيها رسماً مقداره مائة جنيه".
فقرة خامسة "وفي جميع الأحوال لا يحصل الطالب في امتحان الدور الثاني على أكثر من خمسين في المائة من النهاية الكبرى لدرجة المادة".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بالنصوص اللازمة للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وكان المدعي لا يتوخى من نزاعه الموضوعي سوى القضاء بإلغاء قرار الإدارة التعليمية الصادر بعدم أحقية ابنته في التقدم لأداء امتحان نهاية الصف الثالث من التعليم الثانوي العام لمرة رابعة، فإن نطاق الدعوى الماثلة يقتصر على ما تضمنه نص الفقرة الرابعة من المادة 29 من قانون التعليم المشار إليها في عدم جواز التقدم لأداء هذا الامتحان أكثر من ثلاث مرات ولا تمتد إلى غير ذلك من أحكام النص الأخرى.
وحيث إنه يبين من استعراض التشريعات المنظمة للتعليم في مصر، على الأخص ما يتعلق منها بشهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، أن الحكم الوارد في الفقرة الطعينة ليس مستحدثاً وإنما جاء ترديداً لما جرى عليه المشرع من تقرير حد أقصى لفرص التقدم لامتحان الثانوية العامة يتراوح بين مرتين بالقانون رقم 211 لسنة 1953 بشأن تنظيم التعليم الثانوي وثلاث مرات بالقانون رقم 68 لسنة 1968 في شأن التعليم العام ثم بقانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981 معدلاً بالقانون رقم 233 لسنة 1988، وإذ كان المشرع قد أطلق فرص التقدم لهذا الامتحان بموجب القانون رقم 2 لسنة 1994 المعدل لقانون التعليم في مرحلة من مراحل تطوره فقد جاء ذلك مواكباً لنظام تحسين الدرجات الذي استحدثه هذا القانون ثم عدل عنه المشرع بالقانون رقم 160 لسنة 1997 متضمناً النص محل الطعن الماثل، وقد جاء كل ذلك في مجال تنظيم قواعد وشروط الحصول على شهادة الثانوية العامة في ضوء ما طرأ على المجتمع من مستجدات اقتصادية واجتماعية وما أملته الاحتياجات العلمية والعملية.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، ولما كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم، وكان التعليم من أكثر المهام خطراً، وأعمقها اتصالاً بإعداد أجيال تكون قادرة - علماً وعملاً - على أن ترقى بمجتمعها؛ وانطلاقاً من المسئولية التي تتحملها الدولة في مجال إشرافها عليه - طبقاً لما تقضي به المادة 18 من الدستور - فإنه أصبح لزاماً عليها أن تراعي عند تنظيمها للحق في التعليم أن يكون لكل مواطن الحق في أن يتلقى منه قدراً يتناسب مع ميوله وملكاته وقدراته ومواهبه، في حدود ما تضعه الدولة من سياسات وما ترصده من إمكانيات في هذا المجال بما يحقق الربط بين ممارسة هذا الحق وبين حاجات المجتمع والإنتاج، وذلك كله وفق القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذا الحق بما لا يؤدي إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التي يفرضها في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة؛ متى كان ذلك وكان دافع المشرع لوضع حد لفرص البقاء والإعادة وتحديد مرات التقدم للامتحانات العامة - كما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 68 لسنة 1968 السالف الإشارة إليه - هو ضمان الجدية في تحصيل الطلاب والحرص على أموال الشعب التي تنفق على التعليم العام الذي توفره الدولة بالمجان. وهو ما أكده تقرير لجنة التعليم والبحث العلمي عند دراستها لمشروع القانون رقم 233 لسنة 1988 بتعديل قانون التعليم الذي تضمن أن اللجنة إذ تؤكد مبدأ مجانية التعليم باعتباره حقاً كفله الدستور لجميع المواطنين؛ إلا أن استخدام هذا الحق يجب ألا يضر بالصالح العام، إذ أن تعليم الطالب المتكرر الرسوب بالمجان سيحمل الدولة أعباء مالية لا قبل لها بها وسيؤدي إلى حرمان غيره من مواصلة التعليم بالصورة المرجوة، وأنه أمام قصور موارد الدولة المخصصة للتعليم فقد رأت اللجنة قصر الحق في التعليم المجاني على ثلاث مرات يتقدم فيها الطالب لامتحان الثانوية العامة تحقيقاً لطموحه لمواصلة التعليم واستجابة للضغوط الاجتماعية التي تربط بين التعليم والمكانة الأدبية في المجتمع على أن يؤدي رسم امتحان قدره مائة جنيه في المرة الثالثة. ومن ثم فإن القيد الوارد بالنص الطعين يعتبر مندرجاً في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، على ضوء ما يجريه من موازنات بين المصالح المختلفة؛ ويكون النعي على مسلكه هذا بمساسه بالحق في التعليم مفتقداً لدعامته.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينهم من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ما يكن تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوراً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها؛ فإذا كان النص التشريعي - بما انطوى عليه من تمييز - مصادماً لهذه الأغراض مجافياً لها بما يحول دون ربطه بها؛ فإن هذا النص يكو مستنداً إلى أسس غير موضوعية ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور. متى كان ذلك وكان ما قرره النص الطعين من قصر فرص التقدم لامتحان شهادة الثانوية العامة على ثلاثة مرات قد رد المخاطبين به إلى قاعدة موحدة لا تقيم في مجال سريانها تمييزاً بينهم، بل تنتظمهم جميعاً أحكامها التي ربطها المشرع بمصلحة عامة تتمثل في تسخير إمكانيات الدولة وما تكفله من الحق في التعليم المجاني للطالب الحريص في التعليم والجاد في الدراسة، دون الطالب الذي تعوزه الرغبة والقدرة على استكمال مسيرته التعليمية بنجاح رغم إتاحة الفرصة له أكثر من مرة؛ فإنه لا يكون قد تنكب قاعدة المساواة.
وحيث إنه إذا كان قانون التعليم قد غاير في المعاملة بين طلبة الثانوي العام وطلبة الثانوي الفني بزيادة فرصة رابعة للأخيرين للحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية الفنية - صناعية أو زراعية أو تجارية - فقد جاء ذلك تحقيقاً لهدف إمداد البلاد بالتخصصات الفنية المساعدة التي تحتاجها في مجالات الإنتاج والخدمات. يؤيد هذا أن المشرع أجاز تغيير المسار من الثانوي العام إلى الثانوي الفني دون العكس وذلك كله في إطار ما تغياه الدستور من الربط بين التعليم وبين احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية وزيادة الإنتاج.
وحيث إنه لا وجه لقياس حالة طالب الثانوية العامة على طالب الفرق النهائية بالجامعة الذي تجيز له المادة 80 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات دخول الامتحانات حتى يتم نجاحه، وذلك لاختلاف المركز القانوني لكل منهما، كان أن صدور القانون رقم 101 لسنة 1992 بشأن إنشاء الجامعات الخاصة لا صلة له بالإخلال بتكافؤ الفرص بين المقبولين بهذه الجامعات - حتى بافتراض تدني درجاتهم الكلية في شهادة الثانوية العامة جدلاً - وبين من تعذر عليه الحصول على تلك الشهادة أصلاً رغم دخوله الامتحان ثلاث مرات، خاصة وأن الهدف من إنشاء هذه الجامعات - حسبما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون إنشائها - هو إتاحة فرصة المشاركة غير الحكومية في مسئولية إعداد الكوادر اللازمة لمقابلة الحاجة الجماهيرية الملحة للتخصصات الجديدة في مجال التعليم العالي ولمواجهة ظاهرة انتشار سفر الطلاب إلى الجامعات والعربية والأجنبية للحصول على أماكن للتعليم في هذه التخصصات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق