الصفحات

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

الطعن 40 لسنة 19 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 99 ص 823

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (99)
القضية رقم 40 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "الخصوم - الحكومة".
اعتبرت المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية - رئيس الجمهورية يتولى، إلى جانب رئاسة الدولة، السلطة التنفيذية - اختصامه في الدعوى الدستورية يحقق مقتضى المادة 35 المشار إليها.
2 - سلطة تشريعية "اختصاصها - استثناء: حالة الضرورة".
الأصل أن تتولى السلطة التشريعية اختصاصها المتمثل في سن القوانين - المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام لمواجهة المخاطر التي تلوح في غيبة مجلس الشعب؛ يقتضي الاستثناء من الأصل المتقدم والسماح للسلطة التنفيذية بمزاولة الاختصاص التشريعي شريطة توافر حالة الضرورة بضوابطها الموضوعية.
3 - دستور "المادة 147: سلطة تشريع استثنائية".
جعل نص المادة 147 من الدستور لرئيس الجمهورية اختصاصاً استثنائياً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون - شرطاه: غيبة مجلس الشعب، وتوافر حالة الضرورة.
4 - دستور "المادة 147/ 2 - قرار بقانون: إجراءات عرضه على مجلس الشعب".
تختلف مواعيد وإجراءات عرض القرارات بقانون المشار إليها على مجلس الشعب، طبقاً للفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، باختلاف ما إذا كان مجلس الشعب منحلاً أو موقوفاً أو قائماً - وجوب عرضها في أول اجتماع إذا كان المجلس موقوفاً أو منحلاً - وخلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إن كان قائماً - علة ذلك: تمكين المجلس من مباشرة سلطته التشريعية الأصيلة.
5 - تشريع "القرار بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - حالة الضرورة".
تزامن صدور القرار بقانون المذكور، في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير، مع قرب بدء العام الجامعي وعدم وفاء موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا بمتطلباتهم، اقتضى سرعة إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" بالقرار بقانون المشار إليه قبيل بدء الدراسة مؤدى ذلك: توافر حالة الضرورة.
6 - الملكية الخاصة "تنظيمها - وظيفة اجتماعية - سلطة تقديرية".
تنظيم الملكية يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع - أثره: من السائغ تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية بشرط عدم مخالفة ذلك للدستور.
7 - تشريع "القرار بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - تضامن اجتماعي".
هيأ قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 لمشروعات القطاع العام، وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة، الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح - لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع في أن تكون موارده فاعلة إعمالاً لمبدأ التضامن الاجتماعي.

----------------
1 - اعتبرت المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وهذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه - إلى جانب رئاسة الدولة - متولياً للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة 137 من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها.
2 - سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
3 - المستفاد من نص المادة 147 من الدستور أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوّغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
4 - البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعى دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.
5 - إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدر بتاريخ 23/ 9/ 1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/ 9/ 1971 وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/ 9/ 1971، وقد تزامن صدوره - في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967 - مع بدء العام الجامعي، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تقي بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤي إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" وإسناد هذه المهمة - ضمن مهام أخرى - إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافرت - بالتالي - حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتي لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادي بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد. ليقوم عليها خيراً من سابقه.
6 - لم تعد الملكية حقاً مطلقاً يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرّع - في ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي؛ وفي إطار خطة التنمية.
7 - هيأ البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 لمشروعات القطاع العام - وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة - الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، إسهاما منها في تحقيق الخير العام للجماعة، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الاجتماعي، وضماناً لاستمرار المشروعات التي يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاوني؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهي لا تجعلها وفقاً خالصا عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع - وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعي - في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التي أرادها لها الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً للحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم "بنك ناصر الاجتماعي"، وكذلك عدم دستورية البند 1 من المادة 6 منه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها (أصلياً) الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة و (احتياطياً) برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
وبعد حجز الدعوى للحكم قدم المدعى عليه الرابع طلبا لإعادة الدعوى إلى المرافعة، رأت المحكمة الالتفات عنه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه الرابع، كان قد أقام الدعوى رقم 3529 لسنة 1996 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعي ابتغاء القضاء بإلزام الشركة التي يمثلها بأن تؤدى لبنك ناصر الاجتماعي مبلغ 981238 جنيهاً، قولاً منه بأن هذا المبلغ يمثل نسبة الاثنين بالمئة من أرباح الشركة المدعية عن السنتين الماليتين 89/ 1990 و90/ 1991 المستحقة للبنك قبلها عملاً بحكم البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 1971 المعدل بالقانون 21 لسنة 1978، وأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 137 لسنة 1974، وأثناء نظرها دفع الحاضر عن الشركة المدعى عليها بعدم دستورية ذلك القانون وكذا البند 1 من المادة 6 منه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة، دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها على غير ذي صفة: تأسيساً على أن اختصام الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي في الدعوى، لا يغني عن اختصام الحكومة ممثلة في رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص.
وحيث إن المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اعتبرت الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وهذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه - إلى جانب رئاسة الدولة - متولياً للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة 137 من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها.
وحيث إن المدعي ينعى على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدوره بالمخالفة لحكم المادتين 108، 147 من الدستور، قولاً بأنه قد صدر في غيبة مجلس الشعب، ودون توافر ضرورة ملجئه أو ظروف استثنائية تستوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، إذ لا يعدو الهدف من إنشاء بنك ناصر الاجتماعي - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية لذلك القرار بالقانون - أن يكون تكريم اسم زعيم راحل، واستثمار الأموال، وخدمة المجتمع.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
وحيث إن الدستور قد بين ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية - ممثلة في رئيس الجمهورية - لجانب من الوظيفة التشريعية في أحوال الضرورة أثناء غياب مجلس الشعب، وذلك في المادة 147 منه التي تنص على أنه "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون.
ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".
وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
وحيث إن البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعي دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدر بتاريخ 23/ 9/ 1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/ 9/ 1971، وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/ 9/ 1971، وقد تزامن صدوره - في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967 - مع بدء العام الجامعي، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تقي بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤي إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" وإسناد هذه المهمة - ضمن مهام أخرى - إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافرت - بالتالي - حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتي لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادي بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد. ليقوم عليها خيراً من سابقه.
وحيث إن القرار بالقانون المشار إليه، قد أحيل إلى مجلس الشعب في الحادي عشر من نوفمبر سنة 1971 أي في ذات تاريخ الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول - وفقاً لما ورد بكتاب الأمانة العامة لمجلس الشعب رقم 344 المؤرخ 1/ 3/ 2000 - فأحاله إلى اللجنة الاقتصادية لبحثه وتقديم تقرير عنه، وبعد أن قدمته وافق المجلس على ذلك القرار بقانون بجلسته المنعقدة بتاريخ 27/ 12/ 1971، دون اعتراض أحد عليه. لما كان ما تقدم، فإن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 المشار إليه، يكون قد انتصب سوياً على قدميه، بمفازة من أي عوار شكلي، ويضحى النعي عليه بصدوره من رئيس الجمهورية في غير حالة ضرورة، فاقد الأساس.
وحيث إن نطاق الدعوى - على ضوء ارتباط النصوص المطعون فيها بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي - بات محدداً بنص البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم "بنك ناصر الاجتماعي" وبإلغاء القانون رقم 56 لسنة 1968 بإنشاء وتنظيم صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا، المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 1978 - قبل إلغاء هذا البند بنص المادة 7 من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العامة المعمول به اعتباراً من 19 يوليه 1991 - والذي كان يجرى على النحو الآتي:
"تتكون موارد الهيئة من:
1 - نسبة من صافي أرباح وحدات القطاع العام تحسب قبل التوزيع وقبل خصم الضرائب النوعية المستحقة، وتحدد هذه النسبة بقرار من رئيس الجمهورية".
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين خروجه على الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية وحرمانه العاملين بالشركة التي يمثلها من كامل نصيبهم في الأرباح المخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الدستور ينص في المادة 29 على أن "تخضع الملكية لرقابة الشعب؛ وتحميها الدولة، وهي ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة" وفي المادة 30 على أن "الملكية العامة هي ملكية الشعب...." وفي المادة 34 على أن الملكية الخاصة مصونة...." دالاً بذلك على احتفائه بحق الملكية، بالنظر إلى دقة المصالح التي يمثلها، وانعكاسها على القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن بها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ومن ثم فقد أخضعها لرقابة الشعب؛ وعهد إلى الدولة بحمايتها - أياً كان صاحبها - وأعقب الدستور ذلك، بتنظيم صور هذه الحماية، ومداها؛ بحسب دور كل نوع منها.
وحيث إن الملكية لم حقاً مطلقاً يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرّع - في ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي؛ وفي إطار خطة التنمية.
وحيث إن البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 – المطعون فيه – قد التزم هذا الإطار الدستوري، فهيأ لمشروعات القطاع العام - وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة - الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، إسهاماً منها في تحقيق الخير العام للجماعة، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الاجتماعي، وضماناً لاستمرار المشروعات التي يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاوني؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهي لا تجعلها وقفاً خالصاً عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع - وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعي - في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التي أرادها لها الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق