الصفحات

الأربعاء، 25 أكتوبر 2023

المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي / م 810 - م 1082


القسم الثاني - الحقوق العينية:
تنقسم الحقوق المالية بصفة أساسية، إلى حقوق شخصية وحقوق عينية، وهو التقسيم التقليدي الذي رأى المشروع اتباعه كما سبق البيان في النظرة العامة للقسم الأول الذي خُصص للحقوق الشخصية.
والحقوق العينية جميعًا تتميز عن الحقوق الشخصية أو الالتزامات بأن محل الحق العيني هو شيء معين بذاته بحيث يكون لصاحب الحق سلطات مباشرة على الشيء فلا يحتاج إلى تدخل شخصي آخر ليباشر هذه السلطات، في حين أن محل الحق الشخصي هو عمل يقوم به شخص معين هو المدين حتى ولو كان هذا العمل متصلاً بشيء ما.
والحقوق العينية تنقسم أساسًا إلى نوعين، الحقوق العينية الأصلية، والحقوق العينية التبعية وهي التأمينات العينية. والحقوق العينية الأصلية هي حقوق توجد مستقلة، فلا يستند الحق في وجوده إلى حق آخر يتبعه، فيكون الحق بما يخوله من سلطات مقصودًا لذاته وليس لخدمة حق آخر، وأهم هذه الحقوق هو حق الملكية الذي يخول صاحبه، بأصل وضعه، السلطات التي تمكن من الحصول على كل منافع الشيء، ثم تأتي بعد ذلك حقوق تُعرف بالحقوق المتفرعة عن الملكية لأن كل حق منها يخول صاحبه بعض ما يخوله حق الملكية من سلطات، والحقوق العينية التبعية، أي التأمينات العينية، هي حقوق عينية لا تُقصد لذاتها، وإنما لضمان الوفاء بالحقوق الشخصية فيكون الحق العيني دائمًا تابعًا لحق شخصي.
وهذه الحقوق، وفقًا لما سار عليه المشروع، هي الرهن الرسمي والرهن الحيازي والامتياز.
وقد عرض المشروع لكل من نوعي الحقوق العينية في كتاب مستقل.
الكتاب الأول: الحقوق العينية الأصلية
الباب الأول - حق الملكية
حق الملكية هو أهم الحقوق العينية الأصلية، وعنه تتفرع الحقوق الأخرى، وقد عرض المشروع لتنظيم الملكية في فصلين: الأول في أحكام حق الملكية أي في القواعد التي تنظم الحق الموجود فعلاً، فبدأ أولاً ببيان نطاق حق الملكية من حيث مضمونه أي السلطات التي يخولها الحق صاحبه (م 810)، ومن حيث محل الحق (م 811 و812) ومن حيث القيود التي ترد على حق المالك (م 813 - 817)، ثم عرض المشروع للملكية الشائعة حيث يتعدد أصحاب الحق على الشيء فبدأ بأحكام الشيوع التي تبين كيفية ممارسة الشركاء حقوقهم على الشيء المملوك لهم جميعًا (م 818 - 829). ثم تناول انقضاء الشيوع بالقسمة فعرض للحق في طلب القسمة، وكيف تتم القسمة، اتفاقًا أو قضاءً، وأثر القسمة سواء من حيث إفراز الأنصبة أو ضمان التعرض والاستحقاق (م 830 - 842)، وبعد القسمة النهائية التي يترتب عليها إنهاء حالة الشيوع، عرض المشروع لقسمة المهايأة (م 843 - 846)، ثم عرض المشروع بعد ذلك لما يسمى الشيوع الإجباري حيث وضع قاعدة عامة (م 847). ثم عقب عليها بتنظيم ملكية الطبقات والشقق حيث يوجد أهم تطبيق من تطبيقات فكرة الشيوع الإجباري وهو ملكية الأجزاء المشتركة في البناء الذي يتعدد فيه الملاك، كل منهم يملك جزءًا مفرزًا، وحصة شائعة في الأجزاء المشتركة (م 848 - 874).
وبعد أحكام حق الملكية، عرض المشروع في الفصل الثاني لأسباب كسب الملكية، مبتدئًا بكسب الملكية ابتداءً عن طريق الاستيلاء أي حيازة المباح (م 875 - 879)، ثم كسب الملكية انتقالاً فيما بين الأحياء بالالتصاق (م 880 - 887)، والتصرف القانوني (م 888 - 890)، والشفعة (م 891 - 904)، كما عرض للحيازة بتنظيم شامل لا يقتصر على ما قد يترتب عليها من كسب الملكية، أو غيرها من الحقوق العينية، وإنما يشمل كل ما يتعلق بالحيازة (م 905 - 939)، وأخيرًا عرض المشروع لكسب الملكية انتقالاً بسبب الوفاة، فبدأ بالإشارة إلى الميراث مكتفيًا بالإحالة على أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنه (م 940)، ثم عرض للوصية فأحال أيضًا على أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها، ثم بين التصرفات التي تأخذ حكم الوصية (م 941 - 943).
الفصل الأول: أحكام الملكية:
الفرع الأول - نطاق حق الملكية:
بدأ المشروع أحكام حق الملكية بنص المادة (810) التي تبين مضمون حق الملكية، أي السلطات التي يخولها الحق صاحبه، وفيه تعريف بهذا الحق أو هو يغني عن التعريف، وحق الملكية هو أوسع الحقوق نطاقًا من حيث ما يخول صاحبه من سلطات، فهو يخول المالك بأصل وضعه كل السلطات المتصورة لتمكينه من الحصول على كافة مزايا الشيء محل الحق، ومن الممكن أن يذكر هذا في نص تشريعي فيقال: (لمالك الشيء السلطات، التي تمكن من الحصول على كل مزاياه) دون ذكر هذه السلطات، ولكن نظرًا إلى أن السلطات التي تمكن من الحصول على كافة مزايا الشيء لا تعدو أن تكون الاستعمال والاستغلال والتصرف، فقد رُئي اتباع مسلك التشريعات المختلفة بذكر هذه السلطات الثلاث.
وتمتع المالك بهذه السلطات جميعًا هو الأصل في حق الملكية بمعنى أن المالك يتمتع بها ما لم يُحرم من بعضها مؤقتًا، كما لو حرم المالك من الاستعمال والاستغلال نتيجة لوجود حق انتفاع لغيره على الشيء أو حرم من سلطة التصرف كأثر لشرط صحيح بعدم التصرف، والحد من سلطات المالك نتيجة وجود حق للغير ليس محلاً للشك ويبقى المالك، برغم حرمانه من إحدى السلطات مالكًا.
هذا ولم يشر في النص إلى بعض العبارات التي ترد في النصوص المقابلة في بعض التشريعات لعدم الحاجة إليها من ناحية ولما قد يترتب على ذكرها من لبس من ناحية أخرى:
أولاً: ترد في بعض النصوص ألفاظ أو عبارات لإبراز ما يقال عادة في الفقه عند بيان خصائص حق الملكية من أنه حق مانع بمعنى أن تقتصر السلطات التي يخولها الحق على المالك دون غيره، مثل ما ورد في القانون المصري والقوانين التي نقلت عنه من أن لمالك الشيء وحده ... (والواقع أن حق الملكية لا يختلف في هذا عن غيره من الحقوق فكل صاحب حق له وحده أن يباشر السلطات التي يخولها حقه).
ثانيًا: لم يشر النص إلى الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية، فأولاً من الخطأ أن يُقال، كما يقول البعض، أن الملكية وظيفة اجتماعية لأن هذا يتضمن إنكارًا لفكرة الحق ذاتها، فصاحب الحق يباشر سلطاته لحسابه ولتحقيق مصلحته الخاصة أما مصلحة الجماعة فتتحقق بطريق غير مباشر. ولذلك فالصحيح أن يقال إن للملكية وظيفة اجتماعية، ولكن هذا لا يستدعي النص، كما فعلت بعض التشريعات، على تقييد مباشرة المالك لسلطاته بالقول إن ذلك يكون (متفقًا مع ما لحق الملكية من وظيفة اجتماعية) (المادة 684) من القانون السوداني رقم (29) لسنة 1971، ذلك أن حق الملكية لا يختلف عن غيره من الحقوق من هذه الناحية، فكل حق له وظيفة اجتماعية، وليس من حسن السياسة التشريعية أن يرد مثل هذا القيد في نص تشريعي لا يُستبعد أن يساء استغلاله، هذا بالإضافة إلى أن مشروع القانون قد تضمن تنظيمًا عامًا لعدم جواز التعسف في استعمال الحق.
وبعد أن عرض المشروع لنطاق حق الملكية من حيث مضمونه أي لسلطات المالك، عرض في المادتين (811 و812) لنطاق الحق من حيث محله، فنصت المادة (811) على أن ملكية الشيء تشتمل أجزاءه وثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو تصرف قانوني يخالف ذلك.
والنص على أجزاء الشيء يقابل ما ورد في القانون المصري والقوانين العربية التي نقلت عنه أو تأثرت به من أن (مالك الشيء يملك كل ما يعده من عناصره الجوهرية بحيث لا يمكن فصله عنه دون أن يهلك أو يتلف أو يتغير) (م 803/ 1 مصري، 769/ 1 سوري - 812/ 1 ليبي، 685/ 1 سوداني، 682/ 1 صومالي، 675/ 1 تونسي، 1049 عراقي، 1019/ 1 أردني) وقد آثر المشروع كلمة (أجزاءه) مع إيجازها على تلك العبارة وذلك (لأن كلمة جزء أكثر ملاءمة لنصوص التشريع من كلمة عنصر، كما أن وصف العناصر التي يملكها المالك بأنها جوهرية يفيد أن العناصر غير الجوهرية لا تشملها الملكية وهو غير صحيح، فكل ما يعتبر جزءًا أو عنصرًا من الشيء محل الحق تمتد إليه الملكية أيًا كانت درجة أهميته حتى ولو كان من الكماليات، وإذا كانت التشريعات المشار إليها قد حرصت على تحديد معنى العنصر الجوهري بأنه الذي (لا يمكن فصله عنه دون أن يهلك أو يتلف أو يتغير) فهذا التحديد يكتنفه الغموض إذ يدعو إلى التساؤل عن الشيء الذي تعود عليه عبارة (دون أن يهلك أو يتلف أو يتغير) هل هو العنصر الجوهري أم الشيء الأصلي ؟ فإذا كان المقصود هو العنصر الجوهري أي الجزء فالضابط غير صحيح لأن بعض ما يعتبر جزءًا من الشيء يمكن فصله دون أن يهلك أو يتلف أو يتغير مثل كثير من أجزاء السيارة وبعض أبواب ونوافذ المبنى، وإذا كان المقصود هو هلاك أو تلف أو تغير الشيء الأصلي، فالضابط غير مفيد إذ كيف يمكن مثلاً أن نميز بواسطته بين صور معلقة على حائط المنزل وهي بلا شك ليست جزءًا منه وبين تمثال مثبت على قاعدة في مدخل المنزل ؟ إن كلمة يتغير التي يقال إنها تعين على التفرقة تصدق في الحالين على نفس الوجه، وإذا كان نص المشروع قد اكتفى بفكرة الجزئية، فهذا القدر من التحديد يكفي تشريعيًا، وإذا أثير النزاع في العمل حول ما إذا كان شيء ما يُعتبر أو لا يُعتبر جزءًا من شيء آخر، فالقاضي يفصل فيه على ضوء الظروف وبالاستعانة عند اللزوم بالعرف وتقدير أهل الخبرة.
وبالإضافة إلى أجزاء الشيء تشمل الملكية منتجاته وثماره، ويقصد بالمنتجات ما ينتج عن الشيء غير الثمار، وإذا كانت الثمار تشمل ما ينتجه الشيء من غلة دورية دون أن يترتب على أخذها الانتقاص من أصل الشيء فالمنتجات غير دورية ويترتب على أخذها الانتقاص من أصل الشيء.
كما تشمل الملكية ملحقات الشيء ويقصد بها كل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال الشيء وفقًا لعرف الجهة وقصد من أعدها دون أن تكون جزءًا من الشيء ذاته ولا متولدة عنه.
واستمرارًا لتحديد نطاق الحق من حيث الشيء الذي يرد عليه، نصت المادة (812) من المشروع على أن ملكية الأرض تشمل ما تحتها وما فوقها إلى الحد المفيد في التمتع بها وفقًا للمألوف. فتفريعًا على فكرة الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية ينبغي ألا يتجاوز حق المالك الحدود التي له فيها فائدة من الاستئثار بباطن الأرض وما يعلوها من فضاء فالملكية ولو إنها تخول المالك بحسب الأصل كل ما يتصور من سلطات للانتفاع بالشيء الذي يملكه فذلك ينبغي أن يكون في حدود الانتفاع المألوف، ولهذا حرص المشروع على النص على قيد للحد المفيد في التمتع بالعمق والعلو، فذكر أن ذلك يكون (وفقًا للمألوف) حتى يضع حدًا لما يمكن أن يدعيه المالك من وجود منفعة له في الاستئثار بما في باطن الأرض أو فيما يعلوها من فضاء.
واشتمال الملكية لأجزاء الشيء ومنتجاته وملحقاته، وكذلك امتداد ملكية الأرض لما تحتها وما فوقها، كل ذلك هو الأصل في حق الملكية، وقد ينص القانون على خلافه، كما قد يرد في تصرف قانوني ما يخالفه، سواء كان التصرف عقدًا أو وصية، فقد يبيع الشخص ثمار الشيء كثمر الحديقة أو منتجاته كالأحجار في باطن الأرض أو حتى بعض أجزاء الشيء مثل أبواب المنزل، فتنفصل ملكية الشيء عن ملكية المبيع، وقد يحدث مثل هذا الانفصال بالوصية كأن يوصي شخص لآخر بملكية الطابق العلوي في الدار مع حق القرار على السفل.
قيود الملكية:
وبعد النص على مضمون حق الملكية ونطاقه من حيث المحل، عرض المشروع لبعض قيود الملكية، فإذا كان الأصل أن يستأثر المالك بكل السلطات التي تمكن من الحصول على كل مزايا الشيء الذي يملكه، فثمة قيود قد تحد من ذلك إما لتحقيق مصلحة عامة وإما لتحقيق مصالح خاصة، وقد ترد القيود بحكم القانون، وقد ترد في تصرف قانوني عقدًا كان أو وصية.
وإذا كان من الطبيعي أن يعرض القانون المدني، عند تنظيم حق الملكية، لما يرد على هذا الحق من قيود تحد من سلطات المالك أو من استئثاره بها، فالأمر على خلاف ذلك بالنسبة لما يرد من قيود على حق التملك أو حرية التملك، فهذه القيود ليست من موضوعات القانون المدني، ولهذا لم يعرض لها المشروع.
وبالنسبة للقيود التي ترد على حق الملكية ذاته، فمنها أولاً ما ينشأ نتيجة حتمية لوجود حق لشخص آخر غير المالك، كالحد من سلطات المالك بسبب وجود حق انتفاع على الشيء أو حق رهن، وهذه القيود لا تحتاج إلى تنظيم خاص، في باب الملكية، تبقى القيود القانونية والإدارية، التي تحد من سلطات المالك أو من استئثاره بملكه والتي تتقرر ابتداءً لتحقيق مصلحة عامة أو مصلحة خاصة يقدر القانون أنها جديرة بالحماية، وهذه هي التي عرض لها المشروع بنصوص المواد (من 813 إلى 817) مع ملاحظة أن المشروع آثر استبعاد النص على بعض القيود التي تنص عليها تشريعات أخرى، إما لعدم الحاجة إلى النص عليها وإما لاعتبارات تتعلق بالظروف الخاصة بدولة الكويت، وذلك على النحو التالي:
( أ ) رُئي أنه لا داعي للنص، كما تفعل بعض التشريعات (المادة 806 مصري والنصوص العربية المستمدة منها) على أن المالك يجب عليه أن يراعي في استعمال حقه ما تقضي به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة، أو النص على أن المصانع والآبار والآلات البخارية وجميع المحال المضرة بالجيران يجب أن تنشأ على المسافات المبينة في اللوائح وبالشروط التي تفرضها (م 822 مصري)، فمثل هذه النصوص لا فائدة منها، بمعنى أنه يستوي في العمل وجود النص أو عدم وجوده، فمراعاة القوانين واجب تفرضه تلك القوانين ذاتها.
(ب) رُئي عدم النص على القيد الخاص بمضار الجوار غير المألوفة اكتفاءً بالنص العام على عدم جواز التعسف في استعمال الحق، حيث جعل المشروع الاستعمال الذي يترتب عليه ضرر غير مألوف أي ضرر فاحش صورة من صور التعسف في استعمال الحق (المادة 30 من المشروع).
(جـ) وفيما يتعلق بالقيود التي ترد على ملكية الأرض الزراعية ومرافقها كموارد المياه والصرف، آثر المشروع ألا يعرض لها تاركًا أمرها للعرف وما قد تصدره الدولة في شأنها من تشريعات خاصة.
(د) فيما يتعلق بالقيود القانونية لم يعرض المشروع لبعض القيود التي تنظمها عادة قوانين البلاد الأخرى، وذلك لعدم الحاجة إليها في الكويت، وهي: القيد الخاص بملكية الحائط الذي يفصل بين بناءين من حيث تقيد حق المالك في هدمه إذا كان الهدم يضر الجار الذي يستتر ملكه بالحائط، وكذلك القيد الخاص بحق المرور القانوني الذي يتقرر لمالك الأرض المحبوسة عن الطريق العام على الأراضي المجاورة.
ولهذا اقتصر الأمر، في شأن القيود القانونية، على نص المادتين (813، 814) وذلك على النحو التالي:
فيتضمن نص المادة (813) قيدًا على حرية المالك في ملكه، فالأصل أن كل مالك حر في ملكه، ومن بين مظاهر هذه الحرية حريته في وضع أو عدم وضع علامات ظاهرة تبين حدود هذا المالك تمييزًا له عن ملك جاره، وعلى خلاف هذا الأصل نص المشروع على أن “ لكل مالك أن يجبر جاره على وضع حدود لأملاكهما المتلاصقة “، والفرض الذي يعرض له النص هو حالة وجود أرضين غير مبنيتين متلاصقتين لمالكين مختلفين، ونظرًا إلى أن اتصال حدود كل منهما بحدود الأخرى قد يؤدي إلى صعوبة التصرف على الحد الفاصل بين كل منهما، الأمر الذي يثير المنازعات بين المالكين المتجاورين عند مباشرة كل منهما حقه، هيأ النص لكل منهما الوسيلة للتعرف على حدود ملكه في وضوح، فإذا لم يتراضَ المالكان على بيان الحدود كان لكل منهما أن يجبر الآخر على أن يُسهم معه في وضع الحدود بدعوى تعيين الحدود، وهي دعوى تثبت للمالك ولكل صاحب حق عيني على العقار.
ويتم وضع الحدود أولاً بتطبيق مستندات ملكية الجارين على الطبيعة لمعرفة الحد الفاصل بين ملكيهما، ثم توضع علامات مادية ظاهرة تميز ذلك الحد.
وتكون نفقات التحديد مناصفةً بين المالكين ولو اختلفت مساحة أرض كل منهما عن مساحة الأرض الأخرى، ونفقات التحديد التي يشترك فيها المالكان مناصفةً تقتصر على ما يلزم لوضع الحدود ذاتها كثمن الأوتاد ونفقات المحضر الذي يُحرر لبيان الحدود، أما ما يقتضيه التحديد من نفقات لمسح الأراضي المتجاورة فتكون على أصحابها كل بحسب ما تتكلفه أرضه.
ويعرض نص المادة (814) للقيود الخاصة بفتحات البناء التي تمكن من رؤية ملك الجار، وهي المطلات والمناور، وقد كان على المشروع أن يختار بين سياستين: فإما أن يضع النصوص التي تنظم الموضوع أسوة بأكثر التشريعات العربية، وإما أن يكتفي – كما فعل القانون السوداني – بالإحالة في شأن هذه القيود إلى القوانين الخاصة التي تصدر بخصوص تنظيم أعمال البناء، ونظرًا للارتباط الشديد بين هذه القيود، وقيود البناء بوجه عام، وبين السياسة العمرانية التي تتطور بشكل ملحوظ في الكويت، ونظرًا للطابع الفني لقيود البناء، فقد رُئي الاكتفاء بالإحالة إلى القوانين الخاصة.
شروط عدم التصرف:
بعد أن عرض المشروع لبعض القيود القانونية، تناول في المواد من (815 إلى 817) شرط المنع من التصرف في الملك، وحيث تتقيد سلطة المالك بمقتضى تصرف قانوني، فبين أولاً متى يكون الشرط صحيحًا (م 815)، ثم جزاء مخالفة المالك للشرط الصحيح (م 816) وأخيرًا الاحتجاج بالشرط على الغير (م 817).
( أ ) ففيما يتعلق بصحة أو عدم صحة مثل هذا الشرط، نجد سواء في فقه الشريعة الإسلامية أو في القوانين الوضعية، اتجاهين أحدهما ينتهي إلى عدم صحة الشرط، والثاني إلى صحته، فالشرط غير صحيح عند الحنفية والمالكية والشافعية، وصححه بعض الحنابلة كابن تيمية وابن القيم، ومرجع عدم صحة الشرط عندهم أنه يخالف مقتضى العقد أو الوصية وهو إطلاق الحرية للمالك في الانتفاع بما ملك والتصرف فيه بأي تصرف أراد ولم يقم الدليل الشرعي المعين الذي يدل على صحته فلا يجوز اشتراطه وإذا اشترط لا يُعمل بموجبه، وعلى رأي الفقهاء الذين يرون أن الأصل في الشروط الجواز والصحة ولا يحرم شرط ولا يبطل إلا إذا ورد نهي بخصوصه أو كان اشتراطه يؤدي إلى إلغاء المقصود الأصلي من العقد وهو الأثر الذي وُضع العقد لإفادته في جميع صوره، فإن شرط المنع المؤقت الذي يستند إلى باعث مشروع، يكون صحيحًا لأنه لم يرد عن الشارع نهي عنه بخصوصه واشتراطه لا يؤدي إلى إلغاء المقصود الأصلي من العقد أو الوصية وهو الملك، هذا بالإضافة إلى أن من فقهاء المسلمين من نص على أنه إذا باع شخص لآخر شيئًا بشرط ألا يبيعه من شخص معين كزيد فإن هذا الشرط يكون صحيحًا لأنه لا يخالف الغاية من البيع، وهي الملك، لأن المشتري يستطيع أن يبيعه من أي شخص آخر غير زيد (الخالصي وهو من علماء الشيعة الإمامية في كتابه “ الإسلام سبيل السعادة “)، ويؤخذ من هذا الكلام جواز الشرط الذي يمنع من التصرف في المال خلال مدة معقولة، لأن هذا الشرط لا يمنع المالك من التصرف فيما ملك بالعقد أو الوصية بعد انتهاء تلك المدة، وعلى هذا لا يكون اشتراطه مخالفًا لمقتضى العقد أو الوصية وهو الغاية المقصودة من كل منهما وقد آثر المشروع الأخذ بهذا الرأي.
هذا في فقه الشريعة الإسلامية، وفى القوانين الوضعية ذهب القضاء الفرنسي في أول الأمر، وحيث لا يوجد نص، إلى اعتبار شرط المنع سواء كان مؤبدًا أو مؤقتًا ودون نظر إلى البواعث التي دفعت إلى اشتراطه، باطلاً، ثم تطور القضاء فجرى على تصحيح شروط المنع إذا كانت مؤقتة وتهدف إلى تحقيق مصلحة مشروعة، وجاء القانون المصري القديم، الذي استمد من القانون الفرنسي، خلوًا من نص في الموضوع، وجرى القضاء على تصحيح شروط المنع على نحو ما فعل القضاء الفرنسي، ثم جاء القانون المصري الحالي فنص في المادة (823/ 1) على أنه “ إذا تضمن العقد أو الوصية شرطًا يقضي بمنع التصرف في مال، فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنيًا على باعث مشروع ومقصورًا على مدة معقولة “. وقد نقل هذا النص حرفيًا كل من القانون السوري (م 778/ 1) والقانون الليبي (م 832/ 1) والقانون الصومالي (م 696/ 1) أما القانون السوداني فنص على صحة الشرط إذا كان مبينًا على باعث مشروع ومقصورًا على مدة معقولة، كما فعل المشرع المصري، ولكنه صاغ النص على نحو يفيد أنه يجب أن يرد شرط المنع في التصرف القانوني الذي تلقى به المشروط عليه الملك (م 703/ 1) كما أخذ المشرع الأردني بحكم القانون المصري مع تعديل في صياغة النصوص (م 1028 و1029).
ونظرًا إلى أن الشرط المانع أو المقيد للتصرف يحقق مصالح معتبرة، فقد رأى المشروع النص على صحته بشروط تحول دون أن يُستخدم هذا الشرط لتحقيق أغراض تنافي مبادئ الشريعة الإسلامية، وتجعله غير منافٍ لمقتضى العقد أو الوصية، فقد يشترط الواهب على الموهوب له عدم التصرف في الموهوب حماية له من طيشه وإلى أن يبلغ سنًا معينة، أو احتياطيًا لاحتمال تحقق عذر من الأعذار التي يتيح للواهب الرجوع في الهبة وبالتالي استرداد الشيء الموهوب، وقد يشترط البائع على المشتري عدم التصرف في المبيع حتى تمام الوفاء بالثمن، أو يشترط البائع أو الواهب الذي استبقى لنفسه حق الانتفاع عدم التصرف في المبيع أو الموهوب تجنبًا للتعامل مع مالك رقبة لا يعرفه ولا يأمن مضايقته، وقد يشترط الواهب على الموهوب له عدم التصرف في الموهوب ضمانًا لبقاء قدرة الموهوب له على الوفاء بالتزام بالنفقة التزم به نحو شخص ثالث يحرص المشترط على ضمان حصوله على النفقة.
والنصوص المقترحة تختلف عن نص القانون المصري، الذي نقلته أو حورت فيه بعد القوانين العربية الأخرى في النواحي الآتية:
أولاً: ذكر المشروع أن الشرط قد يكون مانعًا أم مقيدًا للتصرف، في حين أن النص المصري، ونصوص القوانين الأخرى التي استمدت منه، تتكلم عن شرط المنع من التصرف، ولكن الشراح يجرون حكم النص، ليس فقط على الشروط التي تمنع التصرف بصفة مطلقة خلال مدة المنع، بل كذلك على الشروط التي تقيد حرية التصرف دون أن تمنعه كما لو اشترط الواهب على الموهوب له، إذا أراد بيع الموهوب أن يعرضه أولاً بالأفضلية على شخص معين، أو اشترط المتصرف عدم جواز التصرف إلا مع استبدال مال آخر بالمال المتصرف فيه، لهذا رأى المشروع زيادة في الإيضاح النص على الشرط المانع أو المقيد للتصرف.
ثانيًا: حرص المشروع على حسم مسألة خلافية سواء عند شراح القانون الفرنسي أو شراح القوانين العربية، وهي ما إذا كان يشترط أن يرد شرط المنع من التصرف في التصرف الذي تلقى به المشترط عليه الملكية أم يمكن أن يكون في تصرف آخر، كعقد الرهن أو عقد وعد بالبيع مثلاً وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بوجوب ورود شرط المنع في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية، وهو ما يضيق من نطاق استخدام شرط المنع، خصوصًا والمثالين اللذين يرددهما أنصار الرأي الآخر لا يخلو فيهما شرط المنع من مخاطر، الأول أن يشترط الموعود له في الوعد بالبيع، على الواعد ألا يتصرف في الشيء الموعد ببيعه خلال مدة الوعد حتى يضمن، إذا ما أراد الشراء، أن يجد الشيء في ملك الواعد، وخطورة تصحيح شرط المنع من التصرف في هذا الفرض أنه يمكن كل مالك، ولو مؤقتًا من إخراج أي مال من أمواله من ضمان دائنيه وذلك بأن يتفق مع أي شخص على أن يعده ببيع هذا المال ويتفق في عقد الوعد على منع التصرف فيه خلال مدة الوعد، فيمتنع التنفيذ عليه، لأن المنع من التصرف يقتضي منع التنفيذ، والمثال الثاني هو أن يرد شرط المنع في عقد الرهن حيث يشترط المرتهن على الراهن عدم التصرف في المرهون إلى أن يتم استيفاء الدين المضمون بالرهن، حتى يتفادى اتباع إجراءات التنفيذ ضد من تنتقل إليه الملكية وهي أكثر تعقيدًا من إجراءات التنفيذ ضد الراهن نفسه، وخطورة تصحيح مثل هذا الشرط، أنه لو كان صحيحًا لأصبح شرطًا جاريًا يوضع في كل عقود الرهن وحيث يكون المرتهن في مركز من القوة يسمح له بفرض شروطه، وينتهي الأمر إلى تفويت ما يهدف إليه التنظيم التشريعي للرهن من التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية وبين ضمان حصول الدائن على حقه عن طريق ما له من سلطة التتبع.
ثالثًا: اكتفى نص المشروع بالقول إن الشرط لا يكون صحيحًا (ما لم يكن مبنيًا على باعث مشروع ومقصورًا على مدة معقولة) وهي العبارة التي استخدمها المشرع المصري، ومن بعده التشريعات التي نقلت عنه، فلم ينص على ما نصت عليه هذه التشريعات في بيان مشروعية الباعث، والمدة المعقولة، فقد نصت المادة (823) مصري، ومن بعدها نصوص القانون السوري والقانون الليبي، والقانون السوداني والقانون الصومالي على أنه (ويكون الباعث مشروعًا متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو الغير) وهذا الذي أريد به إيضاح معنى مشروعية الباعث، لا يضيف في الواقع جديدًا لأن عبارة (المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة) تساوي تمامًا في المعني (... المنع مبنيًا على باعث مشروع) كما أن القول إن المصلحة قد تكون مصلحة المتصرف أو المتصرف إليه أو الغير، يجمع كل المصالح المتصورة، ولعل هذه العبارة قد قُصد بها إلى التأكيد على أن المصلحة قد تكون للغير، وقد آثر المشروع الاكتفاء بالمعيار المرن الوارد في النص تمشيًا مع سياسته العامة في إعطاء القضاء حرية التقدير كلما أمكن ذلك دون ضرر.
(ب) وعرضت المادة (816) للجزاء الذي يترتب على تصرف المالك المخالف للشرط. فإذا تصرف المشروط عليه بما يخالف الشرط فالجزاء الذي يحقق الغرض من شرط المنع ليس هو فسخ التصرف الأصلي أي الذي ورد به الشرط، وإنما هو إبطال التصرف المخالف للشرط حتى يبقى المال في ذمة المشترط عليه وبالتالي يتحقق الغرض المشروع الذي أُريد بشرط المنع تحقيقه، وكان على المشروع أن يختار بين أحد اتجاهين في تحديد من له حق التمسك بالبطلان. الاتجاه الأول وهو ما يدل عليه نص القانون المصري والقوانين التي نقلت عنه ويدافع عنه بعض الشراح أن البطلان مطلق وبالتالي يكون لكل ذي مصلحه أن يطلبه وللقاضي أن يحكم به ولو لم يطلب منه، ولا ترد عليه الإجازة، والاتجاه الثاني وهو ما دعا إليه بعض الشراح، وأخذ به القانون السوداني أن يقتصر حق التمسك بالبطلان على المشترط الذي تتوفر مصلحته دائمًا ولو كان الشرط قد وضع لمصلحة غيره فتكفي مصلحته الأدبية ليكون له حق التمسك بالبطلان، وكذلك لمن تقرر الشرط لمصلحته إن كان غير المشترط، وذلك تأسيسًا على أن شرط المنع قد أُريد به تحقيق مصلحة خاصة لشخص معين فيجب أن يكون هذا الشخص هو صاحب الحق في التمسك بالبطلان، وأن يكون لهذا الشخص النزول عن حقه هذا بإجازة التصرف المخالف فيصبح صحيحًا وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى أن أحكام هذا البطلان لا تتفق تمامًا لا مع أحكام البطلان المطلق ولا مع أحكام البطلان النسبي، وإنما تدور كلها حول فكرة الغرض الذي يراد تحقيقه من شرط المنع من التصرف، وقد آثر المشروع الأخذ بهذا الرأي الأخير.
(جـ) وأخيرًا عرض المشروع في المادة (817) للاحتجاج بالشرط على الغير فنظرًا إلى أن الشرط ينشئ قيدًا عينيًا يرد على المال ذاته كان من اللازم حماية من يتعاملون مع المالك، وهو ما لم يعرض له المشرع المصري والتشريعات التي تأثرت به، وهو نقص عمد المشروع إلى تلافيه فنص على عدم الاحتجاج على الغير إلا إذا كان يعلم بالشرط وقت إبرام العقد الذي ترتب عليه كسب حقه أو كان في مقدوره أن يعلم به، وافترض العلم لمجرد ورود الشرط في تصرف وارد على عقار تم شهره.
الفرع الثاني - الملكية الشائعة:
الملكية الشائعة هي التي يتعدد فيها الملاك لشيء واحد غير مفرزة حصة كل منهم، وتعدد الملاك لشيء واحد، أي الشيوع من شأنه أن يجعل استغلال هذا الشيء أكثر تعقيدًا مما لو انفرد بملكيته شخص واحد، إذ كثيرًا ما تختلف وجهات نظر الملاك في كيفية الاستغلال مما يؤدي إلى صعوبات قد تصل إلى حد التهديد بتعطيل استغلال الشيء، ولهذا تعتبر حالة الشيوع، من الناحية الاقتصادية، غير مرغوب فيها، ولكنها مع ذلك حالة ضرورية لا يمكن تجنبها، إذ يكفي الإشارة إلى أنه يترتب على الوفاة وانتقال أموال الشخص إلى ورثته أن تصبح ملكية الأشياء الموجودة في التركة شائعة بين الورثة فترة من الزمن، قد تطول أو تقصر، ولهذا فلا بد من تنظيم الملكية الشائعة على نحو يقلل بقدر الإمكان من الصعوبات التي تنشأ عن تعدد أصحاب الحق الواحد كما ينبغي تيسير إنهاء حالة الشيوع عن طريق القسمة.
وقد بدأ المشروع بتنظيم أحكام الشيوع، وفى سبيل التغلب على الصعوبات الناشئة عن تعدد الملاك، سلك المشروع مسلك التشريعات الحديثة في تيسير القيام بأعمال الإدارة وأعمال التصرف عن طريق الاكتفاء بقرار من الأغلبية وعدم التقيد بالمنطق الصارم الذي كان يقتضي إجماع الشركاء.
ثم عرض المشروع بعد ذلك للقسمة مبتدئًا بتقرير حق كل شريك في طلب القسمة وما يمكن أن يرد على هذا الحق من قيود ثم نظم كيفية إجراء القسمة وأثرها، وعقب على القسمة التي تنهي حالة الشيوع ببيان أحكام قسمة المهايأة. وأخيرًا عرض للشيوع الإجباري موليًا عناية خاصة لملكية الطبقات والشقق.

أولاً: أحكام الشيوع:
عرضت المادة (818) بفقرتيها لتعريف الشيوع، ومقدار حصة كل شريك ثم لبيان نطاق تطبيق النصوص الخاصة بالملكية الشائعة.
فبينت الفقرة الأولى من النص معنى الشيوع فذكرت تعريفًا لا يقتصر على الملكية الشائعة وإنما يصدق على كل صور الشيوع، وذلك على خلاف القانون المصري والقوانين العربية الأخرى التي نقلت عنه أو تأثرت به والتي تقتصر على تحديد معنى الشيوع في الملكية، فلما كان المسلم أن حالة الشيوع كما تتحقق في الملكية تتحقق في الحقوق العينية الأخرى، كالشيوع في حق الانتفاع أو في حق الارتفاق أو حتى في الرهن، رُئي البدء بالنص على معنى الشيوع بوجه عام، وهو يقتصر على الحقوق العينية، أما تعدد أصحاب الحق الشخصي وهو ما عبرت عنه المجلة بشركة الدين فلا يعتبر شيوعًا ويخضع لأحكام أخرى غير أحكام الشيوع.
كما تضمنت الفقرة الأولى قرينة بسيطة على مقدار حصة كل شريك فنصت على أن تكون حصص الشركاء متساوية ما لم يثبت عكس ذلك.
ونظرًا إلى أن الشيوع في الملكية هو أهم صور الشيوع وأكثرها تحققًا في الواقع العملي، فقد رُئي وضع النصوص الخاصة بالشيوع في باب الملكية، وهو مسلك التشريعات المختلفة بوجه عام ولما كان المسلم في القوانين التي تنظم الشيوع في باب الملكية أن النصوص الخاصة بهذا الحق تسري أيضًا على حالات الشيوع في الحقوق العينية الأخرى ما لم تتعارض مع طبيعة هذه الحقوق أو مع نصوص القانون، فقد رُئي النص على ذلك دفعًا لكل شك، وهو الحكم الذي أورده المشروع في الفقرة الثانية من النص.
وبينت المادة (819) سلطات المالك على الشيوع، وهي الاستعمال والاستغلال والتصرف.
( أ ) فبالنسبة للاستعمال والاستغلال نص المشروع على أن للشريك الحق في استعمال الشيء الشائع واستغلاله بقدر حصته وبمراعاة حقوق شركائه، وبهذا يقرر النص مبدأ الحق في الاستعمال والاستغلال بقيدين الأول يتعلق بمدى الحق فنص على أن تكون الاستعمال والاستغلال بقدر الحصة، والثاني يتعلق بكيفية مباشرة الحق وهو القيد الذي تدل عليه عبارة (وبمراعاة حقوق شركائه) ونظرًا لتعدد الشركاء ووحدة المحل الذي تباشر عليه السلطات فكثيرًا ما تثير مباشرة الاستعمال والاستغلال صعوبات في العمل ولهذا بعد أن قرر المشروع المبدأ على النحو السابق عاد إلى تنظيم إدارة المال الشائع في المواد التالية ذلك التنظيم الذي يهدف إلى بيان كيفية إفادة كل شريك من سلطتي الاستعمال والاستغلال.
(ب) أما بالنسبة لسلطة التصرف، فقد عرض لها المشروع في الفقرة الثانية من النص، فللشريك أن يتصرف في حقه الشائع أي في حصته سواء كان التصرف في الحصة كلها أو بعضها، في كل الأموال التي تدخل في الشيوع أو في مال منها فقط، وسواء كان التصرف بنقل الحصة أو بترتيب حق عيني عليها غير الملكية كالانتفاع أو الرهن.
فإذا كان التصرف بنقل الحق الشائع أي الحصة، كالبيع أو الهبة، حل المتصرف إليه محل المتصرف فيصبح شريكًا بقدر الحصة التي آلت إليه، وإذا كانت الحصة المتصرف فيها هي حصة في مال معين من بين عدة أموال مملوكة على الشيوع، فيترتب على التصرف تعدد حالات الشيوع لوجود شريك في ملكية أحد الأموال دون أن يكون شريكًا في الأموال الأخرى، ولا شك أن هذه النتيجة لتصرف الشريك فيها بعض الضرر لباقي الشركاء نظرًا لما يتضمنه نظام الشيوع من قدر من التعقيد في كيفية الانتفاع ولما يترتب على تعدد حالات الشيوع من الحاجة إلى أكثر من قسمة إذا أريد إنهاء حالة الشيوع، ولهذا نص القانون الألماني (م 2033) على منع الشريك من التصرف في حصة من أحد الأموال المملوكة، على الشيوع، وكان على المشروع أن يختار بين مثل هذا الحكم والحكم الذي يعطي الشريك حرية التصرف ما دام يتصرف في حقه، فاختار الحكم الأخير مؤثرًا مصلحة المالك المتمثلة في حريته في التصرف فيما يملك على مصلحة الشركاء الآخرين المتمثلة في تفادي الصعوبات التي تنشأ عن تعدد حالات الشيوع.
أما إذا كان التصرف بترتيب حق عيني غير الملكية كالانتفاع أو الرهن على الحصة، فالتصرف صحيح لأنه تصرف الشريك فيما يملك، ولكنه يُبقي الشريك المتصرف كما كان شريكًا في الملك ويصبح المتصرف إليه بحق الانتفاع هو صاحب الحق في الثمار بقدر الحصة التي يرد عليها حقه، ويكون للمرتهن إذا حل أجل الدين المضمون والشيوع لا يزال قائمًا أن ينفذ على الحصة المرهونة فتباع جبرًا ويحل الراسي عليه المزاد محل الشريك الراهن فيصبح شريكًا في الشيوع.
أما مصير حق المتصرف إليه، المنتفع أو المرتهن، إذا ما تمت القسمة والحق لا يزال قائمًا، فيعرض له المشروع عند بيان أثر القسمة (المادة 839).
وبعد تقرير المبدأ العام في حق كل شريك في استعمال الشيء واستغلاله بقدر حصته وبمراعاة حقوق شركائه، أخذ المشروع في تنظيم أعمال الإدارة، المعتادة منها وغير المعتادة، وكذلك التصرف في الشيء.
فبدأ في المادة (820) ببيان الأصل العام فيمن له الحق في إدارة الشيء الشائع والتصرف فيه، ونظرًا لتعلق حق كل شريك بالمال الشائع كله، فمقتضى المبادئ العامة ألا يستقل شريك أو أكثر بأي عمل يمكن أن يؤثر في حقوق الباقين، بل لا بد من اتفاق الجميع، وهو ما يظهر من نص مجلة الأحكام العدلية في المادة 1069 على أنه (كيفما يتصرف صاحب الملك المستقل في ملكه يتصرف أيضًا في الملك المشترك أصحابه بالاتفاق كذلك) مع ملاحظة أن التصرف المقصود هو كل الأعمال سواء كانت من أعمال الإدارة أو أعمال التصرف.
ولكن نظرًا إلى تعذر الإجماع في كثير من الأحيان، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعطيل الانتفاع بالمال أو إلى ضياع صفقة رابحة، نظرًا لهذا اتجهت القوانين الحديثة إلى الاكتفاء بالأغلبية، في أعمال الإدارة والتصرف مع تفاوت في نسبة الأغلبية المطلوبة وفقًا لمدى خطورة المعارضة في قرار الأغلبية، وهو ما سار عليه المشروع في النصوص التالية.
أعمال الإدارة المعتادة:
تعرض نصوص المواد (821 و822 و823) لأعمال الإدارة المعتادة وهي التي لا تؤدي إلى إحداث تغييرات أساسية في المال الشائع ولا التعديل في الغرض الذي أُعد له، كتأجيره لمدة مألوفة في تأجير مثله أو استغلاله فيما أعد له.
وبديهي أنه إذا اتفق الشركاء جميعًا على أي عمل من أعمال الإدارة فاتفاقهم صحيح يلزم الجميع، وكان المنطق القانوني، الذي يتفق تمامًا مع مبدأ حرية المالك، يقضي موافقة الجميع على كل ما يمكن أن يمس مصالحهم بما في ذلك أعمال الإدارة أيًا كانت أي سواء كانت إدارة عادية أو غير عادية، ولكن نظرًا إلى أنه كثيرًا ما يتعذر اتفاق الجميع، وبخاصة إذا كثر عدد الشركاء اكتفى المشروع بالأغلبية متمشيًا في ذلك مع اتجاه القوانين الحديثة.
وقد استمد المشروع نصوص المواد الثلاث من القانون المصري (م 828) الذي استمد بدوره من القانون الإيطالي، وقوانين البلاد العربية التي أخذت عن القانون المصري، مع بعض التعديلات، كما يتضح مما يلي:
( أ ) جمع المشروع في المادة (821) كل ما يمكن أن تقوم به الأغلبية التي حددها على أساس قيمة الحصص وهو ما يعني من يملكون أكثر من نصف الحصص، فبعد أن ذكر النص أن لها أن تقوم بأعمال الإدارة المعتادة، والمقصود هو قيامها مباشرةً بالأعمال اللازمة للاستغلال، ذكر أن لها أن تعين مديرًا - سواء من الشركاء أنفسهم أو من غيرهم - يقوم بهذه الأعمال، كما نص على أن للأغلبية أن تضع نظامًا للإدارة وهو ما تظهر فائدته بوجه خاص عندما يكون القائم بأعمال الإدارة هو المدير، كأن تقرر الأغلبية مثلاً عدم جواز التأجير لأكثر من مدة معينة أو على إيداع ريع المال في مصرف معين ... إلخ، ثم عقب النص على بيان ما للأغلبية أن تقوم به، بأن ما تتخذه الأغلبية يسري على جميع الشركاء وخلفائهم سواء كان الخلف عامًا أو خاصًا، متفاديًا بذلك عيبًا في التشريع المصري والتشريعات المنقولة عنه (السوري والليبي والسوداني) الذي أورد الحكم الخاص بالسريان على الخلف مقصورًا على وضع نظام للإدارة، وهو ما لا مبرر له إذ يجب أن يسري في حق الخلف كل ما تقوم به الأغلبية سواء باشرت بنفسها عملاً من أعمال الإدارة كالتأجير أو عينت مديرًا أو وضعت نظامًا للإدارة.
(ب) وعرض المشروع في المادة (822) لحالة ما إذا لم يتفق من لهم أغلبية الحصص، فنص على حق كل شريك في أن يلجأ إلى المحكمة لتتخذ ما يلزم لمنع تعطيل الانتفاع بالمال الشائع، ولم يقتصر المشروع على ما قرره المشرع المصري من أن المحكمة لها أن تتخذ من التدابير ما تقتضيه الضرورة (م 821/ 1) وإنما أضاف إلى ذلك ما تقتضيه المصلحة، فللمحكمة إذا وجد مستأجر يعرض الاستئجار بأجر مناسب أن تقرر التأجير، ولها أن تعين من يدير المال الشائع إذا كانت الظروف تبرر ذلك.
(جـ) ثم عرض المشروع في المادة (823) لحالة ما إذا قام شريك بمفرده بعمل من أعمال الإدارة، فإذا لم يعترض من يملكون أغلبية الحصص، وهم أصحاب الحق في أعمال الإدارة المعتادة، في وقت مناسب، كان الشريك فيما قام به نائبًا عن الجميع، أما إذا اعترض من لهم أغلبية الحصص في وقت مناسب فيكون ما قام به الشريك غير نافذ في حق سائر الشركاء، من اعترض منهم ومن لم يعترض، والنص المقترح في المشروع يختلف عن النص المصري، والنصوص التي نقلت عنه من النواحي الآتية:
أولاً: نص المشروع على أنه إذا تولى أحد الشركاء عملاً من أعمال الإدارة (دون الاعتراض من الأغلبية) في حين أن النص المصري يقول (دون اعتراض من الباقين) مما يوحي أن المقصود هو دون اعتراض من أي شريك آخر والواقع أنه لو اعترض البعض ولم يعترض البعض الآخر، وكان الذين لم يعترضوا يملكون أغلبية الحصص، أي يملكون الإدارة، فافتراض موافقتهم، وهو الأساس الذي يقوم عليه حكم النص، يكفي لجعل تصرف الشريك نافذًا كما لو كان صدر من الأغلبية.
ثانيًا: ينص المشروع على اعتبار الشريك الذي قام بالعمل، ولم يعترض من يملكون الأغلبية، نائبًا عن الجميع فيما قام به، وفي هذا يختلف نص المشروع عن النص المصري والنصوص المنقولة عنه من وجهين: الوجه الأول أن المشروع يعتبر الشريك نائبًا في حين أن النص المصري يعتبره وكيلاً، وهذا التعديل يؤدي إلى تفادي صعوبة يثيرها النص المصري تتعلق بالمدة التي يسري فيها الإيجار الذي يعقده الشريك، فاعتبار الشريك وكيلاً يدعو إلى التساؤل عن أثر عدم الاعتراض وقيل - في رأي - إنه دليل على وجود وكالة سابقة ومن ثم لا ينفذ الإيجار إلا للمدة التي تدخل في سلطة الوكيل، وقيل - في رأي آخر - إن عدم الاعتراض يعتبر الاعتراض إقرارًا من الأغلبية لما قام به الشريك وبالتالي ينفذ الإيجار في كل مدته ولو جاوزت المدة التي يملك الوكيل التأجير فيها، والواقع أن الذي أدى إلى هذا الخلاف في الرأي هو النص على اعتبار الشريك وكيلاً وهو ما يخالف جوهر فكرة الوكالة وهي أنها عقد يتم بالإرادة، والواقع أن الشريك يعتبر نائبًا بحكم القانون وتبقى مسألة المدة التي يسري فيها الإيجار والرأي فيها في ظل النص المقترح هو أن العبرة بكون الإيجار لمدة يعتبر معها عملاً من أعمال الإدارة المعتادة أم لا، والوجه الثاني أن النص المقترح حرص على أن يذكر أن الشريك يعتبر نائبًا (فيما قام به) في حين أن النص المصري يقول (عُد وكيلاً عنهم) الأمر الذي قد يظن معه أن النيابة تمتد إلى أعمال أخرى وهو غير مقبول ويجب أن تقتصر النيابة على العمل الذي تم دون اعتراض.
ثالثًا: لم ينظم المشروع المصري الاعتراض لا من حيث الوقت الذي يتضح فيه وجود اعتراض أو عدم وجوده ولا من حيث أثر الاعتراض إن وجد، أما مشروع النص فقد ذكر أن الاعتراض يجب أن يكون في وقت مناسب تاركًا تقدير المناسبة للقاضي على ضوء الظروف المختلفة، كما ذكر المشروع أن أثر الاعتراض هو عدم نفاذ ما قام به الشريك في حق غيره من الشركاء.
أعمال الإدارة غير المعتادة:
بعد أن عرض المشروع في المواد السابقة لأعمال الإدارة المعتادة عرض في المادة (824) لأعمال الإدارة غير المعتادة وهي التي تقتضي إحداث تغيير أساسي في المال الشائع أو التعديل في الغرض الذي أعد له، كالبناء في الأرض أو هدم جزء من البناء لإعادة بنائه على شكل آخر أو تحويل المبنى المعد للسكنى إلى فندق أو تحويل الأرض المعدة للزراعة إلى غرض آخر، وحكم النص مستمد من القانون المصري الذي أخذت به بعض قوانين البلاد العربية الأخرى (السوري، والليبي، والسوداني، والأردني، والصومالي، والجزائري، والعراقي) مع بعض التعديلات.
وحكم الفقرة الأولى مماثل لحكم القانون المصري فيما عدا أن المشروع صرح بأن يكون الإخطار (قبل إحداث التغيير أو التعديل) زيادة في إيضاح أن الأغلبية لا تملك ابتداءً إلا اتخاذ القرار أما تنفيذه فلا يكون إلا بعد أن تنقضي مدة اعتراض الأقلية دون أن يعترض أحد منهم أو بعد أن تفصل المحكمة وتوافق على القرار، كما نص المشروع على أن يكون الإخطار بقرار الأغلبية كتابة حسمًا للمنازعة في مسألة حصول الإخطار أو عدم حصوله. كما نص المشروع على أن تكون مدة الاعتراض ثلاثين يومًا بدلاً من شهرين كما هو نص القانون المصري.
أما الفقرة الثانية من النص فتعرض لسلطة المحكمة إذا اعترض أحد الشركاء من الأقلية على قرار الأغلبية، وبدهي أن المحكمة لها أن تحكم بعدم جواز إجراء التغيير أو التعديل الذي قررته الأغلبية إذا تبين لها أنه لا يؤدي إلى تحسين الانتفاع بالشيء (كما لها أن تعتمد القرار كما هو دون أي قيد، ولها، كما ينص المشروع أن توافق على قرار الأغلبية وتقرر مع الموافقة ما تراه مناسبًا من التدابير) ولم ينقل المشروع ما نص عليه القانون المصري، والقوانين العربية الأخرى التي نقلت عنه من أن للمحكمة (بوجه خاص أن تأمر بإعطاء المخالف من الشركاء كفالة تضمن الوفاء بما قد يُستحق من التعويضات) لأن هذه العبارة قد تفهم على معنى أن المحكمة، بعد أن توازن بين مبررات قرار الأغلبية ووجه اعتراض من اعترض، قد توافق على القرار وهي تقدر في الوقت نفسه احتمال أن يكون ضارًا فلا تحسم مسألة ملاءمة القرار أو عدم ملاءمته وإنما تحكم على مسؤولية الأغلبية وتكون الكفالة لضمان ما قد يُستحق للمخالف من تعويضات بسبب أن القرار نفسه كان ضارًا، وهذا الفهم هو ما تدل عليه عبارة المذكرة الإيضاحية لمشروع النص المصري إذ تقول (... بما قد يُستحق له من تعويض، من جراء تنفيذ قرار الأغلبية فيما إذا تبين أن هذا القرار ضار بالمصلحة)، وهو ما يدل عليه نص القانون السوداني إذ يقول (... بما قد يستحقه من تعويض من جراء تنفيذ قرار الأغلبية إذا ما تبين أن ذلك القرار ضار بمصلحته) وصياغة النص، مفهومة بهذا المعنى، تعني في الواقع أن المحكمة تتخلى عن مهمتها الأساسية وهي التحقق من ملاءمة القرار نفسه، وتحكم للأغلبية بأن تقوم بما قررته على مسؤوليتها، وهو أمر غير مقبول.
ولهذا اكتفى المشروع بالنص على أن المحكمة، عند اعتماد قرار الأغلبية أن تقرر ما تراه من التدابير، ولا يمنع هذا من أن تحكم بكفالة لضمان ما قد ينشأ من أخطاء في التنفيذ، أما القرار نفسه فبعد موافقة المحكمة يجب أن يُفترض أنه في محله.
أعمال الحفظ:
بعد بيان أعمال الإدارة بنوعيها، المعتادة وغير المعتادة، عرض المشروع بنص المادة (825) لأعمال الحفظ، فأعطى لكل شريك الحق في أن يتخذ ما يلزم لحفظ الشيء الشائع دون حاجة لموافقة باقي الشركاء، ويستوي أن تكون أعمال الحفظ مادية مثل الترميم والصيانة وجني الثمار في موعدها قبل أن تتلف، أو إجراءات أو تصرفات قانونية مثل رفع دعاوى الحيازة ضد من يعتدي على حيازة الشركاء أو قطع التقادم الساري لمصلحة من يحوز المال بنية تملكه أو الوفاء بدين الدائن المرتهن توقيًا للتنفيذ على المال، ونظرًا إلى أن مثل هذه الأعمال لا تحتمل التأخير لم يخضعها المشروع للقواعد الخاصة بأعمال الإدارة بوجه عام من حيث ضرورة توفر أغلبية للقيام بها، فلكل شريك أن يقوم بها وحده، والشريك إذ يقوم بهذه الأعمال يقوم بها بحكم القانون لحساب الشركاء جميعًا، ولهذا فهو يرجع على كل منهم بحصته فيما أنفق.
نفقات الحفظ والإدارة:
وبعد أن عرض المشروع لمن له الحق في القيام بأعمال الإدارة بصورها المختلفة، عرض في نص المادة (826) لنفقات الحفظ والإدارة وسائر التكاليف المقررة على المال كالضرائب والرسوم، فيتحمل جميع الشركاء هذه النفقات التي تنفق لمصلحة الجميع كل بقدر حصته في الشيوع، وليس ثمة ما يمنع من أن يتفق الشركاء على نسبة أخرى في توزيع النفقات أو أن يُعفى أحدهم منها أو من بعضها كما قد ينص القانون في حالة خاصة على خلاف حكم هذا النص الذي يقرر القاعدة العامة.
التصرف في الشيء الشائع:
وبعد أن عرض المشروع بنص المواد السابقة لتنظيم إدارة المال الشائع، عرض للتصرف في هذا المال، وبدهي أن للشركاء باتفاقهم جميعًا أن يتصرفوا في المال الشائع بكافة صور التصرف ويكون تصرفهم صحيحًا نافذًا في حق الجميع.
والأصل، وفقًا للقواعد العامة التي تتفرع على حرية المالك فيما يملك أن التصرف يجب أن يتم بموافقة جميع الشركاء وليس للأغلبية أيًا كانت قيمة حصصهم أن يفرضوا إرادتهم في التصرف على الأقلية، وتمشيًا مع هذا الأصل لم تخول بعض التشريعات العربية للأغلبية سلطة التصرف وهذا هو مسلك القانون العراقي والقانون التونسي والقانون الأردني.
وقد آثر المشروع أن يسلك مسلك التشريعات العربية الأخرى التي تعطي الأغلبية التصرف مع ضمان حماية مصالح الأقلية لما في ذلك من مصلحة، وهذا هو مسلك القانون المصري والقانون السوري والقانون الليبي والقانون السوداني والقانون الجزائري والقانون الصومالي.
ومن نص المادة (827) من المشروع يتضح أن الأغلبية لا تستطيع أن تفرض إرادتها في التصرف دون مراعاة لرأي الأقلية، فالتصرف لا يتم إلا في أحد فرضين، إما أن تعلم به الأقلية ولا يعترض أحد منهم فيحمل ذلك على موافقتهم، وإما أن يعترض أحدهم يكون أمر التصرف أو عدم التصرف من سلطة المحكمة التي توازن بين دواعي التصرف التي تستند إليها الأغلبية ودواعي الاعتراض.
والأغلبية التي لها أن تقرر التصرف ليست أغلبية عادية بل أغلبية خاصة فيجب أن تتوفر لهم ثلاثة أرباع الحصص، والخطوة الأولى في سبيل التصرف هي أن تتخذ الأغلبية قرارًا بالتصرف وذلك بشرطين: الشرط الأول أن توجد أسباب قوية تبرر التصرف كما لو كان استغلال المال الشائع بحالته متعذرًا أو كان لا يغل إلا غلة ضئيلة قورنت بريع ما يمكن الحصول عليه من ثمن، والشرط الثاني أن تكون قسمة هذا المال ضارة بمصالح الشركاء، فإذا كانت القسمة ممكنة دون ضرر فلا يجوز التصرف بقرار من الأغلبية وعلى من يرغب في التخلص من الوضع القائم أن يطلب القسمة.
وقبل إتمام التصرف يجب على الأغلبية أن يخطروا باقي الشركاء بقرارهم وأن يكون الإخطار كتابة، ولكل شريك من الأقلية، خلال ستين يومًا من وصول الإخطار إليه أن يعترض على قرار الأغلبية بالرجوع إلى القضاء، فإذا لم يعترض أحد خلال فترة الاعتراض كان للأغلبية أن تبرم التصرف الذي يكون عندئذٍ صحيحًا نافذًا في حق الجميع، وليس في هذا اعتداء على حقوق الأقلية إذ يحمل سكوت الأقلية مع القدرة على الاعتراض على محمل الرضا، وإذا اعترض أحدهم فعلى المحكمة أن تتثبت من توفر الشرطين السابق بيانهما، أي قوة الأسباب التي تستند إليها الأغلبية في تقرير التصرف وكون القسمة ضارة بمصالح الشركاء، مع الموازنة بين دواعي التصرف وأسباب اعتراض المعترض، وعلى ضوء هذه الموازنة إما أن تحكم بعدم جواز التصرف وإما أن تحكم بالتصريح للأغلبية بالتصرف، فإذا صرحت المحكمة للأغلبية بالتصرف فتصرفهم يكون صحيحًا نافذًا في حق الأقلية، وهنا يظهر بوضوح وجه الخروج على الأصل العام في حرية المالك فيما يملك وهو خروج تبرره مصلحة الأغلبية التي قدرتها المحكمة.
وللحد من عيوب الأخذ بنظام الأغلبية، سواء في أعمال الإدارة (المواد من 821 إلى 824) أو في التصرف (المادة 827) استحدث المشروع نص المادة (828) الذي يحول دون أن يكون من حق شريك واحد القيام بعمل من الأعمال باعتباره الأغلبية، أيًا كانت حصته في المال الشائع، ذلك أنه حتى مع الأخذ بمبدأ حساب الأغلبية على أساس حصص الشركاء وهو المبدأ الذي روعي فيه وزن المصالح، إلا أن وزن المصالح ليس هو كل شيء، فيجب أن يتعدد الرأي وبالتالي يجب أن تكون الأغلبية لشريكين على الأقل.
ويعرض نص المادة (829) لحكم تصرف الشريك في جزء مفرز من المال أو الأموال المملوكة على الشيوع، سواء كان التصرف بنقل الملكية أو بإنشاء حق عيني آخر بالانتفاع أو الرهن.
وإذا كان للشريك، وفقًا للقواعد العامة أن يتصرف في حصته الشائعة على نحو ما ذكره المشروع في المادة (819) فليس من حقه أن يتصرف فيما يعتبر من حق غيره من الشركاء، ولهذا فإذا تصرف في جزء مفرز، فنظرًا لورود حقوق الشركاء الآخرين على هذا الجزء، فلا شك أن التصرف يكون غير نافذ في حقهم، أما حكم التصرف في العلاقة بين الشريك المتصرف والمتصرف إليه، فهو الذي يثير الصعوبة واختلف في شأنه موقف التشريعات، ويمكن أن يقال فيه عدة آراء.
فقد يقال إن الشريك تصرف فيما يملك، وهو حصته، وفيما لا يملك وهو حصص باقي الشركاء، وذلك على أساس أن الملكية المفرزة وهي التي وقع عليها التصرف هي مجموع حقوق الشركاء أي حصصهم، وبالتالي يكون التصرف صحيحًا نافذًا في حق الجميع بالنسبة لحصة الشريك المتصرف، ويأخذ حكم التصرف في ملك الغير بالنسبة لحصص الشركاء الآخرين، ولكن يعترض على هذا بأنه يخالف إرادة المتعاقدين التي انصرفت إلى التصرف في الحق المفرز دون تفريق، وليس من المقبول أن ينظم المشرع أثر التصرف على خلاف إرادة أطرافه.
وقد يقال إن التصرف صحيح، نافذ في كل آثاره بما فيها نقل الملكية أو إنشاء الحق العيني، بالنسبة لطرفيه، ولكنه غير نافذ بالنسبة لباقي الشركاء، وذلك على أساس أن الشريك المتصرف يعتبر مالكًا لما تصرف فيه ولكن ملكيته مقيدة بحقوق الشركاء الآخرين، ومقتضى هذا أن المتصرف إليه يمكن - حتى قبل القسمة - أن يكون مالكًا أو صاحبًا لحق عيني غير الملكية، ولكن حقه غير نافذ بالنسبة لباقي الشركاء، ولكن يعيب هذا الرأي أولاً من الناحية النظرية أن الشريك لا يملك إلا ملكية شائعة وقد تصرف في ملكية مفرزة وهو حق لا يملكه وبالتالي لا يصح القول إن الشريك مالك وقد تصرف فيما يملك، وثانيًا فهو يؤدي إلى نتائج عملية غير مقبولة فالقول إن المتصرف إليه يصبح مالكًا في مواجهة الشريك المتصرف وغير مالك بالنسبة لباقي الشركاء غير مقبول ويغفل مسألة هامة وهي: من هو المالك في مواجهة الكافة ؟ وإذا فرض أن تصرف شريك آخر في نفس الجزء فمن هو المالك ؟ إن صاحب الحق العيني يجب أن يتحدد بالنسبة للكافة.
والرأي المقبول، والذي يتفق مع القواعد العامة، في انعقاد التصرف وآثاره، هو أن يقال إن الشريك قد تصرف في حق لا يملكه، ولا يحول هذا دون انعقاد التصرف، وترتيب آثاره الشخصية أي الالتزامات بين طرفيه، أما الآثار العينية أي نقل الملكية أو إنشاء الحق العيني غير الملكية فلا تترتب ما بقي الشيوع قائمًا، وإذا تمت القسمة ووقع الجزء المتصرف فيه في نصيب المتصرف زال المانع الذي منع ترتيب الأثر العيني، وهذا هو ما أخذ به المشروع.
هذا وقد يكون المتصرف إليه عالمًا وقت إبرام التصرف أن المتصرف لا يملك الشيء المتصرف فيه ملكية مفرزة وإنما يملك حصة شائعة فيه، وقد يكون غير عالم أي معتقدًا أنه يتعامل مع من يملكه مفرزة للشيء المتصرف فيه. وفي الفرض الأول ليس له حق طلب إبطال التصرف، ويمكن اعتباره قابلاً للتصرف موقوفًا أثره العيني على نتيجة القسمة، وفي الفرض الثاني يكون المتصرف إليه قد وقع في غلط وبالتالي يكون له حق طلب إبطال التصرف على هذا الأساس، ولم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على حق طلب الإبطال للغلط في هذه الحالة لأنه محض تطبيق للقواعد العامة.
هذا ولم يأخذ المشروع بالحكم الوارد في القانون المصري والذي نقلته قوانين بعض البلاد العربية، وهو انتقال حق المتصرف إليه من وقت التصرف إلى ما يقع في نصيب المتصرف من أموال أخرى غير المال المتصرف فيه عند القسمة، لأن هذا الحكم غير منطقي من الناحية النظرية وغير مقبول من الناحية العملية، فمن الناحية النظرية يثور التساؤل: ما هو الحق الذي ينتقل ؟ وهو سؤال يستدعي التساؤل عن ماهية حق المتصرف إليه قبل القسمة، وهو الحق الذي يقال إنه ينتقل، وقد بينا أنه لا يصح أن يقال إنه حق عيني، فهو ليس حق ملكية مفرزة ولا حق ملكية شائعة، ومن الناحية العملية ليس من المقبول أن يشتري شخص شيئًا معينًا بذاته ويُفرض عليه أن يمتلك شيئًا آخر حتى ولو كان معادلاً له في القيمة إذ قد لا يحقق الشيء الآخر الغرض الذي قصد إليه - حتى ولو كان كل من الشيئين جزءًا من كل، مثال ذلك أن يشتري شخص قطعة أرض ليبني عليها وهي جزء من أرض شائعة واسعة ولكنها قريبة من العمران ثم يقع في نصيب البائع أرض بعيدة عن العمران وقد لا تصلح للبناء عليها.
وما يقال عن التصرف الذي من شأنه نقل الملكية يقال كذلك عن التصرف الذي يراد منه إلى إنشاء حق عيني كالرهن مثلاً، فالتصرف الذي يصدر من شريك لا يملك إلا حصة شائعة إذا ورد على جزء مفرز لا يمكن أن ينشئ الحق العيني، وبالتالي فلا محل للقول بانتقال حق لم يكن موجودًا قبل القسمة.

ثانيًا: انقضاء الشيوع بالقسمة:
بدأ المشروع النصوص الخاصة بالقسمة، بنص المادة (830) التي تقرر حق كل شريك في إنهاء حالة الشيوع بأن يطلب القسمة، وما يرد على هذا الحق من قيود، فنظرًا إلى أن حالة الشيوع تؤدي إلى شيء من التعقيد في طريقة الانتفاع بالمال الشائع والتصرف فيه، ولأن الغالب أن يكون استقلال الفرد في استغلال ما يملك حافزًا قويًا على العمل وحسن التصرف، الأمر الذي ينعكس أثره على المصلحة العامة للمجتمع، نظرًا لهذا كان الأصل هو حق الشريك في أي وقت أن يطلب القسمة، رضاءً أو قضاءً، لإنهاء حالة الشيوع، ومع هذا فقد توجد اعتبارات تدعو إلى الإجبار على البقاء في الشيوع، وهذه الاعتبارات قد يقدرها المشرع فيضع نصًا يمنع طلب القسمة كما هي الحال بالنسبة للأجزاء المشتركة أي المملوكة على الشيوع في ملكية الطوابق والشقق (م 3/ 2 من القانون رقم 39 لسنة 1976 في الكويت)، وقد يقدرها الأفراد ذوو الشأن فيتفق الشركاء مثلاً على عدم جواز طلب القسمة خلال مدة معينة تقديرًا منهم أن تجزئة المال المشترك تقلل من غلته، وقد يوصي شخص بمال إلى أكثر من واحد شائعًا بينهم ويشترط في الوصية عدم جواز القسمة لاعتبارات يقدرها، ولهذا نص المشروع على أن الإجبار في الشيوع قد يكون بمقتضى تصرف قانوني ليشمل ذلك العقد والوصية، ولما كان الأصل هو الحق في طلب القسمة، والاستثناء هو الإجبار على البقاء في الشيوع، وقد تتغير الظروف التي دفعت الشركاء إلى اشتراط عدم جواز طلب القسمة، نظرًا لهذا يضع المشروع حدًا أقصى للمدة التي يصح فيها الاتفاق على الإجبار، وانقضاء المدة لا يمنع الشركاء إذا رأوا مصلحتهم في ذلك أن يتفقوا من جديد على الإجبار لمدة ثانية وثالثة وهكذا، والمهم ألا يجد الشريك نفسه في أي وقت مجبرًا على البقاء في الشيوع لمدة أكثر من الحد الأقصى وهو وفقًا لنص المشروع خمس سنوات، فإذا اتُفق على مدة تزيد على خمس سنوات كان الاتفاق باطلاً في الزيادة ويستطيع كل شريك أن يطلب القسمة فور انقضاء السنوات الخمس، أما إذا كان الاتفاق لا يجاوز خمس سنين فهو صحيح يلزم كل شريك كما يلزم من يخلفه سواء كان الخلف عامًا أو خاصًا، ويستوي أن يكون الخلف الخاص يعلم وقت تعاقده مع سلفه أو لا يعلم بالاتفاق على عدم جواز طلب القسمة، وذلك حمايةً لباقي الشركاء حتى لا يفاجئوا، وبعد الاتفاق وترتيب أمورهم على أساس أن الشيوع سيبقى طوال المدة المتفق عليه، بأن من اشترى من شريكهم يطلب القسمة على أساس أنه اشترى دون أن يعلم بالاتفاق.
وقد أورد المشروع في الفقرة الثانية حكمًا يحقق شيئًا من المرونة في حق الشريك في طلب القسمة من ناحية وفي إلزام الشريك بالبقاء في الشيوع من ناحية أخرى: فأجاز للمحكمة، إذا كانت القسمة العاجلة ضارة بمصالح الشركاء، أن تأمر بالبقاء في الشيوع مدة تحددها إذا لم يوجد اتفاق على عدم جواز طلب القسمة أو إلى أجل لاحق للأجل المتفق عليه، كما أجاز لها أن تأمر بالقسمة في الحال رغم وجود اتفاق على عدم جواز طلب القسمة خلال مدة لم تنتهِ بعد، إذا وُجد مبرر قوي للقسمة، وقد أُريد بهذا الحكم مواجهة الظروف التي قد تطرأ أثناء قيام الشيوع وتغير من توقعات الشركاء وذلك نظرًا لما يترتب على حسن أو سوء استغلال الأموال من انعكاس على المصلحة الاقتصادية للجماعة.
وقد استمد المشروع حكم الفقرة الثانية من النص، من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري (م 1202/ 2) الذي استمده بدوره من مشروع القانون المدني الإيطالي.
وبعد أن عرض المشروع لحق كل شريك في طلب القسمة، عرض في نص المادة (831) للقسمة الاتفاقية أو الرضائية، وهذه القسمة لا تتم باعتبارها قسمة تنهي حالة الشيوع إلا باتفاق جميع الشركاء، وتتم هذه القسمة بالطريقة التي يرتضيها المتقاسمون، بطريق القرعة أو بطريق التجنيب، وقد يلجؤون إلى خبير يتولى تكوين الأنصبة إلى غير ذلك من الوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى اتفاق.
ولم يجز المشروع القسمة الاتفاقية إذا كان بين الشركاء غير كامل الأهلية، سواء كان صغيرًا عديم الأهلية أو ناقصها أو كان عدم كمال أهليته لعارض من جنون أو عته أو سفه أو غفلة، إلا إذا كان له ولي شرعي فيجوز للولي أن يتفق على القسمة، وكذلك لا تجوز القسمة الاتفاقية إذا كان بين الشركاء من يثبت غيبته أو فقده، فليس لمن تعينه المحكمة للولاية على ماله أن يبرم عقد القسمة، ففي هذه الحالات يجب الالتجاء إلى إجراءات القسمة القضائية.
ولم يذهب المشروع مذهب القوانين التي تمنع القسمة الاتفاقية كلما وجد بين الشركاء غائب أو غير كامل الأهلية دون أن تستثني الحالة التي يوجد فيها للمراد حمايته ولي شرعي، وهي القانون العراقي والقانون التونسي والقانون الأردني.
كما لم يذهب المشروع مذهب القوانين التي تجيز القسمة الاتفاقية التي تتم بواسطة الوصي أو القيم أو وكيل الغائب أو المفقود، بشرط الحصول على إذن من القضاء، وهذا هو ما يتضح في مصر من نص المادة (835) مدني والمادتين (40 و79) من قانون الولاية على المال، كذلك في الكويت من نص المادة (18) من القانون رقم (4) لسنة 1974 في شأن إدارة شؤون القصر، وقد راعى المشروع في ذلك أن القسمة القضائية فيها الضمانات اللازمة لحماية غير كامل الأهلية أو الغائب أو المفقود، وفى الوقت نفسه ليس في الالتجاء إليها مشقة أكثر من الالتجاء أولاً إلى القضاء لطلب الإذن بإجراء القسمة الاتفاقية، ثم الالتجاء إلى المحكمة مرة ثانية للتثبت من عدالة القسمة، وقد ترى المحكمة بعد هذا كله أن تقر اتخاذ إجراءات القسمة القضائية، فالأولى من هذا كله أن يلجأ الوصي أو القيم ابتداءً إلى إجراءات القسمة القضائية.
ويعرض نص المادة (832) للحق في طلب إبطال القسمة الاتفاقية للغبن، أو كما يعبر عنه عادةً بنقض القسمة، وقد آثر المشروع النص على الإبطال لأن كلمة نقض القسمة لا تعني أكثر من إزالتها أو هدمها دون أن تدل على ماهية الوسيلة الفنية التي توصل إلى ذلك، ونظرًا إلى أن سبب نقض القسمة هو الغبن وهو أمر معاصر للاتفاق على القسمة، ولأن القسمة مع وجود الغبن تنعقد وتبقى قائمة منتجة لآثارها إلى أن تنقضي فحقيقة النقض إذن هي الإبطال، ويترتب على ذلك أن يخضع حق الإبطال للقواعد العامة في غير ما يرد بشأنه حكم خاص، من ذلك مثلاً القواعد الخاصة بالإجازة.
وعبارة (للمتقاسم الحق في طلب إبطال القسمة ...) الواردة في صدر النص تفيد أن الحكم بالإبطال وجوبي بالنسبة للمحكمة إذا ما توفرت شروطه، ولذلك آثر المشروع هذه العبارة على العبارة الواردة في صدر النص المصري (يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي ...) (م 845) والتي نقلتها تشريعات عربية أخرى (السوري، والليبي، والعراقي، والصومالي، والجزائري) إذ قد يفهم الجواز على أنه للمحكمة.
وقد جعل المشروع الغبن الذي يترتب عليه الحق في طلب الإبطال أي الغبن الفاحش، هو الذي يزيد على الخمس على نحو ما فعلت أكثر التشريعات العربية (المصري، والسوري، والليبي، والصومالي، والجزائري) ولم يكتفِ بوصف الغبن بأنه فاحش كما فعلت بعض التشريعات (م 1050 أردني) كما أن المشروع فضل عدم الأخذ بحكم القانون العراقي الذي يجعل حد الغبن يختلف باختلاف ماهية الأشياء إذ تنص المادة (1077/ 2) منه على أنه (ويعتبر الغبن فاحشًا متى كان على قدر ربع العشر في الدراهم ونصف العشر في العروض والعشر في الحيوانات والخمس في العقار) ذلك أن هذا التنوع في مقدار الغبن يؤدي إلى صعوبات عملية في التطبيق يحسن تفاديها إذ كثيرًا ما يكون المقسوم عدة أموال متنوعة وتتم بالنسبة لها جميعًا قسمة واحدة.
وحتى تستقر القسمة نهائيًا في وقت قريب قرر المشروع في الفقرة الثانية سقوط دعوى الإبطال للغبن بمرور سنة من وقت القسمة.
ونصت الفقرة الثالثة من النص على حق المدعى عليه، وهم المتقاسمون الآخرون، في الحيلولة دون إبطال القسمة وذلك بتكملة نصيب المغبون، وهو تطبيق للقواعد العامة التي تقتضي عدم جواز التمسك بالإبطال على نحو يخالف حسن النية، وقد فضل المشروع عبارة (أن يمنع طلب الإبطال) الواردة في النص، على العبارة المقابلة التي نجدها في كثير من التشريعات العربية وهي (للمدعى عليه أن يقف سيرها (أي الدعوى) ويمنع القسمة من جديد) (المصري، والسوري، والليبي، والعراقي، والصومالي، والجزائري) وذلك لأن المسألة ليست مسألة وقف الدعوى، ولأن التشريعات المذكورة تستعمل دون مبرر عبارتين (يقف سير الدعوى) و(يمنع القسمة من جديد) وقد أدى هذا بالبعض استنادًا إلى العبارة الأخيرة إلى القول إن المدعى عليه له أن يكمل النصيب حتى بعد الحكم النهائي بالنقض وهو أمر غير مقبول فما دام الحكم النهائي قد صدر بنقض القسمة عادت حالة الشيوع إلى ما كانت عليه، ولم يعد مقبولاً أن يكون من حق من كان مدعيًا عليه أن يطلب تكملة النصيب، ولا يبقى بعد الحكم النهائي إلا العمل على الاتفاق على القسمة من جديد أو رفع دعوى القسمة.
وبعد أن بين المشروع، أحكام القسمة الاتفاقية، عرض في المواد (من 833 إلى 836) للقسمة القضائية، وكان على المشروع، فيما يتعلق بمكان النصوص المتعلقة بهذه القسمة أن يختار بين إحدى سياستين تلجأ إلى كل منهما بعض التشريعات فبعض الدول لا تنظم أحكام القسمة القضائية في مدونة القانون المدني، كما هي الحال في القانون السوداني وفي القانون الليبي، وبعض الدول تنظم دعوى القسمة في مدونة القانون المدني مثل القانون المصري والقانون السوري، هذا بالإضافة إلى أن بعض القوانين تقتصر على وضع بعض أحكام دعوى القسمة في القانون المدني دون أن تعرض لكيفية إجراء القسمة مثل القانون الأردني، وقد اختار المشروع سياسة القوانين التي تنظم الأحكام الخاصة بدعوى القسمة، والتي لا تكفي في شأنها القواعد العامة في المرافعات، في مدونة القانون المدني، وذلك حتى لا يعرض قانون المرافعات للقواعد التي تخص كل دعوى من الدعاوى، مثل دعوى الشفعة ودعاوى الحيازة ودعوى القسمة.
( أ ) وقد بدأ المشروع في المادة (833) بيان المحكمة المختصة بدعوى القسمة، فنص على أن ترفع أمام المحكمة الكلية، وهو ما يفيد اختصاص هذه المحكمة بدعوى القسمة أيًا كانت قيمة المال أو الأموال المطلوب قسمتها، وقد راعى المشروع في ذلك أولاً أن أحكام المحاكم الجزئية، في ظل قانون المرافعات الحالي لا تقبل الاستئناف، ومن ناحية أخرى فاختصاص المحكمة الكلية يؤدي إلى أن تحكم المحكمة في كافة المنازعات التي تعرض أثناء نظر دعوى القسمة.
كما نص المشروع على أن للمحكمة أن تندب خبيرًا أو أكثر لإفراز الأنصبة إن كان المال يقبل القسمة عينًا دون نقص كبير في قيمته، والغالب أن تلجأ المحكمة إلى ذلك.
(ب) ثم عرض المشروع في المادة (834) لكيفية تكوين الأنصبة، والغالب أن يقوم بذلك الخبير، وإذا كان النص لم يأخذ بعبارة المشروع المصري (يكون الخبير الحصص ...) وإنما قال (تكون الأنصبة ...) فذلك لأن ندب الخبير جوازي للمحكمة وإن كان من الناحية العملية هو ما يحدث في كل دعاوى القسمة.
والأصل أن تكون الأنصبة على أساس أصغر حصة تمهيدًا لإجراء القرعة بين الشركاء، فإذا كانت أصغر حصة هي السدس مثلاً قسم المال إلى ستة أقسام، وهذه الطريقة وإن كانت تتفادى احتمال أي تحيز لشريك على حساب غيره، إلا أنها تؤدي إلى تفتيت نصيب الشريك صاحب الحصة الكبيرة فيحصل على عدة أجزاء متفرقة، فيحصل صاحب النصف مثلاً على نصيبه في ثلاث قطع كل منها منفصلة عن الأخرى، هذا بالإضافة إلى أنه قد يتعذر تقسيم المال إلى أجزاء صغيرة أو قد يترتب على مثل هذه التجزئة ضرر للشركاء.
ولهذا نص المشروع، في الفقرة الثانية من النص، على أنه يجب الالتجاء إلى طريقة أخرى لتكوين الأنصبة، وهي طريق التجنيب، فيعين لكل شريك جزءًا مفرزًا من المال أو الأموال الشائعة يعادل حصته، وذلك في حالتين، الأولى أن يتفق الشركاء جميعًا على ذلك، فالشركاء أنفسهم هم أصحاب الحق الأول في تقدير ما إذا كانت القسمة على أساس أصغر حصة ثم القرعة تضرهم أم لا، والحالة الثانية هي حالة ما إذا تعذرت القسمة على أساس أصغر حصة. وقد خالف المشروع، في هذا الخصوص، نص القانون المصري (م 837) والقانون السوري (م 791) من ناحيتين، الأولى أنه جعل التجاء الخبير إلى طريقة التجنيب ليس مقصورًا على حالة تعذر القسمة على أساس أصغر حصة بل أضاف حالة اتفاق الشركاء، والناحية الثانية أنه جعل العدول عن القسمة على أساس أصغر حصة إلى القسمة بطريق التجنيب وجوبيًا وليس جوازيًا.
(جـ) وبعد أن يكون الخبير الأنصبة إما على أساس أصغر حصة أو بطريق التجنيب، يكون لكل شريك، بل كذلك لكل ذي مصلحة كدائن الشريك، أن ينازع في تكوين الحصص، فإذا حدثت منازعة، فعلى المحكمة أن تفصل أولاً فيها، كما عليها أن تفصل فيما قد يثور من منازعات أخرى مثل المنازعة في ملكية جزء من الأموال المطلوب قسمتها.
وبعد الانتهاء من الفصل في المنازعات، تأتي المرحلة الأخيرة في دعوى القسمة التي عرضت لها المادة (835) فإذا كانت الأنصبة قد كونت بطريق التجنيب، تصدر المحكمة حكمها بإعطاء كل متقاسم نصيبه المفرز، وإن كانت الأنصبة قد كونت على أساس أصغر حصة، فيكون تحديد ما يخص كل شريك من هذه الأنصبة بطريق الاقتراع، وعلى المحكمة أن تثبت ما تم في الاقتراع في المحضر وتحكم بإعطاء كل متقاسم نصيبه المفرز الذي تحدد بالاقتراع.
ويعرض نص المادة (836) لبيع المال الشائع بالمزاد تمهيدًا لقسمة الثمن على الشركاء وهو ما يعرف بالقسمة بطريق التصفية، فإذا تبين للمحكمة أن المال الشائع لا يمكن قسمته عينًا، كما لو كان منزلاً معدًا لسكنى أسرة واحدة، أو تبين لها أن قسمته عينًا من شأنها أن تنقص من قيمته نقصًا كبيرًا، كما لو كان هذا المال قطعة أرض معدة للبناء ولو قسمت لأصبح كل جزء منها صغيرًا إلى حد ينقص من منفعته فتقل قيمته، فتعدل المحكمة عن القسمة العينية إلى القسمة بطريقة التصفية وذلك بأن تحكم بأن يباع المال بالمزاد العلني بالطريقة المبنية في قانون المرافعات للبيع الجبري.
والأصل أنه يجوز لأي شخص، سواء كان من الشركاء أو من غيرهم، أن يتقدم بالمزايدة عند بيع المال الشائع حتى يمكن الحصول على أكبر ثمن ممكن، ولكن قد يرى الشركاء أنفسهم قصر المزايدة عليهم لاعتبارات يقدرونها، كأن يكون المال هو منزل الأسرة ويريدون أن يبقى في يد واحد منهم، ولما كانت المصلحة التي يمكن أن تتأثر بقصر المزايدة على الشركاء هي مصلحتهم فيكفي لحمايتهم أن يكون قصر المزايدة عليهم دون غيرهم بموافقتهم جميعًا، لكن إذا كان بين الشركاء غائب أو مفقود أو غير كامل الأهلية ولا يمثله الولي الشرعي، فرعاية لمصلحته لا يجوز للمحكمة أن تأمر بقصر المزايدة على الشركاء حتى ولو طلبوا ذلك ووافق على الطلب من ينوب عن الغائب أو المفقود أو غير كامل الأهلية، تبقى حماية دائني الشركاء، ولهم بلا شك مصلحة في رسو المزاد بأعلى ثمن ممكن، وقد اكتفى المشروع في شأنها بالقواعد العامة التي تعطي الدائن حق التدخل في الدعوى والنص الخاص بحماية دائني الشركاء من أخطار القسمة (م 837 من المشروع) خاصةً وقصر المزايدة على الشركاء جوازي للمحكمة التي لها برغم إجماع الشركاء على طلب قصر المزايدة عليهم أن ترفض طلبهم إذا اعترض عليه أحد الدائنين لاعتبارات مقبولة.
حماية دائني المتقاسمين من القسمة:
عرض نص المادة (837) لحماية خاصة بدائني الشركاء المتقاسمين من القسمة التي قد يتواطأ فيها الشركاء على الإضرار بحقوق بعض الدائنين كأن يتفق شريك مدين مع بقية الشركاء على أن يختص بأموال يسهل إخفاؤها كالنقود أو المجوهرات أو السندات لحاملها، أو على أن يختص بحصة عينية تقل عن نصيبه ويكمل النصيب بنقود يقبضها دون علم الدائنين، وإذا كانت القواعد العامة تخول دائن المتقاسم حق التدخل في دعوى القسمة باعتباره صاحب مصلحة، وبالتالي يتمكن من مراقبة سير إجراءات القسمة حتى لا تتم على نحو يضر بمصلحته، كأن ينازع في تكوين الأنصبة أو يعترض على إجراء القسمة بطريق التجنيب ما دام إجراؤها بطريق القرعة ممكنًا أو يعترض على طلب الشركاء قصر المزايدة عليهم، إذا كان الأمر كذلك، فقد يحدث عملاً أن تُرفع دعوى القسمة دون أن يعلم بها الدائن وبالتالي تفوته فرصة الدفاع عن مصلحته، لهذا يحمي المشروع دائني المتقاسم حماية خاصة بتمكينهم من تفادي إجراء القسمة في غيبتهم، ويفرق في هذا الخصوص بين الدائنين أصحاب الحقوق المشهرة من جهة، والدائنين العاديين من جهة أخرى.
01 ( أ ) ففيما يتعلق بالدائنين المشهرة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة أو قبل إبرام القسمة الاتفاقية، أوجبت الفقرة الأولى من النص على الشركاء أن يدخلوهم في القسمة، فإذا حصل الإدخال فللدائن أن يعمل على تفادي المساس بحقه، فإن كانت القسمة قضائية فالمحكمة هي التي تقدر ما يطلبه الدائن وتحكم في الدعوى بما تراه محققًا مصالح المتقاسمين وبمراعاة مصلحة الدائن، وإن كانت القسمة اتفاقية فقد يراعي المتقاسمون ما أبداه الدائن رعاية لحقه وتتم القسمة باتفاق كل ذوي الشأن بما في ذلك موافقة الدائن، فإن اختلفوا فلا مفر من الالتجاء إلى القسمة القضائية، أما إذا لم يُدخل المتقاسمون الدائن فلا تكون القسمة، قضائية كانت أم اتفاقية، نافذة في حقه.
(ب) وفيما يتعلق بالدائنين العاديين لا يتصور إلزام المتقاسمين ابتداءً وبحكم القانون أن يدخلوا الدائن لأنه غير معلوم لهم. ولهذا تكون الخطوة الأولى في سبيل الحماية من الدائن نفسه وذلك بأن يعارض في أن تتم القسمة في غيبته، فإذا تمت المعارضة وجب على الشركاء إدخال من عارض في القسمة وإلا كانت غير نافذة في حقه.
وقد عرضت الفقرة الثانية من النص لمعارضة الدائنين وأثرها وقصرت الحكم على القسمة القضائية، وقد خالف المشروع في هذا بعض التشريعات العربية التي تعمم الحكم ليشمل القسمة الاتفاقية أيضًا مثل القانون السوري والقانون الأردني، وفي القانون المصري يدل ظاهر النص (م 842) على أن حكمه خاص بالقسمة القضائية كما تصرح المذكرة الإيضاحية باستبعاد القسمة الاتفاقية، ومع ذلك ذهب بعض الشراح إلى أنه ليس ثمة مبرر معقول للتفرقة بين القسمة الاتفاقية والقسمة القضائية بل إن الحاجة إلى تخويل الدائن حق المعارضة أظهر في القسمة الاتفاقية منه في القسمة القضائية إذ أن الدائن له وفقًا للقواعد العامة حق التدخل في دعوى القسمة، هذا بالإضافة إلى أن القسمة الاتفاقية خالية من ضمانات القسمة القضائية وبالتالي فالدائن أحوج إلى التدخل فيها، وبالتالي يدعون إلى التوسع في تفسير النص ليشمل القسمة الاتفاقية، ومع هذا آثر المشروع قصر المعارضة وما يترتب عليها من إلزام المتقاسمين بإدخال من عارض على القسمة القضائية، فمع التسليم بما قيل من أن الدائن في حاجة إلى حماية من القسمة الاتفاقية لا تقل عن حاجته إلى الحماية من القسمة القضائية بل لعل حاجته الأولى أكبر مع هذا فإعطاء الدائن العادي حق التدخل في القسمة الاتفاقية أمر غير مقبول إذ يؤدي إلى تمكين الدائن الذي لم يتعلق حقه بذات المال أو الأموال المراد قسمتها من التحكم الذي لا حد له وينتهي الأمر إلى أن يكون في قدرة أي دائن لأي شريك أن يحبر الشركاء جميعًا على العدول عن القسمة الاتفاقية والالتجاء إلى القضاء، وفي هذا خروج على مبدأ حرية التعاقد لا مبرر له، فإذا كان الشريك يستطيع أن يتصرف في حقه بسائر التصرفات كالبيع والهبة ... إلخ دون موافقة دائنيه، فلا مبرر لإقحام الدائن في القسمة بالذات، ولهذا يكتفى في حماية الدائن العادي من القسمة الاتفاقية بالقواعد العامة التي تجيز للدائن الطعن في تصرفات مدينه بدعوى عدم نفاذ التصرفات.
وبالنص المقترح يستطيع كل دائن لشريك يخشى أن تؤثر القسمة القضائية التي تنهي حالة الشيوع بين مدينه وشركائه في ضمانه، يستطيع أن يبادر منذ نشوء حقه بأن يعارض في أن تتم القسمة القضائية في غيبته، وقد نص المشروع على أن تكون المعارضة بإنذار رسمي يوجه إلى جميع الشركاء، فلم يسلك مسلك المشرع المصري في ترك طريقة المعارضة دون تحديد، وإنما نص على أن تكون بإنذار رسمي حسمًا لما قد يثور من منازعة فيما إذا كان الدائن قد عارض أم لا، ويجب أن توجه المعارضة إلى جميع الشركاء فإذا وجهت إلى البعض دون البعض الآخر ولم يدخل المتقاسمون الدائن الذي عارض فتكون القسمة نافذة في حقه فلا يصح أن يقال إنها تنفذ بالنسبة للبعض دون البعض الآخر لأنها لا تقبل التجزئة.
أثر القسمة:
إذا تمت القسمة، رضاءً أو قضاءً، ترتب عليها أثرها الجوهري الذي يهدف إليه المتقاسمون وهو إفراز نصيب من الأموال الشائعة لكل شريك، وحتى يستقر للمتقاسم الجزء المفرز الذي اختص به في القسمة، يلتزم نحو غيره من المتقاسمين بضمان ما يحدث له من تعرض أو استحقاق.
ويعرض نص المادة (838) لأثر القسمة الجوهري وهو إفراز نصيب كل شريك أي استقلال كل شريك بجزء من المال الشائع يملكه ملكية مفرزة.
ولم يأخذ المشروع بفكرة الأثر الرجعي للقسمة التي أخذت بها أكثر القوانين العربية، تأثرًا بالقانون الفرنسي، فقد نصت المادة (843) مصري على أنه (يعتبر المتقاسم مالكًا للحصة التي آلت إليه منذ أن تملك في الشيوع وأنه لم يملك غيرها شيئًا في بقية الحصص) وهذا النص قد نقله حرفيًا كل من المشرع السوري (م 797) والمشرع الليبي (م 847) والمشرع الصومالي وأخذت بحكمة تشريعات أخرى مع شيء من الاختلاف في عبارة النص كالقانون العراقي الذي قرر الحكم نفسه ومهد له بعبارة (ترجح جهة الإفراز على جهة المبادلة في القسمة) (م 1075) والقانون اللبناني (م 946 من قانون الموجبات) والقانون التونسي (م 123)، أما القانون الأردني فقد وضع نصًا تفادى فيه التعرض لوقت استقلال كل شريك بالنصيب الذي آل إليه بالقسمة فذكرت المادة (1047) أنه (يعتبر المتقاسم مالكًا على وجه الاستقلال لنصيبه الذي آل إليه بعد القسمة).
وإسناد أثر القسمة إلى وقت التملك في الشيوع، بحيث يعتبر كل متقاسم أنه كان يملك وحده النصيب الذي آل إليه منذ بدء الشيوع، هو تحايل أو مجاز قانوني لأنه يخالف الحقيقة مخالفة مؤكدة، ذلك أن كل متقاسم كان يملك قبل القسمة فيما وقع في نصيب غيره وأن غيره كانوا يملكون فيما وقع في نصيبه، والحيلة أو المجاز هي وسيلة فنية يلجأ إليها المشرع عندما يجدها ضرورية لتحقيق ما يهدف إليه، والهدف الذي يراد الوصول إليه من وراء تقرير الأثر الرجعي للقسمة هو حماية كل شريك من تصرفات غيره من الشركاء التي تمت أثناء فترة الشيوع بالنسبة للنصيب الذي اختص به الشريك بالقسمة. وللوصول إلى تحقيق هذا الهدف يقرر المشرع في القوانين التي تأخذ بالأثر الرجعي أن الشريك يعتبر مالكًا وحده لما آل إليه بالقسمة منذ أن تملك في الشيوع ليصل من وراء ذلك إلى اعتبار التصرفات التي تمت من غيره صادرة من غير مالك وبالتالي لا أثر لها بالنسبة للمتقاسم فتخلص له ملكية النصيب الذي اختص به خالية من كل أثر لتصرفات غيره من الشركاء.
وإذا كانت هذه الوسيلة الفنية، وهي كما يقال عنها في عبارة مشهورة (كذب فني تقتضيه الضرورة) توصل فعلاً إلى تحقيق هدفها المذكور، فهي تؤدي منطقيًا إلى نتائج لا يمكن قبولها، فقد قيل مثلاً إننا لو التزمنا منطق نص من النصوص الذي اختص به في القسمة، لوجب القول أن كل شريك يستحق ثمار النصيب الذي اختص به في القسمة، ويتحمل تكاليفه، في الفترة التي سبقت القسمة أي أثناء حالة الشيوع، وهو حكم غير مقبول، كذلك كان منطق فكرة الأثر الرجعي للقسمة أن يعتمد في تقويم الأنصباء عند القسمة بقيمة الأموال وقت بدء الشيوع لا وقت القسمة، وفعلاً قضت محكمة النقض الفرنسية بذلك في وقت ما وكان قضاؤها محلاً للنقض فعدلت عنه واستقرت على الاعتداد بالقيمة وقت القسمة، وكان منطق الأثر الرجعي كذلك أنه إذا كان هناك حق ارتفاق لخدمة العقار الذي وقع في نصيب الشريك فالأعمال التي قام بها غيره أثناء الشيوع والتي تعتبر ممارسة لحق الارتفاق لا تقطع التقادم المسقط للحق، وكذلك فإن وقف التقادم الذي حدث أثناء فترة الشيوع لمصلحة شريك آخر لا يجعله موقوفًا بالنسبة للشريك الذي اختص بالعقار، بل إن منطق فكرة الأثر الرجعي للقسمة أدى إلى القول إنه إذا صدر قانون جديد أثناء حالة الشيوع بغير من القواعد المنظمة للقسمة فإن هذا القانون لا ينطبق على أساس أن القسمة تفرز لكل متقاسم حقه من وقت بدء الشيوع أي من وقت سابق على صدور القانون الجديد وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية وكان قضاؤها محل نقد الكثيرين.
هذه أمثلة لما يمكن أن يؤدي إليه النص على رجعية أثر القسمة، صحيح أن قيل بوجوب قصر تطبيق النص على الحالات التي تتحقق فيها الحكمة من وضعه، ولكن هذا لن ينهي الخلاف، والأفضل أن يواجه المشرع المسائل التي يريد تقرير حكمها مواجهة مباشرة ويقرر الحكم الذي يراه مناسبًا، دون الالتجاء إلى التحايل وهو ما فعله المشروع بالنص في المادة (838) بعد أن قرر الأثر الجوهري للقسمة وهو الإفراز، على أن تكون ملكية المتقاسم النصيب المفرز الذي اختص به في القسمة " خالصة من كل حق رتبه غيره من الشركاء ما لم يكن الحق قد تقرر بإجماع الشركاء أو بأغلبيتهم وفقًا للقانون ". وبإعمال هذا النص، مع النصوص الأخرى التي قررها المشروع، في شأن التصرف في المال الشائع، نصل إلى النتائج الآتية:
أولاً: إذا كان الشريك قد تصرف في حصته الشائعة، فالتصرف صحيح وفقًا لنص المادة (819) من المشروع، ولا صعوبة إن كان التصرف بنقل الحق الشائع إذ يدخل المتصرف إليه شريكًا في الشيوع محل المتصرف ويكون أحد المتقاسمين عند القسمة.
وإذا كان التصرف في الحصة بترتيب حق عيني عليها، كالانتفاع أو الرهن، فهو أيضًا تصرف صحيح لأن الشريك قد تصرف فيما يملك، وقد كان على المشروع أن يضع نصًا يبين مصير الحق، وهو ما قرره في المادة (839).
ثانيًا: إذا كان التصرف قد تم أثناء الشيوع على جزء مفرز، فإن كان قد تم بإجماع الشركاء أو بواسطة الأغلبية في حدود ما يسمح به القانون، فالتصرف صحيح يترتب عليه أثره، ولا صعوبة إن كان من التصرفات الناقلة للملكية، أما إذا كان التصرف بإنشاء حق عيني غير الملكية كالرهن، فيبقى الحق قائمًا لا يتأثر بالقسمة ويجب على المتقاسمين أن يدخلوا وجوده في اعتبارهم عند القسمة، ولهذا حرص المشروع على النص في نهاية المادة (838) بعد أن قرر أن تكون ملكية المتقاسم خالصة من كل حق رتبه غيره من الشركاء دون موافقته، على أنه " ... ما لم يكن الحق قد تقرر بإجماع الشركاء أو بأغلبيتهم وفقًا للقانون ".
أما إذا كان التصرف في الجزء المفرز قد أبرمه أحد الشركاء فلا يترتب عليه قبل القسمة أي أثر فيما يتعلق بنقل أو إنشاء الحق العيني، وفقًا لنص المادة (829) من المشروع، فإذا وقع الجزء المتصرف فيه في نصيب المتصرف زال المانع الذي منع ترتب الأثر العيني وأمكن نقل الحق أو إنشاؤه، وإذا وقع الجزء المتصرف فيه في نصيب متقاسم آخر فلا يكون أمام المتصرف إليه إلا الرجوع على المتصرف، وفقًا للقواعد العامة.
ويعرض نص المادة (839) لمصير الحقوق العينية التي كانت تثقل حصة الشريك، كلها أو بعضها، قبل القسمة، فنظرًا إلى أن الشريك من حقه أن يتصرف في حصته الشائعة، فيمكن أن يقرر عليها حق انتفاع، أو حق رهن، وقد يكون هذا الشريك قد اشترى الحصة ولم يدفع الثمن فيكون للبائع عليها حق امتياز البائع.
فإذا تمت القسمة، فإن إعمال القاعدة التي تقرر أن كل شريك يحصل على نصيبه المفرز الذي اختص به في القسمة خالصًا من الحقوق التي رتبها غيره، يثير مسألة مصير الحقوق التي كانت تثقل حصة الشريك الشائعة.
ولم تواجه التشريعات المختلفة مصير الحقوق التي كانت واردة على الحصة الشائعة بقاعدة عامة تتناول الفروض المختلفة التي يمكن أن تعرض في العمل، وإنما اهتمت التشريعات التي عرضت للمسألة بالرهن الرسمي الذي ينشئه الشريك على حصته الشائعة، وهذا هو مسلك القانون المصري والقوانين التي تأثرت به ومنها القانون الكويتي والقانون الليبي والقانون السوداني والقانون الجزائري والقانون الصومالي والقانون الأردني.
وقد آثر المشروع أن يضع قاعدة عامة لا يقتصر تطبيقها على الرهن وإنما يتناول الحقوق العينية الأخرى، كما يتناول تطبيقها الفروض المختلفة التي يمكن أن تتحقق في العمل، فقد يرد الحق ابتداءً على كل حصة الشريك، في كل الأموال الشائعة أو في مال واحد من بين الأموال المتعددة الداخلة في الشيوع، وقد يرد الحق على حصة أقل مما يملك الشريك كما لو كان يملك النصف ورهن الربع، وعند القسمة قد يقع المال الذي ورد عليه الحق ابتداء في نصيب الشريك، وقد يقع جزء منه فقط، وقد يقع في نصيب الشريك مال آخر ولا يختص بشيء من المال الذي ورد عليه الحق ابتداء.
وقد روعي في صياغة النص أن يواجه هذه الفروض المختلفة، وذلك على خلاف التشريعات التي لا تواجه نصوصها إلا بعض الفروض، حتى في نطاق الرهن الرسمي الذي عرضت له.
( أ ) فإذا كان الحق قد ورد ابتداء على كل حصة الشريك في كل الأموال الشائعة، فيترتب على القسمة أن يثقل هذا الحق كل الجزء المفرز الذي آل إليه.
(ب) وإذا كان الحق قد ورد على بعض حصة الشريك في كل الأموال الشائعة، كما لو كان يملك النصف ورهن الربع، ترتب على القسمة أن يثقل الحق نصف النصيب الذي آل إليه.
(جـ) وإذا كان الحق قد ورد ابتداء على كل حصة الشريك أو بعضها في مال واحد من الأموال الشائعة، فإن وقع هذا المال في نصيبه عند القسمة بقي الحق كما هو، ولهذا لم يستخدم النص عبارة " انتقل الحق " أو " تحول الحق " التي وردت في نصوص التشريعات التي نظمت الموضوع بالنسبة للرهن، وإذا لم يقع هذا المال في نصيب الشريك وإنما وقعت في نصيبه أموال أخرى تحول الحق إلى جزء مما وقع في نصيبه يعادل قيمة الحصة التي ورد عليها الحق ابتداء، وتعين المحكمة الجزء الذي يعادل قيمة الحصة عند عدم اتفاق ذوي الشأن.
ضمان التعرض والاستحقاق:
عرض المشروع بنصوص المواد (840، 841، 842) لضمان التعرض والاستحقاق في القسمة، والاستحقاق الذي يترتب عليه الضمان هو استحقاق ما وقع في نصيب الشريك مدعي الضمان، وليس استحقاق المقسوم كله أو حصة شائعة فيه كله، فإذا حدث لواحد من المتقاسمين تعرض فله أن يطلب من بقية المتقاسمين المساهمة معه في دفع هذا التعرض، فإذا كان المتعرض يدعي ملكيته للمقسوم كله أو حصة شائعة فيه ونجح في إثبات ما يدعيه، فمقتضى القواعد العامة اعتبار القسمة باطلة لا أثر لها إما لأنها وقعت على مال غير مملوك للمتقاسمين وإما لأنها تمت بين بعض الشركاء دون البعض الآخر. وهذا الحكم هو ما ورد في صدر المادة (112) من المجلة إذ تقول: " شرط المقسوم هو كونه ملك الشركاء حين القسمة فإذا ظهر مستحق للمقسوم بعد القسمة بطلت وكذا إذا ظهر مستحق لجزء شائع منه ويتعين حينئذٍ إعادة القسمة فيما بقي منه " وهذا الفرض ليس هو الذي عرض له المشروع مكتفيًا في شأنه بحكم القواعد العامة.
أما الفرض الذي عرضت له النصوص فهو أن يكون الاستحقاق خاصًا بما يقع في نصيب من يدعي الضمان، وهنا لا تبطل القسمة لمجرد أن المتقاسمين أدخلوا فيها ما ليس لهم، وتكون في نطاق الالتزام بالضمان وإن كانت المجلة تقرر البطلان ليس فقط عند استحقاق المقسوم كله أو حصة شائعة فيه كله بل كذلك إذا ظهر مستحق لمجموع حصة أحد المتقاسمين.
وقد عرضت المادة (840) لضمان كل متقاسم للآخر ما يقع في النصيب الذي اختص به من تعرض واستحقاق لسبب سابق على القسمة، وبعد أن قررت في الفقرة الأولى الالتزام بالضمان، عرضت في الفقرة الثانية لأثر الاستحقاق فأعطت لمن استحق نصيبه كله أو بعضه حق طلب الفسخ وإجراء قسمة جديدة إن كان ذلك ممكنًا دون ضرر لباقي المتقاسمين أو للغير، فإذا لم يطلب الفسخ أو تعذر إجراء قسمة جديدة لما يترتب عليها من ضرر، كان له أن يرجع على باقي المتقاسمين بمقدار ما نقص من نصيبه بسبب الاستحقاق على أساس قيمة الأموال المقسومة كلها وقت الاستحقاق، ويتحمل كل متقاسم، مما يستحقه مدعي الضمان بنسبة حصته فإن كان أحدهم معسرًا وزع ما يلزمه على مستحقي الضمان وجميع المتقاسمين غير المعسرين، وفي هذا النص تجديد خالف به المشروع أكثر القوانين العربية، فمعظم هذه القوانين تقصر أثر الاستحقاق في رجوع مستحق الضمان على غيره من المتقاسمين بالتعويض كل منهم بنسبة حصته على أن تكون العبرة في تقدير الشيء بقيمته وقت القسمة (المصري والسوري والليبي والصومالي والجزائري والعراقي والتونسي)، وتقدير الشيء بقيمته وقت القسمة يخالف القاعدة المقرة في ضمان الاستحقاق في عقد البيع حيث العبرة في تقدير الشيء بوقت الاستحقاق. ويقال في تبرير الفرق في الحكم بين الضمان في البيع والضمان في القسمة أن الالتزام بالضمان في البيع يقوم على أساس ضرورة حصول المشتري على القيمة التي يمثلها وقد تزيد أو تنقص بعد البيع والعبرة بالقيمة وقت الاستحقاق لأن البيع عقد مضاربة يتعرض فيه المشتري للربح والخسارة، أما القسمة فليست عقد مضاربة وإنما تراعى فيها المساواة بين المتقاسمين ولذلك تكون العبرة عند تقدير ما يرجع به مستحق الضمان بقيمة الشيء وقت القسمة لا وقت الاستحقاق. والواقع أن كون القسمة ليست عقد مضاربة وإنما تراعى فيها المساواة التامة بين المتقاسمين لا يستتبع أن تكون العبرة عند النظر في التعويض عند الاستحقاق بقيمة ما نقص من نصيب مستحق الضمان وقت القسمة، ذلك أن المساواة التي ينبغي أن تحققها القسمة هي المساواة وقت القسمة، أما بعد تمام القسمة فقد تتغير قيم الأشياء التي اختص بها المتقاسمون كلها أو بعضها دون البعض، وليس من العدل أن تتغير قيم الأشياء المقسومة بعد القسمة ثم يبقى لكل متقاسم نصيبه بقيمته الحالية التي يحتمل أن تكون قد زادت أو نقصت ثم نعوض مستحق الضمان بالقيمة وقت القسمة، فإذا افترضنا أن الأسعار قد ارتفعت بوجه عام فيضار المتقاسم الذي استحق نصيبه إذ يعوض على أساس قيمة الشيء قبل ارتفاع الأسعار ويحتفظ الآخرون بأنصبائهم بقيمتها المرتفعة، والعكس هو الصحيح إذا انخفضت الأسعار بوجه عام، كما يحتمل أن ترتفع قيمة بعض الأشياء دون البعض أو العكس وبالتالي يؤدي التعويض على أساس القيمة وقت القسمة إلى الإضرار بمستحق الضمان أو إلى إفادته، ولهذا قد يقال إن الأفضل تطبيق القاعدة العامة المقررة بالنسبة للضمان في عقد البيع وحيث تكون العبرة بقيمة الشيء الذي استحق وقت الاستحقاق، وهذا هو ما قرره القانون اللبناني الذي نص في المادة (948) على أن (يضمن كل من الشركاء المتقاسمين أنصبة سائر الشركاء للأسباب السابقة على القسمة طبقًا للأحكام الموضوعة للبيع)، ويكون وجه تفضيل هذا الحكم أنه بعد أن تتم القسمة - والمفروض أنها ستقبل المساواة وقت إبرامها - يتحمل كل متقاسم ما يطرأ على قيمة ما اختص به من نقص ويستفيد مما يطرأ عليها من زيادة.
وقد آثر المشروع أن يعمل على تفادي كل ما يترتب على الاستحقاق من إخلال بالمساواة بين المتقاسمين، فأعطى أولاً لمن استحق نصيبه الحق في طلب الفسخ وإجراء قسمة جديدة بشرط أن يكون ذلك ممكنًا دون ضرر لباقي المتقاسمين أو للغير، فإذا لم يكن ممكنًا، كما لو كان المتقاسمون كلهم أو بعضهم قد أجرى تعديلات أو تحسينات فيما اختص به أو تصرف لغيره، ففي هذه الحالة، وكذلك حالة ما إذا لم يطلب مستحق الضمان الفسخ، فلجأ إلى التعويض وهنا استحدث المشروع حكمًا يحول دون الإخلال بما تهدف إليه القسمة من تحقيق المساواة بين المتقاسمين فقرر أن يكون التعويض على أساس قيمة الأموال المقسومة جميعًا وقت الاستحقاق، وهذا يعني القيام بما يشبه ما يحدث لو كنا بصدد إجراء قسمة جديدة، فتقوم الأموال المقسومة جميعًا - بعد استبعاد ما استحق - ويحدد على ضوء ذلك قيمة ما يخص الشريك الذي استحق نصيبه، ويعوض بهذه القيمة إن كان نصيبه كله قد استحق أو بما يكمل ما بقي معه بعد الاستحقاق إن كان بعض نصيبه هو الذي استحق.
هذا وقد استحدث المشروع القاعدة الواردة في المادة (841) وبيان ذلك أن نصوص التشريعات العربية تقصر الضمان على حالة ما إذا كان سبب الاستحقاق سابقًا على القسمة، وهي الحالة التي ورد حكمها في المادة السابقة، (المصري، والسوري، والليبي، والعراقي، والصومالي، والجزائري، والتونسي، والسوداني) في حين أن المعروف أن الضمان في البيع يشمل كذلك حالة ما إذا كان سبب الاستحقاق لاحقًا للبيع إذا كان حق المستحق قد آل إليه من البائع، وربما كان السبب في عدم نص التشريعات العربية على مثل هذا الحكم بالنسبة للقسمة هو تصور واضعي النصوص أن حالة الاستحقاق لسبب لاحق للقسمة غير ممكنة، والواقع أنها ممكنة فإذا فرضنا أن أحد المتقاسمين، بعد القسمة التي لم تسجل، قد باع إلى الغير حصة شائعة في عقار اختص به غيره من المتقاسمين تساوي ما كان للبائع في هذا العقار قبل القسمة، ثم سجل المشتري عقد البيع، فتنتقل إليه ملكية تلك الحصة الشائعة، فإذا ما طالب بحقه فيعتبر هذا تعرضًا للمتقاسم الذي اختص بالعقار في القسمة، ويكون لهذا الأخير أن يرجع بالضمان على المتقاسم البائع وحده دون غيره من المتقاسمين، ولهذا نص المشروع على أن يضمن المتقاسم ما يقع لغيره من المتقاسمين من تعرض أو استحقاق لاحق للقسمة يرجع إلى فعله، وجعل الرجوع في هذه الحالة بالتعويض عما نقص من نصيب مستحق الضمان مقدرًا وقت الاستحقاق، كما هي الحالة في ضمان الاستحقاق في عقد البيع، ولما كنا في هذا الفرض بصدد ضمان عدم التعرض الشخصي فكل اتفاق على خلاف حكم النص يقع باطلاً.
أما المادة (842) فتعرض لحكم الاتفاق على عدم الضمان، وهي تبدأ بتحفظ خاص بعدم الإخلال بما تقتضي به المادة السابقة، والمقصود هو بطلان كل اتفاق على خلاف ما يقضي به النص، ثم قضى النص بعد ذلك بأنه لا يكون للضمان محل في حالتين: الحالة الأولى أن يوجد اتفاق صريح على الإعفاء من الضمان في الحالة الخاصة التي نشأ عنها، فيجب أولاً أن يكون الاتفاق صريحًا، ويجب ثانيًا أن يكون الاتفاق خاصًا بالإعفاء من الضمان في الحالة الخاصة التي نشأ عنها فلا يكفي في ذلك شرط الإعفاء العام من الضمان، والحالة الثانية هي أن يكون الاستحقاق راجعًا إلى خطأ المتقاسم الذي استحق شيء من نصيبه.
وقد حذا المشروع في الأخذ بحكم النص حذو القانون المصري (م/ 844/ 2) والقوانين العربية الأخرى التي تأثرت به (السوري، والليبي، والتونسي)، وذلك على خلاف بعض القوانين التي لم تأخذ بهذا الحكم (العراقي واللبناني).

ثالثًا: قسمة المهايأة:
بعد أن عرض المشروع للقسمة التي تؤدي إلى إنهاء حالة الشيوع، عرض في المواد (من 843 إلى 846) لقسمة المهايأة، التي لا تنهي حالة الشيوع وإنما تنظم بطريقة خاصة كيفية انتفاع الشركاء بالمال الشائع، والمهايأة إما مكانية وإما زمانية.
وقد عرض النص المادة (843) للمهايأة المكانية، وفيها يتفق الشركاء على تقسيم المال الشائع أجزاء لينتفع كل شريك منهم بجزء في مقابل انتفاع غيره بالأجزاء الأخرى، والمهايأة في الانتفاع على هذا الوجه وسيلة مقبولة يتفادى بها الشركاء مشاكل إدارة المال الشائع، وما بقي الشيوع قائمًا فلا بئس من أن تستمر المهايأة في الانتفاع لآية مدة، ولكن نظرًا إلى أنه لا يجوز الاتفاق على الالتزام بالبقاء في الشيوع أي عدم طلب القسمة مدة تزيد على خمس سنين، نص المشروع على أن الاتفاق على المهايأة لا يصح فيما زاد من مدته على خمس سنين وذلك حتى لا يحمل الاتفاق على المهايأة لمدة تزيد على خمس سنين محمل الاتفاق على الالتزام بالبقاء في الشيوع لهذه المدة.
والاتفاق على المهايأة يكون صحيحًا ولو لم يتفق فيه على مدة، فإذا اتُفق على مدة معينة، في حدود خمس سنين، انتهت القسمة بانقضاء المدة المتفق عليها دون حاجة إلى أن ينبه أحد الشركاء على الآخرين، قبل انقضاء هذه المدة، برغبته في الإنهاء، أما إذا لم يتفق على مدة، فتكون المدة بحكم القانون هي سنة، وتمتد هذه المدة سنة فسنة إلى أن ينبه أحد الشركاء على الآخرين قبل انقضاء السنة الجارية بستين يومًا برغبته في إنهاء القسمة، فإذا حصل التنبيه انتهت القسمة بنهاية السنة.
وإذا انتهت القسمة إما بانتهاء المدة المتفق عليها، أو بنهاية السنة على الوجه السابق، فقد يحدث مع ذلك أن يظل الشركاء على ما هم عليه كل منهم ينتفع بالجزء الذي اختص به دون أن يعترض أحدهم على ذلك خلال مدة معقولة، فتكون القسمة قد تجددت تجديدًا ضمنيًا، والتجديد الضمني عقد جديد ينعقد بشروط العقد الذي انتهى، فيما عدا أنه يكون غير محدد المدة فيسري عليه حكم العقد الذي لم يتفق فيه على مدة أي تكون مدته سنة تمتد سنة فسنة إلى أن ينبه أحد الشركاء على الآخرين قبل انقضاء السنة الجارية بستين يومًا برغبته في إنهاء القسمة.
هذا ولم يأخذ المشروع بحكمين وردا في كل من القانون المصري (م 846/ 2) والقوانين التي حذت حذوه (السوري، والصومالي، والجزائري)، محتذيًا في ذلك حذو القانون العراقي والقانون الليبي والقانون السوداني والقانون التونسي والقانون الأردني، والحكم الأول الذي لم يأخذ به المشروع هو أن المهايأة المكانية إذا دامت خمس عشرة سنة انقلبت قسمة نهائية ما لم يتفق الشركاء على غير ذلك، وهو حكم يقال في تبريره إن دوام المهايأة خمس عشرة سنة أكبر دليل على أن هذه المهايأة هي خير قسمة للمال الشائع، وهو قول محل نظر فقط توجد اعتبارات تجعل الشركاء يقبلون القسمة باعتبارها مهايأة في الانتفاع دون أن يرتضوها قسمة نهائية لاختلاف غاية كل من نوعي القسمة، كما لو كان المقسوم مهايأة أرضًا زراعية تستوي أجزاؤها في الجودة من حيث الاستغلال الزراعي ولكن بعض الأجزاء التي يزرعها أحدهم قد أصبحت قريبة من منطقة المباني فارتفع سعرها، والحكم الثاني الذي لم يأخذ به المشروع هو أنه إذا حاز الشريك على الشيوع جزءًا مفرزًا من المال الشائع مدة خمس عشرة سنة افترض أن حيازته لهذا الجزء تستند إلى قسمة مهايأة، وهذا في الواقع حكم غير مقبول، خاصة إذا لوحظ أن بعض الشراح، عند تفسير النص، قد قالوا إن الافتراض لا يقبل إثبات العكس، وحتى إذا كان يقبل إثبات العكس كما يقول البعض الآخر، فالقرائن تُبنى على الغالب وليس الغالب أن تكون حيازة الشريك لجزء مفرز مستندة إلى قسمة مهايأة.
والنوع الثاني من قسمة المهايأة هي المهايأة زمانًا، وقد عرض لها المشروع بنص المادة (844) وهي كالمهايأة مكانًا، لا تتم إلا باتفاق الشركاء جميعًا، وفيها يتفق الشركاء على أن ينتفع كل منهم بالمال الشائع كله لمدة معينة ثم يبدأ شريكه في الانتفاع به وهكذا بحيث تكون مدة الانتفاع كل منهم تتناسب مع حصته في الشيوع، وفي هذه القسمة لا بد من الاتفاق على المدة، فإذا لم يتفق عليها كان العقد باطلاً لأن مدة انتفاع كل شريك والنسبة بينها وبين مدة انتفاع الآخر هي الأمر الجوهري في هذه القسمة.
وبعد أن عرض المشروع لنوعي المهايأة، المكانية والزمانية، عرض بنص المادة (845) لقسمة مهايأة تتم أثناء إجراءات القسمة النهائية، وتتميز بأمرين: الأول أنها لا تخضع للقواعد الخاصة بالمدة وإنما تستمر حتى تتم القسمة النهائية، والأمر الثاني أن هذه القسمة يمكن - إذا لم يتفق عليها الشركاء - أن تتم بأمر المحكمة بناءً على طلب أحد الشركاء، وذلك على خلاف الأصل وهو أن المهايأة لا تكون إلا باتفاق الشركاء جميعًا عليها.
وأخيرًا يعرض نص المادة (846) للقواعد التي تحكم قسمة المهايأة في غير ما ورد به نص المواد (843 و844 و845).
ونظرًا إلى أن كلاً من المتقاسمين يلتزم بمقتضى الاتفاق بتمكين غيره من الانتفاع إما بالجزء الذي يخصه إن كانت القسمة مكانية وإما بكل المال الشائع إن كانت زمانية، وذلك في مقابل أن يمكنه غيره من الانتفاع بالجزء الخاص به، فهي تشبه الإيجار بحيث يعتبر كل متقاسم في مركز يشبه مركز المؤجر والمستأجر في الوقت نفسه. ولهذا نص المشروع، شأنه في ذلك شأن القوانين العربية الأخرى، على أن تخضع المهايأة لأحكام عقد الإيجار، وكل هذه القوانين، وكذا المشروع، أحالت على أحكام الإيجار فيما يتعلق بالأهلية وحقوق والتزامات المتعاقدين وقد اكتفى القانون العراقي بذلك، وزادت القوانين الأخرى الإحالة فيما يتعلق بالإثبات والاحتجاج على الغير، وقد رأى المشروع الإحالة فيما يتعلق بالاحتجاج على الغير حمايةً لمن يشتري من أحد الشركاء حصته الشائعة مثله في هذا مثل من يشتري الشيء المؤجر من المؤجر، أما بالنسبة للإثبات فقد آثر المشروع أن يبقى خاضعًا للقواعد العامة.
رابعًا: الشيوع الإجباري:
يعرض نص المادة (847) للمبدأ العام فيما يسمى الشيوع الإجباري وذلك ببيان الخاصة المميزة لهذا النوع من الشيوع وأهم أحكامه.
والخاصة المميزة هي أن الغرض الذي خصص له المال الشائع يقتضي أن يبقى شائعًا، ولهذا فأهم حكم يترتب هو أنه لا يجوز لأي شريك أن يطلب القسمة، وهو حكم يصدق على كل صور الشيوع الإجباري ولهذا وضعه المشروع في النص الوحيد الذي يتناول الشيوع الإجباري بوجه عام، بالإضافة إلى الحكم الخاص بعدم جواز طلب القسمة، فسلطة الشريك في التصرف في الحصة الشائعة لا بد أن تتأثر، على نحو ما، بالغرض الذي أُعد له المال الشائع، وإن كان هذا التأثر ليس واحدًا في جميع الصور، فإذا كان الشيوع الإجباري أصليًا، وهو ما يتحقق بالنسبة للأشياء التي تخصص مستقلة لخدمة أو استعمال الشركاء على وجه الدوام مثل مدافن الأسرة وصورها ووثائقها، فلا يجوز للشريك أن يتصرف في حصته لأجنبي عن الشركاء إلا بموافقتهم جميعًا، وإذا كان الشيوع الإجباري تبعيًا، وهو ما يتحقق بالنسبة للأشياء الشائعة التي تخصص لخدمة العقارات أو أجزاء من عقار واحد مملوكة للشركاء ملكيات مفرزة، مثل الطرق والآبار والمساقي والمصارف التي تخصص لخدمة عقارات يملكها لشركاء ملكيات مفرزة، فلا يجوز للشريك أن يتصرف في حصته إلا مع التصرف في العقار الذي تعتبر هذه الحصة من توابعه، ولهذا اكتفى النص في شأن التصرف في الحصة بالقول إنه ليس للشريك أن يتصرف فيها تصرفًا يتعارض مع الغرض الذي أُعد له المال الشائع.
وبعد هذا النص العام، عرض المشروع لتنظيم ملكية الطبقات والشقق، حيث يوجد فيها أهم صورة من صور الشيوع الإجباري وهي ملكية الأجزاء المشتركة.
خامسًا: ملكية الطبقات والشقق:
نظام ملكية الطبقات، أو ملكية الطبقات والشقق، على النحو الذي تناوله المشروع في المواد (848) وما بعدها نظام حديث نسبيًا في قوانين الدول التي عنيت بتنظيمه، وقد أخذ في الانتشار في كثير من الدول لما يحققه من مزايا، ففي العصر الحديث حيث كثرت الأبنية الكبيرة التي تحتوي كل منها على عدد كبير من الوحدات السكنية، نجد هذا النظام يوفق بين اعتبارين أبرزت ظروف العصر تعارضوهما: الاعتبار الأول هو ميل الإنسان إلى التملك وبخاصة بالنسبة لمسكنه حتى يشعر بشيء من الاستقرار ويهيئ مسكنه على النحو الذي يرضيه، والاعتبار الثاني هو عدم قدرة كثير من الأشخاص، وبخاصة من أبناء الطبقة المتوسطة، على تملك منزل خاص يستقل المالك بملكيته وحده، أو عدم قدرته على تملك منزل مستقل تتوفر فيه المزايا التي تتوفر في شقة في بناء كبير.
وللتوفيق بين هذين الاعتبارين، وُجد نظام ملكية الطبقات والشقق، الذي يقوم أساسًا على أن يتملك عدة أشخاص بناء، كل منهم يملك فيه جزءًا محددًا ملكية مفرزة، أي ملكية يستقل بها، سواء كان هذا الجزء هو طبقة بأكملها في البناء أو جزءًا من طبقة، غالبًا ما يكون شقة هي وحدة سكنية متكاملة، وقد يكون الجزء دكانًا سواء في الطابق الأرضي أو في طابق علوي، ويمكن أن نصطلح على التعبير عن الجزء من الطبقة بمصطلح (شقة)، وبالتبعية لملكية الطبقة أو الشقة يتملك مالكها حصة شائعة في أجزاء أخرى من البناء هي الأجزاء المشتركة.
وبهذا يختلف نظام ملكية الطبقات والشقق، اختلافًا جوهريًا، عن نظام السفل والعلو، أو حق التعلي، الذي عرض له فقهاء الشريعة الإسلامية، وحيث يمتلك شخص سفل البناء والأرض المقام عليها، ويمتلك آخر علوه، كل منهما يملك ملكية مفرزة، ولا توجد أجزاء شائعة لا في الأرض ولا في البناء، ويكون لمالك العلو حق القرار، أو حق التعلي على السفل، وهو ما يستتبع التزام صاحب السفل بالتزامات معينة تهدف إلى تمكين صاحب العلو من الإفادة من ملكه، والتزام صاحب العلو بالتزامات أخرى تهدف إلى عدم الإضرار بالسفل، ويتبين من الأحكام التي ذكرها فقهاء الشريعة الإسلامية لنظام السفل والعلو، وأخذت بها بعض قوانين البلاد العربية أنها تواجه صورة خاصة للملكية هي البناء الصغير الذي يتكون من طابقين فقط وكل طابق يتكون من مسكن واحد، وهذه الصورة أصبحت في الوقت الحالي نادرة، فالغالب أنه عندما يفكر الأفراد في تجزئة ملكية البناء الواحد يفكرون في الأبنية الكبيرة ذات الوحدات المتعددة حتى يمكن الحصول على المسكن الملائم بنفقات معتدلة.
وقد صدر في الكويت القانون رقم (39) لسنة 1976، بتنظيم ملكية الطبقات والشقق، الذي تأثر إلى حد كبير بما ورد في القانون المدني المصري بخصوص ملكية الطبقات (المواد من 856 إلى 869)، والذي تأثر بدوره بالقانون الفرنسي الذي صدر سنة 1938.
وقد حذا القانون الكويتي حذو القانون المصري في الجمع بين نظامين جد مختلفين، النظام المستمد من القانون الفرنسي، ونظام العلو والسفل المستمد من الفقه الإسلامي، فبينما نجد التنظيم التشريعي يقوم بوجه عام على أساس تعدد الملكيات المفرزة ووجود أجزاء مشتركة أي مملوكة على الشيوع، نجد المواد (6 و7 و8) وتقابل المواد (859 و860 و861) من القانون المصري تأخذ بأحكام مستمدة من الفقه الإسلامي في شأن ملكية السفل والعلو فتفرض على صاحب السفل التزامًا بالقيام بالترميمات اللازمة لمنع سقوط العلو (م 6) والتزامًا بإعادة بناء سفله إذا تهدم البناء (م 7) وتفرض على صاحب العلو التزامًا بألا يزيد في ارتفاع بنائه بحيث يضر بالسفل (م 8)، وهذه الأحكام تواجه في الواقع صورة خاصة لملكية الطبقات تختلف عن الصورة التي تواجهها النصوص الأخرى في القانون ولا يمكن تطبيق نوعي الأحكام بالنسبة لبناء واحد بحيث يمكن القول بأن ثمة خلطًا يجب تفاديه، وإذا كان القانون الكويتي قد تأثر في هذا الخلط بقوانين البلاد العربية التي وضعت من قبل، وأولها القانون المصري، فقد نبه شراح القانون المصري إلى اختلاف النظامين وتناولوا بالشرح أحكام كل نظام على حدة.
وتفاديًا لهذا الخلط آثر المشروع في تنظيمه لملكية الطبقات وحيث توجد الأجزاء المشتركة، الاقتصار على النظام الخاص بالصورة الغالبة في الوقت الحالي لملاءمتها للبنايات الكبيرة.
وقد بدأ المشروع النصوص المنظمة لملكية الطبقات بنص المادة (848) التي تحدد الملكية التي تسري عليها تلك النصوص، فنظرًا لوجود نظامين لملكية الطبقات، الأول هو الذي يعرض له المشروع هنا مع أحكام الملكية الشائعة، والثاني هو نظام العلو والسفل المستمد من فقه الشريعة الإسلامية، بدأ المشروع بتحديد مجال تطبيق النصوص الخاصة بملكية الطبقات والشقق فذكر أنها تسري على كل بناء أو مجموعة أبنية لعدة أشخاص كل منهم يملك جزءًا مفرزًا وحصة شائعة في الأجزاء المشتركة.
وتحديد مجال تطبيق النصوص على هذا الوجه هو الذي يميز ملكية الطبقات والشقق التي تحكمها نصوص المواد (848) وما بعدها عن نظام العلو والسفل، ولهذا يجب، تمهيدًا لتحديد النصوص الواجبة التطبيق، معرفة ما انصرفت إليه إرادة ذوي الشأن، فإن كانت قد انصرفت إلى اشتراك مالك الطبقة أو الشقة في ملكية الأجزاء المشتركة، كلها أو بعضها، وجب تطبيق نصوص ملكية الطبقات والشقق، وإن كانت قد انصرفت إلى الاقتصار على ملكية جزء مفرز دون الاشتراك في ملكية الأراضي أو الأجزاء المشتركة الأخرى، كنا بصدد حق القرار أو حق التعلي، وهو حق ارتفاق، فيجب تطبيق أحكام حق الارتفاق.
هذا وقد روعي في النص على بناء أو " مجموعة أبنية " أنه قد يحدث أن تقام على أرض واحدة عدة أبنية منفصلة بمرافق مشتركة وإدارة مشتركة بحيث يكون مجموعها وحدة متكاملة ولم يكن الفصل بين كل بناء وغيره إلا لاعتبارات تتعلق بفن البناء نفسه.
ونظرًا إلى أنه قد يغفل ذوو الشأن الاتفاق على تملك من يملك جزءًا مفرزًا حصة شائعة في الأجزاء المشتركة، وضع المشروع في الفقرة الثانية من النص قرينة بسيطة فنص على أن من يملك جزءًا مفرزًا يُعتبر مالكًا حصة شائعة في الأجزاء المشتركة ما لم يثبت خلافه.
ثم عرض المشروع بنصوص المواد (من 849 إلى 852) لتحديد الأجزاء المشتركة ومقدار حصة كل شريك فيها، والأحكام المترتبة على وضعها الخاص باعتبارها شائعة شيوعًا إجباريًا لتبعيتها لملكية الأجزاء المملوكة ملكية مفرزة.
فعرض المشروع في المادة (849) لبيان ما تشمله الأجزاء المشتركة، ووضع في ذلك ثلاثة ضوابط أو معايير عامة، ثم ذكر بصفة خاصة أهم الأجزاء التي تصدق عليها، والضوابط أو المعايير الثلاثة هي: الأرض، وهيكل البناء، وأجزاء البناء وملحقاته غير المعدة للاستعمال الخاص بأحد الملاك، والمشروع في هذا يختلف عن القانون الكويتي الحالي (م 3 / 1 من قانون 1976) الذي يضع بالإضافة إلى الأرض معيارًا واحدًا كما هي الحال في القانون المصري (م 856 / 1 من القانون المدني) والقوانين العربية الأخرى التي نقلت عنه، هو معيار " أجزاء البناء المعدة للاستعمال المشترك بين الجميع " فهذا المعيار لا يجمع كل الأجزاء المشتركة فهو لا يصدق مثلاً على أجزاء هيكل البناء كالأسقف والأعمدة البعيدة عن الجزء الذي يملكه الشريك مفرزًا، كما لا يصدق بمعناه الحرفي على الأجزاء المشتركة المعدة لاستعمال الحراس وغيرهم من العاملين في خدمة البناء.
وبعد أن ذكر النص المعايير التي تمكن في مجموعها من تحديد ما يدخل في الأجزاء المشتركة، ذكر بوجه خاص، أي ليس على سبيل الحصر، ما تصدق عليه تلك المعايير وهي:
( أ ) الأرض المقام عليها البناء والأفنية والممرات الخارجية والحدائق ومواقف السيارات وكلها أجزاء الأرض التي يشترك فيها جميع الملاك.
(ب) أساسات البناء والأسقف والأعمدة المعدة لحملها والجدران الرئيسية، وهذه هي الأجزاء التي يصدق عليها معيار هيكل البناء.
(جـ) المداخل والممرات الداخلية والسلالم والمصاعد، وهذه يصدق عليها معيار أجزاء البناء غير المعدة للاستعمال الخاص بأحد الملاك.
(د) الأماكن المخصصة للحراس وغيرهم من العاملين في خدمة البناء مثل حجرة المدير أو عامل التليفون أو حجرات عمال النظافة... إلخ، وهي مما يصدق عليه المعيار السابق.
(هـ) الأماكن المخصصة للخدمات المشتركة مثل الأماكن المخصصة لوضع الأجهزة العامة للتكيف المركزي أو المفاتيح العامة للكهرباء، وحجرات غسل الملابس المشتركة إلى غير ذلك.
(و) وأخيرًا - كل أنواع الأنابيب والأجهزة إلا ما كان منها داخل الأجزاء المفرزة وتقتصر منفعتها على ملاك هذه الأجزاء، وقد حرص المشروع عندما استبعد الأنابيب والأجهزة التي تكون داخل الأجزاء المفرزة أن يقيد ما يستبعد منها بأن تكون منفعتها مقصورة على ملاك الأجزاء المفرزة الموجودة فيها، ذلك أنه يمكن أن تقتضي الاعتبارات الفنية أن تمر بعض الأنابيب المشتركة داخل شقة أحد الملاك ولا يحول ذلك دون كونها مشتركة.
وهذا التحديد للأجزاء المشتركة هو الأصل، ويمكن أن يتفق على خلافه كما لو بنى شخص البناء وبدأ في تمليكه طبقات أو شقق واحتفظ لنفسه بملكية الأرض كلها أو بملكية جزء من الفناء أو الحديقة ليتمكن من أن يبني فيه بناءً آخر، ولهذا نص المشروع في آخر النص على جواز أن تتضمن سندات الملك ما يخالف ما ورد بالنص.
والأصل في الأجزاء المشتركة أن تكون مملوكة على الشيوع لجميع الملاك، ولكن نظرًا إلى أن بعض الأجزاء التي يصدق عليها وصف الأجزاء المشتركة وفقًا لنص المادة (849) تقتصر منفعتها على بعض الملاك دون البعض الآخر، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة (850) على أن تكون ملكًا مشتركًا لهؤلاء الملاك، وقصر منفعة بعض الأجزاء على بعض الملاك دون غيرهم قد يتم بالاتفاق فقد يتفق على أن يكون أحد مداخل المبنى وجزءً من الفناء أو الحديقة مقصورًا على أصحاب الشقق الموجودة في الطابق الأرضي، كما قد يكون اقتصار منفعة بعض الأجزاء على بعض الملاك مما يفرضه وضع هذه الأجزاء، وقد نصت الفقرة الثانية من النص تطبيقًا لذلك، على أن تكون الحواجز الفاصلة بين جزأين من أجزاء الطبقة ملكًا مشتركًا لمالكيها.
وبعد بيان الأجزاء المشتركة في المادتين (849 و850) عرض المشروع في المادة (851) لبيان مقدار حصة كل شريك في تلك الأجزاء، والمبدأ الذي قرره المشروع في هذا الخصوص، هو الوارد في المادة الثالثة من القانون الكويتي، وهو أن يكون نصيب كل مالك في الأجزاء المشتركة بنسبة قيمة الجزء الذي يملكه مفرزًا، ولكن بينما اقتصر نص القانون الحالي على بيان هذا المبدأ كما فعل من قبل القانون المصري والقوانين العربية التي تأثرت به، حسم المشروع المسائل التي يثيرها تطبيق هذا المبدأ واختلفت في شأنها الآراء.
والمسألة الأولى هي الأساس الذي يُبنى عليه تقدير قيمة كل جزء من الأجزاء المفرزة، فهل يعتد بكل ما يؤثر في قيمة هذا الجزء أم نقف عند بعض الاعتبارات دون البعض الآخر ؟ أخذ المشروع بأن تكون العبرة بالمساحة والموقع، وبالتالي لا يدخل في الاعتبار عند التقدير ما قد تتميز به شقة عن غيرها من الشقق بسبب ما يوجد بداخلها من أشياء مرتفعة القيمة كأنواع جيدة من الأخشاب أو الأدوات الصحية أو بوجه عام أعمال الزينة (الديكور).
والمسألة الثانية هي الوقت الذي يعتد به عند تقدير القيمة، هل هو وقت إنشاء المبنى أم الوقت الذي يثور فيه النزاع حول التقدير، فقد يحدث بعد إنشاء المبنى أن تتغير الظروف المحيطة به فتتغير قيمة بعض الأجزاء زيادة أو نقصًا، كأن يتحول الشارع إلى شارع تجاري، وقد أثارت هذه المسألة خلافًا في الرأي سواء في فرنسا أو في مصر، وأخذ المشروع بالرأي القائل إن العبرة بالقيمة وقت الإنشاء.
وبهذين القيدين، تحديد القيمة على أساس المساحة والموقع دون اعتداد بما يوجد من تحسينات داخل الجزء المفرز، وأن تكون العبرة في التحديد بوقت إنشاء البناء، تستقر نسبة ما يملكه كل شريك في الأجزاء المشتركة فلا يعاد النظر فيها كلما حدث تغيير في الظروف المحيطة بالمبنى أو فيما يوجد داخل الشقة.
وبعد تحديد الأجزاء المشتركة، وحصة كل شريك فيها عرض المشروع في المادة (852) للأحكام الخاصة بملكية هذه الأجزاء المترتبة على وضعها الخاص باعتبارها شائعة شيوعًا إجباريًا لتبعيتها المملوكة ملكية مفرزة.
وأول مظاهر الإجبار على البقاء في الشيوع هو عدم جواز طلب قسمة الأجزاء المشتركة لأنها مخصصة لأغراض تقتضي بقاءها شائعة، وهذا ما نص عليه المشروع في صدر النص.
ومن ناحية أخرى فالغرض من جعل الأجزاء المشتركة مملوكة على الشيوع لملاك الأجزاء المفرزة هو تمكين هؤلاء الملاك من الانتفاع بما يملكون، الأمر الذي يقتضي التلازم بين ملكية الأجزاء المفرزة والاشتراك في الأجزاء المشتركة، ويترتب على ذلك حكمان قررهما نص المشروع، بعد أن قرر الحكم الخاص بعدم جواز طلب القسمة، الحكم الأول أنه لا يجوز لمالك أن يتصرف في حصته في الأجزاء المشتركة مستقلة عن الجزء الذي يملكه مفرزًا، وهو الحكم الذي قررته الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون الكويتي الصادر سنة 1976 وقرره من قبل القانون المدني المصري (م 856) والقوانين العربية التي استمدت منه، والحكم الثاني هو أنه إذا تصرف مالك في الجزء الذي يملكه مفرزًا، سواء كان التصرف ناقلاً للملك أو غير ذلك من التصرفات كالرهن مثلاً، فتدخل حصة المتصرف في الأجزاء المشتركة بقوة القانون فيما يشمله التصرف، وهذا الحكم الأخير لم ينص عليه القانون الكويتي كما لم ينص عليه القانون المصري ولا القوانين التي استمدت منه، ولكنه مع ذلك مسلم ويمكن تخريجه على أساس أن الحصة الشائعة في الأجزاء المشتركة تعتبر من ملحقات الجزء المفرز المتصرف فيه، وقد آثر المشروع النص عليه صراحة.
وبعد الأحكام الخاصة بتحديد الأجزاء المشتركة، وحصة كل شريك فيها، والأحكام الخاصة بملكية هذه الأجزاء، بدأ المشروع في تنظيم كيفية الانتفاع بالعقار وإدارته، وحق كل شريك في التصرف فيما يملك.
فبدأ في المادة (853) بالنظام الاتفاقي لملكية الطبقات والشقق، والقانون الحالي في الكويت ينص في الفقرة الأولى من المادة العاشرة على أن (يضع جميع أعضاء الاتحاد نظامًا له ولحسن إدارة العقار والانتفاع به، فإذا وافقت أغلبية أصحاب الأنصبة في العقار المشترك على النظام، واعترض بعض الملاك عليه، فللقاضي بناءً على طلب الأغلبية إقراره، ويكون نافذًا في حق الجميع)، فالأصل هو ضرورة موافقة جميع الملاك على النظام، فإذا لم يوافق الجميع فلا يوجد النظام ويكون نافذًا في حق الجميع إلا بموافقة الأغلبية وإقرار المحكمة، فجاء المشروع وجعل وضع النظام من سلطة أغلبية خاصة هي من يملكون ثلاثة أرباع الأنصبة دون حاجة إلى إقرار المحكمة.
ولتفادي ما قد يحدث من وضع قيود، في النظام الاتفاقي، على الملكية تفقدها كثيرًا من مزاياها، ونظرًا إلى أن الراغب في التملك قد يقبل ما يرد في النظام المعد من قبل لشدة حرصه على التملك أو لعدم تقديره لمدى القيود الواردة في النظام على الملكية، نظرًا لهذا نص المشروع في الفقرة الثانية من النص على أنه لا يجوز أن تفرض في النظام قيود على ملكية الأجزاء المفرزة أو المشتركة لا يبررها تخصيص هذه الأجزاء أو موقعها، وهو الحكم الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون الفرنسي الصادر سنة 1965، وهذا يعني أن كل قيد ليس له ما يبرره يُعتبر كأن لم يكن، ولكل مالك حتى ولو كان قد وافق على النظام أن يطلب إلى القضاء اعتبار الشرط المتضمن هذا القيد باطلاً.
ثم عرض المشروع بالمواد (من 854 إلى 858) لسلطات المالك وواجباته سواء بالنسبة لما يملكه مفرزًا أو بالنسبة للأجزاء المشتركة.
فالمادة (854) تعرض لسلطات المالك على الجزء الذي يملكه مفرزًا، طبقة كان أو شقة، فتقرر أولاً المبدأ العام في حق المالك في التصرف فيما يملك شأنه في ذلك شأن أي مالك، وإطلاق النص في هذا الخصوص يفيد أن للمالك أن يتصرف سواء كان التصرف معاوضة أو تبرعًا، وله أن يتصرف لمن يشاء سواء كان المتصرف إليه من الملاك الآخرين أو من غيرهم، وله أن يتصرف فيما يملك كله تصرفًا واحدًا كما له أن يجزئ الطبقة أو الشقة ويتصرف في جزء ويستبقي جزء الآخر أو يتصرف فيه لغير المتصرف إليه الأول، وللمالك أن يتصرف تصرفًا ناقلاً للملك أو غير ذلك من تصرفات كأن يرتب على ما يملك حق انتفاع أو يرهنه.
ولكن ليس ثمة ما يمنع المالك من الاتفاق مقدمًا، في نظام الملكية الاتفاقي، على تقييد حرية المالك في التصرف وذلك في الحدود التي يصح فيها مثل هذا الاتفاق وفقًا للقواعد العامة ومع مراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة (853) من المشروع. فلهم أن يتفقوا مثلاً على أنه لا يجوز لأي منهم أن يقسم طبقته أو شقته إلى أجزاء يتصرف في كل جزء منها لشخص، ويكون الباعث على مثل هذا الاتفاق هو الاحتفاظ بمستوى معين للمبنى والحد من عدد الأشخاص الذين ينتفعون به، ونكون بصدد حق ارتفاق مقرر على كل طابق أو شقة لمصلحة الطبقات أو الشقق الأخرى، فيخضع لأحكام حق الارتفاق وبخاصة من حيث أنه لا يشترط له مدة.
كما عرض النص نفسه لسلطتي الاستعمال والاستغلال بالنسبة للجزء المفرز مع التخصيص المتفق عليه في نظام الملكية الاتفاقي أو مع ما أُعد له، فإذا كانت الشقة مثلاً مخصصة للسكنى، فلا يجوز للمالك أن يباشر فيها هو أو من يستأجرها منه تجارة أو حرفة.
ثم عرض المشروع في المادتين (855 و856) لسلطات المالك على الأجزاء المشتركة، فنص في المادة (855) على أن لكل مالك - في سبيل الانتفاع بالجزء الذي يملكه مفرزًا - أن يستعمل الأجزاء المشتركة فيما خصصت له، مع مراعاة حقوق غيره من الملاك، فنظرًا إلى أن هذه الأجزاء مملوكة على الشيوع بالتبعية لملكية الأجزاء المفرزة، ولتمكين الملاك من الانتفاع بهذه الأجزاء، فيترتب على ذلك أن يتقيد استعمال الملاك أو انتفاعهم بوجه عام بالقيود الني تتفق مع هذه التبعية، وهذه القيود هي:
أولاً: أن يكون استعمال الشريك لجزء من الأجزاء المشتركة في سبيل انتفاعه بما يملكه مفرزًا، فلا يجوز للشريك في المنزل مثلاً أن يستعمل الجزء المخصص من الفناء لوقوف السيارات بوضع السيارات الخاصة بمتجره أو مصنعه وخصوصًا إذا كانت من سيارات نقل البضائع، ويتقيد استعمال الشريك للأجزاء المشتركة ثانيًا بأن يكون فيما خصصت له تلك الأجزاء، فلا يجوز للشريك مثلاً أن يستعمل المدخل أو الممرات أو السلم أو الفناء في عرض منتجاته أو بضائعه حتى ولو كان الجزء الذي يملكه مفرزًا مخصصًا للتجارة، هذا إلا إذا كان هناك اتفاق على خلاف ذلك، وأخيرًا يتقيد استعمال الشريك للأجزاء المشتركة بوجوب مراعاة حقوق غيره من الشركاء، فنظرًا إلى أن لكل شريك ما لغيره من حق استعمال الأجزاء المشتركة، فيجب ألا يكون من شأن استعمال أحدهم حرمان غيره من الاستعمال أو عرقلة هذا الاستعمال على نحو يجعل بعض الشركاء أكثر انتفاعًا من غيره، وإنما يجب تحقيق التوازن بين حقوق الجميع، وقد آثر المشروع أن يستبدل بعبارة (على ألا يحول دون استعمال باقي الشركاء لحقوقهم) الواردة في المادة الرابعة من قانون سنة 1976، وفي المادة (857/ 1) من القانون المصري والقوانين العربية التي نقلت عنها، آثر أن يستبدل بتلك العبارة عبارة (مع مراعاة حقوق غيره من الملاك) لأن العبارة الأولى تفيد أن كل ما يتقيد به استعمال الشريك هو ألا يحول هذا الاستعمال دون استعمال الآخرين لحقوقهم، في حين أن التقيد المطلوب أكثر من ذلك، إذ يجب ألا يصل الاستعمال إلى حد فيه شيء من الطغيان على حقوق الآخرين، وهي حقوق متساوية مع حق الشريك الذي يباشر الاستعمال، حتى ولو لم يصل الأمر إلى حد الحيلولة دون استعمال الآخرين، وبناءً على هذا القيد، إذا كان الاستعمال المشترك يمكن أن يتحقق للشركاء جميعًا في وقت واحد دون تعارض إذا روعيت فيه درجة من العناية فيجب على كل شريك أن يلتزم هذه الدرجة من العناية، وإذا كان استعمال الجميع في وقت واحد متعذرًا ويقتضي الأمر أن يتناوب الشركاء في الاستعمال كما هي الحال لو وجدت غرفة مشتركة لغسل الملابس، فيجب أن يتيح كل مالك لغيره فرصة متكافئة في الاستعمال على الوجه المألوف.
أما المادة (856) فتعرض لحق الشريك في أن يُحدث تعديلاً في الأجزاء المشتركة على نفقته هو، ويتضمن النص حكمًا يوفق بين مصلحة الشريك الذي يرغب في إحداث التعديل من جهة، ومصالح غيره من الشركاء من جهة أخرى، فالأصل وفقًا للقواعد العامة أن الشريك في الشيوع ليس له أن يحدث تعديلاً في الشيء الشائع، وإنما يكون التعديل من سلطة الشركاء مجتمعين أو بموافقة الأغلبية، ولكن قد يرغب شريك في إجراء تعديل ما يراه محققًا لمصلحته، وفي الوقت نفسه لا يقبل الآخرون أو الأغلبية التي يعطيها القانون سلطة إجراء هذا التعديل، لا يقبلون إجراءه على نفقة الجميع، فإذا بلغت درجة حرص الشريك الراغب في إجراء التعديل إلى حد أن يقبل القيام به على نفقته وحده ولم يكن من شأن إجراء هذا التعديل المساس بمصالح الشركاء الآخرين، فلا مبرر لحرمان الشريك الراغب في التعديل من إجرائه.
وللتوفيق بين المصالح، قيد النص حق الشريك في إجراء التعديل، بالإضافة إلى كونه على نفقته هو، بقيود ثلاثة: الأول أن يكون من شأن التعديل تحسين استعمال الجزء أو الأجزاء التي يحدث فيها، والثاني ألا يترتب على التعديل تغيير في تخصيص تلك الأجزاء، والثالث ألا يترتب عليه ضرر لباقي الملاك، وبناءً على هذا، يجوز للشريك مثلاً، أن يستبدل بأنابيب المياه الموجودة خارج شقته، وهي مشتركة، أنابيب أوسع حتى تصل المياه إلى شقته الموجودة في الأدوار العليا على نحو أفضل، كما يجوز للشريك أن يضيف إلى المصعد جهازًا يرفع من مستوى أداء وظيفته، وكذلك للشريك أن يستبدل ببلاط مدخل المبنى نوعًا أفضل يسهل تنظيفه.
وإذا كان إجراء التعديل بالشروط الواردة في النص من حق الشريك، فهذا لا يعني أن له أن يباشر إجراء التعديل دون إذن، فنظرًا لتعلق حق الشركاء الآخرين بالجزء المشترك الذي يُراد إجراء التعديل فيه، ولتقدير ما إذا كانت الشروط التي يلزم توافرها لإجراء التعديل متحققة أم لا، نظرًا لهذا نص المشروع في الفقرة الثانية من النص على ضرورة حصول المالك الذي يرغب في إجراء التعديل قبل إحداثه، على إذن أغلبية الملاك التي يدخل في سلطتها إجراء مثله، أي أنه يلزم موافقة من يملكون ثلاثة أرباع الحصص إن لم يوجد اتحاد ملاك، أو موافقة الجمعية العمومية لاتحاد الملاك بأغلبية أصوات جميع الأعضاء (م 867 من المشروع)، فإذا لم توافق الأغلبية على التصريح للمالك الذي يرغب في إحداث التعديل، كان له أن يطلب من المحكمة الإذن له بإجرائه.
وعرض المشروع في المادة (857) لمنع كل مالك من أن يقوم بعمل من شأنه أن يهدد سلامة البناء أو يغير من شكله أو مظهره الخارجي، وهو الحكم الوارد في المادة (4/ 3) من قانون سنة 1976، وهو حكم عام يصدق على كل عمل سواء في الجزء الذي يملكه الشريك مفرزًا أو في الأجزاء المشتركة، فلا يجوز للشريك مثلاً أن يضع في شقته أشياء ثقيلة الوزن إلى الحد الذي يزيد عن المعتاد ويهدد سلامة السقف، أو يضع في الجزء الذي يملكه آلات يترتب على تشغيلها سلامة هيكل البناء، ولا يجوز لصاحب الشقة طلاء الحوائط من الخارج أو طلاء النوافذ بألوان تتنافر مع المظهر الخارجي للبناء وتشوه مظهره.
وأخيرًا عرض المشروع في المادة (858) للنفقات المشتركة ومقدار ما يتحمله كل مالك منها، وهذه من أهم المسائل التي يثيرها نظام ملكية الطبقات والشقق.
والقانون الحالي، أي قانون سنة 1976، ينص في المادة الخامسة منه على أن يشترك كل مالك في تكاليف حفظ الأجزاء المشتركة وصيانتها وإدارتها وتجديدها ويكون نصيبه في هذه التكاليف بنسبة قيمة الجزء الذي له في الدار ما لم يوجد اتفاق على غير ذلك، كما نص في الفقرة الثانية من النص على أنه لا يحق لمالك أن يتخلى عن نصيبه في الأجزاء المشتركة للتخلص من الاشتراك في التكاليف المتقدمة الذكر، وهو حكم مأخوذ من القانون المصري (م 858) الذي أخذه بدوره من المادة (6/ 2) من القانون الفرنسي الصادر سنة 1938.
وقد لوحظ بحق، في فرنسا أن توزيع النفقات المشتركة كلها بنسبة ما يملكه كل شريك يتنافى مع العدالة بالنسبة لبعض النفقات، فقيل مثلاً إنه ليس من العدل أن يتساوى صاحب الشقة الموجودة في الدور الأرضي أو في دور من الأدوار المنخفضة مع صاحب الشقة الموجودة في دور من الأدوار العليا في تحمل نسبة من تكاليف تشغيل المصعد، أو أن يشترك صاحب جراج ليس فيه تكييف مركزي في النفقات المشتركة للتكييف، وكان علاج هذا، في ظل قانون سنة 1938، هو الاتفاق على خلاف القاعدة التي نص عليها القانون، والتي كانت تسمح بالاتفاق المخالف.
ثم جاء قانون سنة 1965 وقرر قاعدة آمرة، لا يجوز الاتفاق على ما يخالف حكمها، وتفرق بين نوعين من النفقات، النوع الأول هو نفقات حفظ وصيانة وإدارة الأجزاء المشتركة، وتوزع على الملاك بنسبة حصة كل منهم في هذه الأجزاء. والنوع الثاني هو النفقات التي تستلزمها الخدمات المشتركة والأجهزة والأدوات المشتركة وهذه توزع بنسبة ما يعود من الخدمات أو الأجهزة والأدوات من منفعة على كل طابق أو شقة، وقد حذا القانون الجزائري حذو القانون الفرنسي في الأخذ بهذه التفرقة بين نوعي النفقات.
وبرغم ما لوحظ بحق في فرنسا من أن التفرقة بين نوعي النفقات ليست بالدرجة من الانضباط الذي يمنع التردد في اعتبار نفقة معينة من النوع الأول أو من النوع الثاني، برغم هذا آثر المشروع أن يسير في اتجاه القانون الفرنسي من حيث عدم التسوية بين كل النفقات وذلك سعيًا إلى تحقيق العدالة بقدر الإمكان، فاستوحى نص المادة (858) بفقرتيها من نص المادة العاشرة من القانون الفرنسي مع شيء من التعديل، فنصت الفقرة الأولى من المادة (858) على أن نفقات حفظ الأجزاء المشتركة وصيانتها وإدارتها وتجديدها يتحملها جميع الملاك كل بنسبة حصته في تلك الأجزاء، وهو حكم يتفق مع الحكم الوارد في المادة الخامسة من القانون الكويتي الحالي والمادة (858) مصري والقوانين العربية التي تأثرت به، فيما عدا أن المشروع لم ينص على جواز الاتفاق على خلاف ما قرره النص، ويدخل في نطاق هذه النفقات، على سبيل المثال، نفقات نظافة الأفنية والمداخل والسلم وواجهة المبنى، وصيانة الأنابيب المشتركة، وأجور من يتولون الإدارة والحراسة وأقساط التأمين على الأجزاء المشتركة وما ينفق على الإدارة من مكاتبات واجتماعات ... إلخ.
ثم نصت الفقرة الثانية من النص على أنه: (ومع ذلك فنفقات الخدمات المشتركة التي تخص بعض الملاك أو يتفاوت الانتفاع بها تفاوتًا واضحًا توزع بنسبة ما يعود منها على كل طابق أو شقة من منفعة)، وقد استرشد المشروع في صياغة هذه الفقرة بالفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون الفرنسي والفقرة الأولى من المادة (750) جزائري مع شيء من التعديل قصد به إبراز الفكرة الأساسية التي تبرر توزيع النفقات بنسبة ما يعود منها على كل طابق أو شقة من منفعة، وليس بنسبة حصة كل مالك في الأجزاء المشتركة، وذلك بالنص على أن الخدمات المشتركة التي توزع نفقاتها على هذا الأساس هي التي (تخص بعض الملاك أو يتفاوت الانتفاع بها تفاوتًا واضحًا)، ويدخل في هذه النفقات نفقات تشغيل المصعد، والنفقات المشتركة للتكييف المركزي والمياه الساخنة، ونفقات رفع فضلات المنازل، ونفقات سجاد السلم إن وجد. وإذا كان المشروع قد نص على توزيع هذه النفقات بنسبة ما يعود من الخدمات المشتركة من منفعة على كل طابق أو شقة، برغم ما يثيره ذلك من صعوبات عملية، فذلك حرصًا منه على تحقيق العدالة بقدر الإمكان في مسألة هامة هي دائمًا محل الشكوى في الدول التي انتشر فيها نظام ملكية الطبقات والشقق، وربما كان الأقرب إلى العدالة أن تُقاس المنفعة التي تعود على الملاك بالنظر إلى الانتفاع الفعلي الذي يراعي فيه أشخاص المنتفعين بالطابق أو الشقة، ولكن للتقليل من الصعوبات العملية التي تثور عند تطبيق الحكم لم ينص المشروع على أن العبرة بالمنفعة التي تعود على مالك الطبقة أو الشقة، وإنما جعل العبرة بالمنفعة التي تعود على الطبقة أو الشقة، وذلك حتى لا يتأثر قياس المنفعة بأشخاص المنتفعين، وإنما يكون القياس على ضوء اعتبارات موضوعية يُراعى فيها موقع الطبقة أو الشقة والحجم والتخصيص.
ومع التسليم بأنه مهما بلغت الدقة في طريقة توزيع النفقات، فلن نصل إلى حد التوزيع العادل الذي يزول معه كل شعور بالظلم، فإن الطريقة المنصوص عليها أكثر عدالة من توزيع النفقات جميعًا على أساس حصة كل مالك في الأجزاء المشتركة.
ويعرض نص المادة (859) لاتحاد الملاك من حيث وجوده أو عدم وجوده والقانون الكويتي الحالي قد حذا حذو القانون المصري والقوانين العربية الأخرى التي تأثرت به (السوري والليبي والأردني) من حيث أنه جعل تكوين الاتحاد جوازيًا للملاك، أما القانون التونسي والقانون الجزائري فقد أخذ بحكم القانون الفرنسي الذي يقرر وجود الاتحاد بقوة القانون بمجرد وجود ملكية الطبقات أو الشقق.
وقد آثر المشروع الإبقاء على حكم القانون الكويتي الحالي، أي قانون 1976 من حيث جعل تكوين الاتحاد جوازيًا في جميع الأحوال، ولكن تمشيًا مع الاتجاه العام في الملكية الشائعة حيث تكفي الأغلبية للقيام بأعمال الإدارة، نص المشروع في الفقرة الأولى من المادة (859) على أنه يجوز للملاك، بأغلبية الأنصبة أن يكونوا اتحادًا لإدارة العقار وضمان حسن الانتفاع به، وذلك على خلاف نص القانون الحالي الذي أطلق العبارة فقال (حيثما وُجدت ملكية مشتركة لعقار مقسم إلى طوابق أو شقق جاز للملاك أن يكونوا اتحادًا فيما بينهم لإدارة العقار المشترك)، مما يقتضي أن يلزم موافقة جميع الملاك على تكوين الاتحاد.
وعرضت الفقرة الثانية من النص للشخصية الاعتبارية للاتحاد فقررت صراحة أن يكون للاتحاد شخصية اعتبارية من تاريخ شهر الاتفاق على تكوينه، وتمتع الاتحاد بالشخصية وإن لم يكن منصوصًا عليه في القانون الكويتي الحالي فهو يستخلص من نصوص هذا القانون، ومن ذلك فعلاً نص الفقرة الثانية من المادة (13) التي تقول (ويمثل المأمور الاتحاد أمام القضاء حتى في مخاصمة الملاك إذا اقتضى الأمر) وهو ما يدل على أن الاتحاد له حق التقاضي ويمثله في ذلك المأمور، وقد كانت شخصية اتحاد الملاك محل خلاف في فرنسا في ظل قانون سنة 1938 الذي لم ينص عليه صراحةً وساد الرأي القائل بوجود الشخصية، كما أن التسليم بوجود الشخصية هو الرأي السائد في القانون المصري رغم عدم النص على ذلك صراحةً، والواقع أن اتحاد الملاك يفقد أهم دواعي وجوده إذا لم يُعترف له بالشخصية، وفيما يتعلق بالوقت الذي تثبت فيه الشخصية نص المشروع صراحةً على أن يكون ذلك من تاريخ شهر الاتفاق على تكوين الاتحاد، وذلك على أساس الربط بين وجود الشخصية والوقت الذي تتاح فيه الفرصة للغير أن يعلموا بوجود الاتحاد، ونصت الفقرة الثالثة على أن ينظم شهر الاتفاق على تكوين الاتحاد بقرار من وزير العدل.
هذا ولم ينص المشروع على الحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة التاسعة من القانون الحالي وهو أنه (يجوز للأفراد تكوين اتحاد بقصد بناء العقارات أو مشتراها لتوزيع أجزائها على أعضاء الاتحاد، فإذا تم البناء أو الشراء تحول هذا الاتحاد إلى اتحاد لإدارة العقار المشترك). وقد راعى المشروع في ذلك أن الاتحاد الذي يُتفق على تكوينه بقصد بناءً عقارات أو مشتراها ليس اتحاد ملاك، ويُقصد منه إلى أغراض أخرى غير التي يهدف إليها اتحاد الملاك وهي ضمان حسن الانتفاع بالعقار وإدارته، وبالتالي لا تسري عليه القواعد التي توضع لاتحاد الملاك، ولا فائدة من النص عليه مع النصوص الخاصة بملكية الطبقات أو الشقق، ولهذا فإذا رغب بعض الأفراد في الشروع في جهد مشترك بقصد بناء العقارات أو مشتراها لتوزيع أجزائها على أنفسهم، أو على أنفسهم وعلى غيرهم، فإما أن يكونوا جمعية تعاونية تخضع لأحكام الجمعيات التعاونية، وإما أن يكونوا شركة تخضع لأحكام الشركات.
ويعرض نص المادة (860) لبيان ما يرجع إليه في إدارة الأجزاء المشتركة في ملكية الطبقات والشقق، والقانون الحالي إذ نص في المادة (11) على أنه إذا لم يوجد نظام للإدارة أو إذا خلا النظام من النص على بعض الأمور تكون إدارة الأجزاء المشتركة من حق الاتحاد، لم يشر إلى ما يتبع في الإدارة في حالة عدم وجود اتحاد للملاك، وقد آثر المشروع أن ينص صراحة على مما يجب تطبيقه إذا لم يوجد اتحاد للملاك، فنص في الفقرة الأولى من النص على أنه (إذا لم يوجد اتحاد للملاك تكون إدارة الأجزاء المشتركة وفقًا لما يتم الاتفاق عليه في النظام المشار إليه في المادة (853) والقواعد العامة في إدارة الملكية الشائعة)، فإذا ما وجد اتحاد الملاك فتسري النصوص التي وضعها المشروع لإدارة الملكية الشائعة.
ولما كانت ملكية الطبقات والشقق تثير كثيرًا من المسائل التفصيلية، وبخاصة فيما يتعلق بكيفية عمل الهيئات والأشخاص الذين يباشرون أعمال الإدارة كالجمعية العمومية ومدير الاتحاد ومجلس الإدارة إن وجد، فيجب أن تصدر لائحة تنظم هذه المسائل، وهو ما حدث في فرنسا إذ بعد صدور القانون في 10 يوليو سنة 1965 صدر مرسوم باللائحة العامة لتطبيق هذا القانون وذلك في 17 مارس 1967، ولهذا نص المشروع في الفقرة الثانية من النص على أن تسري نصوص المواد التالية واللائحة العامة لإدارة ملكية الطبقات والشقق.
ويعرض نص المادة (861) لحق اتحاد الملاك في تملك جزء مفرز، أو أكثر، في البناء، وتظهر أهمية النص على ذلك إذا روعي أن الاتحاد رغم أن له شخصية مستقلة عن أشخاص الملاك، ليس مالكًا للأجزاء المشتركة إذ أن هذه الأجزاء تكون مملوكة على الشيوع لملاك الأجزاء المفرزة، وليس ثمة ما يمنع من أن يمتلك الاتحاد، بشخصيته المستقلة، طابقًا أو شقة لغرض من الأغراض كأن يخصصها لمكاتب الإدارة، أو يستغلها ويخصص إيرادها لتغطية بعض النفقات المشتركة.
ويكون مركز الاتحاد، بوصفة مالكًا ملكية مفرزة لجزء من المبنى، كمركز أي مالك لطبقة أو شقة، فيما عدا أنه لا يتمتع بسبب ملكيته هذه بأصوات في الجمعية العمومية، وهو ما نص عليه المشروع في الفقرة الثانية من النص، وحرمان الاتحاد من التصويت في الجمعية العمومية أمر واضح الحكمة إذ برغم استقلال شخصية الاتحاد عن أشخاص الملاك فليس له مصالح مستقلة عن مصالحهم وكل ما يتعلق بالشخص الاعتباري يكون الرأي فيه لمجموع الملاك.
ويعرض نص المادة (862) لصورة من صور مسؤولية اتحاد الملاك عن الأضرار التي تلحق أحد الملاك أو الغير. فالاتحاد، باعتباره شخصًا مستقلاً يمكن أن يسأل وفقًا للقواعد العامة في المسؤولية سواء كانت عقدية أو غير عقدية، وسواء كانت المسؤولية ناتجة عن قرار من الهيئة التي تعبر عن إرادة الاتحاد وهي الجمعية العمومية أو عن بفعل تابع من تابعيه أو عن فعل الأشياء التي في حراسته.
وقد رُئي من ذلك النص صراحةً على مسؤولية اتحاد الملاك باعتباره حارسًا على الأجزاء المشتركة منعًا لأي شك في مسؤوليته بهذه الصفة، فنظرًا إلى أن الاتحاد ليس مالكًا لهذه الأجزاء فقد يثور الشك حول صفته كحارس لها، أو في الأقل قد تثور مسألة انتقال الحراسة من الملاك إلى الاتحاد نفسه، ولهذا حسم المشروع الأمر إذ يعتبر الاتحاد بمقتضى النص حارسًا دون حاجة إلى إثبات انتقال الحراسة إليه من الملاك، ونتيجة لهذا لا تُرفع دعوى المسؤولية على كل الملاك وإنما تُرفع على الاتحاد نفسه.
ومسؤولية الاتحاد هذه لا تخل بحقه في الرجوع على غيره ممن يكونون مسؤولين عن الأضرار التي حدثت وفقًا للقواعد العامة، كحقه في الرجوع على المهندس والمقاول عندما يكون الضرر ناشئًا عن عيب في البناء.
وعرض المشروع في المواد (863) وما بعدها لمن يقومون على تسيير شؤون الاتحاد، فبدأ أولاً بالجمعية العمومية، وهي المعبرة عن إرادة الاتحاد فتصدر القرارات التي تنسب إليه، فبين تكوينها ومدى مساهمة كل شريك في التصويت على القرارات التي تصدرها ثم القرارات المختلفة التي تصدر من الجمعية، ثم عرض المشروع بعد ذلك لمدير الاتحاد، وهو العضو التنفيذي الذي يشرف على تنفيذ القرارات وأخيرًا عرض لمجلس الإدارة، فنظرًا لما قد يكون من تفاوت في حجم الملكيات وبالتالي في عدد أعضاء الاتحاد وقيمة البناء، فقد نص المشروع على أنه يجوز تكوين مجلس لإدارة الاتحاد، والأمر جوازي ليقدر ذوو الشأن على ضوء ظروف المبنى إن كان ثمة حاجة إلى تكوين هذا المجلس أم لا.
ويعرض نص المادة (863) لتكوين الجمعية العمومية لاتحاد الملاك، وقد نص في الفقرة الأولى على أنها تتكون من جميع الملاك، فنظرًا إلى أن الجمعية العمومية هي التي تعبر أصلاً عن إرادة الاتحاد، وهو الشخص الذي يوجد للعمل على تحقيق مصلحة الجميع، كان لا بد من أن يكون لكل مالك رأي فيما تتخذه الجمعية من قرارات، وعضوية كل مالك في الجمعية العمومية حكم آمر لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه فلا يجوز الاتفاق على استبعاد أحد الملاك من عضوية الجمعية.
وقد عرضت الفقرة الثانية للحالة التي يتعدد فيها الأشخاص الذين يملكون طبقة أو شقة من حيث عضوية الجمعية العمومية، فنصت على أن يعتبروا مالكًا واحدًا وعليهم أن يوكلوا من يمثلهم في الجمعية، فإذا لم يتفقوا فللمحكمة بناءً على طلب أحدهم أو على طلب مدير الاتحاد أن تعين من يمثلهم، وتعدد الأشخاص الذين يملكون طبقة أو شقة واحدة يتحقق إما لأنهم يملكونها على الشيوع فيما بينهم، وإما لأن أحدهم يملك الرقبة والآخر له حق الانتفاع، وقد نص القانون الفرنسي صراحةً على الحالتين، واكتفى المشروع بالنص على تتعدد الملاك لتشمل الحالتين معًا.
واعتبار الملاك المتعددين، فيما يتعلق بعضوية الجمعية العمومية، مالكًا واحدًا، هو الحكم الذي يتفق مع الأساس الذي يقوم عليه مدى الإسهام في القرارات التي تفرض على الملاك جميعًا وهو وزن المصالح، سواء في القواعد العامة في الشيوع أو في ملكية الطبقات، وحيث يكون إسهام كل شريك بنسبة حصته في المال الشائع، والوسيلة العادية للتعبير عن إرادة ملاك الطبقة أو الشقة عند تعددهم هي أن يوكلوا من يمثلهم، سواء أكان الوكيل واحد منهم أو كان من غيرهم، فإذا لم يتفقوا على توكيل أحد واجتمعت الجمعية بغير من يمثلهم فلا يؤثر هذا في صحة الاجتماع، ولكن لا شك أن لكل منهم أن يحرص على ضرورة تمثيلهم فيطلب من المحكمة أن تعين من يمثلهم، كما أعطى النص لمدير الاتحاد أن يطلب من المحكمة تعيين من يمثلهم عملاً على استكمال تمثيل الملاك في الجمعية.
ثم يعرض نص المادة (864) للأساس الذي يقوم عليه مدى إسهام كل من الملاك في اتخذ قرارات الجمعية العمومية، فإذا تركنا مقدار الأغلبية المطلوبة، وهي ما عرض له المشروع في المواد التالية، نجد القانون الكويتي الحالي، شأنه في هذا شأن القانون المصري والقوانين العربية الأخرى، ينص على أن تكون الأغلبية (محسوبة على أساس قيمة الأنصبة) (م 11)، وهو الأساس الذي أخذ به المشروع سواء في القواعد العامة في الملكية الشائعة أو في ملكية الطبقات والشقق.
والطريقة العملية لإعمال هذا الأساس، لمعرفة ما إذا كان القرار قد وافقت عليه الأغلبية المطلوبة، هي أن تتعدد أصوات كل عضو وتكون النسبة بين عدد ما لكل عضو من أصوات وما لغيره هي النسبة بين قيمة حصة كل منهم إلى حصة الآخر، وهذه القاعدة التي نص عليها المشروع في الفقرة الأولى من النص مستمدًا إياها من القانون الفرنسي، والقانون التونسي والقانون الجزائري.
وللعمل على الحد من سيطرة واحد من الملاك على قرارات الجمعية العمومية، بحكم مقدار ما يملك في البناء، استحداث المشروع الفرنسي بقانون 1965 الحكم الذي أخذ به المشروع في الفقرة الثانية من النص استثناء من القاعدة الواردة في الفقرة الأولى، فإذا كانت حصة أحد الملاك في الأجزاء المشتركة تزيد عن النصف فلا يكون له، مع ذلك من الأصوات من الجمعية العمومية إلا عدادًا من الأصوات يساوي عدد الأصوات التي لباقي الملاك، فإذا افترضنا أن عدد الأصوات جميعًا، على أساس حصص الملاك هي (100) وكان أحد الشركاء يملك 60 % من الحصص فلا يكون له إلا (40) صوتًا ولباقي الملاك (40) صوتًا ويُجرى التصويت على أساس أن مجموع الأصوات (80) صوتًا فقط بدلاً من مائة صوت.
وقد لوحظ على هذا الحكم أنه يؤدي إلى الحيلولة دون أن تتمكن الجمعية من إصدار قرار بالأغلبية، عندما يكون المطلوب هو أغلبية أصوات الأعضاء، وذلك إذا كان المالك الذي أنقص عدد أصواته من رأي يخالف رأي باقي الملاك، ومع هذا قيل إن هذه النتيجة أفضل من ترك مالك واحد يتحكم في قرارات الجمعية العمومية، وفي مثل هذا الفرض الذي يتعذر فيه اتخاذ القرار، يمكن كما ذهب بعض الفقهاء في فرنسا، الالتجاء إلى المحكمة لتقرر ما تراه مناسبًا.
ويعرض نص المادة (865) لحضور اجتماعات الجمعية العمومية بالوكالة، فنصت الفقرة الأولى على أنه يجوز لكل مالك أن يوكل غيره في حضور اجتماعات الجمعية العمومية والتصويت فيها، وليس ثمة ما يمنع من أن يكون الوكيل مالكًا من الملاك الآخرين أعضاء الجمعية، وقد يكون من غير الملاك أصلاً.
أما الفقرة الثانية فقد عرضت لمسألة يمكن التردد في شأنها بين أكثر من رأي وهي مسألة ما إذا كان يمكن للشخص الواحد أن يكون وكيلاً عن أكثر من عضو، فيمكن أن يُقال إنه يجوز للوكيل أن ينوب عن أي عدد من الملاك استنادًا إلى أن الموكل وقد ارتضى أن يوكل شخصًا معينًا فهو يرتضي ما يراه الوكيل في الجمعية العمومية سواء كان وكيلاً عنه وحده أو وكيلاً عن غيره في الوقت نفسه، وقد يقال بضرورة تقييد عدد الملاك الذين يمكن أن ينوب عنهم وكيل واحد، ذلك أنه مع التسليم أن الموكل إذ يرتضي توكيل شخص معين فهو يرتضي رأيه في الجمعية العمومية، إلا أن الواقع أن الوكيل له إرادة واحدة وكثيرًا ما يصعب التوفيق بهذه الإرادة الواحدة بين المصالح المتعارضة، وقد وقف المشروع الفرنسي موقفًا وسطًا فأجاز تعدد التوكيلات بحد أقصى فلا يجوز للشخص الواحد أن يكون وكيلاً عن أكثر من ثلاث ملاك في التصويت على قرارات الجمعية العمومية فيما عدا حالة معينة ليس لها نظير في المشروع وهي حالة وجود اتحاد أساسي واتحادات ثانوية.
وقد آثر المشروع الحكم الوارد في الفقرة الثانية وهو أنه لا يجوز لشخص واحد أن يكون وكيلاً عن أكثر من مالك عملاً على تحقيق أكبر قدر ممكن من الجدية لمداولات الجمعية العمومية.
ونظرًا إلى أن مدير الاتحاد هو الذي يتولى تنفيذ قرارات الجمعية وهو الذي يعرض عليها كثيرًا من الموضوعات، وغالبًا ما يكون له رأي خاص بصفته مديرًا، نص المشروع في الفقرة الثالثة من النص أسوة بالقانون الفرنسي، على أنه لا يجوز لمدير الاتحاد ولا لأحد معاونيه ولا لأزواجهم أن يكونوا وكلاء عن الملاك.
وتعرض نصوص المواد من (866 إلى 870) من المشروع لقرارات الجمعية العمومية والأغلبية اللازمة للموافقة على كل منها، وهي تميز بين طوائف من القرارات تتفاوت من حيث درجة خطورتها، ولهذا تحتاج كل طائفة منها إلى أغلبية خاصة:
( أ ) فالمادة (866) تضع القاعدة الأصلية، أي الواجبة التطبيق ما لم ينص على أغلبية خاصة، وبمقتضى هذه القاعدة تكفي الأغلبية المطلقة أي أغلبية أصوات الملاك الحاضرين في الاجتماع بأنفسهم أو بمن يمثلهم، وبهذه الأغلبية تتخذ القرارات الخاصة بالإدارة المعتادة، مثل صيانة العقار وعمل الإصلاحات اللازمة، والموافقة على الحسابات التي يقدمها المدير والتعليمات الخاصة بطريقة الانتفاع بالأجزاء المشتركة في حدود ما اتفق عليه في نظام الملكية.
وقد استمد المشروع نص المادة (866) من القانون الفرنسي (م 24 فقرة أولى) والقانون التونسي (م 92/ 2) والقانون الجزائري (م 764).
(ب) وتعرض المادة (867) للقرارات التي تجب الموافقة عليها بأغلبية أصوات جميع الملاك، سواء من حضر منهم الاجتماع ومن لم يحضر، وهي قرارات تجاوز أعمال الإدارة العادية المألوفة وتتعلق بأمور عارضة لها قدر من الأهمية دون أن تصل إلى مستوى أعمال التصرف أو التعديل في النظام الاتفاقي للملكية (اللائحة).
وأول هذه القرارات هو قرار الجمعية العمومية بالتفويض في اتخاذ قرار من القرارات التي تكفي فيها الأغلبية المطلقة فيما لو اتخذت الجمعية القرار بنفسها، كما لو فوضت الجمعية مجلس الإدارة إن وجد في الموافقة على ما يقدمه المدير من حسابات، وهذا الحكم مأخوذ من القانون الفرنسي (م 25/ أ).
كما تلزم موافقة أغلبية الأعضاء على قرار الجمعية بتعيين أو عزل مدير الاتحاد أو أعضاء مجلس الإدارة إن وُجد (المادة 25 جـ من القانون الفرنسي والمادة 765 جزائري).
وكذلك قرار الجمعية بالتصريح لأحد الملاك بإحداث تعديل في الأجزاء المشتركة وفقًا لما يقضي به القانون، وقد سبق أن نص المشروع في المادة (856) على حق كل مالك في إحداث تعديل في الأجزاء المشتركة على نفقته بشروط معينة، وأوجب النص الحصول، قبل إحداث التعديل على موافقة أغلبية الملاك الذين يدخل في سلطتهم إحداث مثل هذا التعديل، فإذا لم توافق الأغلبية كان للمالك الراغب في التعديل أن يطلب من المحكمة التصريح له بإحداثه، ونص الفقرة جـ من المادة (867) مأخوذ من المادة (25) من القانون الفرنسي، ونص المادة (765) جزائري.
كما يلزم موافقة أغلبية الأعضاء على القرار بتعديل نسب توزيع النفقات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (858)، وهي النفقات التي توزع بنسبة ما يعود منها على كل طابق أو شقة من منفعة، إذا أصبح التعديل ضروريًا بسبب تغيير تخصيص بعض الطوابق أو الشقق، فإذا كانت الشقة مثلاً مخصصة للسكنى ثم تغير تخصيصها إلى مكتب تجاري أو للمحاماة أو عيادة طبيب الأمر الذي يترتب عليه وجوب إعادة النظر في تحديد ما يخصها من نفقات المصعد، فيكون القرار بموافقة الجمعية العمومية بأغلبية أصوات جميع الأعضاء، والحكم مأخوذ من المادة (25) فرنسي، والمادة (765) جزائري.
وإذا فرضت القوانين أو اللوائح أعمالاً معينة في البناء أو ملحقاته، كما لو فرضت احتياطات معينة للأمن من الحريق أو لاعتبارات صحية، فيجب موافقة الجمعية العمومية بأغلبية أصوات جميع الأعضاء على شروط تنفيذ تلك الأعمال، والحكم مأخوذ من المادة (25) فرنسي والمادة (765) جزائري.
وإذا وجب القيام بعمل من أعمال التصرف في جزء من الأجزاء المشتركة بمقتضى القوانين أو اللوائح، كما لو اقتضى تطبيق لوائح التنظيم تعديل حدود الأملاك وضم قطعة من فناء المبنى إلى ملك آخر، فيجب موافقة الجمعية العمومية بأغلبية أصوات جميع الأعضاء على الشروط التي يتم بها التصرف، والحكم مأخوذ من القانون الفرنسي (م 25/ د) والقانون الجزائري (765) وأخيرًا يجب موافقة الجمعية العمومية بأغلبية أصوات جميع الأعضاء على القرار بتجديد البناء في حالة هلاكه هلاكًا كليًا أو جزئيًا، وفي حالة الموافقة على التجديد يجب أن تقرر الجمعية العمومية بنفس الأغلبية على توزيع نفقات التجديد، والحكم مأخوذ من القانون الفرنسي (م 38، 40) والقانون الجزائري (م 771)،  وقد حرص المشروع على أن ينص صراحةً على أن ما قد يستحق بسبب هلاك البناء، كليًا أو جزئيًا، مثل مبلغ التأمين أو التعويض الذي يدفعه المسؤول عن الهلاك، يخصص لأعمال التجديد ما لم يجمع الملاك على غير ذلك، (المادة 868 من المشروع).
(جـ) وتعرض المادة (869) للقرارات التي يجب أن تتم الموافقة عليها بأغلبية ثلاثة أرباع أصوات جميع الأعضاء، نظرًا لما لها من طابع استثنائي ولا تحتمها ضرورات كالقرارات الواردة في المادة السابقة والتي تكفي بالنسبة لها أغلبية أصوات جميع الأعضاء، وهذه القرارات هي:
أولاً: القرار الخاص بوضع النظام الاتفاقي للملكية (اللائحة) أو تعديله.
ثانيًا: القرار بإحداث تعديل أو تغيير أو إضافة في الأجزاء المشتركة، إذا كان من شأن ذلك تحسين الانتفاع بها في حدود ما خصص له العقار، وقد روعي في تطلب أغلبية ثلاث أرباع أصوات جميع الملاك أننا بصدد تغيير في الوضع القائم الذي ارتضاه جميع الملاك، وعندما تقرر الجمعية إحداث أمر من هذه الأمور يجب في الوقت نفسه أن تقرر، وبنفس الأغلبية، توزيع نفقات ما قررته من أعمال ونفقات تشغيل وصيانة ما استُحدث، ونظرًا إلى أن الأعمال التي يقتضيها تنفيذ قرار الجمعية قد تعوق أو تعطل انتفاع بعض الملاك بما يملكون وقد يعمد بعضهم بسبب ذلك إلى عرقلة التنفيذ، نص المشروع على أنه لا يجوز لأي مالك أن يمنع أو يعطل تنفيذ ما قررته الجمعية ولو اقتضى هذا التنفيذ القيام بأعمال داخل طبقته أو شقته، ونص في الوقت نفسه على حق من يلحقه ضرر بسبب تنفيذ تلك الأعمال في التعويض، وحكم هذه الفقرة مأخوذ من القانون الفرنسي (م 26/ جـ 30)، والقانون الجزائري (م 766، 768).
ثالثًا: القرار بعمل من أعمال التصرف التي من شأنها نقل أو إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية بالنسبة للأجزاء المشتركة في غير الحالة المنصوص عليها في المادة (867) (و) أي دون أن يكون التصرف مفروضًا بحكم القوانين أو اللوائح، كما لو أريد بيع جزء من فناء المنزل أو رهنه ضمانًا لدين على الاتحاد، وكذلك شراء قطعة أرض مجاورة لإلحاقها بفناء المنزل، وقد أُخذ الحكم من القانون الفرنسي (م 26/ أ) والقانون الجزائري.
رابعًا: وأخيرًا القرار الخاص بالتصريح بتملك الاتحاد جزءًا من الأجزاء المفرزة أو التصرف فيما يملكه من هذه الأجزاء. فقد سبق للمشروع أن قرر في المادة (861) حق الاتحاد في تملك طابق أو شقة وحقه في التصرف فيما يملك، ولما كانت الجمعية العمومية هي التي تعبر عن إرادة الاتحاد فقرار التملك أو التصرف يصدر من هذه الجمعية، وإذا كان الطابق أو الشقة التي يملكها الاتحاد لا تُعتبر من الأجزاء المشتركة من حيث أن الذي يملكها هو الاتحاد نفسه باعتباره شخصًا في حين أن الأجزاء المشتركة تكون ملكيتها لمجموع الملاك على الشيوع، إلا أن درجة خطورة التصرف في الحالين واحدة، ولهذا تطلب المشروع أغلبية ثلاثة أرباع أصوات جميع الملاك سواء بالنسبة للأجزاء المشتركة أو الأجزاء المفرزة التي يملكها الاتحاد نفسه.
(د) وعرضت المادة (870) من المشروع لقرارين يجب موافقة الجمعية العمومية على كل منهما بإجماع أصوات الأعضاء، وهما أولاً القرار الخاص بالتصرف في جزء من الأجزاء المشتركة إذا كان الاحتفاظ به ضروريًا للانتفاع بالعقار وفقًا للتخصيص المتفق عليه، فبرغم ضرورة هذه الأجزاء للانتفاع بالعقار وفقًا للتخصيص المتفق عليه مما يجعل التصرف في شيء منها بقرار من الأغلبية أمرًا غير مقبول، فليس ثمة ما يمنع الملاك جميعًا من أن يقرروا التصرف والاستغناء عن الخدمة التي كان يؤديها الجزء المتصرف فيه، كما لو قرروا بيع الجزء من الأرض المخصص لوقوف السيارات والقرار الثاني الذي يلزم اتخاذه بالإجماع هو القرار الخاص بإنشاء طوابق أو شقق جديدة مملوكة ملكية مفرزة، وذلك أن مثل هذا القرار يؤدي إلى تغيير أساسي في المبنى وفي حقوق وواجبات الملاك.
ويعرض المشروع في المواد (ج 871 و872 و873) لمدير الاتحاد الذي يسميه القانون الحالي، وكذلك القانون المصري والسوري والليبي، مأمور الاتحاد، وقد آثر المشروع مصطلح مدير الاتحاد الذي أخذ به القانون التونسي.
ووجود المدير، الذي يختص بالأعمال التنفيذية، أمر ضروري في ظل تنظيم جماعي لملكية الطبقات والشقق.
وقد عرض المشروع في المادة (871) لتعيين المدير، والأصل أن يكون تعيينه بقرار من الجمعية العمومية وقد سبق أن قرر المشروع في المادة (867) الأغلبية المطلوبة لهذا القرار وهي أغلبية أصوات جميع أعضاء الاتحاد، ويجوز أن يكون المدير من بين الملاك كما يجوز أن يكون من غيرهم، ولم يعرض القانون الحالي، شأنه في ذلك شأن القانون المصري وغيره من القوانين العربية، للمدة التي تستمر خلالها صفة المدير المعين، وفي القانون الفرنسي لا يجوز تعيين المدير لمدة تزيد عن ثلاث سنوات (م 28 من المرسوم رقم 67 - 223 الصادر في 17 مارس سنة 1967)، أما القانون الجزائري فنص على أن يُعين الوكيل (المدير) لمدة لا تزيد عن سنتين ويجوز أن يُعين بعدها مرة أخرى، وقد آثر المشروع الأخذ بهذا الحكم فنص على أن يعين المدير لمدة لا تزيد على سنتين قابلة للتجديد.
فإذا فرض لسبب ما أن الجمعية لم تعين مديرًا، لعدم عرض الموضوع عليها أو لعدم توافر الأغلبية اللازمة لتعيين المدير، وقد يترتب على ذلك الإضرار بمصالح الملاك، فيكون لكل منهم أن يطلب من محكمة الأمور المستعجلة تعيين مدير مؤقت يباشر عمله إلى أن تتخذ الجمعية العمومية قرارًا بتعيين المدير.
ثم بينت المادة (872) أن المدير هو الذي يمثل الاتحاد أمام المحاكم والجهات الإدارية وفي التعامل مع الغير، وبينت المادة (873) اختصاصات المدير فذكرت أولاً أنه يتولى تنفيذ نظام الملكية (وهو النظام المنصوص عليه في المادة 853) الأمر الذي يقتضي منه الإشراف على قيام كل مالك بواجباته الواردة في النظام مثل استعمال الأجزاء المشتركة، فيما أُعدت له، والوفاء بالتزامه بنصيب في النفقات المشتركة، واستعمال الجزء المفرز الذي يملكه فيما خُصص له، إلى غير ذلك من الواجبات، كما يتولى المدير تنفيذ قرارات الجمعية العمومية، ويقوم بجميع الأعمال اللازمة للمحافظة على الأجزاء المشتركة سواء كان الحفظ ماديًا أو قانونيًا، ثم تحفظ النص وقال إن ذلك بالإضافة لما يتقرر للمدير من اختصاصات أخرى وفقًا للقانون
وأخيرًا عرض المشروع في المادة (874) لمجلس إدارة الاتحاد، وقد استمد النص من القانون الفرنسي والقانون الجزائري، وقد كان القانون الفرنسي الصادر سنة 1938 خلوًا من أي إشارة إلى مجلس الإدارة، ولكن العمل جرى في فرنسا، حتى قبل قانون 1938 على أن يتفق الملاك في كثير من الأحيان على تكوين مجلس للإدارة، وقد أثبتت التجربة فائدة وجود مثل هذا المجلس وبخاصة في البنايات الكبيرة، فجاء قانون 1965 وقنن ما يجري عليه العمل.
وأول ما يُستخلص من نص المادة (874) أن تقرير إنشاء مجلس للإدارة أمر جوازي، فإذا كان وجود مثل هذا المجلس، عندما يكون البناء كبيرًا يشمل عددًا كبيرًا من الطوابق أو الشقق، يفيد في حسن إدارة المبنى، فقد يبدو أنه لا فائدة منه بالنسبة للأبنية الصغيرة.
وقد عرض النص للغرض من إنشاء المجلس، والأصل أن وظيفته استشارية، فلا يملك اتخاذ قرارات ملزمة لا في توجيه الإدارة ولا في الأعمال التنفيذية، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن تخوله الجهة التي تقرر إنشاءه سلطة اتخاذ قرارات ملزمة. وقد تفوضه الجمعية العامة في اتخاذ قرارات مما يدخل أصلاً في اختصاصها، وذلك على النحو التالي:
1 - ففيما يتعلق بالغرض الأول من الأغراض المنصوص عليها، وهو مساعدة المدير، فللمجلس أن يقدم رأيه للمدير في كافة الأعمال التي يختص بها هذا الأخير، إما من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب المدير، مثل إبداء الرأي في العقود التي يزمع المدير إبرامها مع الغير كمقاول أو محامٍ.
2 - وفيما يتعلق بالغرض الثاني، وهو الرقابة على أعمال المدير، فللمجلس في سبيل تحقيق هذه الرقابة أن يراجع كافة الأوراق المتعلقة بأعمال المدير وبخاصة دفاتر الحسابات، ومن حق كل عضو من أعضاء المجلس أن يطلب من المدير اطلاعه على الأوراق - وللمجلس أن يقدم تقريرًا للجمعية العمومية برأيه في أعمال المدير.
3 - وللمجلس أن يبدي رأيه للجمعية العمومية في أي أمر يرى فيه مصلحة، مثل ملاءمة عمل إصلاح معين أو عدم ملاءمته، أو تركيب مصعد أو تغيير نظام التكييف، أو اقتراح تعديل نسب توزيع النفقات التي تتفاوت درجة الانتفاع بها ... إلخ.
4 - وأخيرًا يجب على المجلس أن يقوم بما تكلفه به الجمعية العمومية من أعمال، وقد يكون من بين ما تكلفه به الجمعية العمومية اتخاذ قرارات ملزمة بخصوص بعض الأمور التي تدخل أصلاً في اختصاصها، فيكون المجلس عندئذٍ مفوضًا من الجمعية العمومية إعمالاً لنص المادة (867) فقرة ( أ )، وذلك مثل تفويض المجلس في اعتماد الحسابات التي يقدمها المدير، أما كيفية إنشاء المجلس فقد عرضت لها الفقرة الثانية من النص، فقد ترد الأحكام الخاصة بإنشاء المجلس في نظام الملكية الذي قد يوجد وفقًا لنص المادة (853) من المشروع، فإذا لم يوجد هذا النظام، أو لم ينص فيه على إنشاء مجلس للإدارة، يجوز للجمعية العمومية بأغلبية أصوات جميع الأعضاء أن تقرر إنشاء المجلس.
هذا وقد آثر المشروع ألا يضع قواعد تتعلق بعدد أعضاء مجلس الإدارة، وشروط العضوية، ومدة العضوية، تاركًا ذلك للملاك في نظام الملكية أو في الجمعية العمومية ليقرروا ما يرونه ملائمًا وفقًا للظروف.
ونشير في النهاية إلى أن وضع النصوص الخاصة بملكية الطبقات والشقق موضع التنفيذ، يقتضي لتيسير أعمالها، وضع لائحة تتناول المسائل التفصيلية، هي التي أشارت إليها الفقرة الثانية من المادة (860) من المشروع باسم (اللائحة العامة لإدارة ملكية الطبقات والشقق)، والتي تصدر بمرسوم.
الفصل الثاني - أسباب كسب الملكية:
يعرض المشروع في المواد (من 875 إلى 942) لأسباب كسب الملكية مع ملاحظة أن بعض هذه الأسباب هي في الوقت نفسه أسباب لكسب الحقوق العينية الأخرى، وهو ما يتضح من عبارات النصوص.
وقد بدأ المشروع بكسب الملكية ابتداء وذاك عن طريق الاستيلاء الذي يؤدي إلى تملك المباح، ثم عرض بعد ذلك لكسب الملكية انتقالاً من المالك السابق، وهذا الكسب قد يكون بين الأحياء عن طريق الالتصاق أو التصرف القانوني، أو الشفعة أو الحيازة، وقد يكون على أثر وفاة المالك السابق وذلك بالميراث أو الوصية، وهذا هو الترتيب الذي اتبعه المشروع.
الفرع الأول - كسب الملكية ابتداءً (الاستيلاء):
بدأ المشروع في المادة (875) بوضع القاعدة العامة في التملك بالاستيلاء وهو لكسب ملكية الأشياء المباحة فور حيازتها (أو إحرازها أو وضع اليد عليها)، وقد آثر المشروع مصطلح (منقولاً مباحًا)، وهو مصطلح فقهاء الشريعة الإسلامية، على عبارة (منقولاً لا مالك له) التي استخدمها المشرع المصري (8700) ومن بعده بعض التشريعات العربية السوري (828)، والليبي (م 874)، الصومالي (م 719)، السوداني (م 727)، التونسي (م 24) إذ لا يكفي أن يكون المنقول لا مالك له حتى يصبح مباحًا يتملكه من يحوزه، ولذلك نجد القانون الألماني، بعد أن وضع القاعدة في أن من يحوز منقولاً لا مالك له بنية تملكه يصبح مالكًا له، ينص في الفقرة الثانية على أن الملكية لا تكسب إذا كان التملك ممنوعًا بحكم القانون أو كانت الحيازة قد تمت بالمخالفة لحق الغير في التملك، وفي تعبير منقول مباح الذي أخذه النص من الفقه الإسلامي ما يغني عن هذين القيدين، وبناءً على ذلك إذا منعت الدولة صيد نوع من الطيور أو الحيوانات فلا تعتبر من المباحات وبالتالي لا يتملك من يصيد برغم المنع ما يصيده، وإذا كانت هناك أرض مملوكة لشخص ومنع الغير من الدخول فيها للصيد، فلا يتملك من يصيد فيها برغم هذا المنع.
كما أن المشروع لم يرَ الأخذ بما ذهبت إليه بعض التشريعات من القول (منقولاً مباحًا لا مالك له) (العراقي م 1098، الأردني م 1076) مكتفيًا بأن يكون المنقول مباحًا، إذ ليس ثمة ما يمنع من أن يكون المنقول مملوكًا ومباحًا في الوقت نفسه وبالتالي يمكن تملكه بالاستيلاء، كما لو كانت الدولة قد صرحت بالرعي أو الاحتطاب وتملك ما ينبت في أرضها من عشب أو أشجار إذ يكون العشب أو الأشجار قبل الاستيلاء ملكًا للدولة بالتبعية لملكيتها للأرض، وهذا المأخذ يؤخذ أيضًا على نصوص القوانين التي اكتفت بالنص على أن يكون المنقول لا مالك له.
ويشترط للتملك بالاستيلاء، سواء في فقه الشريعة الإسلامية أو في القوانين الوضعية، أن تكون الحيازة، أو الإحراز، بنية التملك وهو ما نص عليه المشروع.
وبعد أن وضع المشروع في المادة (875) القاعدة العامة في تملك المنقول المباح بحيازته،  تناول في المادة (876) الحالات التي تحتاج إلى ضبط فيما يعتبر مباحًا من المنقولات، فنص في الفقرة الأولى على أن يصبح المنقول مباحًا إذا تخلى عنه مالكه بنية النزول عن ملكيته، وهذه منقولات كانت مملوكة فأصبحت مباحة يتخلى المالك عن حيازتها مع نية النزول عن ملكية، وتسمى الأشياء المتروكة، وهي غالبًا أشياء قليلة القيمة مثل فضلات الطعام والأدوات والملابس القديمة التي يرى المالك أنه ليس في حاجة إليها، ويجب التمييز بين الأشياء المتروكة هذه والأشياء الضائعة أو المفقودة التي لا تصبح مباحة بمجرد الضياع أو الفقد، وبالتالي فمن يعثر على شيء مفقود أو ضائع ويسمى عندئذٍ (اللقطة) لا يتملكه بالاستيلاء، وإنما يجب عليه أن يبلغ عنه الجهات المختصة وفقًا للقانون.
ثم عرضت الفقرة الثانية للحيوانات غير الأليفة، ومتى تعتبر مباحة أو غير مباحة، ولفظ الحيوانات يشمل الحيوانات بالمعنى الواسع لهذه الكلمة فيصدق على الحيوانات بالمعنى الضيق كما يشمل الطيور بأنواعها المختلفة والأسماك وهذه الحيوانات تعتبر مباحة ما دامت طليقة لم يحرزها أحد فيجوز تملكها بالاستيلاء عليها، هذا مع مراعاة أن الحيوان لا يعتبر مباحًا ولو كان طليقا، وفقًا لمفهوم فكرة الإباحة، كما سبق بيانها تعليقًا على نص المادة (875)، إلا إذا لم يوجد ما يمنع تملكه سواء كان المنع بنص القانون أو كان مستمدًا من قصر حق التملك على الغير، فإذا أحرز شخص حيوانًا بنية تملكه وبالتالي ملكه، ثم عاد الحيوان طليقًا، فإن كان ذلك بإرادة المالك الذي تخلى عنه بنية النزول عن ملكيته عاد مباحًا وفقًا للفقرة الأولى من النص، وإن كان بغير إرادة المالك فلا يصبح الحيوان مباحًا إلا إذا لم يبادر المالك إلى تتبعه لإعادته إلى حيازته أو إذا بدأ في تتبعه ثم كف عن ذلك.
وتعرض الفقرة الثالثة للحيوانات التي كانت غير أليفة، ثم أصبحت مملوكة وزيادة على ذلك ألف الحيوان الرجوع إلى المكان الذي خصصه له المالك، بحيث يمكن القول إنه أصبح أليفًا، وبالتالي لا يعتبر الحيوان مباحًا لمجرد كونه في وقت ما طليقًا، ولكن إذا فقد الحيوان عادة الرجوع إلى مكانه، اعتُبر غير أليف وبالتالي يصبح مباحًا ما دام طليقًا وكف صاحبه عن تتبعه.
وتعرض المادة (877) للكنز، وهو منقول يوجد مدفونًا أو مخبوءً ولا يعرف له مالك، والغالب أن يوجد الكنز في عقار، ولذلك ترد النصوص في أكثر القوانين على أساس أن الكنز يوجد في عقار، ولكن نظرًا إلى أنه من المتصور وجود الكنز في منقول، كما لو عثر شخص على أوراق نقدية أو أحجار ثمينة مخبأة في مكان سري في مكتب أو خزانة، فالشراح يقيسون هذه الحالة على حالة الكنز الذي يُعثر عليه في عقار، ولهذا آثر المشروع صياغة النص على نحو يتسع لما يُعثر عليه في عقار أو منقول، ويفرق فقهاء الشريعة الإسلامية بين نوعين من الكنز، الأول هو الكنز الجاهلي وهو ما وجد به شعار أو كتابة يدلان على أنه دفن في الأرض قبل الإسلام أو عُلم ذلك بأي طريق من الطرق، ولهم في حكمه آراء متعددة لا محل لذكرها لاستبعاد احتمال وجود هذا النوع من الكنز، وإن وجد فيعتبر من الآثار التي لا تسري عليها أحكام الكنز. والنوع الثاني هو الكنز الإسلامي، وهو ما يوجد ما يدل على أنه دفن في الأرض بعد ظهور الإسلام عليها، وقد اختلف في حكمه الفقهاء، فيرى الحنفية أنه مملوك لمالكه ملكًا محترمًا فلا يملكه واجده وإنما يعد لقطة فيجب تعريفها حتى يظهر صاحبها، فإن يئس من معرفته حُفظت أو تصدق بها، ومن العلماء من ذهب إلى أن الملكية تزول عنها في هذه الحال ويتملكها واجدها، وروي هذا عن عمر وعائشة وابن مسعود وقال به الشافعي وأحمد غير أنهما يلزمان واجده بأن يرده إلى صاحبه إن ظهر وهو موجود فإن لم يكن موجودًا رد إليه قيمته.
وقد اختلفت قوانين البلاد العربية في حكم الكنز، فمنها ما جعله لمالك العقار الذي وجد فيه أو مالك رقبته أو للواقف أو ورثته أن كان العقار وقفًا (المصري م 872)، ومنها ما أخذ بهذا الحكم ثم نص على أنه عُثر على الكنز في مال مملوك للغير اقتسمه من غير عليه مع هذا المالك مناصفة (الليبي م 876)، ومنها ما أخذ بما يوافق حكم القانون المصري فيما عدا حالة وجود الكنز في أرض موقوفة فتكون ملكيته لجهة الوقف (العراقي م 1101) ومنها ما جعل الخمس للدولة والخمس لمن عثر على الكنز والثلاثة أخماس لمالك العقار الذي وجد فيه الكنز (السوري م 830، واللبناني م 237، والتونسي م 25). وقد آثر المشروع الأخذ بحكم القانون السوداني فجعل الخمس لمن يعثر على الكنز والباقي لمالك الشيء الذي وجد فيه أو مالك رقبته أو للواقف ولورثته إن كان قد عُثر عليه في شيء موقوف.
ثم تحفظ النص في النهاية بوجوب مراعاة ما تقضي به المادة (879)، والمقصود هو ما تقضي به من أن الأشياء الأثرية تنظمها تشريعات خاصة.
وبعد أن عرض المشروع لتملك المباح بالاستيلاء عليه، نص في المادة (878) على أن كل عقار لا مالك له يكون ملكًا للدولة، وهذا يعني أنه لا توجد في الأصل عقارات مباحة يمكن تملكها بالاستيلاء ويسري هذا الحكم ليس فقط على الأراضي التي لم يسبق لأحد من الأفراد تملكها وإنما يسري كذلك على العقارات التي مات ملاكها وليس لهم ورثة، ولم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على عدم جواز تملك أراضي الدولة بغير إذن الدولة، فهذا الحكم مفهوم بالضرورة من كون الأرض مملوكة للدولة.
ويحيل نص المادة (879) فيما يتعلق بالحق في الصيد في البر وفي البحر، واللقطة وهي الأشياء المفقودة أو الضائعة عندما يعثر عليها شخص ما، وكذلك الأشياء الأثرية، وما يوجد في باطن الأرض من معادن يحيل في كل هذا إلى التشريعات الخاصة، لأن موضوع الأحكام الخاصة بذلك كله ليس هو مدونة القانون المدني.
الفرع الثاني - كسب الملكية انتقالاً بين الأحياء:
أولاً: الالتصاق:
الالتصاق هو اتحاد أو اندماج شيئين، متميزين أحدهما عن الآخر، غير مملوكين لشخص واحد، اندماجًا ماديًا بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر دون تلف، ودون أن يوجد اتفاق سابق على تحقيق هذا الاندماج، ويترتب عليه، إذا لم يتم فصل الشيئين وفقًا لما يقضي به القانون أن يتملك مالك أحد الشيئين الشيء الآخر، بقوة القانون أو بحكم القاضي.
ولم يعرض المشروع لبعض صور الالتصاق التي لا مجال لتحققها في الكويت وهي التي يطلق عليها الالتصاق الطبيعي، ويقصد بها تراكم الطمي الذي يجلبه النهر تدريجيًا ويرسبه على الأراضي المجاورة لمجراه، وكذلك ما يعرف بطرح النهر حيث يحدث أحيانًا أن تقطع مياه النهر بقوة اندفاعها أجزاء من الأراضي المجاورة وتلقي بها على حافة المجرى في مكان أخر على حافة المجرى أو في وسط المجرى فتكون جزرًا.
كما لم يعرض المشروع، لما تنص عليه بعض القوانين من قواعد بخصوص ما ينكشف عنه البحر من أراضٍ، وعدم جواز التعدي على أرض البحر، إذ لا تواجه هذه القواعد حالة من حالات الالتصاق.
وبذلك اقتصرت نصوص المشروع على ما يسمى الالتصاق الصناعي بالعقار وحيث تكون عملية اندماج بعض المنقولات بالعقار قد تمت بفعل شخص معين، وكذلك حالة التصاق منقول بمنقول.
وتمهيدًا للقواعد الخاصة بالتصاق منقول بعقار وضع المشروع في المادة (880) قرينة بسيطة تقوم على أساس الوضع الغالب المألوف، وبالتالي يعتبر هو الأصل إلى أن يثبت عكسه، فنصت على أن (كل ما على الأرض أو تحتها من بناء أو غراس أو منشآت أخرى، يعتبر من عمل مالك الأرض أقامه على نفقته ويكون مملوكًا له، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك)، وبناءً على هذا، فحتى يمكن إعمال أحكام الالتصاق التي وردت في النصوص التالية، يجب أن يقام الدليل على أن مالك الأرض لم يكن وقت أن أقيمت فيها المنشآت - بالمعنى الشامل لهذه الكلمة - هو مالك المواد التي استخدمت في إقامتها، ويتحقق ذلك في فرضين أساسيين، الفرض الأول أن يقيم مالك الأرض المنشآت بمواد مملوكة لغيره وهو ما عرض له المشروع في المادة (881)، والفرض الثاني أن يقيم شخص في أرض غيره منشآت بمواد من عنده، سواء كان مملوكة له أو مملوكة لشخص ثالث، وهو ما عرض له المشروع في المواد من (882) إلى (885) وهي تتناول علاقة صاحب الأرض بمن أقام المنشآت، ثم عرض المشروع في المادة (886) لحالة تدخل في نطاق الفرض الثاني، وهي حالة ما إذا أقام شخص منشآت على أرض غيره بمواد مملوكة لشخص ثالث، وذلك لبيان حقوق مالك المواد قبل كل من الشخص الذي أقام بها المنشآت وصاحب الأرض.
فأولاً: تعرض المادة (881) لحالة ما إذا كان مالك الأرض قد أحدث فيها بناءً أو منشآت أخرى أو غرس فيها غراسًا بمواد مملوكة لغيره، وفي هذه الحالة يكون لمالك المواد أن يطلب استردادها بشرطين: الأول أن يكون من الممكن نزع المواد دون أن يلحق الأرض ضررًا جسيم، والثاني أن يرفع الدعوى باسترداد المواد خلال سنة من وقت علمه أنها اندمجت في الأرض.
فإذا لم يتحقق أحد الشرطين، تملك مالك الأرض المواد بالالتصاق ويجب عليه عندئذٍ، سواء كان حسن النية أو سيئ النية، أن دفع قيمة المواد وقت اندماجها في الأرض، كما يجب أن يعوض من كان مالكًا للمواد عما لحقه من ضرر بسبب فقده لمواده.
وتعرض المواد (من 882 إلى 885) للفرض الذي يحدث فيه شخص بمواد من عنده بناءً أو غراسًا أو منشآت أخرى، على أرض غيره، وفي هذا الفرض تختلف أحكام الالتصاق بحسب ما إذا كان هذا الشخص سيئ النية أو حسن النية.
وقد تناولت المادة (882) حالة سوء النية، الذي يتحقق إذا كان من أقام البناء أو غرس الغراس يعلم أن الأرض مملوكة لغيره وأنه ليس له الحق في إحداث ما أحدثه عليها، وقد سوى المشروع بين العلم بهذا، والجهل الناشئ عن خطأ جسيم.
ونظرًا لسوء نية من أقام البناء أو المنشآت الأخرى أو غرس الغراس، يكون مالك الأرض بالخيار بين طلب إزالة ما استحدث على أرضه أو استبقائه، فإذا طلب الإزالة فيجب أن يكون ذلك خلال مدة سنة تبدأ من وقت أن يعلم بما حدث في أرضه، وتكون نفقات الإزالة على من استحدث المنشآت أو الغراس، وإذا لحق مالك الأرض ضررًا بسبب ما حدث فيها من الإزالة فله أن يطلب التعويض عنه، وإذا كان نص المشروع لم يقيد حق مالك الأرض في طلب الإزالة فذلك اكتفاء منه بالقواعد العامة التي سبق أن قررها المشروع في خصوص عدم جواز التعسف في استعمال الحق (المادة 30 من المشروع).
ولمالك الأرض، بدلاً من طلب الإزالة، أن يطلب استبقاء ما استُحدث على أرضه، فإذا طلب ذلك، أو لم يطلب الإزالة خلال مدة السنة، فيتملك ما استحدث على أرضه بالالتصاق وذلك في مقابل دفع قيمة المستحدثات مستحقة الإزالة أي قيمة ما ينزع من الأرض بعد نزعه مخصومًا منها نفقات النزع، أو دفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب وجود المستحدثات فيها، وهو يختار بداهة أقل القيمتين، وهذا الحكم يختلف عن حكم القاعدة العامة في الإثراء بلا سبب لأن قيمة الأشياء المستحقة الإزالة لا تمثل قيمة الافتقار.
ومن نص المشروع يتبين أن من أحدث شيئًا بسوء نية في أرض غيره ليس له أن يطلب الإزالة، ولم يرَ المشروع الأخذ بما نصت عليه الفقرة الثانية من النص المصري والقوانين التي حذت حذوه، فبعد أن قرر المشروع المصري حق صاحب الأرض في الخيار بين الإزالة والاستبقاء في الفقرة الأولى نص في الفقرة الثانية على حق من أقام المنشآت في طلب نزعها إن كان ذلك لا يلحق بالأرض ضررًا إلا إذا اختار صاحب الأرض أن يستبقي المنشآت، وهو حكم أثار الخلاف حول حقيقة المقصود به، فذهبت المذكرة الإيضاحية للنص وبعض الشراح إلى أن مالك الأرض إذا تملك المنشآت بالالتصاق ولكنه امتنع عن دفع المقابل كان للباني إما أن يلزمه بالدفع وإما أن يطلب نزع المنشآت إن كان النزع لا يلحق بالأرض ضررًا، وهذا الرأي لا يتفق مع حكم النص الذي يقول، بعد أن قرر حق من أقام المنشآت في نزعها (إلا إذا اختار صاحب الأرض أن يستبقي المنشآت)، ولعل أكثر ما قيل قبولاً هو أنه إذا لم يحدد صاحب الأرض موقفه خلال السنة فلم يطلب الإزالة ولم يطلب استبقاء المنشآت، فيجوز لمن أقام المنشآت أن يطلب الإزالة حتى يضع حدًا لموقف صاحب الأرض الذي يجب عليه عندئذٍ إما أن يوافق على الإزالة أو يطلب استبقاء المنشآت ومع ذلك لم يرَ المشروع الأخذ بحكم الفقرة الثانية من النص المصري وذلك حتى تتاح لمالك الأرض الفرصة في التدبر خلال سنة ليقرر ما إذا كان يطلب الإزالة أو الاستبقاء.
وتعرض المادة (883) لحالة من يحدث بناءً أو غراسًا أو منشآت أخرى، بمواد من عنده، على أرض غيره بترخيص من المالك أو عندما يكون حسن النية، أي وهو يعتقد أن له الحق في إحداث ما أحدثه، إما لأنه كان يعتقد أنه هو المالك للأرض، أو لأنه كان يعتقد أن له الحق في إحداث ما أحدثه، مع علمه بأن الأرض مملوكة لغيره.
وقد تضمنت الفقرة الأولى من النص القاعدة العامة في هذه الحالة، ومنها يتضح الفرق بين معاملة من أحدث شيئًا في أرض غيره بحسن نية ومن أحدثه بسوء نية، سواء فيما يتعلق بالحق في طلب الإزالة أو من حيث مقدار ما يلتزم به مالك الأرض في حالة الاستبقاء، ففيما يتعلق بالحق في طلب الإزالة، كان مقتضى القواعد العامة أن يكون لمالك الأرض أن يطلب إزالة ما حدث في ملكه دون وجه حق، وهو ما سبق أن قرره المشروع بنص المادة (882) بالنسبة لمن أحدث شيئًا في ملك غيره بسوء نية، أما هنا فقد خرج النص على مقتضى القواعد العامة نظرًا لحسن نية الباني أو الغارس فلم يعطِ لصاحب الأرض حق طلب الإزالة، وبالعكس أعطى لمن بنى أو غرس الحق في طلب النزع إذا كان ذلك لا يلحق بالأرض ضررًا، فإذا لم يطلب النزع، أو كان في نزع ما استحدث ضرر بالأرض، فيتملك صاحب الأرض ما استُحدث عليها بالالتصاق وذلك في مقابل إحدى القيمتين وفقًا لما يختاره، قيمة ما أنفقه الباني أو الغارس في المواد وأجرة العمل، أو ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما استُحدث فيها، وهذا هو حكم القاعدة العامة في الإثراء بلا سبب.
هذه هي القاعدة العامة في حالة حسن نية الباني أو الغارس في أرض غيره بحسن النية، واستثناءً من هذه القاعدة نصت الفقرة الثانية على أنه إذا كانت المستحدثات قد بلغت حدًا من الجسامة بحيث يرهق صاحب الأرض أن يؤدي ما هو مستحق عنها كان له أن يطلب تمليك الأرض لمن أحدثها بمقابل عادل، وهذا الاستثناء مقصور على حالة ما إذا كان أقل القيمتين المنصوص عليه في الفقرة الأولى مرهق لمالك الأرض فلا يلزم أن يكون أداؤه مستحيلاً، والقاضي يقدر الإرهاق بالنظر إلى حالة مالك الأرض المالية وقيمة المنشآت بالنسبة لقيمة الأرض ومدى المنفعة التي يمكن أن تعود على مالك الأرض من هذه المنشآت، والمقصود بالنص على المقابل العادل ألا يتقيد القاضي بقيمة الأرض وإنما يراعي كافة لظروف الخاصة التي تحيط بالحالة المعرضة عليه.
وبعد بيان أحكام الالتصاق الخاصة بمن يُحدث بناءً أو غراسًا أو منشآت أخرى بمواد من عنده في أرض غيره، أجاز المشروع بنص المادة (884) للمحكمة أن تقرر ما تراه مناسبًا للوفاء بما تحكم به وفقًا لتلك الأحكام من مقابل تملك صاحب الأرض لما أُنشئ عليها أو التعويضات، وللمحكمة بوجه خاص أن تحكم بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط أن يقدم الملتزم الضمانات الكافية، ويبرر سلطة المحكمة المقررة في هذا النص أنه غالبًا ما يكون إلزام صاحب الأرض بدفع ما يستبقيه على أرضه من منشآت مفاجأة لم يُعد لها نفسه.
وعرض المشروع في المادة (885) لحالة خاصة، من حالات إقامة شخص بمواد من عنده على أرض غيره بحسن نية واضعًا لها حكمًا استثنائيًا وذلك بالنص على أنه إذا كان مالك الأرض وهو يقيم عليها بناءً قد جار بحسن نية على جزء صغير من الأرض الملاصقة جاز للمحكمة أن تحكم بتمليكه الجزء المشغول بالبناء نظير مقابل عادل، ووجه الخصوصية في هذه الحالة أن الباني يبني أصلاً في ملكه، ولكنه تجاوز حدود ملكه وشغل جزءًا من أرض جاره الملاصقة بالبناء وبحسن نية، وغالبًا ما يكون ذلك نتيجة خطأ في القياس، ولو أعملنا أحكام الالتصاق بصفة مطلقة لأدى ذلك إلى نتائج غير مقبولة إذ مقتضى هذه الأحكام أن يكون الباني بالخيار بين أن يزيل ما بناه في ملك جاره، أي يزيل جزءًا من المبنى الذي أقامه أو يتملك صاحب الأرض المجاورة الجزء الذي أُقيم من المبنى على أرضه فيصبح شريكًا في المبنى، وتفاديًا لهذه النتائج غير المقبولة أعطى النص للمحكمة الحق في أن تحكم بتمليك الباني الجزء الذي أقام عليه المبنى من أرض جاره جبرًا على مالك الأرض، وذلك في مقابل عادل تقدره المحكمة وفقًا للظروف.
هذا ويلاحظ أن الأحكام السابق بيانها لا تسري بالنسبة لما يقام على أرض الغير من منشآت صغيرة لا يقصد بقاؤها على الدوام كالشبرات والحوانيت الخشبية، فمثل هذه المنشآت تكون ملكًا لمن أقامها، وبناءً على ذلك تطبق القواعد العامة في حق الملكية سواء بالنسبة لمالك الأرض أو بالنسبة لمالك المنشآت التي أقامها على أرض غيره، ومقتضى هذه القواعد أن يكون لمالك الأرض أن يطلب الإزالة إلا إذا كان قد صرح لمن أقام المنشأة بإقامتها لمدة معينة فليس له طلب الإزالة خلال هذه المدة، كما أن لمن أقام المنشأة أن يزيلها في أي وقت ما لم يوجد اتفاق بينه وبين مالك الأرض على أيلولة المنشأة لمالك الأرض في وقت معين.
وفي الحالات التي يحدث فيها شخص بناءً أو غراسًا أو منشآت أخرى في أرض غيره، والتي سبق تنظيمها بالنصوص السابقة، كانت النصوص تذكر عبارة (بمواد من عنده)، ولم تذكر أن المواد مملوكة له أو مملوكة لغيره، ما دامت تلك النصوص تنظم علاقة مالك الأرض بمن أحدث فيها شيئًا مما ذكر، ونظرًا إلى أن حالة ما إذا كانت المواد مملوكة لشخص ثالث، تثير بالإضافة إلى علاقة مالك الأرض بمن أحدث فيها شيئًا، علاقتين أخريين هما أولاً علاقة مالك المواد بمن أخذها، وثانيًا علاقة مالك المواد بمالك الأرض، عرض المشروع بنص المادة (886) لهاتين العلاقتين.
وبناءً على هذا النص، وأحكام القواعد العامة، إذا كان من أخذ المواد في علاقته بصاحب الأرض سيئ النية، وأُجبر على نزع المواد أو كان حسن النية واختار هو نزعها، فيكون لمالك المواد أن يستردها منه مع التعويض إن كان له مقتض.
أما إذا كان مالك الأرض قد تملك المنشآت بالالتصاق فيكون لمالك المواد وقد فقد مواده أن يرجع أولاً على من اعتدى على ملكه وهو من أحدث المنشآت وذلك وفقًا للقواعد العامة وبصريح النص، أما في علاقته بمالك الأرض، فوفقًا للقواعد العامة ليس له أن يرجع عليه بشيء إلا بالدعوى غير المباشرة، ولكن بمقتضى النص يكون له أن يرجع مباشرةً على مالك الأرض بما له من تعويض قبل من أقام المنشآت وذلك في حدود ما بقي في ذمة مالك الأرض في نظير تملكه ما استحدث على أرضه.
وهذه هي الأحكام التي قررها المشرع المصري، ومن بعده القوانين التي حذت حذوه، وبالإضافة إلى ذلك نص المشرع المصري، والقوانين الأخرى على أن مالك المواد ليس له أن يطلب استردادها، أما المشروع فقد نص في الفقرة الثانية على أنه إذا كان من أحداث البناء أو الغراس حسن نية كان لمالك المواد أن يطلب نزعها إذا لم يلحق ذلك بالأرض ضررًا، ذلك أنه في حالة حسن نية من أحدث المنشآت يكون له وفقًا لنص المادة (883) أن يطلب نزعها، وبالتالي يستطيع مالك المواد وفقًا للقواعد العامة أن يطلب النزع بالدعوى غير المباشرة، وبالإضافة إلى هذا رأى المشروع إعطاء مالك المواد دعوى مباشرة يطلب بها نزع المواد، وهو حكم ليس لصاحب الأرض أن يتضرر منه طالما أن من أقام المنشآت يستطيع النزع.
وأخيرًا عرض المشروع بنص المادة (887) لحالة التصاق المنقولات ببعضها، وهي تفترض أن تكون المنقولات مملوكة لملاك مختلفين، ثم تندمج بحيث لا يمكن فصلها دون تلف، ولم يكن هناك اتفاق بين الملاك تم الدمج بمقتضاه، ويتم هذا في صور ثلاث، الأولى ويطلق عليها الضم أن تتحد المنقولات فتكون شيئًا واحدًا وإن أمكن التمييز بينها مثل وضع صورة في إطار بطريقة لا يمكن معها فصلهما دون تلف، والثانية ويطلق عليها المزج أن تختلط المنقولات بحيث لا يمكن تميز أحدهما عن الآخر كامتزاج سائلين ببعضهما، والصورة الثالثة ويطلق عليها التحويل أن يترتب على الاندماج وجود شيء جديد مغاير كتحويل الخشب مع مواد أخرى إلى قطعة أثاث.
ونظرًا لتعدد الصور التي يحدث فيها التصاق المنقولات ببعضها وتعدد أسباب الالتصاق، والظروف التي تم فيها، فقد آثر المشروع عدم النص على قاعدة موضوعية تحسم مسألة الملكية ومقابل التملك، تاركًا الأمر للقاضي ليفصل فيه بمراعاة الضرر الذي حدث لكل مالك من الملاك وحالة كل منهم من حيث حسن أو سوء النية، وهذا هو المسلك الذي سلكته أكثر التشريعات العربية.
ثانيًا: التصرف القانوني:
تعرض نصوص المواد (880 - 890) لنقل الملكية وكذلك نقل أو إنشاء الحقوق العينية الأخرى، بالتصرف القانوني، وقد آثر المشروع ألا يقتصر على العقد، كما فعلت التشريعات العربية، وذلك حتى تشمل النصوص العقد وكذلك التصرف القانوني الذي يتم بإرادة واحدة، هذا مع مراعاة أن الوصية لها أحكام خاصة.
وقد تضمن نص المادة (888) المبدأ العام في انتقال أو نشوء الحق بالتصرف القانوني، والشرط الذي يجب توفره في جميع الأحوال حتى ينتقل الحق أو ينشأ بالتصرف، هو أن يكون المتصرف هو صاحب الحق المتصرف فيه، وذلك سواء بالنسبة للمنقول أو العقار، ونظرًا إلى أن وقت انتقال أو نشوء الحق يختلف باختلاف الأشياء، فقد نصت المادة في آخرها على مراعاة أحكام المادتين التاليتين.
وبينت المادة (889) أحكام انتقال أو إنشاء الحق العيني إذا كان الشيء منقولاً، فإن كان المنقول معينًا بذاته فالأصل أن تنتقل الملكية أو تنتقل أو تنشأ الحقوق العينية الأخرى بمجرد إبرام التصرف القانوني، وإن كان المنقول معينًا بنوعه، فالأصل ألا ينتقل الحق أو ينشأ إلا بإفراز المنقول، ونظرًا إلى أن نقل الحق أو إنشاءه قد يتراخى إلى وقت لاحق بشرط في التصرف القانوني نفسه أو بنص في القانون نصت الفقرة الثالثة من النص على أن (كل ما سبق ما لم ينص القانون أو يقضي الاتفاق بخلافه).
وعرضت المادة (890) للتصرفات التي ترد على العقارات، فنصت على أن الحقوق العينية لا تنتقل ولا تنشأ إلا بمراعاة أحكام قانون التسجيل العقاري.

ثالثًا: الشفعة:
الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية مستمدة من الفقه الإسلامي، ويستند في شرعيته إلى السنة، ففي البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قضى رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ويكاد ينعقد إجماع فقهاء المسلمين على ثبوت الحق في الأخذ بالشفعة، وإن اختلفوا في بعض مسائلها.
وإذا كانت الشفعة هي الحق في تملك المبيع جبرًا على المشتري فهي تثبت على خلاف الأصل لأنها تنافي قاعدة اشتراط الرضا في انتقال الملك من شخص إلى آخر، فهي استثناء من هذه القاعدة، ولكنه استثناء دعت إليه المصلحة، ولهذا فتنظيم الشفعة، يقوم أساسًا على الموازنة بين اعتبارين: الأول هو احترام الأصل العام في حرية التصرف باشتراط الرضاء في انتقال المالك، والثاني هو اعتبار المصلحة التي تتحقق من الأخذ بالشفعة.
وقد اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في بيان أسباب استحقاق الشفعة، وفي الحكمة من شرعها وبالتالي في بعض الأحكام العملية على نحو ما يظهر عند عرض هذه الأحكام، وكذلك اختلف مسلك قوانين البلاد العربية من الشفعة، فلم تأخذ بها بعض الدول مثل سوريا، ولكن أكثر الدول أخذت بها وإن اختلفت التشريعات فيما وضعته من أحكام وعلى الخصوص في مدى التوسعة والتضييق في الحالات التي يجوز فيها الأخذ بالشفعة، على نحو ما نبينه عند التعليق على النصوص، وأهم ما استحدثه المشروع في تنظيم الشفعة هو عدم الاقتصار على حالة بيع العقار فأجاز الشفعة في بيع العقار والمنقول على السواء. هذا بالإضافة إلى أن المشروع قصر الشفعة على حالة بيع الشريك في الشيوع حصة شائعة فيكون للشركاء الآخرين حق الأخذ بالشفعة.
وقد عرفت المادة (891) الشفعة بأنها حق الحلول محل المشتري، عند بيع العقار أو المنقول، في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في المواد التالية، وقد رُوعي في هذا التعريف:
أولاً: تجنب النص على أن الشفعة رخصة، كما فعلت بعض التشريعات كالقانون المصري (م 935) والقانون الليبي (م 939)، والقانون الصومالي (م 745) والقانون الجزائري (م 794). وذلك أولاً لأن مصطلح رخصة لا يزال في علم القانون غير منضبط ويستخدم في أكثر من معنى، فأحيانًا يُقصد به معنى الحريات العامة كحرية التملك وحرية الزواج وحرية التنقل ... إلخ، وهي الحريات التي تثبت للناس كافة دون حاجة إلى قيام سبب معين لشخص معين.
وأحيانًا يُقصد به الحق في كسب حق معين إذا وجد سبب خاص، كحق الموجه إليه الإيجاب بالبيع في أن يتملك الشيء بأن يقبل الشراء وحق الشفيع في أن يأخذ بالشفعة، وعلى الرأي الراجح في تحديد معني الرخصة، وهو المعنى الأول، تكون الشفعة ليست مجرد رخصة بل هي أكثر من ذلك، ولهذا نجد الأستاذ السنهوري يقول في التعليق على نص القانون المصري: (والأدق أن يقال إن هذا المركز القانوني (والمقصود هو المركز الناشئ عن بيع العقار وتوفر شروط الشفعة) لا يتولد عنه مجرد رخصة في التملك، بل يتولد عنه حق الشخص في أن يتملك ....).
ثانيًا: اكتفى المشروع في بيان حقيقة الشفعة بأنها حق الحلول محل المشتري فلم ينص على ما تنص عليه بعض التشريعات من: حق تملك العقار المبيع، وأن يكون التملك بمقدار الثمن أو بالثمن الحقيقي والنفقات، لأن كل هذه التفصيلات يغني عن ذكرها أن يذكر أن الشفعة هي حق الحلول محل المشتري، وليس من المناسب أن يذكر في التعريف كل ما يتعلق بالمعرف من تفصيلات.
ثالثًا: نص المشروع على أن الشفعة تكون عند بيع العقار أو المنقول، فلم يقصرها على حالة بيع العقار، كما تفعل المجلة وقوانين البلاد العربية، وقد روعي في هذا التجديد الجمع بين ما يُعرف بحق استرداد الحصة الشائعة والشفعة في تنظيم واحد لأن حق الاسترداد هو في حقيقته شفعة، وقد أمكن في يسر تنظيم الشفعة لتشمل حالتي بيع العقار وبيع المنقول بعد أن رُئي التضييق في أسباب استحقاقها بحيث تقتصر على بيع الحصة الشائعة.
وإذا كان الرأي الغالب في الفقه الإسلامي هو قصر الشفعة على العقار، فقد ذهب المالكية إلى ثبوت الشفعة في بعض المنقولات ولم يجز الحنابلة الشفعة إلا في العقار على رواية وأجازوها في العقار وفي المنقول على رواية أخرى وأجاز الظاهرية الشفعة في العقار والمنقول إطلاقًا، وإذا نظرنا إلى المسألة على ضوء الحكمة من تقرير الشفعة، في الحالات التي أخذ بها المشروع، فلا يظهر أي مبرر للتفرقة بين العقار والمنقول، ففي جميع الأحوال تكون الحكمة هي جمع ما تفرق من عناصر الملكية الأمر الذي لا يقتصر أثره على تحقيق مصلحة الشفيع بل يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة إذ لا شك أن تجزئة الملكية من شأنها تعقيد طريق الانتفاع بالأموال، وهذه الحكمة تقتضي الأخذ بالشفعة عند بيع العقار أو المنقول على السواء، بل قد يكون إثبات الحق في الأخذ بالشفعة عند بيع بعض المنقولات أولى منه عند بيع العقارات كما هي الحال عندما يبيع أحد الملاك على الشيوع في المحل التجاري حصته الشائعة.
وتعرض المادة (892) من المشروع لأسباب استحقاق الشفعة، والشفعة تثبت بوجه عام بسبب اتصال ملك الشفيع بالمبيع، ولكن الفقهاء اختلفوا في صور الاتصال التي تجيز الأخذ بالشفعة، ففي المذهب الحنفي، وهو ما أخذت به المجلة، قد يكون اتصال شركة في نفس العقار المبيع فتثبت الشفعة للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع، وقد يكون اتصال شركة في حق الشرب أو حق المجرى أو حق المسيل عندما يكون الحق خاصًا، فتثبت الشفعة للشريك في أحد هذه الحقوق، ويسمى الخليط، عندما يباع العقار. وأخيرًا قد يكون اتصال جوار فتثبت الشفعة للجار الملاصق عندما يباع العقار، أما الشافعية والمالكية والحنابلة فلم يثبتوا الشفعة لا للخليط ولا للجار، وذلك يرجع - كما يقول بعض المحدثين من الفقهاء - أما إلى عدم العلم بما روي من الأحاديث التي جاءت بثبوت الشفعة بهما أو إلى عدم الاطمئنان إليها مع اطمئنانهم إلى صحة ما رواه جابر قال (قضى رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يُقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة).
أما موقف القوانين العربية فمنها ما استبعد الشفعة أصلاً (السوري) ومنها ما توسع كالحنفية فأثبتها للشريك وللخليط وللجار كالقانون الأردني والقانون العراقي الذي قيد الجوار الذي تُستحق بسببه الشفعة، ومنها ما لم يثبت الشفعة لا للخليط ولا للجار (الليبي، والصومالي، والجزائري).
وفي الكويت، حيث المجلة هي الواجبة التطبيق، استُبعدت الشفعة بسبب الجوار بموجب التعميم الإداري رقم 1/ 1959 الصادر عن رئاسة المحاكم، بتاريخ 28/ 2/ 1959 فاقتصر حق الأخذ بالشفعة على الشريك في الشيوع والخليط.
وقد رُئي، في المشروع استبعاد الجوار كسبب من أسباب الشفعة أخذًا بما عليه العمل الآن في الكويت خاصة وهو سبب لم يأخذ به من المذاهب الإسلامية إلا المذهب الحنفي، كما أن الحكمة من تقرير الشفعة للجار لم يعد لها في ظروف عصرنا الحالي من الأهمية ما يستدعي الخروج على الأصل العام وهو اشتراط الرضاء في انتقال الملك.
كما رُئي عدم إعطاء الشفعة للخليط أولاً لندرة الاشتراك في المرور أو المجرى أو المسيل ولأن المصالح التي قد تبرر إعطاءها له لا تستدعي الخروج على الأصل العام.
واقتصر المشروع على إعطاء حق الأخذ بالشفعة للشريك في الشيوع عندما تباع حصة شائعة من المال الشائع لغير الشركاء.
وإذا تزاحم الشفعاء بأن طلب أكثر من شريك أخذ الحصة المبيعة بالشفعة، فنظرًا إلى أن مركز كل منهما مماثل لمركز الآخر، فيكون استحقاق كل منهم للشفعة على قدر نصيبه بمعني أن تقسم الحصة المبيعة بين الشفعاء بنسبة أنصبتهم في الشيوع، وهذا ما نصت عليه المادة (892/ 2) من المشروع.
وعرض المشروع في المادة (893/ 1) للأحوال التي لا يجوز فيها ابتداء، الأخذ بالشفعة، أو لموانع الأخذ بالشفعة وهي:
أولاً: إذا تم البيع بالمزاد العلني وفقًا لإجراءات رسمها القانون، وهو حكم أخذت به كل القوانين المشار إليها، والعلة في منع الشفعة في هذه الحالة أن البيع يتم بطريقة يتاح معها للشفيع، إن كان يريد أخذ المبيع، أن يدخل في المزاد، والمنع من الشفعة يساعد على أن يتم البيع بأكبر ثمن ممكن لأنه يحمل كل راغب على التقدم للمزايدة.
ثانيًا: إذا وقع البيع بين الأصول والفروع، أو بين الزوجين أو بين الأقارب لغاية الدرجة الثانية، والعلة في المنع في مثل هذه الأحوال هي أن الصلة التي تربط البائع بالمشتري كثيرًا ما تؤثر في شروط البيع، بل قد تكون هي التي أدت بالبائع إلى البيع بحيث لولاها لما باع أو لما باع إلا بشروط أخرى، وقد اختلفت القوانين فيما يتعلق بالبيع للأقارب من الحواشي أو للأصهار، فالقانون التونسي يقصر المنع على حالة البيع بين الأصول والفروع أو بين الزوجين، والقانون المصري يمنع الأخذ بالشفعة أيضًا إذا كان البيع بين الأقارب لغاية الدرجة الرابعة والأصهار لغاية الدرجة الثانية، وقد وافقه في ذلك القانون الليبي، والقانون الصومالي، والقانون الجزائري، والقانون السوداني، والقانون الأردني، أما القانون العراقي فقد وافق القوانين السابقة فيما يتعلق بالبيع للحواشي ولكنه لم يذكر البيع للأصهار، وقد آثر المشروع هذا المسلك من حيث عدم ذكر البيع فيما بين الأصهار، ولكنه اقتصر في حالة البيع للأقارب على الدرجة الثانية، ذلك أن العلة في المنع من الأخذ بالشفعة لا تتحقق غالبًا إذا كان البيع لقريب أكثر من الدرجة الثانية.
ثالثًا: إذا اظهر الشفيع إرادته صراحةً أو ضمنًا، وقت البيع أو قبله، في أنه لا يرغب في الشراء بالشروط التي تم بها البيع. وقد آثر المشروع أن يجعل هذا مانعًا من الأخذ بالشفعة وليس سببًا لسقوط الحق فيها، لأن سقوط الحق لا يكون إلا بعد ثبوته وهو لا يثبت إلا على أثر البيع، أما النزول عن الحق بعد البيع فقد نص عليه المشروع بين أسباب السقوط، وحذا المشروع في تقرير هذا الحكم، مع ملاحظة الفرق في التأصل، حذو القوانين الحديثة كالقانون المصري الذي ينص على سقوط الحق في الأخذ بالشفعة إذا نزل الشفيع عن حقه هذا ولو قبل البيع (م 948) وكذلك القانون الليبي (952) والقانون العراقي (م 1134) والقانون الصومالي (م 756) والقانون الجزائري (م 807)، والقانون السوداني (760)، أما في الفقه الإسلامي فالنزول السابق على البيع لا يسقط الحق في الأخذ بالشفعة لأن الحق لا يوجد قبل البيع فلا يجوز إسقاطه قبل وجوده.
ونصت الفقرة الثانية على أنه لا يجوز للوقف أن يأخذ بالشفعة وهو حكم نصت عليه المجلة (م 1017، 1018) وكذلك قوانين بعض البلاد العربية (المصري م 939، الليبي م 943 مع تحفظ، السوداني م 751، الأردني م 1159).
وتعرض المادة (894) للحالة التي يشتري فيها شخص شيئًا يجوز الشفعة فيه، ثم يبيعه قبل أن يعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، أو حتى بعد الإعلان ولكن قبل أن يصبح الإعلان حجة على الغير، وفي هذه الحالة يكون البيع الثاني ساريًا في حق الشفيع فلا يجوز له الأخذ بالشفعة إلا من المشتري الثاني وبالشروط التي اشترى بها، ونص المادة موافق لحكم القانون المصري (م 938) والقوانين التي حذت حذوه (الليبي م 942، السوداني 750، الجزائري م 797). ولم يرَ المشروع الأخذ بحكم القانون العرقي الذي يجعل مناط الأخذ من المشتري الثاني أن يكون البيع الثاني قد تم قبل أن يدعي الشفيع بالشفعة (م 1137) لأن هذا قد يسهل التحايل لحرمان الشفيع من الأخذ بالشفعة، كما لم يأخذ المشروع بحكم القانون الأردني الذي ينص على أنه إذا اشترى شخص عينًا تجوز الشفعة فيها ثم باعها من آخر قبل أخذها بالشفعة، فللشفيع أخذها بالثمن الذي قام على المشتري الأول، وللمشتري الثاني أن يسترد الفرق من المشتري الأول إن وُجد " م 1154 " فهذا الحكم ليس فيه حماية للمشتري الثاني حسن النية.
ويعرض نص المادة (895) لما يُعرف بعدم تجزئة الشفعة وهي مسألة آثر المشرع المصري أن يترك حكمها للقواعد العامة فلم يضع لها نصًا خاصًا، وكذلك فعلت القوانين التي حذت حذوه (الليبي، الصومالي والجزائري) في حين عرض لها القانون العراقي والقانون السوداني والقانون الأردني بالإضافة إلى نص المجلة.
وقد آثر المشروع أن يأخذ بحكم كل من القانون العرقي والقانون الأردني فنص على أنه " ليس للشفيع أن يأخذ بعض المبيع إلا إذا تعدد المشترون فله أن يأخذ نصيب بعضهم ويترك الباقي ".
إجراءات الشفعة:
يجب على الشفيع، حتى يأخذ المبيع بالشفعة، وفقًا لأحكام المجلة أن يطلب طلبات ثلاثة على التوالي: الطلب الأول ويسمى المواثبة، أن يقول كلامًا يدل على طلب الشفعة في المجلس الذي سمع فيه عقد البيع في الحال " م 1029 " فإذا أخر الشفيع طلب المواثبة سقط حقه " م 1032 "، والطلب الثاني، هو طلب التقرير والإشهاد، فيلزم الشفيع بعد طلب المواثبة أن يقول في حضور رجلين أو رجل وامرأتين عند المبيع أن فلانًا قد اشترى هذا العقار أو عند المشتري أنت قد اشتريت العقار الفلاني أو عند البائع إن كان العقار موجودًا في يده أنت قد بعت عقارك وأنا شفيعه بهذه الجهة وكنت طلبت الشفعة والآن أنا أيضًا أطلبها اشهدوا، وإن كان الشفيع في محل بعيد ولم يمكنه طلب التقرير والإشهاد بهذا الوجه يوكل آخر وإن لم يجد وكيلاً أرسل مكتوبًا " م 1030 " وإذا أخر الشفيع طلب التقرير والإشهاد مدة يمكن إجراؤه فيها ولو بإرسال مكتوب يسقط حق شفعته " م 1033 "، والطلب الثالث هو طلب الخصومة والتملك وذلك بأن يدعي في حضور الحاكم بعد طلب التقرير والإشهاد خلال شهر فلو تأخر من دون عذر شرعي يسقط حق شفعته " م 1031، 1034 ".
والواقع أن طلبات المواثبة والتقرير والإشهاد على هذا النحو لم تعد تلائم الظروف الحالية، ولهذا نجد قوانين البلاد العربية تنظم الإجراءات على نحو آخر، وهو ما سار عليه المشروع، والإجراءات التي ينبغي على الشفيع اتخاذها هي: إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة ثم إيداع الثمن، ثم رفع الدعوى، وثمة إجراء جوازي يقوم به البائع أو المشتري يهدف إلى وضع حد لموقف الشفيع هو الإنذار.
وقد بدأ المشروع النصوص الخاصة بإجراءات الشفعة " المواد من 896 إلى 898 " بنص المادة (896) بالإجراء الجوازي، وهو حق كل من البائع والمشتري في أن يوجه إلى الشفيع إنذارًا رسميًا يعلمه فيه بالبيع العلم الكافي ليحدد موقفه من الأخذ بالشفعة، ولذلك يجب أن يشتمل الإنذار على البيانات التي تمكن الشفيع من اتخاذ قراره فيما إذا كان يشفع أم لا، وإذا تم الإنذار صحيحًا، اعتبر الشفيع عالمًا بالبيع.
وبمقتضى المادة (897) يجب على الشفيع، إذا ما أراد الأخذ بالشفعة أن يعلن رغبته في ذلك بإعلان رسمي يوجه إلى كل من البائع والمشتري، وإعلان الرغبة هو أول إجراء يقوم به الشفيع ويقابل طلب المواثبة المنصوص عليه في المجلة، ولم يرَ المشروع أن يأخذ بحكم المجلة حيث يجب على الشفيع أن يقول ما يدل على طلب الشفعة في المجلس الذي سمع فيه بعقد البيع في الحال، وإنما رأى إعطاء مهلة معقولة للشفيع يتدبر فيها أمره، وقد كان على المشروع أن يختار بين أن تبدأ المهلة من تاريخ الإنذار الذي يوجه إليه من البائع أو المشتري وفقًا لنص المادة (907) كما فعل المشرع المصري " 940 " والقوانين التي حذت حذوه " العراق م 1138، والليبي م 944، والسوداني م 752، والجزائري م 799 " وبين أن تبدأ المهلة من وقت علم الشفيع بالبيع كما فعل القانون الصومالي " 749 "، وقد آثر المشروع هذا الحكم الأخير وهو الأقرب إلى حكم الشريعة الإسلامية، وإذا كانت ميزة حكم القانون المصري والقوانين التي حذت حذوه أنه يجنب المنازعات حول العلم، فمن حق كل من البائع والمشتري أن يوجه إنذارًا إلى الشفيع فيقطع كل نزاع حول علم الشفيع في الأقل ابتداءً من وقت الإنذار فبعد أن نص المشروع على واجب الشفيع في أن يعلن رغبته خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علمه، اعتبر الإنذار قرينة قاطعة على العلم، وفيما يتعلق بالمهلة التي أُعطيت للشفيع ليتدبر فيها أمره، اكتفى المشروع بخمسة عشرة يومًا محتذيًا حذو أكثر التشريعات العربية، ولم يرَ الأخذ بما ذهب إليه القانون الجزائري من جعلها ثلاثين يومًا ولوضع حد المنازعات حول إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، اشترط المشروع أن يكون إعلان الرغبة رسميًا وأن يوجه إلى كل من البائع والمشتري، وإلا سقط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة.
وقد عرض المشروع في الفقرة الثانية من النص لحجية الإعلان على الغير، كالمشتري من المشتري مثلاً وفي القوانين التي نظمت هذه المسألة وكلها تقصر الشفعة على حالة بيع العقار، يكون الإعلان حجة على الغير من وقت تسجيله، فلما اتسع نطاق الشفعة في الشروع ليشمل بيع العقار والمنقول، جعل الأصل في حجية إعلان الرغبة على الغير بعلمه بهذا الإعلان ثم نص بعد ذلك على أنه إذا كان المبيع عقارًا وسجل إعلان الرغبة فيكون التسجيل قرينة قاطعة على علم الغير بحيث يصبح إعلان الرغبة حجة على الغير من تاريخ التسجيل، حتى ولو لم يعلم به علمًا حقيقيًا، ويكون تسجيل إعلان الرغبة بالتأشير به على هامش تسجيل سند ملكية العقار المشفوع فيه.
وبعد إعلان الرغبة، يجب على الشفيع أن يقوم بإجراءين على التوالي، إيداع الثمن ثم رفع الدعوى، وقد نصت المادة (898) على أنه يجب على الشفيع أن يرفع الدعوى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان رغبته، وذلك بعد أن يودع خزانة إدارة التنفيذ كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع، وإلا سقط حقه، وإيداع الثمن كله هو مما سار عليه القانون المصري (م 942) والقوانين العربية الأخرى التي حذت حذوه " الليبي م 946 والسوداني " م 755 " والصومالي " م 750 " والجزائري " م 801 " بينما نص القانون العراقي على أنه يجب على الشفيع عند رفع الدعوى أن يودع ما يساوي نصف الثمن (م 1140)، أما القانون الأردني فلم ينص على ضرورة الإيداع وإنما أعطى المحكمة أن تمهل الشفيع شهرًا لدفع ما تطلب منه دفعه وإلا بطلت شفعته.
آثار الأخذ بالشفعة:
إذا سلم المشتري للشفيع بحقه في أخذ المبيع بالشفعة رضاء، فيكون الاتفاق على ذلك هو سند الشفيع فيما له من حقوق وما عليه من التزامات، وهذه مسألة لا تحتاج إلى نص.
أما إذا لم يتم الأخذ بالتراضي، وحكمت المحكمة بثبوت الشفعة للشفيع، فيكون الحكم النهائي الذي يصدر بذلك هو سند الشفيع فيما له من حقوق وما عليه من التزامات وهو ما نصت عليه المادة (899) ويختلف هذا النص عن نص القانون المصري " م 944 " والقوانين العربية الأخرى التي تأثرت به في أنه استبدل بعبارة " سندًا لملكية الشفيع " عبارة " سندًا لحقوق الشفيع والتزاماته " لأن هذه العبارة الأخيرة أشمل، وتفيد أن الحكم سند لملكية الشفيع كما أنه سند للحقوق الأخرى كالحق في الرجوع على البائع بالضمان.
وبعد أن حدد المشروع سند الشفيع فيما له من حقوق والتزامات بين في المادة (900) هذه الحقوق والالتزامات، فنص في الفقرة الأولى على أن يحل الشفيع قبل البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته وهو حكم أخذت به أكثر القوانين العربية " المصري م 945/ 1، والعراقي م 1142، الليبي م 949، التونسي م 112، السوداني م 757، الصومالي م 753، الجزائري م 804 ".
ثم استثنى النص حق المشتري في الانتفاع بالأجل فنص في الفقرة الثانية على أنه " ومع ذلك لا يحق له الانتفاع بالأجل الممنوح للمشتري في دفع الثمن إلا برضاء البائع " وهو استثناء معقول إذ قد يكون البائع قد قبل التأجيل لاعتبارات تخص المشتري وما كان ليقبل التأجيل لغيره، ولهذا لم يرَ المشروع وجهًا لمسلك القانون الصومالي الذي أسقط هذا الحكم " م 753 ".
وأخيرًا نص المشروع في الفقرة الثالثة على أنه إذا استحق المبيع للغير بعد أخذه بالشفعة فليس للشفيع أن يرجع إلا على البائع، وهذا الحكم يعتبر محض تطبيق لحكم الفقرة الأولى، وبالتالي كان يمكن الاستغناء عنه، ورُئي مع ذلك النص عليه أسوة ببعض التشريعات العربية " المصري 945، العراقي 1142، الليبي 949، السوداني 757، الصومالي 753 "، ولم يرَ المشروع وجهًا لمسلك القانون الجزائري الذي نص في المادة (804) على القاعدة العامة وهي حلول الشفيع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته ثم نص على أنه " ولا يرجع الشفيع على البائع إذا ما استرد الغير العقار بعد الشفعة " كما لم يرَ المشروع وجهًا لما نص عليه القانون الأردني من أنه وإذا استحق العقار للغير بعد أخذه بالشفعة فللشفيع أن يرجع بالثمن على من أداه إليه من البائع أو المشتري.
ويواجه نص المادة (901) الأحكام الخاصة بما قد يكون المشتري أحدثه من زيادة في المبيع، سواء كانت الزيادة بالبناء أو الغراس أو غير ذلك كعمل شيء من التحسينات التي لا يصدق عليها لفظ البناء، وقد حذا المشروع، في وضع المسألة، حذو المجلة التي تقول " إذا زاد المشتري ... " وكذلك نص القانون الأردني، ولم يقتصر على حالة البناء أو الغراس، كما تفعل كثير من التشريعات العربية " المصري م 946، العراقي 1143، الليبي 950، السوداني 758، الصومالي م 754، الجزائري م 805 ".
والنص يفرق بين فرضين: الأول أن يكون المشتري قد أحدث ما أحدثه قبل أن يعلنه الشفيع برغبته، والثاني أن يكون قد أحدثه بعد أن أعلنه الشفيع برغبته، وقد حرص المشروع أن تكون العبرة بإعلانه المشتري نفسه، وذلك على خلاف أكثر القوانين العربية التي تقول " إعلان الرغبة في الشفعة " وقد احتذى المشروع في ذلك بالقانون العراقي الذي يقول " قبل أن يبلغ بالرغبة في الأخذ بالشفعة ".
وفي الفرض الأول، والذي لا لوم فيه على المشتري، يلتزم الشفيع بما يختاره المشتري، وهو يختار طبعًا أكبر القيمتين، إما قيمة ما أنفقه أو قيمة الزيادة التي حدثت في المبيع بسبب ما أحدثه المشتري، وهذا هو حكم القانون المصري (م 946) والقانون الليبي (م 950) والقانون السوداني (م 758) والقانون الصومالي (م 754) والقانون الجزائري (م 805)، أما القانون العراقي فينص على إلزام الشفيع بما زاد في قيمة العقار بسبب البناء والغراس ولم يرَ المشروع الأخذ به لأنه قد يؤدي إلى خسارة للمشتري دون مبرر، وقريب من ذلك حكم القانون الأردني (م 1166/ 1).
وفي الفرض الثاني، أي عندما يكون المشتري قد أحدث ما أحدثه بعد أُعلن برغبة الشفيع، فيعامل المشتري معاملة الحائز سيئ النية، ولذلك يكون للشفيع أن يطلب الإزالة، وله أن يطلب استبقاء الزيادة ولم يرَ الشروع أن يقيد هذا الحق اكتفاءً بحكم القواعد العامة في عدم جواز التعسف في استعمال الحق، وله أيضًا أن يطلب استبقاء ما أحدثه المشتري، وفي هذه الحالة، وكذلك في حالة ما إذا كانت الإزالة غير مقبولة وفقًا للقواعد العامة، يلتزم الشفيع بأن يدفع للمشتري أقل القيمتين، قيمة ما أنفقه المشتري أو قيمة ما ترتب على الزيادة من ارتفاع في قيمة المبيع، ولم يرد المشروع أن يأخذ بحكم القانون المصري والقوانين التي حذت حذوه " الليبي، الصومالي، الجزائري " الذي يلزم الشفيع بدفع ما أن أنفقه المشتري دون أن يعطيه الخيار بين أقل القيمتين، كما لم يرَ المشروع الأخذ بحكم القانون العراقي (م 1143) الذي يلزم الشفيع بدفع قيمة البناء أو الغراس مستحقي القلع، وهو حكم القانون الأردني أيضًا " م 1166 " واستحسن المشروع حكم القانون السوداني " م 758/ 2 ".
وتعرض المادة (902) لمصير التصرفات التي تمت من المشتري ومدى سريانها في حق الشفيع، سواء كانت من التصرفات الناقلة لملكية كالبيع أو الهبة، أو كانت مما يرتب حقًا عينيًا آخر كالانتفاع أو الرهن.
وفي قوانين البلاد العربية، حيث تقتصر الشفعة على العقار دون المنقول، نجد بعد الدول تجعل مناط السريان أو عدم السريان هو كون التصرف قد تم أو أن الحق قد نشأ قبل أو بعد تسجيل إعلان الرغبة، باعتبار أن هذا التسجيل هو الذي يجعل إعلان الرغبة نافذًا في حق الغير " المصري 947، الليبي 951، السوداني 759، والصومالي 755، الجزائري 806 " ونظرًا إلى أن المشروع قد أجاز الشفعة في العقار والمنقول على السواء وبالتالي قد نص في المادة (897) على ألا يكون إعلان الرغبة حجة على الغير إلا إذا علم به، كما نص على اعتبار تسجيل إعلان الرغبة قرينة قاطعة على العلم، وذلك على نحو ما تقدم بيانه، نظرًا لهذا نص في المادة (902) على ألا يسري في حق الشفيع أي تصرف ناقل للملكية صدر من المشتري، ولا أي حق عيني رتبه أو ترتب ضده إذا كان كل ذلك قد تم بعد التاريخ الذي أصبح فيه إعلان الرغبة حجة على الغير وفقًا للمادة (897)، ولم يرَ المشروع الأخذ بحكم القانون العراقي (م 1144) الذي ينص على عدم السريان إذا كان التصرف أو الحق قد تم بعد تبليغ الرغبة في الأخذ بالشفعة، لأن هذا الحكم لا يضع أي اعتبار لحماية الغير. كما لم يرَ الشروع الأخذ بحكم القانون الأردني الذي يجعل مناط عدم السريان هو كون التصرف أو الحق قد تم بعد رفع الدعوى، لأن هذا قد يسهل العمل على تعطيل حق الشفيع في الأخذ بالشفعة. وإذا فرض ونشأت على المشتري ديون مقيدة ولم تنفذ في حق الشفيع حماية للشفيع نفسه، فليس ثمة ما يمنع من أن يبقى للدائنين حقوقهم في الأولوية على ما يؤول إلى المشتري من ثمنه وهو ما نص عليه المشروع في الفقرة الثانية، وهو حكم معقول نصت عليه قوانين البلاد العربية محل المقارنة.
سقوط الشفعة:
عرض المشروع في المادة (903) لأسباب سقوط الحق في الشفعة فنص على سقوط الحق إذا نزل الشفيع عنه صراحةً أو ضمنًا، وقد سبق أن نص المشروع على أنه لا شفعة إذا أظهر الشفيع إرادته صراحةً أو ضمنًا وقت البيع أو قبله في أنه لا يرغب في الأخذ بالشفعة، أما إذا ظهرت مثل هذه الإرادة بعد البيع فهذا هو النزول عن الحق لأن النزول لا يكون إلا بعد وجود الحق وهو لا يوجد إلا على أثر البيع.
كما قرر النص سقوط الحق إذا لم يعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة خلال ثلاثة أشهر من يوم تسجيل البيع إذا كان المبيع عقارًا، فإذا سجل بيع العقار تكون فرصة العلم به قد أُتيحت ليعلم الشفيع وبالتالي يسقط حقه في الأخذ بالشفعة إذا لم يعلن رغبته خلال مدة معينة، وقد اختفت التشريعات العربية في مقدار هذه المدة فهي في القانون المصري أربعة أشهر وفي القانون السوداني ستة أشهر (م 948) وفي كل من القانون الليبي (م 952) والقانون الجزائري (م 807) سنة.
وبالإضافة إلى هذين السببين من أسباب النزول فحق الشفيع يسقط في أحوال أخرى ورد النص عليها في المواد السابقة فهو يسقط إذا لم يعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة خلال خمسة عشر يومًا من وقت علمه بالبيع (م 897) كما يسقط حقه إذا لم يودع كل الثمن الحقيقي أو لم يرفع الدعوى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان رغبته (م 898).
وعرض المشروع بنص المادة (904) لمسألة أثر موت الشفيع وهل يسقط الحق في الأخذ بالشفعة أم ينتقل الحق إلى ورثته، وهذه مسألة خلافية في فقه الشريعة الإسلامية، فذهب الشافعي ومالك إلى أن حق الشفعة يورث فيحل الوارث محل مورثة ومالك إلى أن حق الشفعة يورث فيحل الوارث محل مورثه لأنه حق متعلق بالمال وقد ثبت لصاحبة بسبب ما يملك من عقار فإذا انتقل ذلك العقار إلى الوارث انتقل إليه بحقوقه، وذهب أحمد إلى أنه يورث إذا ما تقرر بالمطالبة لتأكده وتحققه حينئذٍ أما قبل المطالبة فلا يورث، أما عند الحنفية فحق الشفعة لا يورث إذا هو إرادة ومشيئة والوارث لا يرث مورثه في رغباته لأنها صفات شخصية.
وقد كان لهذا الخلاف أثره في موقف القوانين العربية من هذه المسألة، فعندما وضع المشروع التمهيدي المصري نص فيه صراحةً على انتقال الحق في الشفعة إلى الورثة، ولما ثار الخلاف حول هذه المسألة انتهى الأمر بتركها لاجتهاد القضاء فجاء القانون خاليًا من النص على حكم فيها، وقد حذا حذو القانون المصري بعض القوانين العربية فلم تعرض للمسألة بنص (الليبي، السوداني، الصومالي، الجزائري)، في حين نصت بعض القوانين الأخرى (العراقي، الأردني، التونسي) على انتقال الحق إلى الورثة، وهذا هو الاتجاه الذي رأى الشروع الأخذ به فنص في المادة (904) على أنه " لا يسقط الحق في الأخذ بالشفعة بموت الشفيع وإنما ينتقل إلى الورثة
رابعًا: الحيازة:
( أ ) تعريف الحيازة وأركانها:
يتضمن نص المادة (905) تعريفًا للحيازة، ولم يسلك المشروع مسلك القانون المصري الذي لم يضع تعريفًا تشريعيًا تاركًا مسألة التعريف للفقه، وهو المسلك الذي سلكته بعض التشريعات العربية الأخرى تأثرًا بالقانون المصري، وآثر الشروع مسلك التشريعات الأخرى في وضع تعريف تشريعي (العراقي م 1145، التونسي م 38، السوداني م 761/ 1، الصومالي م 757/ 1، الأردني م 1171/ 1)، بالإضافة إلى مجلة الأحكام العدلية التي تعرف ذا اليد، أي الحائز في المادة (1679)، وقد آثر المشروع هذا المسلك عملاً على ضبط فكرة الحيازة.
وقد عرف المشروع الحيازة بأنها: " سيطرة شخص، بنفسه أو بواسطة غيره، على شيء مادي ظاهر عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، بأن يباشر عليه الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق "، والعبارة الأخيرة توضح عبارة " ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر ".
وبهذا التعريف تنضبط فكرة الحيازة فهو يبين أولاً أن قوام الحيازة السيطرة على شيء مادي، وقد يكون الشيء عقارًا وقد يكون منقولاً، ولكن الحيازة لا ترد إلا على الأشياء المادية، وهو الرأي السائد، فلا ترد على الأشياء غير المادية كالمصنفات الفنية، ولا على الديون، فمن يطلق عليه الدائن الظاهر ليس حائزًا للدين بالمعنى الفني للحيازة وما يترتب عليها من آثار، مع ملاحظة أن الديون الثابتة في سندات لحمالها تندمج في السندات وهي أشياء مادية وتعتبر حيازة السند حيازة للدين تنطبق عليها أحكام الحيازة.
ويبين التعريف أن السيطرة قد يباشرها الحائز بنفسه وقد يباشرها بواسطة غيره، وقد بينت المادة (908) متى تكون الحيازة بواسطة الغير.
كما يبين التعريف أن السيطرة تكون بالظهور على الشيء بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، فاستبعد الشروع ما قيل من أن الحيازة تتحقق حتى بالنسبة للحقوق الشخصية " المادة (1398) من المشروع التمهيدي للقانون المصري ومذكرتها الإيضاحية ". والظهور بمظهر صاحب الحق يكون بمباشرة الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق، فيجب أن يباشر الحائز أعمالاً مادية كالبناء على الأرض أو إحداث تعديلات في الشيء أو المرور في أرض الجار، أما التصرفات القانونية كالبيع والتأجير فلا تكفي بذاتها للدلالة على السيطرة، وهي الركن المادي للحيازة، إذ يمكن أن يقوم بها من لا يسيطر، ويجب أن يباشر الحائز الأعمال التي تتحقق بها سيطرته على الشيء كما يباشرها عادة صاحب الحق وهذه مسألة موضوعية يقدرها القاضي بحسب الظروف والتعريف يكشف عن ضرورة توفر ركني الحيازة، الركن المادي ويتمثل في السيطرة المادية على الشيء، ويمكن أن يتحقق هذا الركن بسيطرة الحائز بنفسه كما يتحقق بسيطرته بواسطة غيره. والركن الثاني هو الركن المعنوي، وهو ما تعبر عنه عبارة " ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر "، وبذلك لا يعتبر حائزًا بالمعنى القانوني من يسيطر على الشيء لا لحساب نفسه ولكن لحساب غيره كالمستأجر والمستعير والتابع، وهو الذي يطلق عليه الحائز العرضي، والركن المعنوي، على خلاف الركن المادي، يجب أن يتحقق لدى الحائز نفسه، فيما عدا حالة ما إذا كان الحائز عديم الأهلية أو ناقصها فيمكن أن يتحقق لدى من ينوب عنه قانونًا (م 909).
وبعد أن وضع المشروع تعريف الحيازة، عرض في المواد من (906) إلى (916) للمسائل التي تتعلق بأركانها مما يحتاج إلى نص، وذلك على النحو التالي:
عرضت المادة (906) لأشياء لا تصح حيازتها، وبالتالي فمهما سيطر عليها الشخص، وبأية صفة كانت السيطرة، لا يعتبر حائزًا بالمعنى القانوني، وهي الأشياء المملوكة للدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية العامة سواء كانت الملكية عامة أم خاصة،  وعرضت المادة (907) لأعمال قد يباشرها الشخص على الشيء ولا تكفي لاعتباره حائزًا، أولها الأعمال التي تعتبر من المباحات فإذا بنى شخص جدارًا على حافة ملكه وفتح فيه فتحة تطل على ملك جارة مما يبيحه القانون فلا يعتبر حائزًا لحق ارتفاق على ملك جاره، لأن حيازة الارتفاق على ملك الجار لا بد أن تتضمن تعديًا على هذا الملك والعمل المباح لا يتضمن أي تعدٍ، وكذلك لا تقوم الحيازة على عمل يأتيه الشخص على ملك غيره على سبيل التسامح من هذا الغير، لانتفاء الركن المعنوي للحيازة فالتسامح يفيد الترخيص من المالك، وبالتالي لا يمكن القول إن من يباشر هذه الأعمال يظهر بمظهر المالك أو صاحب الحق العيني، فلا يعتبر حائزًا من يمر من أرض جاره تسامحًا من الجار مراعاةً منه لما يقتضيه الجوار من حسن العلاقات بين الجيران ولا يعتبر حائزًا الابن الذي ينتفع بملك أبيه تسامحًا من الأب وهكذا.
والسيطرة على الشيء وهي قوام الركن المادي للحيازة كما يمكن أن يباشرها الحائز بنفسه، يمكن أن يباشرها بوساطة غيره، كما يتضح من تعريف الحيازة الوارد في المادة (905)، وقد نصت المادة (908) على أن " تكون الحيازة بالواسطة متى كان الوسيط يباشر السيطرة على الشيء باسم الحائز " ففي هذه الحالة يكون الحائز هو من تباشر السيطرة باسمه، أما الوسيط فليس جائزًا بالمعنى القانوني للحيازة ويطلق عليه الحائز العرضي، فلا تكون له إلا الحيازة المادية، ومثاله المستأجر والمستعير ومن تركه غيره يستعمل الشيء تسامحًا منه.. إلخ. هذا ولم ينقل نص المشروع العبارة الواردة في نص المادة (951) مصري والقوانين العربية الأخرى التي تأثرت به في شأن تحديد من يباشر الحيازة باسم غيره وهي " ... وكان متصلاً به اتصالاً يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة " لأن هذه العبارة تحصر الوسيط فيمن يكونون تابعين وهو غير صحيح فالمسلم أن الوسيط كما يكون تابعًا يمكن أن يكون ممن لا يصدق عليهم هذا الوصف كصاحب الانتفاع الذي يحوز، بالنسبة للملكية باسم غيره، وكذلك المستأجر، وقد اقتدى المشروع، في استبعاد تلك العبارة، بالقانون السوداني " م 763 ".
وإذا ثار الشك حول ما إذا كان الذي يباشر السيطرة يباشرها لنفسه وبالتالي يكون هو الحائز أم يباشرها باسم غيره فيكون حائزًا عرضيًا فنكون بصدد مسألة إثبات يسري عليها حكم المادة (913) وبوجه خاص العبارة الأخيرة من النص وهي "..... فإن كانت هذه السيطرة قد انتقلت من حائز سابق افترض أنها لحساب من انتقلت منه ".
وإذا كان الركن المادي للحيازة يمكن أن يباشره الحائز بواسطة الغير على النحو السابق، فالركن المعنوي يجب بحسب الأصل، أن يتوفر لدى الحائز نفسه فيجب أن تتوفر لدى الحائز نفسه نية الظهور بمظهر صاحب الحق على الشيء الذي يسيطر عليه، ولا يستثنى من هذا الأصل إلا حالة ما إذا كان الحائز غير كامل الأهلية كالصبي دون السابعة والمجنون والصبي المميز، فيمكن أن يتحقق الركن المعنوي لدى الولي أو الوصي أو القيِّم، وقد عرض المشروع لهذا الحكم في المادة (909) التي تنص على أنه " يجوز لعديم الأهلية أو ناقصها أن يكسب الحيازة عن طريق من ينوب عنه قانونًا، ولم يرَ المشروع وجهًا لما ذهب إليه المشروع المصري والقوانين التي تأثرت به من قصر الحكم على غير المميز.
وإذا كان من يحوز باسم غيره، كالتابع والمستأجر لا يعتبر حائزًا بالمعنى القانوني، فيمكن أن تتغير صفة حيازته من حيازة عرضية إلى حيازة قانونية، ولكن لا يكفي لإحداث هذا التغير أن تتغير نية الحائز العرضي، بل يجب أن يتخذ التغيير مظهرًا خارجيًا كافيًا لإزالة الصفة السابقة، وهي كونه حائزًا عرضيًا وإحلال الصفة الجديدة محلها، وهذا ما نص عليه المشروع في المادة (910) التي تنص على أنه ليس لمن يحوز باسم غيره أن يغير بنفسه لنفسه صفة حيازته، ولكن تتغير هذه الصفة إما بفعل الغير وإما بفعل من الحائز يعتبر معارضة لحق من كان يحوز باسمه، ولا تبدأ الحيازة بصفتها الجديدة إلا من وقت الفعل الذي أحدث التغيير.
وقد حرص المشروع أن يضع هذا الحكم مع النصوص الخاصة بأركان الحيازة، على خلاف القانون المصري والقوانين التي تأثرت به حيث يوجد مع النصوص الخاصة بالتقادم، (972) مصري، (921) سوري، (1160) عراقي، (976) ليبي، (49) تونسي، (779) صومالي، (783) سوداني، (831) جزائري، (1185) أردني.
برغم أن أثر تغير الصفة، أو سند الحيازة، لا يقتصر أثره على التقادم وإنما يمتد إلى الحيازة في كل ما يتعلق بوجودها وكافة الآثار التي تترتب عليها وقد اقتضى تغيير موضع النص اختلاف في الصياغة بحيث لا يكون الحكم مقصورًا على التقادم، ويعرض نص المادة (911) لشرط لازم حتى يترتب على الحيازة آثارها وهو شرط خلوها من العيوب، والحيازة، وإن كانت معيبة، فهي موجودة، وقد تترتب عليها بعض الآثار، فنصت المادة على أنه " إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أُخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب " وهو نص مطابق لنص القانون المصري (م 949 / 2).
والمسلم أن وجود عيب من العيوب المذكورة وهي الإكراه والخفاء واللبس، لا يمنع من وجود الحيازة، بل ولا يمنع من ترتب بعض الآثار ذلك أن هذه العيوب نسبية فلا تمنع الحيازة من ترتيب آثارها إلا بالنسبة لمن وقع عليه الإكراه أو أُخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها وبالتالي فقد يترتب على الحيازة أثرها وذلك في مواجهة غير هؤلاء الأشخاص. كما أن هذه العيوب مؤقتة فيمكن أن تزول فتصبح الحيازة صالحة لترتيب آثارها.
والحيازة تقتضي بالضرورة شيئًا من الاستمرار طال الزمن أم قصر، ولما كان من بين الآثار التي تترتب عليها ما يقتضي ترتبه أن تكون قد استمرت مدة معينة وقد يثور الشك حول استمرارها طوال المدة التي يتطلبها القانون، لهذا وضع المشروع في المادة (912) قرينة على استمرار الحيازة بالنص على أنه " إذا ثبت قيام الحيازة في وقت معين وفي وقت سابق معين اعتبرت قائمة بين الوقتين ما لم يثبت العكس " وقد رُئي هنا أيضًا وضع هذه القرينة بين النصوص المتعلقة بالحيازة ذاتها لتعلقه بوجودها وذلك على خلاف النصوص التي وضعتها بين النصوص الخاصة بالتقادم برغم أن مسألة إثبات استمرار الحيازة تثور في مسائل أخرى مثل إثبات مضي مدة الثلاث سنوات عند رفع دعوى من دعاوى الحيازة.  
2 - إثبات الحيازة:
بعد أن عرض المشروع لأركان الحيازة وضع في المادة (913) قاعدة خاصة بإثبات الحيازة فنص على أنه " إذا تنازع أشخاص متعددون على الحيازة، افتُرض أن من يباشر السيطرة المادية هو الحائز إلى أن يثبت العكس، فإن كانت هذه السيطرة قد انتقلت من حائز سابق افترض أنها لحساب من انتقلت منه ".
ويضع هذا النص أولاً قرينة على أن من يباشر السيطرة المادية، وهي الركن المادي للحيازة، إنما يباشرها لنفسه لا لغيره فهي قرينة على وجود الركن المعنوي للحيازة، يجوز إثبات عكسها كأن يثبت من ينازعه أنه مستأجر أو مستعير أو أنه تركه يباشر الأعمال المادية تسامحًا منه، ثم وضع المشرع قرينة أخرى لمصلحة من يريد إثبات عكس القرينة الأولى، فإذا أثبت أن الحيازة كانت له وأن السيطرة المادية قد انتقلت منه افترض أن تلك السيطرة لحسابه هو، وهذه أيضًا قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس كأن يثبت من له السيطرة المادية أنه اشترى الشيء من حائزه السابق.
3 - حسن وسوء نية الحائز:
وبعد الانتهاء من أركان الحيازة وإثباتها عرض المشروع في المواد (من 914 إلى 916) لصفة الحيازة من حيث حسن أو سوء نية الحائز وهي صفة تؤثر من بعض النواحي فيما يترتب على الحيازة من آثار.
فبدأت المادة (914) ببيان متى يعتبر الحائز حسن النية، فذكرت أنه يعتبر كذلك إذا كان يجهل أنه يعتدي على حق للغير، إلا إذا كان هذا الجهل ناشئًا عن خطأ جسيم، وواضح من هذا أن المعيار الأساسي في تحديد النية هو معيار شخصي فيعتد بعلم أو جهل الحائز شخصيًا، لكن يكمل هذا المعيار الشخصي معيار آخر موضوعي إذ ينتفي حسن النية ولو كان الحائز شخصيًا يجهل أنه يعتدي على حق للغير إذا كان هذا الجهل ناشئًا عن خطأ جسيم وتقدير جسامة الخطأ تقدير موضوعي فهو الخطأ الذي لا يقع فيه الشخص المهمل قليل العناية، ونظرًا إلى أن اغتصاب الحيازة بالإكراه يعتبر خطأ جسيمًا فينتفي معه حسن النية حتى ولو كان الحائز يعتقد وهو يفعل ذلك أنه صاحب حق، قرر المشروع هذا الحكم في الفقرة الثانية من المادة (915) الخاصة بسوء نية الحائز.
وفيما يتعلق بإثبات نية الحائز وضع المشروع في الفقرة الثانية من النص قرينة على حسن النية، وهي قرينة بسيطة يجوز لمن يدعي أن الحائز سيئ النية أن يثبت عكسها، هذا وقد تحفظ النص عقب وضع هذه القرينة فقال: " ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " فقد يعتبر المشرع الحائز سيئ النية في ظروف معينة كما هي الحال بالنسبة للخلف العام للحائز.
فإذا كان سلفه سيئ النية افترض أنه هو كذلك سيئ النية إلى أن يثبت العكس (م 917).
وإذا كان الأصل هو اعتبار الحائز حسن النية، إلى أن يثبت العكس وفقًا لما نصت عليه المادة (914)، فيبقى تحديد متى يصبح الحائز سيئ النية، وهو ما عرض له نص المادة (915) وبمقتضاه يصبح الحائز سيئ النية: أولاً: إذا ثبت علمه الحقيقي بأن حيازته اعتداء على حق الغير ويكون سوء نيته من وقت هذا العلم، وثانيًا: إذا رُفعت عليه دعوى تفيد أن الحق الذي يدعيه على الشيء الذي يحوزه ليس له، فيعتبر سيئ النية من وقت إعلانه بصحيفة الدعوى ولو بقي على ما هو عليه معتقدًا أنه صاحب حق، هذا بالإضافة إلى ما سبق أن ذكرناه من أنه يعتبر سيئ النية إذا ثبت أنه اغتصب الحيازة بالإكراه من غيره حتى ولو كان يعتقد وقت الغصب أنه صاحب حق، ونظرًا إلى أن صفة الحيازة قد تتغير، وبخاصة من حيث حسن أو سوء نية الحائز، فقد نصت المادة (916) على أن: " تبقى الحيازة محتفظة بالصفة التي بدأت بها وقت كسبها إلى أن يثبت العكس ".
4 - انتقال الحيازة:
بعد أن نظم المشروع أركان الحيازة وإثباتها وصفتها من حيث حسن النية أو سوء نية الحائز، عرض في المواد (من 917 إلى 921) لانتقالها من الحائز إلى من يخلفه فيها سواء كان الخلف عامًا أو خاصًا.
فبدأ في المادة (917) بالنص على انتقال الحيازة من الحائز إلى خلفه العام، والمسلم أن يد الخلف العام هي استمرار ليد سلفه، فإذا كان السلف حائزًا بالمعنى القانوني أي حيازة مستكملة لركنيها المادي والمعنوي، اعتبر الخلف العام كذلك، وإذا كان يحوز لحساب غيره، أي كان ما يسمى الحائز العرضي، اعتُبر الخلف العام كذلك، وإذا كان السلف حائزًا حسن النية أو كان سيئ النية انتقلت حيازته إلى خلفه بهذه الصفة، ولكن إذا كان السلف سيئ النية بأن كان يعلم أن حيازته اعتداء على حق الغير وكان الخلف يجهل ذلك وأثبته كان له أن يتمسك بحسن نيته هو.
ثم عرضت المادة (918) لانتقال الحيازة بمقتضى الاتفاق بين الحائز وغيره، الذي يعبر عنه الفقهاء عادةً بالخلف الخاص، فنصت على أن تنتقل الحيازة من الحائز إلى غيره إذا اتفقا على ذلك وأصبح في استطاعة هذا الغير أن يسيطر على الشيء ولو لم يتسلمه تسلمًا ماديًا، فيجب أولاً أن يكون هناك اتفاق على نقل الحيازة والمقصود هو نقلها بركنيها المادي والمعنوي، كما لو كان الاتفاق بيعًا أو هبة، ويجب ثانيًا أن تنتقل السيطرة على الشيء إلى الخلف أو في الأقل القدرة على السيطرة بمعنى أن يكون في استطاعته مباشرة الأعمال المادية التي يباشرها عادةً صاحب الحق الذي اتفق على نقله دون عائق.
وإذا كان انتقال الركن المعنوي للحيازة يُستخلص من الاتفاق، فالركن المادي ينتقل إلى الخلف إما بتسلم الشيء تسلمًا ماديًا بحيث تتحقق له السيطرة الفعلية وإما بما يسمى التسليم الحكمي أو بما يسمى التسليم الرمزي، وقد عرض المشروع في المادتين (919 و920) لهاتين الصورتين الأخيرتين للتسليم.
فعرضت المادة (919) لما يسمى بالتسليم الحكمي، فنصت على أنه يجوز أن يتم نقل الحيازة دون تسليم مادي إذا استمر الحائز واضعًا يده لحساب من يخلفه في الحيازة، أو استمر الخلف واضعًا يده ولكن لحساب نفسه، والنص يعرض لصورتين: الأولى أن يستمر السلف، بعد العقد واضعًا يده ولكن لحساب الخلف كأن يبيع الحائز الشيء ويتفق مع المشتري في الوقت نفسه على أن يستأجره فيصبح مستأجرًا يحوز لحساب المشتري أي الخلف في الحيازة، والصورة الثانية أن يكون الخلف، قبل الاتفاق على نقل الحيازة واضعًا يده لحساب السلف كالمستأجر ويتفق على أن يشتري الشيء فيستمر واضعًا يده لحساب نفسه، فيصبح حائزًا بعد أن كان يحوز لحساب السلف أي بعد أن كان حائزًا عرضيًا.
وعرضت المادة (920) لما يسمى التسليم الرمزي، ولم يكتفِ المشروع بالنص على أهم تطبيقات هذه الصورة من صور التسليم كما فعلت بعض التشريعات العربية " المصري 954، السوري 913، الليبي 958، السوداني 766، الصومالي 762، الجزائري 813 " وإنما بدأ بوضع قاعدة عامة فنص في الفقرة الأولى على أنه " يجوز أن يتم نقل الحيازة إذا تسلم الخلف ما يمكنه من التسلم المادي للشيء ".
ثم عرض المشروع في الفقرة الثانية لتطبيق هذه القاعدة في أهم حالاتها العملية، وهي الحالة التي نصت عليها التشريعات العربية المذكورة، فنص على أنه " وبوجه خاص، فتسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها، على أنه إذا تسلم شخص هذه المستندات وتسلم آخر البضاعة ذاتها وكان كلاهما حسن النية فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضاعة "، وتفضيل من تسلم البضاعة على من تسلم السندات مشروط بأن يكون كما يظهر من النص، حسن النية أي لا يعلم بسبق تسليم المستندات إلى غيره، فإن كان سيئ النية فيجب تفضيل من تسلم المستندات ما دام حسن النية فيعتبر هو الحائز، ومن صياغة النص يتضح أن القاعدة تتسع لغير الحالة المنصوص عليها بوجه خاص، ولهذا يعتبر حائزًا من تسلم مفتاح المخزن الموجودة به البضاعة أو تسلم مشتري المنزل المفاتيح التي تمكنه من شغله وهكذا.
وقد ذكرنا أن حيازة الخلف العام تُعتبر استمرارًا لحيازة السلف وهو ما يعني أن تنتقل الحيازة من وقت بدئها إلى الخلف، فإذا اقتضى الأمر حساب مدة الحيازة فتبدأ المدة وقت بدء حيازة السلف، أما الحيازة التي تنتقل من الحائز إلى غيره بالاتفاق فهي حيازة جديدة، قد تماثل حيازة السلف في صفاتها وقد تختلف عنها ومع ذلك فإذا كانت مصلحة الخلف في ضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته، فله ذلك وفقًا لنص المادة (921) من المشروع، مع ملاحظة أنه عند الضم يُنظر إلى الحيازة التي انضمت بصفاتها كما كانت عند السلف.
5 - زوال الحيازة:
تقوم الحيازة، كما سبق البيان، على ركنين، المادي والمعنوي، ولذلك فهي تزول بزوال الركنين معًا أو بزوال أحدهما فتزول الحيازة عن الحائز إذا فقدت الركنين معًا وذلك في حالتين: الأولى حالة ما إذا نقل الحائز حيازته إلى غيره بالاتفاق على نحو ما ورد في النصوص المتعلقة بانتقال الحيازة، كما لو باع الحائز الشيء الذي يحوزه باعتباره مالكًا وسلمه إلى المشتري، والحالة الثانية إذا ما تخلى الحائز عن الشيء بنية تركه، دون أن ينقل حيازته إلى غيره، وزوال الحيازة بفقد الركنين معًا لا يحتاج إلى نص.
وقد تزول الحيازة بفقد الركن المادي وحده، وقد عرض المشروع بنص المادة (922) لهذا فبدأ في الفقرة الأولى من النص بالقول " تزول الحيازة إذا تخلى الحائز عن سيطرته الفعلية على الشيء أو فقد هذه السيطرة بأية طريقة أخرى " فالأصل أن تزول الحيازة بمجرد فقد السيطرة الفعلية، ولكن إذا كان الذي حال دون الحائز والسيطرة الفعلية مانعًا وقتيًا فإن كان هذا المانع قوة قاهرة كفيضان أو حرب حالت دونه والسيطرة على الشيء فلا يترتب على هذا المانع زوال الحيازة بل تبقى ما بقي المانع قائمًا، وقد يكون المانع هو أن شخصًا آخر قد حاز الشيء، ويكون للحائز الذي فقد حيازته أن يستردها وفقًا للقانون، وذلك بدعوى استرداد حيازة العقار التي نظمها المشروع بالمواد (924 و925 و926) فإذا استعمل من فقد الحيازة حقه في الاسترداد واسترد الحيازة فعلاً فتعتبر حيازته مستمرة وكأنها لم تفقد.
6 - آثار الحيازة:
بعد أن عرض المشروع للحيازة في ذاتها انتقل إلى بيان ما يترتب عليها من آثار، فبين أولاً: أثر الحيازة من حيث اعتبارها قرينة على الحق، وثانيًا: حماية الحيازة ذاتها بدعاوى الحيازة الثلاث، ثم عرض لأثر الحيازة في كسب الحائز الثمار وفي استرداد ما أنفقه من مصروفات وأحكام تحمل تبعه هلاك الشيء وأخيرًا لأثر الحيازة التي تستمر فترة من الزمن باعتبارها دليلاً على وجود الحق يمكن الحكم للحائز بمقتضاه بالحق وأثر حيازة المنقول بسبب صحيح وحسن نية.
وأول الآثار التي تترتب على الحيازة هو اعتبارها قرينة على وجود الحق الذي يظهر الحائز بمظهر صاحبه، بل إن هذا الاعتبار هو أهم الأسس التي تقوم عليه كافة الآثار الأخرى ابتداءً من حماية الحيازة في ذاتها بدعاوى الحيازة إلى ما قد يترتب على الحيازة من آثار أخرى، ولهذا بدأ المشروع بتقرير هذه القرينة فنص في المادة (923) على أن " من حاز شيئًا ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، اعتُبر هو المالك أو صاحب الحق ما لم يثبت العكس " فما دام الظاهر أن الحائز هو صاحب الحق فالقانون يفترض أن هذا الظاهر يمثل الحقيقة وعلى من يدعي خلافه أن يثبت ما يدعيه، ولا تقتصر فائدة هذه القرينة على تحقيق مصلحة الحائز الذي قد يكون غير صاحب حق، وإنما تحقق أيضًا مصلحة صاحب الحق نفسه وكثيرًا ما يكون الحائز هو صاحب الحق، فبمقتضاها يعفى من تقديم دليل الإثبات لوجود حقه إذا ما نازعه غيره في وجود هذا الحق وعلى من ينكر عليه حقه أن يثبت ما يدعيه.

دعاوى الحيازة:
دعاوى الحيازة وهي دعوى استرداد الحيازة ودعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة، هي دعاوى لحماية الحيازة في ذاتها أي سواء كان الحائز صاحب حق على الشيء الذي يحوزه أم لا، ولذلك فالحكم الذي يصدر في دعوى من هذه الدعاوى هو حكم وقتي، وهذه الدعاوى تحمي حيازة العقار دون حيازة المنقول.
( أ ) دعوى استرداد الحيازة:
دعوى استرداد الحيازة هي التي يرفعها الحائز الذي سُلبت منه الحيازة بطريقة تُعتبر اعتداءً على هذه الحيازة، سواء بالقوة أو بغير القوة علنًا أو خفية وهي تُرفع على من سلب الحيازة بنفسه وكذلك على من انتقلت إليه الحيازة ممن سلبها.
وقد وضع المشروع القاعدة العامة في المادة (924) التي تنص في فقرتها الأولى على أن " لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال الثلاث سنوات التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان الثلاث سنوات من وقت انكشافه " ومن النص يتضح أن كل حائز له أن يرفع الدعوى مع ملاحظة أن الحماية التي يسبغها القانون على الحيازة بتقرير حق الحائز في رفع الدعوى، وكذلك دعاوى الحيازة الأخرى، هي من الآثار التي تترتب على الحيازة وبالتالي لا بد أن تكون الحيازة غير معيبة بالنسبة لمن تُرفع عليه الدعوى تطبيقًا لنص المادة (911)، ويستوي بعد ذلك أن يكون الحائز الذي يرفع الدعوى حسن النية أو سيئ النية كما لا يشترط وفقًا لهذا النص أن تكون الحيازة قد استمرت مدة معينة. ولكن الدعوى يجب أن تُرفع خلال ثلاث سنوات تبدأ من وقت فقد الحيازة إذا حدث ذلك علنًا أو من وقت انكشاف فقدها إذا حدث خفية.
ولا يقتصر الحق في رفع الدعوى على الحائز نفسه، وإنما يجوز أن يرفعها من يحوز لحساب غيره، وهو من يطلق عليه الحائز العرضي كالمستأجر والمستعير، وكذلك من يباشر السيطرة على الشيء على سبيل التسامح من صاحب الحق وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من النص.
وإذا كان الأصل أن الحائز له أن يسترد الحيازة التي فقدها أيًا كانت المدة التي استمرت خلالها حيازته، كما يتضح من نص المادة (924) فثمة حالة لا يستطيع من فقد الحيازة أن يستردها لاعتبارات عملية وهي الحالة التي نصت عليها المادة (925) ويشترط حتى يمتنع الاسترداد: أولاً: أن تكون حيازة مدعي الاسترداد لم تستمر ثلاث سنوات كاملة حتى وقت فقدها.
ثانيًا: أن يكون فقد الحيازة بغير القوة، فإذا كان فقد الحيازة بالقوة كان لمن فقدها أن يسترد حيازته أيًا كانت مدتها.
ثالثًا: أن تكون حيازة المدعى عليه أحق بالتفضيل من حيازة من يطلب الاسترداد، وتكون حيازة المدعى عليه أحق بالتفضيل إذا كانت تقوم على سند قانوني كعقد بيع في حين أن حيازة المدعي لا تقوم على سند، فإذا لم تستند أي من الحيازتين إلى سند، أو كان لدى كل من المدعي والمدعى عليه سند كما لو كان كل منهما قد اشترى العقار سواء من نفس الشخص أو من شخصين مختلفين، فتكون الحيازة الأسبق في التاريخ هي الأحق بالتفضيل.
ويرجع حرمان الحائز الذي فقد حيازته من الاسترداد في هذه الحالة، على خلاف منطق دعوى عدم الاسترداد، لاعتبارات عملية، إذ لو قلنا بجواز الاسترداد، لكان من حق المدعى عليه، والفرض أن حيازته أحق بالتفضيل، أن يعود فيرفع دعوى لاسترداد حيازته ممن حُكم له في الدعوى الأولى، فتفاديًا لتعدد الدعاوى تنظر المحكمة ابتداءً في أي الحيازتين أحق بالتفضيل فتحكم بالاسترداد أو ترفض الدعوى.
وأخيرًا نصت المادة (926) على أنه يجوز أن تُرفع دعوى الاسترداد على من انتقلت إليه حيازة العقار ولو كان حسن النية، وهذا الحكم يمكن الوصول إليه بغير هذا النص استنادًا إلى إطلاق نص المادتين السابقتين إذ لم يرد في أيهما ما يدل على أن الدعوى ترفع على من سلب الحيازة نفسه، وبالتالي فيمكن أن ترفع الدعوى إذا توافرت شروطها على كل من يباشر السيطرة على العقار وقت رفع الدعوى سواء كان هو الذي سلب الحيازة أو كان خلفًا لمن سلبها ولو كان حسن النية، ومع هذا فقد حرص المشروع على إيراد هذا النص نظرًا إلى أن الحكم على خلاف ذلك في فرنسا حيث لا ترفع الدعوى إلا على من سلب الحيازة نفسه أو على من انتقلت إليه الحيازة ممن سلبها بشرط أن يكون سيئ النية.
أثر الحيازة في استرداد المصروفات:
إذا استرد المالك ملكه من الحائز، وكان هذا الأخير قد أنفق على الشيء مصروفات وقت أن كان في حيازته، تثور مسألة ما يحق لمن كان حائزًا أن يسترده مما أنفقه، وهو ما عرض له المشروع في المادتين (931 و932) وبمقتضى  نص المادة (931) يجب التفرقة بين ثلاثة أنواع من المصروفات:
( أ ) المصروفات الضرورية، وهي التي ينفقها الحائز في حفظ الشيء من الهلاك أو التلف كمصروفات تقوية أساسات المنزل وترميم السقف، وهذه يلتزم المالك بردها كاملة إلى الحائز ولو كان سيئ النية.
(ب) المصروفات النافعة، وهي التي أنفقها الحائز، لا لحفظ الشيء من هلاك أو تلف ولكن لتحسين منفعته كإصلاح الأرض لجعلها أكثر إنتاجًا في الزراعة وتركيب مصعد في المنزل، وهذه تسري عليها الأحكام الخاصة بالالتصاق وحيث يجب التفرقة بين الحائز حسن النية والحائز سيئ النية وقد أحال النص على تلك الأحكام.
(ج) أما المصروفات الكمالية وهي التي لا تزيد من منفعة الشيء وإن كانت تؤدي إلى تجميله كالتي تنفق في الزخرفة والنقوش وهذه لا يلتزم المالك برد شيء منها ولكنه يلتزم بدفع قيمة ما استحدثه الحائز مستحق الإزالة إذا اختار استبقاءه، فإذا لم يرغب في ذلك فيكون للحائز أن ينزع ما استحدثه على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى دون ضرر، وقد عرض المادة (932) لحالة ما إذا كان الحائز الذي يسترد منه الشيء سبق أن انتقلت إليه الحيازة من حائز آخر، وكان قد أدى إلى سلفه شيئًا من المصروفات، فنصت على أن المالك الذي يرد إليه ملكه يجب عليه أن يؤدي للحائز ما سبق أن أداه هذا الحائز إلى سلفه من مصروفات وذلك في حدود ما يلتزم به المالك وفقًا للمادة (931). 
وبعد بيان ما يجب رده من المصروفات عرض المشروع في المادة (933) لسلطة المحكمة في أن تقرر ما تراه مناسبًا للوفاء بالمصروفات المحكوم بها وذلك تيسيرًا على المالك، ولها بوجه خالص أن تحكم بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط أن تأمر بتقديم الضمانات الكافية.
المسؤولية عن الهلاك أو التلف:
عرضت المادة (934) لمسؤولية الحائز قِبل من يستحق الشيء عن هلاكه أو تلفه أثناء حيازته، وقد فرقت بين الحائز حسن النية والحائز سيئ النية، فالأول لا يكون مسؤولاً عن الهلاك أو التلف ولو حدث شيء من ذلك بتقصير منه، إلا بقدر ما عاد عليه من فائدة ترتبت على الهلاك أو التلف كما لو كان قد حصل على تعويض من الغير المتسبب في الهلاك أو التلف أو على مبلغ التأمين، أما الحائز سيئ النية فهو مسؤول عن الهلاك أو التلف حتى ولو كان ناشئًا عن قوه قاهرة، باستثناء الحالة التي يثبت هو فيها أن الشيء كان يهلك أو يتلف حتى ولو كان في يد من يستحقه.
التقادم:
إذا استمرت حيازة العقار مدة معينة فتعتبر، في القوانين الوضعية ومنها قوانين بعض البلاد العربية، سببًا قائمًا بذاته من أسباب كسب الملكية والحقوق العينية هو التقادم المكسب وقد يكون الحائز في ظل هذه القوانين، هو حقيقة المالك أو صاحب الحق العيني ولكنه يؤثر أن يستند في كسبه إلى التقادم المكسب تفاديًا لصعوبة إثبات سند آخر، خاصة إذا لوحظ أن التملك بالعقد يقتضي أن يكون السلف مالكًا وسلف السلف مالكًا وهكذا قد يؤدي تتبع سندات الملكية إلى صعوبات كثيرة، ولكن قد يكون الحائز ليس هو صاحب الحق، ومع ذلك فإذا استمرت حيازته المدة التي يتطلبها القانون فله أن يتمسك بتملكه بالتقادم ولو قال إني أعلم أن هذا الشيء كان ملكًا لفلان، ولكن وضعت يدي عليه وانقضت المدة اللازمة لاستمرار الحيازة بشروطها يحكم له بالملكية.
وهذا السبب من أسباب كسب الملكية، والحقوق العينية لا يقره الفقه الإسلامي في مذاهبه المختلفة ولكن ثمة نظامًا آخر قال به بعض المتأخرين من فقهاء المسلمين، وبخاصة الملكية، يحقق أهم الأهداف التي يهدف إليها نظام التقادم المكسب دون أن يتضمن إقرارًا صريحًا بأن الحيازة وحدها إذا استمرت مدة معينة تكسب الحق، هو نظام عدم سماع الدعوى، فتعتبر الحيازة مع مضي الزمن مجرد دليل على أن الحائز هو صاحب الحق، وما دامت الحيازة لا تعدو أن تكون دليلاً وليست سببًا لكسب الحق، فيشترط لعدم سماع الدعوى ممن ينازع الحائز أن يدعي الحائز حين المنازعة أنه هو المالك، أما مجرد التمسك بالحيازة، دون أن يدعي أنه هو المالك، فلا يكفي لعدم سماع دعوى المنازع.
وإذا كانت الحيازة التي تستمر مدة معينة تعتبر، وفقًا لنظام التقادم المكسب سببًا قائمًا بذاته من أسباب كسب الملكية، في حين أنها تعتبر، وفقًا لنظام عدم سماع الدعوى الإسلامي، دليلاً على أن الحائز هو المالك، فالفارق من الناحية العملية بين النظامين يكاد ينحصر في حالة ما إذا أقر الحائز بأنه لم يكن مالكًا ولكن نظرًا لتوفر شروط التملك بالتقادم فهو يتمسك بملكيته على هذا الأساس، ففي هذه الحالة يحكم للحائز بالملكية وفقًا لنظام التقادم المكسب المعروف في القوانين الوضعية وبالعكس تُسمع دعوى من ينازعه، في نظام عدم سماع الدعوى الإسلامي، فإذا أقام المنازع البينة على أنه المالك حُكم له ضد الحائز، وهذا الفارق الجوهري يميز النظام الإسلامي على نظام التقادم المكسب الذي يعني في الواقع إقرار القانون بأن الحق يمكن أن يكتسب بالغصب.
وقد وضع المشروع نص المادة (935) على نحو يبرز الفكرة الإسلامية ويستبعد إقرار المشروع للغصب، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات الظروف الواقعية للمعاملات وما تقتضيه من حاجة المالك الذي يستند على الدليل المستمد من حيازته إلى دليل يمكنه من التعامل مع غيره في شأن العقار الذي يحوزه، فنصت المادة على أنه:
" من حاز عقارًا أو منقولاً ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، واستمرت حيازته خمس عشرة سنة، اعتُبرت حيازته دليلاً على الحق، ويحكم له به، إذا أنكر حق الغير فيه وادعاه لنفسه ولو لم يبين سبب كسبه ".
ويقابل هذا النص، نص المادة (518) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك الذي أعدته اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، وهو:
" من حاز عقارًا أو منقولاً مدة يقضي العرف بأن الحيازة فيها حيازة ملك، فإنه يستحقه ولا تسمع معها دعوى من ينازعه في ملكيته له ولا بنيته " .. يُراعى في تطبيق هذه المادة أحكام المواد التالية.
ويتضح من نص المادة (935) أنه يشترط حتى يحكم للحائز بالحق ما يلي:
أولاً: أن يكون الحائز قد حائز عقارًا أو منقولاً حيازة قانونية مستكملة لركنيها المادي والمعنوي، على نحو ما قرره المشروع في النصوص السابقة، وهذه الحيازة لا تختلف في جوهرها عما يقول به فقهاء المالكية في معنى الحيازة التي تؤدي إلى استحقاق الحائز ما يحوزه وعدم سماع دعوى من ينازعه في ملكيته، فقد عرفوها بأنها " وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه تصرف الملاك، ولم يأخذ المشروع بما ذهبوا إليه من أنه إذا لم يكن الحائز أجنبيًا عن المنازع، بأن كان شريكًا أو قريبًا له فيشترط في التصرف الدال على الملك أن يكون مخرجًا للشيء من يده أو مغيرًا ذاته كالبيع والهدم، إذ تنص المادة (520) (1) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك على أنه يشترط في الحيازة التي لا تسمع معها دعوى المنازع للحائز ولا بنيته ما يلي: أن يتصرف الحائز في الشيء المحاز بأي من أنواع التصرف إن كان أجنبيًا من المنازع غير شريك له في الشيء المحاز أو بنوع يخرجه من يده أو يغير ذاته إن كان أجنبيًا شريكًا أو قريبًا له مطلقًا " لم يأخذ القانون بالتفرقة بين الحائز الشريك أو القريب من ناحية، والحائز الأجنبي غير الشريك من ناحية أخرى، مكتفيًا بالقاعدة السابق تقريرها في معنى الحيازة وهي أن يباشر الحائز الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق، وتبقى مسألة ما إذا كان الحائز القريب أو الشريك يباشر الأعمال التي يباشرها لحسابه هو أو لحساب غيره متروكة لتقدير القاضي.
ثانيًا: يشترط أن تكون الحيازة قد استمرت خمس عشرة سنة، وفي تحديد المادة التي يجب أن تستمر خلالها الحيازة حتى لا تسمع دعوى المنازع خلاف في فقه المالكية، وقد رُوي عن الإمام مالك رضي الله عنه أن مدة الحيازة في العقار يترك تقديرها إلى اجتهاد الإمام وأخذًا بهذا نص المشروع على أن المدة هي خمس عشرة سنة.
ثالثًا: يشترط أن ينكر الحائز، عند المنازعة، حق الغير ويدعي الحق لنفسه ولو لم يبين سبب كسبه لهذا الحق، وهذا الشرط هو الذي يبرز الفارق الجوهري بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية.
ولا خلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية في ضرورة ادعاء الحائز أنه هو المالك ولكنهم اختلفوا في مطالبته ببيان سبب تملكه، وقد أخذ المشروع بما ذهب إليه مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك من أنه يشترط أن يدعي الحائز حين المنازعة ملكيته للشيء المحاز ولو لم يبين سبب الملكية، وذكرت اللجنة التي وضعت المشروع أن ما جرى عليه " من أنه لا يشترط بيان سبب الملكية هو القول المعتمد للاستغناء عن بيانه بدلالة الحيازة عليها وقيل لا بد من بيان سببها ".
فإذا توفرت هذه الشروط، اعتبرت الحيازة، وفقًا لنص المشروع، دليلاً على الحق ويحكم للحائز بهذا الحق، ولم يستخدم المشروع تعبير عدم سماع الدعوى المعروف في فقه الشريعة الإسلامية، ذلك أن حقيقة المقصود بعدم سماع الدعوى هو رفض دعوى المنازع، يدل على ذلك ما جاء في إيضاح نص المادة (518) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الأمام مالك وهو: " ... ومعنى أن الحيازة لا تُسمع معها دعوى المنازع في الملكية أنه لا يترتب على سماعها أن تكون البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وهذا لا ينافي أنها تُسمع سماع استيضاح لاحتمال أن الحائز يقر له بملكيته للشيء المحاز، وإنما تسمع دعوى المنازع للحائز مع الحيازة التي يقضي العرف بأنها حيازة ملك "، (المشروع ص 413) لهذا وتجنبًا لما قد يؤدي إليه مصطلح عدم سماع الدعوى من الخلط بينه وبين عدم قبول الدعوى المعروف في فقه المرافعات، آثر المشروع النص على أن يحكم للحائز بالحق، ويمتاز هذا الحكم، على القول بعدم سماع الدعوى، وهو كما رأينا يعني رفض دعوى المنازع، من الناحية العملية، بأنه يؤدي إلى استقرار التعامل في شأن العقار محل الحيازة، وبيان ذلك أن الاكتفاء بالقول بعدم سماع دعوى المنازع، يثير التساؤل: وماذا بعد عدم سماع دعوى المنازع، أي رفض الدعوى ؟ هل يظل الحائز هكذا دون الحصول على دليل واضح على حقه يمكنه من التعامل في العقار باعتباره صاحب الحق ؟ إذا وقفنا عند هذا الحد فالغالب أن الحائز لن يجد من يتعامل معه باعتباره المالك استنادًا إلى دلالة الحيازة على الملك، ولهذا نص المشروع على أن يحكم للحائز بالحق، ويترتب على ذلك أنه يستطيع بعد ذلك أن يسجل الحكم الذي صدر له فيستقر وضعه باعتباره المالك، شأنه في ذلك شأن كل من يستند في ملكيته إلى سند مسجل، وما أخذ به المشروع لا يخالف الحكم الذي ورد في نص المادة (518) من مشروع تقنين الشريعة وفقًا لمذهب الإمام مالك والتي تقول " إن من حاز عقارًا أو منقولاً مدة يقضي العرف بأن الحيازة فيها حيازة ملك، فإنه يستحقه بهذه الحيازة ولا تُسمع معها دعوى من ينازعه في ملكيته ولا بنيته ".
هذا ونشير في النهاية إلى أن الاتجاه الذي سار عليه المشروع في اعتبار الحيازة التي استمرت مدة معينة، دليلاً على الحق يحكم للحائز على أساسه وليست سببًا قائمًا بذاته من أسباب كسب الحق، قد اقتضى عدم الأخذ بنظام التقادم القصير، أو الخمسي، المعروف في القوانين الوضعية، وحيث يُشترط فيه أن يكون الحائز قد استند في حيازته إلى ما يسمى السبب الصحيح، وهو التصرف القانوني الذي من شأنه، لو صدر من مالك، أن ينقل الحق ولكنه لم ينقل الحق فعلاً لأنه صدر من غير مالك، فالأخذ بهذا النظام يفترض بالضرورة الإقرار بأن الحائز ليس مالكًا وهو ما يناقض الفكرة الأساسية التي تبناها المشروع وهي الحاكم للحائز بالملك استنادًا إلى أنه هو المالك بدلالة الحيازة.
أثر حيازة المنقول في كسب الحق:
تخضع حيازة المنقول، في القوانين الوضعية المعاصرة لقاعدة مشهورة يعبر عنها بأن الحيازة في المنقول سند الحق " أو سند الملكية أو سند الحائز "، وهي قاعدة تقوم على اعتبارات عملية نظرًا لكثرة المعاملات على المنقولات وسرعتها وبوجه خاص ما ألفه الناس من عدم الحصول على دليل يفيد تملك المنقول، وبمقتضى هذه القاعدة يصبح الحائز مالكًا أو صاحب الحق العيني فور حيازته إذا توفرت شروط معينة " السبب الصحيح وحسن النية ".
أما في فقه الشريعة الإسلامية فلا تختلف حيازة المنقول عن حيازة العقار إلا من حيث المدة التي لا تسمع بعدها الدعوى. فيلزم حتى تسمع الدعوى أن تكون الحيازة قد استمرت مدة معينة - وإن اختلف عن المدة في حيازة العقار - كما يلزم أن يدعي الحائز أنه هو المالك وليس من ينازعه، وقد رُئي أن القواعد التي قال بها فقهاء الشريعة، وخاصة المالكية في شأن حيازة المنقول لا تناسب متطلبات التعامل في مجتمعنا الحالي حيث تكثر المعاملات وتتم بسرعة لا تحتمل التوقف للحصول على الدليل الذي يمكن الاستناد إليه إذا ما ثارت المنازعة حول صاحب الحق على المنقول فلو تطلبنا من كل من يتعامل في شأن المنقول، كمن يشتريه أو يرتهنه، أن يتحقق أولاً من أن المتصرف هو المالك لترتب على ذلك شل حركة التعامل، ولهذا أخذ المشروع بأحكام حيازة المنقول في القوانين الوضعية الحديثة.
وهكذا وضعت نصوص المواد (937 - 940) أخذًا بالأحكام المعمول بها في القوانين المعاصرة، ومن نص المادة (937) يتضح أن الحيازة يمكن أن يترتب عليها كسب حق أو سقوط حق، فقد نصت الفقرة الأولى على أن من حاز بسبب صحيح منقولاً أو سندًا لحاملة ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، وكان حسن النية وقت حيازته أصبح صاحب الحق من وقت حيازته، ومن هذا النص يتضح أنه يشترط، حتى يكسب الحائز الحق، أولاً: أن تتوفر له الحيازة القانونية المستكملة لركنيها المادي والمعنوي وأن تكون هذه الحيازة خالية من العيوب، وأن تكون الحيازة واردة على منقول مما يتصور السيطرة عليه، أي المنقول المادي، ولهذا فلا شأن للقاعدة بالمنقولات غير المادية كالمصنفات الفكرية والمخترعات والديون، ولكن إذا كان الدين ثابتًا في سند لحامله فالمعروف أن الدين يندمج في السند - وهو منقول مادي - فتعتبر حيازة السند حيازة للدين تنطبق عليها القاعدة، ولهذا حرص المشروع على ذكر السند لحماله، ويشترط ثانيًا أن تكون الحيازة بسب صحيح وهو مصطلح له دلالة خاصة فهو تصرف قانوني من شأنه نقل الملكية أو الحق العيني ولكنه صدر من غير المالك أو صاحب الحق، ويشترط ثالثًا أن يكون الحائز حسن النية وقت حيازته، وحسن النية معناه أن يجهل الحائز أن حيازته اعتداء على حق للغير أي يعتقد أنه تلقى الحق من المالك، وهو مطلوب وقت الحيازة بحيث لو تأخر تسلم المنقول عن وقت إبرام التصرف وكان حسن النية متوفرًا وقت التصرف ثم علم الحائز قبل أن يتسلم أن المتصرف غير مالك فلا يعتد بحسن نيته وقت التصرف، وتمشيًا مع الغالب المألوف يفترض توفر السبب الصحيح وحسن النية لدى الحائز إلى أن يثبت العكس وهو ما نصت عليه المادة (938)، فإذا توفرت هذه الشروط اكتسب الحائز الحق " الملكية أو الانتفاع أو الرهن مثلاً ".
أما الفقرة الثانية من المادة (937) فقد عرضت لما يسمى الأثر المسقط للحيازة بقولها " فإذا كان السبب الصحيح وحسن النية قد توافرا لدى الحائز في اعتباره الشيء خاليًا من التكاليف والقيود العينية كسب الحق خالصًا منها " فإذا اشترى شخص مثلاً منقولاً مثقلاً برهن، ولم يذكر في العقد أنه مرهون وكان المشتري وقت تسلمه يجهل وجود الرهن تملك المشتري المنقول خاليًا من الرهن الذي يسقط في هذه الحالة أثرًا للحيازة.
هذه هي قاعدة الحيازة في المنقول سند الحق، كما نظمتها نصوص المواد وثمة استثناء من هذه القاعدة هو الذي عرض له المشروع في المادة (939) التي نصت في فقرتها الأولى على أنه " يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله أو لصاحب الحق العيني عليه، إذا فقده أو سُرق منه، أن يسترده ممن يكون حائزًا له بسبب صحيح وحسن نية وذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الفقد أو السرقة، فإذا كان المنقول قد فقد من مالكه أو سُرق منه، ثم حازه شخص ما بسبب صحيح وبحسن نية، سواء كان السبب الصحيح هو تصرف صدر ممن وجد الشيء المفقود أو السارق أو ممن تلقاه من غيره، فللمالك خلال ثلاث سنوات من وقت الفقد أو السرقة أن يسترد ملكه استثناءً من القاعدة العامة، والأصل أن المالك الذي يسترد لا يلتزم بدفع شيء للحائز، ويكون للحائز أن يرجع على من تلقى منه المنقول بدعوى الضمان إن كان سنده يسمح بذلك، ولكن إذا كان الحائز قد اشترى المنقول في سوق أو في مزاد علني أو اشتراه ممن يتجر في مثله، فيكون له وفقًا لنص الفقرة الثانية من النص أن يطلب من المالك الذي يسترد أن يدفع له الثمن الذي دفعه هو في الشراء ويمتنع عن تسليم الشيء إلى أن يحصل على هذا الثمن.
الفرع الثالث - كسب الملكية بسبب الوفاة:
اكتفى المشروع فيما يتعلق بالميراث بنص المادة (940) التي تحيل إلى أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها فلم يسلك مسلك بعض التقنيات العربية " المصري، الليبي، السوري، الأردني " التي وضعت في مدونة القانون المدني القواعد التفصيلية لتصفية التركة من تعيين مصفٍ وما يقوم به المصفي في سبيل جرد التركة وتسوية الديون وتسليم أموال التركة إلى مستحقها وقسمتها، وآثر المشروع أن يسلك مسلك الدول الأخرى التي اكتفت بالإحالة في كل ما يتعلق بالميراث على أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الخاصة " السوداني م 795، والصومالي م 724، والجزائري م 774 "، وذلك أن نظام تصفية التركة تصفية جماعية، على نحو ما فعله المشرع المصري، والقوانين التي نقلت عنه، ينطوي على إجراءات طويلة ونفقات وبالتالي يندر الالتجاء إليه في العمل، وإذا فرض أن بدت الحاجة إلى تنظيمه فالأفضل أن يكون ذلك بقانون خاص يراعى عند وضعه ما تبدو الحاجة إليه من قواعد على ضوء الظروف الواقعية.
وكذلك أحال المشروع فيما يتعلق بالوصية على أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها، ونظرًا إلى أن حق الشخص في الإيصاء، وهو تصرف مضاف إلى ما بعد الموت على سبيل التبرع محدود أولاً بثلث التركة بحيث لا تنفذ الوصية في حق الورثة فيما يجوز الثلث إلا بإجازتهم، كما أن الوصية لوارث لا تنفذ في حق الورثة إلا بإجازتهم، نظرًا لهذا فقد يلجأ بعض الأشخاص إلى التحايل على أحكام الوصية بسترها في صورة تصرف منجز حال الحياة، أو بستر التبرع الصادر في مرض الموت في صورة معاوضة، فيكون من حق الورثة أن يثبتوا حقيقة التصرف حتى لا ينفذ في حقهم أو لا ينفذ إلا في حدود ثلث التركة.
وتيسيرًا على الورثة في إثبات حقيقة التصرف، وضع المشروع في المادتين (942 و943) قرينتين في حالتي التصرف في مرض الموت والتصرف لوارث مع احتفاظ المتصرف بحيازة العين والانتفاع بها مدى حياته وذلك على النحو التالي:
وتعرض المادة (942) لحالة التصرف في مرض الموت، وهو المرض الذي يغلب فيه الهلاك عادةً، ويتصل به الموت فعلاً وفي حكم التصرف في مرض التصرف الذي يصدر من شخص في حال الصحة ولكن في ظروف يتحقق فيها الموت عادة ويموت الشخص فعلاً كما هي الحال بالنسبة للمحكوم عليه بالإعدام ومن يوجد في سفينة أشرفت على الغرق.
والقاعدة في الشريعة الإسلامية أن حقوق الورثة تتعلق بمال المريض من وقت المرض ليخلص لهم الثلثان مما يبقى بعد سداد الديون لأن المرض سبيل إلى الموت غالبًا فأقيم مقامة في تعلق حقوق الورثة بمال صاحبه، وإن كان هذا المرض لا يمنع أن للمريض حقًا في ماله وتطبيقًا لهذا نصت الفقرة الأولى من المادة (942) على أن التصرف الذي يصدر من المريض مرض الموت بقصد التبرع يعتبر تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت ويأخذ حكم الوصية.
وإعمال هذه القاعدة يقتضي توافر شرطين: الشرط الأول: أن يثبت أن التصرف قد تم في مرض الموت وعلى الورثة أن يثبتوا ذلك، ونظرًا إلى احتمال إعطاء التصرف تاريخًا سابقًا على تاريخ المرض غشًا وتحايلاً حتى لا يأخذ التصرف حكم الوصية، فللورثة أن يثبتوا حصول التصرف في مرض الموت بجميع الطرق فلا يتقيدون بقاعدة أنه لا يجوز الإثبات بالبينة فيما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي ولو أنهم لا يعتبرون من الغير بالنسبة للورقة التي صدرت من مورثهم، هذا ولم يأخذ النص بالحكم الذي وضعه المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة (916) ونقلته بعض القوانين العربية " السوري م 877/ 2، الليبي م 920/ 2، الصومالي م 727/ 2، الأردني م 1128/ 2، الجزائري م 776/ 2 " وهو: ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتًا " فهو حكم غير صحيح لأن الورثة لا يعتبون من الغير بالنسبة للورقة الصادرة من مورثهم وبالتالي يحتج عليهم بتاريخها ولو لم يكن ثابت التاريخ وإن كان لهم أن يثبتوا عدم صحة التاريخ بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن لما ينطوي عليه تقديم التاريخ من غش أريد به الإخلال بحقوق الورثة في الميراث.
أما الشرط الثاني لإعمال القاعدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى فهو أن يكون التصرف قد قُصد به التبرع، وفي إثبات توفر هذا الشرط وضع المشروع قرينة بسيطة لمصلحة الورثة، وذلك بالنص في الفقرة الثالثة من النص على أنه " إذا أثبت الورثة أن التصرف قد صدر من مورثهم في مرض الموت، اعتبر التصرف صادرًا على سبيل التبرع ما لم يثبت العكس، وتقوم القرينة على أساس أن الإنسان لا يتصرف عادةً في مرض موته إلا على سبيل التبرع ويندر أن يكون تصرفه قد قصد به المعاوضة، هذا ويلاحظ أنه إذا ثبت أن التصرف معاوضة ولكن فيه محاباة لمن صدر له التصرف فتسري أحكام الوصية على المحاباة وحدها.
والقرينة الثانية هي التي قررها المشروع بنص المادة (943) التي تواجه الحالة التي يتصرف فيها شخص إلى أحد ورثته، ويحتفظ لنفسه بحيازة العين المتصرف فيها بأية طريقة كانت، كما يحتفظ بحقه في الانتفاع بها وذلك مدى حياته، فاعتبر النص هذا التصرف تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت تسري عليه أحكام الوصية، ما لم يثبت ما يخالف ذلك، وقد روعي في وضع هذه القرينة محاربة ما شاع في العمل من التحايل على أحكام الوصية لمحاباة بعض الورثة على بعض عن طريق التصرف إلى الوارث الذي يراد محاباته تصرفًا منجزًا في الظاهر يستر في حقيقته تبرعًا مضافًا إلى ما بعد الموت، والعبرة في تحديد صفة الوارث هي بوقت الوفاة.

الباب الثاني: الحقوق المتفرعة عن حق الملكية
حق الملكية هو أوسع الحقوق العينية الأصلية نطاقًا إذ يخول صاحبه وهو المالك، بحسب الأصل، السلطات التي تمكن من الحصول على كل منافع الشيء الذي يرد عليه، وهذه السلطات لا تخرج عن استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه.
والحقوق العينية المتفرعة عن الملكية هي حقوق أصلية يرد كل منها على شيء مملوك لغير صاحب الحق، ويخول صاحبه بعضًا من سلطات المالك أو سلطات تحد من انتفاع المالك بملكه، وقد نظم المشروع طائفتين من هذه الحقوق، الطائفة الأولى حقوق تتقرر لمصلحة صاحب الحق دون أي اعتبار آخر، وهي حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى. والطائفة الثانية حقوق تتقرر لصاحب الحق بوصفه مالكًا لعقار على عقار آخر تحد من منفعته، وهي حقوق الارتفاق.
الفصل الأول: حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى:
حق الانتفاع حق عيني أصلي، يخول صاحبه وهو المنتفع استعمال واستغلال شيء مملوك لغيره، فله أن يستعمله بنفسه أيًا كان هذا الاستعمال ما دام الشيء قد أعد له، وله أن يستغله للحصول على ثماره، أما حق الاستعمال، فهو أضيق نطاقًا من حق الانتفاع إذ لا يخول صاحبه إلا سلطة الاستعمال، دون الاستغلال، وأما حق السكنى فهو صورة من صور حق الاستعمال تقتصر على السكنى دون غيرها من صور الاستعمال فليس لصاحب الحق أن يستعمل المكان في أعمال حرفته كمكتب أو عيادة مثلاً.
وقد نظم المشروع حق الانتفاع في المواد من (944) إلى (954) ثم عرض في المادتين (955 و956) لقاعدتين تخصان حقي الاستعمال والسكنى وأحال بالمادة (957) فيما يتعلق بهذين الحقين، على الأحكام الخاصة بحق الانتفاع متى كانت لا تتعارض مع طبيعتهما.
أولاً: حق الانتفاع:
وقد عرضت المادة (944) لأسباب كسب حق الانتفاع وهي التصرف القانوني والحيازة، وقد يكون التصرف القانوني سببًا لكسب حق الانتفاع حال حياة المتصرف، معاوضة أو تبرعًا إنشاءً أو نقلاً، فقد يتفق المالك مع آخر على أن ينشئ له حق انتفاع على شيء يملكه بمقابل أو على سبيل الهبة، كما يحدث أن يتصرف المالك إلى شخص ما ويحتفظ لنفسه بحق الانتفاع على الشيء المتصرف فيه، كما يجوز لصاحب حق الانتفاع أن ينقل حقه إلى غيره، وقد يكون كسب حق الانتفاع بالوصية، فيوصي المالك بالانتفاع بشيء يملكه، وتسري في هذه الحالة أحكام الوصية بالمنفعة.
وإذا كان المشروع قد نص على أن الانتفاع يكسب بمقتضى الحيازة فذلك مراعاة لما قرره في شأن أثر حيازة المنقول إذ قد تؤدي إلى كسب الملكية وغيرها من الحقوق كالانتفاع، أما بالنسبة للعقار فالحيازة، وفقًا لما سار عليه المشروع، لا تعتبر سببًا لكسب الحق وإنما قد تؤدي إذا استمرت مدة معينة إلى اعتبارها دليلاً على وجود الحق للحائز
هذه هي الأسباب التي يمكن أن يُكتسب بها حق الانتفاع، وأما أسباب كسب الملكية الأخرى فلا محل لها بالنسبة للانتفاع، فلا يتصور كسب الانتفاع بالاستيلاء، ولا بالالتصاق، ولا بالميراث لأن الانتفاع ينقضي بموت المنتفع،  وعرضت المواد من (945إلى (951) لحقوق المنتفع والتزاماته، وقد بدأ المادة (945) بالنص على أن يراعى في هذه الحقوق والالتزامات السند الذي أنشأ حق الانتفاع، وكذلك الأحكام المقررة في المواد التالية. ولما كان حق الانتفاع يخول المنتفع استغلال الشيء محل حقه والاستغلال يعني الحصول على الثمار،  نصت المادة (946) على أن تكون ثمار الشيء المنتفع به للمنتفع بنسبة مدة انتفاعه، ثم تحفظت لمراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة (952) التي تواجه حالة انقضاء أجل حق الانتفاع والأرض المنتفع بها مشغولة بزرع قائم وتقضي بأن تترك الأرض للمنتفع أو ورثته إلى حين إدراك الزرع على أن يدفعوا أجرة الأرض عن الفترة من وقت انقضاء حق الانتفاع إلى حين إدراك الزرع
ثم عرضت المادة (947) لحق المنتفع في استعمال الشيء فنصت على أن يستعمله بحالته التي تسلمه بها وبحسب ما أُعد له، كما أوجبت عليه أن يديره إدارة حسنة، وعرضت الفقرة الثانية لحق المالك الذي يقابل واجبات المنتفع في الاستعمال، فللمالك أن يعترض على أي استعمال غير مشروع أو غير متفق مع طبيعة الشيء، وإذا أثبت مالك الرقبة أن استعمال المنتفع للشيء يُعرض حقه للخطر كان له أن يمنعه من هذا الاستعمال وأن يطالبه بتقديم تأمينات لضمان ما قد يثبت له من تعويض بسبب سوء استعمال المنتفع للشيء، فإن لم يقدم المنتفع التأمينات أو ظل يستعمل الشيء استعمالاً غير مشروع أو غير متفق مع ما أُعد له، جاز للقاضي أن يحكم بنزع الشيء من يد المنتفع وتسليمه إلى أمين يتولى إدارته ويعطي الغلة للمنتفع، بل يجوز للقاضي إذا اقتضى الحال أن يحكم بانتهاء حق الانتفاع، وفي هذه الحالة لا يترتب على إنهاء الحق قبل الأجل المحدد له الإخلال بحقوق الغير، كالدائن المرتهن لحق الانتفاع.
وتعرض المادة (948) لنفقات الشيء محل الانتفاع، وتفرق بين نوعين من النفقات، النوع الأول وهو النفقات المعتادة ويدخل فيها ما يُفرض على الشيء من تكاليف كالضرائب مثلاً كما تشمل نفقات الصيانة، وهذه تكون على المنتفع، والنوع الثاني هو النفقات غير المعتادة، مثل نفقات الإصلاحات الجسيمة فإن كانت بسبب خطأ المنتفع فيجب عليه أن يقوم بها وإن لم تكن بسبب خطئه فالأصل أن المالك لا يلتزم قِبل المنتفع بإجرائها ولكن يجبر المالك على إجرائها إذا كان حق الانتفاع تقرر لصاحبه بمقابل، أو كان هناك شرط بذلك.
وتعرض المادة (949) لواجب المنتفع في حفظ الشيء، فعليه أن يبذل في هذا الحفظ عناية الشخص المعتاد، فإذا أخل بواجبه هذا كان مسؤولاً قِبل المالك عما يترتب على ذلك من هلاك أو تلف، وعلى المنتفع أن يرد الشيء إلى المالك عند انتهاء حق الانتفاع، فإذا تأخر بعد إعذاره وهلك الشيء ولو بسبب أجنبي كان هلاكه على المنتفع إلا إذا أثبت أن الشيء كان يهلك ولو كان في يد المالك.
ومما يتفرع على واجب المنتفع بحفظ الشيء أنه إذا احتاج الشيء إلى إصلاحات مما لا يلتزم المنتفع بإجرائها أو احتاج إلى إجراء يقيه من خطر لم يكن منظورًا أو ادعى أجنبي استحقاق الشيء، فعلى المنتفع أن يبادر بإخطار المالك حتى يتمكن من الإصلاح أو توقي الخطر أو الاستحقاق، وقد نصت المادة (950) على واجب المنتفع بهذا الإخطار، وبمقتضى القواعد العامة إذا أخل المنتفع بواجبه هذا وترتب على ذلك ضرر للمالك كان يمكن تفاديه لو أن المنتفع قام بواجب الإخطار، كان المنتفع مسؤولاً.
وأخيرًا عرض المشروع في المادة (951) لحالة ما إذا كان المال المقرر عليه حق الانتفاع منقولاً إذ يجب في هذه الحالة أولاً جرد المنقول، ذلك أن المنتفع يلتزم عند انتهاء الانتفاع برد المنقول بالحالة التي استلمه بها، فتيسيرًا للتأكد من حسن الوفاء بهذا الالتزام أوجب النص جرد المنقول، ويكون ذلك بتحرير محضر يوقع عليه كل من المنتفع ومالك الرقبة. واحتياطًا لما قد يلتزم به المنتفع تجاه المالك من تعويضات بسبب ضياع الشيء أو تلفه، أوجب النص على المنتفع تقديم تأمين كافٍ فإن امتنع جاز للقاضي أن يأمر بوضع المال في يد أمين يتولى إدارته لحساب المنتفع.
وتعرض المادتان (952 و953) لانقضاء حق الانتفاع، فإن كان ثمة أجل لانتهاء الحق، انتهى بحلول هذا الأجل، أو بموت المنتفع، أيهما أقرب، وإن لم يعين للانتفاع أجل اعتُبر مقررًا لحياة المنتفع وينتهي بالوفاة.
وإذا هلك الشيء محل حق الانتفاع، فالأصل أن ينتهي الانتفاع بهلاك محله، ولكن إذا ترتب على الهلاك وجود عوض عن الشيء الذي هلك كالتعويض الذي يلتزم به المتسبب في الهلاك أو مبلغ التأمين، فيحل العوض محل الشيء حلولاً عينيًا بحيث يصبح العوض محملاً بحق الانتفاع كما كان الشيء قبل الهلاك، وإذا أعيد الشيء بعد الهلاك إلى أصله، على نفقة المسؤول عن الهلاك سواء كان هو مالك الرقبة أو المنتفع أو أجنبي أو أُعيد بمبلغ التأمين، عاد إلى المنتفع حقه في الانتفاع.
وأخيرًا عرض المشروع، بالمادة (954) لأثر عدم استعمال المنتفع حقه، فنص على أنه إذا استمر عدم الاستعمال مدة خمس عشرة سنة، فلا تُسمع دعواه بحق الانتفاع إذا أنكره المالك.
وإذا كان الانتفاع مقررًا لعدة شركاء على الشيوع فاستعمال أحدهم الحق يقطع مدة عدم سماع الدعوى لمصلحة الشركاء الآخرين، كما أن وقف المدة لمصلحة أحدهم يترتب عليه وقفها لمصلحة الآخرين.
ثانيًا: حق الاستعمال وحق السكنى:
وبعد النصوص التي تناولت حق الانتفاع عرض المشروع لحقي الاستعمال والسكنى، فنص في المادة (955) على أن نطاق كل حق منهما يتحدد بمقدار ما يحتاج إليه صاحب الحق هو وأفراد أسرته لخاصة أنفسهم ذلك أن حق الاستعمال وكذلك حق السكنى لا يخول صاحبه سلطة الاستغلال، وبدهي أن يراعى كذلك ما يقرره السند المنشئ للحق فقد يحدد السند الاستعمال على نحو خاص، وقد يمنع بعض صور الاستعمال، ونظرًا إلى أن حق الاستعمال وحق السكنى يتحددان، في مضمونهما بما يحتاج إليه صاحب الحق هو وأفراد أسرته لخاصة أنفسهم، فالأصل أنه لا يجوز النزول عن أيهما للغير، لأن الاستعمال أو السكنى يختلف من شخص لآخر، ولكن نظرًا إلى أن عدم جواز النزول عن الحق مقرر لمصلحة المالك، فله أن يسمح به ولكن يلزم في هذه الحالة أن يكون هناك شرط صريح بذلك، فإذا لم يوجد شرط صريح فالأصل عدم جواز النزول، ولكن المشروع نص مع ذلك بجواز النزول لمبرر قوي " مادة 956 " وذلك لمواجهة بعض الفروض الاستثنائية التي يؤدي فيها عدم جواز النزول إلى نتائج غير مقبولة، كما لو كانت الدار التي أُوصي باستعمالها أو بسكنها لشخص معين غير ملائمة بشكل ظاهر لاستعمال صاحب الحق أو سكناه، وفيما عدا ما تقرر في المادتين (955 و956) تسري أحكام حق الانتفاع على كل من حق الاستعمال والسكنى متى كانت لا تتعارض مع طبيعة هذين الحقين وهو ما قررته المادة (957).
الفصل الثاني: حقوق الارتفاق:
عرض المشروع بنصوص المواد (من 958 إلى 970) لتنظيم حقوق الارتفاق بوجه عام وحق الارتفاق، كما عرفته المادة (958) هو تكليف على عقار لمنفعة عقار آخر مملوك لغير مالك العقار الأول، فهو يفترض عقارين، الأول مملوك لصاحب حق الارتفاق، ويطلق عليه العقار المرتفق، أو العقار المخدوم، والثاني مملوك لشخص آخر غير مالك العقار الأول وهو الذي يرد عليه حق الارتفاق ويسمى العقار المرتفق به أو العقار الخادم، ويعتبر حق الارتفاق تكليفًا على العقار المرتفق به، يحد من منفعته لمنفعة العقار المرتفق، مثل حق الارتفاق بالمرور الذي يخول صاحب العقار المرتفق المرور في العقار المرتفق به، وكذلك حق الارتفاق بالمطل الذي يخول صاحب العقار المرتفق حق فتح فتحة يطل منها على عقار جاره دون أن يترك المسافة القانونية.
وبعد تعريف حق الارتفاق أشارت المادة (959) إلى المرجع في أحكام حقوق الارتفاق فنصت على أن تخضع حقوق الارتفاق لما هو مقرر في سند إنشائها ولما جرى عليه عرض الجهة والأحكام الواردة في المواد التالية.
وعرضت المادة (960) لسبب خاص من أسباب كسب الارتفاق، هو المعروف بتخصيص المالك الأصلي، وصورته أن يوجد عقاران مملوكان لشخص واحد ويحمل أحدهما بعبء لمنفعة آخر على نحو ظاهر يدل على وجود ارتفاق لو كان العقاران مملوكين لشخصين مختلفين، وبعد ذلك يصبح العقاران مملوكين لشخصين مختلفين كما لو تصرف المالك في أحدهما واحتفظ بالآخر أو تصرف فيهما لشخصين مختلفين، فينشأ حق الارتفاق إلا إذا وجد شرط صريح يخالف ذلك
ثم قرر نص المادة (961) أولاً حق مالك العقار المرتفق في إجراء الأعمال الضرورية لاستعمال حقه والمحافظة عليه. فإذا كانت هذه الأعمال تتم في العقار المرتفق به فليس لمالك هذا العقار أن يمنعه منها فله أن يمهد الطريق الموجود في العقار المرتفق به، كما يفرض النص على صاحب العقار المرتفق واجب استعمال حقه على الوجه الذي لا ينشأ عنه إلا أقل ضرر ممكن للعقار المرتفق به.
وإذا جد من حاجات العقار المرتفق ما من شأنه زيادة عبء الارتفاق على العقار المرتفق به، كما لو كنا بصدد حق ارتفاق بالمرور، وتغير استعمال صاحب الارتفاق للعقار المرتفق إلى مصنع أو مخزن وبالتالي إلى توسعة الطريق ليسمح بمرور السيارات الكبيرة، وفي هذه الحالة أعطت المادة (962) للقاضي الحق في أن يقضي بتعديل الارتفاق على النحو الذي يجعله صالحًا لمواجهة الاستعمال الجديد، وذلك بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أي بين الضرر الذي يلحق مالك العقار المرتفق به نتيجة التعديل، والضرر الذي يلحق مالك العقار المرتفق من الإبقاء على الارتفاق بوضعه الأصلي، وإذا قرر القاضي التعديل بما يزيد في عبء الارتفاق، فيكون ذلك في نظير مقابل عادل يلتزم به صاحب الارتفاق.
والأصل الذي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (963) أن نفقات الأعمال اللازمة لاستعمال الارتفاق والمحافظة عليه تكون على صاحب حق الارتفاق، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن يشترط غير ذلك كأن يتفق المالكان على أن تكون النفقات عليهما معًا أو على مالك العقار المرتفق به، فإذا فرض أن وجد اتفاق على أن يتحمل مالك العقار المرتفق به تلك النفقات، فله وفقًا للفقرة الثانية من النص أن يتخلص من التزامه بالإنفاق بأن يتخلى عن ملكيته للعقار المرتفق به كله أو بعضه لمالك العقار المرتفق.
وإذا كانت الأعمال اللازمة لاستعمال الارتفاق والمحافظة عليه تفيد كلاً من المالكين، كما لو كان الطريق مشتركًا كانت نفقاتها وفقًا للفقرة الثالثة عليهما معًا كل بنسبة ما يعود عليه منها من منفعة.
وتمكينًا لصاحب الارتفاق من استعمال حقه دون معوقات نصت المادة (964) على أنه لا يجوز لمالك العقار المرتفق به أن يعمل شيئًا يؤدي إلى الإنقاص من استعمال الحق أو جعله أكثر مشقة، فليس له مثلاً أن يشغل الممر بما يعوق استعماله، أو يغير موضع المرور إلى وضع جديد يجعل المرور أكثر مشقة على صاحب حق الارتفاق، هذا هو الأصل العام، ولكن قد يحدث أن يكون الموضع الذي تحدد أصلاً لاستعمال حق الارتفاق قد أصبح من شأنه أن يزيد في عبء الارتفاق على العقار المرتفق به، أو أصبح الارتفاق مانعًا من إحداث تحسينات في العقار المرتفق به، كما لو كان حق المرور مقررًا على أرض فضاء ثم بنى فيها صاحبها منزلاً فلمالك العقار المرتفق به، وفقًا لنص المادة (964) أن يطلب نقل الارتفاق إلى موضع آخر من العقار أو إلى عقار آخر يملكه هو أو إلى عقار يملكه شخص ثالث قبل أن يتحمل عقاره بالارتفاق، بشرط أن يكون استعمال الارتفاق في الوضع الجديد الذي يعرضه صاحب العقار المرتفق به ميسرًا كما كان في وضعه السابق
وتعرض المادتان (965 و966) لأثر تجزئة العقار المرتفق أو العقار المرتفق به على حق الارتفاق، فإذا جزِّئ العقار المرتفق كما لو قسمت الأرض إلى قسمين بحيث يملك كل قسم منها مالك، فالأصل أن يبقى الارتفاق مقررًا كما كان لفائدة كل جزء، ولكن يجب ألا يترتب على ذلك زيادة العبء الواقع على العقار المرتفق به، فإذا ترتب على التجزئة أن الارتفاق لا يفيد إلا جزءًا من الأجزاء فلمالك العقار المرتفق به أن يطلب إنهاء الارتفاق عن الأجزاء الأخرى.
وكذلك إذا جزِّئ العقار المرتفق به إلى أجزاء، فالأصل أن يبقى الارتفاق واقعًا على كل الأجزاء، كما لو كان المرور بوضعه الأصلي يتم باختراق كل أجزاء العقار، ولكن إذا ترتب على التجزئة أن يصبح استعمال الارتفاق مقصورًا على بعض الأجزاء ولا يمكن أن يستعمل على الأجزاء الأخرى، فيكون لمالك كل جزء من الأجزاء التي لا يستعمل عليها حق الارتفاق أن يطلب إنهاء الارتفاق عن الجزء الذي يملكه.
وأخيرًا عرض المشروع بنصوص المواد من (967 إلى 970) لانتهاء حقوق الارتفاق، فهي تنتهي، بمقتضى المادة (967) أولاً: بانقضاء الأجل إذا كان هناك أجل، فليس ثمة ما يمنع من أن يتقرر الارتفاق لمدة ثلاث سنوات مثلاً، كما ينتهي الارتفاق بهلاك العقار المرتفق به أو العقار المرتفق هلاكًا تامًا وهي صورة نادرة، فالغالب ألا يترتب على الهلاك إلا استحالة استعمال الارتفاق استحالة مؤقتة، ومع ذلك فمن المتصور أن يكون إنهاء الارتفاق نهائيًا كما لو استكملت الدولة العقار المرتفق به وخصصته للمنفعة العامة، وينتهي الارتفاق ثالثًا: باجتماع ملكية العقارين لشخص واحد إذ لا يتصور أن يكون للشخص حق ارتفاق على عقار يملكه، ولكن إذا زالت حالة اجتماع الملكية، كما لو فسخ العقد الذي اشترى به مالك أحد العقارين العقار الآخر، أو أُبطل ففي هذه الحالة يعود حق الارتفاق.
وإذا لم يستعمل صاحب الارتفاق حقه مدة خمس عشرة سنة، فلا تُسمع الدعوى به وفقًا لنص المادة (968) إذا أنكره صاحب العقار المرتفق به، ما لم يكن الارتفاق مقررًا لمنفعة عقار مملوك للدولة أو لجهة وقف فلا يترتب على عدم الاستعمال مهما طال عدم سماع الدعوى، وكما هي الحال بالنسبة لحق الانتفاع، فإذا كان العقار المرتفق مملوكًا على الشيوع لعدة شركاء فاستعمال أحدهم حق الارتفاق يقطع المدة لمصلحة الشركاء الآخرين كما أن وقف المدة لمصلحة أحدهم يجعلها موقوفة لمصلحة الآخرين.
وثمة سبب مؤقت لانتهاء حق الارتفاق نصت عليه المادة (969) هو استحالة استعمال الحق نتيجة تغير وضع الأشياء، كما لو غمرت مياه الأمطار الأرض التي تقرر عليها المرور بحيث يستحيل المرور منها فإذا زالت الاستحالة عاد حق الارتفاق.
وأخيرًا فقد يحدث أن يصبح الارتفاق عديم الجدوى، أو لم تبقَ له إلا منفعة قليلة لا تتناسب مطلقًا مع العبء الذي يقع على العقار المرتفق به، ففي هذه الحالة يكون لمالك العقار المرتفق به وفقًا لنص المادة (970) أن يطلب تحريره من حق الارتفاق، إذ يكون إصرار صاحب حق الارتفاق على بقاء حقه تعسفًا يجب منعه.

الكتاب الثاني: الحقوق العينية التبعية، التأمينات العينية
تقوم التأمينات العينية على تخصيص مال أو أموال لضمان الوفاء بالالتزام، وهي تؤمن الدائن أولاً من خطر مزاحمة الدائنين الآخرين بما تخوله من تقدم أو أولوية على سائر الدائنين العاديين وعلى بعض الدائنين أصحاب التأمينات، كما تؤمنه من خطر تصرف مالك المال الذي يرد عليه التأمين بما تخوله - فيما عدا أحوال خاصة - من تتبع بحيث يبقى للدائن صاحب التأمين العيني حق التنفيذ على المال المحمل بالتأمين العيني في أي يد يكون.
والتأمينات العينية وفقًا للقانون رقم (34) لسنة 1961، وهو المعمول به حاليًا هي: الرهن الرسمي ورهن الحيازة، وحقوق الامتياز، وقد آثر المشروع أن يسلك مسلك القانون الحالي في قصر التأمينات العينية على هذه الأنواع الثلاثة واستبعاد حق الاختصاص الذي تنظمه قوانين بعض الدول العربية، وهو تأمين عيني يتقرر للدائن على عقار مملوك لمدينه، بمقتضى أمر من القاضي، بناءً على حكم بالدين، ذلك أن عيوب حق الاختصاص أكثر من مزاياه فهو يهدف إلى تزويد الدائن الذي صدر الحكم له بالدين بتأمين يقيه من خطر تصرفات مدينه، وقد يفضل الدائن هذا فلا يبادر إلى التنفيذ وبذلك تتحقق مصلحة المدين في الاحتفاظ بأمواله حتى يتمكن من الوفاء، ولكن يعاب على حق الاختصاص أنه يؤدي إلى تفضيل الدائن على غيره من الدائنين لا لشيء إلا لأنه سبق في الحصول على حكم بدينه وكثيرًا ما يكون التأخر في الحصول على الحكم لأسباب لا دخل لإرادة الدائن فيها كما أنه يؤدي إلى تسابق الدائنين في رفع الدعاوى على المدين مما يترتب عليه زيادة المصروفات.
وتنظيم المشروع لصورتين من الرهن، الرسمي والحيازي، قد يدعو إلى التساؤل عن موقف الفقه الإسلامي من الرهن الرسمي بالذات، فقد قيل إن الفقه الإسلامي لا يقر أو لا يعرف هذا النوع من الرهن، خاصة وأن المادة (706) من مجلة الأحكام العدلية تجعل القبض ضروريًا لتمام الرهن ونفاذه، في حين أن الرهن الرسمي يتم ويلزم بغير قبض.
ولكن يرى بعض المحدثين من فقهاء الشريعة أن الفقه الإسلامي لا يأبى الأخذ بنظام الرهن الرسمي، ففي بحث خاص أعده فضيلة الشيخ زكي الدين شعبان قال: " والناظر في الفقه الإسلامي وأصوله يجد فيه ما يشهد للرهن الرسمي ويصح الأخذ به، والمنطلق لمعرفة وجود هذا الرهن في الفقه الإسلامي وعدم وجوده هو قبض العين المرهونة وهل هو شرط أساسي في صحة الرهن أو ليس بشرط، فإذا كان القبض ليس شرطًا لصحة الرهن فإن المجال يكون فسيحًا لقبول الرهن الرسمي في الفقه الإسلامي، وكذلك لو كان القبض شرطًا لانعقاد الرهن وصحته ... ". وبعد عرضه لآراء الفقهاء في مذاهبهم المختلفة قال: هذه هي آراء الفقهاء في قبض المرهون ومنها يتبين أن جمهور الفقهاء يرون أن الرهن ينعقد بمجرد الإيجاب والقبول، فهما ركنه الرئيسي، ولكنهم يختلفون بعد ذلك في اشتراط القبض للزوم الرهن وعدم اشتراطه فالحنفية ومن وافقهم يقولون: أن القبض شرط للزوم الرهن والمالكية ومن وافقهم يقولون: إن القبض ليس شرطًا للزوم الرهن وعلى هذا فالإيجاب والقبول هما الأصل في تحقق الرهن، فمتى وُجدا تحقق ما يسمى بالرهن وأن لم يوجد القبض وإذا تحقق مسمى الرهن بتوافر أركانه فباستطاعة المتراهنين عندئذٍ أن يتفقا مثلاً على تأجيل قبض العين المرهونة أو تركها عند الراهن أو عند غيره اعتمادًا على الثقة المتبادلة بين الجانبين أو اعتمادًا على تسجيل الرهن في دائرة التسجيل الرسمية، وليس الرهن بعد ذلك مثل هذا الرهن المجرد من القبض، مع توفر شروطه الأخرى، رسميًا أو تأمينيًا أو غيرهما من المصطلحات، فالتسميات والعناوين لا تهم في المجالات العلمية بقدر ما تهم الحقائق والمفاهيم ... "، بل ذهب أكثر من ذلك إلى القول إنه " على فرض أن القبض أمر لا بد منه في تحقق الرهن شرعًا فإن هذا القبض يتحقق بإثبات الرهن وتسجيله في دائرة من دوائر التسجيل الرسمية، لأن الرهن إذا أُثبت في دائرة من هذه الدوائر قامت الدائرة المسجل فيها الرهن مقام الدائن في حبس العين المرهونة وحمايتها من التصرفات الضارة بمصلحة الدائن، وبهذا يحصل الضمان للدائن في الحصول على حقه من المدين، وحصول الضمان وتحقق الثقة للدائن في الحصول على حقه هو المقصود من القبض أو حبس العين عند المرتهن إلى سداد الدين الذي جُعلت العين وثيقة به فضلاً عما يمتاز به من إعفاء الدائن من مؤونة قبض العين والحفاظ عليها وبقائها في حيازة المالك والانتفاع بها واستغلالها والتصرف فيها تصرفًا مطلقًا عدا بعض التحفظات التي يستدعيها عقد الرهن من إلزام الراهن بضمان الهلاك وضمان التعرض وتقرير بعض الحقوق للمرتهن كحقي التتبع والتقدم وما أشبه ذلك
الباب الأول: الرهن الرسمي
الفصل الأول: إنشاء الرهن الرسمي:
نصت المادة (971) على أن الرهن الرسمي عقد به يكسب الدائن على عقار حقًا عينيًا يكون له بموجبه أن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ذلك العقار في أي يد يكون.
وهذا النص يعرف عقد الرهن الرسمي، ويتضمن التعريف مقومات الحق الذي يهدف العقد إلى إنشائه وهو حق الرهن الرسمي والواقع أن المصطلح الرهن كما يطلق على العقد يطلق على الحق العيني نفسه، والنص يقابل نص المادة الأولى من القانون الحالي، وقد استبعد من النص الحالي عبارة " مخصص لوفاء دينه " الواردة بعد كلمة عقار لأن هذا التخصيص هو الحكم المستفاد من عبارة " يكون له بموجبه ... " كما أن نص المشروع لم يذكر أن استيفاء الدائن حقه يكون من ثمن العقار، توخيًا للدقة حيث أن الاستيفاء قد يكون من الثمن عندما يباع العقار جبرًا وقد يكون مما يحل محل العقار كالتعويض ومبلغ التأمين ومقابل نزع الملكية للمنفعة العامة.
وتعرض المادة (972) في فقرتها الأولى للرسمية باعتبارها ركنًا في العقد لا ينعقد بغيره، ولم يرَ المشروع أن يحدد الموظف الذي يتولى التوثيق، كما يفعل القانون الحالي الذي ينص على أن يكون الرهن بورقة رسمية موثقة لدى كاتب العدل، وإنما اكتفى بالنص على أن تكون الورقة " موثقة وفقًا للقانون " فالأولى ألا يكون تحديد الموظف المختص بتوثيق ورقة معينة في نصوص المدونة المدنية، أما الفقرة الثانية من النص فتعرض لنفقات عقد الرهن فتجعلها على الراهن، إلا إذا اتفق على غير ذلك كأن يتفق على أن تكون على المرتهن أو مناصفةً.
وتعرض المادة (973) للراهن وهو الذي يبرم عقد الرهن بالاتفاق مع الدائن المرتهن وقد يكون هو المدين، وهو الغالب، وقد يكون شخصًا آخر يرهن عقارًا مملوكًا له لضمان الدين وهذا هو الكفيل العيني.
ويعرض نص المادة (974) لحكم الرهن الصادر من غير مالك العقار المرهون، والقانون الحالي ينص في المادة الرابعة على أنه يجب أن يكون الراهن مالكًا للعقار المرهون، ثم ينص في المادة الخامسة على أنه إذا كان الراهن غير مالك فإن عقد الرهن يصبح صحيحًا إذا أقره المالك الحقيقي بورقة رسمية، وقد حذا في ذلك حذو نصوص القانون المدني المصري (م 1032/ 2، 1033). وإذا كان ظاهر عبارة " يجب أن يكون الراهن مالكًا للعقار المرهون " يفيد أن رهن ملك الغير يكون باطلاً فإن النص على أن الرهن يصح إذا أقره المالك الحقيقي يفيد على العكس أن الرهن قد انعقد لأن الإقرار لا يرد على معدوم، وقد ساد الرأي القائل إن رهن ملك الغير يعتبر باطلاً بطلانًا نسبيًا وهو ما صرحت به المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المصري حيث أُريد التسوية بين حكم بيع ملك الغير ورهن ملك الغير، ويكون هذا البطلان النسبي على غير مقتضى القواعد العامة، وقد آثر المشروع إعمال حكم القواعد العامة على رهن ملك الغير، فلم ينص على شرط ملكية الراهن للعقار المرهون، ثم بين في المادة (974) حكم رهن ملك الغير وهو عدم نفاذه في حق المالك إلا إذا أقره، على أن يكون الإقرار بورقة رسمية، فإذا لم يصدر إقرار فإن حق الرهن لا يترتب على العقار إلا من الوقت الذي يصبح فيه العقار مملوكًا للراهن.
هذا ولم يأخذ المشروع بالحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون الحالي التي تنص على أن يقع باطلاً رهن المال المستقبل، وهو مأخوذ من نص المادة (1033/ 2) من القانون المصري، وقد أثار هذا الحكم خلافًا حول المقصود برهن المال المستقبل والحكمة من تقرير بطلانه، ففي رأي - وهو ما تفيده المذكرة الإيضاحية للقانون المصري، أنه يُقصد برهن المال المستقبل رهن العقار الغير مملوك للراهن، فهو رهن ملك الغير، ولكن العقار لم يعين بذاته، أما عن الحكمة من تقرير البطلان فهي كما قيل تعارض رهن المال المستقبل مع مبدأ تخصيص الرهن الذي يقتضي أن يكون العقار معينًا بالذات، ولهذا ذهب البعض بحق إلى نقد النص الذي يقرر بطلان رهن المال المستقبل ووجوب استبعاده اكتفاءً بالنص على وجوب تعيين العقار بالذات تعيينًا دقيقًا، وهذا هو ما أخذ به المشروع.
أما المادة (975) فتضع الحكم الوارد في المادة السادسة من القانون الحالي خاصًا بالرهن الذي صدر ممن كان يملك العقار المرهون وقت إبرام الرهن ثم زال سند ملكية الراهن بأثر رجعي، كأن أبطل أو فسخ العقد الذي تملك به، ويقرر النص - على خلاف مقتضى الأثر الرجعي لزوال ملكية الراهن - بقاء الرهن قائمًا لمصلحة الدائن المرتهن إذا كان حسن النية وقت إبرام الرهن أي كان جاهلاً السبب الذي يهدد سند ملكية الراهن بالزوال.
محل الرهن " العقار المرهون ":
تبدأ المادة (976) في فقرتها الأولى بالنص على أن الرهن الرسمي لا يجوز أن يرد إلا على عقار، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك، ولم يرد في النص عبارة " أو حق عيني على عقار " الواردة في نص المادة (8) من القانون الحالي، لأن الحق العيني الذي يرد على عقار هو عقار وهو ما نص عليه المشروع في الباب التمهيدي " م 26 ".
واشترطت الفقرة الثانية من النص شرطين في العقار، الأول: أن يكون مما يصح بيعه استقلالاً بالمزاد العلني، فلا يصح رهن ما لا يصح بيعه بالمزاد العلني مثل الأموال العامة والعقارات الموقوفة، وما لا يصح بيعه استقلالاً لا يصح رهنه مثل حقوق الارتفاق، ويلاحظ أن نص المادة (8) من القانون الحالي، مثل المادة (1035/ 2) من القانون المصري - تنص على أنه يجب أن يكون العقار المرهون " مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني " أما نص المشروع فيختلف من ناحيتين الأولى أنه لم يذكر عبارة " يصح التعامل فيه " لأن كل ما يصح بيعه بالمزاد العلني يصح التعامل فيه. والثانية: أن نص المشروع ذكر كلمة استقلالاً بعد كلمة بيعه، والشرط الثاني الذي أورده النص هو: أن يكون العقار معينًا بالذات تعيينًا دقيقًا من حيث طبيعته وموقعه في عقد الرهن ذاته أو في عقد رسمي لاحق، وهذا هو مقتضى مبدأ تخصيص الرهن من ناحية المرهون، وتعرض المادة (977)، وهي تقابل المادة (9) من القانون الحالي لشمول الرهن - بالإضافة إلى العقار ذاته - ملحقات هذا العقار التي تعتبر عقارًا، وبعد أن وضعت الفقرة الأولى المبدأ العام، ذكرت الفقرة الثانية ما يعتبر بوجه خاص من الملحقات، وقد حرص المشروع على النص، بعد بيان هذه الملحقات على أن ذلك كله ما لم يتفق على غيره وهي عبارة غير موجودة في النص الحالي، فليس ثمة ما يمنع من أن يتفق على أن الرهن لا يشمل ملحقات معينة كأحد العقارات بالتخصيص.
وتعرض المادة (978) للرهن الذي يرد على المباني القائمة على أرض الغير، دون الأرض، فتجيزه ثم تبين أثر الرهن إذا هدمت المباني أو إذا آلت إلى مالك الأرض، فيكون للدائن المرتهن أن يتقدم في استيفاء دينه من ثمن الأنقاض في حالة الهدم أو من التعويض الذي يدفعه مالك الأرض إذا استبقى المباني، وهو نفس الحكم الوارد في المادة (10) من القانون الحالي.
وتعرض المادتان (979، 980) للرهن الذي يرد على عقار مملوك على الشيوع، فإذا صدر الرهن من جميع الملاك، سواء كان على كل العقار المملوك على الشيوع، أو على جزء مفرز منه، أو على حصة شائعة، فيبقى الرهن نافذًا أيًا كانت نتيجة قسمة العقار بين الشركاء، بمعنى أن مركز الدائن المرتهن لا يتغير على أثر القسمة.
وإذا رهن أحد الشركاء حصته الشائعة في عقار، كلها أو بعضها ثم حصلت القسمة، فإن كان الرهن واردًا على كل حصة الشريك الراهن فإن الرهن يثقل ما وقع في نصيب الراهن مفرزًا وتتحرر منه الأجزاء التي وقعت في نصيب الشركاء الآخرين، وإن كان الراهن قد رهن بعض حصته كأن كان يملك النصف ورهن الربع، فإن الرهن يثقل جزءًا مما يقع في نصيب الراهن يعادل في قيمته ربع قيمة العقار كله ويعين هذا الجزء بأمر على عريضة ويحتفظ الرهن الذي تغير محله على النحو السابق بمرتبته إذا أُجري له قيد جديد خلال ستين يومًا من الوقت الذي يخطر فيه أي ذي شأن الدائن المرتهن بتسجيل القسمة، إلا أن احتفاظ الرهن بمرتبته على هذا الوجه لا يضر برهن صدر من جميع الشركاء ولا بامتياز المتقاسمين، فإذا كان الجزء الذي اختص به الشريك الراهن في القسمة قد رهنه جميع الشركاء وقيد هذا الرهن بعد قيد الرهن الذي صدر من الشريك على حصته الشائعة فالدائن المرتهن من جميع الشركاء يتقدم على المرتهن من الشريك وهو حكم منطقي لأن الفرض أن وجود الرهن الصادر من جميع الشركاء قد روعي عند إجراء القسمة، كما أن امتياز المتقاسمين يتقدم على الرهن بالرغم من احتفاظ هذا الرهن بمرتبته السابقة على إجراء القسمة. وقد أكمل المشروع نقصًا في القانون الحالي الذي لم ينص في المادة (11/ 1) الخاصة برهن الشريك حصة شائعة، على كيفية تعيين الجزء الذي يتحول إليه الرهن ولا على احتفاظ الرهن بمرتبته ولا على عدم الإضرار بالرهن الصادر من جميع الشركاء وامتياز المتقاسمين.
الدين المضمون بالرهن:
تنص المادة (981) التي تطابق المادة (12) من القانون الحالي على أنه يجوز أن يترتب الرهن ضمانًا لدين معلق على شرط أو دين مستقبل أو دين احتمالي ثم أوردت أهم التطبيقات العملية في هذا الخصوص، فيجوز أن يترتب الرهن ضمانًا لاعتماد مفتوح حيث نكون بصدد دين مستقبل، أو لفتح حساب جارٍ حيث نكون بصدد دين احتمالي، وإعمالاً لمبدأ تخصيص الرهن، من حيث الدين المضمون، والذي يقتضي أن يكون الدين محددًا جعل النص صحة الرهن الذي يترتب ضمانًا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب مشروطة بأن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين الذي يضمنه الرهن أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين.
وتعرض المادة (982) التي تطابق المادة (13) من القانون الحالي لمبدأ عدم تجزئة الرهن، فكل جزء من العقار أو العقارات المرهونة ضامن لكل الدين وبالتالي إذا باع الراهن جزءًا من العقار المرهون كان للدائن المرتهن أن ينفذ بكل الدين على العقار المبيع ولا يقتصر على جزء من الدين يتناسب مع قيمة هذا العقار، ومن ناحية أخرى، فكل جزء من الدين مضمون بالعقار أو العقارات المرهونة كلها فلو وفى المدين الجزء الأكبر من الدين فإن العقار أو العقارات المرهونة تبقى مع ذلك ضمانة للجزء الباقي من الدين، على أن مبدأ عدم التجزئة هذا لا يتعلق بالنظام العام وبالتالي يصح الاتفاق في عقد الرهن أو في اتفاق لاحق على تجزئة الرهن على نحو ما.
وتعرض المادة (983) الموافقة لحكم المادة (14) من القانون الحالي لتبعية الرهن للدين المضمون، فالرهن لم ينشأ إلا لضمان الدين فيكون تابعًا له، فإذا اتجهت إدارة المتعاقدين عند إنشاء الرهن إلى ضمان دين على أنه موجود ثم تبين أنه غير موجود لأنه مترتب على عقد باطل، كان الرهن نفسه باطلاً بالتبعية، وإذا وجد الدين ثم انقضى لسبب ما انقضى الرهن بالتبعية.
ويكون الرهن تابعًا للدين في صحته وانقضائه ولو كان الراهن غير المدين، أي كفيلاً عينيًا وعلى ذلك يستفيد هذا الراهن من كل ما يؤثر في وجود الدين المضمون وزواله فله أن يتمسك بجميع الأوجه التي يستطيع المدين نفسه أن يتمسك بها وهو يتمسك بهذه الأوجه باسمه هو لا باسم المدين، ولهذا لا يستطيع المدين أن يحرمه من التمسك بوجه من هذه الأوجه.
الفصل الثاني: آثار الرهن الرسمي:
إذا انعقد الرهن صحيحًا ترتبت عليه آثاره أولاً فيما بين المتعاقدين سواء بالنسبة إلى الراهن أو بالنسبة إلى الدائن المرتهن وثانيًا بالنسبة إلى الغير.
الفرع الأول - أثر الرهن فيما بين المتعاقدين:
أولاً: بالنسبة إلى الراهن:
يبقى الراهن مالكًا للعقار المرهون مع ما يخوله حق الملكية من سلطة التصرف " مع مراعاة أحكام التزام الراهن بضمان سلامة الرهن " فيجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن، والمقصود بداهة هو الدائن المرتهن الذي قيد حقه قبل التصرف، وعلى ذلك فللراهن أن يبيع العقار أو يهبه، وله أن يرتب عليه حق انتفاع، كما له أن يرهنه رهنًا آخر، فإذا كان حق المتصرف إليه قد نشأ بعد أن أصبح الرهن نافذًا في حق الغير، فإن تصرف الراهن لا يؤثر في حق الدائن المرتهن، فتنتقل الملكية مثقلة بالرهن، ويكون للدائن المرتهن أن ينفذ على العقار على اعتبار أنه خالٍ من حق الانتفاع كما يتقدم على الدائن صاحب الرهن الثاني.
وكما للراهن أن يتصرف في العقار المرهون فله الحق في إدارته ولهذا نصت المادة (984) التي تقابل المادة (16) من القانون الحالي، على أن للراهن الحق في إدارة العقار المرهون، وله قبض ثماره وكافة إيراداته إلى وقت التحاقها بالعقار على نحو ما يقضي به قانون المرافعات، ويختلف هذا النص عن نص القانون الحالي الذي يقتصر على القول إن " للراهن الحق في إدارة العقار المرهون وفي قبض غلته " فنص المشروع يجعل حق الراهن في قبض الثمار وكافة الإيرادات إلى وقت التحاقها بالعقار، والثمار والإيرادات تلحق بالعقار وفقًا لنص المادة (269) من مشروع قانون المرافعات الذي أقرته لجنة المراجعة من وقت تسجيل طلب الحجز على العقار، وتلحق بالعقار وفقًا لنص المادة (270) من هذا المشروع من وقت إنذار الحائز بدفع الدين أو تخلية العقار، إن كان العقار قد انتقل من الراهن إلى الحائز. والتحاق الثمار والإيرادات بالعقار يعني أنها تدخل فيما يشمله الرهن، وتطبيقًا لحق الراهن في إدارة العقار المرهون يكون له أن يؤجره، وقد عرضت المادة (985)، وليس لها مقابل في القانون الحالي، لنفاذ الإيجار الصادر من الراهن في حق الدائن فيجب عليه أن يحترم وجود حق المستأجر فيباع العقار بمراعاة وجود هذا الحق، أما إذا لم يكن نافذًا فيباع العقار على أساس عدم وجود حق المستأجر.
وبمقتضى نص المادة (985) تجب التفرقة، فيما يتعلق بنفاذ الإيجار بين فرضين:
الفرض الأول: أن يكون الإيجار ثابت التاريخ قبل تسجيل طلب الحجز على العقار، فينفذ في حق المرتهن في كل مدته إذا لم تزد هذه المدة على عشر سنوات، فإذا زادت مدته على عشر سنوات فينفذ لمدة عشر سنوات إذا لم يكن قد سُجل قبل قيد الرهن، وينفذ في كل مدته إذا كان قد سجل قبل القيد.
والفرض الثاني: أن يكون الإيجار غير ثابت التاريخ قبل تسجيل طلب الحجز، سواء انعقد قبل تسجيل الطلب أو بعده، وفي هذا الفرض لا يكون الإيجار نافذًا في حق الدائن المرتهن إلا إذا لم تعجل فيه الأجرة وكان داخلاً في أعمال الإدارة الحسنة، ولم يحدد النص متى يُعتبر الإيجار داخلاً في أعمال الإدارة الحسنة لأن تقدير ذلك يختلف بحسب الظروف، فيجب أن يكون بأجر المثل أو أكثر وأن يكون قد عقد لمدة لا تتجاوز المدة المعقولة وهي تختلف باختلاف الظروف ويقدرها القاضي وفقًا لما يُجرى عادة في تأجير مثل العقار المرهون.
ومما يتصل بحق الراهن في الإدارة وتأجير العقار المرهون مسألة نفاذ المخالصة بالأجرة أو الحوالة بها في حق الدائن المرتهن، وهي تفترض أن الإيجار نافذ في حقه، والأجرة باعتبارها نوعًا من الثمار تكون للراهن عن المدة السابقة على إلحاق الثمار بالعقار أي السابقة على تسجيل طلب الحجز، وبالتالي يكون من حق الراهن أن يقبضها وأن يعطي مخالصة بها أو يحولها قبل استحقاقها فلا تثور مسألة نفاذ المخالصة بها أو حوالتها في حق الدائن الذي لا حق له عليها.
أما بالنسبة للأجرة عن المدة اللاحقة لوقت التحاق الثمار بالعقار فتدخل فيما يشمله الرهن، وبالتالي يترتب على قبض المؤجر لها مقدمًا أو حوالتها إنقاص قيمة العقار عند البيع الأمر الذي يقتضي حماية الدائن المرتهن من مثل هذه التصرفات وهذا ما عرضت له المادة (986) من المشروع التي لا مقابل لها في القانون الحالي وبموجب هذا النص يجب التفرقة بين فرضين:
الفرض الأول: أن تكون المخالصة بالأجرة أو الحوالة بها ثابتة التاريخ قبل تسجيل طلب الحجز، فإن كانت عن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات نفذت في حق الدائن المرتهن، أما إن كانت عن مدة تزيد على ثلاث سنوات فلا تنفذ فيما زاد عن أجرة ثلاث سنوات إلا إذا كانت مسجلة قبل قيد الرهن.
والفرض الثاني: أن تكون المخالصة بالأجرة المسجلة أو الحوالة بها غير ثابتة التاريخ قبل تسجيل طلب الحجز فلا تكون نافذة في حق الدائن المرتهن.
الالتزام بضمان سلامة الرهن وأحكام هلاك العقار أو تلفه:
يلتزم الراهن، بمقتضى عقد الرهن، بضمان سلامة الرهن، وهو ما نصت عليه المادة (987) التي تقابل المادة (17) من القانون الحالي، وبمقتضى هذا الالتزام يجب على الراهن أن يمتنع عن أي عمل إيجابي أو سلبي ينقص من الضمان الذي يخوله الرهن للدائن المرتهن، فعليه أن يمتنع عن هدم العقار المبني كله أو بعضه أو نزع المغروسات من الأرض إذا لم يكن نزعها مما يقتضيه استغلالها كما عليه أن يحافظ على العقار فلا يتركه يتخرب، وحتى لا يترتب على هذا الالتزام تعطيل حق الراهن في الإدارة والاستغلال حدد النص الأعمال التي للدائن أن يعترض عليها بأنها التي من شأنها إنقاص ضمانه إنقاصًا كبيرًا، كما يشمل الضمان تعرض الغير قانوني، فعلى الراهن أن يدفع أي ادعاء من الغير بحق لو ثبت لترتب عليه المساس بحق الدائن كأن يدعي الغير أنه يملك العقار المرهون.
وللدائن في سبيل المحافظة على حقه أن يعترض على كل عمل يكون من شأنه إنقاص الضمان إنقاصًا كبيرًا وله في حالة الاستعجال أن يقوم بالوسائل التحفظية كأن يطلب تعيين حارس يتولى المحافظة على العقار أو يطلب الترخيص له بعمل يتولى المحافظة على العقار أو يطلب الترخيص له بعمل الترميمات اللازمة لمنع تهدم العقار.
وإذا أخل الراهن بالتزامه بالضمان الذي قررته المادة (987) فتسبب بخطئه في هلاك العقار المرهون أو تلفه، فيكون للدائن وفقًا للقاعد العامة أن يطلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب ذلك ولما كان الضرر هو زوال التأمين العيني أو ضعفه فيكون الجزاء هو أن يقدم الراهن تأمينًا كافيًا أو يدفع الدين فورًا وهذا ما قررته المادة (988) في فقرتها الأولى " موافقة للفقرة الثانية من المادة (18) من القانون الحالي " التي جعلت الخيار للدائن.
أما إذا هلك العقار أو تلف بسبب أجنبي لا يد للراهن فيه، وحيث لا نكون بصدد إخلال بالالتزام بالضمان، وترتب على ذلك زوال التأمين أو ضعفه، ولم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين، فيكون الخيار للمدين بين أن يقدم تأمينًا كافيًا أو يوفي الدنين فورًا قبل حلول الأجل، وهذا ما قررته الفقرة الثانية من المادة (988)، هذا ولم يتضمن النص الحكم الوارد في الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون الحالي والذي يقرر أنه إذا اختار المدين وفاء الدين فورًا ولم يكن للدين فوائد منفصلة عنه فلا يكون للدائن حق إلا في استيفاء مبلغ يعادل قيمة الدين منقوصًا منه الفوائد بسعر (5) في المائة عن المدة ما بين تاريخ الوفاء وتاريخ حلول الدين، لم يتضمن النص هذا الحكم تمشيًا مع سياسة المشروع في استبعاد نظام الفوائد.
وإذا ترتب على هلاك العقار أو تلفه استحقاق مقابل كما لو كان الهلاك أو التلف بفعل الغير والتزم بدفع تعويض أو كان مؤمنًا عليه والتزمت شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين أو تملكت الدولة العقار المرهون للمنفعة العامة وحيث نكون بما يطلق عليه الهلاك القانوني، فينتقل الرهن بمرتبته إلى المقابل، وهذا ما نصت عليه المادة (989) التي تقابل وتوافق المادة (19) من القانون الحالي.
ثانيًا: أثر الرهن بالنسبة إلى الدائن المرتهن:
وإذا أصبح دين الدائن المرتهن مستحق الأداء، فلهذا الدائن بالإضافة إلى حقه في التنفيذ على كل أموال مدينه بمقتضى حقه في الضمان العام، أن ينفذ على العقار المرهون، ويكون ذلك وفقًا للإجراءات المقررة لذلك، وقد نصت المادة (990) من المشروع، التي تقابل المادة (20) من القانون الحالي، على حق الدائن في التنفيذ على العقار، وذلك دون ذكر ما ورد في نص القانون الحالي من أنه " وإذا لم يفِ العقار بحقه، فله أن يستوفي ما بقي من الحق كدائن عادي من سائر أموال المدين " لأن هذه العبارة تقرر حكمًا مسلمًا لا يحتاج إلى نص.
وعرضت المادة (991) التي تقابل المادة (21) من القانون الحالي لحالة ما إذا كان الراهن شخصًا آخر غير المدين، أي للكفيل العيني، وقررت أنه لا يجوز التنفيذ على أمواله إلا ما رهن منها، كما قررت أنه لا يكون لهذا الراهن الدفع بتجريد المدين ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك، كما قررت الفقرة الثانية أنه يجوز للراهن أن يتفادى أي إجراء موجه إليه إذا هو تخلى عن العقار المرهون وفقًا للأوضاع وطبقًا للأحكام التي يتبعها الحائز في تخلية العقار، وكل هذه أحكام مسلمة ترجع إلى أن الراهن ليس مسؤولاً شخصيًا عن الدين.
وتطبيقًا للقاعدة التي تقرر أن حق الدائن المرتهن في استيفاء حقه من العقار المرهون يكون " وفقًا للإجراءات المقررة لذلك "، وهي قاعدة آمرة، قررت المادة (992) بطلان كل اتفاق على أن يتملك الدائن المرتهن العقار المرهون عند عدم وفاء الدين وكذلك الاتفاق على أن يباع العقار دون مراعاة الإجراءات التي فرضها القانون، وهو حكم أُريد به حماية الراهن الذي قد يقبل مثل هذه الشروط اعتمادًا منه على أنه سيفي بالدين ثم يخيب تقديره ويتعذر عليه الوفاء. 

الفرع الثاني - أثر الرهن بالنسبة إلى الغير:
 الأثر الجوهري للرهن يكون بالنسبة للغير حيث يتمكن الدائن المرتهن من التنفيذ على العقار المرهون في أي يد يكون وهذا هو التتبع، وأن يستوفي حقه بالتقدم على غيره، ولا يترتب شيء من ذلك إلا بعد أن تتاح للغير فرصة العلم بوجود الرهن، والإجراء الذي رسمه القانون لذلك هو قيد الرهن، وقد قرر المشروع في المواد من (993) إلى (999) عدم نفاذ الرهن في حق الغير إلا إذا قُيد، وكذلك إجراءات القيد وسقوطه وتجديده ومحوه وإلغاء المحو.
وتضع المادة 993/ 1 القاعدة العامة في عدم نفاذ الرهن في حق الغير إلا إذا قيد قبل أن يكسب هذا الغير حقًا عينيًا على العقار وهو الحكم المقرر في المادة (23) من القانون الحالي.
وأكمل النص نقصًا في القانون الحالي بالنص في الفقرة الثانية على أنه لا يصح التمسك قِبل الغير بتحويل حق مضمون بقيد ولا التمسك بالحق الناشئ من حلول شخص محل الدائن في هذا الحق بحكم القانون أو الاتفاق، ولا التمسك بالتنازل عن مرتبة الرهن لمصلحة دائن آخر، إلا إذا حصل التأشير بذلك في هامش القيد الأصلي.
ونصت المادة (994) على أن أثر القيد يقتصر على المبلغ المبين بالقائمة أو المبلغ المضمون بالرهن أيهما أقل، ونصت المادة (995) على سقوط القيد إذا لم يجدد، وحق الدائن إذا ما سقط القيد في إجراء قيد جديد تكون مرتبته من وقت إبرامه، كما نصت المادة (996) على وجوب إجراء التجديد حتى أثناء إجراءات التنفيذ، وعرضت المادة (997) لمحو القيد فنصت على أنه لا يجوز إلا بموجب حكم نهائي أو برضاء الدائن بتقرير رسمي وبينت المادة (998) أثر إلغاء المحو وهو أن تعود للقيد مرتبته الأصلية دون أن يكون لهذا الإلغاء أثر رجعي بالنسبة إلى القيود والتسجيلات التي أُجريت في الفترة بين المحو والإلغاء، وأخيرًا عرضت المادة (999) لمصروفات القيد وتجديده ومحوه فقررت أنها على الراهن ما لم يتفق على غير ذلك.
أولاً: حق التقدم:
وضعت المادة (1000) التي تقابل وتوافق المادة (31) من القانون الحالي، القاعدة العامة في حق التقدم أو الأولوية بالنص على أن يستوفي الدائنون المرتهنون حقوقهم قبل الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار وذلك بحسب مرتبة كل منهم.
كما عرضت المادة (1001) التي تطابق المادة (32) من القانون الحالي، لتحديد مرتبة الرهن فنصت على أن تحسب الرتبة من وقت القيد ولو كان الدين المضمون بالرهن معلقًا على شرط أو كان دينًا مستقبلاً أو احتماليًا.
كما نصت المادة (1002) التي تطلب المادة (33) من القانون الحالي، على أنه يترتب على قيد الرهن إدخال مصروفات العقد والقيد والتجديد في التوزيع وفي مرتبة الرهن نفسها.
وأخيرًا عرضت المادة (1003) التي تطابق المادة (34) من القانون الحالي، لمسألة النزول عن مرتبة الرهن لمصلحة دائن آخر، فقررت جواز هذا النزول لمصلحة دائن آخر له رهن مقيد على نفس العقار فلا يجوز النزول لدائن عادي، ويكون النزول في حدود الدين المضمون بالرهن الذي نزل صاحبه عن مرتبته، وإذا تم النزول فيجوز التمسك قبل الدائن الذي تم النزول لمصلحته بأوجه الدفع التي يجوز التمسك بها قبل من نزل، مثل بطلان الرهن أو القيد أو انقضاء الدين في وقت سابق على النزول ولكن لا يجوز التمسك بانقضاء حق الدائن الذي نزل إذا كان الانقضاء لاحقًا للنزول عن المرتبة.
ثانيًا: حق التتبع:
تناول المشروع بنصوص المواد من (1004) إلى (1023) تنظيم حق التتبع أي حق الدائن المرتهن في التنفيذ على العقار المرهون لاستيفاء حقه، في مواجهة من انتقلت إليه ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني آخر قابل للرهن دون أن يكون مسؤولاً مسؤولية شخصية عن الدين، وهو الذي اصطُلح على تسميته الحائز.
فنصت المادة (1004) في فقرتها الأولى، التي تقابل وتوافق الفقرة الأولى من المادة (35) من القانون الحالي، على حق الدائن المرتهن إذا حل أجل دينه في أن ينفذ على العقار المرهون في يد الحائز بعد إنذاره بدفع الدين، ومن النص يتضح أن الإجراء الأول الذي يجب على الدائن أن يقوم به هو أن ينذر الحائز بدفع الدين، فإذا تم الإنذار، يكن للحائز أن يختار أحد أمور أربعة: إما أن يقوم بوفاء الدين المضمون بالرهن، أو أن يطهر العقار من الرهن، أو أن يتخلى عن هذا العقار أو أن يتحمل إجراءات التنفيذ على العقار.
وحددت الفقرة الثانية من النص من يعتبر حائزًا للعقار المرهون، في هذا الخصوص، فذكرت أنه كل من انتقلت بأي سبب غير الميراث ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني آخر عليه قابل للرهن دون أن يكون مسؤولاً مسؤولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن " تقابل الفقرة الثانية من المادة (35) من القانون الحالي ".
وقبل أن يعرض المشروع لتنظيم خيارات الحائز السابقة الإشارة إليها عرض في المادة (1005) ولا مقابل لها في القانون الحالي، للدفوع التي للحائز أن يتمسك بها في مواجهة الدائن المرتهن مقتصرًا على دفوع المدين إذ مما لا يحتاج إلى نص خاص أن الحائز له أن يتمسك بما هو خاص به لعدم نفاذ الرهن في حقه، ومن النص يتضح أنه يجب أن نفرق بين فرضين، الفرض الأول: أن يكون الحكم قد صدر ضد المدين قبل أن تثبت للحائز صفته هذه، وهنا يكون الحكم حجة على الحائز فلا يجوز له أن يتمسك بما لا يستطيع المدين نفسه أن يتمسك به بعد صدور الحكم أما الدفوع التي للمدين أن يتمسك بها بعد الحكم، وهي التي لا تمس حجية الأمر المقضي، كانقضاء الدين بعد صدور الحكم بأي سبب، فيكون للحائز أن يتمسك بها، الفرض الثاني: أن يكون الحكم قد صدر على المدين، بعد أن أصبح الحائز حائزًا فإن كان الحائز قد اختصم في الدعوى أو تدخل فيها كان الحكم حجة عليه، أما إذا لم يختصم ولم يتدخل فلا يكون الحكم حجة عليه وبالتالي يكون له أن يتمسك في مواجهه الدائن بأوجه الدفع التي كان للمدين أن يتمسك بها ولو كان المدين نفسه لم يعد قادرًا على التمسك بها هذا بالإضافة إلى حق الحائز في التمسك بالدفوع التي لا يزال للمدين بعد الحكم أن يتمسك بها.
( أ ) قضاء الديون:
قد يرى الحائز، ولو أنه غير مسؤول مسؤولية شخصية عن الدين، أن مصلحته تقتضي الوفاء بالديون التي يضمنها الرهن كلها أو بعضها كما لو كانت قيمة الديون كلها أقل من قيمة العقار ويرغب الحائز في الحيلولة دون بيعه بالمزاد، أو كانت الديون أكثر من قيمة العقار ويفضل الحائز الوفاء بدين متقدم ليحل محل الدائن الذي وفاه، لهذا أعطى المشروع الحائز الحق في قضاء الديون كلها أو بعضها بل ألزمه بالوفاء في حالات خاصة.
فعرضت المادة (1006) التي تقابل المادة (36) من القانون الحالي لحق الحائز عند حلول الدين المضمون بالرهن أن يوفيه هو وملحقاته التي يضمنها الرهن بما فيها المصروفات التي أنفقت في الإجراءات من وقت إنذاره بدفع الدين، ويبقى حقه في الوفاء قائمًا إلى وقت رسو المزاد، فإذا وفى الحائز، كان له أن يرجع بكل ما أداه على كل من المدين ومن تلقى منه حقه إن لم يكن هو المدين إذا كان سند تملك الحائز يسمح لهذا الرجوع وللحائز بالإضافة إلى الرجوع على كل منهما بدعوى شخصية، أن يحل محل الدائن فيما كان له من حقوق فيكون له حق الدائن بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكلفه من تأمينات فيما عدا التأمينات التي قدمها شخص آخر غير المدين، ويرجع استثناء هذه التأمينات إلى أن العقار لو بقي في يد المدين ونفذ عليه الدائن لما كان للمدين أن يرجع على الكفيل فلا يصح أن يسوء مركز الكفيل لمجرد وجود حائز.
ومما يحل فيه الحائز محل الدائن المرتهن الرهن المقرر على العقار الذي يحوزه، وتظهر فائدة الحلول هنا إذا كانت هناك قيود أخرى متأخرة عن رهن الدائن الذي استوفى دينه، ولذلك نصت المادة (1007) التي توافق المادة (37) من القانون الحالي، على أنه يجب على الحائز أن يحتفظ بقيد الرهن الذي حل فيه محل الدائن بأن يجدده عند الاقتضاء، وذلك إلى أن تمحى القيود التي كانت موجود على العقار وقت تسجيل سند هذا الحائز.
وتعرض المادة (1008)، التي تقابل المادة (38) من القانون الحالي مع تعديل طفيف، للحالات التي يلزم فيها الحائز بقضاء الديون ومن النص يتضح أن الحائز يلتزم بقضاء الديون في حالتين:
الحالة الأولى: وهي التي تنص عليها الفقرة الأولى، إذا كان في ذمة الحائز بسبب امتلاكه العقار المرهون مبلغ مستحق الأداء حالاً يكفي لوفاء جميع الدائنين المقيدة حقوقهم، فلكل من هؤلاء الدائنين أن يجبره على الوفاء بحقه.
الحالة الثانية: إذا كان ما في ذمة الحائز غير مستحق الأداء حالاً أو كان أقل من مجموع الديون المستحقة للدائنين، أو كان مغايرًا لها، فإذا تحقق فرض من هذه الفروض الثلاثة جاز للدائنين إذا اتفقوا جميعًا أن يطالبوا الحائز بدفع ما في ذمته بقدر ما هو مستحق لهم، ويكون الدفع طبقًا للشروط التي التزم الحائز في أصل تعهده أن يدفع بمقتضاها وفي الأجل المتفق عليه، فإذا طالب أحد الدائنين الحائز في الحالة الأولى، أو طالبوه جميعًا في الحالة الثانية أصبح ملتزمًا شخصيًا بدفع ما طلب منه، ويكون هذا الالتزام مضمونًا لا بالعقار المرهون وحده ولكن بكافة أموال الحائز، ولا يكون للحائز أن يتخلص من التزامه بتخلية العقار، وإذا وفى فيعتبر العقار خالصًا من كل رهن وبالتالي يكون للحائز الحق في طلب محو ما عليه من قيود.
(ب) تطهير العقار:
يقصد بحق الحائز في تطهير العقار، بوجه عام، حقه في تخليصه مما عليه من حقوق مقيدة نافذة في حقه، ويكون بأن يعرض الحائز قيمة العقار على أصحاب هذه الحقوق، ولو قبل حلول آجالها فإذا قبلوها دفعها لهم وأصبح العقار خالصًا مما يثقله، وإذا اعترض أحدهم يباع العقار بالمزاد وينتهي الأمر إما برسو المزاد على الحائز أو على غيره، وفي الحالين يطهر العقار مما عليه من حقوق.
وقد عرض المشروع للتطهير في المواد (1009) إلى (1014) على النحو الآتي:
تضع المادة (1009) التي تقابل المادة (39) من القانون الحالي وتطابقها المبدأ العام في حق الحائز في التطهير، فتقرر في الفقرة الأولى أنه يجوز للحائز أن يطهر العقار من كل رهن تم قيده، قبل تسجيل سند حقه، ثم تحدد الفقرة الثانية الوقت الذي يجوز فيه التطهير، فللحائز أن يطلب التطهير منذ أن يصبح حائزًا ودون انتظار توجيه أي إنذار إليه ودون اعتبار لما إذا كانت ديون الدائنين حالة أم لا ويبقى حقه هذا قائمًا إلى يوم توقيع الحجز على العقار.
ثم بينت المادتان (1010 و1011) ما يجب على الحائز أن يفعله إذا ما أراد تطهر العقار، فعلى الحائز أن يوجه إلى كل دائن من الدائنين المقيدة حقوقهم إعلانًا يشتمل على البيانات المذكورة في نص المادة (1010) والتي تمكن من معرفة الحائز وسند ملكيته، والعقار المراد تطهيره ومالكه السابق، والثمن الذي اشترى به الحائز إن كان سنده بيعًا والحقوق المقيدة ومقدار كل منها وأسماء الدائنين، والمبلغ الذي يقدره الحائز قيمة للعقار والذي يجب ألا يقل في أي حال عما بقي في ذمة الحائز من ثمن العقار إن كان قد تملك بالشراء.
كما تنص المادة (1011) على أنه يجب أن يذكر الحائز في الإعلان أنه مستعد أن يوفي الديون المقيدة إلى القدر الذي قوم به العقار، وليس عليه أن يصحب هذه العرض بالمبلغ نقدًا، وإنما ينحصر العرض في إظهار استعداده للوفاء بمبلغ واجب الدفع في الحال أيًا كان ميعاد استحقاق الديون المقيدة.
وإذا وجه الحائز الإعلان على النحو السابق، فيكون لكل دائن ألا يرتضي العرض ويطلب بيع العقار. وقد نصت المادة (1012)، التي تقابل المادة (42) من القانون الحالي مع شيء من التعديل، على أنه يجوز لكل دائن قيد حقه ولكل كفيل لحق مقيد أن يطلب بيع العقار المطلوب تطهيره، ويكون ذلك في مدى ثلاثين يومًا من آخر إعلان رسمي، ثم بينت الفقرة الثانية أن الطلب يكون بإعلان، يوجه إلى الحائز وإلى المالك السابق، والحكمة من إعلان الحائز واضحة فهو الذي عرض قيمة العقار وطلب البيع يعتبر رفضًا لعرضه، وأما إعلان المالك السابق فالحكمة منه إتاحة الفرصة له ليعلم أن العقار سيعرض للبيع في المزاد فقد يعمل على تفادى البيع بأن يفي بالدين ليتخلص من دعوى الضمان التي يرجع عليه بها الحائز إذا ما خرج العقار من يده، كما ألزم النص طالب البيع أن يودع صندوق إدارة التنفيذ مبلغًا كافيًا لتغطية مصروفات البيع وذلك حتى لا يقدم أي دائن أو كفيل على طلب البيع دون تروٍ، إذ لو لم يرس المزاد بثمن أعلى من المبلغ الذي عرضه الحائز فإن طالب البيع هو الذي يتحمل المصروفات لأنه هو الذي تسبب في إنفاقها، ويترتب على طلب البيع من أحد الدائنين أو من أحد الكفلاء تعلق حق الدائنين الآخرين به، إذ قد يكون أحدهم راغبًا في طلب البيع ولم يمنعه من الطلب إلا أنه وجد غيره قد طلبه، ولهذا نصت الفقرة الثالثة من النص على أنه لا يجوز للطالب أن يتنحى عن طلبه إلا بموافقة جميع الدائنين المقيدين وجميع الكفلاء.
وإذا طلب البيع، وكان الطلب صحيحًا وفقًا لما نصت عليه المادة (1012) فيباع العقار بالمزاد وفقًا للإجراءات المقررة في البيوع الجبرية، وهذا ما نصت عليه المادة (1013) التي تقابل المادة (43) من القانون الحالي مع شيء من التعديل. وقد نصت المادة على أن يتم البيع بناءً على طلب صاحب المصلحة في التعجيل من طالب أو حائز، كما أوجبت على من يباشر الإجراءات أن يذكر في إعلانات البيع المبلغ الذي قوم به العقار.
هذا ولم يأخذ المشروع بالحكم الوارد في الفقرة الثانية من المادة (43) من القانون الحالي (وتقابل الفقرة الثانية من المادة 1069 مصري) والتي تنص على أنه (ويلتزم من ترسو عليه المزايدة بأن يرد إلى الحائز الذي نُزعت ملكيته المصروفات التي أنفقها في سند ملكيته وفيما قام به من الإعلانات، وذلك إلى جانب التزامه بالثمن الذي رسا به المزاد والمصروفات التي اقتضتها إجراءات التطهير) ذلك أنه ليس ثمة مبرر لإلزام الراسي عليه بالمزاد بتلك المصروفات.
وأخيرًا عرضت المادة (1014) لحالة ما إذا لم يرفض أي من الدائنين عرض الحائز، وفي حكمها حالة طلب البيع إذا لم يعرض أحد ثمنًا أعلى مما قدره عليه الحائز قيمة للعقار، فنصت على أنه (إذا لم يطلب بيع العقار في الميعاد المحدد وبالأوضاع المقررة، أو طلب البيع ولكن لم يعرض في المزاد ثمن أعلى مما عرضه الحائز، استقرت ملكية العقار نهائيًا لهذا الحائز إذا هو أودع المبلغ الذي عرضه صندوق إدارة التنفيذ).
هذا ونشير إلى أنه إذا تمت إجراءات التطهير إما ببيع العقار وفقًا لنص المادة (1013) أو باستقرار الملكية للحائز وفقًا لنص المادة (1014) فينقضي الرهن نهائيًا حتى ولو زالت لأي سبب ملكية الحائز الذي طهر العقار، وهذا ما نصت عليه المادة (1015) في الفصل الخاص بانقضاء الرهن الرسمي.
(جـ) تخلية العقار:
الخيار الثالث المخول للحائز هو تخلية العقار المرهون، التي يُقصد بها ترك الحيازة العرضية للعقار لشخص آخر يعين حارسًا وتُتخذ ضده إجراءات البيع الجبري، والحكمة من تقرير هذا الحق للحائز هي أولاً تمكينه، وهو شخص غير مسؤول شخصيًا عن الدين المضمون، من تفادي ظهور اسمه في إجراءات تنفيذ الأمر الذي قد يسيء إلى سمعته المالية نظرًا إلى أنه قد يشعر الناس باضطراب مركزه المالي في حين أنه ليس مدينًا بالدين الذي يُجرى التنفيذ من أجله، ومن ناحية أخرى فالتخلية تمكن الحائز من التخلص من مسؤولية إدارة العقار المرهون في الفترة التي يُجرى فيها التنفيذ خاصة وثمار العقار تلحق به فتدخل فيما يضمنه الرهن من وقت إنذاره.
وتكون تخلية العقار، وفقًا لنص المادة (1015) التي توافق المادة 46/ 1 من القانون الحالي، بتقرير يقدمه الحائز إلى إدارة كتاب المحكمة الكلية، ويجب على الحائز أن يعلن الدائن المباشر للإجراءات بهذه التخلية خلال خمسة أيام من وقت التقرير بها، فإذا تم ذلك، فيجوز وفقًا للفقرة الثانية من النص لمن له مصلحة في التعجيل أن يطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة تعيين حارس تتخذ في مواجهته إجراءات التنفيذ، ويعين الحائز حارسًا إذا طلب ذلك، وإذا كان من النادر أن يطلب الحائز، بعد أن تخلى، تعيين نفسه حارسًا فقد يرغب في أن يتولى بنفسه إدارة العقار ويكتفي بأن يظهر اسمه في إجراءات التنفيذ بوصفه حارسًا على أساس أن هذا لا يسيء إلى سمعته المالية.
(د) التنفيذ على العقار:
  تنص المادة (1016)، التي تقابل المادة (47) من القانون الحالي مع شيء من التعديل، على أنه (إذا لم يختر الحائز أن يقضي الديون المقيدة أو يطهر العقار من الرهن أو أن يتخلى عن هذا العقار، فلا يجوز للدائن أن يتخذ في مواجهته إجراءات التنفيذ إلا بعد إنذاره بدفع الدين المستحق أو تخلية العقار...) وقد أضاف نص المشروع إلى هذه العبارة الموجودة في النص الحالي عبارة (ويكون الإنذار بعد إعلان السند التنفيذي للمدين المتضمن تكليفه بالوفاء بالدين وفقًا لما يقضي به قانون المرافعات أو مع هذا الإعلان) فبرغم أن الإجراءات تُجرى في مواجهه الحائز، إلا أنه يجب على الدائن أن يبدأ أولاً بالتنبيه على المدين بالوفاء لأنه هو المسؤول عن الدين.
وليس ثمة ما يمنع الحائز من أن يدخل في المزاد ولكن يجب في هذه الحالة ألا يعرض ثمنًا أقل من الباقي في ذمته من ثمن العقار، وهذا ما نصت عليه المادة (1017) وحكمها وارد في المادة (48) من القانون الحالي.
وعند عرض العقار للبيع في المزاد، سواء اتخذت إجراءات التطهير أو التخلية أو دون أن تتخذ، فقد يرسو المزاد على الحائز وقد يرسو على غيره، فإذا رسا المزاد على الحائز اعتُبر مالكًا للعقار بمقتضى سند ملكيته الأصلي، ويتطهر العقار من الحقوق المقيدة إذا دفع الحائز الثمن الذي رسا به المزاد (المادة 1018)، أما إذا رسا المزاد على شخص غير الحائز، فيكون هذا الشخص قد تلقى ملكيته عن الحائز بمقتضى حكم مرسي المزاد (1019).
ولما كان الحائز هو مالك العقار، فإذا رسا المزاد بما يزيد على ما هو مستحق للدائنين المقيدة حقوقهم، كانت الزيادة للحائز، وكان للدائنين المرتهنين من الحائز نفسه أن يستوفوا حقوقهم من هذه الزيادة، وهذا ما نصت عليه المادة (1020) التي تقابل المادة (49) من القانون الحالي، وقد استبعد المشروع العبارة الأخيرة من النص الحالي وهي (... إذا كان العقار قد رسا على غير الحائز) ذلك أن برسو المزاد يطهر العقار من كل الحقوق المقيدة حتى ولو رسا المزاد على الحائز نفسه.
وإذا فُرض وكان للحائز على العقار، قبل أن يتملكه، حق عيني كالانتفاع أو الاتفاق أو الرهن، وكان هذا الحق نافذًا بالنسبة للدائنين فإن كان الحق أصليًا كالانتفاع أو الارتفاق فالعقار يباع مع الاعتبار وجود الحق وبالتالي فإذا رسا المزاد على غير الحائز عاد إلى الحائز حقه، وإن كان الحق تبعيًا كالرهن فيكون للحائز أن يستوفي الدين الذي يضمنه هذا الرهن حسب مرتبته بشرط أن يكون قد احتفظ بهذه المرتبة عن طريق تجديد القيد، وهذا هو ما تعنيه المادة (1021) بالنص على أن يعود للحائز ما كان له قبل انتقال ملكية العقار إليه من حقوق ارتفاق وحقوق عينية أخرى.
وإذا بيع العقار، فيكون للحائز بمقتضى المادة (1022) سواء رسا المزاد عليه أو على غيره، أن يرجع بالضمان أولاً على المالك السابق بدعوى ضمان الاستحقاق في الحدود التي يسمح بها سند تمليكه، فإن كان قد تملك بمقابل فيرجع على سلفه بالتعويض عما لحقه من خسارة سواء في حالة قبول الدائنين القيمة التي عرضها لتطهير العقار أو في حالة بيع العقار بالمزاد ولو رسا المزاد عليه. كما أن للحائز أن يرجع على المدين بما دفعه زيادة على ما هو مستحق في ذمته بمقتضى سند ملكيته، ويكون ذلك إما بدعوى الإثراء أو بدعوى الحلول حيث يحل محل الدائنين الذين وفاهم حقوقهم وعندئذٍ يستفيد من التأمينات التي قدمها المدين دون التأمينات التي قدمها غيره.
وأخيرًا نصت المادة (1023) التي تقابل المادة (51) من القانون الحالي، على أن الحائز مسؤول قبل الدائنين عما يصيب العقار من تلف بخطئه فإذا تسبب الحائز بخطئه في تلف العقار، ولو قبل أن يبدأ الدائنون في الإجراءات ضده، فيكون قد اعتدى على حقوقهم فيُسأل وفقًا لقواعد المسؤولية التقصيرية، ولا يفيد من التعويض إلا الدائنون الذين لم يكفِ الثمن لقضاء ديونهم.

الفصل الثالث: انقضاء الرهن الرسمي:
ينقضي الرهن الرسمي أولاً بصفة تبعية لانقضاء الدين المضمون وقد سبق أن قررت المادة (983) أن يكون الرهن تابعًا للدين المضمون في صحته وفي انقضاءه ما لم ينص القانون على غير ذلك، وقد نصت المادة (1024) التي تقابل الفقرة الأولى من المادة (52) من القانون الحالي، على أن ينقضي الرهن الرسمي بانقضاء الدين المضمون، ويعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين دون إخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها في الفترة ما بين انقضاء الدين وعودته وعلى ذلك إذا انقضى الدين المضمون بالوفاء أو الإبراء مثلاً انقضى الرهن بالتبعية، فإذا أُبطل الوفاء أو الإبراء عاد الدين وعاد الرهن، فإذا كان مالك العقار قد رتب عليه حقًا عينيًا في الفترة بين انقضاء الرهن وعودته إلى شخص حسن النية فان عوده الرهن لا تضر بحق هذا الشخص.
وهذا ولم ينقل المشروع حكم الفقرة الثانية من المادة (52) من القانون الحالي التي تنص على أنه (ويجوز للمدين أن يفي بالدين قبل حلول الأجل ويطلب محو الرهن، فإذا لم يقبل الدائن جاز للمدين أن يودع صندوق المحكمة الدين وملحقاته وما قد يكون قد اشتُرط من تعويض عند التعجيل بالوفاء وعندئذٍ يُمحى الرهن) لم ينص المشروع على هذا فليس ثمة ما يبرر إجبار الدائن المرتهن على استيفاء الدين قبل حلول الأجل.
كما ينقضي الرهن الرسمي بصفة أصلية، حتى ولو لم ينقضِ الدين المضمون به كله أو بعضه، بتمام إجراءات التطهير وبيع العقار جبرًا بالمزاد العلني.
وقد نصت المادة (1025) التي تقابل المادة (45) من القانون الحالي، على أنه (إذا تمت إجراءات التطهير انقضى حق الرهن الرسمي نهائيًا ولو زالت لأي سبب من الأسباب ملكية الحائز الذي طهر العقار) فإذا ما طلب الحائز التطهير وقبل الدائنون القيمة التي عرضها واستقرت ملكية الحائز للعقار نهائيًا بإيداع المبلغ الذي عرضه وفقًا لنص المادة (1014) من المشروع، فيتطهر العقار من الرهون المقيدة ولو كان بعض الدائنين لم يحصل على حقه، ويبقى الرهن منقضيًا حتى ولو زالت بعد ذلك ملكية الحائز لأي سبب.
كما نصت المادة (1026) التي تقابل المادة 53/ 2 من القانون الحالي، على أنه (إذا بيع العقار المرهون بيعًا جبريًا بالمزاد العلني سواء كان ذلك في مواجهة مالك العقار أو الحائز أو الحارس الذي سلم إليه العقار عند التخلية، فإن حقوق الرهن على هذا العقار تنقضي بإيداع الثمن الذي رسا به المزاد أو بدفعه إلى الدائنين المقيدين الذين تسمح مرتبتهم باستيفاء حقوقهم من هذا الثمن.
وهذا ولم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على ما ورد في القانون الحالي من انقضاء الرهن باتحاد الذمة (م 54) أو بنزول الدائن عنه (م 55) أو بانقضاء مدة تقادم الدين المضمون بالرهن (م 56).
الباب الثاني - الرهن الحيازي
الفصل الأول: إنشاء الرهن الحيازي:
عرفت المادة (1027) الرهن الحيازي، وهي تقابل المادة (57) من القانون الحالي، والنص يضع تعريفًا لعقد الرهن الحيازي وتعريفًا في الوقت نفسه لحق الرهن الذي يترتب عليه.
ويتضمن تعريف المشروع حكمًا يخالف حكم القانون الحالي، كما أنه أبرز مسائل وإن كانت مسلمة من ظل القانون الحالي إلا أن التعريف لم يشر إليها، فأولاً: حرص نص المشروع على بيان أن الرهن الحيازي عقد (به يلتزم شخص ... أن يسلم شيئًا ...) مما يدل على أن التسليم هو التزام على عاتق الراهن وليس ركنًا في العقد، وبذلك عدل المشروع عن مذهب القانون الحالي في اعتبار الرهن الحيازي عقدًا عينيًا لا ينعقد إلا بالتسليم إذ تنص الفقرة الأولى من المادة (58) من هذا القانون على أنه (يشترط لتمام رهن الحيازة أن يقبض الدائن المرتهن الشيء المرهون).
هذا بالإضافة إلى أن نص المشروع ذكر أن الرهن ينشأ ضمانًا لدين على الراهن أو على غيره، وهو ما لم يرد في نص القانون الحالي، كما نص المشروع على أن العدل الذي قد يسلم إليه المرهون يعينه المتعاقدان، وأخيرًا صرح نص المشروع بأن الحق الذي يترتب على عقد الرهن هو حق عيني.
ويختلف الرهن الحيازي عن الرهن الرسمي، فيما يتعلق بالمرهون، بأنه لا يقتصر على رهن العقار، بل يمكن أن يرهن المنقول رهنًا حيازيًا ولهذا عبرت المادة (1027) عن المرهون بالشيء، ثم جاءت المادة (1028) فنصت على أن (لا يكون محلاً للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالاً بالمزاد العلني من منقول وعقار)، وبدهي أن ما يمكن بيعه استقلالاً لا بد من أن يكون مما يجوز التعامل فيه ولهذا لم يرد هذا الشرط الأخير في نص المشروع على خلاف نص المادة (62) من القانون الحالي.
وأحالت المادة (1029) على أحكام المواد (974، 975، 978، 981، 982، 983) المتعلقة بالرهن الرسمي، وهذه المواد المحال عليها تتناول رهن ملك الغير، وبقاء الرهن قائمًا لمصلحة الدائن المرتهن حسن النية إذا كان قد صدر من مالك قد تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو زواله لأي سبب آخر ورهن المباني القائمة على أرض الغير وجواز إنشاء الرهن ضمانًا لدين معلق على شرط أو دين مستقبل أو دين احتمالي، ومبدأ عدم تجزئة الرهن، وأخيرًا تبعية الرهن للدين المطعون في صحته وانقضائه، وهذه كلها موضوعات لا وجه فيها لمغايرة الحكم بين الرهن الرسمي والرهن الحيازي.
ثم عرضت المادة (1030) لرهن المال الشائع رهنًا حيازيًا فنصت على أنه (يجوز رهن المال الشائع رهنًا حيازيًا وتسري على هذا الرهن أحكام المادتين (979 و980)، وهي تقابل وتوافق المادة (64) من القانون الحالي، وعلى ذلك يسري على الرهن الحيازي حكم المادة (991) الخاص بالرهن الصادر من جميع الشركاء، والمادة (992) الخاصة برهن الشريك لحصته الشائعة.
ونصت المادة (1031) التي تقابل المادة (63) من القانون الحالي، على أن يشمل الرهن الحيازي ملحقات الشيء المرهون ولم يشر المشروع إلى الثمار، كما يفعل نص القانون الحالي، إذ لاستثمار المرهون وخصمها حكم خاص ورد في المادة (1038) من المشروع.
وأخيرًا نصت المادة (1032) وحكمها وارد في المادة (65) من القانون الحالي، على أنه يجوز أن يُرهن الشيء رهنًا حيازيًا ضمانًا لعدة ديون إذا قبل من تسلم الأصل أن يحوزه لحساب أصحاب تلك الديون حتى ولو كان هو أحدهم فإذا قبل الدائن المرتهن أن يحوز الشيء لحساب نفسه ولحساب دائن مرتهن آخر أو قبل العدل أن يحوز الشيء لحساب عدة دائنين مرتهنين، فتزول العقبة التي تحول دون رهن الشيء ضمانًا لأكثر من دين.
الفصل الثاني: آثار الرهن الحيازي:
الفرع الأول – فيما بين المتعاقدين:
أولاً: بالنسبة إلى الراهن:
عرضت المادة (1033) ولا مقابل لها في القانون الحالي، لالتزام الراهن بتسليم المرهون، فأوجبت الفقرة الأولى على الراهن تسليم الشيء إلى الدائن المرتهن أو العدل الذي عينه المتعاقدان، ثم أحالت الفقرة الثانية فيما يتعلق بهذا الالتزام على أحكام الالتزام بتسليم المبيع.
وإذا تم التسليم، فالقاعدة أن يكون للدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون إلى أن يستوفي حقه، أو ينقضي الرهن لسبب آخر، ومن أسباب انقضاء الرهن نزول الدائن المرتهن عن حق الرهن وبناءً على هذا الأصل وأخذًا بالغالب يفترض أن رجوع المرهون إلى حيازة الراهن كان بسبب انقضاء الرهن ويكون للدائن المرتهن في هذه الحالة أن يثبت العكس، ولهذا نصت المادة (1034) على أنه (إذا رجع المرهون إلى حيازة الراهن انقضى الراهن، إلا إذا أثبت الدائن المرتهن أن الرجوع كان بسبب لا يقصد به انقضاء الرهن، كل هذا دون إخلال بحقوق الغير حسن النية) فليس ثمة ما يمنع من أن يثبت الدائن المرتهن أنه سلم الشيء إلى الراهن ليتولى هو إصلاحه على أن يعيده إليه بعد الإصلاح، فإذا ثبت هذا فلا يكون الرهن قد انقضى ويجب إعادة الشيء إلى المرتهن، لكن إذا كان الراهن قد رتب على الشيء في فترة وجوده معه حقًا للغير على أساس عدم وجود الرهن فلا يتأثر هذا الغير إذا كان حسن النية وقت نشوء حقه إذا ما قضى باعتبار أن الرهن لم ينقضِ.
وتعرض المادة (1035) التي تقابل المادة (69) من القانون الحالي، لالتزام الراهن بضمان سلامة الرهن ونفاذه، فنصت على أن (يضمن الراهن سلامة الرهن ونفاذه، وليس له أن يأتي عملاً ينقص من قيمة الشيء أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد ..) وبناءً على ذلك يجب على الراهن أن يحافظ على الشيء إلى أن يتم تسليمه ليبقى على الحالة التي كان عليها وقت العقد، وعليه بعد التسليم أن يمتنع عن سلب الحيازة من المرتهن أو من العدل وعليه أن يمتنع عن التصرف في الشيء تصرفًا يضر بالدائن المرتهن مثل التصرف في المنقول المرهون إلى شخص حسن النية قبل تسليمه إلى المرتهن وتمكين المتصرف إليه من حيازة المرهون، إذ يترتب على مثل هذا التصرف تفضيل المتصرف إليه على الدائن المرتهن، كذلك يجب على الراهن، إذا كان المرهون عقارًا أن يقدم المستندات اللازمة لإجراء القيد، وعليه إذا كان المرهون منقولاً أن يحرر عقد الرهن كتابةً على الوجه اللازم لنفاذ الرهن في حق الغير .... إلخ.
وقد أعطى نص المشروع الدائن المرتهن وسيلة عاجلة للعمل على المحافظة على الشيء المرهون، إذ تقضي المادة بأن (وللدائن المرتهن في حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون) وهو حكم لم يرد في النص المقابل للقانون الحالي، وتظهر فائدة هذا الحكم في الأحوال التي يحدث فيها ما يستدعي القيام بإجراء لحفظ المرهون قبل أن يتسلمه المرتهن وحيث يكون الحفظ على الراهن، وكذلك إذا كان الإجراء الذي يباشره الدائن المرتهن، بعد أن تسلم الشيء المرهون، في مواجهة الراهن نفسه.
وعرضت المادة (1036) لهلاك أو تلف الشيء المرهون فأحالت على أحكام المادتين (988 و989) الخاصتين بهلاك أو تلف الشيء المرهون رهنًا رسميًا سواء بخطأ الراهن أو بسبب أجنبي، وانتقال الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على الهلاك كالتعويض ومبلغ التأمين ومقابل نزع الملكية للمنفعة العامة.
ثانيًا: بالنسبة إلى الدائن المرتهن:
يعرض نص المادة (1037) لالتزام الدائن المرتهن، إذا تسلم المرهون، بحفظه وصيانته، فيقرر أنه (إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه وصيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد، وهو مسؤول عن هلاك الشيء أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه) والنص يقابل المادة (73) من القانون الحالي، ولكنه آثر أن يقتصر على القاعدة العامة دون ذكر بعض ما ورد في النص الحالي، فلم ينص على نفقات الحفظ اكتفاءً بما ورد في المادة 1038/ 3 في شأنها كما لم ينص على الحكم الوارد في الفقرة الثانية الخاص بواجب الدائن المرتهن في أن يبادر بإعلان الراهن بما يهدد الشيء المرهون بالهلاك أو نقص في القيمة وإلا كان مسؤولاً فهذا تطبيق لالتزام الدائن المرتهن ببذل عناية الشخص العادي في إدارة الشيء المرهون وقد نصت عليه المادة (1039).
وتعرض المادة (1038) التي تقابل المادة (75) لمنفعة الشيء المرهون وثماره، فنصت أولاً على أن ليس للدائن أن ينتفع بالشيء دون مقابل، كما فرضت على الدائن واجب استثماره استثمارًا كاملاً ثم قررت حق الدائن في الحصول على صافي الريع ومقابل استعماله الشيء خصمًا من المبلغ المضمون بالرهن، ولو لم يكن أجله قد حل، وبينت ترتيب الخصم فيخصم أولاً مما أنفقه في المحافظة على الشيء وما دفعه من التكاليف ثم بعد ذلك مما يستحقه من تعويضات، ثم من المصروفات التي تدخل فيما يضمنه الرهن وهي مصروفات العقد الذي أنشأه الدين ومصروفات عقد الرهن وقيده والمصروفات التي اقتضاها تنفيذ الرهن، وأخيرًا يكون الخصم من أصل الدين.
وعرضت المادة (1039) التي تقابل المادة (74) من القانون الحالي، لالتزام الدائن المرتهن بإدارة الشيء المرهون وحددت معيار العناية التي يجب أن يبذلها في ذلك بعناية الشخص المعتاد وهو ما تقتضي به القواعد العامة، كما حرصت على النص على أن ليس له أن يغير من طريقة استغلال الشيء إلا برضاء الدائن لأن هذا هو مقتضى الإدارة المعتادة، كما نص أخيرًا على حكم يدخل في مضمون فكرة الإدارة وهو أنه يجب على الدائن أن يبادر بإخطار الراهن عن كل أمر يقتضي تدخله.
فإذا أخل الدائن المرتهن بالتزامه هذا كان للراهن أن يرجع عليه بالتعويض وفقًا للقواعد العامة، وبالإضافة إلى هذا عرض المشروع في الفقرة الثانية لبعض صور الإخلال بالالتزام مقررًا لها جزاءً خاصًا وهذه الصور هي إساءة استعمال حق الإدارة، وإدارة الشيء إدارة سيئة، وارتكاب إهمال جسيم في الإدارة، أما الجزاء الخاص فهو حق الدائن في طلب وضع الشيء تحت الحراسة أو طلب استرداد الشيء مقابل دفع ما عليه وهو كما يفيد أنه يجوز طلب الاسترداد والدفع قبل حلول الأجل.
وأخيرًا يلتزم الدائن المرتهن، إذا ما استوفى حقه، بأن يرد الشيء المرهون إلى الراهن، وهذا ما نصت عليه المادة (1040) ومنها يتضح أن الالتزام بالرد لا يكون إلا بعد أن يستوفي الدائن كامل حقه وما يتصل بهذا الحق من مصروفات وتعويضات.
وأحال المشروع بنص المادة (1041) على أحكام المادة (991) فقرة أولى وهي الخاصة بعدم جواز التنفيذ على أموال الراهن غير المدين، أي الكفيل العيني، إلا ما رهن منها وبعدم أحقية هذا الراهن في الدفع بتجريد المدين ما لم يتفق على غير ذلك، كما أحال النص على المادة (992) الخاصة ببطلان شرط تملك الدائن المرتهن للمرهون عند عدم الوفاء بالدين وبطلان شرط البيع دون مراعاة الإجراءات التي فرضها القانون.
الفرع الثاني – أثر الرهن بالنسبة إلى الغير:
يُقصد بالغير هنا كما في الرهن الرسمي، كل من يضار من مباشرة الدائن المرتهن السلطات التي يخولها حق الرهن، فيصدق معنى الغير على كل ما يكتسب حقًا عينيًا أصليًا أو تبعيًا على الشيء كما يصدق على الدائن العادي لمالك الشيء المرهون.
وأول مسألة تعرض هي شروط نفاذ الرهن في حق الغير، وقد عرضت المادة (1042) لشرط مشترك يجب توفره لنفاذ الرهن الحيازي في حق الغير أيًا كان الشيء المرهون وهو أن يكون المرهون في حيازة الدائن المرتهن أو العدل الذي ارتضاه المتعاقدان، وهذا الشرط لا يكفي وحده لنفاذ الرهن في حق الغير، بل يجب توافر شروط أخرى تختلف باختلاف الشيء المرهون، وقد وردت هذه الشروط في النصوص الخاصة ببعض أنواع الرهن الحيازي (المادة 1048 بالنسبة لرهن العقار، والمادة 1050 بالنسبة لرهن المنقول، والمادة 1054 بالنسبة لرهن الدين).
هذا ويلاحظ أنه قد ترد نصوص تحد من نطاق تطبيق القاعدة الواردة في المادة (1042) كما هي الحال بالنسبة لنص المادة (1049) التي تجيز للدائن المرتهن لعقار أن يؤجره للراهن دون أن يمنع ذلك من نفاذ الرهن في حق الغير بشرط أن يذكر الإيجار في القيد أو يؤشر به في هامش القيد.
وتعرض المادة (1043) لحق الدائن المرتهن في حبس المرهون، فقد نصت الفقرة الأولى على أنه (يخول الرهن الدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون دون إخلال بما للغير من حقوق تم حفظها وفقًا للقانون) والحبس هنا يعتبر سلطة من السلطات التي يخولها الرهن فهو يختلف عن الحق في الحبس الذي يثبت للدائن العادي وفقًا للقواعد العامة. وهذا الحبس يجعل للدائن المرتهن الحق في الامتناع عن التخلي عن الشيء طالما أن حق الرهن لم ينقضِ، وذلك مع مراعاة الحكم الوارد في المادة (1052) إذ يكون للراهن عندما يصبح الشيء المرهون مهددًا بالهلاك أو التلف أو نقص القيمة أن يطلب رده إليه مقابل شيء آخر يقدم بدله.
والدائن المرتهن إذ يحبس الشيء يحبسه بالحالة التي كان عليها وقت أن أصبح الرهن نافذًا في حق الغير، ولهذا فالحبس لا يخل بما للغير من حقوق تم حفظها وفقًا للقانون، فإذا فرض مثلاً أن مالك العقار رهنه وسلمه إلى الدائن المرتهن، وقبل أن يقيد هذا الرهن قام المالك ببيع العقار أو بترتيب حق انتفاع عليه وسجل المشتري أو من كسب الانتفاع عقده قبل قيد الرهن، فيكون لأي منهما أن يطلب أخذ العقار من الدائن المرتهن الذي لا يكون له في هذا الفرض أن يتمسك في مواجهة أيهما بحقه في الحبس.
هذا ويظل حق الحبس قائمًا إذا خرج الشيء المرهون من يد الدائن المرتهن دون إرادته أو دون علمه، ويكون للدائن في هذه الحالة الحق في استرداده وفقًا لأحكام الحيازة، سواء كان الشيء في يد الراهن أو في يد غيره، ويعتبر الشيء المرهون في هذه الحالة في حكم المسروق أو الضائع، وعلى ذلك فإن كان المرهون منقولاً وباعه المختلس إلى مشترٍ حسن النية فيجوز للمرتهن أن يسترده خلال ثلاث سنوات من وقت خروج الشيء من حيازته وإن كان المشتري قد اشترى الشيء في سوق أو مزاد علني أو ممن يتجر في مثل هذا الشيء، فيكون له أن يطلب من الدائن المرتهن إذا ما طلب الاسترداد أن يعجل له الثمن الذي دفعه، وإذا كان المرهون عقارًا فيكون للدائن المرتهن أن يسترده وفقًا لأحكام دعوى استرداد الحيازة، وأحكام الحيازة هذه هي التي أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة (1043).
وتعرض المادة (1044) وهي تقابل المادة (80) من القانون الحالي مع شيء من التعديل، لما يضمنه الرهن الحيازي بالإضافة إلى أصل الحق فنصت على أنه (لا يقتصر الرهن الحيازي على ضمان أصل الحق وإنما يضمن أيضًا وفي نفس المرتبة ...) ثم ذكرت أولاً المصروفات الضرورية التي أنفقت للمحافظة على الشيء، ويلاحظ أن الدائن المرتهن إذا كان له أن يستوفي هذه المصروفات بمقتضى حقه في الرهن، فله أيضًا حق امتياز لضمان استيفائها إن كان الشيء منقولاً (المادة 1073 من المشروع)، وثانيًا: التعويضات التي قد يستحقها الدائن المرتهن عن الأضرار التي تلحقه بسبب عيوب في الشيء المرهون، وثالثًا: المصروفات التي أنفقها الدائن المرتهن في العقد الذي أنشأ الدين المضمون بالرهن والمصروفات التي اقتضاها تنفيذ الرهن، وبدهي أن الذي يدخل من هذه المبالغ ويستوفيه الدائن المرتهن بالتقدم عند التنفيذ هو ما بقي منها بعد ما خصمه الدائن من الريع وفقًا لنص المادة (1038) من المشروع.
وهذا ولم يعرض المشروع بنصوص خاصة لحق الدائن المرتهن رهنًا حيازيًا في التتبع اكتفاء بما ورد في المادة (1027) التي تعرف الرهن الحيازي من أن الدائن المرتهن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في اقتضاء حقه من الشيء المرهون (في أي يد يكون) إذ يفيد هذا أن يكون للدائن المرتهن أن ينفذ على الشيء ولو انتقلت ملكيته إلى غير الراهن، وهذا هو التتبع، أما الأحكام الخاصة بحائز العقار المرهون رهنًا رسميًا فلا محل لمثلها في الرهن الحيازي، فلا يعتبر مشتري العقار المرهون حيازيًا حائزًا وبالتالي ليس له أن يطلب تطهير العقار أو التخلية ويقتصر حقه إذا ما أراد تفادي نزع ملكية العقار على أن يفي بالدين وفقًا للقواعد العامة في الوفاء مع الحلول، وإذا كان الشيء المرهون منقولاً فيكون للدائن المرتهن أيضًا حق تتبعه إلا إذا اصطدم حقه بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحق. ولهذا لم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على ما تقرره المادة (82) من القانون الحالي التي تقول (للدائن المرتهن أن يستوفي حقه من الشيء المرهون رهن حيازة، حتى لو انتقلت ملكيته إلى أجنبي غير أنه للأجنبي أن يوفي الدائن حقه فيحل فيه محله إلا في رهن قدمه غير المدين ضمانًا لنفس الحق).
الفصل الثالث: انقضاء الرهن الحيازي:
ينقضي الرهن الحيازي، كالرهن الرسمي، إما بالتبعية لانقضاء الدين المرهون بالرهن، وإما بصفة أصلية ولو لم ينقضِ الدين المضمون.
ويعرض نص المادة (1045) الذي يقابل ويوافق نص المادة (83) من القانون الحالي، لانقضاء حق الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون، وبعد أن قرر النص هذه القاعدة، نص على أن حق الرهن يعود إذا زال السبب الذي انقضى به الدين دون إخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها في الفترة ما بين انقضاء الحق وعودته، وهذا نص مماثل لنص المادة (1024) من المشروع الخاصة بانقضاء الرهن الرسمي، هذا ويلاحظ فيما يتعلق بأثر عدم سماع الدعوى بالدين المضمون بالرهن الحيازي لمرور الزمان، أن وجود الشيء المرهون في يد الدائن المرتهن يعتبر إقرارًا ضمنيًا مستمرًا بالدين وبالتالي فلا تبدأ المدة اللازمة لعدم سماع الدعوى بالدين، ولو أصبح هذا الدين مستحق الأداء، طالما أن الشيء في يد المرتهن، وهذا الحكم منصوص عليه في المادة (449) من المشروع.
وتعرض المادة (1046) التي تقابل المادة (86) من القانون الحالي مع شيء من الخلاف، انقضاء حق الرهن الحيازي بصفة أصلية في حالات الثلاث:
الحالة الأولى: هي نزول الدائن المرتهن عن حق الرهن ذاته أي حتى لو بقي الدين مضمون لم ينقضِ، ولخطورة هذا النزول نظرًا إلى أنه قد يؤدي إلى عدم إمكان استيفاء الدين تطلب النص في الدائن المرتهن أهلية إبراء المدين من المدين، وقد يكون النزول صريحًا وقد يكون ضمنيًا وفي شأن النزول الضمني قرر النص أنه (ويجوز أن يستفاد التنازل الضمني من تخلي الدائن باختياره عن الشيء المرهون)، ولم يرَ المشروع الأخذ بما ورد في نص القانون الحالي، الذي تأثر في ذلك بنص المادة (1113) مصري، من أنه يجوز أيضًا أن يستفاد التنازل الضمني من موافقة الدائن المرتهن على التصرف في المرهون دون تحفظ، وإذا كان للدائن المرتهن أن ينزل عن حقه هو، فهو لا يملك بإرادته أن يؤثر في حقوق الغير، ولهذا نص المشروع (على أنه إذا كان الدين المضمون بالرهن مثقلاً بحق الغير، فإن تنازل الدائن لا ينفذ في حق هذا الغير إلا إذا أقره.
والحالة الثانية: هي أن يجتمع حق الرهن الحيازي مع حق ملكية الشيء المرهون في يد شخص واحد، كما لو اشترى الدائن المرتهن الشيء المرهون، وسبب الانقضاء في هذه الحالة هو اتحاد الذمة، ويلاحظ أن اتحاد الذمة ليس في الواقع سببًا من أسباب الانقضاء بقدر ما هو مانع من مباشرة الحق، فإذا زال المانع أمكن استعمال الحق، كما أن اتحاد الذمة يجب ألا يضر بالغير، وعلى ذلك إذا كان الدين المضمون بالرهن قد رهنه الدائن بدوره لدائن له فإن الدائن الأول إذا اشترى الشيء المرهون واتحدت ذمته بذلك فاتحادها على ذلك الوجه لا يضر بحق الدائن الثاني، كذلك لا ينقضي الرهن باتحاد الذمة إذا كان لمالك الشيء المرهون مصلحة في استبقاء الرهن كما لو كان الراهن كفيلاً عينيًا ثم اشترى الدين المضمون بالرهن ثم باع هذا الدين مستبقيًا الرهن لضمانه فيبقى الرهن بمرتبته، وأخيرًا فإذا زال اتحاد الذمة وكان لزواله أثر رجعي، كما لو فسخ العقد الذي اشترى به المرتهن الشيء المرهون، بقي الرهن كما كان قبل اتحاد الذمة.
والحالة الثالثة: هي حالة هلاك المرهون الذي يصدق على حالة انقضاء الحق المرهون في يد رهن الدين، هذه مع مراعاة أن نص المادة (1036) من المشروع أحالت على نص المادة (989) الخاصة بالرهن الرسمي والتي تقرر أنه إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان انتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك.
وأخيرًا قررت المادة (1047) التي تقابل وتوافق نص المادة (88) من القانون الحالي مع تعديل لفظي، حكمًا استثنائيًا روعيت فيه مصلحة الراهن دون أن يضر بالدائن المرتهن بل قد يكون في مصلحته، وهو أنه (يجوز للراهن إذا عرضت فرصة لبيع الشيء المرهون وكان البيع صفقة رابحة أن يطلب من المحكمة الترخيص في بيع هذا الشيء، ولو كان ذلك قبل حلول أجل الدين، وللمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن تأذن بالبيع وتحدد عندئذٍ شروط البيع وتفصل في أمر إيداع الثمن)، وواضح من النص أن المحكمة قد تأذن بالبيع أو لا تأذن على ضوء ما يتبين لها من مدى تأثير ذلك على مصلحة الدائن المرتهن، فقد يتبين لها أن الاعتبارات التي بنى الراهن على أساسها طلبه وبالذات كون الصفقة رابحة لا تتناسب مع مصلحة الدائن المرتهن في الاحتفاظ بحيازة الشيء المرهون وخصم غلته مما يستحقه إلى وقت حلول أجل الدين.

الفصل الرابع: بعض أنواع الرهن الحيازي:
عرض المشروع في هذا الفصل للقواعد التي تخص أولاً رهن العقار وثانيًا رهن المنقول، وثالثًا وأخيرًا رهن الدين.
الفرع الأول – رهن العقار:
سبق أن قرر المشروع بنص المادة (1042) الذي يسري بالنسبة لكل صور الرهن الحيازي أيًا كان محله، أنه يجب لنفاذ الرهن في حق الغير أن يكون الشيء المرهون في يد المرتهن أو العدل الذي ارتضاه المتعاقدان، ورأينا أن هذا الشرط لا يكفي وحده لنفاذ الرهن في حق الغير بل يجب توافر شروط أخرى تختلف باختلاف الشيء المرهون، وقد نصت المادة (1048) على الشرط الإضافي في خصوص رهن العقار بقولها (يشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير إلى جانب انتقال الحيازة أن يقيد الرهن، وتسري على هذا القيد الأحكام الخاصة بقيد الرهن الرسمي)، وهو ما تقرره المادة (77) من القانون الحالي.
وتضع المادة (1049) وتقابل الفقرة الثانية من المادة (72) من القانون الحالي، قاعدة تقيد القاعدة التي توجب لنفاذ الرهن في حق الغير أن يكون الشيء المرهون في يد المرتهن أو العدل، إذ تنص في الفقرة الأولى على أنه (يجوز للدائن المرتهن لعقار أن يؤجره للراهن دون أن يمنع ذلك من نفاذ الرهن في حق الغير)، ولحماية الغير الذين قد ينخدعون فيعتقدون أن الرهن غير موجود أو غير نافذ في حقهم بسبب وجود العقار في يد الراهن وهو المستأجر، نصت الفقرة الثانية من النص على أنه (إذا اتفق على الإيجار في عقد الرهن وجب ذكر ذلك في القيد، أما إذا اتفق عليه بعد الرهن وجب أن يؤشر به في هامش القيد إلا أن هذا التأشير لا يكون ضروريًا إذا جُدد الإيجار تجديدًا ضمنيًا).
الفرع الثاني – رهن المنقول:
تضع المادة (1050) التي تقابل وتوافق المادة (78) من القانون الحالي، القاعدة الخاصة بالشرط الذي يضاف إلى انتقال الحيازة لنفاذ رهن المنقول في حق الغير فنصت على أن (يشترط لنفاذ رهن المنقول في حق الغير إلى جانب انتقال الحيازة أن يحرر العقد في ورقة ثابتة التاريخ يبين فيها المبلغ المضمون والعين المرهونة بيانًا كافيًا، وهذا التاريخ الثابت يحدد مرتبة الرهن)، ويلاحظ أن الكتابة هنا ليست مطلوبة لانعقاد الرهن ولا لإثباته وإنما هي شرط لنفاذه في حق الغير، ولهذا فهي لازمة للنفاذ أيًا كانت قيمة الشيء المرهون، ويجب أن تتضمن الورقة البيانات اللازمة لإعمال مبدأ تخصيص الرهن سواء من حيث الدين المضمون أو الشيء المرهون، وإذ تنص العبارة الأخيرة من النص على أن التاريخ الثابت يحدد مرتبة الرهن، فيلاحظ أن اشتراط الكتابة لنفاذ الرهن هو شرط إضافي يضاف إلى انتقال حيازة المرهون، ولهذا فمرتبة الرهن تتحدد بالوقت الذي يجتمع فيه الشرطان، انتقال الحيازة والورقة الثابتة التاريخ، بحيث إذا تأخر انتقال الحيازة عن التاريخ الثابت فتتحدد المرتبة من وقت انتقال الحيازة.
ونصت القيمة (1051) ولا مقابل لها في القانون الحالي على أن (الأحكام المتعلقة بالآثار التي تترتب على حيازة المنقولات المادية والسندات التي لحاملها تسري على رهن المنقول) وبناءً على ذلك إذا رهن المنقول شخص غير مالكه وحازه المرتهن وهو حسن النية أي يجهل إليه الراهن غير مالك، فلهذا المرتهن أن يتمسك بالرهن، ومن ناحية أخرى يجوز لمن حاز الشيء المرهون بسبب صحيح وحسن نية أي مع جهله بوجود حق الدائن المرتهن أن يتمسك بالحق الذي كسبه على الشيء في مواجهه الدائن المرتهن.
وعرضت المادة (1052) للحالة التي يكون فيها الشيء المرهون مهددًا بالهلاك أو التلف أو نقص القيمة بحيث يُخشى أن يصبح غير كافٍ لضمان حق الدائن، ولم يطلب الراهن رده إليه مقابل تقديم شيء آخر بدله، فأجازت لكل من المرتهن والراهن أن يطلب من القاضي الترخيص له في بيعه بالمزاد العلني أو بسعره في البورصة أو السوق، وحق المرتهن في طلب البيع يقوم على أساس خشية أن يصبح المنقول غير كافٍ لضمان حقه، وأما حق الراهن في طلب البيع فيقوم على أساس أنه المالك فيكون له أن يعمل على تفادي ما يهدد الشيء من هلاك أو تلف، فإذا تبين للقاضي أن ثمة ما يبرر البيع فيأذن به، ويفصل في الوقت نفسه في أمر إيداع الثمن، وينتقل حق الدائن المرتهن في هذه الحالة من الشيء إلى ثمنه.
وقرر المشروع في المادة (1053) التي لا مقابل لها في القانون الحالي، حكمًا خاصًا فيما يتعلق بكيفية استيفاء الدائن المرتهن حقه من المنقول المرهون، فالأصل أنه إذا أصبح حق الدائن مستحق الأداء ولم يفِ به المدين أن يتبع الدائن إجراءات التنفيذ الجبري وفقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات، واستثناءً من هذا الأصل نصت المادة (1053) على أنه (يجوز للدائن المرتهن الذي لم يستوفِ حقه أن يطلب من القاضي الترخيص له في بيع الشيء المرهون بالمزاد العلني أو بسعره في البورصة أو السوق)، فقد يكون من الأوفق في بعض الأحوال بيع المنقول بغير اتباع إجراءات البيع الجبري تجنبًا لطول الإجراءات وكثرة المصاريف وبخاصة إذا كان المنقول مما يتحدد سعره في البورصة أو السوق فأجاز النص هذا وجعل الترخيص به للقاضي حتى يمكن التحقق مما إذا كان البيع دون اتباع إجراءات البيوع الجبرية يضر بالراهن أم لا، وكذلك ليبين القاضي عند الترخيص الطريقة التي يتم بها الب
الفرع الثالث – رهن الدين:
إن مصطلح (المنقول) يصدق، فيما يصدق عليه، على الدين، إذ كل ما ليس عقارًا يعتبر منقولاً (المادة 27 من المشروع) ولكن المشروع خص رهن الدين بقواعد خاصة تفرضها طبيعته باعتباره علاقة بين شخصين الدائن (وهو الرهن) والمدين.
وأول هذه القواعد الخاصة هي التي تتعلق بنفاذ الرهن، فإذا كان الرهن يتم - كما تتم حوالة الحق – بالاتفاق بين الراهن والمرتهن، فتبقى مسالة نفاذ الرهن، وإذا كانت مسالة نفاذ الرهن المنقول المادي لا تثور إلا بالنسبة للغير، ففي رهن الدين تظهر مسألة نفاذه في حق المدين بالدين المرهون.
  ونفاذ رهن الدين في حق المدين يكون بما يحقق علمه بوجود الرهن حتى يستطيع أن يتصرف وفق ما يقتضيه الرهن. وقد قررت المادة (1054) أن الرهن (لا يكون نافذًا في حق المدين إلا بإعلانه بالرهن أو بقبوله إياه) وهي نفس القاعدة المقررة لنفاذ حوالة الحق بالنسبة للمدين بالحق المحال، بل إن رهن الدين يعبر عنه عادة بأنه حوالة على سبيل الرهن.
أما نفاذ رهن الدين في حق الغير، كالمحال إليه أو مرتهن آخر أو دائن حائز، فيكون بتوفر شرطين، الشرط الأول هو حيازة الدائن المرتهن لسند الدين المرهون وهذه الحيازة هي التي تتلاءم مع طبيعة المرهون الذي ليس له كيان مادي فيُكتفى بحيازة السند، أما الشرط الثاني فهو أن يكون الرهن قد أصبح نافذًا في حق المدين بالإعلان أو القبول فإن كان قد نفذ بالقبول فيجب أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ، وتُحسب مرتبة الرهن التي لا تظهر أهميتها إلا بالنسبة للغير، من وقت اجتماع شرطي النفاذ بالنسبة إليهم أي بحيازة الدائن المرتهن لسند الدين، وإعلان الحوالة الذي يكون دائمًا ثابت التاريخ أو التاريخ الثابت لقبول المدين بالدين المرهون.
وهذه القواعد هي التي قررتها المادة (1054) التي تقابل المادة (89) من القانون الحالي مع شيء من التعديل في الصياغة.
والقاعدة الواردة في المادة (1054) هو الواجبة التطبيق بالنسبة للديون العادية، أما الصكوك (أي السندات) الاسمية أو لأمر، فقد قررت المادة (1055) من المشروع الإحالة في شأن رهنها بوجه عام لما يقضي به القانون في شأنها إذ نصت هذه المادة التي تقابل المادة (90) من القانون الحالي، على أن (يكون رهن الصكوك الاسمية والصكوك لأمر وفقًا لما يقضي به القانون).
وإذا لم يكن النص قد أشار إلى الصكوك لحاملها فذلك لما استقر عليه الرأي في شأنها من إعطائها حكم المنقولات المادية على أساس أن الحق يندمج في الصك.
وتنص المادة (1056) التي تطابق المادة (91) من القانون الحالي، على أنه لا يجوز رهن الدين إذا كان غير قابل للحوالة أو الحجز، وهذا تطبيق للقاعدة العامة المقررة في المادة (1028) بخصوص محل الرهن، والحكمة منه ظاهره فالرهن يهدف إلى ضمان الدين فإذا لم يفِِ المدين كانت وسيلة الدائن هي بيع المرهون والحصول على حقه من الثمن، وهذا لا يتأتى إذا كان الدين لا يقبل الحوالة أي لا يقبل البيع الجبري.
وتعرض المادة (1057) لقاعدة تخص رهن الدين فيما يتعلق بانقضاء الرهن فتقول (لا يسري الوفاء بالدين المرهون أو تجديده أو المقاصة به أو اتحاد الذمة فيه أو الإبراء منه في مواجهة الدائن المرتهن إلا بإقراره، كما لا يسري في مواجهته أي تعديل في الدين يكون من شأنه أن يضره إلا بقبوله)، والنص يقابل المادة (92) من القانون الحالي ولكنه يختلف عنه في أنه لا يقتصر على عدم سريان الانقضاء الذي يتم بالاتفاق وإنما يشمل كذلك المقاصة واتحاد الذمة.
وتعرض المادة (1058) التي تقابل وتوافق المادة (94) من القانون الحالي، للدفوع التي يجوز للمدين في الدين المرهون أن يتمسك بها قبل الدائن المرتهن، وهذه الدفوع نوعان: أولاً الدفوع المتعلقة بصحة الحق المضمون بالرهن، فلو كان العقد الذي نشأ عنه هذا الحق باطلاً كان الرهن بالتبعية باطلاً وللمدين أن يتمسك بهذا البطلان قبل الدائن المرتهن، وكذلك لو كان الحق المضمون قد انقضى لأي سبب فله أن يتمسك بهذا الانقضاء، والنوع الثاني هو الدفوع التي للمدين بالدين المرهون قبل دائنه أي الراهن، فإذا كان الدين المرهون قد نشأ بعقد باطل كان للمدين في هذا الدين أن يتمسك بالبطلان في مواجهة الدائن المرتهن، كما له أن يتمسك قبل الدائن المرتهن بأسباب انقضاء الدين المذكورة في المادة (1057) إذا كان السبب قد تحقق قبل أن يصبح الرهن نافذًا في حقه بالإعلان أو إذا كان الدائن قد قبل سبب الانقضاء، وله كذلك أن يتمسك قبل الدائن المرتهن بعدم سماع الدعوى لمرور الزمان.
وتعرض المادة (1059) التي تقابل المادة (95) من القانون الحالي لأثر استحقاق الدين المرهون قبل أن يصبح الدين المضمون بالرهن مستحق الأداء، ونظرًا لتعلق حق الدائن المرتهن بالدين المرهون، وفي الوقت نفسه فالراهن هو الدائن في هذا الدين، نصت الفقرة الأولى من النص على أنه لا يجوز للمدين أن يوفي الدين إلا للراهن والمرتهن معًا، فإذا اتفقا على الاستيفاء فبدهي أن يكون ذلك بعد أن يتفقا على مصير الدين المضمون، وإذا لم يتفق الراهن والمرتهن، فلكل منهما أن يطلب إلى المدين إيداع ما عليه أن يؤديه، فإذا تم الإيداع انتقل الرهن إلى ما تم إيداعه، بمعنى أن يكون ضامنًا للحق الذي كان مضمونًا بالرهن. وفي هذه الحالة، إذا اتفق الراهن والمرتهن على طريقة استغلال ما أداه المدين كان بها فإذا لم يتفقا كان لكل منهما أن يلجأ إلى المحكمة لتنظر في أمره استغلال ما أداه المدين، وللمحكمة عندئذٍ أن تقضي بما تراه أنفع للراهن باعتباره هو صاحب المال المودع، دون أن يكون فيه ضرر للدائن المرتهن أي دون أن يؤثر في مدى ما له من ضمان.
وأخيرًا عرضت المادة (1060) التي تقابل المادة (96) من القانون الحالي، لحالة ما إذا أصبح كل من الدين المرهون والدين المضمون بالرهن مستحق الأداء، ولم يستوفِ الدائن المرتهن حقه بعد، ففي هذه الحالة إذا كان كل من الدينين من جنس واحد، كان للدائن المرتهن أن يقبض من الدين المرهون ما يكون مستحقًا له، فإذا لم يكونا من جنس واحد فللدائن المرتهن أن يطلب من القاضي الترخيص له في بيع المرهون بالمزاد العلني أو بسعره في البورصة أو السوق وهو الحكم الوارد في المادة (1053) وأحال عليه نص المادة (1060).

الباب الثالث: حقوق الامتياز
الفصل الأول: أحكام عامة:
حقوق الامتياز هي تأمينات خاصة يقررها القانون لحقوق يعينها على مال أو أموال معينة أو على كل أموال المدين. وقد عرف القانون الحالي الامتياز في الفقرة الأولى من المادة (97) نقلاً عن المادة (1130) مصري، بأنه (... أولوية يقررها القانون لحق معين مراعاة منه لصفته) ونظرًا لورود النصوص الخاصة بالامتياز في قانون التأمينات العينية كما وردت في مصر في الكتاب المخصص للحقوق العينية التبعية أو التأمينات العينية، فقد أخذ البعض على التعريف أنه أغفل الإشارة إلى أن الامتياز حق عيني، ولكن البعض الآخر رأى أن هذا الإغفال كان مقصودًا لأن وصف الامتياز بوجه عام بأنه حق عيني كان ولا يزال محل خلاف، ويكفي الإشارة في هذا الخصوص أن بعض حقوق الامتياز، وهي حقوق الامتياز العامة ترد على جميع أموال المدين مع أن الحق العيني لا يتصور وجوده إلا إذا كان محله معينًا بالذات، كما أن بعض حقوق الامتياز لا تخول سلطة التتبع وهي أهم مظاهر ورود الحق على الشيء وبالتالي عينية الحق، ولهذا آثر المشروع عدم وضع تعريف تشريعي خاص، ومن الفقهاء من ذهب إلى أن فكرة الامتياز فكرة معقدة تستعصي على التعريف الدقيق، وإذ تجنب المشروع تعريف حق الامتياز اكتفى في نص المادة (1061) التي تقابل الفقرة الثانية من المادة (97) من القانون الحالي، بالقول إنه (لا يكون للحق امتياز إلا بمقتضى نص في القانون) وهذه فكرة أساسية في نظام الامتياز فلا يجوز لطرفي الالتزام الدائن والمدين أن ينشئا امتيازًا في غير الحالات التي يقررها القانون، ولا يجوز للقاضي أن يجعل الحق ممتازًا إذا كان القانون لم ينص على ذلك، والقول إن الامتياز لا يكون إلا بمقتضى نص في القانون، لا يعني حصر حقوق الامتياز في تلك التي وردت في هذا الفصل، فيمكن أن يرد النص الذي يقرر الامتياز في أي موضع آخر سواء في المدونة المدنية أو في غيرها من المدونات أو في قانون من القوانين الخاصة بموضوع معين.
والقانون إذ يقرر الامتياز فذلك مراعاةً منه لصفة في هذا الحق تجعله يستحق الرعاية فيستوفيه صاحبه بالأولوية على غيره من الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة، ولهذا فالقانون هو الذي يحدد الحق الممتاز، كما يحدد محل الامتياز أي المال الذي يستوفي منه صاحب الحق حقه بالأولوية، كما أن القانون يحدد مرتبة الامتياز، ولكن هذا لا يعني أنه يلزم وبالضرورة أن يحدد لكل حق على حدة مرتبته في النص أو النصوص التي تقرر امتياز هذا الحق، ولهذا نصت المادة (1062) على أن يحدد القانون مرتبة الامتياز، فإن لم يحدد القانون لامتياز مرتبته كان متأخرًا عن كل امتياز منصوص على مرتبته، كما نصت الفقرة الثانية من النص على أنه إذا كانت الحقوق الممتازة في مرتبة واحدة فإنها تُستوفى بنسبة قيمة كل منها ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.
وتنقسم حقوق الامتياز، من حيث الأموال التي ترد عليها إلى قسمين، حقوق الامتياز العامة، وحقوق الامتياز الخاصة، وقد نصت المادة (1063) التي تقابل وتطابق المادة (99) من القانون الحالي، على أن (ترد حقوق الامتياز العامة على جميع أموال المدين من منقول وعقار، أما حقوق الامتياز الخاصة فتكون على منقول أو عقار معين).
وورود حقوق الامتياز العامة على جميع أموال المدين يعني أنها لا ترد على مال أو أموال معينة بذاتها وإنما يكون لصاحب الحق الممتاز التقدم على ما لدى المدين من أموال وقت التنفيذ، منقولات كانت أو عقارات، دون النظر إلى ما كان لديه من أموال وقت نشوء الحق الممتاز، أي أن مركز الدائن صاحب الحق الممتاز لا يختلف عن مركز الدائن العادي إلا فيما يتعلق بحق التقدم، ولهذا نص المشروع في صدر المادة (1064على أنه (لا يلزم القيد في حقوق الامتياز العامة ولو وردت على عقار ...) كما نص في صدر المادة (1065) على (أنه لا يترتب على حقوق الامتياز العامة حق التتبع).
ولكن ثمة حقوق امتياز، وهي الضامنة لمبالغ مستحقة للخزانة العامة، تستحق رعاية خاصة اقتضت أن يخصها المشروع بقواعد استثنائية وهذه الحقوق قد تكون عامة ترد على جميع أموال المدين وقد تكون خاصة ترد على مال أو أموال معينة، فإن كان الامتياز خاصًا وواردًا على عقار، فقد سوى بينه المشروع وبين حقوق الامتياز العامة من حيث عدم لزوم القيد، فبعد أن قررت المادة (1064) عدم لزوم القيد في حقوق الامتياز العامة قالت (... كما أنه لا يلزم في حقوق الامتياز العقارية الضامنة لمبالغ مستحقة للخزانة العامة، ومن ناحية أخرى فاستثناءً من القاعدة الأموال تقرر أموال حقوق الامتياز العامة لا يترتب عليها حق التتبع نص المشروع على أن تستوفى المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ثمن الأموال المثقلة بها في أي يد (م 1072/ 2)،  ولهذا فبعد أن قررت المادة (1065) القاعدة العامة في أن حقوق الامتياز العامة لا يترتب عليها حق التتبع، قالت (وذلك مع مراعاة ما يقضي به القانون في شأن امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة)، وفيما يتعلق بمرتبة حقوق الامتياز العامة عندما يراد استيفاء الحق من عقار من عقارات المدين، وكذلك مرتبة حقوق الامتياز العقارية الضامنة لمبالغ مستحقة للخزانة العامة، نصت الفقرة الثانية من المادة (1064) على أنه (وتكون هذه الحقوق الممتازة جميعًا أسبق في المرتبة على أي حق امتياز عقاري آخر أو أي حق رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده، أما فيما بينها فالامتياز الضامن للمبالغ المستحقة للخزانة العامة يتقدم على حقوق الامتياز العامة).
وحقوق الامتياز الخاصة قد يكون محلها منقولاً وقد يكون عقارًا فإذا كان محل الامتياز عقارًا فيأخذ حكم الرهن الرسمي فيما لا يتعارض مع طبيعة الامتياز، وقد نصت المادة (1066)، التي تقابل المادة (101) فقرة أولى من القانون الحالي، على أن (تسري على حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار أحكام الرهن الرسمي بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع طبيعة هذه الحقوق وتسري بنوع خاص أحكام التطهير والقيد وما يترتب على القيد من آثار وما يتصل به من تجديد ومحو) وعلى ذلك، فبالإضافة إلى الأحكام المذكورة في النص بنوع خاص، يسري على الامتياز الخاص الواقع على عقار ما يسري على الرهن الرسمي ما يتعلق بمشتملات الرهن (م 977) ورهن المباني القائمة على أرض الغير (م 978) والرهن الصادر من جميع الملاك ...... إلخ).
وإذا كانت حقوق الامتياز العامة لا يترتب عليها بحسب الأصل حق التتبع، فحقوق الامتياز الضامنة للمبالغ المستحقة للخزانة العامة ومنها ما يكون عامًا يرد على جميع أموال المدين تخول صاحبه سلطة التتبع (م 1072/ 2) كما أن حقوق الامتياز الخاصة كلها تخول صاحبها سلطة التتبع سواء أكانت مما يجب قيده أم لا، ولكن التتبع قد يصطدم بالنسبة للمنقولات بقاعدة (الحيازة في المنقول سند الحق) بما لها من أثر مسقط، وهذا ما قررته المادة (1067) التي تقابل المادة (100) من القانون الحالي، إذ تنص الفقرة الأولى منها على أن (لا يحتج بحق الامتياز على من حاز المنقول بحسن نية على اعتبار خلوه منه) ثم أوردت الفقرة الثانية تطبيقًا خاصًا بقولها (ويعتبر حائزًا في حكم هذه المادة مؤجر العقار بالنسبة إلى المنقولات الموجودة في العين المؤجرة، وصاحب الفندق بالنسبة إلى الأمتعة التي يأتي بها النزلاء إلى فندقه).
وعرضت المادة (1068) التي تقابل المادة (102) من القانون الحالي لأثر هلاك الشيء المحمل بالامتياز أو تلفه، فأحالت على أحكام الرهن الرسمي بقولها (يسري على الامتياز ما يسري على الرهن الرسمي من أحكام متعلقة بهلاك الشيء أو تلفه).
وعلى ذلك إذا هلك محل الامتياز بخطأ المدين كان الدائن صاحب الامتياز بالخيار بين أن يقتضي تأمينًا كافيًا أو يستوفي الدين فورًا وإذا كان الهلاك أو التلف قد نشأ عن سبب أجنبي ولم يقبل الدائن بقاء حقه بلا تأمين كان المدين مخيرًا بين أن يقدم تأمينًا كافيًا أو يوفي الدين فورًا (م 988) وإذا هلك محل الامتياز أو تلف وترتب على ذلك ثبوت حق كالتعويض ومبلغ التأمين ومقابل نزع الملكية للمنفعة العامة انتقل الامتياز إلى هذا الحق (م 989).
وأخيرًا عرضت المادة (1069) التي تقابل المادة (103) من القانون الحالي، لانقضاء حق الامتياز فنصت على أن (ينقضي حق الامتياز بنفس الطرق التي ينقضي بها حق الرهن الرسمي وحق الرهن الحيازي ووفقًا لأحكام هذين الحقين وذلك بالقدر الذي لا تتعارض فيه تلك الأحكام مع طبيعة حق الامتياز، ما لم يوجد نص خاص يقضي بغير ذلك)، وبناءً على ذلك ينقضي الامتياز أيًا كان محله بصفة تبعية إذا انقضى الدين المضمون به كما ينقضي الامتياز بصفة أصلية إذا كان محله عقارًا بالأسباب التي ينقضي بها الرهن الرسمي فينقضي إذا تمت إجراءات التطهير وكذلك بإيداع الثمن أو دفعه للدائنين إذا بيع العقار بالمزاد العلني، وإذا كان محل الامتياز منقولاً فينقضي بصفة أصلية بالأسباب التي ينقضي بها الرهن الحيازي الوارد على منقول، بنزول الدائن المرتهن عن الامتياز، وباتحاد الذمة وبهلاك المحل.
الفصل الثاني: أنواع الحقوق الممتازة:
بعد أن وضع المشروع الأحكام العامة لحقوق الامتياز، تناول أنواع الحقوق الممتازة التي تقتضي السياسة التشريعية أن ترد في نصوص المدونة المدنية، فنص في المادة (1070) على أن (الحقوق المبينة في المواد الآتية تكون ممتازة إلى جانب حقوق الامتياز المقررة بنصوص خاصة).
وقد قسم المشروع حقوق الامتياز إلى قسمين: الأول يشمل حقوق الامتياز العامة أي التي ترد على كل أموال المدين وحقوق الامتياز الخاصة الواقعة على منقول، وقد وردت النصوص الخاصة بهذا القسم مرتبة وفقًا لمرتبة كل امتياز. والقسم الثاني يشمل حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار.
الفرع الأول – حقوق الامتياز العامة وحقوق الامتياز الخاصة الواقعة على منقول:
يأتي في المرتبة الأولى الامتياز الذي قررته المادة (1071) التي تقابل المادة (105) من القانون الحالي وتوافقها للمصروفات القضائية، والحق الممتاز هو حق من أنفق مصروفات قضائية لمصلحة جميع الدائنين في حفظ أموال المدين وبيعها وتوزيعها، ويقصد بوصف المصروفات بأنها قضائية أن تكون قد أنفقت في إجراءات تتم أمام القضاء أو على يد أعوان القضاء كمندوب الإعلان وكتاب الجلسات والخبراء والحراس القضائيين، ولا يقصد بالحفظ في هذا الخصوص الحفظ المادي من الهلاك أو التلف لأن مصروفات هذا الحفظ مضمونة بامتياز آخر متأخر في المرتبة ونصت عليه المادة (1073) وإنما يقصد الحفظ القانوني تمهيدًا لبيع الأموال وتوزيع ثمنها فيدخل فيها ما ينفق في وضع الأختام على أموال المدين أو في جرد التركة أو إجراء قسمتها أو في تصفية الشركة أو في دعوى الحراسة أو دعوى إشهار الإفلاس وفي إدارة أموال المفلس وفي الحجوز التحفظية .... إلخ ويشترط أن تكون المصروفات قد أنفقت لمصلحة جميع الدائنين الذي يتقدم عليهم الدائن، فلا يدخل فيها ما أنفق لمصلحة من أنفق وحده مثل مصروفات الدعوى التي يرفعها الدائن للحصول على حكم بحقه، وإذا أنفقت لمصلحة بعض الدائنين دون البعض فتكون ممتازة بالنسبة لمن أفادوا منها فقط، فنفقات شهر الإفلاس مثلاً تكون ممتازة في مواجهة الدائنين العاديين دون الدائنين المرتهنين لأموال معينة من أموال المدين
ومحل الامتياز، كما يتضح من النص، هو ثمن أموال المدين التي أنفقت المصروفات لحفظها ولهذا فهو امتياز على منقول ولو كان المال الذي بيع عقارًا.
ويأتي امتياز المصروفات القضائية في المرتبة الأولى فيقدم الدائن على كل حق آخر سواء كان صاحب هذا الحق دائنًا عاديًا أو كان له تأمين عيني أيًا كان هذا التأمين، وإذا تعددت المصروفات، فتكون الأولوية لما أنفق في الحفظ والبيع على تلك التي أنفقت في التوزيع، وإذا تعددت المصروفات التي أنفقت في الحفظ أو البيع فيتساوى الدائنون بها بمعنى أنه تُستوفى قبل أي حق آخر بنسبة قيمة كل منها وكذلك إذا تعددت مصروفات التوزيع فيتساوى الدائنون بها.
هذا والحكمة من تقرير هذا الامتياز ووضعه في المرتبة الأولى هي أن الدائن بالحق الممتاز قد أفاد للدائنين الآخرين. بإنفاقه المصروفات في استيفاء حقوقهم من الأموال التي أنفقت عليها.
ويأتي في المرتبة الثانية امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ضرائب ورسوم وحقوق أخرى، وقد أشارت المادة (1072) التي تقابل المادة (106) من القانون الحالي، لهذا الامتياز لتحديد مرتبته أما الحق الممتاز ومحل الامتياز فيرجع فيها إلى النصوص الصادرة في شأن الامتياز، فلا يكفي أن يثبت حق ما للدولة حتى يكون مضمونًا بامتياز بل لا بد من نص خاص يقرر الامتياز، كما يرجع إلى النصوص الخاصة لتحديد ما يرد عليه الامتياز فقد يرد على كل أموال المدين وقد يرد على أموال معينة
أما مرتبة الامتياز فقد نصت عليها الفقرة الثانية من النص بقولها " وتستوفى هذه المبالغ من ثمن الأموال المثقلة بهذا الامتياز في أي يد كانت قبل أي حق آخر ولو كان ممتازًا أو مضمونًا برهن عدا المصروفات القضائية ".
والحكمة من تقرير هذا الامتياز واضحة وهي رعاية المصلحة العامة التي تقضي ضمان تحصيل مستحقات الخزانة العامة حتى لا يتعطل نشاط الدولة.
ويأتي في المرتبة الثالثة امتياز مصروفات حفظ وإصلاح المنقول الذي نصت عليه المادة (1073) وتقابل المادة (107) من القانون الحالي، والحق الممتاز هو حق من أنفق مصروفات في حفظ المنقول وفيما يلزم له من إصلاح والمقصود بالإصلاح هنا هو منع الهلاك أو التلف فلا يشمل الامتياز المصروفات النافعة التي لم تحفظ المنقول بل كان الغرض منها تغييره أو تحسينه مثل مصروفات صباغة السيارة الجديدة لمجرد تغيير لونها، وقاضي الموضوع هو الذي يفصل في مسألة التفرقة بين مصروفات الحفظ وغيرها من المصروفات، والمنقول المذكور في النص لا يقتصر على المنقول المادي بل يشمل كذلك المنقولات المعنوية كالديون وعلى ذلك تعتبر من المصروفات المضمونة بهذا الامتياز أجرة النجار الذي أصلح الأثاث وأجرة الميكانيكي الذي أصلح السيارة ومصروفات إنقاذ البضائع من الغرق أو الحريق وما ينفقه الدائن في قطع تقادم دين للمدين على غيره
ومحل الامتياز هو المنقول الذي تم حفظه كله وليس فقط ما ترتب على إنفاق المصروفات من زيادة في قيمته.
أما مرتبة الامتياز فهي الثالثة أي بعد المصروفات القضائية والمبالغ المستحقة للخزانة العامة، وإذ تعددت المصروفات المضمونة بهذا الامتياز فيقدم منها ما أنفق أخيرًا على ما أنفق قبله، ذلك لأن من أنفق أخيرًا هو الذي أفاد من أنفق أولاً إذا لولا المصروفات الأخيرة لهلك الشيء ولم يحصل من أنفق أولاً على شيء أو لتلف المنقول فنقصت قيمته في حين أن من أنفق أخيرًا لم يستفد شيئًا من المصروفات التي أنفقت أولاً.
هذا ونشير إلى أن الامتياز قد يصطدم بالأثر المسقط لقاعدة الحيازة في المنقول وأن المشروع قد اعتبر كلاً من مؤجر العقار وصاحب الفندق حائزًا للمنقولات الموجودة في العين المؤجرة أو في الفندق " المادة 1067 من المشروع ".
ثم يأتي في المرتبة الرابعة حقوق الامتياز العامة المنصوص عليها في المادة (1074) التي تقابل المادة (108) من القانون الحالي، وهذه الحقوق تشمل ثلاث طوائفأولاً المبالغ المستحقة للإجراء من خدم وعمال وغيرهم من أجرهم ومرتباتهم من أي نوع كان، ثانيًا: المبالغ المستحقة عما صرف للمدين ولمن يعوله من مأكل وملبس ودواء، ثالثًا: النفقة المستحقة في ذمة المدين لمن تجب نفقتهم عليه، وتشترك الحقوق الممتازة بطوائفها الثلاث، في شرط واحد وهو أنها تقتصر على ما هو مستحق منها في الستة شهور الأخيرة أي السابقة مباشر لتاريخ الحادث الذي أدى إلى تصفية أموال المدين كالوفاة أو شهر الإفلاس، فإن لم يقع ما يستدعي تصفية كل أموال المدين وأراد صاحب الحق استعمال امتيازه عند بيع مال من أموال المدين فيكون المقصود هو الستة شهور السابقة على الحجز على هذا المال.
أما محل الامتياز فهو جميع أموال المدين من منقول وعقار، وقد رأينا من قبل أن هذه الحقوق لا يلزم فيها القيد ولو وردت على عقار كما أنه لا يترتب عليها حق التتبع (المادتان 1064 و1065).
وتأتي هذه الامتيازات في المرتبة الرابعة بعد حقوق الامتياز السابقة، والدائن الذي يتمتع بامتياز من هذه الامتيازات يتقدم في استيفاء حقه المضمون من عقار أو عقارات المدين على كل دائن له حق عيني مقيد على العقار أيًا كان تاريخ القيد فيتقدم على جميع المرتهنين وأصحاب حقوق الامتياز الخاصة العقارية، ولكنها تتأخر عن المبالغ المستحقة للخزانة العامة، وإذا تعددت حقوق الامتياز العامة فيما بينها تستوفى بنسبة كل منها.
ثم يأتي في المرتبة الخامسة امتياز مصروفات الزراعة (م 1075) وفيه نجد الحق الممتاز هو ما صرف في البذر والسماد وغيره من مواد التخصيب والمواد المقاومة للحشرات وما صرف في أعمال الزراعة والحصاد مثل أجرة الأدوات والآلات التي استخدمت في هذه الأعمال.
ومحل الامتياز هو المحصول الذي صرفت المصروفات في إنتاجه أيًا كانت المدة التي اقتضاها إنتاج المحصول، سنة أو أقل أو أكثر، وإذا كانت المصروفات قد أنفقت في إنتاج أكثر من محصول فيرد الامتياز على كل محصول بنسبة ما خصه من هذه المصروفات، ويرد هذا الامتياز على محصول الأرض سواء كان المدين بالمصروفات هو مالك المحصول أم كان غير مالك، وسواء بقي المحصول في الأرض أو نُقل منها إلا إذا اصطدم بالأثر المسقط لقاعدة الحيازة في المنقول.
وتأتي مرتبة الامتياز بعد الحقوق السابقة أي في المرتبة الخامسة، وإذا تعددت المصروفات التي يتضمنها الامتياز فتكون لها جميعًا مرتبة واحدة فتُستوفى بنسبة كل حق منها.
ثم يأتي في المرتبة السادسة امتيازان، الأول هو امتياز المؤجر الذي نصت عليه المادة (1076) التي تقابل المادة (110) من القانون الحالي.
والحق الممتاز هو حق مؤجر المباني أو الأراضي في الأجرة لمدة سنتين أو لمدة الإيجار إن قلت عن ذلك، وكذلك كل حق آخر يثبت للمؤجر بمقتضى عقد الإيجار كالتعويض الذي يستحقه المؤجر عن تلف العين المؤجرة أو استعمالها في غير ما أُعدت له أو عن عدم قيام المستأجر بالتزام يفرضه عليه عقد الإيجار كالتزامه بعمل تغييرات أو إصلاحات معينة في العين المؤجرة أو ملحقاتها، أما الحقوق التي تكون للمؤجر قبل المستأجر لسبب آخر غير الإيجار كالقرض فلا يضمنها الامتياز.
ومحل الامتياز هو ما يكون موجودًا بالعين المؤجرة من منقولات قابلة للحجز، ومن محصول زراعي، وفيما يتعلق بملكية المنقولات فالامتياز يرد عليها أولاً إذا كانت مملوكة للمستأجر، وثانيًا إذا كانت مملوكة لزوجة المستأجر، وثالثًا إذا كانت مملوكة لغيرها ولم يثبت أن المؤجر كان يعلم بذلك وقت وضعها في العين المؤجرة، أما إذا كان يعلم أنها ليست مملوكة للمستأجر أو زوجته فالامتياز لا يشملها، وثبوت حق المؤجر في الامتياز على منقولات الغير عندما يكون حسن النية يجعله في حكم الحائز حسن النية فتسري أحكام استرداد المنقولات المسروقة أو الضائعة، ورابعًا إذا كانت المنقولات أو المحصولات مملوكة لمستأجر من الباطن فامتياز المؤجر يرد عليها إذا كان قد اشترط صراحةً على المستأجر عدم التأجير من الباطن، فإذا لم يكن المؤجر قد اشترط ذلك فلا يثبت له الامتياز على منقولات المستأجر من الباطن إلا لضمان المبالغ التي تكون مستحقة للمستأجر الأصلي في ذمة المستأجر من الباطن وقت أن ينذره المؤجر بعدم دفع هذه المبالغ للمستأجر الأصلي.
وواضح من النص أنه يشترط لثبوت الامتياز أن تكون المنقولات أو المحصولات الزراعية موجودة في العين، فإذا وجدت بالعين وبالتالي ثبت عليها الامتياز فما أثر نقلها ؟ إذا نقلت المنقولات أو المحصولات أو بعضها بعلم المؤجر ودون معارضة منه انقضى حق الامتياز بالنسبة لما نقل وكذلك ينقضي الامتياز بالنسبة لما نقل إذا كان ما بقي في العين لمؤجرة يكفي للوفاء بالحقوق الممتازة، أما إذا نقلت على الرغم من معارضة المؤجر أو على غير علم منه، ولم يبقَ في العين ما يكفي لضمان الحقوق الممتازة، فيبقى الامتياز قائمًا دون أن يضر هذا بالحق الذي كسبه الغير حسن النية على هذه المنقولات أي إلا إذا اصطدم قيام الامتياز بالأثر المسقط لحيازة شخص آخر للمنقول إذا توافرت شروط قاعدة الحيازة في المنقول سند الحق، هذا هو الأصل ولكن المشروع جعل نقل المنقولات من العين المؤجرة على الرغم من معارضة المؤجر أو على غير علم منه في حكم الضياع أو السرقة فنص على أن " ويبقى الامتياز قائمًا ولو أضر بحق الغير لمدة ثلاث سنوات من يوم نقلها إذا أوقع المؤجر عليها حجزًا استحقاقيًا في الميعاد القانوني ومع ذلك إذا بيعت هذه الأموال إلى مشترٍ حسن النية في سوق عام أو في مزاد علني أو ممن يتجر في مثلها وجب على المؤجر أن يرد الثمن إلى ذلك المشتري ".
ويأتي في المرتبة السادسة أيضًا امتياز صاحب الفندق الذي نصت عليه المادة (1077التي تقابل المادة (111) من القانون الحالي.
والحق الممتاز هو ما يستحقه صاحب الفندق في ذمة النزيل عن أجرة الإقامة والمؤونة وما صرف لحسابه فيجب أولاً أن نكون بصدد صاحب فندق ويقصد به المكان الذي يعد لتقديم المأوى وما يقتضيه من خدمات سواء كان يقدم الطعام في الوقت نفسه أم لا، وعلى ذلك لا يستفيد من هذا الامتياز أصحاب المطاعم والمقاهي الذين لا يقدمون المأوى ويثبت الامتياز لصاحب الفندق سواء كان النزيل من أهل البلد أو من بلد آخر. ويضمن الامتياز أجرة الإقامة وثمن الطعام والشراب والخدمات التي يقدمها الفندق للنزيل ومن معه كأفراد أسرته وخدمه مثل أجرة غسل الملابس وأجرة جراج السيارة الملحق بالفندق، كما يشمل ما دفعه صاحب الفندق لحساب النزيل عندما كلفه بذلك كأجرة التاكسي أو شراء بعض الأشياء التي طلبها النزيل، ويقتصر الامتياز على ضمان ما يستحقه صاحب الفندق عن آخر مرة نزل فيها النزيل في الفندق، فإذا فرض أن ترك النزيل الفندق مدينًا بشيء مما ذُكر ثم عاد مرة أخرى فلا يكون لصاحب الفندق حق امتياز على ما يحضره هذه المرة من أمتعة لضمان المبالغ السابقة.
أما محل الامتياز فهو الأمتعة التي أتى بها النزيل إلى الفندق أو ملحقاته، سواء أتى بها إلى الفندق عند حضوره أو أتى بها خلال الفترة التي أقام فيها بالفندق، وسواء أتى بها النزيل بنفسه أو بواسطة أحد تابعيه، فيشمل محل الامتياز الملابس والمجوهرات والنقود والسيارة والبضائع التي يشتريها النزيل ويحضرها إلى الفندق أو أحد ملحقاته كالمخازن، والأصل أن الامتياز يرد على هذه الأشياء إذا كانت مملوكة للنزيل أو أحد تابعيه، ولكن صاحب الفندق يعتبر حائزًا حسن النية فلا يحتج عليه بحق الغير إذا كان لا يعلم وقت إدخال الأشياء في الفندق بحق الغير وحسن النية مفترض إلى أن يثبت العكس، ولكن إذا كانت الأمتعة مسروقة أو ضائعة فلمالكها أن يستردها من صاحب الفندق وفقًا للقاعدة العامة في هذا الشأن، وإذا نقلت الأمتعة رغم معارضة صاحب الفندق أو دون علمه فيسري هنا ما ذكر في شأن امتياز المؤجر الوارد في المادة السابقة.
ومرتبة هذا الامتياز هي المرتبة السادسة أي نفس مرتبة امتياز المؤجر أي بعد حقوق الامتياز المنصوص عليها في المواد من (1071 إلى 1075) ولكن إذا كان المنقول الموجود في الفندق محملاً بحق امتياز متقدم، كامتياز الحفظ مثلاً فصاحب الفندق يعتبر حائزًا وفقًا لنص المادة (1067) فلا يُحتج عليه بالامتياز المتقدم إلا إذا كان يعلم بوجوده وقت وضع المنقول في الفندق، وإذا تزاحم صاحب امتياز الفندق وصاحب امتياز المؤجر - وهما في مرتبة واحدة - قدم الحق الأسبق في التاريخ ما لم يكن غير نافذ بالنسبة لصاحب الحق الآخر.
وعلى ذلك إذا نقل المنقول من العين المؤجرة دون علم المؤجر أو رغم معارضته ووضع في الفندق فيكون امتياز المؤجر أسبق في التاريخ فيتقدم على امتياز صاحب الفندق، إذا ثبت أن صاحب الفندق كان يعلم بامتياز المؤجر، فإذا لم يثبت ذلك اعتبر صاحب الفندق حائزًا حسن النية للمنقول فلا يحتج عليه بامتياز المؤجر، ومثل هذا يقال في الصورة العكسية أي إذا نُقل المنقول من الفندق دون علم صاحب الفندق أو رغم معارضته ووضع في العين المؤجرة.
وفي المرتبة السابعة يأتي امتياز بائع المنقول، الذي نصت عليه المادة (1078التي تقابل المادة (112) من القانون الحالي.
والحق الممتاز هو حق بائع المنقول في الثمن كله أو ما بقي منه في ذمة المشتري وملحقات هذا الثمن مثل نفقات المطالبة به، ويستوي أن يكون الثمن مؤجلاً أو غير مؤجل فهو في الحالين مضمون بالامتياز ما دام المشتري لم يدفعه، أما الحقوق الأخرى، غير الثمن وملحقاته، التي تثبت للبائع بمقتضى عقد البيع كالتعويضات التي يستحقها البائع لإخلال المشتري بالتزام من التزاماته فلا يضمنها الامتياز سواء كان التعويض قضائيًا أو اتفاقيًا.
وأما محل الامتياز فهو المنقول المبيع ذاته، ويبقى المنقول محملاً بالامتياز ما دام محتفظًا بذاتيته، فإذا فقد ذاتيته كما لو استخدم المنقول في بناء عقار فأصبح عقارًا بطبيعته كالأحجار والأخشاب فيزول حق الامتياز، ويبقى الامتياز قائمًا على المنقول المبيع ولو تصرف فيه المشتري أو نشأ عليه للغير حق آخر، إلا إذا اصطدم بحق حائز حسن النية، فإذا كان الغير الذي اشترى المنقول أو ارتهنه رهنًا حيازيًا قد تسلمه وهو حسن النية أي جاهلاً بامتياز البائع فلا يحتج بحق الامتياز عليه، وتأتي مرتبة امتياز البائع تالية لحقوق الامتياز السابقة، إلا أنه يتقدم على امتياز المؤجر وامتياز صاحب الفندق إذا ثبت أنهما كانا يعلمان به وقت وضع المبيع في العين المؤجرة أو الفندق، ويأتي في نفس مرتبة امتياز بائع المنقول، وهي المرتبة السابعة امتياز المتقاسم في المنقول الذي نصت عليه المادة (1079) التي تقابل المادة (113من القانون الحالي.
والحق الممتاز هو حق كل متقاسم لمنقول في الرجوع على غيره من المتقاسمين بسبب القسمة، سواء كانت اتفاقية أو قضائية، وسواء كانت قسمة عينية أو بطريق التصفية أي عن طريق بيع المقسوم لتوزيع الثمن، والحقوق التي تثبت للمتقاسم بسبب القسمة هي، أولاً: معدل القسمة أي الفرق بين قيمة الحصص الذي تقرر دفعه إلى المتقاسم الذي اختص بأقل من نصيبه عينًا، وثانيًا: ما يستحقه المقاسم من ثمن المنقول الذي بيع لعدم إمكان قسمته عينًا إذا كان البيع لأحد الشركاء، وثالثًا: ما يستحقه المتقاسم من تعويض إذا ما استحق شيء مما آل إليه في القسمة على أساس الالتزام بالضمان.
ومحل الامتياز هو المنقول أو المنقولات التي وقعت في نصيب المتقاسم الذي يكون مدينًا بالحق المضمون بالامتياز. فإذا كان الحق هو معدل القسمة ورد الامتياز على ما وقع من منقولات في نصيب من يلتزم بالمعدل، وإذا كان الحق الممتاز هو ما يخص أحد المتقاسمين من ثمن المنقول الذي اشتراه غيره من المتقاسمين ورد الامتياز على هذا المنقول. وإذا كان الحق الممتاز هو التعويض بسبب الاستحقاق ورد الامتياز على جميع المنقولات التي اختص بها غيره من الشركاء كل بقدر ما يلتزم به من التعويض.
وأما مرتبة هذا الامتياز فهي المرتبة السابعة وهي نفس مرتبة امتياز بائع المنقول، فإذا تزاحم الحقان قدم الأسبق في التاريخ.
الفرع الثاني - حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار:
حقوق الامتياز الخاصة الواقعة على عقار هي التي يكون محل الامتياز فيها عقارًا أو عقارات معينة " م 1063 من المشروع " وقد سبق أن نص المشروع على أن تسري عليها أحكام الرهن الرسمي بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع طبيعة هذه الحقوق " م 1066 " كما سبقت الإشارة إلى أن ما يكون منها ضمانًا لمبالغ مستحقة للخزانة العامة لا يلتزم قيده ومع ذلك فهو يخول حق التتبع " م 1064 ".
وقد نص المشروع على امتياز بائع العقار، وامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين والمهندسين، وامتياز المتقاسم في عقار.
فقررت المادة (1080) التي تقابل المادة (114) من القانون الحالي، امتياز بائع العقار وهذا الامتياز يضمن ما يستحق لبائع العقار من الثمن وملحقاته، على نحو ما سبق ذكره بالنسبة لامتياز بائع المنقول، ويرد الامتياز على العقار المبيع، ونظرًا إلى أن الامتياز خاص ويرد على عقار فيجب أن يقيد حتى يحتج به على الغير كما هي الحال بالنسبة للرهن الرسمي وتكون مرتبته من وقت القيد.
وتقرر المادة (1081) التي تقابل المادة (115) من القانون الحالي، امتياز المقاولين والمهندسين، والحق الممتاز هو ما يثبت للمقاولين والمهندسين الذين عهد إليهم في تشييد أبنية أو منشآت أخرى أو في إعادة تشييدها أو في ترميمها أو في صيانتها فيجب أولاً أن يكون صاحب الحق مقاولاً أو مهندسًا، وإذا كان القانون الحالي، متأثرًا بالقانون المصري، يقصر الامتياز على المهندسين المعماريين دون غيرهم من المهندسين، فلم يرَ المشروع ما يبرر ذلك خاصة والمباني والمنشآت في الوقت الحاضر تقتضي أعمالاً من المهندسين من تخصصات مختلفة مدنيين وكهربائيين وغير ذلك، ويجب أن يكون المهندس أو المقاول قد عهد إليه بالعمل الذي يطالب بالمبالغ المستحقة عنه فإذا قام بالعمل من تلقاء نفسه فلا يتمتع بهذا الامتياز، ولكن لا يشترط أن يكون مالك العقار هو الذي عهد إلى المقاول أو المهندس بالعمل فيثبت الامتياز ولو كان مستأجر العقار أو حائزه هو الذي عهد إلى المقاول أو المهندس بالعمل.
أما محل الامتياز فهو المباني أو المنشآت الأخرى التي شُيدت أو رممت أو أُجري فيها عمل من أعمال الصيانة، لا في قيمتها كلها ولكن بقدر ما ترتب على عمل المقاول أو المهندس من زيادة في قيمة العقار وقت بيعه، فإذا كان المقاول مثلاً قد أقام مبنى على أرض فضاء فلا يكون له امتياز على كل قيمة الأرض وما عليها ولكن على الفرق بين قيمة الأرض وحدها وقيمتها بما عليها من مبنى.
وهذا الامتياز يجب أن يقيد، وتكون مرتبته من وقت القيد ولكن يلاحظ أن المادة (977) من المشروع عندما قررت أن الرهن يشمل جميع التحسينات والإنشاءات التي أجريت في العقار المرهون قالت " مع عدم الإخلال بامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين أو المهندسين فإذا رهن العقار ثم قيد وبعد ذلك قام المقاول أو المهندس بما عهد إليه من أعمال في هذا العقار ثم قيد الامتياز فيتقدم امتياز المقاول أو المهندس رغم تأخر قيده على قيد الرهن ".
وأخيرًا نصت المادة (1082) التي تقابل المادة (116) من القانون الحالي، على امتياز متقاسم العقار الذي يضمن للمتقاسم ما يثبت له من حق قبل الشركاء المتقاسمين الآخرين بسبب القسمة على نحو ما ذكر من قبل بالنسبة لامتياز متقاسم المنقول، ومحل الامتياز هو ما وقع في نصيب الشريك أو الشركاء الذين يرجع عليهم المتقاسم صاحب بالحق على نحو ما ذكر أيضًا بالنسبة لامتياز متقاسم المنقول.
ويجب أن يقيد هذا الامتياز، وتكون مرتبته من وقت القيد. 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق